You are on page 1of 213

‫فقــه املــرأة‬

‫أحكام الزينة واللباس‬

‫الدكتورة لينة احلمصي‬

‫ه ّذبه واعتنى به‬

‫املفكر اإلسالمي الدكتور أنور وردة‬


‫شكرٌ خاصّ‬

‫ي�سعدين �أن �أتقدم عرب هذه ال�سطور القليلة بال�شكر اجلزيل وامل�ستم ّر لزوجي الغايل‪،‬‬
‫واملهند�س املاهر‪ ،‬الدكتور �أنور‬
‫ِ‬ ‫الباحث واملفكر الإ�سالمي‪ ،‬الأديب ال�شاعر وال�صحفي الباهر‬
‫وردة‪ ،‬ع�سى �أن �أف َيه بهذا ال�شكر بع�ضاً مما ي�ستح ّقه‪ ،‬على ما يقدّم يل من ٍ‬
‫دعم وم�ساعد ٍة‬
‫وم�ساند ٍة وعطاء‪.‬‬

‫د‪.‬لينة احلم�صي‬
‫اإلهداء ‪...‬‬

‫�إىل حواء‪..‬‬
‫�إىل كل �أنثى ترنو بعني الب�صر والب�صرية لتطبيق �شرع اهلل‪..‬‬
‫�إىل �أخواتي يف الإ�سالم اللواتي تابعن برناجمي «فقه املر�أة»‬
‫على �شا�شة قناة الر�سالة الف�ضائية‪..‬‬

‫�أهدي هذا الكتاب‪..‬‬

‫الدكتورة لينة احلم�صي‪.‬‬


‫مقـــــدمة‬

‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬واحلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وال�صالة وال�سالم الأ َّمتان الأكمالن‬
‫الأنوران الأعطران على حبيب رب العاملني‪ ،‬وعلى �آل بيته الطيبني الطاهرين‪ ،‬وعلى �أ�صحابه‬
‫إح�سان �إىل يوم الدين‪.‬‬
‫الغ ِّر امليامني‪ ،‬وعلى من تبعه ب� ٍ‬
‫�أما بعد‪ ،‬فقد ي�س�أل �سائ ٌل‪ :‬ملاذا اخرتتُ �أن �أبحث و�أكتب يف الفقه‪ ،‬مع �أنَّ املكتبات الإ�سالمية‬
‫مليئ ٌة بكتب الفقه‪ ،‬التي �أنفق العلماء جهود ًا عظيم ًة يف كتابتها وخدمتها؟‬
‫مو�ضوع قدمي؟‬
‫ٍ‬ ‫جديد يبحث يف‬
‫بكتاب ٍ‬
‫داع لإثقال املكتبة العربية والإ�سالمية ٍ‬ ‫هل هناك ٍ‬
‫ما الذي �س�أ�ضيفه يف هذا الكتاب؟‬
‫وما معنى فقه املر�أة؟‬
‫وما هي املوا�ضيع التي �س�أطرحها يف فقه املر�أة؟‬
‫ولهذا ال�سائل �أقول‪:‬‬
‫�ضروري‬
‫ٌّ‬ ‫عال‪ ،‬لأنَّ الفقه عل ٌم‬ ‫�صحي ٌح �أنَّ كتب الفقه كثرية‪ ،‬وال تكاد تخلو منها مكتب ُة ٍ‬
‫باحث �أو مِ‬
‫يف حياة كل م�سلم وم�سلمة‪ ،‬فبالفقه يعرف الإن�سان كيف ي�ؤدي عباداته ومعامالته بطريق ٍة‬
‫�صحيح ٍة �شرع ًا‪.‬‬
‫كتب‬ ‫ال�صحيح �أي�ض ًا هو �أنَّ كتب الفقه الكثرية املوجودة يف املكتبات هي يف معظمها ٌ‬‫َ‬ ‫ولكنَّ‬
‫كتب‬ ‫تخ�ص�صي ٌة نخبوي ٌة‪ ،‬يطلع عليها طلبة العلم �أو طالب اجلامعات واملعاهد ال�شرعية‪ ،‬وهي ٌ‬ ‫ّ‬
‫مك َّثف ٌة عالية الد�سم‪ ،‬الأمر الذي يجعلها بعيد ًة عن �أيدي واهتمامات النا�س‪ ،‬الذين لي�س لهم با ٌع‬
‫عمي ٌق يف علوم ال�شرع!‬

‫‪7‬‬
‫ي�صعب على الإن�سان العاديِّ �أن يغو�ص يف رحاب (حا�شية ابن عابدين) �أو يف (املغني)‬
‫�أو(مغني املحتاج) و(الأم) �أو (حا�شية الد�سوقي) �أو يف ما �شابه ذلك من �أمهات الكتب‪ ،‬التي ال‬
‫يتبحر يف الفقه‪.‬‬‫غنى عنها لطالب العلم‪ ،‬الذي يريد �أن َّ‬
‫املجاالت العلمي ٍة �أو املهني ٍة‪ ،‬والذي يريد �أن يتع َّلم ما يكفيه‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫�أما الإن�سان العادي �أو املتخ�ص�ص يف‬
‫واملقبول من �أحكام الإ�سالم يف احلالل‬ ‫َ‬ ‫ليعي�ش حياته وهو مطمئنٌ �إىل �أنه يعرف احل َّد املعقول‬
‫واحلرام‪ ،‬ف�إنه لن يتم ّكن من اال�ستفادة من تلك الكتب الفقهية التخ�ص�صية املكتوبة ب�أ�سلوب د�سم‬
‫ومكثف‪.‬‬
‫كل النا�س‪ ،‬مهما‬ ‫ممتع قاد ٍر على الو�صول �إىل ِّ‬ ‫�سهل ٍ‬ ‫أ�سلوب ٍ‬
‫ولهذا قررت �أن �أكتب الفقه ب� ٍ‬
‫اختلفت م�ستوياتهم وثقافاتهم واهتماماتهم‪.‬‬
‫�أ�ستطيع �أن �أقول‪ :‬مل �أقدِّ م يف كتابي «فقه املر�أة» �سهولة الأ�سلوب على ح�ساب العمق العلمي‬
‫مو�ضوع تعددت‬
‫ٍ‬ ‫للفقه‪ ،‬بل على العك�س‪ ،‬حر�صتُ على �إظهار الآراء الفقهية املتن ّوعة واملختلفة لكل‬
‫كل ر� ٍأي‪ ،‬مع الرتجيح وبيان احلكمة‬ ‫فيه االجتهادات‪ ،‬و�أوردتُ الدليل الذي اعتمد عليه �أ�صحاب ِّ‬
‫من هذا الر�أي �أو ذاك‪ ،‬كلما كان املجال منا�سب ًا لبيانها‪.‬‬
‫  ‬
‫ال ميكننا �أن نغفل ما يحتاج �إليه النا�س اليوم من معرفة احلكم ال�شرعي لكثري من الأمور‬
‫وتعامالت و�صيغ ًا �شتى من �صيغ‬
‫ٍ‬ ‫اخرتاعات‬
‫ٍ‬ ‫يوم جديد مي ُّر على النا�س يحمل لهم‬‫امل�ستجدة‪ ،‬فك َّل ٍ‬
‫ِ‬
‫ا�ستفهام حول �شرعيتها‪ :‬هل هي حال ٌل‬ ‫ٍ‬ ‫الت�صرفات‪ ،‬التي تر�سم �أمام امل�سلم وامل�سلمة �إ�شارات‬
‫�أم حرام؟!‬
‫ري من‬‫نحن اليوم يف القرن الواحد والع�شرين‪ ،‬ويف �أيامنا انت�شرت موا ُّد كيماوي ٌة ال يعرف كث ٌ‬
‫النا�س �إن كان ا�ستعمالها ُيف�سد الو�ضوء �أم ال‪ ،‬وانت�شرت علو ٌم طبي ٌة ا�ستطاعت �أن تزرع ال�شعر يف‬
‫ت�صل �شعو َر ال�سيدات بطريق ٍة مبتكر ٍة ومن مواد ال تخطر على البال!‬ ‫ر�أ�س الأ�صلع‪ ،‬و�أن َ‬
‫مما يثري الت�سا�ؤل‪ :‬هل يجوز زرع ال�شعر وو�صله؟‬
‫وبتنا نرى الو�شم �أو ما ي�س ّمى بالتاتو ينت�شر بني �شبابنا وفتياتنا‪ ،‬الأمر الذي يجعلنا نت�ساءل‪:‬‬
‫ما هو حكم الر�سومات التي تر�سم بالتاتو على �أنحاء خمتلفة من اجل�سد؟‬
‫وهل ت�صح �صالة املو�شوم واملو�شومة؟‬

‫‪8‬‬
‫ويقودنا احلديث عن التاتو �إىل �أن نت�ساءل‪ :‬هل طبع الر�سوم باحلناء على اجل�سم حال ٌل �أم‬
‫حرام؟‬
‫وما احلكم ملث ّبت ال�شعر (الفيك�ساتور) الذي يو�ضع على ر�أ�س الرجل �أو املر�أة عند ت�صفيف‬
‫ال�شعر‪ ،‬وهل هو جن�س ال�شتماله على الكحول؟‬
‫وماذا يجب على من و�ضعه �أن يفعل �إن �أدركه وقت ال�صالة؟‬
‫هذه �أ�سئل ٌة ب�سيط ٌة‪ ،‬ولكنها كثري ٌة وموجود ٌة يف �أذهان كث ٍري من النا�س‪ ،‬وهي جديد ٌة لأنها‬
‫ري منها مل ُيطرح على ب�ساط البحث عند‬ ‫وليدة الع�صور احلديثة‪ ،‬التي نحيا يف �أيامها‪ ،‬وكث ٌ‬
‫�أرباب العلم من الفقهاء القدامى‪ ،‬فمن �سيجيب النا�س عن هذه الأ�سئلة �إذا اكتفينا بكتب الفقه‬
‫املخزونة يف املكتبات؟‬
‫ليعطي فيه لر�أي‬
‫َ‬ ‫ودائب يف الفقه‪ ،‬ير�صد ويناق�ش ك َّل جديد‪،‬‬ ‫يجب �أن يكون هناك بحثٌ دائ ٌم ٌ‬
‫احلرام‪ ،‬ويبينِّ املت�شابه!‬
‫َ‬ ‫االجتهادي املنا�سب‪ّ ،‬‬
‫فيو�ضح احلالل‪ ،‬وي�ستبعد‬ ‫َّ‬
‫كل العلوم يف احلياة‪ ،‬والفقه واحد منها‪ ،‬وهو لي�س علم ًا جامد ًا‬ ‫وهذا الكالم ينطبق على ِّ‬
‫مغلق ًا‪ ،‬ال ُيعنى باجلديد‪ ،‬و�إال مل يكن هناك معنى لالجتهاد والتجديد‪.‬‬
‫  ‬
‫فقهي‬ ‫برنامج ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وانطالق ًا مما �سبق‪ ،‬فقد ر�أت �إدارة قناة الر�سالة الف�ضائية �أن تكلفني ب�إعداد‬
‫قاد ٍر على الو�صول �إىل �أكرب �شريح ٍة من النا�س‪ ،‬فا�ستجبتُ م�سرور ًة لهذا الطلب‪ ،‬وبد�أتُ بتقدمي‬
‫برنامج (فقه املر�أة) على تلك القناة الأثرية الهادفة‪ ،‬التي حتاول �أن تبقى دائم ًا يف طليعة‬
‫القنوات الف�ضائية امللتزمة الو�سطية املعتدلة‪ ،‬و�أن تقدِّ م للنا�س الفائدة املمزوجة باملتعة‪ ،‬واملتعة‬
‫املمزوجة بالفائدة‪.‬‬
‫م�سلم‬‫تهم كل ٍ‬ ‫تهم املر�أة بالدرجة الأوىل‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل �أنها ّ‬ ‫وفقه املر�أة ُيعنى باملوا�ضيع التي ّ‬
‫يريد �أن يتعلم حكم دينه يف املوا�ضيع املطروحة‪.‬‬
‫وقد اخرتتُ البحث يف هذه املوا�ضيع لأنني �أنثى‪ ،‬و�أعرف ما يه ُّم الإناث‪ ،‬و�أدرك �آالمهنَّ‬
‫تهم الإناث و ُتقل ُقهم‪..‬‬
‫وهمومهنّ ‪ ،‬و�أ�شعر بحاجة كل �أنثى �إىل طرح املوا�ضيع التي ّ‬

‫‪9‬‬
‫وقد تناولتُ يف هذا الكتاب موا�ضيع متنوع ًة‪ ،‬منها موا�ضيع تقليدي ٌة موجود ٌة يف كتب الفقه‪،‬‬
‫مب�س ٍط‪ ،‬ور ّكزت‬
‫�سهل ّ‬
‫أ�سلوب ٍ‬
‫وهي �ضرورية يف حياة امل�سلم وامل�سلمة‪ ،‬ولذلك ا�ستعر�ضتها ب� ٍ‬
‫يهم املر�أة يف حياتها اليومية وعباداتها على وجه اخل�صو�ص‪ ،‬ومن هذه املوا�ضيع‪:‬‬ ‫فيها على ما ّ‬
‫النجا�سات‪ -‬الطهارة‪ -‬الو�ضوء‪� -‬أركان ال�صالة‪� -‬سنن ال�صالة‪..‬‬
‫كما تعر�ضتُ ملوا�ضيع فقهي ٍة م�ستجد ٍة وم�ستحدث ٍة‪ ،‬منها‪ :‬زراعة ال�شعر‪ -‬العمليات التجميلية‪-‬‬
‫حكم مادة الكولونيا ومثبت ال�شعر‪ -‬من�ص احلواجب وو�صل ال�شعر وارتداء الباروكة وغري ذلك‬
‫تهم كل �أنثى‪.‬‬
‫من املوا�ضيع التي ّ‬
‫ق�سمت هذا الكتاب �إىل �أجزاء عديدة‪ ،‬يتخ�ص�ص اجلزء الأول منها باحلديث عن زينة‬ ‫كما ّ‬
‫املر�أة ولبا�سها‪ ،‬ويتناول اجلزء الثاين �أحكام الطهارة‪ ،‬بينما يتحدث اجلزء الثالث عن �أحكام‬
‫ال�صالة‪ ،‬ويف اجلزء الرابع �أحكام ال�صيام‪ ،‬ويف اجلزء اخلام�س �أحكام احلج‪.‬‬
‫وقد حاولتُ �أن �أر ّكز يف كتاب «فقه املر�أة» على نقاط االتفاق يف املذاهب الأربعة‪ ،‬كما‬
‫ترجيح الأقوى دلي ًال‪ِ ،‬‬
‫وترك‬ ‫ِ‬ ‫ا�ستعر�ضتُ �آراء املذاهب الفقهية يف الق�ضايا اخلالفية‪ ،‬مع حماولة‬
‫حرية االختيار للإخوة الق ّراء والقارئات‪ ،‬ليختاروا الر�أي الفقهي ح�سب احلاجة وامل�صلحة‬
‫املتطلبة‪ ،‬حتت مظلة ال�شريعة ال�صحيحة ال�سمحاء‪ ،‬مع الت�أكيد على �أنَّ تعدد الآراء الفقهية‬
‫يعني �أنَّ امل�س�ألة املطروحة هي م�س�أل ٌة اجتهادي ٌة‪ ،‬ويجوز الأخذ ب� ّأي ر� ٍأي من الآراء التي �أوردها‬
‫الفقهاء‪ ،‬وال يجوز �أن يقود تعدد الآراء الفقهية للحرية وال�ضياع‪.‬‬
‫كل مذهب‪ ،‬و�إمنا يكفي �أن يعلموا �أنَّ هنالك‬ ‫وال يفرت�ض يف الإخوة القراء �أن يحفظوا ما يف ِّ‬
‫يتم تقليد‬ ‫اختالف ًا بني الفقهاء يف امل�سائل االجتهادية‪ ،‬و�أنه يجوز تقليد هذه املذاهب‪ّ ،‬‬
‫ويف�ضل �أن ّ‬
‫الأقوى دلي ًال‪� ،‬إال �إذا اقت�ضت احلاجة تقليد املذهب الأ�ضعف دلي ًال‪ ،‬فيجوز عند ذاك ُ‬
‫اتباعه‬
‫لرفع ال�ضرر وامل�شقة‪ ،‬وال م�شكلة يف ذلك �إن �شاء اهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ٌ‬
‫معروف يف علم‬ ‫وال بد من التنويه �إىل �أنني ا�ستخدمت م�صطلح (اجلمهور)‪ ،‬وهو م�صطل ٌح‬
‫الفقه‪ ،‬ويراد به الأغلبية من الفقهاء الأربعة (ال�شافعية واحلنفية واملالكية واحلنبيلة)‪.‬‬
‫�أما املراجع التي ا�ستقيت منها معلومات هذا الكتاب‪ ،‬فهي �أمهات الكتب الفقهية املعتمدة‬
‫يف كل مذهب‪� ،‬أما بالن�سبة للأمور امل�ستجدة التي بحثها الفقهاء املعا�صرون‪ ،‬فقد اعتمدت‬
‫لتح�صيل �آرائهم قرارت املجامع الفقهية‪ ،‬وكتب الفتاوى احلديثة‪ ،‬كفتاوى ال�شيخ ابن عثيمني‬
‫وفتاوى ال�شيخ ابن باز وفتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء يف ال�سعودية وفتاوى ال�شبكة الإ�سالمية‬
‫وفتاوى قطاع الإفتاء يف الكويت وفتاوى الدكتور القر�ضاوي‪...‬‬
‫واهلل تعاىل �أ�س�أل �أن يكون يف كتابي هذا النفع والفائدة لعموم امل�سلمني‪ ،‬و�أن يجعل ثواب‬
‫ذلك يف �صحيفتي يوم الدين‪.‬‬

‫الدكتورة لينة احلم�صي‬

‫‪11‬‬
‫مدخ ٌل إىل الفقه اإلسالمي‬

‫قبل احلديث عن فقه املر�أة‪ ،‬ال ب ّد من مقدم ٍة نبني فيها معنى‬


‫ب�شكل عام‪ :‬كيف وجدت الأحكام ال�شرعية‪،‬‬
‫الفقه الإ�سالمي ٍ‬
‫ومتى ن�ش�أت املذاهب الفقهية‪ ،‬وهل يجب على املرء �أن ينت�سب‬
‫مذهب مع ٍني‪ ،‬وهل يجوز له �إذا انت�سب �إىل �أحد املذاهب �أن‬
‫ٍ‬ ‫�إىل‬
‫يق ِّلدَ مذهب ًا �آخر‪.‬‬
‫ ‬
‫معنى الفقه‬

‫الفقه يف اللغة هو‪ :‬العلم بال�شيء و َفه ُمه‪ .‬يقال‪ :‬رج ٌل ال يفقه �أي‪ :‬رج ٌل ال يعلم وال يفهم‪.‬‬
‫العال املجتهد الذي ي�ستنبط‬ ‫والفقه ا�صطالح ًا هو‪ :‬العلم بالأحكام ال�شرعية العمل ّية‪ ،‬وي�س ّمى مِ‬
‫الأحكام ال�شرعية من حالل وحرام ومندوب ومكروه فقيه ًا‪ ،‬ف�إذا �أفتى النا�س مبا يجوز لهم �أو‬
‫يحرم عليهم �س ّمي مفتي ًا‪.‬‬
‫والأحكام ال�شرعية العملية هي �أحكام ال�شريعة التي تتعلق بالأفعال والأقوال التي تنتج عن‬
‫عبادات النا�س ومعامالتهم اليومية‪ :‬هل هي �صحيحة �أم خاطئة‪ ،‬فا�سد ٌة �أم باطلة‪ ،‬حال ٌل �أم‬
‫حرام‪.‬‬
‫�أما �أحكام العقيدة والأخالق فلي�س الفقه جما ًال لبحثها‪ ،‬ملا ذكرناه من اخت�صا�ص الفقه‬
‫بالأحكام ال�شرعية العملية فقط‪.‬‬
‫  ‬
‫الأدلة القطعية والأدلة الظ ّنية‪:‬‬
‫قد يت�ساءل �سائل‪ :‬كيف وجدت الأحكام ال�شرعية‪ :‬احلالل‪ ،‬احلرام‪ ،‬املباح‪ ،‬املكروه؟‬
‫�أي‪ :‬كيف عرف النا�س �أنَّ هذا حال ٌل وهذا حرا ٌم وهذا مكرو ٌه وهذا مباح؟!‬
‫للجواب عن هذا ال�س�ؤال يجب �أن نتحدث عن م�صادر الت�شريع التي ا�ستُن ِب َطت منها الأحكام‬
‫ال�شرعية‪.‬‬
‫من حيث املبد�أ م�صادر الت�شريع الأ�سا�سية يف الإ�سالم هي‪ :‬القر�آن الكرمي‪ -‬ال�سنة النبوية‬
‫حجيتها‪،‬‬ ‫ال�شريفة‪ -‬الإجماع – القيا�س‪ ،‬وهناك م�صادر فرعية �أخرى اختلف الفقهاء حول ّ‬
‫كاال�ستح�سان وامل�صالح املر�سلة وعمل �أهل املدينة‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫وتنق�سم الأدلة التي ت�ستنبط من هذه امل�صادر �إىل نوعني‪� :‬أدل ٍة قطعي ٍة و�أدل ٍة ظنية‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫الأدلة القطعية‪:‬‬
‫وقطعي الدالل ِة من القر�آن الكرمي وال�سنة‬‫ِِّ‬ ‫الثبوت‬
‫ِ‬ ‫قطعي‬
‫بن�ص ِّ‬ ‫الأدلة القطعية هي‪ :‬ما ثبت ٍ‬
‫النبوية ال�صحيحة واملتواترة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل الإجماع‪ ،‬والإجماع هو اتفاق جميع العلماء املجتهدين‬
‫�شرعي ما‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫حكم‬
‫ع�صر ما على ٍ‬
‫يف ٍ‬
‫القطعي الذي ال جمال لل�شك فيه‪ ،‬لأنه ورد يف القر�آن الكرمي‬ ‫َّ‬ ‫الن�ص‬
‫بقطعي الثبوت َّ‬
‫ِّ‬ ‫ونعني‬
‫جمع ي�ستحيل‬ ‫جمع عن ٍ‬ ‫املتواتر‪� ،‬أو يف ال�سنة النبوية املتواترة وال�صحيحة التي رواها جم ٌع عن ٍ‬
‫تواط�ؤهم على الكذب‪.‬‬
‫وبهذا التعريف تكون كل الآيات الكرمية املوجودة يف القر�آن الكرمي قطعي َة الثبوت‪ ،‬لأنَّ علماء‬
‫الأمة اتفقوا منذ عهد ال�صحابة الكرام وحتى ع�صرنا هذا على �أنَّ القر�آن الكرمي الذي د ِّون يف‬
‫ثابت ال جمال لل�شك فيه‪.‬‬ ‫امل�صاحف هو القر�آن الذي �أنزله اهلل على �سيدنا حممد ‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫ومن مناذج ال�س َّنة النبوية قطعية الثبوت قول النبي ‪( :‬من كذب علي متعمد ًا فليتبو�أ‬
‫مقعده من النار)(((‪ .‬ونقول عن هذا احلديث ال�شريف �إنه قطعي الثبوت‪ ،‬لأنَّ رواة هذا احلديث‬
‫هم جماعة عن جماعة عن جماعة وهكذا �إىل �أن د ِّون يف كتب ال�سنة ال�صحيحة‪ ،‬وي�ستحيل على‬
‫ه�ؤالء اجلماعة �أن يتواط�ؤوا على الكذب‪� ،‬أو �أن يتط ّر�أ �إليهم الن�سيان واخلط�أ‪.‬‬
‫الن�ص الذي ال يحتمل �إال معنى واحد ًا‪ ،‬كقول اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫�أما الن�ص قطعي الداللة فهو ُّ‬
‫(�أقيموا ال�صالة)‪ ،‬فاملراد بال�صالة هنا ال�صال َة املعروف َة املفتتح َة بالتكبري املنتهي َة بالت�سليم‪،‬‬
‫والتي ت�شتمل على قراءة القر�آن والركوع وال�سجود واجللو�س والت�شهد وغري ذلك‪.‬‬
‫ف�إذا ا ّدعى �أح ٌد �أنَّ املراد من ال�صالة هو الدعاء‪ ،‬لأنَّ كلمة ال�صالة يف اللغة العربية تعني‬
‫(الدعاء)‪ ،‬ف�إنَّ هذا االدعاء باط ٌل ومردودٌ‪ ،‬لأن ال�سنة النبوية ب ّينت املراد من ال�صالة‪ ،‬وذلك‬

‫حديث �صحيح ‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب العلم ـ باب �إثم من كذب على النبي ‪ 52/1 :‬ويف غريه‪،‬‬ ‫((( ‬
‫وم�سلم يف �صحيحه ـ يف املقدمة‪ 10/1 :‬ويف غريها‪ ،‬و�أبو داود يف �سننه ـ كتاب العلم ـ باب يف الت�شديد يف الكذب على ر�سول اهلل‬
‫‪ ،319/3 :‬وابن ماجه يف �سننه ـ باب يف التغليظ يف تعمد الكذب على ر�سول اهلل ‪ ،13/1: ‬والرتمذي يف �سننه ـ كتاب العلم‬
‫عن ر�سول اهلل ‪ ‬ـ باب ما جاء يف تعظيم الكذب على ر�سول اهلل ‪ ،35/5: ‬والن�سائي يف الكربى ـ كتاب العلم – باب من كذب‬
‫علي و�أن�س و�أبو هريرة ‪ ‬وغريهم‪.‬‬ ‫على ر�سول اهلل ‪ .458/3:‬وروي احلديث عن عدد من ال�صحابة منهم‪ّ :‬‬

‫‪16‬‬
‫يف قول النبي ‪�( :‬ص ّلوا كما ر�أيتموين �أ�ص ّلي)(((‪ ،‬وهكذا يكون قول اهلل تعاىل‪َ ﴿ :‬و�أَ ِقي ُموا‬
‫وقطعي الداللة ب�سبب تف�سري وتبيني النبي ‪ ‬ملعنى ال�صالة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫قطعي الثبوت‬ ‫ال�صال َة﴾(البقرة‪َّ )43/‬‬ ‫َّ‬
‫  ‬
‫قطعي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الإجماع دليل‬
‫وي�أتي الإجماع يف هذا ال�سياق‪ ،‬ل ُيعترب دلي ًال قطعي ًا‪ ،‬لأنَّ النبي ‪ ‬قال‪�( :‬إنّ �أمتي ال جتتمع‬
‫واحد يعني �أنَّ الر�أي الذي اتفقوا‬ ‫على �ضاللة)(((‪ ،‬فاتفاق علماء الأمة يف ع�صر واحد على ر� ٍأي ٍ‬
‫عليه �صحي ٌح‪� ،‬إذ ي�ستحيل �أن ُيجمع الك ُّل على ر� ٍأي خاطىء‪.‬‬
‫أكل �شحم اخلنزير قيا�س ًا على حلمه‪،‬‬ ‫ومن �أمثلة الأحكام التي �أُق َّرت بالإجماع حكم حترمي � ِ‬
‫نبوي �صحيح‪.‬‬ ‫ين �صريح‪� ،‬أو حديثٌ ٌ‬ ‫ن�ص قر�آ ٌ‬
‫فهذا الإجماع ُملز ٌم للم�سلمني‪ ،‬ولو مل يرد فيه ٌّ‬
‫  ‬
‫الأدلة الظنية‪:‬‬
‫قطعي‪ ،‬وتنق�سم �إىل نوعني �أي�ض ًا‪� :‬أدل ٍة ظ ّنية‬
‫ظني غري ٍ‬ ‫بن�ص ٍّ‬ ‫�أما الأدل ٌة الظني ٌة فهي ما ثبت ٍ‬
‫الثبوت‪ ،‬و�أدل ٍة ظ ّنية ال ّداللة‪.‬‬
‫والأدلة ظنية ال ّداللة هي الأدلة التي يحتمل لفظها �أكرث من معنى‪ ،‬ككلمة ال ُقرء يف قول اهلل‬
‫تعاىل‪﴿ :‬والمْ ُ َط َّل َقاتُ َيترَ َ َّب ْ�صنَ بِ�أَن ُف ِ�سهِ نَّ َثال َث َة ُق ُروءٍ ﴾(((‪ ،‬فهذه الآية قطعية الثبوت لأنها وردت‬
‫يف القر�آن الكرمي‪ ،‬ولكنها ظنية الداللة لأنها حتتمل �أكرث من معنى‪ ،‬فالقرء يف اللغة العربية قد‬
‫احلي�ض‪ ،‬وقد يعني الطه َر‪ ،‬وبنا ًء على هذين االحتمالني اختلف الفقهاء يف ع ّدة املطلقة‪:‬‬ ‫َ‬ ‫يعني‬
‫حي�ضات �أو ثالثة �أطهار!‬
‫ٍ‬ ‫هل عليها �أن تنتظر ثالث‬
‫  ‬

‫طرف من حديث �صحيح ‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب الأذان ـ باب الأذان للم�سافر �إذا كانوا جماعة‪:‬‬ ‫(( (‬
‫‪ 226/1‬عن مالك بن حويرث‪ ،‬وكذلك يف غريه من املوا�ضع‪.‬‬
‫حديث ح�سن‪� .‬أخرجه ابن ماجه يف كتاب الفنت ـ باب ال�سواد الأعظم‪1303/2 :‬ب�إ�سناد �ضعيف ‪ ،‬واحلاكم يف‬ ‫((( ‬
‫امل�ستدرك‪ ,200/1 :‬وقد ورد احلديث بروايات خمتلفة يف اللفظ‪ ،‬متفقة يف املعنى‪ .‬فهو حديث م�شهور املنت‪ ،‬وله �أ�سانيد كثرية‪،‬‬
‫و�شواهد عديدة‪ ،‬و�إن كانت طرقه ال تخلو من �ضعف‪� ،‬إال �أن بع�ضها يق ّوي بع�ض ًا‪ ،‬ويدل �أن للحديث �أ�ص ًال‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫�سورة البقرة‪� :‬آية ‪228‬‬ ‫((( ‬

‫‪17‬‬
‫�أما الأدلة ظنية الثبوت فهي الأدلة التي مل ترد يف القر�آن الكرمي �أو ال�سنة املتواترة‪ ،‬بل وردت‬
‫يف ال�س َّنة الآحادية‪ ،‬ونعني بال�سنة الآحادية الأحاديث ال�شريفة التي رواها عن ر�سول اهلل ‪‬‬
‫�شخ�ص �أو اثنان �أو عد ٌد قلي ٌل من الرواة‪ ،‬ثم رواه عن ه�ؤالء �أمثالهم ثم �أمثالهم‪ ،‬وهكذا حتى‬ ‫ٌ‬
‫د ِّونت يف كتب احلديث‪.‬‬
‫ظني‪:‬‬
‫ال�سنة النبوية الآحادية دليل ّ‬
‫املروي عن النبي ‪‬‬
‫َّ‬ ‫وتعترب ال�سنة الآحادية دلي ًال ظني ًا‪ ،‬لأنه ال ميكننا اجلزم ب�أنَّ احلديث‬
‫آحادي‪ ،‬هو حديثٌ �صحي ٌح‪ ،‬قاله النبي ‪� ،‬إذ ال ميكن لعلماء احلديث �أن يت�أكدوا من د ّقة‬ ‫ب�سند � ّ‬
‫ٍ‬
‫حفظ الراوي وال من طريقة فهمه ملا يروي‪ ،‬ولهذا كان ال�صحابة ر�ضوان اهلل عليهم ي�ستوثقون‬
‫من �صحة احلديث املروي عن النبي الكرمي‪ ،‬فكان �أبو بكر وعمر ر�ضي اهلل عنهما ي�شرتطان على‬
‫من يروي حديث ًا عن النبي ‪� ‬أن ُيح�ضر �شاهد ًا‪ ،‬ي�شهد له ب�صحة ما يروي‪� ،‬أما ٌّ‬
‫علي ر�ضي اهلل‬
‫عنه فكان ي�ستحلف الراوي باهلل تعاىل‪� ،‬أنه �سمع ذلك احلديث من النبي ‪.‬‬
‫أهم الركائز التي يع ّول عليها الفقهاء يف ا�ستنباطهم للأحكام‪،‬‬ ‫وال�س َّنة الآحادي ُة هي من � ّ‬
‫مق�سم ٌة �إىل �صحيح ٍة وح�سن ٍة و�ضعيف ٍة‪:‬‬
‫وهي َّ‬
‫فال�س َّنة الآحادية ال�صحيحة هي ما ات�صل �سندها �إىل النبي ‪ ،‬وكان جميع رواتها عدو ًال‬
‫�ضابطني‪� ،‬أي ثقا ًة حافظني ومتقنني ملا يروونه‪ ،‬وهذا النوع من ال�سنة موجو ٌد يف �صحيحي ٍ‬
‫م�سلم‬
‫وموط�أ الإمام مالك وكتب ال�سنن‬ ‫والبخاري‪ ،‬ويف كثري مما ورد يف م�سند الإمام �أحمد بن حنبل َّ‬
‫الأربعة‪ :‬الرتمذي وابن ماجة و�أبو داوود والن�سائي‪.‬‬
‫�أما ال�سنة الآحادية احل�سنة فهي كال�س َّنة ال�صحيحة‪ :‬رواتها عدو ٌل ثقا ٌة �ضابطون ملا يروونه‪،‬‬
‫ولكنَّ حفظ �أحدهم �أو بع�ضهم لي�س تام ًا‪ ،‬كما هو احلال يف رواة ال�سنة ال�صحيحة‪ ،‬وجند هذا‬
‫النوع من ال�سنة يف كتب ال�سنن الأربعة‪ ،‬ويف م�سند �أحمد �أي�ض ًا ‪.‬‬
‫وهذان النوعان من ال�سنة الآحادية‪ :‬ال�صحيحة �أو احل�سنة‪ ،‬هي ال�سنة التي يعتمد عليها‬
‫الفقهاء يف ا�ستنباط الأحكام ال�شرعية‪.‬‬

‫وهناك ال�سنة الآحادية ال�ضعيفة‪ ،‬وهي التي مل يجتمع يف رواتها العدالة وال�ضبط‪ ،‬ك�أن يكون‬

‫‪18‬‬
‫�سلوك غري حميد‪� ،‬أي غري‬ ‫الراوي م�شهور ًا بالن�سيان‪� ،‬أو �أن يكون الراوي ذا �سمع ٍة �سيئ ٍة �أو ٍ‬
‫متّ�صف بالتقوى وال�صالح‪.‬‬
‫وتتفاوت درجات احلديث ال�ضعيف بح�سب اختالل ال�شروط املطلوبة ل�صحة احلديث‪ ،‬ف�إن‬
‫كان النق�ص واخللل من جهة عدالة الراوي و�سلوكه و�سمعته‪ ،‬كان ال�ضعف �شديد ًا‪ ،‬ومل ُيعمل‬
‫باحلديث املروي يف �أي باب من �أبواب الإ�سالم‪.‬‬
‫�أما �إن كان �ضعف احلديث واقع ًا ب�سبب �ضعف �ضبط الراوي ود ّقة حفظه‪ ،‬فقد اختلف‬
‫العلماء يف �إمكانية اال�ستدالل به‪ ،‬فذهب بع�ضهم �إىل رف�ضه رف�ض ًا مطلق ًا‪ ،‬بينما ر�أى ٌ‬
‫بع�ض �آخر‬
‫جواز العمل به يف جمال ف�ضائل الأعمال فقط‪ ،‬وب�شروط خم�صو�صة‪ ،‬ومن هذا النوع احلديث‬
‫ال�ضعيف املروي عن النبي ‪ :‬من قام ليلتي العيدين حمت�سب ًا هلل‪ ،‬مل ميت قلبه يوم متوت‬
‫القلوب(((‪ ،‬ولهذا مل ي َر بع�ض العلماء ب�أ�س ًا يف العمل به ولو كان �ضعيف ًا‪ ،‬لأنهم ر�أوا �أنَّ �إحياء ليلتي‬
‫العيد عم ٌل �صال ٌح و ُيثاب فاعله �إن �شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫القيا�س وامل�صالح املر�سلة‪:‬‬
‫ومن م�صادر الت�شريع �أي�ض ًا القيا�س وامل�صالح املر�سلة‪ ،‬وهما ي�أتيان يف الأهمية بعد القر�آن‬
‫الكرمي وال�سنة ال�شريفة‪ ،‬و ُتعترب �أدلتهما �أدل ًة ظنية‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬ما معنى القيا�س وامل�صالح املر�سلة؟‬
‫القيا�س هو‪� :‬إحلاق م�س�أل ٍة م�ستج َّد ٍة على م�س�أل ٍة ُو ِج َد حكمها يف القر�آن الكرمي �أو يف ال�سنة‬
‫ال�شريفة ب�سبب ا�شرتاك امل�س�ألتني يف الع ّلة‪� ،‬أي ب�سبب ت�شابههما يف نقط ٍة �أو �أكرث‪ ،‬و�إمكانية �أن‬
‫يقال‪ :‬هذه كتلك‪.‬‬
‫من ذلك قيا�س املخدرات على اخلمر‪ ،‬واحلكم بتحرمي املخدرات ب�سبب ا�شرتاكها مع اخلمر‬
‫يف علة زوال عقل من ي�شرب اخلمر واملخدرات‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل الأ�ضرار ال�صحية الكثرية‪.‬‬

‫حديث �ضعيف الإ�سناد‪� .‬أخرجه ابن ماجه يف �سننه ـ كتاب ال�صيام ـ باب فيمن قام يف ليلتي العيد‪ 567/1 :‬عن �أبي‬ ‫((( ‬
‫ً‬
‫�أمامة‪ ،‬و�ضعف �إ�سناده ب�سبب بقية بن الوليد وهو مدل�س رواه معنعنا‪ ،‬وباقي رواة �إ�سناده ثقات‪ .‬كذلك رواه الطرباين يف املعجم‬
‫الأو�سط‪ 57/1:‬عن عبادة بن ال�صامت‪ ،‬و�ض ِّعف ب�سبب عمر بن هارون البلخي‪ .‬وقال الكناين يف م�صباح الزجاجة ‪ 85/2‬بعد �أن‬
‫ذكر ما �سبق‪ “ :‬لكنّ له �شاهد ًا يق ّويه من حديث معاذ بن جبل‪ ،‬فيقوى مبجموع الإ�شارة”‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫�أما امل�صالح املر�سلة‪ ،‬فهي امل�صالح التي مل يرد يف ال�شرع ما ين�ص على حترميها و�إلغائها‪.‬‬
‫مبني على اعتبار �أنَّ حفظ م�صالح النا�س مق�ص ٌد ها ٌم من مقا�صد‬ ‫والعمل بامل�صالح املر�سلة ٌّ‬
‫ال�شريعة الإ�سالمية‪ .‬حيث يهدف الإ�سالم �إىل حفظ خم�س م�صالح �أ�سا�سي ٍة‪ :‬النف�س والدين‬
‫ب�شكل عام‪،‬‬
‫والعقل والن�سل واملال‪ ،‬وهذه امل�صالح هي املحور الذي تدور حوله حياة الإن�سان ٍ‬
‫رب يف نظر ال�شريعة‬ ‫ب�شكل خا�ص‪ ،‬وكل ما يحفظ هذه امل�صالح ويخدمها وين ِّميها معت ٌ‬ ‫وامل�سلم ٍ‬
‫الإ�سالمية‪.‬‬
‫ن�ص من القر�آن الكرمي �أو ال�سنة ال�شريفة‪ ،‬يلج�أ الفقهاء‬ ‫فكل م�س�أل ٍة م�ستجد ٍة مل يرد فيها ٌ‬
‫�إىل االجتهاد يف ا�ستنباط حكمها ال�شرعي عن طريق عدة م�صادر ت�شريعية‪ ،‬من �أهمها القيا�س‬
‫وامل�صالح املر�سلة(((‪.‬‬
‫مرياث اجلدّ‪:‬‬
‫ومن �أمثلة االجتهاد يف ا�ستنباط احلكم ال�شرعي عن طريق القيا�س‪ :‬مرياث اجلدِّ مع الإخوة‬
‫يف حال وفاة الأب‪ ،‬فقد عر�ضت للفقهاء امل�س�ألة التالية‪:‬‬
‫تويف رج ٌل وله بناتٌ ولي�س عنده ابنٌ ‪ ،‬وله َج ٌّد لأب و�إخو ٌة �أحياء‪� ،‬أما �أبوه فقد تويف قبله‪.‬‬
‫وال�س�ؤال املطروح‪ :‬هل يرث �إخوة املتو ّفى‪� ،‬أم �إنَّ وجود اجلدِّ مينعهم من املرياث؟‬
‫ن�ص يو�ضح حكم ال�شرع يف هذه احلالة‪،‬‬ ‫مل يرد يف القر�آن الكرمي �أو ال�سنة ال�شريفة ٌ‬
‫ولهذا حاول ال�صحابة الكرام �أن ي�ستنبطوا لها حكم ًا �شرعي ًا‪ ،‬وبنا ًء على كيفية ا�ستنباطهم‬
‫للحكم تعددت �آرا�ؤهم يف هذه امل�س�ألة االجتهادية‪:‬‬
‫عبا�س ر�ضي اهلل عنهم قا�سا اجلد على الأب فقاال‪ :‬وجود الأب على قيد احلياة‬ ‫بكر وابن ٍ‬ ‫ف�أبو ٍ‬
‫يحجب �إخوة املتو ّفى من املرياث‪ ،‬وج ّد املتو ّفى مبنزلة �أبيه‪ ،‬فهو مثله يحجب �إخوة املتو ّفى‪ ،‬فال‬
‫يرثون منه‪.‬‬
‫قيا�س‬
‫وعلي ر�ضي اهلل عنهما �أنَّ اجل َّد لي�س كالأب‪ ،‬وقيا�س اجلد على الأب ٌ‬ ‫بينما ر�أى عمر ٌ‬
‫قيا�س مع الفارق‪ ،‬ويف ر�أيهما‪ :‬اجل ُّد ال يحجب الإخوة عن �إرث �أخيهم‪.‬‬ ‫فا�سدٌ‪ ،‬لأنه ٌ‬

‫((( وهناك م�صادر �أخرى للت�شريع‪ ،‬منها‪ :‬اال�ستح�سان واال�ست�صحاب والعرف وقول ال�صحابي‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫وفاة املفقود‪:‬‬
‫ومن �أمثلة االجتهاد يف ا�ستنباط احلكم ال�شرعي عن طريق امل�صلحة املر�سلة‪ ،‬ما ورد‬
‫قد وانقطعت �أخباره‪ ،‬ومل ُتعلم حياته من‬ ‫بخ�صو�ص الزوج املفقود‪ ،‬وهو الرجل املتز ّوج الذي ُف َ‬
‫موته ملدة �سنوات‪ ،‬وال�س�ؤال هو‪ :‬ما و�ضع زوجته يف هذه احلالة؟!‬
‫الأ�صل يف هذا �أن تبقى زوجته على ع�صمته‪ ،‬وال يح ّل لها �أن تتزوج حتى تعلم وفاة زوجها‬
‫عمر ميوت فيه جميع �أو معظم �أقرانه‪ ،‬وتكاد حياته‬ ‫ب�شهادة رجلني عدلني‪� ،‬أو َ‬
‫ي�صل املفقود �إىل ٍ‬
‫ت�صبح بحكم امل�ستحيل‪.‬‬
‫لعلي ر�ضي اهلل عنه‪.‬‬
‫وقد ذهب احلنفية وال�شافعية �إىل هذا الر�أي‪ ،‬معتمدين على فتوى ٍّ‬
‫ولكنَّ املالكية نظروا �إىل م�صلحة الزوجة فقالوا‪ :‬ترفع �أمرها �إىل القا�ضي �إن �شاءت‪ ،‬ثم‬
‫تنتظر �أربع �سنوات من تاريخ رفع امل�س�ألة �إىل الق�ضاء‪ ،‬ف�إن مل ُيعلم عن الزوج �شي ٌء‪ ،‬ي�أمرها‬
‫القا�ضي �أن تعت ّد ع ّدة الوفاة‪ ،‬ثم لها بعد ذلك �أن تتزوج �إن �شاءت‪ ،‬وبهذا الر�أي �أفتى عمر‬
‫وعثمان وابن عبا�س ر�ضي اهلل عنهم‪..‬‬
‫ف�إن ظهر الزوج بعد ذلك‪ ،‬ر ّدت �إليه زوجته بعقد النكاح الأول دون حاجة �إىل عقد جديد‬
‫ومهر جديد‪� ،‬سواء كانت ما تزال يف العدة �أم بعد انتهائها بزمن طويل‪ ،‬هذا �إذا مل تكن قد‬
‫يتم دخول الزوج اجلديد بها‪ ،‬ف�سخ النكاح اجلديد‪ ،‬وعادت �إىل‬ ‫تزوجت بعد‪ ،‬ف�إن تزوجت ومل ّ‬
‫زوجها الأول‪� ،‬أما �إن ّمت دخوله بها مل يف�سخ نكاحها اجلديد‪ ،‬ومل يكن للزوج القدمي �إرجاعها‪،‬‬
‫وال �سبيل له �إليها �إال �إن ُط ِّلقت �أو تر َّملت‪ ،‬وعندها ب�إمكانه �أن يتز ّوجها بعقد جديد ومهر جديد‪.‬‬
‫  ‬
‫جمال اختالف الفقهاء‪:‬‬
‫وبناء على هذا �أقول‪ :‬‬
‫الأدلة الظنية هي حم ّل النظر واالجتهاد‪ ،‬وهذا االجتهاد قد ي�ؤدي �إىل اختالف �آراء الفقهاء‬
‫يف الأحكام‪ ،‬وال م�شكلة يف االختالف يف امل�سائل االجتهادية‪ ،‬ويف هذا يقول النبي ‪�( :‬إذا‬
‫اجتهد احلاكم ف�أ�صاب فله �أجران‪ ،‬و�إذا اجتهد ف�أخط�أ فله �أج ٌر)(((‪.‬‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب االعت�صام بالكتاب وال�سنة ـ باب �أجر احلاكم �إذا اجتهد‬ ‫((( ‬
‫ف�أ�صاب �أو �أخط�أ‪ ،2676/6 :‬وم�سلم يف �صحيحه ـ كتاب الأق�ضية ـ باب بيان �أجر احلاكم �إذا اجتهد ف�أ�صاب �أو �أخط�أ‪.1342/3:‬‬
‫كالهما عن عمرو بن العا�ص‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫عال الأدلة الظنية ثبوت ًا �أو‬
‫�إذ ًا‪ ،‬جمال اختالف الفقهاء يف ا�ستنباطهم للأحكام هو يف مَ‬
‫واحد وا�ضح‪،‬‬ ‫مبعنى ٍ‬
‫ً‬ ‫دالل ًة‪� ،‬أما الأدلة القطعية الثبوت والداللة‪ ،‬والتي وردت يف القر�آن الكرمي‪،‬‬
‫�أو وردت يف ال�سنة املتواترة ال�صحيحة‪� ،‬أو �أجمع عليها علماء وفقهاء الأمة‪ ،‬فال جمال لالختالف‬
‫بدليل‬
‫فيها‪ ،‬ومل ن َر العلماء اختلفوا يف فر�ضية الأمور املعلومة من الدين بال�ضرورة‪ ،‬والتي ثبتت ٍ‬
‫قطعي كفر�ضية الو�ضوء وال�صالة وال�صيام واحلج والزكاة‪..‬‬ ‫ٍ‬
‫�أما االختالف يف بع�ض الأحكام التف�صيلية امل�ستنبطة من الأدلة الظنية‪ ،‬فهو اختالف جائ ٌز‬
‫وحيوي ومفهوم ال�سبب‪ ،‬لأن الأحكام امل�ست َنبطة من الأدلة الظنية تعتمد على الفهم والتخمني‬ ‫ّ‬
‫ووجهة النظر ال�شخ�صية‪ ،‬ومن البدهي �أن تختلف الظنون والأفهام وزوايا النظر �إىل الأمور بني‬
‫�شخ�ص و�آخر‪ ،‬ولهذا تن َّوع وتع َّدد فهم العلماء للن�ص القر�آين الذي يحتمل �أكرث من معنى‪ ،‬كما‬ ‫ٍ‬
‫تن ّوع فهمهم لل�سنة ال�شريفة وطرق التثبت من روايتها‪ ،‬واختلفوا بالتايل يف ا�ستنباط الأحكام‬
‫ال�شرعية من الأدلة الظنية للم�سائل امل�ستجدة وغري امل�ستجدة‪ ،‬ومن هنا ن�ش�أت املذاهب الفقهية‬
‫املتعددة‪� ،‬سواء منها امل�شهورة كاملذهب ال�شافعي واحلنفي واحلنبلي واملالكي واجلعفري‪� ،‬أو‬
‫املذاهب غري امل�شهورة كمذهب الإمام الأوزاعي والثوري والظاهري وغريهم‪.‬‬
‫  ‬
‫املذاهب الفقهية‪:‬‬
‫�صاحب هذا املذهب يف‬ ‫ِ‬ ‫فقهي ف�إنَّ املراد به وجهة نظر الفقيه‬ ‫مذهب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وعندما نتحدث عن‬
‫فهم الأدلة الظنية وا�ستنباط الأحكام ال�شرعية منها‪ ،‬ولهذا جند املذاهب الفقهية يختلف‬
‫�أحدها عن الآخر مبقدار ما تختلف وجهة نظر �صاحب املذهب عن وجهة نظر �أ�صحاب املذاهب‬
‫الأخرى‪ ،‬وطريقة فهمه وتفكريه ومعاجلته للق�ضايا االجتهادية املطروحة بني يديه‪ ،‬وهذا �أم ٌر‬
‫طبيعي فطر اهلل تعاىل النا�س عليه‪.‬‬
‫ح�صن‬
‫ٍ‬ ‫ولذا كان النبي ‪� ‬إذا �أر�سل �سر ّية �أ ّم َر عليها �أمري ًا‪ ،‬وقال له‪�( :‬إذا حا�صرتَ �أهل‬
‫ف�أرادوك �أن تنزلهم على حكم اهلل‪ ،‬فال تنزلهم على حكم اهلل‪ ،‬ف�إنك ال تدري‪� :‬أت�صيب فيهم‬
‫حكم اهلل �أم ال‪ ،‬بل �أنزلهم على حكمك)(((‪.‬‬ ‫َ‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب اجلهاد وال�سري ـ باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة‬ ‫((( ‬
‫الإ�سالم ‪ ,1357/3‬وابن ماجه يف �سننه ـ كتاب اجلهاد ـ باب و�صية الإمام ‪ ،953/2‬والن�سائي يف الكربى ـ كتاب اجلهاد ـ باب‬
‫و�صاة الإمام بالنا�س‪.241/5‬‬

‫‪22‬‬
‫وعندما نعود �إىل ع�صر ال�صحابة الكرام نرى �أنهم اختلفوا يف امل�سائل امل�ستجدة التي‬
‫حدثت يف ع�صرهم‪ ،‬ومل يرد فيها قر�آ ٌن وال �سنة‪ ،‬ومن هذا ما ذكرناه عن اختالفهم يف مرياث‬
‫�إخوة املتوفى يف حال وجود اجل ّد‪.‬‬
‫واختلفوا �أي�ض ًا يف بع�ض امل�سائل التي وردت يف القر�آن الكرمي‪ ،‬لأنها حتتمل �أكرث من معنى‪،‬‬
‫كاختالفهم يف معنى القرء يف قوله تعاىل‪﴿ :‬والمْ ُ َط َّل َقاتُ َيترَ َ َّب ْ�صنَ بِ�أَن ُف ِ�سهِ نَّ َثال َث َة ُق ُروءٍ ﴾(((‪،‬‬
‫فذهب بع�ضهم �إىل تف�سري القرء باحلي�ض‪ ،‬بينما اختار بع�ضهم �أنه الطهر‪ ،‬وكال املعنيني واردان‬
‫يف اللغة العربية‪.‬‬
‫وكان علماء ال�صحابة ر�ضي اهلل عنهم يرون احلكم الذي يفتون به يف الأمور االجتهادية‬
‫من�سوب ًا �إىل �أنف�سهم ال �إىل ال�شريعة‪ ،‬فال ُيحتّمون العمل به على �أنه دين‪،‬‬
‫فكان �أبو بكر ر�ضي اهلل عنه يقول �إذا اجتهد بر�أيه‪ :‬هذا ر�أيي‪ ،‬ف�إن يكن �صواب ًا فمن اهلل‪،‬‬
‫و�إن يكن خط�أً فمني‪ ،‬و�أ�ستغفر اهلل(((‪.‬‬
‫قلت! بل‬ ‫كاتب لعمر ر�ضي اهلل‪( :‬هذا ما ر�أى ُ‬
‫اهلل ور�أى عمر)‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬بئ�س ما َ‬ ‫وكتب ٌ‬
‫قل‪ :‬هذا ما ر�أى عمر‪ ،‬ف�إن يكن �صوابا فمن اهلل‪ ،‬و�إن يكن خط�أً فمن عمر(((‪.‬‬
‫وكان الإمام �أبو حنيفة يقول‪ :‬هذا الذي نحن فيه ر� ٌأي‪ ،‬وال جنرب عليه �أحد ًا‪� ،‬إنه �أح�سن ما‬
‫قدرنا عليه‪ ،‬ومن جاءنا ب�أح�سن منه قبلناه‪.‬‬
‫�صح احلديث فهو مذهبي‪.‬‬ ‫�أما الإمام ال�شافعي ر�ضي اهلل عنه فكان يقول‪� :‬إن ّ‬
‫لذلك نرى �أنَّ بع�ض تالمذة الإمام ال�شافعي خالفوه يف بع�ض امل�سائل‪ ،‬ملّا �صح لديهم حديثٌ‬
‫�سم لها مه ٌر يف‬ ‫ٌ‬
‫�شريف مل ي�صل �إىل �إمامهم ب�سند �صحيح‪ ،‬ومن هذا حكمهم مبهر املثل ملن مل ُي َّ‬
‫عقد النكاح‪ ،‬ثم تويف عنها زوجها قبل الدخول بها‪ ،‬فقد وردهم حديثٌ �صحي ٌح يف هذا املجال‪،‬‬

‫البقرة‪228 :‬‬ ‫((( ‬


‫�أثر �صحيح الإ�سناد‪� .‬أخرجه ابن �سعد يف طبقاته الكربى‪ ،177/3 :‬وذكره ابن حجر يف التلخي�ص احلبري‪،89/3‬‬ ‫((( ‬
‫وقال من جملة ما ذكر فيه‪� :‬أخرجه احلاكم ب�إ�سناد �صحيح عن ابن عبا�س‪.‬‬
‫وح�سن �إ�سناده ابن حجر يف تلخي�ص احلبري ‪.195/4‬‬
‫�أثر �صحيح الإ�سناد‪� .‬أخرجه البيهقي يف �سننه الكربى‪ّ ،116/10 :‬‬ ‫((( ‬

‫‪23‬‬
‫بينما ذهب �إمامهم ال�شافعي �إىل �أنه ال مهر لهذه املر�أة‪� ،‬إذ مل يبلغه هذا احلديث ال�صحيح(((‪.‬‬
‫ولهذا نقول‪ :‬من اخلط�أ اجل�سيم �أن يحمل العامل النا�س على ر�أيه االجتهادي‪ ،‬و ُيقن َع نف�سه �أو‬
‫ُيقنع الآخرين �أنَّ هذا الر�أي هو وحده ال�صواب‪ ،‬ويلغي �آراء العلماء الآخرين‪.‬‬
‫  ‬
‫وجوب احرتام العلماء للآراء االجتهادية املخالفة لآرائهم ‪:‬‬
‫م�شكلة بع�ض العلماء اليوم �أنهم يفتون يف الأمور االجتهادية‪ ،‬ويجعلون ما �أفتوا به هو‬
‫ويخطئون كل الآراء والفتاوى الأخرى التي تخالف ر�أيهم‪ ،‬وهذه م�شكل ٌة خطرية‪،‬‬ ‫ال�صحيح وحده‪ّ ،‬‬
‫لأن الر�أي االجتهادي ال ميكن لأحد �أن يجزم �أنه هو ر�أي الدين حق ًا‪ ،‬و�أنَّ ما عداه من الآراء �آرا ٌء‬
‫خاطئة وخمالفة حلكم ال�شريعة‪.‬‬
‫يجب �أن يكون لدى من ينت�سبون �إىل العلم اليوم معرف ٌة بفقه االختالف‪ ،‬و�أن يحرتموا الآراء‬
‫املخالفة لآرائهم �إذا كانت يف احلدود امل�سموح بها يف ال�شرع‪� ،‬أي يف حدود الأمور االجتهادية ال‬
‫القطعية‪ ،‬لأن الأمور القطعية ال جمال لالجتهاد فيها‪.‬‬
‫ومن املهم الإ�شارة �إىل �أهمية �أن يكون االجتهاد مبني ًا على العلم والأ�صول املتعارف عليها‬
‫أنا�س يحقّ لهم االجتهاد‪ ،‬ملا ُعرف عنهم من العلم‬ ‫بني العلماء والفقهاء‪ ،‬و�أن يكون �صادر ًا عن � ٍ‬
‫والفهم والذكاء والتقوى وال�صالح‪.‬‬
‫لف�صل لها يف القر�آن الكرمي‬ ‫واحلقيقة �أنه لو �أراد اهلل تعاىل �أن ال تختلف الأمة يف الأحكام‪ّ ،‬‬
‫�أو يف ال�سنة النبوية َّ‬
‫كل �شيء‪.‬‬
‫لنت�ص َّور ماذا كان �سيحدث لو �أنَّ القر�آن الكرمي الذي هو د�ستور امل�سلمني �إىل يوم الدين‪،‬‬
‫كان �صارم ًا يف حتديد الأحكام ال�شرعية املتعلقة بكل م�سائل احلياة‪� ،‬إىل جانب �إغالقه لباب‬
‫االجتهاد والر�أي يف الق�ضايا التي ت�ستج ُّد يف القرون الطويلة‪ ،‬التي �ست�أتي على النا�س الذين‬
‫�آمنوا بهذا الدين احلنيف؟!‬

‫وهو حديث �أخرجه �أ�صحاب ال�سنن الأربعة عن ابن م�سعود ‪ ،‬ق�ضى فيه مب�س�ألة عر�ضت عليه مبا وافق ق�ضاء‬ ‫((( ‬
‫ي�سم �صداق ًا حتى‬
‫ر�سول اهلل ‪ ‬يف ق�صة بروع بنت وا�شق‪ .‬انظر ما �أخرجه �أبو داود يف �سننه ـ كتاب النكاح ـ باب فيمن تزوج ومل ِّ‬
‫مات‪ ،237/2 :‬وابن ماجه يف �سننه ـ كتاب النكاح ـ باب يف الرجل يتزوج وال يفر�ض فيموت على ذلك‪ ،609/1 :‬والرتمذي يف‬
‫�سننه ـ كتاب النكاح ـ باب ما جاء يف الرجل يتزوج املر�أة فيموت عنها قبل �أن يفر�ض لها‪ 237/2 :‬و�صححه‪ ،‬والن�سائي يف املجتبى‬
‫ـ كتاب النكاح ـ باب �إباحة التزوج بغري �صداق‪ .121/6 :‬وقال الإمام النووي يف «رو�ضة الطالبني» ‪ :605/5‬الراجح ترجيح‬
‫الوجوب‪ ،‬واحلديث �صحيح‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫املجتمعي و�إيجاد احلكم للأمور‬
‫ّ‬ ‫لو حدث هذا لكان يف الإ�سالم ق�صور عن مواكبة التطور‬
‫لع�صر قد ال ي�صلح‬‫ٍ‬ ‫امل�ستجدة‪ ،‬ولكان فيه تكليف للنا�س مبا ي�شقّ عليهم �أيمّ ا م�شقة‪ ،‬فما ي�صلح‬
‫أ�شخا�ص �آخرين‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫أ�شخا�ص قد ي�ش ّكل م�شكل ًة لدى ٍ‬
‫بيئات و�‬ ‫ٍ‬ ‫لع�صر �آخر‪ ،‬وما يتنا�سب مع بيئ ٍة و�‬‫ٍ‬
‫و�س�أ�ضرب لهذا مث ًال‪.‬‬
‫من �شروط متام عقد البيع ا�ستالم املبيع‪ ،‬فال يجوز للم�شرتي �أن يبيع ما ا�شرتاه قبل �أن‬
‫(((‬
‫ي�ستلمه لقول النبي ‪( :‬ال تبع ما لي�س عندك)‪.‬‬
‫لتتم مبا يتنا�سب مع‬‫يف�صل لهم طريقة اال�ستالم‪ ،‬بل تركها ّ‬ ‫ومن نعمة اهلل على عباده �أنه مل ّ‬
‫�أعراف النا�س وبيئاتهم وم�صاحلهم‪..‬‬
‫تتم يد ًا بيد نظر ًا لب�ساطة التعامالت‪،‬‬
‫وقد كانت طريقة القب�ض واال�ستالم يف الزمن املا�ضي ّ‬
‫يف حني اكتفى النا�س م� ّؤخر ًا بالتقاب�ض واال�ستالم احلكمي يف كثري من التعامالت‪ ،‬التي ي�صعب‬
‫فيها حتقق التقاب�ض احلقيقي‪.‬‬
‫والتقاب�ض �أو اال�ستالم احلكمي هو �أن ي�ستلم امل�شرتي الب�ضاعة مبوجب �إ�شعا ٍر م�صر ٍيف �أو‬
‫�شيك م�صدَّقٍ �أو ر�سال ٍة بالفاك�س �أو الربيد االلكرتوين‪ُ ،‬ت�شعره ب�أنَّ حقه �أو ب�ضاعته �صارت م�سجل ًة‬
‫ٍ‬
‫ال�سمه و�صاحله‪ ،‬و�أنَّ ب�إمكانه �أن يت�صرف بها ولو مل ي�ستلمها ا�ستالم ًا مادي ًا مبا�شر ًا‪ ،‬وهذا‬
‫التقاب�ض احلكمي ي�س ّهل على من يتعاملون بالبيع وال�شراء اليوم عن طريق و�سائل االت�صاالت‬
‫احلديثة كثري ًا من املعامالت التجارية‪.‬‬
‫�أ�ضف �إىل ذلك �أ َّننا نرى اليوم كثري ًا من التعامالت امل�صرفية و�أ�سواق البور�صة والعقود‬
‫وال�شركات ون�شاطات الت�أمني التجاري وغري التجاري وبنوك الأع�ضاء وغري ذلك من الأمور التي‬
‫مل تكن معروف ًة يف ال�سابق‪ ،‬والتي يحقّ لعلماء زماننا هذا �أن يجتهدوا ليقولوا كلمتهم يف مدى‬
‫تنا�سب وموافقة هذه الن�شاطات لأحكام ال�شريعة الإ�سالمية �أو جمافاتها لها وتعار�ضها معها‪.‬‬
‫  ‬

‫حديث ح�سن‪� .‬أخرجه �أبو داود يف �سننه ـ كتاب الإجارة ـ باب يف الرجل يبيع ما لي�س عنده‪ ،283/3 :‬وابن ماجه‬ ‫((( ‬
‫يف �سننه ـ كتاب التجارات ـ باب النهي عن بيع ما لي�س عندك وعن ربح ما مل ي�ضمن‪ ،737/2 :‬والرتمذي يف �سننه ـ كتاب البيوع‬
‫وح�سنه‪ ،‬والن�سائي يف املجتبى ـ كتاب البيوع ـ باب بيع ما لي�س عند البائع‪:‬‬
‫ـ باب ما جاء يف كراهية بيع ما لي�س عندك‪ّ 534/3:‬‬
‫‪.288/7‬‬

‫‪25‬‬
‫تف�صيل ال�شريعة للثوابت دون املتغريات‪:‬‬
‫ف�صلت‬
‫ومكان‪ ،‬هو �أنها َّ‬
‫ٍ‬ ‫زمان‬
‫ي�ؤكد العلماء على �أن �س ّر �صالحية ال�شريعة الإ�سالمية لكل ٍ‬
‫ومكان يف ا�ستنباط‬
‫ٍ‬ ‫زمان‬
‫تف�صيل‪ ،‬ليجتهد علماء كل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الأمور الثوابت‪ ،‬وتركت املتغيرّ ات دون‬
‫أحكام تتنا�سب مع �أزمنتهم وبيئاتهم وفق ًا ملقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫� ٍ‬
‫ومن الأمور التي ترك فيها الإ�سالم الباب وا�سع ًا لالجتهاد‪� :‬أحكام املعامالت‪ ،‬و�أحكام‬
‫العالقات الدولية والأحكام ال�سيا�سية‪ ،‬التي يعود الأمر يف حتديدها وتقديرها �إىل احلكام‬
‫والر�ؤ�ساء ووالة الأمور بح�سب احلاجة وامل�صلحة‪..‬‬
‫ومن هذه الأمور االجتهادية التي مل يرد تف�صي ٌل حلكمها يف القر�آن الكرمي �أو ال�سنة ال�شريفة‬
‫كثري من الق�ضايا املتعلقة ب�ش�ؤون املر�أة‪ ،‬كتوليّ املر�أة ملنا�صب الق�ضاء واملجال�س النيابية والوزارية‬
‫ورئا�سة الدولة‪ ،‬واحلكم ال�شرعي لعمل املر�أة‪ ،‬وما �إىل ذلك من ق�ضايا تختلف باختالف الأزمنة‬
‫والأمكنة والبيئات والثقافات و�أحوال الأ�شخا�ص وقدراتهم وكفاءاتهم‪.‬‬
‫  ‬
‫ا ِّتبا ُع املذاهب الأربعة‪:‬‬
‫ري من النا�س‪ :‬هل يجب على‬ ‫عندما نتحدث عن املذاهب الفقهية‪ ،‬يل ُّح �س�ؤا ٌل يطرحه كث ٌ‬
‫امل�سلم �أن يتبع �أحد املذاهب الأربعة‪� ،‬أم ال يجب عليه؟!‬
‫وللجواب على هذا ال�س�ؤال �أقول‪ :‬ت�سود اليوم على ال�ساحة �آرا ٌء متناق�ض ٌة متعار�ض ٌة‪ ،‬فهناك‬
‫إ�سالم بال مذاهب)‪ ،‬ويقول‪ :‬ال يجب على املرء �أن يتبع �أحد املذاهب الفقهية‪،‬‬ ‫من يدعو �إىل (� ٍ‬
‫و�إمنا ميكن للم�سلم �أن يعرف �أحكام دينه‪ :‬احلالل واحلرام واملندوب واملباح واملكروه‪ ،‬عن طريق‬
‫القر�آن الكرمي وال�سنة ال�شريفة!‬
‫وباملقابل هناك فئ ٌة تقول‪ :‬على امل�سلم �أن يتَّبع �أحد املذاهب الفقهية الأربعة بحذافريها‪،‬‬
‫املذاهب �أن يق ّلد غريها من املذاهب‪� ،‬أو �أن ي�ستفيد منها‬
‫ٍ‬ ‫ويحرم عليه �إذا انت�سب �إىل �أحد هذه‬
‫بحكم �أو دليل! ف� ُّأي هذين القولني هو ال�صواب؟!‬ ‫ٍ‬
‫إ�سالم بال مذاهب) �أمر ًا خطري ًا‪ ،‬قد ال يدرك ّ‬
‫ال�ساعون‬ ‫يف الواقع �أنا �أرى يف الدعوة �إىل (� ٍ‬
‫م�سلم قادر ًا على فهم ما يف القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية‪،‬‬‫�إليه �أبعاده وعقابيله‪� ،‬إذ لي�س كل ٍ‬

‫‪26‬‬
‫وا�ستنباط الأحكام ال�شرعية منهما‪ ،‬لأن هناك �أمور ًا يجب �أن تتوفر يف امل�سلم ليتم ّكن من ذلك‪،‬‬
‫والنا�سخ واملن�سوخ‪ ..‬و�أن يكون �ضليع ًا يف‬
‫ِ‬ ‫منها �أن يعرف علوم القر�آن الكرمي‪ ،‬ك�أ�سباب النزول‬
‫عربي بليغ‪ ،‬و�أن يكون عارف ًا ب�أ�صول الفقه وقواعد‬
‫بل�سان ٍ‬ ‫اللغة العربية‪ ،‬لأنَّ القر�آن الكرمي نزل ٍ‬
‫ري بني العامل الفقيه‬‫االجتهاد واال�ستنباط وما �إىل ذلك من العلوم ال�ضرورية‪ ،‬وهناك فر ٌق كب ٌ‬
‫املجتهد الذي ميلك هذه العلوم والقدرات امل�ؤهِّ لة لالجتهاد‪ ،‬وبني امل�سلم العادي الذي يفتقر‬
‫�إليها‪.‬‬
‫وبب�ساط ٍة �أقول‪ :‬هل ميكن لأي �شخ�ص �أن ي�صبح طبيب ًا ملجرد امتالكه كتب الطب و�أدوات‬
‫واملق�ص وميزان احلرارة و�أجهزة قيا�س ال�ضغط والنب�ض والدا ِء ال�سكري‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الطبيب‪ :‬ال�س ّماعة‬
‫�أم �إنَّ هناك �أمور ًا كثري ًة �أخرى يجب �أن يعرفها‪ ،‬كالت�شريح والكيمياء والأعرا�ض ال�سريرية‬
‫ومفاعيل الأدوية‪ ،‬قبل �أن يت�صدى ملداواة النا�س و�إجراء العمليات اجلراحية؟!‬
‫وهل يكفي �أن ي�شرتي الإن�سان ورق الكالك وامل�ساطر واملثلثات واال�سمنت واحلديد والرمل‬
‫والبح�ص لي�صبح مهند�س ًا‪� ،‬أم يجب عليه �أن يدر�س الريا�ضيات ومقاوم َة املواد وح�ساب‬
‫وخوا�ص مواد البناء ونظريات العمارة وغري ذلك من العلوم‪ ،‬قبل �أن يبا�شر بالبناء‬ ‫ّ‬ ‫الإن�شاءات‬
‫والت�شييد و�إ�سكان النا�س؟!‬
‫أب�سط منه‪ ،‬وما ينطبق على املهند�س والطبيب ينطبق على‬ ‫ب�سيط‪ ،‬وجوابه � ُ‬ ‫طبع ًا هذا �س�ؤا ٌل ٌ‬
‫املجتهد يف الفقه وعلوم ال�شرع احلنيف‪.‬‬
‫هذا من جهة‪.‬‬
‫مذهب فقهي‪ ،‬ومنعهم من تقليد‬ ‫ٍ‬ ‫ومن اجلهة الأخرى‪ ،‬ف�إين �أرى يف ت�ضييق اخلناق على �أتباع‬
‫املذاهب الأخرى واال�ستفادة منها‪ ،‬ت�ش ّدد ًا ال يق ُّره ال�شرع‪ ،‬لأنه يح ِّول املذاهب �إىل � ٍ‬
‫أديان م�ستقل ٍة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ت�سيء �إىل امل�سلم‪ ،‬بدل �أن ت�س ِّهل �أموره‪ ،‬وتق ّد َم له احللول والبدائل‪ ،‬التي تنا�سب حاله حتت مظ ّلة‬
‫الدين ويف �إطاره الوا�سع الي�سري‪.‬‬
‫  ‬

‫‪27‬‬
‫ن�شوء املذاهب الفقهية‪:‬‬
‫ال ب ّد يف البداية من تقدمي ملح ٍة موجز ٍة عن املذاهب الفقهية وكيفية ن�شوئها‪.‬‬
‫كما �سبق �أن قلتُ قبل قليل‪ ،‬هناك املذاهب الفقهية الأربعة‪ ،‬وهناك مذاهب �أخرى غريها‪،‬‬
‫كمذهب الإمام الأوزاعي ومذهب الليث بن �سعد وابن جرير الطربي وابن �أبي ليلى وغريها‪،‬‬
‫وهي مذاهب مل يق َّدر لها �أن تنت�شر كما انت�شرت املذاهب الأربعة‪ ،‬لأنَّ تالمذة ه�ؤالء الفقهاء‬
‫مل يعتنوا بن�شرها وتدوينها‪ ،‬كما اعتنى تالميذ �أ�صحاب املذاهب الأربعة بن�شر وتدوين �آراء‬
‫�أ�ساتذتهم‪.‬‬
‫�أ�ضف �إىل ذلك �أنَّ هناك مذهب ًا فقهي ًا هام ًا ي�أخذ به امل�سلمون ال�شيعة‪ ،‬وهو املذهب‬
‫اجلعفري‪� ،‬أي مذهب الإمام جعفر ال�صادق ر�ضي اهلل عنه‪.‬‬
‫و�س�أقت�صر يف حديثي هنا على املذاهب الأربعة‪� ،‬إذ لي�س يف هذا الكتاب جمال للتو�سع‬
‫والغو�ص يف بقية التفا�صيل‪.‬‬
‫املذاهب الأربع ُة منذ بداية القرن الثاين الهجري‪� ،‬أما قبلها فلم يكن هنالك �أح ٌد من‬
‫ُ‬ ‫ُوجدت‬
‫�أ�صحاب هذه املذاهب!‬
‫فالإمام �أبو حنيفة النعمان ولد يف عام‪ 80‬هجرية‪ ،‬وتويف عام ‪ 150‬هجرية‪ ،‬وولد الإمام مالك‬
‫بن �أن�س عام‪ 93‬وتويف عام ‪ 179‬هجرية‪ ،‬وولد الإمام ال�شافعي عام ‪ 150‬وتويف ‪ 204‬هجرية‪� ،‬أما‬
‫الإمام �أحمد بن حنبل فولد عام ‪ 164‬وتويف ‪ 241‬هجرية‪.‬‬
‫  ‬

‫االنت�ساب �إىل املذاهب الفقهية الأربعة‪:‬‬


‫قد ي�س�أل �سائ ٌل‪ :‬ماذا كان امل�سلمون يفعلون قبل ه�ؤالء الأئمة؟ و�إىل من كانوا ينت�سبون؟!‬
‫يتي�سر لهم‬
‫اجلواب كما ذكر �أهل العلم‪� ،‬أنَّ النا�س كانوا يف القرن الأول الهجري ي�ستفتون من ّ‬
‫من العلماء‪ ،‬دون �أن يتق ّيدوا بعا ٍمل واحد‪.‬‬
‫وانطالق ًا من هذه احلقيقة �أرى �أنَّ من ّ‬
‫املهم �أن تعرفوا �أيها الإخوة الق ّراء �أنَّ العلماء ي�ؤكدون‬
‫على املبد�أ التايل‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫يحقّ للم�سلم الذي ال يعرف الأدلة ال�شرعية �أن ي�ستفتي من يريد من العلماء‪ ،‬ومذهبه هو‬
‫مذهب من يفتيه‪.‬‬
‫فال�شخ�ص الذي ال يعرف الأدلة ال�شرعية جاه ٌل بالدين‪ ،‬ولو كان مهند�س ًا �أو طبيب ًا �أو‬
‫�صيدالني ًا‪ ،‬وعلى ه�ؤالء �أن ي�ستفتوا غريهم من العلماء‪ ،‬الذين ميتلكون م� ّؤهالت االجتهاد‬
‫ي�صح للجاهل بالدين �أن يزعم �أنه ينت�سب �إىل �أحد املذاهب الفقهية الأربعة‪ ،‬بل هو‬ ‫وعلومه‪ ،‬وال ّ‬
‫على مذهب من يفتيه من العلماء‪ ..‬ولو ك ّلف نف�سه ذلك‪ ،‬فانت�سب �إىل �أحد هذه املذاهب‪ ،‬ف�إن‬
‫ذلك ال ُيلزمه وال ي�صح منه‪..‬‬
‫إمام معني كالإمام ال�شافعي‬ ‫في�صح �أن ينت�سب �إىل � ٍ‬
‫ّ‬ ‫�أما من يعرف الأدلة الفقهية ال�شرع ّية‪،‬‬
‫�أو املالكي �أو احلنفي �أو احلنبلي �أو غريهم‪.‬‬
‫  ‬
‫تقليد املذاهب الأخرى‪:‬‬
‫كثري ًا ما �أُ�س�أل‪:‬‬
‫علي �أن �أنوي هذا ف�أقول‪ :‬نويت �أن �أ�صلي‬ ‫علي �إن �أردتُ �أن �أق ّلد غري مذهبي؟ هل ّ‬
‫ماذا يجب ّ‬
‫على املذهب احلنفي �أو ال�شافعي‪� ،‬أو �أن �أقول كما يقول البع�ض‪ :‬نويتُ التح ُّن َف �أو الت�ش ُّفع �أو‬
‫التحنبل؟!‬
‫واجلواب‪:‬‬
‫ينوي‬
‫يطلب منه �أن َ‬ ‫يجوز ملن ينت�سب لأحد املذاهب الأربعة �أن يقلد املذاهب الأخرى‪ ،‬وال ُ‬
‫التقليد‪.‬‬
‫ملذهب ال�شافعي �أن يق ّلد مذهب ًا �آخر‪.‬‬
‫البع�ض يت�ش ّددون يف هذا يقولون‪ :‬ال يجوز للمنت�سب ٍ‬
‫وله�ؤالء املت�شددين �أذكر احلوادث التالية‪:‬‬
‫�ص ّلى الإمام ال�شافعي مر ًة يف م�سجد الإمام �أبي حنيفة �صالة ال�صبح فلم يقنت‪ ،‬رغم �أنَّ‬
‫القنوتَ عنده �سن ٌة م�ؤكد ٌة من �سنن ال�صالة‪ ،‬ويندب لرتكها �سجود ال�سهو‪ ،‬وملا انتهى من �صالته‬
‫أن�سيت القنوتَ يا �إمام‪� ،‬أم غيرّ تَ مذهبك؟‬
‫قال له بع�ضهم‪َ � :‬‬

‫‪29‬‬
‫فقال‪ :‬ال هذا وال ذاك‪ ،‬ولكني تركت القنوتَ احرتام ًا ل�صاحب هذا امل�سجد‪( ،‬يعني للإمام‬
‫�أبي حنيفة‪ ،‬لأن الإمام �أبا حنيفة كان ال يرى القنوتَ يف الفجر)‪.‬‬
‫إمام احتجم ومل يتو�ض�أ‪،‬‬‫و�س�أل �أحدهم الإمام �أحمد بن حنبل قائ ًال‪ :‬يا �إمام‪� ،‬صليتُ وراء � ٍ‬
‫�أت�ص ُّح �صالتي؟ (وكان الإمام �أحمد يرى �أنَّ احلجامة تنق�ض الو�ضوء)‪ ،‬ف�أجابه‪ :‬كيف ال �أُج ّوز‬
‫�صالة من �صلى خلف الإمام مالك و�سعيد بن امل�سيب!! (لأن الإمام مالك و�سعيد بن امل�سيب مل‬
‫يريا �أنَّ احلجامة تنق�ض الو�ضوء)‪.‬‬
‫وكان الإمام ال�شافعي ي�صف الإمام �أبا حنيفة قائ ًال‪ :‬النا�س يف الفقه عيا ٌل على �أبي حنيفة‪.‬‬
‫ال�شافعي كال�شم�س للدنيا‪ ،‬وكالعافية‬
‫ُ‬ ‫ال�شافعي فيقول‪ :‬كان‬
‫َّ‬ ‫إمام‬
‫إمام �أحم ُد ميدح ال َ‬
‫وكان ال ُ‬
‫للبدن‪ ،‬فهل لهذين من عو�ض؟!‬
‫  ‬
‫الفقه الإ�سالمي منجم ثمني‪:‬‬
‫وبناء على ما ذكرناه من احرتام الأئمة لبع�ضهم البع�ض ميكن �أن نقول‪:‬‬
‫منج ٌم يحتوي على معادن ثمينة‪ ،‬ميكن لنا �أن نتخيرّ منها الأقوى حج ًة‬ ‫الفقه الإ�سالمي َ‬
‫أن�سب ملتطلبات الزمان والبيئات والأ�شخا�ص‪.‬‬ ‫ودلي ًال‪� ،‬أو ال َ‬
‫أ�ضعف دلي ًال‪ ،‬وهذا جائز �إذا كانت هنالك م�صلح ٌة‬ ‫قد ي�ضط ّر �أحدنا �أحيان ًا الختيار الر� ِأي ال ِ‬
‫جعلته يلج�أ الختيار هذا الر�أي‪ ،‬وي�أخذ به عو�ض ًا عن ر� ٍأي �آخر �أكرث قو ًة‪.‬‬
‫واحد م�شق ًة وحرج ًا على املنت�سب لهذا‬ ‫مبذهب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ويف كثري من الأحيان قد ي�س ّبب الت ّقيد‬
‫املذهب‪ ،‬و�أ�ضرب لهذا �أمثلة عديدة‪:‬‬
‫جن�س عند ال�شافعية واحلنبلية‪ ،‬ورمبا يكون اختيار‬ ‫‪ -‬الكلب طاه ٌر عند احلنفية واملالكية‪ٌ ،‬‬
‫كلب للحرا�سة وما �شابه‪َ � ،‬‬
‫أ�سهل و�أي�س َر‬ ‫مذهب من قال بطهارته لدى من ا�ضط ّر �إىل ا�ستخدام ٍ‬ ‫ِ‬
‫من الأخذ مبذهب من قال بنجا�سته‪.‬‬
‫‪ -‬توليِّ املر�أة للق�ضاء ال يجوز عند الأئمة الثالثة‪ :‬احلنابلة وال�شافعية واملالكية‪� ،‬أما عند‬
‫الطربي‬
‫ُّ‬ ‫جرير‬
‫احلنفية فيجوز للمر�أة �أن تتوىل الق�ضاء يف امل�سائل املدن ّية‪ ،‬بينما �أجاز الإمام ابن ٍ‬
‫للمر�أة �أن تتوىل الق�ضاء بجميع �أنواعه‪ ،‬قيا�س ًا على جواز توليها الإفتاء‪ ،‬كما �أجاز ذلك الظاهرية‬
‫�صريح يح ِّرم عليها ذلك(((‪..‬‬‫ٍ‬ ‫دليل‬
‫لعدم وجود ٍ‬
‫حا�شية‪ :‬واملذهب الظاهري هو مذهب داوود الظاهري‪ ،‬وكان من علماء القرن الثالث الهجري‪ ،‬وكان يرى العمل‬ ‫((( ‬
‫ِّ‬
‫بظاهر القر�آن وال�سنة‪ ،‬ويرف�ض القيا�س والر�أي‪ .‬وقد ا�ستم ّر مذهبه اىل القرن اخلام�س الهجري‪ ،‬ومن �أ�شهر امل�صنفني يف‬
‫�صاحب كتاب (املح ّلى) يف املذهب الظاهري‪.‬‬
‫ُ‬ ‫مذهبه‪ :‬الإمام ابن حزم الأندل�سي (تويف ‪ 456‬هجرية)‪،‬‬

‫‪30‬‬
‫�أال يتنا�سب الأخذ بهذا القول الأخري مع مقت�ضيات واقعنا املعا�صر‪ ،‬حيث بات املجال مفتوح ًا‬
‫�أمام املر�أة خلو�ض جميع امليادين!!‬
‫مب�س �أحد الزوجني لب�شرة الآخر عند ال�شافعية‪ ،‬وكثري ًا ما‬ ‫‪ -‬م�س�أل ٌة �أخرى‪ :‬ينتق�ض الو�ضوء ِّ‬
‫بق�صد �أو بدون ق�صد‪ ،‬وقد ال يتاح للزوج �أو للزوجة‬ ‫ٍ‬ ‫مي�س �أحد الزوجني ب�شر َة الآخر‬ ‫يحدث �أن َّ‬
‫ل�سبب من الأ�سباب‪ ،‬فيمكنهما �أن يق ّلدا يف هذه امل�س�ألة مذهب ًا �آخر‬ ‫بي�سر و�سهول ٍة ٍ‬
‫جتديد الو�ضوء ٍ‬
‫غري مذهب ال�شافعية‪ ،‬ويكون يف ذلك تي�سري عليهما ورفع للحرج وامل�شقة‪.‬‬
‫�أتذكر هنا قول عمر بن عبد العزيز ر�ضي اهلل عنه‪ :‬ما �أحب �أنَّ �صحابة ر�سول اهلل مل‬
‫يختلفوا‪ ..‬لو مل يختلفوا ملا كان لنا �سعة!‬
‫ي�ؤكد العلماء على �أن يف اختالف املذاهب ف�سحة وو�سعة ورحمة للأمة‪ ،‬فلها �أن تختار منها‬
‫الأقوى دلي ًال‪ ،‬كما لها �أن تختار ما يتنا�سب مع امل�صلحة التي تقت�ضي رفع امل�شقة واحلرج‪ ،‬ولو‬
‫كان الدليل �أق َّل قو ًة‪..‬‬
‫ومبنا�سبة احلديث عن تقليد املذاهب الفقهية �أقول‪ :‬ذهب العلماء �إىل جواز تقليد �أئم ِة‬
‫املذاهب املعتربين من غري الأئمة الأربعة كالليث بن �سعد والأوزاعي و�سفيان الثوري وابن جرير‬
‫الطربي وغريهم‪ ،‬ب�شرط �أن يثبت �صحة ن�سبة القول �إليهم‪.‬‬
‫  ‬
‫اتباع املذهب الأ�سهل‪:‬‬
‫هنالك اليوم من يت�س ّقط من املذاهب الفقهية �أ�ضعفها و�أ�سهلها ملجرد اتباع الهوى يف طلب‬
‫الي�سر وال�سهولة‪ ،‬دون وجود �ضرور ٍة �أو حاجة‪ ،‬فما هو حكمه؟‬
‫�أقول‪ :‬لي�س من الورع والتقوى البحث عن الآراء الفقهية ال�ضعيفة والعمل بها بحجة �أنها‬
‫(الأ�صلح)‪� ،‬إال يف حاالت ال�ضرورة واحلاجة رفع ًا للم�شقة واحلرج‪.‬‬
‫والأ�صل يف تقليد املذاهب �أن يكون مبني ًا على اتباع الأقوى دلي ًال‪ ،‬و ُيكره �أن يتبع املرء يف هذا‬
‫والتقاط ال ّرخ�ص من هنا وهناك‪.‬‬‫َ‬ ‫واجلري وراء الأ�سهل دائم ًا‪،‬‬
‫َ‬ ‫هوى النف�س‬
‫ولكن من حيث املبد�أ �أقول‪ :‬يجوز اتباع رخ�ص املذاهب و�أ�سهل ما فيها من �أحكام‪ ،‬لأنَّ هذه‬
‫الرخ�ص حال ٌل �أباحه اهلل تعاىل ح�سب ر�ؤية �إمام املذهب‪ ،‬وجم ُع ال ّرخ�ص من املذاهب املتفرقة‬

‫‪31‬‬
‫يعني جمع احلالل من هنا وهناك‪ ،‬وال ميكن �أن يكون ناجت جمع احلالل حرام ًا‪ ،‬ولكنَّ هذا ال�سلوك‬
‫ات ال ُعال‪ ،‬وخ�صو�ص ًا عند‬ ‫كما قلتُ ‪ ،‬لي�س �سلوك امل�ؤمن الور ِع الذي يريد �أن يح ِّلقَ يف ف�ضاء اجل َّن ِ‬
‫وجود �شبه ٍة يف تلك ال ّرخ�ص‪� ،‬سواء كانت هذه ال�شبهة كبرية �أو �صغرية‪ ،‬وامل�ؤمن احلق هو الذي‬
‫يبتعد عن ال�شبهات ويحتاط لدينه‪ ،‬ويف هذا يقول النبي ‪( :‬احلالل بينّ ٌ واحلرام بينّ ٌ‪ ،‬وبينهما‬
‫(((‬
‫�أمور مت�شابهاتٌ ‪ ،‬ومن حام حول احلمى يو�شك �أن يقع فيه)‪.‬‬
‫وعر�ضه‬ ‫ويقول‪( :‬من اتقى ال�شبهات فقد ا�سترب�أ لدينه وعر�ضه)(((‪� ،‬أي ب ّر�أ دينه من النق�ص ِ‬
‫من الطعن‪.‬‬
‫رب ما اطم�أ َّنت �إليه‬
‫ا�ستفت قلبك‪ ،‬ال ُّ‬
‫ِ‬ ‫ولقد قال النبي ‪ ‬لواب�ص َة بن معبد‪( :‬يا واب�صة‪،‬‬
‫النف�س‪ ،‬واطم�أنَّ �إليه القلب‪ ،‬والإثم ما حاك يف القلب‪ ،‬وتردد يف ال�صدر‪ ،‬و�إن �أفتاك النا�س و‬
‫�أفتوك)(((‪.‬‬
‫  ‬
‫ال ُّر َخ�ص الفقهية وال ُّرخ�ص ال�شرعية‪:‬‬
‫يحب �أن‬
‫قد يت�ساءل البع�ض فيقول‪� :‬أمل يقل النبي ‪�( :‬إنَّ اهلل يحب �أن ت�ؤتى رخ�صه كما ُّ‬
‫(((‬
‫ت�ؤتى عزائمه)؟!‬
‫أحوط واالبتعا ُد عن ال ّرخ�ص الفقهية التي‬ ‫أخذ بال ِ‬ ‫و�أقول‪ :‬هناك فر ٌق بني الورع الذي هو ال ُ‬
‫ت�ستند على دليل �ضعيف‪( ،‬كالقول بجواز من�ص اجلبني مبعنى ترقيقهما‪ ،‬والقول ب�صحة‬
‫ال�صالة يف حال وجود النجا�سة‪� ،‬إذا كان �صاحبها جاه ًال بوجودها �أثناء ال�صالة)‪ ،‬وبني القول‬
‫�صحيح‪ ،‬كرخ�صة الإفطار‬ ‫ٍ‬ ‫دليل‬
‫بجواز �أو با�ستحباب الأخذ بال ّرخ�ص ال�شرعية التي ُبنيت على ٍ‬
‫يف رم�ضان للم�سافر واملري�ض‪ ،‬ورخ�ص ِة امل�سح على اخلفني‪ ،‬ورخ�صة ق�صر ال�صالة للم�سافر‪..‬‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب العلم ـ باب ف�ضل من ا�سترب�أ لدينه‪ ،28/1 :‬وم�سلم يف �صحيحه‬ ‫((( ‬
‫ـ كتاب امل�ساقاة ـ باب �أخذ احلالل وترك ال�شبهات‪.1292/3:‬‬
‫طرف من احلديث الذي قبله‪ ،‬له نف�س التخريج‪.‬‬ ‫((( ‬
‫حديث ح�سن‪� ،‬أخرجه �أحمد يف م�سنده‪ -‬حديث واب�صة بن معبد‪ ،228/4:‬والدارمي يف �سننه‪ -‬كتاب البيوع‪ -‬باب‬ ‫((( ‬
‫ّ‬
‫دع ما يريبك �إىل ما ال يربيك‪ ،320/2 :‬وتُكلم يف �إ�سناده من جهة �أيوب بن عبد اهلل بن مكرز‪ .‬فقد قال فيه ابن حجر‪ :‬م�ستور‪.‬‬
‫وقال املنذري يف الرتغيب والرتهيب‪ :‬رواه �أحمد ب�إ�سناد ح�سن‪.‬‬
‫حديث �إ�سناده ح�سن‪� .‬أخرجه ابن حبان يف �صحيحه‪ ،69/2 :‬والطرباين يف الكبري‪ ،84/10 :‬وذكره الهيثمي يف‬ ‫((( ‬
‫جممع الزوائد‪ ،62/3:‬وقال بعد ذكر �أن البزار �أخرجه‪ :‬رجال البزار ثقات وكذلك الطرباين‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫فهذه الرخ�ص ال�شرعية �أم ٌر م�شروعٌ‪ ،‬وي�ستحب العمل بها لقول النبي ‪� :‬إنَّ اهلل يحب �أن ت�ؤتى‬
‫رخ�صه‪ ،‬كما ت�ؤتى عزائمه(((‪.‬‬
‫وقد تناول جممع الفقه الإ�سالمي املنعقد يف ‪ 27-21‬يونيو ‪1993‬م مو�ضوع (الأخذ بالرخ�صة‬
‫وحكمه) وقرر ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الرخ�صة ال�شرعية‪ :‬هي ما ُ�شرع من الأحكام لعذ ٍر تخفي ًفا عن املكلفني‪.‬‬
‫وال خالف يف م�شروعية الأخذ بالرخ�ص ال�شرعية �إذا وجدت �أ�سبابها‪ ،‬ب�شرط التح ّقق من‬
‫دواعيها‪ ،‬واالقت�صار على موا�ضعها‪ ،‬مع مراعاة ال�ضوابط ال�شرعية املقررة للأخذ بها‪.‬‬
‫مبيحا لأمر يف مقابل‬‫‪ - 2‬املراد بالرخ�ص الفقهية‪ :‬ما جاء من االجتهادات املذهبية ً‬
‫أخف من �أقوالهم‪ ،‬جائز‬ ‫اجتهادات �أخرى حتظره‪ .‬والأخذ برخ�ص الفقهاء مبعنى اتبا ِع ما هو � ُّ‬‫ٍ‬
‫�شرعا بال�ضوابط الآتية يف (البند ‪.)4‬‬
‫ً‬
‫‪ - 3‬الرخ�ص يف الق�ضايا العامة ُتعامل معاملة امل�سائل الفقهية الأ�صلية‪� ،‬إذا كانت حمققة‬
‫جماعي ممن تتوافر فيهم �أهلية االجتهاد ويت�صفون‬ ‫ّ‬ ‫اجتهاد‬
‫ٍ‬ ‫مل�صلحة معتربة �شرع ًا‪ ،‬و�صادرة عن‬
‫بالتقوى والأمانة العلمية‪.‬‬
‫‪ - 4‬ال يجوز الأخذ برخ�ص املذاهب الفقهية ملجرد الهوى‪ ،‬لأن ذلك ي�ؤدي �إىل التح ّلل من‬
‫التكليف‪ ،‬و�إمنا يجوز الأخذ بالرخ�ص مبراعاة ال�ضوابط التالية‪:‬‬
‫�شرعا‪ ،‬ومل تو�صف ب�أنها من �شوا ّذ‬‫�أ ‪� -‬أن تكون �أقوال الفقهاء التي يرتخ�ص بها معتربة ً‬
‫الأقوال‪.‬‬
‫ب ‪� -‬أن تقوم احلاجة �إىل الأخذ بالرخ�صة دف ًعا للم�شقة‪� ،‬سواء �أكانت حاجة عامة للمجتمع‬
‫خا�صة �أم فردية‪.‬‬
‫�أم ّ‬
‫جـ‪� -‬أن يكون الآخذ بالرخ�ص ذا قدرة على االختيار‪� ،‬أو �أن يعتمد على من هو �أهل لذلك‪.‬‬
‫د ‪� -‬أال يرتتّب على الأخذ بالرخ�ص الوقوع يف التلفيق(((‪.‬‬
‫هـ‪� -‬أال يكون الأخذ بذلك القول ذريعة للو�صول �إىل غر�ض غري م�شروع‪.‬‬
‫و ‪� -‬أن تطمئن نف�س ّ‬
‫املرتخ�ص للأخذ بالرخ�صة‪.‬‬
‫تقدم تخريجه يف احلا�شية ال�سابقة‪.‬‬ ‫((( ‬
‫التلفيق ممنو ٌع ح�سب ما ق ّرره هذا املجمع‪� ،‬إال �أن كثري ًا من الفقهاء املعا�صرين يرون خالف ذلك‪ ،‬وهو ما �سنب ّينه‬ ‫((( ‬
‫يف الفقرة التالية‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫هذا ما قرره جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬وهو كما نرى يهدف �إىل �شدِّ ه ّمة امل�سلم ورفع عزميته‪،‬‬
‫علم ودراية‪،‬‬ ‫و�أخل�ص �أنا �إىل الت�أكيد على جواز الأخذ بالرخ�ص �شريطة �أن يكون هذا الأخذ عن ٍ‬
‫ؤدي الأخذ بالرخ�صة �إىل الوقوع يف احلرام �أو يف ما ي�شبه احلرام‪.‬‬ ‫و�أن ال ي� َ‬
‫  ‬
‫التلفيق‪:‬‬
‫الفقهي �أجاز الأخذ بالرخ�ص �شريطة عدم الوقوع يف التلفيق‪ .‬فما‬ ‫َّ‬ ‫قليل �إنَّ املجمع‬
‫قلنا قبل ٍ‬
‫هو التلفيق؟!‬
‫عدد من املذاهب يف‬ ‫التلفيق هو الإتيانُ بتوليف ٍة مل يقل بها �أح ٌد من الأئمة نتيج ًة لتقليد ٍ‬
‫امل�س�ألة الواحدة‪.‬‬
‫�شعرات من ر�أ�سه (تقليد ًا للمذهب ال�شافعي)‪ ،‬ومل�ست‬ ‫ٍ‬ ‫مثا ٌل على التلفيق‪ :‬تو�ض�أ رج ٌل‪ ،‬فم�سح‬
‫يدُه َيد امر�أ ٍة فلم ُي ِعد و�ضو َءه (تقليد ًا للمذهب احلنفي)‪.‬‬
‫مذهب �شيئ ًا‪ ،‬فهل هذا حال ٌل �أم‬
‫ٍ‬ ‫هذا هو التلفيق‪� :‬أن ي�أخذ املرء يف م�س�ألة واحدة من كل‬
‫حرام؟!‬
‫يف احلقيقة‪ ،‬هناك من يرى �أ َّنه حتى يكون الأخذ من املذاهب املتعددة وتقليدها �صحيح ًا‪،‬‬
‫يجب �أن تتحقق ا�شرتاطاتٌ ‪ ،‬و�إال ف�إنَّ الف�ساد يع ُّم خطوات املقلد‪.‬‬
‫�صحيح على كال‬ ‫ٍ‬ ‫قليل يعترب بع�ض الفقهاء و�ضوء الرجل غري‬ ‫ففي املثال الذي �أورد ُته قبل ٍ‬
‫أحناف يرون �أنَّ على املتو�ضئ �أن مي�سح ربع �شعر ر�أ�سه‬ ‫املذهبني‪ :‬ال�شافعي واحلنفي‪ ،‬لأنَّ ال َ‬
‫لي�صح و�ضو�ؤه‪ ،‬وال�شافعية يرون �أنَّ مل�س امر�أ ٍة من غري املحارم ينق�ض الو�ضوء‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وحتى يكون و�ضوء هذا الرجل �صحيح ًا‪ ،‬ا�شرتط بع�ض الفقهاء �أن يكون الو�ضوء بكامله‬
‫�صحيح ًا لدى املذهب الذي ق ّلده‪.‬‬
‫فعلى الرجل يف املثال الذي ذكرناه �أن مي�سح ربع ر�أ�سه (وفق ًا للمذهب احلنفي)‪ ،‬ليتم ّكن من‬
‫تقليد املذهب احلنفي يف عدم نق�ض الو�ضوء عند مل�س املر�أة‪.‬‬
‫ولكنَّ بع�ض علماء احلنفية واحلنابلة واملالكية �أجازوا التلفيق‪ ،‬م�ستدلني على هذا ب�أنَّ من َع‬
‫التلفيق مل يظهر عند املجتهدين ال�سابقني‪ ،‬مبن فيهم �أئمة املذاهب الأربعة‪ ،‬و�أنَّ ه�ؤالء مل‬

‫‪34‬‬
‫يتحدثوا عن التلفيق �أبد ًا‪ ،‬ومل ي�شرتطوا جلواز التقليد �أن ال ي�ؤدي �إىل التلفيق‪ ،‬بل ظهر هذا‬
‫ال�شرط يف الع�صور املت�أخرة نوع ًا ما‪ ،‬كما �أن امل�ستفتي يف عهد ال�سلف كان ي�ستفتي مفتي ًا يف‬
‫م�س�أل ٍة‪ ،‬ثم ي�ستفتي مفتي ًا �آخر يف م�س�أل ٍة �أخرى‪ ،‬وهذا قد ي�ؤدي �إىل التلفيق‪ ،‬ومع ذلك مل يكن‬
‫�أح ٌد من العلماء ينكر هذا �أو ينهى عنه‪..‬‬
‫�إذ ًا على الأرجح يجوز تقليد عدة مذاهب يف م�س�ألة واحدة‪ ،‬ولو �أ ّدى ذلك �إىل التلفيق‪،‬‬
‫وال�شرط الوحيد يف هذا �أن يق ِّلد امل�سلم مذهب ًا معترب ًا‪ ،‬و�أن ال يتتبع الآراء ال�شا ّذة‪ ،‬التي مل تثبت‬
‫أحد من الأئمة املعتربين‪� ،‬إذ لي�س من املقبول �أن يتت َّبع امل�سلم فتاوى �شاذ ًة غريب ًة وردت يف‬ ‫عن � ٍ‬
‫كتاب ما‪ ،‬و ُن�سبت �إىل �أحد الأئمة‪ ،‬ومل ُيعرف مدى �صحة ن�سبة هذا القول �إىل �صاحبه‪� ،‬أو ُن�سبت‬ ‫ٍ‬
‫�شخ�ص ي َّدعي العلم‪ ،‬ولكنه ال ي�صلح لالجتهاد‪� ،‬أو خالفت �أمر ًا �صحيح ًا �صريح ًا ورد فيه‬ ‫ٍ‬ ‫�إىل‬
‫وا�ضح فيه‪.‬‬
‫قطعي‪� ،‬أو �أجمع العلماء على ر� ٍأي ٍ‬
‫ن�ص ٌّ‬ ‫ٌّ‬
‫  ‬
‫خطورة تعليم الفقه على مذهبٍ واحد‪:‬‬
‫فقهي‬
‫مذهب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ري من الدعاة �أو املعاهد ال�شرعية بتعليم تالمذتهم الفقه على‬ ‫يقوم اليوم كث ٌ‬
‫واحد‪ ،‬ويتج َّنبون احلديث عن املذاهب الأخرى ال�صحيحة واملعتربة‪ ،‬وهذا قد ي�ؤدي �إىل ت�ضييق‬
‫املتعلم على التع�صب املذهبي‪.‬‬
‫َ‬ ‫ي�سره‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل �أنه يحمل‬
‫و�سعه اهلل تعاىل‪ ،‬وتع�سري ما ّ‬ ‫ما َّ‬
‫لطاملا نرى اليوم �أنا�س ًا يت�شددون يف الفروع الفقهية االجتهادية‪ ،‬وينظرون �إىل �آرائهم على‬
‫�أنها وحدها هي ال�صواب‪ ،‬و�أنَّ ما يفعله الآخرون خط�أٌ يجب ت�صحيحه!‬
‫مذهب واحد‪ ،‬لأنَّ املتعلم لهذا املذهب الواحد‬‫ٍ‬ ‫أ�سا�سي هو تعليم الفقه على‬
‫ب�شكل � ٍ‬
‫و�سبب ذلك ٍ‬
‫يظنُّ �أنَّ ما يتعلمه هو وحده ال�صواب‪ ،‬وال يعرف �أنَّ لدى املذاهب الأخرى �آرا ًء �أخرى �صائب ًة‬
‫ومعترب ًة وحمرتم ًة حتى عند �إمام مذهبه نف�سه‪.‬‬
‫متع�صبني‪ ،‬يحملون لواء‬ ‫علم ّ‬ ‫فحتى ال ن�ض ِّيق ما ي�سره اهلل تعاىل‪ ،‬وحتى ال نخ ّرج طالب ٍ‬
‫ال�شرعي الفق َه على �أ�صوله‪،‬‬
‫ِ‬ ‫تخطيئ الآخرين‪ ،‬ورمبا تكف ِريهم �أي�ض ًا‪ ،‬يجب �أن يتعلم طالب العلم‬
‫مذهب مع ٍني �أم ٌر جائ ٌز وم�ستحب‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ليعرف �أنَّ هنالك مذاهب متعددة‪ ،‬و�أنَّ انت�ساب الطالب �إىل‬ ‫َ‬
‫و�أنَّ هناك مذاهب �أخرى يجوز لهذا املنت�سب تقليدها دون حرج‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫ا�صطالحات فقهية‪:‬‬
‫‪ -1‬الفر�ض‪ :‬هو ما �أمر ال�شرع بفعله �أمر ًا جازم ًا‪ ،‬ويرتتّب على فعله الثواب وعلى تركه‬
‫العقاب‪ ،‬كال�صالة وال�صيام وبر الوالدين وارتداء احلجاب‪.‬‬
‫م�سلم مك ّل ٍف �أن يعلمه ويفعله �شخ�صي ًا‪ ،‬كالو�ضوء وال�صالة‬
‫فر�ض العني‪ :‬هو ما يجب على كل ٍ‬
‫وال�صيام والزكاة‪..‬‬
‫ب�شكل عام‪ ،‬ف�إذا قام به البع�ض �سقط الإثم‬ ‫فر�ض الكفاية‪ :‬هو ما يجب �أن يفعله امل�سلمون ٍ‬
‫عن الآخرين‪ ،‬و�إن مل يقم به �أح ٌد وقع الإثم على اجلميع‪ .‬و�إن قام به بع�ض امل�سلمني‪ ،‬ولكن مل‬
‫تكن جهودهم كافية وحدها ل�س ّد احتياجات الأمة‪� ،‬سقط الفر�ض ع َّمن قاموا به‪ ،‬ووقع الإثم على‬
‫املق�صرين‪.‬‬
‫الباقني ِّ‬
‫من فرو�ض الكفاية جتهيز امليت وال�صالة عليه‪ ،‬وتعلُّم العلوم الدينية كالفقه والأ�صول‬
‫والتف�سري‪ ،‬والعلوم الدنيوية الالزمة ل�سالمة الأمة وتقدمها وا�ستقرارها وا�ستمرارها‪ ،‬كالفيزياء‬
‫والكيمياء والتكنولوجيا وعلوم ال�صناعات على اختالف �أنواعها‪.‬‬
‫‪ -2‬الركن‪ :‬هو م�صطلح يطلق على الفر�ض‪� ،‬إذا تو ّقف عليه وجود ال�شيء‪ ،‬ودخل يف حقيقته‪،‬‬
‫كقراءة الفاحتة يف ال�صالة‪� ،‬إذ‪ :‬ال �صال َة ملن مل يقر�أ فاحتة الكتاب(((‪.‬‬
‫‪ -3‬ال�شرط‪ :‬هو م�صطلح يطلق على الفر�ض‪� ،‬إذا تو ّقف عليه وجود ال�شيء‪ ،‬ومل يدخل يف‬
‫داخل يف حقيقتها‪.‬‬
‫�شرط ل�صحة ال�صالة‪ ،‬ولكنه غري ٍ‬ ‫حقيقته‪ ،‬كالو�ضوء مث ًال‪ ،‬فهو ٌ‬
‫رغب ال�شرع بفعله‪ ،‬ولكنه مل يطلبه طلب ًا جازم ًا‪ ،‬وحكمه‪ :‬يثاب فاعله‪ ،‬وال‬ ‫‪ -4‬املندوب‪ :‬هو ما ّ‬
‫يعاقب تاركه‪ ،‬ك�صالة و�صيام النوافل‪.‬‬
‫و ُتطلق على املندوب �أ�سما ٌء عديد ٌة منها‪ :‬ال�س َّنة‪ ،‬امل�ستحب‪ ،‬التط ّوع‪ ،‬النفل(((‪..‬‬
‫نن م�ؤكد ٌة‪ ،‬و�س ٌ‬
‫نن غري م�ؤكد ٍة‪.‬‬ ‫وهناك نوعان من ال�سنن‪� :‬س ٌ‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب �صفة ال�صالة ـ باب وجوب القراءة للإمام وامل�أموم يف‬ ‫((( ‬
‫ال�صلوات كلها‪ ،263/1 :‬وم�سلم يف �صحيحه ـ كتاب ال�صالة ـ باب وجوب قراءة الفاحتة يف كل ركعة‪ ،295/1:‬كالهما عن عبادة‬
‫بن ال�صامت‪.‬‬
‫يرى �أغلب الأ�صوليني �أن هذه امل�صطلحات هي مرتادفات مبعنى واحد‪ ،‬ويرى البع�ض �أن ال�سنة هي ما واظب النبي‬ ‫((( ‬
‫‪ ‬على فعله‪� ،‬أما امل�ستحب فهو ما فعله النبي ‪� ‬أحيان ًا‪ ،‬ومل يواظب عليه‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫ال�سنن امل�ؤ ّكدة‪ :‬هي ما طلب ال�شارع فعلها طلب ًا غري جازم‪� ،‬أي �أنَّ ال�شر َع طلبها‪ ،‬لكنه مل‬
‫يفر�ضها ومل ي�أمر بها �أمر ًا‪ ،‬وواظب النبي ‪ ‬على فعلها‪ ،‬ومل يرتكها �إال نادر ًا للإ�شعار ب�سنيتها‬
‫والتمييز بينها وبني الفر�ض‪..‬‬
‫ال�سنن غري امل�ؤ ّكدة‪ :‬وهي ال�سنن التي فعلها النبي ‪ ،‬ومل يواظب عليها‪ ،‬وحكم هذه ال�سنن‬
‫امل�ؤكدة وغري امل�ؤكدة‪� ،‬أن يثاب فاعلها وال يعاقب تاركها‪.‬‬
‫ويبني العلماء �أهمية اتباع امل�سلم ل�سنة النبي ‪�/‬ص امل�ؤكدة‪ ،‬وعدم التهاون يف �أدائها‪،‬‬
‫ربر لرتكها‪ ،‬كما ي�ؤكدون على �أن من يهمل العمل ب�سنة النبي‬ ‫وخ�صو�ص ًا �إن مل يكن لديه ٌ‬
‫�سبب م ّ‬
‫‪ ‬ك�س ًال �أو ان�شغا ًال ال يعاقب وال �إثم عليه‪ ،‬ولكنه قد يالم من قبل النبي ‪ ‬يوم القيامة لتهاونه‬
‫وان�شغاله عن االقتداء بهديه ‪� ،‬أما من يهملها ا�ستهانة بها وتقلي ًال من �ش�أنها‪ ،‬فهو م�ؤاخذ‬
‫ومعاقب يوم القيامة‪ ،‬وي�ستدل الفقهاء على هذا بحادثة النفر الثالثة الذين �س�ألوا زوجات النبي‬
‫‪‬عن عبادته‪ ،‬فلما �أخربوا ك�أنهم تقا ّلوها‪ ،‬فقالوا‪ :‬و�أين نحن من النبي ‪ ‬وقد غفر له ما تقدم‬
‫من ذنبه وما ت�أخر‪ .‬قال �أحدهم‪� :‬أما �أنا ف�إين �أ�صلى الليل �أبد ًا‪ .‬وقال �آخر‪� :‬أنا �أ�صوم الدهر وال‬
‫�أفطر‪ .‬وقال �آخر‪� :‬أنا �أعتزل الن�ساء فال �أتزوج �أبد ًا‪.‬‬
‫فلما بلغ ذلك النبي ‪ ‬قال لهم‪� :‬أنتم الذين قلتم كذا وكذا‪� ،‬أما واهلل �إنى لأخ�شاكم هلل و�أتقاكم‬
‫له‪ ،‬لكني �أ�صوم و�أفطر‪ ،‬و�أ�ص ّلى و�أرقد‪ ،‬و�أتزوج الن�ساء‪ ،‬فمن رغب عن �سنتى فلي�س منى(((‪.‬‬
‫ثواب �أو عقاب‪،‬‬ ‫‪ -5‬املباح‪ :‬هو ما مل ي�أمر ال�شرع بفعله وال برتكه‪ ،‬وال يرتتب على فعله �أو تركه ٌ‬
‫الَ ْر�ضِ َوا ْب َت ُغوا ِمن‬
‫ال�صلاَ ُة َفان َت�شِ ُروا فيِ ْ أ‬
‫كالعمل بعد �صالة اجلمعة لقوله تعاىل‪َ } :‬ف ِ�إ َذا ُق�ضِ َي ِت َّ‬
‫َف ْ�ض ِل اللهَِّ {(((‪.‬‬
‫‪ -6‬احلرام‪ :‬هو ما طلب ال�شرع تركه طلب ًا جازم ًا‪ ،‬بحيث يثاب تاركه‪ ،‬ويعاقب فاعله‪ ،‬كالقتل‬
‫و�أكل �أموال النا�س بالباطل و�شرب اخلمر والزنا وعقوق الوالدين‪.‬‬
‫وي�سمى احلرام حمظور ًا ومع�صي ًة وذنب ًا‪.‬‬
‫جازم‪ ،‬بحيث يثاب تاركه‪ ،‬وال يعاقب فاعله‪،‬‬ ‫‪-7‬املكروه‪ :‬هو ما طلب ال�شرع تركه طلب ًا غري ٍ‬
‫للحاج‪.‬‬
‫ك�صيام يوم عرفة ّ‬
‫يرى �أغلب الأ�صوليني �أن هذه امل�صطلحات هي مرتادفات مبعنى واحد‪ ،‬ويرى البع�ض �أن ال�سنة هي ما واظب النبي‬ ‫((( ‬
‫ً‬
‫‪ ‬على فعله‪� ،‬أما امل�ستحب فهو ما فعله النبي ‪� ‬أحيانا‪ ،‬ومل يواظب عليه‪.‬‬
‫�سورة اجلمعة‪� :‬آية ‪.10‬‬ ‫((( ‬

‫‪37‬‬
‫واملكروه نوعان‪:‬‬
‫�أ‪ -‬مكرو ٌه كراه ًة تنزيهي ًة‪ ،‬فمث ًال‪ ،‬ترك �س َّن ٍة من ال�سنن امل�ؤكدة هو �أم ٌر مكرو ٌه كراه ًة‬
‫يغ�سل املتو�ضئ يديه �أكرث �أو �أق َّل من ثالث مرات‪ ،‬فهذا �أم ٌر مكرو ٌه كراه ًة‬ ‫تنزيهي ًة‪ ،‬ك�أن َ‬
‫تنزيهي ًة‪ ،‬ملا ورد يف ال�سنة ال�صحيحة �أنَّ النبي ‪ ‬كان يغ�سل �أع�ضاء و�ضوئه ثالث مرات(((‪،‬‬
‫فعل النبي ‪.‬‬ ‫ينق�ص عن ِ‬ ‫َ‬ ‫يزيد فع ُله �أو‬
‫�سبب) �أن َ‬ ‫وال يجدر بامل�سلم (�إن مل يكن هناك ٌ‬
‫خالف الأَوىل‪ ،‬وتعني �أن يرتك امل�سلم �سن ًة من ال�سنن غري امل�ؤكدة‪ ،‬ك�أن يتكلم‬ ‫ب‪ -‬مكرو ٌه كراه َة ِ‬
‫(خالف الأَوىل)‪ ،‬مبعنى �أنَّ الأَوىل بامل�سلم �أن‬
‫َ‬ ‫داع‪ ،‬فهذا ي�سمى عند الفقهاء‬ ‫�أثناء الو�ضوء بدون ٍ‬
‫يرتك هذه الأمور‪.‬‬
‫والذي يرتكب مكروه ًا من املكروهات التنزيهية ال يعاقب‪ ،‬و�إمنا قد يالم من قبل النبي ‪�/‬ص‬
‫ملخالفته لل�سنن امل�ؤكدة‪ ،‬التي واظب عليها ‪ ،‬على خالف من يرتكب مكروه ًا من مكروهات‬
‫خالف الأوىل‪ ،‬ف�إنه ال يعاقب وال يالم‪ ،‬كالتكلم �أثناء الو�ضوء‪.‬‬
‫املكروه حترمياً‪:‬‬
‫رئي�سي‪ ،‬وهي عندهم نو ٌع من �أنواع‬ ‫ٍ‬ ‫ب�شكل‬
‫الكراهة التحرميية هي من تق�سيمات احلنفية ٍ‬
‫ظني ال‬
‫بدليل ٍ‬‫احلرام‪ ،‬وت�شمل الأمو َر التي طلب ال�شرع تركها طلب ًا جازم‪ ،‬ولكن الطلب ثبت ٍ‬
‫بدليل ورد يف ال�سنة الآحادية ال�صحيحة‪ ،‬كالنهي عن ال�صالة وقت �شروق ال�شم�س‬ ‫قطعي‪� ،‬أي‪ٍ :‬‬
‫�أو غروبها‪ ،‬فمن ي�صلي يف هذه الأوقات ي�أثم‪ ،‬وي�ستحق العقوبة بد ًال من املثوبة‪ ،‬وقد ورد النهي‬
‫عن ال�صالة يف هذه الأوقات يف ال�سنة ال�صحيحة الآحادية‪.‬‬
‫ومن �أمثلته �أي�ض ًا البيع على بيع الآخر واخلطبة على خطبته‪ ،‬لقوله ‪�/‬ص‪« :‬ال يبع الرجل على‬
‫(((‬
‫بيع �أخيه‪ ،‬وال يخطب على خطبة �أخيه‪� ،‬إال �أن ي�أذن له»‪.‬‬
‫الفعل احلرام‪ ،‬حيث يثاب تاركه ويعاقب مرتكبه‪ ،‬والفرق‬ ‫ُ‬
‫والفعل املكروه كراه ًة حترميي ًة ي�شبه َ‬
‫بني الكراهة التحرميية واحلرام‪ ،‬هو �أنَّ احلرام ثبت طلب تركه بدليل قطعي‪ ،‬مما ي�ؤدي �إىل كفر‬
‫منكره‪� ،‬أما منك ُر املكروه حترمي ًا فال يكفر‪ ،‬بل يف�سق فقط‪ ،‬لأن طلب تركه ثبت بدليل ظني‪.‬‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب الو�ضوء ـ باب الو�ضوء ثالث ًا‪ ،71/1 :‬وم�سلم يف �صحيحه ـ كتاب‬ ‫((( ‬
‫الطهارة ـ باب �صفة الو�ضوء وكماله‪ ،204/1 :‬كالهما عن عثمان بن عفان‪.‬‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب النكاح ـ باب ما ال يجوز من ال�شرط يف النكاح ‪ ،970/2:‬وم�سلم‬ ‫((( ‬
‫يف �صحيحه واللفظ له ـ كتاب النكاح ـ باب حترمي اخلطبة على خطبة �أخيه ي�أذن �أو يرتك ‪،1032/2:‬عن عبد اهلل بن عمر‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫�أما جمهور الفقهاء (ال�شافعية واحلنبلية واملالكية) فلي�س عندهم هذا النوع من الكراهة‪ ،‬بل‬
‫هي تندرج حتت نوع احلرام‪ ،‬و�إذا ما �صادف �أن ا�ستُخدم م�صطلح الكراهة التحرميية يف بع�ض‬
‫كتبهم‪ ،‬فاملراد به �أنه �أمر حم ّرم ي�أثم فاعله‪..‬‬
‫  ‬
‫كانت هذه مقدم ًة ق�صري ًة ال ب َّد منها ملعرفة �شيءٍ عن الفقه وتف�صيالته‪ ،‬و�س�أنتقل منها‬
‫للخو�ض يف البحث الأول‪ ،‬وهو زينة املر�أة‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫زين ُة املرأة‬

‫وجمال مظهرها‬
‫ِ‬ ‫زينة املر�أة واعتنا�ؤها بقوامها ور�شاقتها‬
‫�أم ٌر يهم ك َّل �أنثى‪ ..‬كبري ًة كانت �أم �صغرية‪� ..‬صب َّي ًة �أم عجوز ًا‪..‬‬
‫متد ّين ًة �أو غري متدينة! فهذا الأمر من الفطرة التي �أودعها اهلل‬
‫تعاىل يف النفو�س ذات الطبيعة ال�سليمة‪..‬‬
‫موقف اإلسالم من الزينة‬

‫وقد طلب الإ�سالم من امل�سلم (رج ًال كان �أو امر�أ ًة) �أن يتز َّين ويتج َّمل‪ ،‬فكان النبي ‪ ‬يحثّ‬
‫�صحابته على االغت�سال والتج ّمل والتز ّين والعناية باملظهر وال�شعر واللحية وال�شارب والطيب‬
‫واللبا�س‪ ،‬ومن الآثار النبوية يف هذا املجال �أنَّ رج ًال دخل �إىل م�سجد النبي ‪ ‬ثائر الر�أ�س‬
‫�أ�شعث اللحية‪ ،‬ف�أ�شار �إليه‪ ،‬ف�أدرك الرجل ما يريده النبي‪ ،‬فرجع �إىل بيته ف�أ�صلح �شعره وحليته‪،‬‬
‫ثم عاد �إىل املجل�س‪ ،‬فقال النبي ‪� :‬ألي�س هذا خري ًا من �أن ي�أتي �أحدكم ثائر الر�أ�س ك�أنه‬
‫ال�شيطان؟!(((‪.‬‬
‫كما جند اهلل تعاىل مينّ على عباده يف القر�آن الكرمي‪ ،‬ب�أنه ز َّينهم باللبا�س والري�ش‪ ،‬وذلك‬
‫يف قوله تعاىل‪َ ﴿:‬يا َب ِني �آ َد َم َق ْد �أَ ْنزَ ْل َنا َع َل ْي ُك ْم ِل َبا�س ًا ُي َوارِي َ�س ْو�آ ِت ُك ْم َورِي�ش ًا﴾(((‪ ،‬والري�ش هو كناي ٌة‬
‫عن الزينة‪.‬‬
‫مرات‪ ،‬منها يف قوله تعاىل‪َ ﴿:‬يا َب ِني �آ َد َم ُخ ُذوا‬ ‫وقد وردت كلمة الزينة يف القر�آن الكرمي عدة ٍ‬
‫زِي َن َت ُك ْم ِع َند ُك ِّل َم ْ�س ِج ٍد و ُك ُلوا ْ‬
‫وا�ش َر ُبوا وال ُت ْ�س ِر ُفوا �إ َّن ُه ال ُي ِح ُّب املُ ْ�س ِر ِف َني ُق ْل َمنْ َح َّر َم زِي َن َة اللهَِّ‬
‫ات ِمنَ ال ِّر ْز ِق ُق ْل ِه َي ِل َّل ِذينَ � َآم ُنوا فيِ َ‬
‫احل َيا ِة ال ُّد ْن َيا َخا ِل َ�ص ًة َي ْو َم ال ِق َي َام ِة‬ ‫ا َل ِتي �أَخْ َر َج ِل ِع َبا ِد ِه َّ‬
‫والط ِّي َب ِ‬
‫ات ِل َق ْو ٍم َي ْع َل ُمونَ ﴾(((‪.‬‬
‫َك َذ ِل َك ُن َف ِّ�ص ُل الآ َي ِ‬
‫يخ�ص�ص الن�ساء ب�أنواع من الزينة‬ ‫أحب �أن �أ�ؤكد �أن الإ�سالم ّ‬ ‫وعندما �أحتدث عن زينة املر�أة � ُّ‬
‫كالذهب واحلرير وخ�ضب اليدين والقدمني؛ بينما يحرم ذلك على الرجال‪ ،‬لأن الفطرة التي‬
‫خلق اهلل املر�أة عليها �أنها حتب التزين والتج ّمل �أكرث من الرجل‪..‬‬

‫حديث ح�سن‪� .‬أخرجه مالك يف املوط�أ ـ باب �إ�صالح ال�شعر ‪ 949/2‬مر�س ًال عن عطاء بن ي�سار ‪ .‬وقال ابن عبد الرب‬ ‫((( ‬
‫يف التمهيد‪« :50/5 :‬قد يت�صل معناه من حديث جابر وغريه» اهـ ‪.‬مما يقوي �ضعف احلديث ‪.‬‬
‫الأعراف‪ :‬من الآية ‪26‬‬ ‫(( (‬
‫�سورة الأعراف‪� :‬آية ‪.32 ،31‬‬ ‫((( ‬

‫‪43‬‬
‫التز ّين �أمر م�ستحب‪:‬‬
‫و�أ�ستطيع �أن �أقول بكل و�ضوح‪ :‬التز ّين يف الإ�سالم �أم ٌر م�ستحب‪ ،‬ولي�ست فقط �أمر ًا جائز ًا‪،‬‬
‫و�أ�ست�شهد هنا بحادث ٍة جرت مع ال�صحابية اجلليلة خولة بنت حكيم‪ ،‬زوج ِة ال�صحابي اجلليل‬
‫عثمان بن مظعون ر�ضي اهلل عنهما‪ .‬فقد دخلت خول ُة مر ًة �إىل بيت النبي ‪ ،‬وكانت ر ّثة الثياب‬
‫واملظهر‪ ،‬فلما ذهبت قال النبي ‪ ‬لعائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪ :‬يا عائ�شة‪ ..‬ما � َّأبذ هيئة خويلة! �أي‪:‬‬
‫أبعدها عن الأناقة والرتتيب!‬ ‫ما � َ‬
‫زوج‪ ،‬فرتكت‬ ‫زوجها ي�صوم النهار ويقوم الليل‪ ،‬فهي بال ٍ‬ ‫فقالت عائ�شة‪ :‬يا ر�سول اهلل‪ ،‬امر�أ ٌة ُ‬
‫نف�سها و�أ�ضاعتها!‬
‫َ‬
‫مظعون يعظه وين�صحه‪ ،‬ويبينّ له حقوق الآخرين عليه قائ ًال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫فتوجه النبي ‪� ‬إىل عثمان بن‬ ‫ّ‬
‫يا عثمان‪� ،‬أرغب ًة عن �س ّنتي؟!‬
‫فقال‪ :‬ال واهلل يا ر�سول اهلل‪ ،‬ولكن �س َّنتَك �أطلب‪.‬‬
‫فقال له النبي ‪( :‬ف�إين �أنام و�أ�صلي‪ ،‬و�أ�صوم و�أفطر‪ ،‬و�أنكح الن�ساء‪ِِّ ،‬‬
‫فاتق اهلل يا عثمان‪،‬‬
‫ف�إنَّ لأهلك عليك حق ًا‪ ،‬و�إن ل�ضيفك عليك حق ًا‪ ،‬و�إن لنف�سك عليك حق ًا‪ ،‬ف�صم و�أفطر‪ِّ ،‬‬
‫و�صل‬
‫ومن)(((‪.‬‬
‫ويف رواية الطرباين‪ :‬ف�أتتهم املر�أة بعد ذلك َع ِط َر ًة وك�أنها عرو�س(((‪.‬‬
‫وج ِع َلت ق ّر ُة عيني يف ال�صالة)(((‪.‬‬ ‫وكان ‪ ‬يقول‪( :‬ح ّبب �إيل من دنياكم الن�ساء ّ‬
‫والطيب‪ُ ،‬‬
‫بعيد ما بني املنكبني‪،‬‬‫ويروي الرباء بن عازب ر�ضي اهلل عنه �أنَّ النبي ‪ ‬كان مربوع القامة‪َ ،‬‬
‫قط �أح�سن منها(((‪.‬‬‫له َ�شع ٌر يبلغ �شحمة �أذنيه‪ ،‬ويقول الرباء‪ :‬ر�أيتُه يف ح ّل ٍة حمراء مل �أر �شيئ ًا ّ‬

‫ـ حديث �إ�سناده �صحيح‪� .‬أخرجه �أحمد يف م�سنده ـ م�سند عائ�شة ‪ ,268/6 :‬و�أخرج طرف ًا منه �أبو داود يف‬ ‫((( ‬
‫�سننه ـ كتاب ال�صالة ـ باب ما ي�ؤمر به الق�صد يف ال�صالة‪ ,48/2 :‬وذكره الهيثمي يف جممع الزوائد وقال‪� :311/4‬أ�سانيد �أحمد‬
‫رجالها ثقات‪.‬‬
‫ـ حديث ح�سن‪� .‬أخرجه ابن حبان يف �صحيحه‪ ،19/2 :‬و�أبو يعلى يف م�سنده ‪ ،216/13 :‬وابن �سعد يف طبقاته‪.395/3 :‬‬ ‫(( (‬
‫ـ حديث ح�سن‪� .‬أخرجه �أحمد يف م�سنده ـ م�سند �أن�س بن مالك‪ ،128/3 :‬والن�سائي يف املجتبى ـ كتاب ع�شرة الن�ساء ـ باب‬ ‫(( (‬
‫وح�سن �إ�سناده احلافظ ابن حجر يف التلخي�ص احلبري‪.116/3 :‬‬ ‫حب الن�ساء‪ ،61/7 :‬و�صححه احلاكم يف امل�ستدرك‪ّ ،174/2 :‬‬
‫ـ حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب املناقب ـ باب �صفة النبي ‪ ,1303/3 ‬وم�سلم يف �صحيحه ـ‬ ‫((( ‬
‫كتاب الف�ضائل ـ باب �صفة النبي ‪ ‬و�أنه كان �أح�سن النا�س وجه ًا‪.1818/4 :‬‬

‫‪44‬‬
‫أطيب ما‬
‫النبي ‪ ‬عند �إحرامه ب� ِ‬ ‫وتقول �أم امل�ؤمنني عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪ :‬كنتُ �أُط ِّي ُب َّ‬
‫�أجد(((‪.‬‬
‫�صح �أنَّ النبي ‪ ‬كان يتح ّلى بخا ٍمت من ف�ضة‪ ،‬فتح ّلى ال�صحابة بخواتيم من ف�ض ٍة‬ ‫وقد ّ‬
‫اقتدا ًء به(((‪.‬‬
‫�سفر دون �أن ُيع ِلم �أهله بقدومه‪ ،‬فقال‪:‬‬‫الرجل بيته لي ًال بعد ٍ‬ ‫ُ‬ ‫النبي ‪� ‬أن ي� َأتي‬ ‫كما نهى ُّ‬
‫(�أمهلوا حتى تدخلوا لي ًال‪ ،‬لكي متت�شط َّ‬
‫ال�ش ِعثة‪ ،‬وت�ستح َّد املغ َّيبة)‪.(((2‬‬
‫وذلك �أنَّ الزوجة �إذا غاب عنها زوجها رمبا تهمل نف�سها‪ ،‬ف�أحب النبي ‪� ‬أن ال يرى الزوج‬
‫كمال وجمال‪.‬‬ ‫من زوجته �إال كل ٍ‬
‫  ‬
‫حدود الزينة امل�ستحبة واملباحة‪:‬‬
‫ال مينع الإ�سالم النا�س من التز ّين والتج ّمل‪ ،‬و�إمنا مينعهم من التز ّين والتج ّمل بكل ما هو‬
‫من املحرمات‪ ..‬ولكنّ كثري ًا من الفتيات والن�ساء يبالغن يف التز ّين ويف ِّرطن فيه‪ ،‬حتى يقعن يف‬
‫املحرمات‪ ،‬ويتجاوزن حدود اهلل‪ ،‬وك ّل من يفعل هذا فهو ظا ٌمل لنف�سه وجمتمعه‪ ،‬فاهلل تعاىل‬ ‫ِ‬
‫الظالمِ ُونَ ﴾(((‪ ،‬وال يخفى على �أحد �أن بع�ض ما نراه من‬ ‫﴿ومن َي َت َع َّد ُحدُو َد اللهَِّ َف�أُ ْو َل ِئ َك هُ ُم َّ‬
‫يقول‪َ :‬‬
‫الآثام واملفا�سد املنت�شرة يف املجتمعات الإ�سالمية �إمنا هو ثمر ٌة من ثمرات هذا التز ّين املتف ّلت‬
‫من �أي �ضابط‪.‬‬
‫ولقد حتدث النبي ‪ ‬عن �صنفني من �أ ّمته هما من �أهل النار‪ ،‬و�أحد هذين ال�صنفني‪( :‬ن�سا ٌء‬
‫كا�سياتٌ عارياتٌ ممُِ يالتٌ مائالتٌ ر�ؤو�سهنَّ ك�أ�سنمة ال ُبخت املائلة‪ ،‬ال يدخلن اجلنة وال يجدن‬
‫(((‬
‫ريحها‪ ،‬و�إنَّ ريحها لتوجد من م�سرية كذا وكذا)‪.‬‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب اللبا�س ـ باب ما ي�ستحب من الطيب‪ ،2216/5 :‬وم�سلم يف‬ ‫((( ‬
‫�صحيحه ـ يف مقدمته‪.31/1 :‬‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب اللبا�س ـ باب خامت الف�ضة‪.2202/5:‬‬ ‫((( ‬
‫ـ طرف من حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب النكاح ـ باب تزويج الثيبات‪ 1954/5:‬ويف غريه‪،‬‬ ‫((( ‬
‫وم�سلم يف �صحيحه ـ كتاب الر�ضاع ـ باب ا�ستحباب نكاح البكر‪.1087/2 :‬‬
‫�سورة البقرة‪� :‬آية ‪.229‬‬ ‫((( ‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب اللبا�س والزينة ـ باب الن�ساء الكا�سيات العاريات املائالت‬ ‫((( ‬
‫املميالت‪.1680/3 :‬‬

‫‪45‬‬
‫واملر�أة الكا�سية العارية هي امر�أ ٌة تلب�س من الثياب ما يخفي عيوب ج�سدها‪ ،‬ويربز مفاتنه‪،‬‬
‫وهي لهذا مائل ٌة عن احلق‪ ،‬ممُ يل ٌة لغريها عنه‪ ،‬ر�أ�سها ك�أ�سنمة ال ُبخت‪ ،‬وال ُبختُ هي الإبل‪ ،‬واملراد‬
‫ولفت �أنظارهم‬ ‫�أنها ت�ص ّفف �شعرها وتز ّينه وترفعه‪ ،‬وتهدف من وراء ذلك �إىل �إغراء الرجال ِ‬
‫وا�ستجالب امتداحهم و�إعجابهم‪..‬‬
‫وهذه املر�أة لن جتد ريح اجلنة‪ ،‬و�إنَّ ريحها ليوجد من م�ساف ٍة بعيد ٍة‪ ،‬وهذا كناي ٌة عن‬
‫ا�ستحالة دخولها اجلنة‪ ،‬طاملا �أنها حتمل هذه الأو�صاف‪ ،‬وتفعل تلك الأفعال‪.‬‬
‫وكما مينع الإ�سالم النا�س من التز ّين مبا هو من املح ّرمات‪ ،‬ف�إنه مينعهم �أي�ض ًا من الإ�سراف‬
‫يف التز ّين والتج ّمل املباح‪..‬‬
‫والإ�سراف املذموم هو جتاوز احل ّد املعقول يف ممار�سة ما �أباحه اهلل تعاىل‪ ،‬يف الطعام‬
‫وال�شراب واللبا�س والتز ّين والتج ّمل‪ ،‬ويف هذا يقول تعاىل‪َ ﴿ :‬يا َب ِني �آ َد َم ُخ ُذوا زِي َن َت ُك ْم ِع َند ُك ِّل‬
‫وا�ش َر ُبوا وال ُت ْ�س ِر ُفوا �إ َّن ُه ال ُي ِح ُّب املُ ْ�س ِر ِفنيَ﴾(((‪.‬‬
‫َم ْ�س ِج ٍد و ُك ُلوا ْ‬
‫مطلوب يف الإ�سالم‪ ،‬والقاعدة العري�ضة جلواز التز ّين �أن يكون يف حدود ما‬ ‫ٌ‬ ‫�إذ ًا‪ ،‬التزّين �أمر‬
‫أحد �أن مينع النا�س من التز ّين والتج ّمل‪� ،‬إذا كان تزينهم وجت ُّم ُلهم‬ ‫�أباحه اهلل تعاىل‪ ،‬فال يحقّ ل ٍ‬
‫مما يج ّوزه لهم ال�شرع احلنيف‪ ،‬مع مراعاة عدم الإ�سراف حتى يف التز ّين والتج ّمل املباح!‬ ‫ّ‬
‫  ‬

‫يف هذا البحث �سرنى حدود زينة املر�أة و�ضوابطها‪ :‬ما يجوز لها �أن تتز ّين به‪ ،‬وما ال يجوز‬
‫لها �أن تتز ّين به‪ ،‬و�س�أبد�أ باحلديث عن اخل�ضاب‪.‬‬
‫ ‬
‫  ‬

‫�سورة الأعراف‪� :‬آية ‪.31‬‬ ‫((( ‬

‫‪46‬‬
‫ُ‬
‫(�صباغه)‪:‬‬ ‫�ضب ال�شعر‬ ‫َخ ُ‬
‫اخل�ضاب ِمن‪َ :‬خ َ�ضب يخ�ضِ ُب‪ ،‬ويقال‪ :‬اخت�ضبت املر�أ ُة‪ ،‬واخت�ضب الرج ُل‪ ،‬وك ُّل ما ُغيرِّ لو ُنه‬
‫فهو خم�ضوب‪.‬‬
‫ال�شعر هو تغي ُري لو ِنه باحل َّناء �أو ال َكتم (وهو نباتٌ لتلوين ال�شعر)‪� ،‬أو بالأ�صبغة املل ّونة‪.‬‬
‫وخ�ضب ِ‬ ‫ُ‬
‫ذهب جمهور الفقهاء‪:‬‬
‫ال�شافعية واحلنبلية واحلنفية �إىل �أنَّ اخل�ضاب يف الإ�سالم �سن ٌة م�ستحب ٌة للرجال والن�ساء‪،‬‬
‫�إذا غزى ال�شيب الر�أ�س واللحية‪ .‬بينما ذهب املالكية �إىل �أنه مبا ٌح‪ ،‬والأَوىل تر ُكه‪.‬‬
‫وال�سنة كما ذكرنا �سابق ًا هي‪ :‬ما طلب ال�شرع فعله طلب ًا غري جازم‪ ،‬ويثاب فاعلها‪ ،‬دون �أن‬
‫يلحق تاركها � ّأي �إثم �أو عقوبة‪.‬‬
‫وا�ستدل جمهور الفقهاء على ا�ستحباب تغيري ال�شيب يف �شعر املر�أة ويف �شعر الرجل وحليته‬
‫بقول النبي ‪� :‬إنَّ اليهود والن�صارى ال ي�ص ُب ُغون فخا ِلفوهم(((‪.‬‬
‫وقد حمل جمهور الفقهاء �أمر النبي ‪ ‬بال�صبغ على اال�ستحباب ال الوجوب‪ ،‬على الرغم‬
‫من �أنَّ احلديث ورد ب�صيغة الأمر‪ ،‬وذلك �أنَّ ال�صحابة ر�ضوان اهلل عنهم �سلكوا يف هذا الأمر‬
‫بكر وعمر ر�ضي اهلل عنهما‪،‬‬ ‫حلناء والكتم ك�أبي ٍ‬ ‫م�سالك �شتّى‪� ،‬إذ منهم من كان يخ�ضب �شعره با ّ‬
‫مالك ر�ضي اهلل عنهم‪.‬‬ ‫كعب و�أن�س بن ٍ‬ ‫كعلي و�أُ ِّبي بن ٍ‬
‫ومنهم من مل يخ�ضب �أبد ًا ٍ‬
‫النبي‬
‫وقد ورد يف احلديث ال�صحيح �أنّ �أن�س بن مالك �سئل عن خ�ضاب النبي ‪ ،‬فذكر �أن َّ‬
‫(((‬
‫مل يخ�ضب‪ ،‬ولكن خ�ضب �أبو بكر وعمر‪.‬‬
‫يتم باحل ّناء �أو الكتم‪ ،‬وهما نباتان كان العرب‬ ‫وتغيري لون ال�شيب يف زمن النبي ‪ ‬كان ّ‬
‫ي�ستخدمونهما ل�صبغ ال�شعر‪ ،‬ومييل لون احل ّناء �إىل احلمرة‪ ،‬بينما مييل لون الكتم �إىل ال�صفرة‪.‬‬
‫(((‬
‫ال�شيب احل َّنا ُء والكتم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ويف هذا يقول النبي ‪� :‬إنَّ �أح�سن ما غيرّ مت به‬
‫نوع من �أنواع الأ�صبغة املعروفة‪ ،‬ما مل يكن فيها‬ ‫ويجوز للمرء اليوم �أن ي�صبغ باحل ّناء �أو ب�أي ٍ‬
‫من املواد ما ي�ستوجب حترمي ا�ستخدامها‪ ،‬ك�شحم اخلنزير مث ًال‪.‬‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب الأنبياء ـ باب ما ذكر عن بني ا�سرائيل‪1272/3 :‬ويف غريه‪،‬‬ ‫((( ‬
‫وم�سلم يف �صحيحه ـ كتاب اللبا�س والزينة ـ باب يف خمالفة اليهود يف ال�صبغ‪.1663/3 :‬‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب الف�ضائل ـ باب �شيبه ‪ ،1821/4: ‬و�أبو داود يف �سننه ـ كتاب الرتجل‬ ‫(( (‬
‫ـ باب يف اخل�ضاب‪86/4 :‬واللفظ له‪ ،‬و�أخرج البخاري مبعناه يف موا�ضع عدة منها يف كتاب اللبا�س ـ باب ما يذكر يف ال�شيب‪.‬‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه �أبو داود يف �سننه ـ كتاب الرتجل ـ باب يف اخل�ضاب‪ ,85/4 :‬وابن ماجه يف �سننه ـ كتاب‬ ‫((( ‬
‫اللبا�س ـ باب اخل�ضاب باحلناء‪ ،1196/2 :‬والرتمذي يف �سننه ـ كتاب اللبا�س ـ باب ما جاء يف اخل�ضاب‪232/4 :‬وقال‪ :‬ح�سن‬
‫�صحيح‪ ،‬والن�سائي يف املجتبى ـ كتاب الزينة ـ باب اخل�ضاب باحلناء والكتم‪.139/8 :‬‬

‫‪47‬‬
‫خ�ضب ال�شعر ال مينع �صحة الو�ضوء والغ�سل‪:‬‬
‫نوع من �أنواع‬‫كثري ًا ما �أُ�س�أل من قبل بع�ض الن�ساء‪ :‬هل ُيعترب �صبغ ال�شعر باملي�ش �أو ب�أي ٍ‬
‫الأ�صبغة ماد ًة عازل ًة‪ ،‬متنع من و�صول املاء �إىل ال�شعر‪ ،‬الأمر الذي يجعل الو�ضو َء �أو ال ُغ�سل غري‬
‫�صحيح؟‬
‫ٍ‬
‫ذهب العلماء املعا�صرون �إىل �أنَّ الأ�صبغ َة التجارية املوجود َة اليوم يف الأ�سواق‪ ،‬تقا�س على‬
‫احل ّناء والكتم وبقية الأ�صبغة التي كانت توجد يف زمان النبي ‪ ،‬ومبا �أن النبي ‪ ‬كان يحثّ‬
‫�صحابته على خ�ضب �شعورهم‪ ،‬ف�إنَّ هذا دلي ٌل على �أنَّ هذه املواد ال متنع و�صول املاء �إىل ال�شعر‪،‬‬
‫وقد �أو�ضحت الأبحاث العلمية احلديثة �أنَّ هذه الأ�صبغة هي موا ُّد مل ِّون ٌة‪ ،‬تغيرِّ لون ال�شعر‪ ،‬دون‬
‫�أن ت�ش ّكل طبق ًة عازل ًة فوقه‪.‬‬
‫  ‬
‫حكم خ�ضب ّ‬
‫ال�شيب باللون الأ�سود‪:‬‬
‫هل يجوز للمر�أة التي �شاب �شعرها‪� ،‬أو الرجل الذي �شاب �شعره �أو حليته �أن ي�صبغ باللون‬
‫الأ�سود؟‬
‫خ�ضب ال�شعر باللون الأ�سود‪ ،‬ف�إنَّ هذا يعني �أنَّ �أثر ال�شيب لن يظهر �أبد ًا‪ ،‬لأنَّ اللون‬‫عندما ُي َ‬
‫أ�سا�سي من جه ٍة �أخرى‪ ،‬وال�صباغ الأ�سود ميحو �أثر ال�شيب نهائي ًا‪،‬‬ ‫قوي من جهة‪ ،‬و� ٌ‬ ‫الأ�سود لو ٌن ٌ‬
‫�أما بقية الأ�صبغة ف�إنها ال متحو �أثر ال�شيب‪ ،‬وي�ستطيع �أن يعرف كل من يراها �أنها من �ألوان‬
‫ال�صباغ‪ ،‬ولهذا ذهب جمهور الفقهاء‪ :‬ال�شافعية واحلنفية واحلنبلية واملالكية �إىل �أنه ال ينبغي‬ ‫ّ‬
‫الغ�ش والتدلي�س‪ ،‬وقد اكتفى احلنفية‬ ‫ملن �شاب �شعره �أن ي�صبغ بالأ�سود‪ ،‬لأنَّ ذلك قد ي�ؤدي �إىل ّ‬
‫واحلنبلية واملالكية بالقول بكراهية ذلك‪ ،‬وروي عن �أبي يو�سف تلميذ �أبي حنيفة القول بجوازه‪،‬‬
‫بينما ذهب ال�شافعية �إىل حرمته‪.‬‬
‫واحلرام هو ما طلب ال�شرع تركه طلب ًا جازم ًا‪ ،‬فيثاب تاركه‪ ،‬وي�أثم فاعله‪� ،‬أما املكروه فهو ما‬
‫طلب ال�شرع تركه طلب ًا غري جازم‪ ،‬ويثاب تاركه‪ ،‬ولكن فاعله ال ي�أثم وال يعاقب‪ ،‬ولكنه متهاون يف‬
‫ربر �أو عذر‪ ،‬وهو �أمر ال يليق بامل�سلم فع ُله‪.‬‬ ‫اتباع �سنة النبي ‪� ،‬إن كان تركه لل�سنة دون وجود م ّ‬

‫‪48‬‬
‫وقد ا�ستدل الفقهاء على حرمة �أو كراهية �صبغ ال�شعر بالأ�سود مبا ورد يف �صحيح الإمام‬
‫بكر ال�صدِّ ِيق ر�ضي اهلل عنه‪� ،‬أ�سلم يوم فتح مكة‪ ،‬ف�أُتي به‬
‫والد �أبي ٍ‬
‫م�سلم من �أنَّ �أبا قحافة‪َ ،‬‬
‫ابي�ض ر� ُأ�سه وحليته حتى �أ�صبح كال ّثغامة (وهو نباتٌ �أبي�ض)‪ ،‬فقال ‪:‬‬‫�إىل النبي ‪ ،‬وكان قد َّ‬
‫غيرّ وا هذا ب�شيءٍ ‪ ،‬واجت ِنبوا ال�سواد(((‪.‬‬
‫بينما ذهب بع�ض الفقهاء املعا�صرين كالدكتور ال�شيخ يو�سف القر�ضاوي واملفتون يف قطاع‬
‫الإفتاء يف الكويت (وهي جلنة تابع ٌة لوزارة الأوقاف ودائرة الإفتاء يف الكويت)‪� ،‬إىل �أنَّ النهي‬
‫بكر ال�صدِّ يق‪ ،‬وكان كب َري ال�سن‪،‬‬
‫خا�ص‪ ،‬يتعلق بوالد �أبي ٍ‬
‫عن اخل�ضب بالأ�سود قد ورد يف �سياق ٍّ‬
‫يدل على كراهية �أو حرمة ال�صبغ بالأ�سود‪� ،‬إذا �أدى �إىل ّ‬
‫الغ�ش والتدلي�س �أو حماول ِة‬ ‫الأمر الذي ّ‬
‫�إظهار ال�شيخ الكبري مبظهر ال�شباب‪ .‬وبنا ًء على هذا ف�إنه يجوز ملن �شاب‪ ،‬وهو يف �سن ال�شباب‬
‫الغ�ش والتدلي�س‪ ،‬وا�ستدل الدكتور يو�سف القر�ضاوي‬ ‫�أو الكهولة �أن يخ�ضب بالأ�سود‪� ،‬إذا انتفى ّ‬
‫(ومن يرى ر�أ َيه من الفقهاء املعا�صرين) بقول الإمام الزهري‪ :‬كنا نخ�ضب بال�سواد ملَّا كان‬
‫الوجه جديد ًا‪ ،‬فلما نف�ض الوجه والأ�سنان تركناه(((‪.‬‬
‫رخ�ص يف ال�صبغ بال�سواد طائف ٌة من ال�صحابة ك�سعد بن �أبي وقا�ص وعقبة بن عامر‪،‬‬ ‫وقد َّ‬
‫وروي عن بع�ض ال�صحابة �أنهم كانوا يخ�ضبون �شعورهم بالأ�سود دون �أن ُينك َر عليهم �أحدٌ‪ ،‬منهم‬
‫عثمان بن عفان واحل�سن واحل�سني ر�ضي اهلل عنهم(((‪ ،‬وهذا دلي ٌل على جواز خ�ضب ال�شعر‬
‫بالأ�سود ملن مل يكن يف �سنّ ال�شيخوخة‪.‬‬

‫  ‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب اللبا�س والزينة ـ باب ا�ستحباب خ�ضاب ال�شيب ب�صفرة �أو حمرة‬ ‫((( ‬
‫وحترميه بال�سواد ‪.1663/3:‬‬
‫رواه الدوالبي يف «الكنى» ‪ ،19/4‬وابن �أبي عا�صم يف كتاب «اخل�ضاب» كما يف «الفتح» ‪ ،355/10‬وي�شهد له‬ ‫((( ‬
‫مارواه الإمام �أحمد يف «امل�سند» ‪ 447/13‬عن معمر قال‪« :‬وكان الزهري يخ�ضب بال�سواد»‪.‬‬
‫ذكره ابن حجر يف فتح الباري‪� ،‬شرح قوله باب اخل�ضاب‪.354/10 :‬‬ ‫(( (‬

‫‪49‬‬
‫كثرياً ما �أُ�س�أل من قبل الن�ساء‪ :‬ما هو حكم خ�ضب ال�شعر بالأ�سود للمر�أة التي مل ي�شِ ب‬
‫�شع ُرها؟‬
‫�أقول‪ :‬الفقهاء الذين ذهبوا �إىل حرمة �أو كراهية خ�ضب ال�شعر بالأ�سود‪ ،‬يتحدثون عن حال ٍة‬
‫معين ٍة‪ ،‬هي خ�ضب ال�شعر ال�شائب باللون الأ�سود‪ ،‬ملا ي�س ّببه اخل�ضب بال�سواد من حمو �أثر ال�شيب‪،‬‬
‫ويتيح �إمكانية الغ�ش والتدلي�س ملن يريده‪ ،‬وبناء على هذا ف�إنه يجوز للمر�أة التي مل ي�شب �شعرها‬
‫�أن ت�صبغ بالأ�سود النتفاء العلة التي ح ّرم �أو كره ال�صبغ بال�سواد لأجلها‪.‬‬
‫ولكن‪ ..‬ما حكم املر�أة التي �شاب �شعرها ب�سبب كرب �س ّنها‪� ،‬أو �أ�صابها ال�شيب يف ٍّ‬
‫�سن مبكر ٍة‬
‫مر�ضي‪ ،‬وتريد �أن تز ّين �شعرها بخ�ضبه بالأ�سود �إر�ضاء لزوجها؟‬ ‫ٍّ‬ ‫وراثي �أو‬
‫ٍ‬ ‫ل�سببٍ‬
‫�أقول‪ :‬قد يكون يف ر�أي الدكتور القر�ضاوي ومن يرى ر�أيه من الفقهاء املعا�صرين ف�سحة ملن‬
‫�أرادت ذلك‪ ،‬ففي ر�أيهم تنح�صر حرمة �أو كراهية خ�ضب ال�شعر بالأ�سود يف حالة واحدة‪ ،‬هي‬
‫الغ�ش والتدلي�س على �أر�ض الواقع‪ ،‬وهذا الأمر ال يوجد عندما تريد الزوجة �أن تخ�ضب‬ ‫�إرادة ّ‬
‫�شعرها بال�سواد لإخفاء ال�شيب من �أجل التز ّين لزوجها‪ ،‬فالزوج يعرف لون �شعر زوجته‪ ،‬ويعرف‬
‫أحد يف حالة �صباغ الزوجة ل�شعرها بالأ�سود‪ ،‬وانتفاء‬ ‫غ�ش �أو خداع ل ٍ‬ ‫�أنها �شابت �أو مل ت�شب‪ ،‬وال َّ‬
‫أ�سا�سي يف جواز ال�صبغ بالأ�سود عند ه�ؤالء الفقهاء‪.‬‬ ‫الغ�ش �أم ٌر � ٌ‬
‫ولأكونَ �أكرث و�ضوح ًا �أقول‪ :‬لو كانت املر�أة غري متزوج ٍة‪ ،‬و�أراد رج ٌل �أن يخطبها‪ ،‬ف�صبغت‬
‫قريب من الأ�سود‪� ،‬أي بلون ي�شبه لون ال�شعر الطبيعي‪ ،‬بحيث تختفي �آثار‬ ‫بلون �أ�سود �أو ٍ‬ ‫�شعرها ٍ‬
‫ال�شيب‪ ،‬كان هذا غ�ش ًا وتدلي�س ًا‪ ،‬وهو �أم ٌر ال يجوز‪� ،‬إال �إذا �أخربته بذلك ور�ضي به‪.‬‬
‫وراثي �أو‬
‫ونف�س هذا احلكم ينطبق على ال�شاب الذي �أ�صابه ال�شيب يف �سنٍّ مبكر ٍة ل�سبب ّ‬
‫مر�ضي‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد روي عن النبي ‪� ‬أنه قال‪� :‬إذا خطب �أحدكم امر�أ ًة‪ ،‬وقد خ�ضب بال�سواد فليعلمها‪ ،‬وال‬
‫ّ (((‬
‫يغرنها‪.‬‬
‫  ‬

‫حديث �ضعيف‪� .‬أخرجه البيهقي يف �سننه الكربى‪ ،290/7 :‬ويف �سنده عي�سى بن ميمون وهو �ضعيف‪.‬‬ ‫((( ‬

‫‪50‬‬
‫حكم �صبغ �شعر احلاجبني‪:‬‬
‫تتفننّ كثري من الن�ساء اليوم ب�صبغ �شعرها بالأحمر �أو بالأ�شقر وما �إىل ذلك‪ ،‬وهو �أم ٌر‬
‫جائ ٌز كما بي ّنا‪ ،‬ومنهنَّ من تتجاوز ذلك وت�صبغ �شعر حاجبيها بنف�س اللون الذي اختارته ل�صبغ‬
‫�شرعي يح ّرم عليها ذلك؟‬
‫ٌ‬ ‫�شعرها‪ ،‬ليبدو وك�أنها �شقراء �أو حمرياء خلق ًة‪ ،‬فهل هناك حك ٌم‬
‫كما �أنّ هناك من الن�ساء من تق�صد ب�صبغ حاجبيها �إخفاء ال�شيب الذي بد�أ يغزوهما‪ ،‬وهناك‬
‫من تكتفي بت�شقري ال�شعر الزائد الطائ�ش يف حاجبيها بدل من�صه‪� ،‬أي بدل �إزالته ونتفه‪ ،‬فهل‬
‫ت�شقري �شعر احلاجبني نو ٌع من النم�ص املحرم‪ ،‬الذي قال عنه النبي ‪( :‬لعن اهلل النام�صة‬
‫واملتنم�صة)(((؟‬
‫بحث بع�ض الفقهاء املعا�صرين هذا املو�ضوع‪ ،‬واختلفوا يف حكمه‪:‬‬
‫‪ -1‬منهم من ر�أى حرمة ذلك قيا�س ًا على حرمة من�ص احلاجبني‪ ،‬وممن ر�أوا حرمة ذلك‪:‬‬
‫اللجنة الدائمة للإفتاء يف ال�سعودية‪ ،‬وال�شيخ ابن جربين‪.‬‬
‫‪ -2‬بينما ر�أى �آخرون كاملفتني يف فتاوى ال�شبكة وال�شيخ ابن عثيمني جوا َز �صبغ املر�أة‬
‫حلاجبيها �أو ت�شقري الطائ�ش من �شعرهما‪ ،‬و�أنَّ هذا ال يدخل حتت النم�ص املحرم‪ ،‬ب�شرط �أن ال‬
‫وتدلي�س عليه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫غ�ش للخاطب‬‫يكون باللون الأ�سود‪ ،‬و�أن ال يكون يف هذا ٌّ‬
‫ُّ‬
‫وغ�ش اخلاطب والتدلي�س عليه هو �أم ٌر بتنا نلم�سه بكرث ٍة عند بع�ض الفتيات‪ ،‬ف�إحداهنَّ ت�ضع‬
‫العد�سات امللونة‪ ،‬وت�صبغ �شعر ر�أ�سها و�شعر حاجبيها‪ ،‬فتد ّل�س على اخلاطب الذي يظنها هكذا‬
‫بني �أو غري ذلك!‬
‫ذهبي �أو ٌ‬
‫و�شعرها ٌ‬ ‫خلقت‪ :‬عيونها زرقاء �أو خ�ضراء‪َ ،‬‬
‫ما حكم ظهور املر�أة �أمام الرجال الأجانب بحاجبيها امل�صبوغني؟ �أال ُيعترب هذا من‬
‫الزينة التي ح َّرم اهلل تعاىل �إبداءها �أمام الرجال؟‬
‫يف احلقيقة مل يو�ضح املفتون يف ال�شبكة الإ�سالمية وال ال�شيخ ابن عثيمني احلكم ال�شرعي يف‬
‫هذا‪ ،‬مما قد يظنه البع�ض جتويز ًا �ضمن ّي ًا للمو�ضوع‪.‬‬

‫طرف من حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب اللبا�س ـ باب املتفلجات للح�سن‪2216/5 :‬ويف غريه‬ ‫((( ‬
‫من املوا�ضع‪ ،‬وم�سلم يف �صحيحه ـ كتاب اللبا�س والزينة ـ باب فعل الوا�صلة وامل�ستو�صلة‪ ،1678/3:‬وجاء عندهما بلفظ اجلمع‪.‬‬
‫انظر معنى النم�ص وحكمه يف �ص ؟؟؟؟؟؟؟‬

‫‪51‬‬
‫ولكننا �إذا اخذنا بعني االعتبار �أنَّ املفتني يف ال�شبكة الإ�سالمية وال�شيخ ابن عثيمني يرون‬
‫�أنَّ املر�أة كلها عور ٌة‪ ،‬مبا يف ذلك وجهها وك ّفاها‪� ،‬أدركنا �سبب �سكوتهم عن تو�ضيح حكم ظهور‬
‫املر�أة �أمام الرجال الأجانب بحاجبيها امل�صبوغني‪ ،‬ففي ر�أيهم يحرم على املر�أة �إظهار وجهها‬
‫�أمام الرجال الأجانب‪� ،‬سواء كان حاجباها م�صبوغني �أم غري م�صبوغني!‬
‫وجند تنويه ًا �إىل هذا يف ال�شبكة الإ�سالمية‪� ،‬إذ جعلت من �ضمن �شروط جواز �صبغ املر�أة‬
‫حلاجبيها �أن ال تق�صد التز ّين للرجال الأجانب‪.‬‬
‫رمبا جند يف هذا املجال بع�ض الآراء الفقهية املعا�صرة التي تبيح ظهور املر�أة �أمام الرجال‬
‫الأجانب بحاجبيها امل�صبوغني‪ ،‬ولكن الأف�ضل يف هذا املجال �أن حتتاط املر�أة‪ ،‬فال ت�صبغ �شعر‬
‫حاجبيها �إال �إذا اعرتاهما ال�شيب‪� ،‬إن كانت تق ّلد املذاهب التي تبيح للمر�أة ك�شف وجهها(((‪ ،‬وال‬
‫�شك �أن اال�ستغناء عن �صبغ احلاجبني ا�ستربا ٌء لدينها من النق�ص‪ ،‬ول ِعر�ضها من الطعن‪ ،‬ومن‬
‫حام حول احلمى يو�شك �أن يقع فيه‪.‬‬
‫  ‬
‫خ�ضاب اليدين والقدمني للمر�أة‪:‬‬
‫ترغب بع�ض الن�ساء يف خ�ضب �أيديهنَّ و�أقدامهنَّ باحل ّناء‪ ،‬وهي مواد م�ستخرج ٌة من النبات‪،‬‬
‫تط ِّري الب�شر َة‪ ،‬وتغيرِّ اللون‪.‬‬
‫من حيث املبد�أ‪ :‬هذا حال ٌل يف الإ�سالم‪ ،‬وقد حث النبي ‪ ‬املر�أة على خ�ضب يديها‪ ،‬واعترب‬
‫ذلك من الزينة اجلائزة‪ ،‬فقد روي عن ال�سيدة عائ�شة ر�ضي اهلل عنها �أنَّ امر�أ ًة �أومت بيدها‬
‫بكتاب �إىل ر�سول اهلل ‪ ،‬فقب�ض النبي ‪ ‬يده وقال‪ :‬ما �أدري �أيد رجل �أم امر�أة!‬ ‫من وراء �س ٍرت ٍ‬
‫كنت امر�أ ًة لغيرّ ِت �أظفارك (يعني باحل ّناء)(((‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬بل يد امر�أة‪ .‬فقال‪ :‬لو ِ‬
‫وقد وردت �أحاديث �أخرى يف احلثّ على خ�ضاب اليدين‪ ،‬وهي �أحاديث �ضعيف ٌة‪ ،‬ولكنها ترتقي‬
‫مبجموعها �إىل درجة احل�سن‪ ،‬منها ما روي عن النبي ‪� ‬أنه قال لإحدى الن�ساء‪ :‬اخت�ضبي‪..‬‬
‫(((‬
‫ترتك �إحداكن اخل�ضاب حتى تكون يدُها كيد الرجل!‬
‫انظر الآراء يف وجه املر�أة‪ ،‬هل هو عورة �أم ال‪ ،‬يف �ص ؟؟؟؟؟؟؟‬ ‫((( ‬
‫�إ�سناده �ضعيف‪� .‬أخرجه الإمام �أحمد يف م�سنده ـ م�سند عائ�شة ‪ ,262/6:‬و�أبو داود يف �سننه ـ كتاب الرتجل ـ باب‬ ‫(( (‬
‫يف اخل�ضاب للن�ساء ‪ ،77/4:‬والن�سائي يف املجتبى ـ كتاب الزينة ـ باب اخل�ضاب للن�ساء‪ .142/8 :‬ومدار احلديث على مطيع بن ميمون‬
‫ح�سن الألباين احلديث‪.‬‬
‫عن �صفية بنت ع�صمة عن عائ�شة‪ ،+‬ومطيع لني احلديث ‪ ،‬وع�صمة ال تعرف كما يف تقريب التهذيب‪ .‬بينما ّ‬
‫حديث �ضعيف‪� .‬أخرجه الإمام �أحمد يف م�سنده ـ حديث امر�أة‪ ,70/4:‬وذكره الهيثمي يف جممع الزوائد‬ ‫(( (‬
‫‪171/5‬وقال‪( :‬رواه �أحمد فيه من مل �أعرفهم وابن ا�سحاق مدل�س) ‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫ي�ستحب للمر�أة �أن تخ�ضب يديها وقدميها‬ ‫ّ‬ ‫وبناء على هذا ذهب جمهور الفقهاء �إىل �أنه‬
‫باحل ّناء‪ ،‬وق ّيده ال�شافعية ورواي ٌة عند احلنبلية باملر�أة املتزوجة التي تتز ّين لزوجها‪.‬‬
‫تتم بتعميم الكفني‬ ‫ف�صل ال�شافعية يف كيفية اخل�ضب امل�ستح ّبة لليدين‪ ،‬فب ّينوا �أنها ُ‬ ‫وقد ّ‬
‫حتديد للأطراف‪ ،‬والأطراف هي الأظافر ور�ؤو�س الأ�صابع‪ ،‬وا�ستدلوا‬ ‫ٍ‬ ‫نق�ش وال‬
‫باحلناء بدون ٍ‬
‫على هذا مبا ورد عن عائ�شة ر�ضي اهلل عنها �أنها �سئلت عن اخل�ضاب فقالت‪ :‬ال ب�أ�س به ما مل‬
‫يكن فيه نق�ش(((‪.‬‬
‫وبناء على هذا ميكن القول‪� :‬إنَّ ما تفعله بع�ض الن�ساء اليوم من تزي ِني الأظافر وحدها‬
‫باحل ّناء‪� ،‬أو نق�ش الر�سوم املتن ّوعة باحل ّناء على الكفني‪ ،‬هو �أم ٌر حال ٌل �إن كانت تتز ّين به لزوجها‪،‬‬
‫و ُتظهر ذلك �أمام الن�ساء �أو الرجال من حمارمها‪� ،‬أما �إن كانت تبدو بهذه الزينة �أمام الرجال‬
‫ف�صله ال�شافعية‪.‬‬
‫الأجانب فهو مكرو ٌه‪ ،‬ح�سب ما ّ‬
‫حتب تزيني �أظفارها باحل ّناء رخ�صة يف فعل هذا الأمر عند جمهور‬ ‫وقد يكون للمر�أة التي ّ‬
‫الفقهاء (غري ال�شافعية)‪� ،‬إذ ال يكره عندهم �إفراد تزيني الأظفار باحلناء‪ ،‬كما �أن ما روي‬
‫كنت امر�أ ًة لغيرّ ِت �أظفارك (يعني‬‫عن النبي ‪� ‬أنه قال للمر�أة التي م ّدت يدها بالكتاب‪ :‬لو ِ‬
‫باحلناء)(((‪ ،‬يوحي بجواز حتديد الأظافر باحلناء‪ ،‬ولكنّ الأوىل باملر�أة �أن حتتاط يف هذا‬
‫املو�ضوع‪ ،‬فتتج ّنب تزيني كفيها باحل ّناء ب�شكل يلفت نظر الرجال الأجانب‪.‬‬
‫  ‬
‫قد ت�ستخدم املر�أة اليوم مط ِّريات الب�شرة املوجود َة يف ال�صيدليات كالكرميات والدهون‬
‫وما �إىل ذلك‪ ،‬فهل ُتعترب تارك ًة ل�سنة النبي ‪ ‬التي ح ّثت الن�ساء على ا�ستخدام احل َّناء؟!‬
‫ذكر بع�ض العلماء املعا�صرين �أنَّ حثّ النبي ‪ ‬للمر�أة على خ�ضب يديها وقدميها باحلناء �إمنا‬
‫هو من باب الإر�شاد‪ ،‬وهو يفيد الإباحة‪ ،‬ولي�س فيه ما يدل على الوجوب �أو الندب واال�ستحباب‪،‬‬
‫دنيوي وحتقيق م�صلح ٍة ب�شرية‪ ،‬وهذا مما ينطبق عليه قول النبي ‪� :‬أنتم‬ ‫لأنه يتعلق بتدب ٍري �أمر ٍّ‬
‫�أعلم ب�أمور دنياكم(((‪.‬‬

‫�أخرجه ابن �أبي �شيبة يف م�صنفه ‪.50/4:‬‬ ‫((( ‬


‫�سبق تخريجه يف �ص‪.48‬‬ ‫((( ‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب الف�ضائل ـ باب وجوب امتثال ما قاله �شرع ًا‪ ،‬دون ما ذكره ‪ ‬من‬ ‫((( ‬
‫معاي�ش الدنيا على �سبيل الر�أي‪.1836/4 :‬‬

‫‪53‬‬
‫وبهذا �ص َّنف كثري من الفقهاء خ�ضب اليدين والقدمني حتت باب (ما تعارف عليه النا�س‬
‫من الزينة)‪� ،‬إذ رمبا تخ�ضب املر�أة يديها وقدميها يف بيئ ٍة مل ت�ألف ذلك‪ ،‬في�ستهجن جمتمعها‬
‫أو�صاف ال تر�ضيها‪ ،‬وا�ستدل ه�ؤالء الفقهاء‬ ‫تلك الزينة �أو ي�ستنكرها‪ ،‬ورمبا ُو�صفت �صاحبتها ب� ٍ‬
‫على ر�أيهم ذلك ب�أن اخل�ضاب كان معروف ًا يف اجلزيرة العربية قبل مبعث النبي ‪ ،‬فلما ُبعث‬
‫�أق ّره وحثَّ عليه‪ ،‬وبنا ًء على هذا ميكن ا�ستبدال اخل�ضاب مبا هو متداو ٌل من مطريات الب�شرة‬
‫كالكرميات والدهون وما �إىل ذلك‪ ،‬لأن الهدف من احلث على اخل�ضاب هو حمافظة املر�أة‬
‫على يديها وقدميها طر ّيتني‪ ،‬الأمر الذي يعترب عالم ًة من عالمات �أنوثتها‪ ،‬واملحافظ ُة على‬
‫وحذر من التفريط به و�إ�ضاعته‪ ،‬وقد لعن النبي ‪‬‬ ‫ح�ض عليه الإ�سالم‪َّ ،‬‬ ‫الأنوثة ومميزاتها �أم ٌر َّ‬
‫هات من الن�ساء بالرجال(((‪.‬‬ ‫املت�ش ّبهني من الرجال بالن�ساء‪ ،‬واملت�ش ّب ِ‬
‫  ‬
‫حكم خ�ضب الرجل ليديه وقدميه باحل ّناء‪:‬‬
‫ذهب جمهور الفقهاء‪ :‬ال�شافعية واملالكية واحلنفية �إىل حرمة خ�ضب الرجل ليديه وقدميه‬
‫منهي عنه‪ ،‬وقد لعن النبي ‪ ‬املت�شبهني من الرجال‬ ‫باحل ّناء‪ ،‬لأنَّ فيه ت�شبه ًا بالن�ساء‪ ،‬وهو �أم ٌر ٌ‬
‫بالن�ساء كما �سبق �أن قلنا‪.‬‬
‫وروى �أبو هريرة ر�ضي اهلل عنه �أنَّ النبي ‪� ‬أُ ِتي مبخ َّن ٍث قد خ�ضب يديه ورجليه‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫بال هذا؟! فقيل‪ :‬يا ر�سول اهلل يت�ش ّبه بالن�ساء‪ ،‬ف�أمر به ف ُنفي �إىل النقيع(((‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ونهي الرجل عن خ�ضب يديه وقدميه باحل ّناء ينح�صر يف ا�ستخدامه للح ّناء ٍ‬
‫كنوع من‬
‫كنوع من العالج فهو �أم ٌر جائ ٌز مبقدار احلاجة �إليه‪ ،‬ملا رواه الرتمذي‬ ‫الزينة‪� ،‬أما �إذا ا�ستخدمه ٍ‬
‫النبي ‪ ‬قر�ص ٌة وال �شوك ٌة �إال و�ضع‬
‫عن �سلمى � ِّأم رافع خادمة النبي ‪� ‬أنها قالت‪ :‬كان ال ي�صيب َّ‬
‫عليها احل ّناء(((‪.‬‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب اللبا�س ـ باب املت�شبهني بالن�ساء واملت�شبهات بالرجال‪2207/5 :‬‬ ‫(( (‬
‫حديث �ضعيف‪� .‬أخرجه �أبو داود يف �سننه ـ كتاب الأدب ـ باب يف احلكم يف املخنثني‪ .‬وذكره املنذري يف الرتغيب‬ ‫((( ‬
‫والرتهيب‪.‬‬
‫حديث ح�سن‪� .‬أخرجه ابن ماجه يف �سننه ـ كتاب الطب ـ باب احلناء‪ ،1158/2 :‬و�أخرج نحو ًا منه الرتمذي يف �سننه‬ ‫((( ‬
‫وح�سنه‪.‬‬
‫ـ كتاب الطب ـ باب ما جاء يف التداوي باحلناء‪ّ 392/4 :‬‬

‫‪54‬‬
‫وف�صل احلنابلة يف مو�ضوع خ�ضب الرجل ليديه وقدميه باحل ّناء‪ ،‬ف�أجازوا ذلك ولو كان على‬ ‫ّ‬
‫�سبيل الزينة‪� ،‬إذا كان ذلك متعارف ًا عليه يف املجتمع‪ ،‬ومل ُيق�صد به الت�ش ّبه بالن�ساء‪ ،‬وا�ستدلوا‬
‫خ�ضب يديه وقدميه‪ ،‬والأ�صل يف الأمور‬ ‫َ‬ ‫�صحيح يح ّرم على الرجل‬ ‫ٍ‬ ‫دليل‬
‫على هذا بعدم ورود ٍ‬
‫الإباحة‪.‬‬
‫وهنا �أقول‪ :‬قد يكون يف الأخذ بهذه الرخ�صة رف ٌع للحرج عن بع�ض الأ�شخا�ص الذين يعي�شون‬
‫يف مناطق تعارف فيها النا�س على خ�ضب الرجل ليديه وقدميه‪.‬‬
‫  ‬
‫ا�ستخدام الرجال للح ّناء للر�سم على �أج�سادهم‪:‬‬
‫بع�ض ال�شباب اليوم ي�ستخدمون احل ّناء �أو ما ي�شبهها من املواد املل ّونة لر�سم � ٍ‬
‫أ�شكال و�صو ٍر‬
‫على بع�ض املوا�ضع من �أج�سادهم بد ًال من التاتو (الو�شم)‪ ،‬فهل يجوز ذلك؟‬
‫ذهب كثري من الفقهاء املعا�صرين �إىل حرمة ذلك قيا�س ًا على حرمة خ�ضب الرجل ليديه‬
‫وقدميه باحل ّناء‪ ،‬ملا فيه من معاين الت�ش ّبه بالن�ساء‪.‬‬
‫بينما �أجازه �آخرون بناء على ر�أي احلنابلة‪� ،‬إذا كان خالي ًا من معاين الت�ش ّبه بالن�ساء‪ ،‬مع‬
‫ت�أكيدهم على �أن الأوىل بامل�سلم �أن يحتاط لدينه يف االبتعاد عن ال�شبهات‪.‬‬
‫  ‬
‫حكم ك�شف املر�أة لكفيها املخ�ضوبتني �أمام الرجال‪:‬‬
‫هل يجوز للمر�أة �أن تبدي ك ّفيها املخ�ضوبتني �أمام الرجال الأجانب عنها‪ ،‬غ ِري املحارم عليها؟‬
‫مل يتعر�ض الفقهاء القدامى لهذا احلكم ح�سبما �أعلم‪ ،‬واكتفى جمهورهم‪ :‬ال�شافعية واملالكية‬
‫رجحوا �أنَّ وجه املر�أة وكفيها لي�سا عور ًة‪ ،‬الأمر الذي يدل على‬ ‫واحلنفية ورواية عند احلنبلية ب�أن َّ‬
‫ويرتجح هذا اال�ستنتاج �إذا رجعنا �إىل‬‫ّ‬ ‫جواز ك�شف املر�أة لك ّفيها �سواء كانتا خم�ضوبتني �أم ال‪،‬‬
‫الأحاديث ال�شريفة ال�سابقة‪ ،‬التي ح ّثت املر�أة على خ�ضب يديها باحل ّناء دون �شروط‪.‬‬
‫ولكنَّ عدد ًا من الفقهاء املعا�صرين بحثوا حكم ك�شف املر�أة لك ّفيها املخ�ضوبتني �أمام الرجال‬
‫الأجانب‪ ،‬فر�أى بع�ضهم �أنَّ ذلك من الزينة التي يجوز للمر�أة �إبدا�ؤها‪ ،‬وا�ستدلوا على ذلك‬
‫باحلديث ال�سابق الذي روته ال�سيدة عائ�شة ر�ضي اهلل عنها من �أنَّ امر�أ ًة �أومت بيدها من وراء‬

‫‪55‬‬
‫رجل �أم امر�أة! فقالت‪:‬‬ ‫بكتاب �إىل ر�سول اهلل ‪ ،‬فقب�ض النبي ‪ ‬يده وقال‪ :‬ما �أدري �أيد ٍ‬ ‫�س ٍرت ٍ‬
‫بل يد امر�أ ٍة‪ .‬فقال‪ :‬لو كنت امر�أ ًة لغيرَّ ِت �أظفارك!((( فهذا احلديث يد ُّل على �أنه يجوز للمر�أة �أن‬
‫تك�شف يديها املخ�ضوبتني باحلناء �أمام الرجال‪ ،‬و�أنها من الزينة التي يجوز �إظهارها �أمامهم‪،‬‬
‫�أ�ضف �إىل ذلك �أنه مل يرد حديثٌ �صحي ٌح �صري ٌح مينع ر�ؤية ك ّفي املر�أة املخ�ضوبتني‪.‬‬
‫بينما اختار بع�ض الفقهاء املعا�صرين الر�أي الذي ذهب �إليه الإمام ابن تيمية‪ ،‬ب�أنَّ وجه املر�أة‬
‫وكفيها عور ٌة‪ ،‬ويح ُرم عليها ك�شف ذلك �أمام الرجال‪ ،‬فذهبوا �إىل وجوب �سرت املر�أة لك ّفيها‪ ،‬و�أن‬
‫ذلك يت�أ ّكد �إذا كانتا خم�ضوبتني‪ ،‬وقد ورد ذلك يف فتاوى ال�شبكة الإ�سالمية‪ ،‬وفتاوى اللجنة‬
‫الدائمة يف ال�سعودية‪ ،‬وفتاوى ال�شيخ ابن باز‪ ،‬وفتاوى ال�شيخ ابن عثيمني‪.‬‬
‫  ‬
‫ا�ستخدام الن�ساء للح ّناء للر�سم على �أج�سادهنّ ‪:‬‬
‫تتف�شى يف بع�ض املجتمعات م�س�ألة النقو�ش والر�سوم باحل ّناء‪ ،‬فهناك من تر�سم الورود‬ ‫ّ‬
‫والزهور و�أ�شكال الطيور واحليوانات والزواحف وغري ذلك‪ ،‬على �صدرها �أو ظهرها �أو قدميها‬
‫�صالونات خا�ص ٍة تقوم‬
‫ٍ‬ ‫�أو يديها وما �شابه‪ ،‬وحتتاج املر�أة يف كث ٍري من الأحيان �إىل الذهاب �إىل‬
‫ال�صق‪ ،‬يحوي الر�سوم التي تعجبها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بذلك‪� ،‬أو تقوم هي بذلك بنف�سها من خالل ا�ستخدام ورقٍ‬
‫فهل هذا �أمر جائز؟‬
‫وهل يجوز �إبدا�ؤه �أمام الرجال‪� ،‬إذا كان يف ظاهر �أو باطن ك ّفي املر�أة؟‬
‫م�ستحدث مل يكن على زمن النبي ‪ ،‬ومن حيث املبد�أ‬ ‫ٌ‬ ‫�أقول‪ :‬هذه الر�سوم والنقو�ش �أم ٌر‬
‫يجوز للمر�أة �أن تر�سم باحلناء على �أي مو�ضع تريد من ج�سدها‪ ،‬ما دام ا�ستخدامها للح ّناء كنوع‬
‫من �أنواع الزينة �أمر جائز‪ ،‬ولكنّ ما ينبغي لنا �أن نتوقف عنده هو حكم �إظهار كفيها �أو وجهها‬
‫�أمام الرجال‪� ،‬إذا ز ّينته ب�أنواع من النقو�ش اجلميلة باحلناء‪.‬‬
‫وتف�شيه يف كثري من‬ ‫وقد تع ّر�ض بع�ض الفقهاء املعا�صرين لهذا املو�ضوع ب�سبب �شيوعه ّ‬
‫املجتمعات اليوم‪ ،‬وب ّينوا �أنّ هذه النقو�ش هي من الزينة التي يحرم �إبدا�ؤها �أمام الرجال‪ ،‬لأنها‬
‫خمالف ملا �أُمروا‬
‫ٌ‬ ‫تلفت نظرهم وتثري انتباههم‪ ،‬ورمبا جت ُّرهم �إىل �إمعان النظر وتدقيقه‪ ،‬وهذا‬
‫غ�ض للب�صر‪ ،‬كما �أنه يخالف ما �أُمرت به الن�ساء من الت�سرت واالحت�شام‪ ،‬واهلل تعاىل‬ ‫به من ٍّ‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.48‬‬ ‫((( ‬

‫‪56‬‬
‫�أمرهنَّ بعدم �إبداء الزينة ﴿�إ َّال َما َظ َه َر ِم ْن َها﴾(((‪ ،‬و(ما ظهر منها) هو الوجه والك ّفان بدون‬
‫زين ٍة مفتعل ٍة‪ ،‬والنق�ش والر�سم على الكفني هو زين ٌة مفتعل ٌة يجب عدم �إظهارها �أمام الرجال‬
‫حرام فهو حرا ٌم‪.‬‬
‫الغرباء‪ ،‬لأنها قد جت ّرهم �إىل احلرام‪ ،‬وكل ما ي�ؤدي �إىل ٍ‬
‫وا�ستدلوا مبا �سبق �أن ذكرناه عند ال�شافعية‪ ،‬الذين يرون كراهية النق�ش باحل ّناء على‬
‫الال مبا ورد عن ال�سيدة عائ�شة ر�ضي اهلل عنها �أنها �سئلت عن خ�ضاب الك ّفني‬ ‫الكفني‪ ،‬ا�ستد ً‬
‫فقالت ‪ :‬ال ب�أ�س به ما مل يكن فيه نق�ش(((‪.‬‬
‫�إذ ًا الر�سوم والنقو�ش الظاهرة باحل ّناء وغريها على الك ّفني هي من الزينة املح ّرم �أو املكروه‬
‫البدهي �أنَّ الر�سم والنق�ش على الوجه �أو اجلبني حم ّرم �أو‬
‫ّ‬ ‫�إظهارها �أمام الرجال الأجانب‪ ،‬ومن‬
‫مكروه من باب الأوىل‪.‬‬
‫�أما الر�سوم والنقو�ش على موا�ضع �أخرى من اجل�سد‪ ،‬ال تبدو �أمام الرجال‪ ،‬فهو �أمر جائز‪،‬‬
‫ويتبع للأعراف والعادات‪ ،‬فما يقبل جمتمع ّي ًا يف بيئة ما‪ ،‬قد ي�ستهجن يف بيئة �أخرى‪.‬‬
‫  ‬
‫حكم الغ�سل والو�ضوء ملن ر�سمت باحلناء‪:‬‬
‫�أم ٌر �آخر يتعلق بهذا املو�ضوع‪ :‬عندما نلم�س بع�ض هذه الر�سوم نرى لها �سماك ًة نافر ًة‪ ،‬ولي�ست‬
‫�سائل يغيرِّ لون اجللد‪ ،‬الأمر الذي يجعلنا نت�ساءل‪ :‬هل ُغ�سل املر�أة وو�ضو�ؤها يف‬ ‫جمرد �صبا ٍغ ٍ‬
‫هذه احلالة �صحيح؟!‬
‫واجلواب‪ُ :‬غ�سل املر�أة وو�ضو�ؤها غري �صحيحني‪� ،‬إذا كانت املواد التي تر�سم بها على ب�شرتها‬
‫مو�ضع‬
‫ٍ‬ ‫حتول دون و�صول املاء �إليها‪ ،‬ويجب على املر�أة التي تر�سم على يديها �أو قدميها �أو �أي‬
‫من ج�سدها ر�سوم ًا نافر ًة باحل ّناء وما �شابه‪� ،‬أن تزيلها عند الو�ضوء �أو الغ�سل املفرو�ض‪� ،‬أما �إن‬
‫تتم مبجرد �صبغ لون اجللد‪ ،‬دون �أن ترتك �سماك ًة نافر ًة على الب�شرة‪ ،‬فال ُغ�سل‬ ‫كانت الر�سوم ّ‬
‫ف�صلنا احلديث عنه يف بحث خ�ضاب ال�شعر(((‪.‬‬ ‫والو�ضوء �صحيحان‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫  ‬
‫�سورة النور‪� :‬آية‪. 31‬‬ ‫(( (‬
‫�سبق تخريجه يف �ص‪49‬‬ ‫((( ‬
‫انظر �ص؟؟‬ ‫((( ‬

‫‪57‬‬
‫حكم طالء الأظافر مبادة املنيكور‪:‬‬
‫بع�ض الن�ساء تقول‪� :‬أنا �أ�ضع طال ًء على �أظافري (منيكور)‪ ،‬فهل هذا جائز؟ وهل ميكنني‬
‫�أن �أعترب طالء الأظافر من الزينة اجلائز �إبدا�ؤها �أمام الرجال؟ وهل و�ضوئي واغت�سايل‬
‫�صحيحان؟!‬
‫و�أقول له�ؤالء ال�سيدات‪ :‬مادة طالء الأظافر ماد ٌة كتيم ٌة‪ ،‬متنع و�صول املاء �إىل الظفر‪ ،‬وهو‬
‫�شرط ل�صحة الو�ضوء والغ�سل‪ ،‬وعدم و�صول املاء �إىل الأظافر يجعل الو�ضوء والغ�سل غري �صحيح‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫هذا من جهة‪ ،‬ومن جه ٍة �أخرى ف�إنَّ طالء الأظافر يقرتن عاد ًة ب�إطالتها‪ ،‬و�إطال ُة الأظافر‬
‫من الأمور املكروهة �شرع ًا لأنَّ النبي ‪ ‬حت َّدث عن ع�شرة �أمو ٍر من الفطرة‪ ،‬من بينها تقليم‬
‫الأظافر(((‪ ،‬ومن املعروف �أنَّ الأظافر الطويلة جتمع حتتها اجلراثيم والأو�ساخ‪ ،‬مهما حاولت‬
‫�صاحبتها تنظيفها والعناية بها‪ ،‬ف�ض ًال ع ّما يف �إطالة الأظافر وطليها باملنيكور من لفت لنظر‬
‫الرجال‪ ،‬وهو �أمر مكروه ومذموم‪.‬‬
‫  ‬
‫حكم ماكياج املر�أة‪:‬‬
‫عام �أن ت�صبغ وجهها بامل�ساحيق املج ّملة والألوان املتعددة‪ ،‬وهذه العادة‬ ‫ب�شكل ٍ‬
‫اعتادت املر�أة ٍ‬
‫معروف ٌة منذ القدمي‪ ،‬وميكننا �أن نقول‪ :‬جبلت الأنثى على ا َمليل �إىل ذلك‪ ،‬و�أق َّرها ال�شرع على‬
‫ذلك‪ ،‬ولكنه �أكد على �أهمية �ضبطها وتر�شيدها يف حدود الزينة احلالل‪ ،‬ومبا يتنا�سب مع‬
‫م�صلحة املر�أة واملجتمع‪.‬‬
‫وعندما نتحدث عن م�ساحيق املاكياج والتجميل‪ ،‬نرى �أنَّ هذه املو�ضة تطال بع�ض الفتيات‬
‫والن�ساء املحجبات‪ ،‬فت�ضع �إحداهنَّ على خدودها و�شفاهها وعيونها ما ترى �أنه يجعلها �أجمل‬
‫و�أحلى‪ ،‬ثم تظهر �أمام الرجال الأجانب (غري املحارم)‪ ،‬وال ترى يف هذا ب�أ�س ًا‪.‬‬
‫مطلوب يف الإ�سالم‪ ،‬لأنَّ امل�سلم وامل�سلمة‬
‫ٌ‬ ‫�إنَّ اعتناء املر�أة مبظهرها و�أناقتها ونظافتها �أم ٌر‬
‫يجب �أن يكونا نظيفني �أنيقني‪ ..‬ولكنَّ النظافة والأناقة �شي ٌء‪ ،‬والتفننّ َ يف لفت نظر اجلن�س الآخر‪،‬‬
‫وجذب انتباهه و�إغرائه و�إغوائه �شي ٌء �آخر!‬
‫ِ‬
‫طرف من حديث �صحيح‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب الطهارة ـ باب خ�صال الفطرة‪.221/1 :‬‬ ‫((( ‬

‫‪58‬‬
‫حمت�شمات‪ ،‬و�أن يحر�صن على عدم التمادي‬ ‫ٍ‬ ‫ولئن كان على جميع الن�ساء امل�سلمات �أن يكنَّ‬
‫يف التزين لدرج ٍة تلفت نظر الرجال‪ ،‬ف�إنَّ على امل�سلمات املحجبات �أن يكنَّ �أكرث حر�ص ًا على‬
‫ذلك‪ ،‬احرتام ًا للحجاب الذي ارت�ضينه لأنف�سهنَّ تنفيذ ًا لأمر اهلل ع ّز وجل‪ ،‬فاحلجاب �شعا ٌر من‬
‫ي�صح �أن ت�سيء �إليه املر�أة بتجاوز احلدود التي ر�سمها‬ ‫�شعارات الإ�سالم‪ ،‬ورم ٌز من رموزه‪ ،‬وال ّ‬
‫لها الدين احلنيف‪ ،‬خ�صو�ص ًا و�أ َّنها عندما ت�ضع املاكياج على وجهها‪ ،‬ثم ترتدي حجابها وتخرج‬
‫�إىل ال�شارع‪ ،‬تثري يف �سلوكها هذا تناق�ض ًا �صارخ ًا ال ت�ست�سيغه النفو�س‪ ،‬وال تفهم �أ�سبابه العقول‪.‬‬
‫ومن ه�ؤالء الن�ساء من تق ّر ب�أنها ترتكب �أمر ًا حمرم ًا‪ ،‬ولكنَّ و�سو�سة ال�شيطان تغلبها‪ ..‬ومنهنَّ‬
‫من ال ترى نف�سها �آثم ًة‪ ،‬وال تدرك �أنها ترتكب مع�صي ًة‪� ،‬إذ يكفي يف ظنها �أن ت�ضع على ر�أ�سها‬
‫احلجاب‪ ،‬ثم لها بعد ذلك �أن تلب�س ما ت�شاء‪ ،‬وتتزين مبا ت�شاء‪ ،‬وكيفما ت�شاء‪.‬‬
‫ال�صحية‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬ ‫لن �أحتدث هنا عن �أ�ضرار هذه م�ساحيق ومواد التجميل واملاكياج من الناحية‬
‫عن الأمرا�ض اجللدية التي ت�س ّببها املواد الكيماوية ال�ضا ّرة التي حتتوي عليها‪ ،‬لكني �س�أحتدث‬
‫عن احلكم ال�شرعي لظهور املر�أة �أمام الرجال الأجانب‪ ،‬وقد �صبغت وجهها بهذه امل�ساحيق‬
‫واملواد‪.‬‬
‫ات َيغ ُْ�ض ْ�ضنَ ِمنْ �أَ ْب َ�صار ِِهنَّ و َي ْح َف ْظنَ َف ُر َ‬
‫وجهُنَّ وال ُي ْب ِدينَ‬ ‫يقول اهلل تعاىل‪﴿:‬و ُقل ِّل ْل ُم�ؤ ِْم َن ِ‬
‫زِي َن َتهُنَّ �إ َّال َما َظ َه َر ِم ْن َها و ْل َي ْ�ض ِر ْبنَ ِب ُخ ُم ِر ِهنَّ َع َلى ُج ُيوبِهِ نَّ ﴾(((‪ ،‬وقد ف�سر العلماء (ما ظهر‬
‫منها) ب�أنه الوجه والك َّفان بدون زين ٍة مفتعل ٍة من قبل املر�أة‪ ،‬وبنا ًء عليه اتفق الفقهاء على حرمة‬
‫نوع من �أنواع م�ساحيق‬ ‫�إظهار املر�أة لوجهها �أمام الرجال الأجانب‪� ،‬إذا ّمت �صبغه وتزيينه ب�أي ٍ‬
‫الزينة‪ ،‬ويجوز لها ذلك �أمام الن�ساء �أو املحارم من الرجال‪ ،‬كاالبن والأخ والزوج والعم واخلال‬
‫وما �شابه ذلك‪.‬‬
‫  ‬

‫�سورة النور‪� :‬آية ‪.31‬‬ ‫((( ‬

‫‪59‬‬
‫حكم االكتحال بالإثمد‪:‬‬
‫قد تعرت�ض بع�ض الن�ساء فتقول‪ :‬كيف يعترب الفقهاء ماكياج الوجه من الأمور املح ّرمة‪ ،‬مع‬
‫�أنَّ االكتحال بالإثمد كان �سن ًة م�ستحب ًة للرجال والن�ساء على عهد النبي ‪‬؟!‬
‫�أقول له�ؤالء الن�ساء‪:‬هناك فر ٌق بني االكتحال بالإثمد‪ ،‬وبني ما تفعله املر�أة اليوم‪ ،‬عندما‬
‫ت�صبغ وجهها مب�ساحيق جتميل العينني واخل ّدين وال�شفتني‪.‬‬
‫ذلك �أنَّ العرب قبل الإ�سالم كانوا يكتحلون بالإثمد‪ ،‬وملَّا ُبعث النبي ‪� ‬أق ّر هذه العادة‪،‬‬
‫وندب �إليها �أ�صحابه قائ ًال‪ :‬اكتحلوا بالإثمد‪ ،‬ف�إنه يجلو الب�صر‪ ،‬و ُينبت ال�شعر(((‪.‬‬
‫�إذ ًا الإثمد الذي حث النبي ‪ ‬الرجال والن�ساء على االكتحال به‪ ،‬نباتٌ يق ِّوي النظر ويزيد‬
‫يف �شعر الأهداب‪ ،‬فهو لذلك يندرج حتت باب الدواء (�إن كان هناك مر�ض) �أو الوقاية (كي ال‬
‫ح�سن �أداءها‪� .‬أما �أنَّ ال ُك َ‬
‫حل زين ٌة فهذه‬ ‫يح�صل مر�ض)‪� ،‬أو تغذية العني مبا يزيد من قدراتها و ُي ِّ‬
‫فائد ٌة �إ�ضافي ٌة‪ ،‬ومل تكن مق�صود ًة لذاتها‪ ،‬ولهذا كان االكتحال بالإثمد �سن ٌة م�ستحب ٌة للرجال‬
‫والن�ساء قبل النوم‪.‬‬
‫ماكياج على عينيها‪ :‬الظ ُّل املل ِّون للأجفان‪ ،‬ثم الكحل املحدِّ د‬ ‫ٍ‬ ‫ولكنَّ ما ت�ضعه املر�أة اليوم من‬
‫خمتلف كلي ًا عن الكحل العربي (الإثمد)‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫للعيون‪ ،‬ويليه الروميل الذي ي�صبغ الأهداب‪ ،‬هو �أم ٌر‬
‫وال ميكن قيا�سه عليه‪ ،‬لأن املق�صود به الزينة فقط‪ ،‬وهو من الزينة املحرم �إبدا�ؤها �أمام الرجال‬
‫الأجانب‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل ما فيه من الأ�ضرار‪ ،‬التي قد تلحق بالعينني واجلفنني‪ ،‬بعك�س الإثمد الذي‬
‫يحمل الفوائد ال�صحية التي ذكرناها �آنف ًا‪ ،‬والتي وردت يف حديث ر�سول اهلل ‪.‬‬

‫  ‬

‫حديث ح�سن‪� .‬أخرجه الرتمذي يف �سننه ـ كتاب اللبا�س ـ باب ما جاء يف االكتحال بالإثمد‪ 234/4 :‬عن ابن عبا�س‬ ‫((( ‬
‫‪ ‬وقال ‪ :‬ح�سن غريب‪ .‬ونحوه الن�سائي يف املجتبى ـ كتاب الزينة ـ باب الكحل‪ ،149/8 :‬و�صححه ابن حبان‪،437/13 :‬‬
‫واحلاكم يف امل�ستدرك‪.452/4 :‬‬

‫‪60‬‬
‫كثرياً ما ت�س�ألني بع�ض الن�ساء فتقول‪� :‬أنا �أ�ضع الروميل (ال�سائل الأ�سود) على رمو�ش‬
‫عيني‪ ،‬فهل و�ضوئي �صحيح؟‬ ‫ّ‬
‫ري من الن�ساء‪.‬‬‫�أقول‪ :‬هذا �س�ؤا ٌل وجي ٌه وهام‪ ،‬حتتاج معرفة ُحكمه كث ٌ‬
‫واجلواب‪� :‬إن كان ال�سائل الأ�سود مما ي�سيل بالو�ضوء‪ ،‬وميكن �إزالته باملاء‪ ،‬ف�إنَّ وجوده ال‬
‫مينع من �صحة الو�ضوء �أو الغ�سل‪ ،‬لأنه ال مينع نفاذ املاء �إىل رمو�ش العينني‪.‬‬
‫�أما �إن كانت له �سماك ٌة على الرمو�ش‪ ،‬وال يزول باملاء‪ ،‬وحتتاج �إزالته �إىل ٍ‬
‫مزيل خا�ص‪ ،‬ف�إنَّ‬
‫الو�ضوء وال ُغ�سل ال ّ‬
‫ي�صحان �إال بعد �إزالته‪.‬‬
‫  ‬
‫خري طيب املر�أة‪:‬‬
‫ي�ستدل بع�ض النا�س على جواز �إظهار املر�أة مل�ساحيق الوجه كحمرة اخلدين وال�شفتني‬
‫ريحه وخفي لونه‪ ،‬وخري طيب‬ ‫طيب الرجل ما ظهر ُ‬ ‫وتظليل العينني بحديث النبي ‪� :‬إنَّ خري ِ‬
‫الن�ساء ما ظهر لونه وخفي ريحه(((‪ ،‬ويقولون‪� :‬إذن‪� ،‬إظهار املر�أة ملاكياجها �أم ٌر جائزٌ‪ ،‬لأنه مما‬
‫ظهر لونه وخفي ريحه!‬
‫واحلقيقة �أنَّ احلديث ال�شريف الذي يذكرونه ال يدل على ما ي�ستدلون به‪ ،‬وعملهم هذا‬
‫يندرج يف الواقع حتت باب حتميل الن�صو�ص ما ال يحتمله معناها‪ ،‬لأنَّ هذا احلديث ال�شريف‬
‫يتحدث عن طيب الن�ساء وا�صف ًا �إياه ب�أنه‪( :‬ما ظهر لونه وخفي ريحه)‪ ،‬ومن هذا ما كان �شائع ًا‬
‫خللوق والزعفران‪ ،‬وهما نو ٌع من الطيب املر ّكب ال رائحة له‪،‬‬ ‫يف ع�صرهم من �أنواع الزينة كا َ‬
‫تغلب عليه احلمرة وال�صفرة‪ ،‬وكانت املر�أة ت�ستخدمه لتزيني وجهها‪ ،‬بينما ُنهي الرجال عن‬
‫ا�ستخدامه‪ ،‬فقد نهى النبي ‪ ‬عن التزعفر للرجال(((‪.‬‬
‫وقول النبي ‪ :‬خري طيب املر�أة ما ظهر لونه وخفي ريحه‪ ،‬ال يعني �أن تظهر املر�أة بهذه‬
‫الزينة �أمام الرجال الأجانب‪� ،‬إذ يجوز ملن ت�ضعه من الن�ساء �أن ت�سرت وجهها بالربقع �أو النقاب‬
‫وما �شابه‪ ،‬ثم تخرج من بيتها‪ ،‬بحيث ال تظهر هذه الزينة �أمام الرجال‪ ،‬بدليل �أنَّ النبي ‪ ‬نهى‬

‫حديث ح�سن‪� .‬أخرجه الرتمذي يف �سننه ـ كتاب اللبا�س ـ باب ما جاء يف طيب الرجال والن�ساء ‪107/5:‬وقال ‪:‬ح�سن‬ ‫(( (‬
‫غريب‪.‬‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيجه ـ كتاب اللبا�س ـ باب التزعفر للرجال‪ ،2198/5 :‬وم�سلم يف �صحيحه‬ ‫((( ‬
‫ـ كتاب اللبا�س والزينة ـ باب نهي الرجل عن التزعفر‪.1662/3 :‬‬

‫‪61‬‬
‫املر�أة عن التطيب مبا يظهر ريحه �أمام الرجال(((‪ ،‬لأن الرائحة اجلميلة الف ّواحة فتنة‪ ،‬وال ميكن‬
‫�سرتها بالثياب‪.‬‬
‫ثم �إنَّ اهلل تعاىل يقول‪﴿ :‬وال ُي ْب ِدينَ زِي َن َتهُنَّ �إ َّال َما َظ َه َر ِم ْن َها﴾(((‪ ،‬وهذا دلي ٌل وا�ض ٌح على �أنه‬
‫ال يجوز �أن يظهر من املر�أة �إال وجهها وكفاها بدون زين ٍة مفتعلة‪.‬‬
‫توعد املتزينة �أمام الرجال‪ ،‬فقال‪ :‬مثل ال ّرافلة يف الزينة يف غري‬ ‫وروي عن النبي ‪� ‬أنه ّ‬
‫�أهلها كمثل ظلمة يوم القيامة ال نور له(((‪.‬‬
‫  ‬
‫حكم ّ‬
‫تعطر املر�أة‪:‬‬
‫تتف�شى يف كث ٍري من املجتمعات‪ ،‬وهي تط ُّيب املر�أة بالعطور‪ ،‬التي باتت ال�شركات‬ ‫ظاهرة �أخرى ّ‬
‫الكربى تت�سابق لت�صنيعها لزيادة الإغراء عند الن�ساء‪.‬‬
‫بداي ًة �أقول‪ :‬ال يح ّرم ال�شرع على املر�أة �أن تتج ّمل بالرائحة الطيبة �أمام زوجها و�أمام الرجال‬
‫املحارم (كالأب والعم والأخ‪ ،)...‬و�أمام بني جن�سها من الن�ساء‪ ،‬ولكنه يح ِّرم عليها �أن تخرج‬
‫من منزلها متعطر ًة مبا تفوح رائحته اجلميلة‪ ،‬وخا�ص ًة عندما تق�صد من هذا �أن تلفت انتباه‬
‫الرجال‪ ،‬وت�ستمطر مديحهم وثناءهم على جمالها الفتّان وق ّدها امل ّيا�س‪ ..‬لأنَّ التعطر و�سيل ٌة غري‬
‫مبا�شرة من و�سائل الو�صول �إىل احلرام‪ ،‬وكما يقال‪:‬‬
‫فكال ٌم فموع ٌد ف ِلقا ُء‬ ‫نظر ٌة فابت�سام ٌة ف�سال ٌم‬
‫ومن حكمة الت�شريع الإ�سالمي �أنه يح ّرم الفاح�شة‪ ،‬ويح ّرم ك َّل ما يو�صل �إليها‪ ،‬ولهذا كانت‬
‫النظرة املرتافقة مع ال�شهوة حرام ًا‪ ،‬ومن هذا املنطلق �أي�ض ًا يحرم على املر�أة �أن تتعطر �أمام الرجال‬
‫الأجانب‪� ،‬إذ يقول النبي ‪� :‬أميا امر�أة ا�ستعطرت‪ ،‬فم ّرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية(((‪.‬‬

‫انظر حكم تطيب املر�أة يف �ص‬ ‫((( ‬


‫النور‪.31 :‬‬ ‫((( ‬
‫حديث �ضعيف‪� .‬أخرجه الرتمذي يف �سننه ـ كتاب الر�ضاع ـ باب ما جاء يف كراهية خروج الن�ساء يف الزينة‪470/3 :‬‬ ‫((( ‬
‫و�ض ّعفه ب�سبب مو�سى بن عبيدة‪ ،‬وهو �صدوق‪� ،‬ض ِّعف من جهة حفظه‪.‬‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه �أبو داود يف �سننه ـ متاب الرتجل ـ باب ما جاء يف املر�أة تتطيب للخروج‪ ،79/4 :‬والرتمذي‬ ‫((( ‬
‫يف �سننه ـ كتاب الأدب ـ باب ما جاء يف كراهية خروج املر�أة متعطرة‪ 106/5 :‬و�صححه‪ ،‬والن�سائي يف املجتبى ـ كتاب الزينة ـ‬
‫و�صحح احلديث ابن حبان‪ ،270/10 :‬وابن خزمية‪ ،91/3 :‬واحلاكم يف‬ ‫باب ما يكره للن�ساء من الطيب‪ 153/8 :‬واللفظ له‪ّ .‬‬
‫امل�ستدرك‪.430/2 :‬‬

‫‪62‬‬
‫والزنا الوارد يف هذا احلديث ال�شريف ال يق�صد منه الزنا املوجب للحد ال�شرعي‪ ،‬ولكنه زنا‬
‫معنوي وو�سيل ٌة غري مبا�شرة من و�سائل الو�صول �إىل الزنا احلقيقي‪ ،‬ومن يفعله يتح ّمل الإثم‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫عقاب الزاين باملعنى الكامل لهذا الذنب الكبري‪.‬‬‫ولكنه ال يعاقب َ‬
‫  ‬
‫تعطرت املر�أة يف بيتها‪ ،‬وهي تق�صد التز ّين لزوجها �أو ل�ضيفاتها الن�ساء‪ ،‬ثم‬ ‫ولكن‪ ،‬ماذا لو ّ‬
‫�أرادت اخلروج من بيتها؟‬
‫وال�صابون قدر �إمكانها‪� ،‬إن علمت �أنَّ هذه‬‫اجلواب‪ :‬عليها �أن تزيل رائحة العطر باملاء ّ‬
‫الرائحة العطرة �ستفوح من حتت ثيابها‪ ،‬ويعفو اهلل تعاىل عما تب َّقى منها‪.‬‬
‫تعطرت‪ ،‬فخرجت �إىل ال�شارع‪� ،‬أو برزت �أمام الرجال‬ ‫�س�ؤا ٌل �آخر‪ :‬ماذا لو ن�سيت املر�أة �أنها ّ‬
‫الأجانب بعطرها الف ّواح؟ هل يعتربها الإ�سالم زاني ًة؟!‬
‫يف هذه احلالة نتذكر قول النبي ‪ُ :‬ر ِفع عن �أمتي اخلط�أ والن�سيان وما ا�ستكرهوا عليه(((‪،‬‬
‫ونرجو اهلل تعاىل �أن ال ي�ؤاخذها على ذلك‪.‬‬
‫تت�ساءل بع�ض الن�ساء قائلة‪� :‬أنا �أحب الروائح العطرية اجلميلة‪ ،‬ف� ّ‬
‫أتعطر و�أخرج �إىل الطريق‪،‬‬
‫ولكنني ال �أق�صد �أن �ألفت نظر الرجال‪ ،‬فهل هذا حرام؟!‬
‫و�أقول لهذه ال�سائلة‪ :‬احلديث ال�شريف ال�سابق يتحدث عن املر�أة التي تتعطر ثم تخرج �إىل‬
‫الطريق‪ ،‬وهي تق�صد �إغواء الرجال ولفت انتباههم‪ ،‬ولكنَّ هذا ال يعني �أنه يجوز للمر�أة �أن‬
‫تتعطر ثم تخرج �إىل الطريق‪� ،‬إذا مل تق�صد ذلك‪ ،‬لأن هذا الفعل بحد ذاته ي�ؤدي �إىل لفت‬ ‫ّ‬
‫بغ�ض النظر عن ن ّية من تفعل هذا‪ ،‬ولذلك ذهب العلماء �إىل حرمة‬ ‫الرجال و�إثارة انتباههم ّ‬
‫تعطر املر�أة قبل خروجها من املنزل‪� ،‬سواء ق�صدت لفت نظر الرجال �أو مل تق�صد‪ ،‬و�أنَّ الإثم‬
‫يت�ضاعف �إن ق�صدت الفتنة والإغراء‪.‬‬

‫ح�سنه النووي و�ضعفه �آخرون‪ .‬فقد �أخرجه ابن ماجه يف �سننه ـ كتاب الطالق ـ باب طالق املكره والنا�سي‪654/1 :‬‬ ‫ّ‬ ‫((( ‬
‫ً‬
‫عن ابن عبا�س بلفظ (و�ضع عن �أمتي) و�أما اللفظ املذكور و�إن كان م�شتهرا بني الفقهاء لكن مل يخرجه �أحد بهذا اللفظ‪،‬‬
‫و�إمنا �أخرجوه ب�ألفاظ �أخرى متقاربة‪ ،‬كما �أخرجه الدارقطني يف �سننه‪ ،170/4 :‬و�صححه ابن حبان ‪ ،202/16‬واحلاكم يف‬
‫ح�سن احلديث يف الرو�ضة ويف‬‫امل�ستدرك‪ .216/2 :‬وقال احلافظ ابن حجر يف التلخي�ص احلبري‪ 281/1 :‬ما مفاده‪� :‬أن النووي ّ‬
‫الأربعني ‪ ،‬و�ضعفه ابن حنبل و �أبو حامت وابن عدي ‪� ،‬إال �أن للحديث طرق ًا و�شواهد‪ ،‬و�إن كانت �ضعيفة‪ ،‬ف�إنها تدل �أن للحديث‬
‫�أ�ص ًال‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫وورد يف هذا قوله ‪ « :‬كل عني زانية‪ ،‬و�إن املر�أة �إذا ا�ستعطرت فم ّرت باملجل�س فهي كذا‬
‫وكذا (((‪ ،‬يعني �أنها زانية‪.‬‬
‫ويجب �أن يكون وا�ضح ًا �أنَّ كل ما يثري الفتنة والغواية يف املجتمع حرام‪� ،‬سواء كان متع ّمد ًا‬
‫�أو عن غري عمد‪ ،‬لأن ع ّفة املجتمع �ضروري ٌة ل�صالحه وا�ستقراره‪ ،‬وهذا ال يكون �إال با�ستعفاف‬
‫كل منهما للآخر على ذلك‪.‬‬ ‫الرجال والن�ساء‪ ،‬وب�إعانة ٍ‬
‫  ‬
‫تعطري الثياب‪:‬‬
‫تعطر ج�سدها‪ ،‬ثم خرجت �إىل‬ ‫عطرت املر�أة ثيابها فقط دون �أن ّ‬ ‫هناك من ي�س�أل‪� :‬إن ّ‬
‫الطريق‪� ،‬أو برزت بها �أمام الرجال الأجانب‪ ،‬فما هو حكم ال�شرع يف ذلك؟!‬
‫عطرت ثيابها‪ ،‬لأن‬ ‫عطرت املر�أة ج�سدها �أم ّ‬ ‫احلكم ال�شرعي حلرمة التعطر واحدٌ‪� ،‬سواء ّ‬
‫الق�صد هو عدم لفت انتباه الرجال و�إثارة ف�ضولهم واجنذابهم‪ ،‬وال فرق يف هذا بني تعطري‬
‫الثياب وتعطري الأج�ساد‪ ،‬ولذلك قال النبي ‪� :‬أميا امر�أة �أ�صابت بخور ًا فال ت�شهد معنا الع�شاء‬
‫الآخرة(((‪ .‬والبخور نو ٌع من الطيب كانت الن�ساء ت�ستخدمه لتعطري الثياب‪ ،‬وهذا احلديث دلي ٌل‬
‫على حترمي الطيب يف بدن املر�أة �أو ثيابها‪� ،‬إذا بدت رائحته اجلميلة �أمام الرجال‪.‬‬
‫خ�ص الع�شاء الآخرة بالذكر‪ ،‬لأنَّ الفتنة وقتها �أ�شد‪ ،‬وال يعني‬‫وقد ذكر العلماء �أنَّ احلديث ّ‬
‫ذلك جواز خروجها يف غري هذا الوقت وقد ط ّيبت ثيابها‪.‬‬
‫  ‬
‫حكم تزيني املر�أة عينيها بالعد�سات الال�صقة املل ّونة‪:‬‬
‫من �صرعات املو�ضة اليوم ما نراه من تزيني الن�ساء لعيونهنَّ بالعد�سات الال�صقة املل َّونة‬
‫لدرج ٍة م�ضحك ٍة �أحيان ًا‪ ،‬حتى بتنا ن�سمع مبن تغيرّ لون العد�سات تبع ًا للون احلقيبة �أو احلذاء‪،‬‬
‫فما هو احلكم ال�شرعي يف هذه العد�سات؟!‬

‫حديث �صحيح‪� .‬سبق تخريجه يف �ص‪ ،60‬وهذه رواية الرتمذي‪.‬‬ ‫((( ‬


‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب ال�صالة ـ باب خروج الن�ساء �إىل امل�ساجد‪� ،‬إذا مل يرتتب عليه‬ ‫((( ‬
‫فتنة‪ ،‬و�أنها ال تخرج مط ّيبة‪.328/1 :‬‬

‫‪64‬‬
‫الأ�صل �أنَّ البحث عن اجلمال �أم ٌر م�شروعٌ‪ ،‬طاملا كان �ضمن حدود ال�شرع‪ ،‬كما �أنَّ الإ�سراف‬
‫مذمو ٌم يف كل الأحوال‪.‬‬
‫�أما التز ّين بالعد�سات من حيث املبد�أ فهو �أم ٌر جائ ٌز �ضمن ال�شروط التالية‪:‬‬
‫‪�1 1-‬أن تتز ّين بها لزوجها و�أمام الن�ساء والرجال املحارم‪ ،‬وال يجوز �أن تظهر بهذه العد�سات‬
‫�أمام الرجال الأجانب‪ ،‬لأنها من الزينة املحرم �إبدا�ؤها �أمامهم‪.‬‬
‫اخلطاب‪.‬‬ ‫وتدلي�س على ّ‬ ‫ٌ‬ ‫‪�2 2-‬أن ال يكون يف تز ّينها بالعد�سات ٌّ‬
‫غ�ش‬
‫املنجد يف (فتاوى‬ ‫هذا ما ر�آه علماء فتاوى ال�شبكة الإ�سالمية‪ ،‬و�أورده ال�شيخ حممد �صالح ّ‬
‫الإ�سالم)‪.‬‬
‫�أما الدكتور القر�ضاوي فقد �أ ّكد على نقطة هامة‪ ،‬وهي عدم الإ�سراف يف التز ّين بالعد�سات‪،‬‬
‫لأن الإ�سراف يف ا�ستخدام املباح‪ ،‬يقلبه �إىل حرام‪ ،‬ولذلك ف�إنَّ ما تفعله كثري من الن�ساء من‬
‫إ�سراف مرفو�ض‪.‬‬ ‫التغيري امل�ستمر للعد�سات الال�صقة تبع ًا للون احلقيبة �أو احلذاء هو مبالغ ٌة و� ٌ‬
‫  ‬
‫حكم زينة املر�أة يف ك ّفيها‪:‬‬
‫احللي من الذهب والف�ضة والل�ؤل�ؤ والزم ّرد‬ ‫ّ‬ ‫حت ّلي املر�أة عاد ًة يديها وعنقها مبختلف �أنواع‬
‫مت يف اخلن�صر و�آخر يف البن�صر‬ ‫واملا�س‪ ،‬ونرى من الن�ساء من حت ّلي �أ�صابعها بخوامت عديدة‪ :‬خا ٌ‬
‫وتو�سو�س عندما‬
‫ُ‬ ‫وته�سه�س‬
‫ُ‬ ‫وثالثٌ يف ال�س َّبابة �أو الإبهام‪ ،‬وقد ت�ضع يف قدميها اخلالخيل التي تر ُّن‬
‫مت�شي‪ ،‬فما حكم هذه الزينة؟ هل هي من الزينة التي يجوز �إبدا�ؤها �أمام الرجال الأجانب؟‬
‫الكالم الف�صل يف هذا املجال هو لقول اهلل تعاىل‪﴿ :‬وال ُي ْب ِدينَ زِي َن َتهُنَّ �إ َّال َما َظ َه َر ِم ْن َها﴾(((‪،‬‬
‫وهي �آي ٌة قطعية الثبوت‪ ،‬لأنها وردت يف القر�آن الكرمي‪ ،‬ولكنها ظنية الداللة لأنها حتتمل �أكرث من‬
‫عبا�س ر�ضي اهلل‬ ‫معنى‪ ،‬وقد اختلف املف�سرون يف معنى قوله تعاىل‪ :‬ما ظهر منها‪ ،‬فذهب ابن ٍ‬
‫وال�سوار‪ ،‬وبنا ًء على هذا يجوز للمر�أة‬ ‫عنهما �إىل �أنَّ (ما ظهر منها) هو الوجه والكفان واخلامت ّ‬
‫وال�سوار‪.‬‬
‫�إبداء اخلامت ّ‬

‫�سورة النور‪� :‬آية ‪.31‬‬ ‫((( ‬

‫‪65‬‬
‫ولكنَّ معظم املف�سرين والفقهاء ذهبوا �إىل �أنَّ ما ظهر منها هو الوجه والكفان‪� ،‬أما ما عدا‬
‫ذلك فال يجوز �إبدا�ؤه‪ ،‬واخلامت والأ�ساور بنا ًء على هذا مما ال يجوز �إبدا�ؤه(((‪ .‬وا�ستثنى بع�ض‬
‫العلماء املعا�صرين اخلامت الذي يدل على اخلطبة والزواج‪ ،‬ف�أجازوا �إبداءه‪ ،‬لأنه مما جرت‬
‫العادة به‪ ،‬وهو مبثابة �إ�شها ٍر للخطوبة �أو الزواج‪ ،‬ولي�س للزينة املح�ضة‪.‬‬
‫أ�شكال من الأ�ساور واخلالخيل‬ ‫أنواع و� ٍ‬ ‫�أما التختّم بعدة خوامت وتزيني الكفني والقدمني ب� ٍ‬
‫والدمالج املثرية لالنتباه والف�ضول والرغبة‪ ،‬فلم يقل �أح ٌد من الفقهاء بجوازه‪ ،‬بل �أجمعوا كلهم‬
‫على �أنَّ ك َّل ما ي�ؤدي �إىل احلرام فهو حرام‪.‬‬
‫وا�ستدلوا بقوله تعاىل‪﴿ :‬وال َي ْ�ض ِر ْبنَ بِ�أَ ْر ُجلِهِ نَّ ِل ُي ْع َل َم َما ُيخْ ِف َني ِمن زِي َنتِهِ نَّ ﴾(((‪ ،‬وهي �آية‬
‫نزلت بخ�صو�ص بع�ض الن�ساء‪ ،‬اللواتي كنّ يلب�سن اخللخال يف القدمني‪ ،‬وي�ضربن ب�أرجلهنّ‬
‫لي�سمع �صوته من حتت لبا�سهنّ ‪ ،‬فنزلت الآية تذ ّم هذا الفعل‪ ،‬وت�ؤكد على حرمته‪ ،‬ملا فيه من‬
‫لفت نظر الرجال وانتباهم‪.‬‬
‫وقد ا�ستنبط العلماء من هذه الآية حرمة ال�ضرب بالأرجل �أو حتريك الأيدي و�أماكن الزينة‬
‫بطريقة تق�صد املر�أة من ورائها لفت نظر الرجال �إىل زينتها‪ ،‬كما �أكدوا على �أن �إبداء املر�أة‬
‫ربج ًا وتع ّر�ض ًا للرجال تكون‬ ‫لزينتها �أمام الرجال حرام من باب الأوىل‪ ،‬و�أن من تفعل ذلك ت ّ‬
‫�أ�شد �إثم ًا‪.‬‬
‫وعلى املر�أة �أن تكون حكيمة نف�سها يف هذا‪ ،‬و�أن تتذكر قول النبي ‪ ‬لواب�صة‪ :‬يا واب�صة‪،‬‬
‫(((‬
‫ا�ستفت قلبك‪ ،‬ولو �أفتاك النا�س و�أفتوك!‬ ‫ِ‬
‫قلبك‪،‬‬
‫أمامك وا�ض ٌح‪ ،‬فا�ستفت ِ‬ ‫و�أنت �أختي القارئة‪� ،‬إن �أردت ر�ضاء اهلل تعاىل فالطريق � ِ‬
‫لدينك‪ ،‬فمن اتقى ال�شبهات فقد ا�سترب�أ لدينه وعر�ضه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫واحتاطي‬

‫ف�سر ابن م�سعود ر�ضي اهلل عنه الآية ب�أن ما ظهر منها هو ثياب املر�أة‪ ،‬وقد اختار ابن تيمية هذا الر�أي‪ ،‬فال يجوز‬ ‫((( ‬
‫عنده للمر�أة �أن تك�شف عن وجهها وكفيها‪ ،‬وال يجوز �أن يظهر منها �شيء �سوى ثيابها‪ .‬انظر التف�صيل يف بحث عورة املر�أة �ص؟؟؟‬
‫�سورة النور‪� :‬آية ‪.31‬‬ ‫((( ‬
‫�سبق تخريجه يف �ص ‪28‬‬ ‫((( ‬

‫‪66‬‬
‫اخلتان‬
‫ختا ُن الذكو ِر‪ ..‬وختا ُن اإلناث‬

‫اخلتان واح ٌد من �سنن الفطرة التي وردت يف قول النبي ‪:‬‬


‫وق�ص ال�شارب‪ ،‬ونتف‬
‫(خم�س من الفطرة‪ :‬اال�ستحداد‪ ،‬واخلتان‪ّ ،‬‬
‫ٌ‬
‫الإبط‪ ،‬وتقليم الأظافر)(((‪.‬‬
‫ال�شارب‪ ،‬و�إعفا ُء‬
‫ِ‬ ‫ق�ص‬
‫وجاء يف رواي ٍة‪( :‬ع�ش ٌر من الفطرة ‪ُّ :‬‬
‫ُ‬
‫وغ�سل‬ ‫وق�ص الأظفارِ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وا�ستن�شاق املاءِ‪ُّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫وال�سواك‪،‬‬ ‫اللحي ِة‪،‬‬
‫وانتقا�ص املاءِ)‪ ،‬وقال‬
‫ُ‬ ‫إبط‪ ،‬وحلقُ العان ِة‪،‬‬ ‫الرباجم‪ُ ،‬‬
‫ونتف ال ِ‬ ‫ِ‬
‫الراوي‪ :‬ون�سيتُ العا�شر َة �إال �أن تكون امل�ضم�ضة(((‪.‬‬
‫وهذه الأمور املذكورة يف احلديثني ال�شريفني �س ّميت فطر ًة‪،‬‬
‫حب هذه الأمور‪،‬‬
‫لأن اهلل تعاىل منذ �أن خلق الب�شرية جبلها على ّ‬
‫وقد حثّ عليها ال ُ‬
‫إ�سالم‪ ،‬لأنه دينٌ يحرتم الفطرة التي خلق اهلل‬
‫وحتريف‬
‫ٍ‬ ‫النا�س عليها‪ ،‬ويحاول �أن يزيل ما يعرتيها من ت�ش ّو ٍه‬
‫َ‬
‫مدى الع�صور‪.‬‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب اللبا�س ـ باب تقليم الأظافر‪ ،2209/5 :‬وم�سلم يف �صحيحه ـ‬ ‫((( ‬
‫كتاب الطهارة ـ باب خ�صال الفطرة‪ ،222/1 :‬و�أبو داود يف �سننه ـ كتاب الرتجل ـ باب يف �أخذ ال�شارب‪ ،84/4 :‬وابن ماجه يف‬
‫�سننه ـ كتاب الطهاة ـ باب الفطرة‪ ,107/1 :‬والرتمذي يف �سننه ـ كتاب الأدب ـ باب ما جاء يف تقليم الأظافر‪ ،91/5 :‬والن�سائي‬
‫يف املجتبى ـ كتاب الطهارة ـ باب ذكر الفطرة االختتان‪.13/1 :‬‬
‫واال�ستحدا ُد هو �إزالة �شعر العانة طلب ًا للطهارة‪.‬‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب الطهارة ـ باب خ�صال الفطرة‪ .221/1 :‬والرباجم هي مفا�صل‬ ‫(( (‬
‫النف�س عقب ق�ضاء احلاجة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫وتنظيف‬ ‫ء‬
‫َ‬ ‫اال�ستنجا‬ ‫يعني‬ ‫املاء‬ ‫وانتقا�ص‬
‫ُ‬ ‫أ�صابع‪،‬‬ ‫ال‬
‫أهمية الطهارة والنظافة‬

‫واحلديث عن �سنن الفطرة يعني احلديث عن التج ّمل والتزين‪ ،‬وهو �أمر مطلوب يف الإ�سالم‪،‬‬
‫كما ذكرنا يف البحث ال�سابق‪.‬‬
‫وعندما نتحدث عن التج ّمل والتزين‪ ،‬ف�إن هذا يعني �أن يكون امل�سلم طاهر ًا‪ ،‬نظيف الثياب‬
‫نظيف الر�أ�س والأيدي�أيدي والأ�سنان‪ ،‬لأن احلديث عن النظافة والطهارة‬ ‫َ‬ ‫والبدن واملكان‪،‬‬
‫�ضروري‪ ،‬يجب �أن ي�سبق احلديثَ عن التز ّين والتجمل‪ ،‬فالنظافة والطهارة �أو ًال‪ ،‬والتز ُّينَ‬ ‫ٌ‬ ‫�أم ٌر‬
‫والتج ُّم َل ي�أتيان بعد ذلك‪.‬‬
‫والأدلة على �أهمية الطهارة يف الإ�سالم كثرية‪ ،‬منها قول اهلل تعاىل‪� :‬إِنَّ اللهَّ َ ُي ِح ُّب ال َّت َّوا ِب َني‬
‫َو ُي ِح ُّب المْ ُت ََط ِّه ِرينَ (البقرة‪ :‬من الآية‪ ،)222‬وقول النبي ‪ :‬الطهور �شطر الإميان(((‪.‬‬
‫أهم عباد ٍة يف‬ ‫وال عجب يف اعتبار الإ�سالم الطهارة �أمر ًا �ضروري ًا؛ �إذ �إنَّ ال�صالة التي هي � ّ‬
‫حياة امل�سلم‪ ،‬ال ت�صح بدون طهارة‪.‬‬
‫ال�شح‬
‫و�شح املياه الذي يعرتيها‪ ،‬وما قد ي�سببه هذا ّ‬ ‫وعندما ننظر �إىل البيئات ال�صحراوية‪ّ ،‬‬
‫من �إهمال البع�ض للطهارة والتز ّين‪ ،‬ندرك ال�سبب يف حثّ النبي ‪ ‬ل�صحابته على االغت�سال‬
‫والتج ّمل والتزين والعناية باملظهر وال�شعر والتطيب واللبا�س‪ ،‬ومن الآثار النبوية يف هذا املجال‬
‫�أنَّ رج ًال دخل �إىل م�سجد النبي ‪ ‬ثائر الر�أ�س �أ�شعث اللحية‪ ،‬ف�أ�شار �إليه‪ ،‬ف�أدرك الرجل ما‬
‫يريده النبي‪ ،‬فرجع �إىل بيته ف�أ�صلح �شعره وحليته‪ ،‬ثم عاد �إىل املجل�س‪ ،‬فقال النبي ‪� :‬ألي�س‬
‫هذا خري ًا من �أن ي�أتي �أحدكم ثائر الر�أ�س ك�أنه ال�شيطان؟!(((‪.‬‬
‫  ‬

‫طرف من حديث �صحيح‪� .‬أخرجه �أحمد يف م�سنده‪ -‬م�سند �أبي مالك الأ�شعري ‪ ،342/5:‬وم�سلم يف �صحيحه كتاب‬ ‫(( (‬
‫الطهارة‪ ،‬باب ف�ضل الو�ضوء ‪،203/1:‬وابن ماجه يف �سننه‪ -‬كتاب الطهارة و�سننها‪ -‬باب الو�ضوء �شطر الإميان‪� 102/1 :‬إال‬
‫�أنه جاء بلفظ (�إ�سباغ الو�ضوء)‪ ،‬والرتمذي يف �سننه‪ ،‬كتاب الدعوات‪ 535/5 :‬وعنده‪»:‬الو�ضوء �شطر « و�صححه‪ ،‬والن�سائي يف‬
‫املجتبى‪ -‬كتاب الزكاة‪ -‬باب وجوب الزكاة‪ 5/5:‬ولفظه‪� ”:‬إ�سباغ الو�ضوء”‬
‫�سبق تخريجه يف �ص ‪.37‬‬ ‫((( ‬

‫‪69‬‬
‫لن �أغو�ص يف هذا البحث يف احلديث عن النظافة والطهارة‪ ،‬وهو ما �س�أحتدث عنه يف اجلزء‬
‫الثاين من هذا الكتاب‪ ،‬كما �أنني لن �أحت ّدث هنا عن الزينة والتج ّمل‪ ،‬لأنني �أف�ضت يف هذا يف‬
‫كواحد من �أمور الفطرة الع�شرة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بحث �سابق‪ ،‬و�س�أكتفي يف هذا البحث باحلديث عن اخلتان‬
‫ما هو اخلتان؟!‬
‫رقيق يغطي الأع�ضاء التنا�سلية عند الذكر والأنثى‪ ،‬وهذا‬ ‫جلد �صغ ٍري ٍ‬
‫اخلتان هو‪� :‬إزالة ٍ‬
‫اجللد ال�صغري الرقيق‪ ،‬ي�س ّمى عند الذكر (ال ُقل َفة)‪.‬‬
‫ر�أي الطب يف ختان الذكور‪:‬‬
‫�أثبتت الدرا�سات الطبية احلديثة �أنَّ بع�ض �أمرا�ض اجلهاز التنا�سلي توجد بكرثة عند الذكور‬
‫غري املختونني‪ ،‬بينما تق ُّل عند املختونني‪.‬‬
‫يقول الطبيب الدكتور حممد علي البار‪� :‬إنَّ الأبحاث الطبية �أثبتت فائدة اخلتان يف الطفولة‬
‫املبكرة‪ ،‬ابتدا ًء من يوم والدة الذكر وحتى الأربعني يوم ًا من عمره‪ ،‬وكلما ت� ّأخر اخلتان بعدها‬
‫طبيب اخت�صا�صي‬ ‫كرثت االلتهابات يف الأع�ضاء التنا�سلية عنده‪ .‬ويقول الدكتور مازن حيدر‪ ،‬وهو ٌ‬
‫ب�أمرا�ض امل�سالك البولية والتنا�سلية وجراحتها‪:‬‬
‫للختان عند الذكور فوائد كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -‬عدم اخلتان يعني بقا َء ال ُقلفة كما ُخلقت على حالها‪ ،‬وبقا�ؤها ي�ؤدي �إىل جت ّمع ماد ٍة‬
‫ت�س ّمى ال ّل َخن‪ ،‬وهذه املادة هي بقايا البول واجلراثيم والإفرازات التي ت�ؤدي �إىل �إ�صابة َ‬
‫احل�شفة‬
‫بالتهابات مو�ضعي ٍة ت�سمى التهابات احل�شفة‪ ،‬ويف بع�ض الأحيان ي�ؤدي �إىل ما ي�سمى بت�ض ُّيق‬ ‫ٍ‬
‫ال ُقلفة الأمامي‪ ،‬ف�إذ ًا‪� ،‬إزالة القلف ِة هو �سبي ٌل للتخل�ص من اجلراثيم التي ت�س ّبب هذه الإ�صابة(((‪.‬‬
‫التهابات بولي ٍة بكافة �أ�شكالها‪ ،‬وقد قام �أحد العلماء الأمريكان‬
‫ٍ‬ ‫‪ -‬ي�س ّبب وجود ال ُقلفة �إحداث‬
‫بدرا�س ٍة‪ ،‬ا�ستنتج من خاللها �أنه �إذا ّمت ختان جميع الأطفال‪ ،‬ف�إن ن�سبة الإ�صابة بالتهابات‬
‫املجاري البولية �سوف ت�شفى بحوايل ‪� 50‬ألف حالة �سنوي ًا‪.‬‬
‫‪ -‬ن�سبة الإ�صابة بالأمرا�ض اجلن�سية كال�سفل�س والإيدز وال�سيالن عند غري املختونني‪� ،‬أكرث‬
‫علمي‪� ،‬أنَّ ن�سبة �إ�صابة‬
‫ب�شكل ٍ‬
‫أ�ضعاف من ن�سبتها عند املختونني‪ .‬ومن الأمور التي �أثبتت ٍ‬ ‫بثالثة � ٍ‬
‫غري املختونني ب�سرطان الق�ضيب مرتفعة جد ًا مقارن ًة عن ن�سبتها عند املختونني‪ ،‬حتى �إن �أحد‬
‫العلماء �أح�صى ‪� 1103‬إ�صاب ًة ب�سرطان الق�ضيب‪ ،‬ومل يوجد بني امل�صابني � ّأي �شخ�ص خمتون‪.‬‬

‫ال ُقلفة‪ :‬هي اجللدة على َ‬


‫احل�شفة‪ ،‬ويقال للغالم قبل �أن يخنت �أقلف‪.‬‬ ‫((( ‬

‫‪70‬‬
‫علماء غربيون يتحدثون عن �أهمية ختان الذكور‪:‬‬
‫ري من �أطبائهم‬ ‫اكت�شف الغربيون م� ّؤخر ًا �أهمية ختان الذكور ومنافعه ال�صحية‪ ،‬وبات كث ٌ‬
‫حمالت �شعواء‪ ،‬على اعتبار �أنهم كانوا‬‫ٍ‬ ‫ي�شجعون عليه عند الوالدة‪ ،‬بعد �أن كانوا ي�ش ّنون عليه‬ ‫ِّ‬
‫�صارخا حلقوق الطفل‪ ،‬ففي عام ‪1995‬م ن�شر الربف�سور ويز ويل بحث ًا طبي ًا قال‬ ‫ً‬ ‫يرونه انتهاك ًا‬
‫فيه‪ :‬لقد كنتُ من �أ�ش ّد �أعداء اخلتان‪ ،‬و�شاركتُ يف اجلهود التي بذلت عام ‪1975‬م �ضد �إجرائه‪،‬‬
‫�إال �أنه يف بداية الثمانينات �أظهرت الدرا�سات الطبية زياد ًة يف ن�سبة حوادث التهابات املجاري‬
‫دقيق للأبحاث التي ن�شرت‪ ،‬و�صلتُ �إىل‬ ‫متحي�ص ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫البولية عند الأطفال غري املختونني‪ ،‬وبعد‬
‫نتيج ٍة خمالف ٍة‪ ،‬و�أ�صبحتُ من �أن�صار جعل اخلتان �أمر ًا روتيني ًا يجب �أن يجرى لكل مولود‪.‬‬
‫هذه ال�صرخات العلمية املكت�شفة م� ّؤخر ًا تثبت �أنَّ الفطرة الب�شرية ال تتغري على مدى‬
‫�صح ِة الب�شر و�سالمتهم‪ ،‬وهي دعو ٌة‬ ‫الع�صور‪ ،‬و�أنَّ دعوة الأنبياء �إىل اخلتان هي دعو ٌة �إىل ّ‬
‫تتما�شى مع الفطرة التي فطر اهلل النا�س عليها‪.‬‬
‫ومبنا�سبة احلديث عن اخلتان‪ ،‬ي�ؤكد بع�ض الباحثني يف تاريخ الب�شرية �أنَّ اخلتان كان‬
‫معروف ًا و�شائع ًا يف كث ٍري من احل�ضارات‪ ،‬كاحل�ضارة البابلية وال�سومرية والفرعونية‪ ،‬كما �أنَّ‬
‫للرب‪.‬‬
‫الديانة اليهودية دعت �إىل اخلتان‪ ،‬فقد جاء يف �سفر التثنية‪ :‬اختتنوا ّ‬
‫�أما يف امل�سيحية‪ ،‬ف�إنَّ علماءهم يقرون ب�أنَّ الأ�صل يف امل�سيحية هو ختان الذكور‪ ،‬ولكنَّ‬
‫القدي�س بول�س �ألغى هذا الأمر بالن�سبة للوثنيني الذين يريدون الدخول يف امل�سيحية‪ ،‬ليبقى‬
‫واجب ًا فقط يف حق اليهود امل�سيحيني‪.‬‬
‫  ‬
‫يلخ�ص الأطباء فوائد ختان الذكور فيما يلي‪:‬‬ ‫ّ‬
‫‪ .1‬يقي الذكو َر من التهابات املجاري البول ّية املو�ضع ّية‪.‬‬
‫وقائي ها ٌم من الإ�صابة بالكثري من الأمرا�ض اجلن�سية‪.‬‬ ‫‪ .2‬له دو ٌر ّ‬
‫‪ .3‬يقي الذكو َر من الإ�صابة ب�سرطان الع�ضو التنا�سلي‪.‬‬

‫  ‬

‫‪71‬‬
‫حكم ال�شرع يف ختان الذكور‪:‬‬
‫واجب‪ ،‬ي�أثم من يرتكه‪ِ ،‬ل َق ْو ِل ِه َت َعالىَ ‪:‬‬
‫فر�ض ٌ‬ ‫ذهب ال�شافعية واحلنبلية �إىل �أنَّ ختان الذكر ٌ‬
‫﴿ ُث َّم �أَ ْو َح ْي َنا �إ َل ْيك �أَنْ ا َّت ِب ْع ِم َّل َة �إ ْب َر ِاه َيم َح ِني ًفا﴾(((‪ ،‬وقد ورد يف ال�س َّنة ال�صحيحة �أنَّ �إبراهيم عليه‬
‫اتباعه يف االختتان‪.‬‬ ‫ال�سالم اختنت‪ ،‬وهو ابن ثمانني �سن ًة(((‪ ،‬وا ِّتبا ُع م َّلته يعني (يف جملة ما يعني) َ‬
‫بينما ذهب احلنفية واملالكية �إىل �أنَّ اخلتانَ �س َّنة‪ ،‬وا�ستدلوا بقول النبي ‪ :‬اخلتان �س َّن ٌة للرجال‬
‫مكرم ٌة للن�ساء(((‪ ،‬ومعنى كونه �س َّن ًة �أنَّ َمن َفعله يثاب‪َ ،‬ومن تَركه ال يعا َقب‪ ،‬ولكن ال يجدر بامل�سلم‬
‫�أن يرتك �س َّنة النبي ‪ ‬تهاون ًا بدون عذرٍ‪.‬‬
‫يدل على‬ ‫رجح كثري من �أهل العلم القول ب�سن ّية اخلتان لعدم ورود دليل �صحيح و�صريح ّ‬ ‫وقد ّ‬
‫فر�ض ّيته‪.‬‬
‫ب�سن َّية اخلتان (ال فر�ض ّيته) مو�ضو ٌع ها ٌم يف حقّ من يريد الدخول يف الإ�سالم وهو‬ ‫والقول ُ‬
‫كبري ال�سن‪ ،‬لأن هناك من الدعاة املعا�صرين من ي�ص ّنف االختتان يف مرتب ٍة تكاد توازي �شهادة‬
‫�أن ال �إله �إال اهلل و�أنَّ حممد ًا ر�سول اهلل‪ ،‬ويرى �أنَّ �إ�سالم املرء ال ي�صح �إن مل يختنت‪ ،‬مما يدفع‬
‫ببع�ض من يريد اعتناق الإ�سالم للرتاجع عن ذلك خوف ًا وهرب ًا من هذا ال�شرط‪.‬‬
‫  ‬
‫ختان الإناث‪:‬‬
‫ختان الذكور �أم ٌر �شائ ٌع يف البلدان الإ�سالمية‪ ،‬وفوائده �أم ٌر حم�سو ٌم لدى الأطباء وعلماء‬
‫خمتلف بالن�سبة خلتان الإناث‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ال�شريعة‪ ،‬ولكنَّ الأمر‬
‫قد ي�ستغرب بع�ض الق َّرا ِء احلديث عن ختان الإناث‪ ،‬ويت�ساءلون م�ستنكرين‪ :‬وهل هناك‬
‫ختا ٌن للإناث؟!‬
‫ولدى �إجابتنا بالإيجاب‪ ،‬يطرحون الأ�سئلة التالية‪:‬‬

‫�سورة النحل‪� :‬آية ‪.123‬‬ ‫((( ‬


‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب بدء اخللق ـ باب قوله تعاىل‪(:‬واتخذ اهلل �إبراهيم‬ ‫((( ‬
‫خليال)‪ ،1224/3:‬وم�سلم يف �صحيحه ـ كتاب الف�ضائل ـ باب من ف�ضائل �إبراهيم اخلليل ‪.1839/4 :‬‬ ‫ً‬
‫حديث �ضعيف‪� .‬أخرجه �أحمد يف م�سنده ـ حديث �أ�سامة الذهلي‪ ،75/5 :‬ويف �إ�سناده احلجاج بن �أرط�أة وهو‬ ‫((( ‬
‫�ضعيف ‪ ،‬والبيهقي يف �سننه الكربى‪ 325/8 :‬وقال ‪� :‬إ�سناده �ضعيف‪ ،‬والطرباين يف املعجم الكبري عن ابن عبا�س و�شداد بن �أو�س‪،‬‬
‫ويف �إ�سناده انقطاع‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫‪ -‬ما هو ختان الإناث؟‬
‫فر�ض �أم �س َّن ٌة �أم مكروه؟!‬
‫‪ -‬وما حكم ال�شرع فيه‪ :‬هل هو ٌ‬
‫‪ -‬وهل خلتان الإناث فوائد كفوائد ختان الذكور؟‬
‫منت�شر يف كث ٍري من‬
‫ٍ‬ ‫معروف �أو‬
‫ٍ‬ ‫�سبب هذا اال�ستغراب يف الواقع هو �أنَّ ختان الإناث غري‬
‫البلدان البارد ِة �أو معتدل ِة املناخ‪ ،‬ولكنه منت�ش ٌر انت�شار ًا وا�سع ًا‬
‫ِ‬ ‫البلدان الإ�سالمية‪ ،‬وخ�صو�ص ًا يف‬
‫يف البلدان احلا َّرة واال�ستوائية‪ ،‬كم�صر وال�سودان وجيبوتي وال�صومال واليمن و�أندوني�سيا‬
‫وماليزيا وغريها‪.‬‬
‫  ‬
‫عند احلديث عن ختان الإناث علينا �أن من ّيز بني نوعني من هذا اخلتان‪:‬‬
‫اخلفا�ض)‪.‬‬ ‫ختان ال�س ّنة (وي�س ّمى عند الفقهاء‪ِ :‬‬‫‪ِ .1‬‬
‫اخلتان الفرعوين (وهو ت�شوي ٌه متع َّم ٌد للأع�ضاء التنا�سلية)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪.2‬‬
‫فماذا يعني ك ٌّل منهما؟! وما الفرق بينهما؟‬
‫وما حكم ال�شرع فيهما؟‬
‫  ‬
‫ختان ال�س َّنة (اخلِفا�ض)‪:‬‬
‫ب�سيط من جلد ال َب َظر‪ ،‬وال َب َظر هو‬ ‫ٍ‬ ‫باخلفا�ض‪ ،‬وهو قطع جزءٍ‬ ‫نبد�أ بختان ال�س َّنة‪ ،‬وي�س ّمى ِ‬
‫اجلزء الظاهر من الأع�ضاء التنا�سلية عند الأنثى‪ ،‬وهو ع�ض ٌو ملي ٌء بالأوعية الدموية �شديد ِة‬
‫احل�سا�سية‪.‬‬
‫  ‬
‫ختان ال�س ّنة (اخلِفا�ض) من الناحية الطبية‪:‬‬
‫عندما نتحدث عن ختان الإناث امل�س ّمى بختان ال�سنة‪ ،‬نرى �أنه من املفيد معرفة الر�أي‬
‫لبيان فوائده �إن كان له فوائد‪ ،‬وم�ضا ِّره �إن كانت له م�ضا ّر‪.‬‬ ‫الطبي فيه‪ِ ،‬‬
‫(اخلفا�ض) ملا له من فوائد �صحي ٍة‬ ‫اختالف بني الأطباء ما بني م� ٍؤيد خلتان ال�سنة ِ‬ ‫ٌ‬ ‫جرى‬
‫وم�ستنكر له باعتبار �أن هناك �أ�ضرار ًا ج�سدي ًة ونف�سية‪ُ ،‬يلحقها‬ ‫ٍ‬ ‫معار�ض‬
‫ٍ‬ ‫على الأنثى‪ ،‬وما بني‬

‫‪73‬‬
‫هذا اخلتان بها‪ ،‬مع اعرتافهم ب�أنَّ �أ�ضرار ختان ال�س َّن ِة �أقل بكث ٍري من �أ�ضرار اخلتان الفرعوين‪،‬‬
‫الذي �سنتحدث عنه الحق ًا‪.‬‬
‫(اخلفا�ض) فوائد عديدة‪ ،‬منها �أنه‬ ‫�إال �أن �أغلب الأطباء امل�سلمني ي�ؤ ّكدون �أنَّ خلتان الأنثى ِ‬
‫يقيها من االلتهابات اجلرثومية التنا�سلية‪ ،‬و�أنه يخ ّفف ال�شهوة الزائدة عندها‪ ،‬فيعيدها �إىل ح ّد‬
‫التوازن واالعتدال‪.‬‬
‫يقول الطبيب الدكتور حممد علي البار عن ختان ال�س َّنة‪ :‬فيه ذهاب ال ُغل َمة وال�ش َب ِق (ال�شهوة)‬
‫عن املر�أة‪ ،‬وفيه وقاي ٌة من االلتهابات اجلرثومية‪ ،‬التي تتج ّمع حتت ال ُقلفة النامية‪.‬‬
‫ويقول الطبيب الدكتور حامد الغوابي �أثناء حديثه عن فوائد ختان الإناث‪ :‬اخلتان يق ّلل‬
‫احل�سا�سية املفرطة لل َبظر‪ ،‬ومينع تراكم مفرزات ال�شفرين ال�صغريين‪ ،‬حيث توجد هذه‬
‫املفرزاتُ عند الأنثى القلفاء (غري املختونة)‪ ،‬وتتز ّنخ فتنبعث منها رائح ٌة كريهة‪ ،‬وقد ت�ؤدي‬
‫حاالت كثري ًة �سببها عدم �إجراء اخلتان عند امل�صابات‪ .‬ويقول‬ ‫ٍ‬ ‫�إىل التهاب املهبل‪ ،‬وقد ر�أيتُ‬
‫د‪ .‬مازن حيدر االخت�صا�صي يف الأمرا�ض التنا�سلية‪ :‬ختان ال�سنة هو ا�ستئ�صال جزءٍ من اجللد‬
‫يغطي ال َبظر عند الفتيات‪ ،‬وهذا اخلتان قد يكون مفيد ًا للفتاة وخ�صو�ص ًا يف بع�ض البالد‬ ‫الذي ّ‬
‫الإفريقية‪ ،‬التي يكون فيها البظر �شديد النمو عند بع�ض الفتيات‪ ،‬ويف هذه احلالة قد يكون من‬
‫يتم‬‫ال�ضروري ا�ستئ�صال جزء منه لإعادة الفتاة �إىل احلياة اجلن�سية ال�سو ّية‪ ،‬ولكن يجب �أن ّ‬
‫خمت�ص م� ّؤه ٍل للقيام بهذه العملية بو�سائل حديثة‬ ‫ٍ‬ ‫حتديد هذه ال�ضرور َة بناء على خربة ٍ‬
‫طبيب‬
‫ومع ّقمة‪.‬‬
‫وقد ُق ّدمت يف امل�ؤمتر الطبي الإ�سالمي الذي ُعقد للحديث عن ال�شريعة والق�ضايا املعا�صرة‬
‫اخلفا�ض‪.‬‬ ‫بحوث عديد ٌة‪ ،‬تتعر�ض للفوائد الطب ّية خلتان الإناث بطريقة ِ‬ ‫عام ‪ٌ 1987‬‬
‫  ‬
‫حكم ال�شرع يف ختان الإناث (اخلفا�ض)‪:‬‬
‫اخلفا�ض متييز ًا‬‫ذهب جميع الفقهاء �إىل م�شروعية ختان الأنثى‪ ،‬و�أطلق عليه البع�ض ا�سم ِ‬
‫له عن ختان الذكور‪� ،‬أما ت�سميته بختان ال�س َّنة فهي ت�سمي ٌة م�ستحدث ٌة للتمييز بينه وبني اخلتان‬
‫الفرعوين‪ ،‬الذي انت�شر م�ؤخر ًا يف بع�ض البلدان العربية والإ�سالمية‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫وا�ستدل الفقهاء على م�شروعية ختان الأنثى ب�أنَّ النبي ‪ ‬قال ل ِّأم عط َّية (وهي �سيد ٌة كانت‬
‫إ�شمام هو االكتفاء ب�أدنى ال�شيء‪� ،‬أي �أن َيفعل‬ ‫تخنت الن�ساء يف زمانه)‪� :‬أ�ش ّمي وال ُتنهكي(((‪ .‬وال ُ‬
‫إنهاك هو الهتك واملبالغة وجتاو ُز‬ ‫الإن�سان ال�شي َء‪ ،‬وك�أنه مل يفعله ل�شد ِة لطفه ورقته يف فعله‪ ،‬وال ُ‬
‫احل ّد �إىل درجة الإ�ساءة‪ ،‬ووجه اال�ستدالل باحلديث يكمن يف �أنَّ النبي ‪ ‬مل ين َه � َّأم عطية عن‬
‫وجهها لتقوم به بطريق ٍة �صحيح ٍة لطيفة‪ .‬كما ا�ستدل الفقهاء على م�شروعية ختان‬ ‫اخلتان‪ ،‬لكنه َّ‬
‫الأنثى بقول النبي ‪ :‬اخلتان �سن ٌة للرجال مكرم ٌة للن�ساء(((‪ ،‬وبقوله‪� :‬إذا ّ‬
‫م�س اخلتانُ اخلتانَ‬
‫وجب ال ُغ�سل(((‪.‬‬
‫وعلى الرغم من اتفاق الفقهاء على م�شروعية ختان الأنثى (اخلفا�ض)‪� ،‬إال �أنهم اختلفوا‬
‫يف حتديد نوع احلكم التكليفي‪ ،‬فذهب ال�شافعية �إىل �أنه واجب ي�أثم من ال يقوم به‪ ،‬بينما ذهب‬
‫احلنفية �إىل �أنه �س ّنة‪ ،‬يف حني ر�أى احلنابلة واملالكية �أنه َمك ُرم ٌة م�ستحب ٌة للأنثى‪ ،‬واال�ستحباب‬
‫يثاب فاعلها وال يعا َق ُب تاركها‪ ،‬وال كراهية يف تركها‪،‬‬ ‫درج ٌة يف الت�شريع �أدنى من درج ِة ال�س ّنة‪ُ ،‬‬
‫ترك ال�سنة امل�ؤ ّكدة‪ ،‬والكراهية تعني مثوبة من يرتك املكروه‪،‬‬ ‫لأنها �س َّن ٌة غري م�ؤكد ٍة‪ ،‬يف حني ُيك َر ُه ُ‬
‫دون �أن يلحق الفاعل للمكروه �إثم �أو عقوبة‪ ،‬ولكن قد يالم من قبل النبي ‪ ‬لرتكه ال�سنة التي‬
‫اخلفا�ض‪ ،‬ما‬ ‫حثّ عليها النبي‪ ،‬وعدم اهتمامه بها‪�.‬إذن اختلف الفقهاء يف حكم ختان الإناث �أو ِ‬
‫وم�ستحب له كاملالكية واحلنبلية‪ ،‬ومعت ٍرب �إياه �س َّن ًة كاحلنفية‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫موجب له كال�شافعية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بني‬
‫مبني على مدى ثبوت الأدلة و�صحتها لديهم‪ ،‬وعلى طريقة فهمهم‬ ‫و�سبب اختالفهم هذا ٌ‬
‫ٌ‬
‫�ضعيف‪،‬‬ ‫لها‪ ،‬فبينما ر�أى ال�شافعية �أنَّ حديث‪ :‬اخلتان �سن ٌة للرجال مكرم ٌة للن�ساء(((‪ ،‬هو حديثٌ‬
‫أ�سا�سي يف ا�ستنباط احلكم‪.‬‬
‫ب�شكل � ٍ‬‫اعتمد املالكية واحلنابلة عليه ٍ‬
‫  ‬
‫حديث �ضعيف‪� .‬أخرجه �أبو داود يف �سننه ـ كتاب الأدب ـ باب ما جاء يف اخلتان‪ ،368/4:‬واحلاكم يف امل�ستدرك‪:‬‬ ‫((( ‬
‫ح�سن �إ�سناد الطرباين يف جممع‬
‫ّ‬ ‫قد‬ ‫الهيثمي‬ ‫كان‬ ‫إن‬ ‫�‬ ‫و‬ ‫‪،368/2‬‬ ‫أو�سط‪:‬‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫يف‬ ‫والطرباين‬ ‫‪،324/8‬‬ ‫الكربى‪:‬‬ ‫يف‬ ‫والبيهقي‬ ‫‪،603/3‬‬
‫الزوائد‪� ،172/5 :‬إال �أن احلافظ ابن حجر ذكر احلديث يف التلخي�ص احلبري ‪ ،223/5‬و�أورد طرقه جميعها وبني موا�ضع العلة‬
‫فيها‪ ،‬ثم �أثبت قول ابن املنذر‪ “ :‬لي�س يف اخلتان حديث ُيرجع �إليه �أو �سن ٌة تتبع”‪.‬‬
‫�سبق تخريجه يف �ص‪.72‬‬ ‫((( ‬
‫طرف من حديث �صحيح‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب احلي�ض ـ باب ن�سخ املاء من املاء ووجوب الغ�سل بالتقاء‬ ‫((( ‬
‫اخلتانني‪.271/1 :‬‬
‫�سبق تخريجه يف �ص‪.72‬‬ ‫((( ‬

‫‪75‬‬
‫�آراء الفقهاء املعا�صرين يف ختان ال�س ّنة (اخلِفا�ض)‪:‬‬
‫قليل �إنَّ الأطباء انق�سموا ما بني م� ٍؤيد خلتان ال�سنة ملا له من فوائد �صح ّية على‬‫قلنا قبل ٍ‬
‫وم�ستنكر له‪ ،‬على اعتبار �أنَّ هناك �أ�ضرار ًا ج�سدي ًة ونف�سية ُيلحقها هذا‬
‫ٍ‬ ‫معار�ض‬
‫ٍ‬ ‫الأنثى‪ ،‬وما بني‬
‫النوع من اخلتان بالأنثى‪ ،‬مع اعرتافهم ب�أن �أ�ضرار ختان ال�سنة �أقل بكثري من �أ�ضرار اخلتان‬
‫الفرعوين‪.‬‬
‫ولقد �أثار امل�ستنكرون للختان بجميع �أنواعه �ضج ًة �إعالمي ًة كبري ًة‪ ،‬واتهموا الإ�سالم ب�أنه وراء‬
‫فقهي يف القاهرة عام ‪2006‬م بالتعاون مع االحتاد‬ ‫ؤمتر ٍ‬
‫أوجب عقد م� ٍ‬
‫الإ�ساءة للإناث والأنوثة‪ ،‬مما � َ‬
‫العاملي يف �أملانيا ملكافحة ت�شويه الأع�ضاء التنا�سلية للأنثى‪ ،‬حتت عنوان‪ :‬خطر انتهاك ج�سد املر�أة‪.‬‬
‫ني عليها‬ ‫وقد �أعاد بع�ض الفقهاء املعا�صرين يف هذا امل�ؤمتر النظ َر يف الن�صو�ص ال�شرعية التي ُب َ‬
‫(اخلفا�ض)‪ ،‬ومن ه�ؤالء الفقهاء الدكتور يو�سف القر�ضاوي‪ ،‬والدكتور علي‬ ‫ُحكم ختان ال�س ّنة ِ‬
‫وزير‬
‫جمعة مفتي م�صر‪ ،‬والدكتور حممد �سيد طنطاوي �شيخ الأزهر‪ ،‬والدكتور حمدي زقزوق ِ‬
‫الأوقاف امل�صري‪ ،‬وخرج ه�ؤالء الفقهاء بالنتائج التالية‪:‬‬
‫‪� .1‬ضعف احلديثني اللذين ا�ستند �إليهما الفقهاء القدامى ب�ش�أن ختان الإناث‪ :‬حديث �أم‬
‫عطية‪� :‬أ�ش ّمي وال تنهكي(((‪ ،‬وحديث‪ :‬اخلتان �س َّن ٌة للرجال َمك ُرم ٌة للن�ساء(((‪ ،‬ويف هذا يقول ابن‬
‫املنذر‪ ،‬وهو �أحد العلماء القدامى املعتربين يف علم احلديث‪ :‬مل ي�صح يف م�س�ألة ختان الأنثى‬
‫حديثٌ ‪.‬‬
‫وهذا ال�ضعف يف �أ�سانيد الأحاديث‪ ،‬التي ا�ستند �إليها الفقهاء القدامى عند بحثهم حلكم‬
‫ال�شرع يف ختان الأنثى‪ ،‬يبيح للفقهاء املعا�صرين �إعاد َة النظر يف املو�ضوع لإعادة ا�ستنباط‬
‫احلكم ال�شرعي بخ�صو�صه‪.‬‬
‫م�س اخلتانُ اخلتانَ وجب ال ُغ�سل(((‪،‬فال يدل على وجوب ختان‬ ‫‪� .2‬أما احلديث ال�صحيح‪� :‬إذا ّ‬
‫الأنثى �أو ا�ستحبابه‪ ،‬بل على جوازه فقط‪.‬‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.76‬‬ ‫((( ‬


‫�سبق تخريجه يف �ص‪.72‬‬ ‫((( ‬
‫طرف من حديث �صحيح‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب احلي�ض ـ باب ن�سخ املاء من املاء ووجوب الغ�سل بالتقاء‬ ‫((( ‬
‫اخلتانني‪.271/1 :‬‬

‫‪76‬‬
‫‪ .3‬ق�ضية ختان الأنثى ق�ضي ٌة تابع ٌة للأعراف والعادات االجتماعية املباحة‪ ،‬ولي�ست من‬
‫الق�ضايا التعبدية املطلوبة‪ ،‬ويف هذا يقول الدكتور القر�ضاوي‪:‬‬
‫�شرعي (�صحيح) بوجوب ختان الإناث وال با�ستحبابه‪ ،‬وهو �أم ٌر قاب ٌل للتغيري‪،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ن�ص‬‫مل يجئ ٌّ‬
‫قطر �آخر‪ ،‬ولهذا ر�أينا عدد ًا‬
‫ع�صر �أو ٍ‬
‫قطر‪ ،‬قد ال يعترب كذلك يف ٍ‬ ‫فما يعترب َمك ُرم ًة يف ٍ‬
‫ع�صر �أو ٍ‬
‫من �أقطار امل�سلمني ال ُتخنت ن�سا�ؤهم‪ ،‬مثل بالد اخلليج العربي (رغم �أنهم كانوا يختنون يف‬
‫ومعظم دول ال�شمال الإفريقي‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ال�سابق)‪ ،‬وبال ِد ال�شام‬
‫املروي عن النبي ‪� ‬أنه قال لأم عطية‪�( :‬أ�ش ّمي‬ ‫ّ‬ ‫كما ع ّقب الدكتور القر�ضاوي على احلديث‬
‫وال تنهكي)(((‪:‬‬
‫إر�شاد يفيد‬
‫إنهاك هو �أمر � ٍ‬‫لو �س ّلمنا ب�صحة هذا احلديث‪ ،‬ف�إنَّ �أم َر النبي لها بالإ�شمام ال بال ِ‬
‫دنيوي‬
‫الإباحة‪ ،‬ولي�س فيه ما يدل على الوجوب �أو الندب واال�ستحباب‪ ،‬لأنه يتعلق بتدب ٍري �أمر ٍّ‬
‫وحتقيق م�صلحة ب�شري ٍة‪ ،‬وهذا مما ينطبق عليه قول النبي ‪� :‬أنتم �أعلم ب�أمور دنياكم(((‪.‬‬
‫‪ .4‬ختان الأنثى (اخلفا�ض) هو عاد ٌة اجتماعي ٌة �أ ّق ّرها الإ�سالم و�أباحها‪ ،‬ومل يجعلها‬
‫واجب ًا �أو فر�ض ًا‪ ،‬وبالتايل ال ينبغي الت�شنيع على من يقوم به على وجهه امل�شروع‪ ،‬وخ�صو�صا �إذا‬
‫حاالت فردي ٍة لدى بع�ض الإناث‪ ،‬يفيدها اخلفا�ض‪� ،‬أما اخلتان‬ ‫ٍ‬ ‫�أق ّر الطبيب وجود �ضرور ٍة يف‬
‫يتم فيه ت�شويه الأع�ضاء الأنثوية والإ�ساءة �إليها‪ ،‬فهو حرا ٌم ب�إجماع الفقهاء‪.‬‬ ‫الفرعوين الذي ّ‬
‫م�شاف ومراكز �صحية‪ ،‬و�أن تكون‬ ‫ٍ‬ ‫عيادات �أو‬
‫ٍ‬ ‫يتم يف‬
‫‪ .5‬ي�شرتط جلواز �إجراء اخلفا�ض �أن ّ‬
‫الأدوات امل�ستخدمة معقم ًة و�سليمة‪ ،‬و�أن يبا�شر اخلتانَ طبيباتٌ متخ�ص�صاتٌ ثقات‪( ،‬ف�إن مل‬
‫يوجد‪ ،‬ف�أطبا ٌء ثقاتٌ متخ�ص�صون)‪.‬‬
‫خمتونات غ ِري‬
‫ٍ‬ ‫‪ .6‬ال عالقة خلتان الأنثى بعفتّها فيما بعد‪ ،‬ال �سلب ًا وال �إيجاب ًا‪ ،‬فكم من‬
‫عفيفات غ ِري خمتونات‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫عفيفات‪ ،‬وكم من‬
‫  ‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.76‬‬ ‫(( (‬


‫�سبق تخريجه يف �ص‪.50‬‬ ‫((( ‬

‫‪77‬‬
‫اخلتان الفرعوين‪:‬‬
‫اخلتان الفرعوين هو اخلتان الذي كان موجود ًا يف زمن رم�سي�س الثاين يف الألف الأوىل قبل‬
‫امليالد‪ ،‬وهو يعتمد على ت�شويه الأع�ضاء التنا�سلية الظاهرية للأنثى عن طريق قطعها بكاملها‪،‬‬
‫�أو قطع �أجزاء كبري ٍة منها‪.‬‬
‫وينت�شر اليوم هذا النوع من اخلتان يف بع�ض الدول الإ�سالمية كال�سودان وال�صومال وجيبوتي‬
‫وم�صر واليمن و�أندوني�سيا وماليزيا وغريها‪.‬‬
‫ري منها دو ٌل غري‬ ‫وي�ؤكد الباحثون �أن اخلتان الفرعوين ينت�شر يف ‪ 28‬دولة يف �أفريقيا‪ ،‬كث ٌ‬
‫�إ�سالمية‪ ،‬وت�شري الإح�صائيات �إىل �أن هناك حوايل ‪ 140‬مليون امر�أة خمتونة يف العامل‪،‬‬
‫باخلتان الفرعوين‪ ،‬ولئن بدا هذا الرقم‬ ‫ٍ‬ ‫خمتونات باخلفا�ضِ (ختان ال�سنة) �أو‬
‫ٍ‬ ‫عات ما بني‬‫مو ّز ٍ‬
‫تقريبي �إىل العدد الكبري من الن�ساء اللواتي يخ�ضعن‬ ‫ّ‬ ‫كبري ًا �أو مبالغ ًا فيه‪� ،‬إال �أنه ي�شري ب�شكل‬
‫لعملية اخلتان‪.‬‬
‫  ‬
‫الر�أي الطبي يف اخلتان الفرعوين‪:‬‬
‫اتفق الأطباء على الأ�ضرار اجل�سيمة التي ي�سببها اخلتان الفرعوين للإناث‪ ،‬وال نعلم �أنَّ‬
‫هناك خالف ًا بينهم حول هذه الأ�ضرار‪.‬‬
‫يتحدث الدكتور مازن حيدر (االخت�صا�صي يف الأمرا�ض التنا�سلية) عن هذا املو�ضوع فيقول‪:‬‬
‫يق�سم اخلتان الفرعوين �إىل درجات‪ :‬خفيف ٍة‪ ،‬ومتو�سط ٍة‪ ،‬و�شديد ٍة (بل و�شنيع ٍة)‪.‬‬
‫ال�شفرين ال�صغريين‪.‬‬ ‫• يف الدرجة اخلفيفة يتم قطع البظر مع جزءٍ من ّ‬
‫• ويف الدرجة املتو�سطة يتم قطع البظر مع ال�شفرين ال�صغريين وال�شفرين الكبريين‪� ،‬أي‬
‫تقريب ًا قطع مدخل التنا�سل عند املر�أة‪.‬‬
‫خاط فتحة‬ ‫ال�شفرين الكبريين وال�صغريين بالكامل‪ ،‬و ُت ُ‬ ‫• �أما يف الدرجة ال�شديدة ّ‬
‫فيتم قطع ّ‬
‫رتك فتح ٌة �صغري ٌة خلروج البول‪ ،‬وفتح ٌة �أخرى خلروج دم احلي�ض‪.‬‬ ‫ال�شفرين ال�صغريين‪ ،‬و ُت ُ‬

‫‪78‬‬
‫�أما �أ�ضرار هذا اخلتان فعديدة‪ ،‬وترتاوح بني �أ�ضرا ٍر ج�سدي ٍة و�أخرى نف�سي ٍة‪ ،‬فقد يت�س ّبب‬
‫اخلتان الفرعوين ب�صدم ٍة من �شدة النزف‪ ،‬لأنه من املعروف �أنَّ البظر وال�شفرين ال�صغريين‬
‫والكبريين هي من الأع�ضاء التنا�سلية ذات الأوعية الدموية الكثيفة والدقيقة‪ .‬وال�شيء الثاين‬
‫�أنه ي�ؤدي �إىل �صدم ٍة نف�سي ٍة‪ ،‬قد ت�سبب يف امل�ستقبل �إعاق ًة ج�سدي ًة‪ ،‬كالربود اجلن�سي واخلوف‬
‫من اجلن�س �أو كرهه‪.‬‬
‫هذا من ناحية‪ ،‬ومن ناحي ٍة �أخرى ف�إنَّ ا�ستخدام الأدوات غري املع ّقمة وب� ٍأيد غري خبري ٍة قد‬
‫التهابات �شديد ًة عند الفتاة‪ ،‬مما ي�ؤدي �إىل العقم يف امل�ستقبل‪ ،‬وقد وجد الباحثون �أن‬ ‫ٍ‬ ‫ي�سبب‬
‫‪20‬ـ ‪ % 25‬من �أ�سباب العقم تعود �إىل اخلتان الفرعوين يف البلدان التي متار�س هذا النو َع من‬
‫اخلتان‪.‬‬
‫  ‬
‫يلخ�ص الأطباء �أ�ضرار اخلتان الفرعوين مبا يلي‪:‬‬ ‫ّ‬
‫‪ُ .1‬ي�ضعف املر�أة من الناحية اجلن�سية‪ ،‬وي�ؤ ّثر �سلب ًا على حياتها الزوجية‪.‬‬
‫حب�س البول ودم احلي�ض‪.‬‬ ‫‪ .2‬ي�ؤذي اجلهاز البويل‪ ،‬وي�سبب َ‬
‫آالم �شديد ٍة �أثناء املعا�شرة الزوجية واحلي�ض والوالدة‪.‬‬‫‪ .3‬ي�ؤ ّدي �إىل �صعوب ٍة ممزوج ٍة ب� ٍ‬
‫‪ .4‬يرتك �آثار ًا نف�سي ًة �سيئ ًة على املر�أة‪ ،‬منها ال�شعور الدائم باالكتئاب والتوتر الع�صبي‪.‬‬
‫‪ .5‬ي�ؤدي �أحيان ًا �إىل وفاة الفتاة ب�سبب النزف ال�شديد‪.‬‬
‫‪ .6‬ي�س ّبب �إ�صابة املر�أة بالعقم يف بع�ض الأحيان‪.‬‬
‫  ‬
‫ال�شرعي للختان الفرعوين‪:‬‬ ‫احلكم ّ‬
‫مل يكن هذا النوع من اخلتان م�ستخدم ًا زمن الفقهاء القدامى‪ ،‬ولذلك ال جند يف كتبهم‬
‫بن�سب‬
‫الفقهية �أي تع ّر�ض حلكم ال�شرع فيه‪ ،‬ولكنَّ �شيوعه يف بع�ض البلدان الإ�سالمية فيما بعد ٍ‬
‫عالي ٍة‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل �شيوعه يف كث ٍري من البالد غري الإ�سالمية‪ ،‬دفع الفقهاء املعا�صرين �إىل‬
‫م�ستفي�ض من الناحيتني‪ :‬الطبية وال�شرعية‪ ،‬لي�ستنبطوا حكم ال�شرع فيه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ب�شكل‬
‫درا�سته ٍ‬

‫‪79‬‬
‫وملا كانت الدرا�سات الطبية وا�ضح ًة يف تقريرها للأ�ضرار والت�ش ّوهات التي ي�سببها اخلتان‬
‫الفرعوين للأنثى‪ ،‬فقد خرج الفقهاء املعا�صرون بنتائج مفادها �أنَّ هذا اخلتان حرام‪ ،‬و�أنه بعي ٌد‬
‫ك ّل البعد عن ختان ال�سنة‪ ،‬على خالف ما يعتقده من يقوم به يف بع�ض البالد الإ�سالمية‪.‬‬
‫وتتلخ�ص النتائج التي َخ ُل�ص �إليها الفقهاء املعا�صرون بخ�صو�ص اخلتان الفرعوين مبا‬
‫يلي‪:‬‬
‫ري خللق اهلل تعاىل‪ ،‬وهو من عمل ال�شيطان‪ ،‬وينطبق عليه ما ورد يف‬ ‫‪ .1‬اخلتان الفرعوين تغي ٌ‬
‫القر�آن الكرمي على ل�سان ال�شيطان حيث قال‪َ ﴿ :‬و َ آل ُم َر َّن ُه ْم َف َل ُي َغيرِّ ُ نَّ َخ ْلقَ اللهَِّ ﴾(((‪.‬‬
‫الوا�شمات‬
‫ِ‬ ‫النام�صات واملتن ّم�صات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫كل من يغيرّ خلق اهلل فقال‪ :‬لعن اهلل تعاىل‬ ‫وقد لعن النبي ‪َّ ‬‬
‫املغريات خللق اهلل(((‪ .‬والنام�صة هي التي تزيل �شعر احلاجبني‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫جات للح�سن‪،‬‬‫وامل�ستو�شمات‪ ،‬املتف ّل ِ‬
‫واملتن ّم�صة هي من تطلب �أن ُيفعل بها ذلك‪ .‬والوا�شمة هي التي تغرز الألوان بالإبر حتت اجللد‪،‬‬
‫وامل�ستو�شمة هي من تطلب �أن ُيفعل بها الو�شم‪ .‬واملتف ّلجة هي من تباعد بني �أ�سنانها (الثنايا �أو‬
‫الرباعيات) طلب ًا للح�سن‪ ،‬لأن ال َف َل َج (�أي التباعد بني الأ�سنان) كان من عالمات اجلمال عند العرب‪.‬‬
‫ف�إذا اعترب الإ�سالم فعل هذه الأمور �أمر ًا موجب ًا للعنة اهلل تعاىل‪ ،‬لأنَّ فيها تغيري ًا خللقه الذي‬
‫ارت�ضاه لعباده‪ ،‬فما بالك مبن يفعل اخلتان الفرعوين‪ ،‬وي�ش ّوه الأع�ضاء التنا�سلية للأنثى!!‬
‫بع�ض الذين ي�ؤ ّيدون اخلتان الفرعوين‪ ،‬ي ّدعون �أنَّ يف قطع �أع�ضاء الأنثى الظاهرية التنا�سلية‬
‫�إعان ًة لها على الع ّفة‪ ،‬وقد كذبوا يف هذا‪ ،‬ولو �أراد اهلل تعاىل للمر�أة �أن تكون بال �أع�ضاءٍ تنا�سلي ٍة‬
‫ٌ‬
‫انتهاك‬ ‫ظاهرية‪ ،‬خللقها بدون تلك الأع�ضاء‪ ،‬وطاملا خلق اهلل الأنثى هكذا‪ ،‬ففي �إزالة هذه الأع�ضاء‬
‫ري له عن اخللقة التي ارت�ضى اهلل تعاىل �أن يخلق الأنثى عليها‪.‬‬ ‫حلرمة ج�سد الأنثى‪ ،‬وت�شوي ٌه وتغي ٌ‬
‫ي�شجع على‬ ‫‪ .2‬ر�أى الفقهاء �أنَّ اخلاتن (�أو اخلاتنة) الذي يقوم بهذا العمل‪ ،‬وك َّل من ي�ساعده �أو ّ‬
‫هلل تعاىل‪ ،‬كما يتح ّمل‬ ‫فعله‪ ،‬يرتكب كبري ًة ي�ستحق عليها اللعن‪ ،‬واللعنُ هو الطر ُد من رحمة ا ِ‬
‫الوالدان اللذان يع ِّر�ضان ابنتهما للختان الفرعوين م�س�ؤولية عملهما �أمام اهلل‪ ،‬ولو كانوا يفعلون‬
‫ذلك بني ٍة ح�سنة!‬

‫الن�ساء‪119:‬‬ ‫(( (‬
‫طرف من حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب اللبا�س ـ باب املتفلجات للح�سن ‪ ،2216/5:‬وم�سلم‬ ‫((( ‬
‫يف �صحيحه ـ كتاب اللبا�س والزينة ـ باب حترمي فعل الوا�صلة وامل�ستو�صلة‪1677/3:‬عن عبد اهلل بن م�سعود‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫م�شكلة الكث ٍري من الذين ميار�سون هذا النوع من اخلتانَ ‪� ،‬أنهم يظنون �أنف�سهم يط ّبقون‬
‫ال�شرع احلنيف‪ ،‬وميتثلون لل�سنة النبوية‪ ،‬وهذا يعك�س جهلهم ب�أحكام الدين‪ ،‬فالدين يح ّرم‬
‫هذه االنتهاكات‪ ،‬ويعتربها اعتدا ًء على الإرادة الإلهية‪ ،‬قبل �أن يعتربها اعتدا ًء على الأنثى‪.‬‬
‫والبالد الإ�سالمية التي متار�س هذا اخلتانَ بحاج ٍة �إىل تغيري مفاهيمها اخلاطئة‪ ،‬التي ُتلب�س‬
‫اخلتان الفرعوين لبا�س ال�شرع‪ ،‬وتخلط بينه وبني ختان ال�س َّنة‪ ،‬وتعتربه �أمر ًا ير�ضي اهلل ور�سوله‪،‬‬
‫وهنا تكمن امل�شكلة‪.‬‬
‫ميت �إىل ختان‬ ‫وعلينا لتغيري هذه الثقافة املجتمعية اخلاطئة �أن نبينّ �أن اخلتان الفرعوين ال ّ‬
‫ال�سنة ب�صلة‪ ،‬و�أنه �أم ٌر ي�ؤدي �إىل غ�ضب اهلل تعاىل على من يفعله �أو ي�شارك يف القيام به‪.‬‬
‫‪ .3‬ر�أى الفقهاء املعا�صرون �أنَّ اخلتان الفرعوين جرمي ٌة ت�ستوجب العقوبة التعزيري َة‬
‫َ‬
‫والتعوي�ض املادي‪.‬وقد ا�ستدلوا على هذا مبا �أورده الفقها ُء القدامى يف باب (الد ّيات)‪� ،‬إذ بينوا‬
‫حرمة االعتدا َء على �أع�ضاء املر�أة التنا�سلية الظاهرة‪ ،‬و�أوجبوا على املعتدي الدية كامل ًة‪ ،‬متام ًا‬
‫كمن قتل نف�س ًا ب�شرية‪.‬‬
‫‪ .4‬يجب �سنّ القوانني‪ ،‬التي تعاقب ك ّل من يقوم بهذا اخلتان‪ ،‬ومن ي�ساعد عليه‪.‬‬
‫واحلقيقة �أنه ال بد قبل �سنّ القوانني التي جت ّرم اخلتان الفرعوين من تغيري الثقافة‬
‫املجتمعية‪ ،‬التي ت�ؤيد هذا اخلتان وحتر�ص عليه‪� ،‬إذ ما فائدة القوانني �إذا ّمت التحايل عليها من‬
‫قبل �أفراد املجتمع!‬
‫ق�صة يندى لها اجلبني‪:‬‬ ‫ّ‬
‫ؤمتر يتحدث عن ق�ضايا املر�أة وال�سلوكيات والتقاليد‬ ‫اجتمعتُ مر ًة ب�إحدى ال�سيدات‪ ،‬يف م� ٍ‬
‫اخلاطئة‪.‬‬
‫ذكرت يل تلك ال�سيدة ق�صتها مع اخلتان الفرعوين‪ ،‬وهي ق�ص ٌة يندى لها اجلبني‪ ،‬وتدمع‬
‫لها العينان‪..‬‬
‫حدث يف حياتي‪،‬‬ ‫أهم ٍ‬‫قالت‪ :‬عندما كنتُ يف �سن العا�شرة‪ ،‬ا ّدعى �أهلي �أنهم �سيحتفلون ب� ِّ‬
‫ف�ألب�سوين لبا�س ًا جمي ًال‪ ،‬ففرحتُ به وتباهيتُ على �صديقاتي وقريباتي‪.‬‬
‫بد�أت املدع ّوات تتهافنت �إىل منزلنا‪ ،‬وكنت �أختال �أمامهنَّ بثوبي اجلميل‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫مل يدُم فرحي بهذا الثوب �إال قلي ًال‪� ،‬إذ ُ�سحبتُ بعد ذلك من يدي �إىل غرف ٍة جانبي ٍة‪ ،‬وهناك‬
‫طر�ش من الن�ساء‪ ،‬وبد�أت الزغاريد تنهال من كل جانب‪..‬‬ ‫كان يف ا�ستقبايل ٌ‬
‫كنتُ مذهول ًة ال �أدرك ما يجري‪..‬‬
‫اقرتبت مني خالتي‪ ،‬وبد�أت جت ّردين من مالب�سي‪ ،‬ثم قادتني �إىل ال�سرير‪ ،‬وبد�أت بع�ض‬
‫ورجلي ب�أعمدة ال�سرير!‬
‫ّ‬ ‫يدي‬
‫الن�سوة بربط ّ‬
‫م�شغوالت‬
‫ٍ‬ ‫مل ي�أبه �أح ٌد لتو�سالتي وال لدموعي‪ ..‬ومل ي�سمعن �صراخي ال�شديد‪ ،‬فقد كنَّ‬
‫بالزغردة وحت�ضري امل�شارط‪..‬‬
‫ورجلي‪ ..‬واقرتبت �إحداهنّ مب�شرطها‬ ‫َّ‬ ‫كان املنظر رهيب ًا‪ :‬الن�ساء ُيحطنَ بي ومي�سكن ّ‬
‫يدي‬
‫فظيع‪ ،‬رحتُ �إثره يف غيبوب ٍة من �شدة الأمل‪ ،‬وعندما �أفقتُ ق َّبلتني‬ ‫مني‪ ،‬و�أح�س�ستُ فج�أ ًة ب�أ ٍمل ٍ‬
‫�صرت بنت ًا بجدار ٍة وامتياز!‬
‫�أمي‪ ،‬وهي تهنئني بال�سالمة وتقول‪ :‬الآن ِ‬
‫مل ي�شرح يل �أح ٌد ما جرى‪..‬‬
‫أيام و�أنا مقيد ٌة‪ ،‬وفهمتُ فيما بعد �أين ُختِنتُ ختان ًا فرعوني ًا‪ ،‬و�أنه ّمت ربطي ملدة‬
‫ظللتُ ع�شرة � ٍ‬
‫أيام حتى ال �أنزف‪.‬‬
‫ع�شرة � ٍ‬
‫�أردفت تلك ال�سيد ُة وقد اغرورقت عيناها بالدموع‪ :‬ال �أ�ستطيع �أن �أن�سى ذلك املنظر �أبد ًا‪..‬‬
‫وما زلتُ �أعاين من �آثار ذلك اخلتان! �آال ٌم رهيب ٌة ت�صيبني �أثناء املعا�شرة الزوجية ويف فرتة‬
‫احلي�ض و�أثناء الوالدة والنفا�س‪.‬‬
‫�س�ألتُها‪ :‬هل �ستجرين هذه العملية البنتك يف امل�ستقبل؟!‬
‫فوجئتُ عندما قالت‪ :‬للأ�سف نعم‪� ..‬أنا ال �أ�ستطيع �إال �أن �أجري البنتي عملية اخلتان‬
‫الفرعوين!‬
‫�س�ألتُها بفزع‪ :‬ملاذا؟!‬
‫ب�صوت متهدج‪� :‬أي فتاة ال تجُ رى لها عملية اخلتان‬ ‫ٍ‬ ‫�سكتت هنيه ًة وهي تبتلع �آالمها‪ ،‬ثم �أكملت‬
‫الفرعوين يف بلدي‪ ،‬لن جتد عري�س ًا ير�ضى بها يف امل�ستقبل‪ ،‬و�ستتّهم يف عر�ضها و�شرفها‪ ..‬وهذا‬
‫�أم ٌر خطري!‬
‫‬ ‫‬ ‫‬

‫‪82‬‬
‫تغيري الثقافة املجتمعية التي تتب ّنى اخلتان الفرعوين‪:‬‬
‫هذه الثقافة املجتمعية التي تتب ّنى اخلتان الفرعوين‪ ،‬وتن�سبه �إىل الإ�سالم‪ ،‬هي ثقاف ٌة خاطئة‪،‬‬
‫وت�ضافر �أكرب‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫جهد كب ٍري‬
‫وتغيريها يحتاج �إىل ٍ‬
‫اخلطوة الأوىل تبد�أ بتبيني �أنَّ هذا اخلتان لي�س من ال�شرع الإ�سالمي‪ ،‬و�إمنا هو نو ٌع من‬
‫التقاليد التي ال ير�ضى عنها اهلل تعاىل وال ر�سوله‪ ،‬ولي�ست من الإ�سالم يف �شيء‪.‬‬
‫ثم علينا �أن نقوم بتو�ضيح الأ�ضرار اجل�سدية والنف�سية‪ ،‬التي ت�صيب الأنثى ج ّراء هذا العمل‪،‬‬
‫وذلك وفق ًا لر�أي العلم والطب‪.‬‬
‫هناك دو ٌر ها ٌم لعلماء الدين والطب يف تو�ضيح هذه احلقائق وو�ضع النقاط على احلروف‪،‬‬
‫وهناك دو ٌر �آخر لو�سائل الإعالم بجميع �أنواعها يف تبيني حرمة اخلتان الفرعوين و�أ�ضراره‪،‬‬
‫والدور الأهم يف هذا ملقى على عاتق املتن ّورين من مواطني البلدان التي تتب ّنى اخلتان الفرعوين‪،‬‬
‫وال بد من ت�ضافر كل اجلهود للق�ضاء على هذه العادات والتقاليد املحرمة‪.‬‬
‫  ‬

‫انتهى حديثنا عن ختان الإناث‪ ،‬و�س�أنتقل يف البحث التايل للحديث عن �أمرين �آخرين من‬
‫ق�ص ال�شارب و�إعفاء اللحية‪.‬‬
‫�أمور الفطرة‪ّ :‬‬

‫‪83‬‬
‫إعفاء اللّحية ّ‬
‫وحف الشارب‬
‫حديثنا يف هذه ال�صفحات �سيكون عن اللحية وال�شارب‪ ،‬وهو‬
‫ذكوري بامتياز‪ ،‬وقد يكون من امل�ستغرب �أن يو�ض َع هذا‬
‫ٌ‬ ‫مو�ضوع‬
‫كتاب يتحدث عن فقه املر�أة‪..‬‬
‫البحث يف ٍ‬
‫ال�شوارب وال ِّلحى من‬
‫لكنَّ ما يدور بني بع�ض امل�سلمني حول َّ‬
‫ولغط ي�صل �أحيان ًا �إىل درجة التكفري �أو التف�سيق‪ ،‬دفعني‬
‫جدل ٍ‬‫ٍ‬
‫ملناق�شة هذا املو�ضوع وتبيني حكم ال�شرع فيه‪ ،‬لأنه مو�ضو ٌع‬
‫جتاذبته الآراء املتناق�ضة الواقعة ما بني �سندان املت�شددين‬
‫ومطرقة امل�ستهرتين‪.‬‬
‫وقد ر�أيتُ �أن �أبحث يف حكمه ال�شرعي يف هذا الكتاب‬
‫ل�سببني‪:‬‬
‫�أ ّولهما و�أه ّمهما �أن هذا املو�ضوع حتتاج الن�ساء �إىل معرفته‬
‫كما يحتاجها الرجال‪� ،‬إذ �إنَّ الأنثى هي بنتٌ �أو �أختٌ �أو زوجة‪،‬‬
‫ومن البدهي �أنه ي ّهمها �أن تعرف حكم ال�شرع يف حلية �أو �شوارب‬
‫�أبيها وزوجها و�أخيها وابنها‪.‬‬
‫وال�سبب الثاين هو �أنَّ هذا املو�ضوع مل ي�أخذ حقه من‬
‫الدرا�سة املو�ضوعية املتجردة يف كث ٍري من الأحيان‪ ،‬ف�أحببتُ �أن‬
‫يل بدلوي لك�شف اللثام ع ّما يتعلق به من الأحكام‪.‬‬‫�أُد َ‬
‫وق�ص ال�شارب من الفطرة‪:‬‬‫�إعفاء اللحية ّ‬
‫وق�ص ال�شارب هما من الفطرة التي حث النبي ‪ ‬امل�سلمني‬ ‫بداي ًة �أقول‪� :‬إعفاء اللحية ّ‬
‫(ق�ص ال�شارب و�إعفا َء‬
‫على فعلها‪ ،‬حني قال‪ :‬ع�ش ٌر من الفطرة‪ ،‬وذكر من �ضمن هذه الع�شرة َّ‬
‫ال ّلحية)(((‪.‬‬
‫وهذه الأمور املذكورة يف احلديث ال�شريف �سميت فطر ًة‪ ،‬لأن اهلل تعاىل منذ �أن خلق الب�شرية‬
‫حب هذه الأمور‪ ،‬وقد حثّ عليها ال ُ‬
‫إ�سالم لأنه دينٌ يحرتم الفطرة التي خلق اهلل‬ ‫جبلها على ّ‬
‫وحتريف مدى الع�صور‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫النا�س عليها‪ ،‬ويحاول �أن يزيل ما يعرتيها من ت�ش ّو ٍه‬
‫َ‬
‫ق�ص ال�شارب و�إعفاء اللحية �أحاديث كثري ٌة‪ ،‬منها قوله �ص‪ :‬خالفوا امل�شركني‪،‬‬ ‫وقد وردت يف ّ‬
‫(((‬
‫وف ّروا ال ّلحى‪ ،‬و�أحفوا ال�شوارب‪.‬‬
‫(((‬
‫ويف رواي ٍة‪ :‬جزّوا ال�شوارب‪ ،‬و�أرخوا ال ّلحى‪ ،‬خالفوا املجو�س‪.‬‬
‫ال�شخ�صي البحت؟! هل من ال�سليم �أو املنطقي‬
‫ّ‬ ‫وقد يقول قائل‪ :‬وما عالقة الدين بهذا الأمر‬
‫يتدخل الدين يف �شارب امل�سلم وحليته‪ ،‬ليح ّدد له طولهما وعر�ضهما‪ ،‬ويفر�ض عليه �إطالتهما‬ ‫�أن ّ‬
‫�أو حلقهما؟!‬
‫يهتم بكل �ش�ؤون امل�سلم الدينية والدنيوية‪ ،‬ولذلك‬ ‫عملي‪ّ ،‬‬
‫و�أقول لهذا القائل‪ :‬الإ�سالم دين ّ‬
‫ع َّلم �أتباعه ك َّل �شيءٍ ‪� ،‬إىل درج ٍة �أثارت ا�ستغراب امل�شركني‪ ،‬فعبرَّ �أحدهم قبل �إ�سالمه عن هذا‬
‫اال�ستغراب بقوله‪ :‬عجب ًا ملحمد‪ ..‬يع ِّلم �أ�صحابه حتى اال�ستنجاء من الغائط!‬
‫�أما فيما يتعلق بال�شوارب وال ّلحى‪ ،‬ف�إنَّ الإ�سالم �أراد من احلديث عن ذلك ب�ضع نقاط‪ ،‬منها‬
‫�أنه �أراد من امل�سلم �أن يتخذ هيئ ًة تخالف املجو�س‪ ،‬الذين كانوا يو ّفرون ال�شارب ويرتكونه طوي ًال‬
‫يبني لنف�سه هوي ًة و�شخ�صي ًة‬
‫ق�ص وتهذيب‪ ،‬ويحلقون حلاهم‪� ..‬أي �إنه �أراد من امل�سلم �أن َ‬ ‫بدون ّ‬
‫جديد‬
‫كدين ٍ‬ ‫مميز ًة‪ ،‬وهذا التم ّيز كان �ضروري ًا جد ًا يف تلك الفرتة‪ ،‬التي �أط َّل فيها الإ�سالم ٍ‬
‫أقوام لهم �أديا ٌن �شتى‪.‬‬
‫و�سط � ٍ‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪72‬‬ ‫((( ‬


‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب اللبا�س ـ باب تقليم الأظافر‪ 2209/5 :‬واللفظ له‪ ،‬وم�سلم يف‬ ‫((( ‬
‫�صحيحه ـ كتاب الطهارة ـ باب خ�صال الفطرة‪.222/1 :‬‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب الطهارة ـ باب خ�صال الفطرة‪.222/1 :‬‬ ‫((( ‬

‫‪87‬‬
‫ثم �إنَّ الإ�سالم �أراد من امل�سلم �أن يبتعد عن الت�ش ّبه بالن�ساء يف هيئته ولبا�سه وت�صرفاته‪،‬‬
‫كرجل مكتمل الرجولة‪ ،‬ونحن نرى اليوم �أنَّ وجوه بع�ض الرجال الذين حلقوا لحِ اهم‬ ‫و�أن يبد َو ٍ‬
‫ب�شكل �أو‬
‫و�شواربهم‪ ،‬تبدو كوجوه ال�سيدات‪ ،‬ويربز هذا على وجه اخل�صو�ص �إن كانوا و�سيمني ٍ‬
‫ب�آخر‪ ،‬وهذا �أم ٌر كرهه الإ�سالم‪.‬‬
‫وقد عبرَّ الإ�سالم عن موقفه من هذه الق�ضية‪ ،‬فورد عن النبي ‪� ‬أنه‪ :‬لعن املت�شبهني من‬
‫الرجال بالن�ساء‪ ،‬واملت�شبهات من الن�ساء بالرجال(((‪.‬‬
‫  ‬
‫لق�ص ال�شارب وح ّفه‪:‬‬
‫احلكم ال�شرعي ّ‬
‫ق�ص ال�شارب‬ ‫اتفق جمهور الفقهاء‪ :‬ال�شافعية واحلنبلية واملالكية واحلنفية على �س ّنية ّ‬
‫ق�ص ال�شارب يعني ثواب من يقوم بهذه ال�سنة‪ ،‬دون‬ ‫ال�شفة‪ ،‬والقول ب�سن ّية ّ‬ ‫وتق�صريه عن حدود ّ‬
‫�أن يلحق تار َكها �إث ٌم‪.‬‬
‫وال�سالم‪:‬‬
‫حف ال�شارب وجزّه الوارد يف حديث الر�سول عليه ال�صالة ّ‬ ‫واختلفوا يف معنى ّ‬
‫�أحفوا ال�شوارب‪ ،‬وحديث‪ :‬جزّوا ال�شوارب(((‪.‬‬
‫والق�ص واحللق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫واحلف لغ ًة هو ا�ستئ�صال ال�شعر‪ ،‬واجل ّز هو القطع‬ ‫ُّ‬
‫ق�ص �أطرافه‪،‬‬ ‫حف ال�شارب وجزّه يف حديث النبي ‪ ‬يعني َّ‬ ‫ولكنّ املالكية وال�شافعية يرون �أنّ ّ‬
‫حتى يبد َو طرف ال�ش ّفة‪ ،‬وهو ما كان يفعله النبي ‪.‬‬
‫وبنا ًء على هذا ُيكره عند ال�شافعية حلق ال�شارب عن بكرة �أبيه كراه ًة تنزيهي ًة‪ ،‬بحيث ال‬
‫يبقى �شع ٌر فوق ال�ش ّفة‪ ،‬والكراهة التنزيهية تعني مثوبة تارك املكروه‪ ،‬وعدم حلوق الإثم مبن‬
‫يرتكبه ويفعله‪.‬‬
‫بينما ذهب املالكية �إىل �أنَّ حلق �شعر ال�شارب ب�أكمله حرام‪ ،‬وال يخفى على الق ّراء �أنَّ كلمة‬
‫(حرام) تعني �أنَّ من يرتكب الفعل احلرام ي�أثم‪ .‬ويف هذا يقول الإمام مالك‪ :‬من ج ّز �شاربه‬
‫(�أي �أزاله بالكامل) ي�ؤ َّدب‪ ،‬ويبالغ يف عقوبته‪.‬‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب اللبا�س ـ باب املت�شبهني بالن�ساء واملت�سبهات بالرجال‪.2207/5 :‬‬ ‫(( (‬
‫�سبق تخريجهما يف �ص‪ 88‬ـ‪.89‬‬ ‫((( ‬

‫‪88‬‬
‫ق�ص ال�شارب‪� ،‬أي تخفيفه �إىل �أق�صى‬ ‫ّ‬
‫احلف يعني املبالغة يف ّ‬ ‫�أما احلنابلة فذهبوا �إىل �أنَّ‬
‫الق�ص‪ ،‬وكالهما �س ّنة‪.‬‬
‫درج ٍة ممكنة‪ ،‬وهو عندهم �أف�ضل من ّ‬
‫حف ال�شارب مبعنى حلقه و�إزالته بالكامل‪ ،‬وهو ما تعنيه كلمة ّ‬
‫احلف‬ ‫�أما احلنفية فف�سروا ّ‬
‫ق�ص وتق�صري ال�شارب �أو حلقه‪ ،‬وا�ستدلوا على هذا بفعل كثري من‬ ‫يف اللغة‪ ،‬في�سنّ عندهم ّ‬
‫يحف‬‫ال�صحابة كابن عمر و�أن�س بن مالك و�أبي هريرة‪ ،‬ومن هذا ما روي عن ابن عمر �أنه كان ّ‬
‫�شاربه حتى ُيرى بيا�ض اجللد‪.‬‬
‫وبناء على هذا يجوز للم�سلم �أن يق ّلد من هذه املذاهب ما ترتاح �إليه نف�سه‪ ،‬لأن املو�ضوع‬
‫مرجح ملذهب على‬‫اجتهادي‪ ،‬و�ألفاظ الأحاديث حتتمل كل هذه الآراء املختلفة‪ ،‬ولي�س هناك من ِّ‬
‫�آخر‪.‬‬
‫  ‬
‫حكم �إعفاء اللحية‪:‬‬
‫�أعفى حليته يف اللغة �أي‪ :‬و ّفرها حتى كرثت وطالت‪.‬‬
‫اختلفت �آراء الفقهاء يف حكم �إعفاء اللحية‪ ،‬هل هو واجب �أم �سنة‪ ،‬بينما اتفقت �آرا�ؤهم على‬
‫ق�ص ال�شارب‪ ،‬على الرغم من �أن الأحاديث ال�شريفة التي تناولت ق�ص ال�شارب و�إعفاء‬ ‫�س ِّنية ّ‬
‫اللحى‪ ،‬وردت بنف�س �صيغة الطلب‪�( :‬أحفوا ال�شوارب و�أعفوا اللحى)(((‪.‬‬
‫بق�ص ال�شارب وح ّفه على الندب‬‫ول�ست �أدري ال�سبب الذي جعل بع�ض الفقهاء يحملون الأمر ّ‬
‫يف�سرون الأمر ب�إعفاء اللحى على �أنه للوجوب!!‬ ‫وال�سن ّية‪ ،‬بينما ّ‬
‫  ‬
‫واجب وحلقها بالكامل حرام‪ ،‬وهو ما‬ ‫ذهب املالكية وبع�ض احلنبلية �إىل �أنَّ �إعفاء اللحية ٌ‬
‫عمد‬
‫اختاره الإمام ابن تيمية‪ ،‬وهذا يعني عندهم �أنَّ من يحلق حليته �آث ٌم‪ ،‬لأنه يفعل احلرام عن ٍ‬
‫و�إ�صرار‪.‬‬
‫�أما ال�شافعية واحلنفية واحلنبلية فذهبوا �إىل �أن �إعفاء اللحية �س ّنة من �سنن الفطرة‪ ،‬ف ُيكره‬
‫حلقها كراه ًة تنزيهي ًة‪ ،‬والكراهة التنزيهية هي ما يثاب تاركها‪ ،‬وال ي�أثم فاعلها‪.‬‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.88‬‬ ‫((( ‬

‫‪89‬‬
‫�أما �أمر النبي ‪ ‬ب�إعفاء اللحية فاملق�صود منه خمالفة املجو�س‪ ،‬الذين كانوا يطيلون‬
‫ال�شوارب ويحلقون ال ّلحى‪ ،‬وهذا الأمر حممول عند ال�شافعية واحلنفية واحلنبلية على �أنه‬
‫للندب‪ ،‬ولي�س للوجوب‪.‬‬
‫  ‬
‫حكم تق�صري اللحية والأخذِ من عر�ضها‪:‬‬
‫اختلفت �آراء الفقهاء يف حكم الأخذ من طول اللحية وعر�ضها‪ ،‬فذهب احلنفية �إىل �أنَّ‬
‫ال�س ّنة تق�صري ما زاد على قب�ضة اليد من اللحية‪ ،‬بينما اكتفى املالكية واحلنابلة يف قول عندهم‬
‫ب�إباحة الأخذ من اللحية طو ًال وعر�ض ًا‪ ،‬والإباحة تعني �أنَّ الإن�سان ح ٌّر يف �أن ي�أخذ منها �أو ال‬
‫بالق�ص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ي�أخذ‪ ،‬و ُيكره عند املالكية الأخذ من اللحية باملو�س‪ ،‬ويجوز‬
‫وقد ف�سر ه�ؤالء الفقهاء قول النبي ‪� :‬أعفوا اللحى‪ ،‬ب�أ َّنه يعني‪ :‬ال حتلقوها بالكامل‪ ،‬وبذلك‬
‫ال يتناول النهي تق�صري طول اللحية وال الأخذ من عر�ضها‪ ،‬وا�ستدلوا مبا ورد عن ابن عمر‪� ،‬أنه‬
‫وق�ص ما زاد على قب�ضة يده(((‪ ،‬كما ا�ستدل احلنفية‬ ‫كان �إذا حج �أو اعتمر قب�ض على حليته‪َّ ،‬‬
‫بحديث ورد عن النبي ‪ ‬جاء فيه‪� ،‬أنه كان ي�أخذ من طول حليته وعر�ضها(((‪ ،‬غري �أنَّ العلماء‬ ‫ٍ‬
‫�ض َّعفوا هذا احلديث‪.‬‬
‫ثان فذهبوا �إىل كراهية الأخذ من اللحية مهما طالت‪،‬‬ ‫�أما ال�شافعية واحلنابلة يف قول ٍ‬
‫والأف�ضل عندهم تركها كما هي دون �أن ي�ؤخذ من طولها �أو من عر�ضها‪ ،‬والكراهية كما ذكرنا‬
‫تعني مثوبة تارك املكروه‪ ،‬وعدم حلوق الإثم مبن يرتكبه‪ ،‬وا�ستدلوا على ذلك ب�أنَّ النبي ‪ ‬كان‬
‫حلق وال تق�صري(((‪� ،‬أما حديث‪ :‬كان ‪ ‬ي�أخذ من طول حليته وعر�ضها(((‪ ،‬فهو‬ ‫يرتك حليته دون ٍ‬
‫�ضعيف‪ ،‬ال ي�صلح لالحتجاج به‪.‬‬‫ٌ‬ ‫عندهم حديثٌ‬
‫  ‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب اللبا�س ـ باب تقليم الأظافر‪.2209/5 :‬‬ ‫((( ‬
‫حديث �ضعيف ‪�.‬أخرجه الرتمذي يف �سننه ـ كتاب الأدب ـ باب ما جاء يف الأخذ من اللحية‪94/5 :‬وقال ‪ :‬حديث‬ ‫((( ‬
‫غريب‪ .‬وبينّ �أنه من طريق عمر بن هارون البلخي‪ ،‬وهو مرتوك‪ ،‬و�إن كان حافظ ًا‪( .‬انظر تقريب التهذيب‪)70/2 :‬‬
‫مل �أجده يف الكتب احلديثية‪.‬‬ ‫((( ‬
‫�سبق تخريجه يف �ص‪.92‬‬ ‫((( ‬

‫‪90‬‬
‫�آراء الفقهاء املعا�صرين يف حكم �إعفاء اللحية‪:‬‬
‫اختلفت �آراء الفقهاء املعا�صرين حول حكم �إعفاء اللحية بح�سب اختالف املذاهب التي‬
‫ينتمون �إليها �إن كانوا مق ّلدين‪� ،‬أو بح�سب فهمهم للن�صو�ص �إن كانوا جمتهدين‪ ،‬فذهب بع�ضهم‬
‫�إىل حرمة حلق اللحية وحرمة الأخذ منها مطلق ًا بناء على ر�أي الإمام ابن تيمية‪ ،‬وممن ر�أوا‬
‫هذا الر�أي‪ :‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء يف ال�سعودية‪ ،‬وال�شيخ ابن باز يف فتاواه‪ ،‬ويف‬
‫ر�أي ه�ؤالء الفقهاء‪ :‬حلق اللحية جرمي ٌة‪ ،‬والإ�صرار عليها كبري ٌة من الكبائر‪.‬‬
‫بينما ر�أى بع�ض العلماء �أنَّ حلق اللحية مباح‪ ،‬و�أنَّ �إعفاء النبي ‪ ‬للحيته يف ر�أيهم هو من‬
‫الأفعال العادية اخلا�صة بالإن�سان‪ ،‬ولي�س من �أمور ال�شرع التعبدية‪.‬‬
‫واتخذ بع�ض العلماء املعا�صرين كالدكتور يو�سف القر�ضاوي والدكتور حممد �سعيد رم�ضان‬
‫البوطي موقف ًا و�سط ًا من هذا املو�ضوع فقالوا‪� :‬إعفاء اللحية �س َّن ٌة‪ ،‬وحلقها مكروه‪ ،‬وهو مذهب‬
‫ال�شافعية واحلنفية واحلنبلية‪.‬‬
‫وقال الدكتور القر�ضاوي‪ :‬لي�س يف حديث النبي ‪ ‬ما يدل على وجوب �إطالة اللحية‬
‫النبي �أمر ب�صبغ ال�شيب‬
‫مثال على ذلك هو �أنَّ َّ‬ ‫جازم‪ ،‬و�إن ُع ِّلل مبخالفة الكفار‪ ،‬و�أقرب ٍ‬
‫أمر ٍ‬ ‫ب� ٍ‬
‫خمالف ًة لليهود والن�صارى(((‪ ،‬ومع هذا ف�إنَّ بع�ض ال�صحابة مل ي�صبغوا‪ ،‬مما ّ‬
‫دل على �أن الأمر‬
‫لال�ستحباب ولي�س للإيجاب‪.‬‬
‫أحد من ال�سلف ال�صالح �أنه حلق حليته‪ ،‬فلع َّل ذلك لأنه مل تكن لهم‬ ‫�أما �إن قيل‪ :‬مل ُينقل عن � ٍ‬
‫حاج ٌة حللقها‪ ،‬وهي عادتهم‪.‬‬
‫  ‬
‫ما بني الإباحة والندب والإيجاب‪:‬‬
‫�إذن‪ ،‬ما بني الإباحة والندب والإيجاب‪ ،‬هناك ف�سح ٌة للم�سلم ي�ستطيع من خاللها �أن يختار‬
‫ما يتنا�سب مع ظروفه وظروف البالد التي يعي�ش فيها‪.‬‬
‫فئات‬
‫وميكن للم�سلمني الذين يعي�شون يف البلدان التي تتّهم من ُيطيلون حلاهم باالنتماء �إىل ٍ‬
‫�إرهابي ٍة‪� ،‬أن يحلقوا حلاهم مق ّلدين يف هذا مذهب جمهور الفقهاء يف �سنية �إعفاء اللحية‪ ،‬الأمر‬
‫الذي يخ ِّل�صهم من احلرج من جهة‪ ،‬ومن الت�أ ُّثم من جه ٍة �أخرى‪.‬‬
‫ ‬
‫�سبق تخريجه يف �ص‪.42‬‬ ‫((( ‬

‫‪91‬‬
‫نقط ٌة �أخري ٌة �أحب الإ�شارة �إليها يف هذا ال�سياق‪.‬‬
‫من املمكن للم�سلم �أن يحلق �شاربه وحليته �أو يطيلهما اتباع ًا لهذا الر�أي الفقهي �أو ذاك‪ ،‬وال‬
‫إ�سالمي‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫مذهب �‬‫ٍ‬ ‫حرج يف ذلك طاملا �أنَّ ن َّيته هي تقليد‬
‫مو�ضات‬
‫ٍ‬ ‫لكنَّ بع�ض النا�س يحلقون حلاهم و�شواربهم اليوم تقليد ًا للغرب‪ ،‬وما يع ُّج به من‬
‫بقوم فهو منهم(((‪ ،‬وقال من ّبئ ًا عما‬ ‫و�صرعات‪ ،‬وهذا �أم ٌر نهى عنه النبي ‪ ‬فقال‪ :‬من ت�ش َّبه ٍ‬
‫�سي�ؤول �إليه حال امل�سلمني من ال�ضعف والتبعية لغريهم‪َ  :‬ل َت َّت ِب ُعنَّ َ�سننَ َ َمنْ َق ْب َل ُك ْم �شِبرْ ً ا ِب�شِبرْ ٍ ‪،‬‬
‫ول اللهَِّ ‪ ،‬ا ْل َي ُهو َد َوال َّن َ�صا َرى؟‬ ‫َو ِذ َر ًاعا ِب ِذ َر ٍاع‪َ ،‬حتَّى َل ْو َ�س َل ُكوا ُج ْح َر َ�ض ٍّب َل َ�س َل ْك ُت ُمو ُه‪ .‬قالوا‪َ :‬يا َر ُ�س َ‬
‫(((‬
‫َق َال‪َ :‬ف َمنْ !!‬
‫ولهذا ذهب بع�ض العلماء �إىل حرمة حلق اللحية �إن كانت النية هي الت�ش ّبه بالغرب وتقليده‬
‫يف الهيئة واملظهر‪� ،‬أما �إذا مل يكن تقليد الغرب هو الدافع الكامن وراء ذلك‪ ،‬فالأرجح القول‬
‫بكراهية حلق اللحية ال بحرمته‪� ،‬إن مل يكن هناك �ضرور ٌة �أو حاج ٌة حللقها‪ ،‬وي�ستحب للم�سلمني‬
‫اليوم التم�سك ب�سنة �إعفاء ال ّلحى‪( ،‬وببقية �سنن ر�سول اهلل ‪ ،)‬وخ�صو�ص ًا يف البلدان‬
‫الإ�سالمية التي تكاد تنمحي فيها تلك ال�س ّنة‪.‬‬

‫  ‬

‫وح�سن �إ�سناده احلافظ ابن‬


‫حديث ح�سن‪� .‬أخرجه �أبو داود يف ي�سننه ـ كتاب اللبا�س ـ باب يف لب�س ال�شهرة‪ّ ،44/4 :‬‬ ‫((( ‬
‫حجر يف فتح الباري‪.271/10 :‬‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب الأنبياء ـ باب ما ذكر عن بني ا�سرائيل‪ 1274/3 :‬واللفظ له‪،‬‬ ‫((( ‬
‫وم�سلم يف �صحيحه ـ كتاب العلم ـ باب اتباع �سنن اليهود والن�صارى‪.2054/4 :‬‬

‫‪92‬‬
‫وصل الشعر وزراعته‬
‫ ‬
‫مو�ضوع قد ٍمي حديث‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫�سوف �أحتدث يف هذه ال�صفحات عن‬
‫�شائك ولكنه �شائق‪ ،‬يعتربه البع�ض من الكماليات‪ ،‬بينما يعتربه‬
‫ٍ‬
‫بع�ض �آخر من الأمور الأ�سا�سية للإن�سان‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫مو�ضوعنا عن َّ‬
‫ال�شعر‪ ..‬الزين ِة التي ز ّين اهلل تعاىل بها‬
‫ال�صلع‪ ،‬الذي‬
‫الرجال والن�ساء‪ ،‬وهو مو�ضو ٌع يقود للحديث عن ّ‬
‫ري من الرجال وقلي ٌل من الن�ساء‪ ،‬وهذا يقودنا‬
‫ي�صاب به كث ٌ‬
‫بالتايل للحديث عن الباروكة وزراعة ال�شعر وو�صله‪.‬‬
‫وقبل الكالم عن حكم ال�شرع يف زراعة ال�شعر وو�صله �أطرح‬
‫ال�س�ؤال التايل‪ :‬هل ال�شعر من الأمور الكمال ّية‪ ،‬التي ال يعني‬
‫فقدها �شيئ ًا يف حياة الإن�سان‪� ،‬أم �إنه من احلاجات الأ�سا�سية‪،‬‬
‫التي يلحق الإن�سانَ بفواتها م�شق ٌة وحر ٌج �شديد؟! عندما ننظر يف‬
‫َ‬
‫احلفاظ على‬ ‫الت�شريع الإ�سالمي جنده يراعي يف تكليف العباد‬
‫م�صاحلهم من خالل التي�سري عليهم ورف ِع احلرج عنهم‪ ،‬فاهلل‬
‫تعاىل قال‪ُ ﴿:‬ي ِري ُد اللهّ ُ ِب ُك ُم ا ْل ُي ْ�س َر َو َال ُي ِري ُد ِب ُك ُم الع�سر﴾(((‪.‬‬

‫�سورة البقرة‪� :‬آية ‪185‬‬ ‫((( ‬


‫ال�صلع �أمر عاديّ ؟‬ ‫هل ّ‬
‫ري من الرجال من الأمور امل�ألوفة‪ ،‬التي ال يلحقهم‬ ‫ال�صلع اجلزئي الذي ي�صاب به كث ٌ‬ ‫قد يكون ّ‬
‫�ستهجن‪ ،‬ولكن‪ :‬ماذا لو �أ�صيب الرجل‬ ‫َ‬
‫م�ستب�ش ٍع وال ُم َ‬ ‫ب�سببها حر ٌج �أو م�شقة‪ ،‬لأ َّنه �أم ٌر ٌ‬
‫عادي غري‬
‫�ضي‪ ،‬و�س َّبب له �ضرر ًا اجتماعي ًا‬
‫منظر م َر ٍٍّ‬
‫كامل‪� ،‬أ ّدى �إىل ب�شاعته وحتويل منظره �إىل ٍ‬ ‫ب�صلع ٍ‬
‫ٍ‬
‫النا�س منه‪� ،‬أو �إرهاق ًا نف�سي ًا جعله يكتئب كلما نظر يف املر�آة‪� ،‬أو مل�س ر�أ�سه بيديه؟!‬ ‫كنفور َ‬
‫كامل‪ ،‬وباتت الهموم وعالمات اال�ستفهام ونظرات‬ ‫جزئي �أو ٍ‬
‫ب�صلع ٍ‬
‫وماذا لو �أ�صيبت املر�أة ٍ‬
‫الغمز واللمز والهم�س والوتوت ِة تالحقها وحتا�صرها‪ ،‬كلما جل�ست يف �سهر ٍة �أو اجتماع؟!‬
‫  ‬
‫ال�ضرر يزال‪:‬‬
‫يف الإ�سالم قواعد تقول‪ :‬ال�ضرر ُيزال‪ ،‬واحلاجة ُتنزّل منزلة ال�ضروريات‪ ،‬وال �ضرر وال �ضرار‪..‬‬
‫وانطالق ًا من هذه القواعد ر�أى عد ٌد من العلماء �أنه ميكن �إزالة ال�ضرر الناجت عن ال�صلع‬
‫عند الرجال والن�ساء بطريق ٍة �أو ب�أخرى‪ :‬بالباروكة �أو بو�صل ال�شعر �أو بزراعته‪� ،‬أو ب�أية طريق ٍة‬
‫ميكن �أن يبتكرها العلم والتقنيات احلديثة‪ .‬وباملقابل نرى هناك من ي�ستنكر هذا الكالم‪،‬‬
‫وي�ستدل بحادثة �صحيح ٍة جرت يف زمن النبي ‪ ،‬فقد �أتت �إليه امر�أ ٌة من الأن�صار‪ ،‬وكان �شعر‬
‫النبي ‪ ‬بذلك‪ ،‬وقالت‪� :‬إنَّ زوجها يريدها‪� ،‬أف�أ�صِ ل‬ ‫ابنتها املتزوجة قد ت�ساقط‪ ،‬ف�أخربت املر�أة َّ‬
‫(((‬
‫�شعرها؟ فقال النبي ‪ :‬لعن اهلل الوا�صلة وامل�ستو�صلة!‬
‫فماذا يعني هذا؟! ومن هما الوا�صلة وامل�ستو�صلة؟!‬
‫وامل�ستو�صلة‪:‬‬
‫ِ‬ ‫الوا�صلة‬
‫ب�شعر �آخر‪ ،‬منها �أو من غريها‪ .‬وامل�ستو�صِ لة‬ ‫الوا�صلة هي التي ت�صل �شعرها �أو �شعر غريها ٍ‬
‫فعل بها ذلك‪� ،‬أو ُيفع ُل بها ذلك ب�إذنها ور�ضاها‪..‬‬ ‫هي التي تطلب �أن ُي َ‬
‫وال�س�ؤال الوا�ضح الذي يطرح نف�سه‪ :‬هل و�صل ال�شعر حم ّر ٌم يف الإ�سالم؟‬
‫وقيا�س ًا على الو�صل ن�س�أل‪ :‬هل زراعة ال�شعر حرام؟!‬
‫�أم �إنَّ هنالك حكم ًة ُينظر �إليها عند احلديث عن ال�شعر وحكم ال�شرع يف و�صله وزراعته؟!‬
‫  ‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب اللبا�س ـ باب الو�صل يف ال�شعر‪ ،2217/5 :‬وم�سلم يف �صحيحه‬ ‫((( ‬
‫ـ كتب اللبا�س والزينة ـ باب حترمي فعل الوا�صلة وامل�ستو�صلة‪.1676/3 :‬‬

‫‪95‬‬
‫احلكم ال�شرعي لو�صل ال�شعر‪:‬‬
‫بحث الفقهاء القدامى مو�ضوع و�صل ال�شعر‪ ،‬و�أحب �أن �أ�ؤكد هنا �أنَّ و�صل ال�شعر كان �أمر ًا‬
‫آنئذ ي�صلون ال�شعر‬‫معروف ًا عندهم‪ ،‬ولكن لي�س بالطريقة التي نعرفها اليوم‪ ،‬فقد كان النا�س � ٍ‬
‫حيوان‪ ،‬و�ص ًال ظاهري ًا �سطحي ًا‪� ،‬إما بالل�صق �أو بطريق ٍة �أخرى‪ ،‬ولكن‬ ‫ٍ‬ ‫ب�شعر‬
‫آدمي �أو ِ‬ ‫ب�شعر � ٍ‬
‫�إما ِ‬
‫بالت�أكيد لي�س بعملي ٍة جراحية‪ ،‬لأنَّ العلم مل يكن نا�ضج ًا كما هو اليوم‪ .‬وبنا ًء على هذا نبد�أ‬
‫حديثنا عن و�صل ال�شعر با�ستعرا�ض �آراء الفقهاء القدامى يف هذا املو�ضوع‪ :‬ما هو حكم الو�صل‪،‬‬
‫ومتى يكون حم ّرم ًا‪ ،‬ومتى يكون غري حم ّرم؟‬
‫  ‬
‫حكم الو�صل ب�شعر غري الآدمي‪:‬‬
‫ال ب ّد لنا يف البداية �أن نبينّ اتفاق الفقهاء على �أن حكم و�صل ال�شعر ي�شمل الذكور والإناث‪،‬‬
‫خ�ص الإناث بالذكر‬ ‫و�أن النبي ‪ ‬حني لعن الوا�صلة وامل�ستو�صلة‪ ،‬ق�صد الذكور والإناث‪ ،‬و�إمنا َّ‬
‫آنئذ هنّ من الإناث‪.‬‬ ‫لأنَّ �أغلب من ي�صلون �شعورهم � ٍ‬
‫وقد اختلف الفقهاء يف حكم الو�صل ب�شعر غري الآدمي‪ ،‬بنا ًء على اختالفهم يف َفهم �سبب‬
‫حج‬‫قول النبي ‪ :‬لعن اهلل الوا�صلة وامل�ستو�صلة(((‪ ،‬ويف َفهم ما رواه ُمعاوي َة بنَ �أبي ُ�سفيان حني َّ‬
‫م ّر ًة‪ ،‬وقد خطب بامل�سلمني وبيده ُق َّ�ص ٌة ِمنْ َ�ش ٍعر‪ ،‬ثم قال‪� :‬أين علما�ؤكم؟ َ�سمعتُ ر�سول اللهَّ ‪‬‬
‫ويقول‪� :‬إِنمَّ َ ا هَ َل َك ْت َب ُنو �إِ�سرا ِئ َيل ِح َني ات ََّخذ هذه ِن�سا�ؤهُ م‬
‫ُ (((‬ ‫ينهى عن مثل هذه‪ُ ،‬‬
‫و�صل ال�شعر ي�ؤدي �إىل تغيري خلق اهلل‪ ،‬ولذلك يحرم‬ ‫فر�أى املالكية �أنَّ �سبب التحرمي هو �أنَّ َ‬
‫آدمي �أم ب�شعر حيوان‪ ،‬وورد مثل هذا الر�أي يف‬ ‫عندهم و�صل ال�شعر مطلق ًا‪� ،‬سوا ًء كان ب�شعر � ٍ‬
‫رواي ٍة عن الإمام �أحمد بن حنبل‪.‬‬
‫�أما ال�شافعية واحلنبلية فر�أوا العلة من منظو ٍر �آخر فقالوا‪� :‬إنَّ العلة يف حترمي و�صل ال�شعر‬
‫ب�شعر جن�س‪ ،‬ك�شعر امليتة �أو �شعر احليوان غري م�أكول اللحم‪،‬‬ ‫يو�صل ال�شعر ٍ‬ ‫هي �أمران‪� :‬أن َ‬
‫الو�صل �إىل الغ�ش والتدلي�س على اخلاطب الراغب يف الزواج‪ ،‬وهذا حرا ٌم‪ ،‬ف�إن‬ ‫ُ‬ ‫ؤدي‬
‫�أو �أن ي� َ‬
‫الغ�ش والتدلي�س‪ ،‬وكان هناك م�صارح ٌة ور�ضا‬ ‫طاهر حالل‪ ،‬ومل ي�ؤ ِّد �إىل ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ب�شعر‬
‫�صل ال�شعر ٍ‬‫ُو َ‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.97‬‬ ‫((( ‬


‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف كتاب الأنبياء ـ باب �أم ح�سبت �أن �أ�صحاب الكهف‪ ،1279/3 :‬وم�سلم يف‬ ‫((( ‬
‫�صحيحه ـ كتاب اللبا�س والزين ـ باب حترمي فعل الوا�صلة وامل�ستو�صلة‪.1679/3 :‬‬

‫‪96‬‬
‫قول النبي‬ ‫ف�سر �أ�صحاب هذا الر�أي ِ‬ ‫بني املخطوبني‪ ،‬ف�إنَّ الو�صل �إذ ذاك جائ ٌز ال حم َّرم‪ .‬وقد َّ‬
‫‪ ‬للمر�أة الأن�صارية املتزوجة‪ :‬لعن اهلل الوا�صلة وامل�ستو�صلة(((‪ ،‬ب�أنَّ ال�شعر الذي كانت‬
‫الغ�ش والتدلي�س مل يكن وارد ًا هذه‬ ‫تريد ا�ستخدامه يف عملية الو�صل هو �شع ٌر جن�س‪ ،‬لأنَّ َّ‬
‫احلالة‪ ،‬فالزوج كان يعلم �أنَّ زوجته تعاين من م�شكل ٍة يف �شعرها‪ ،‬و�أنها تريد �أن حت ّل تلك‬
‫امل�شكلة بو�ص ِله‪ ،‬ولكن عندما يكون ال�شعر البديل جن�س ًا‪ ،‬ف�إنَّ التحرمي هو حكم ال�شرع فيه‪.‬‬
‫�إذ ًا ذهب ال�شافعية واحلنابلة �إىل �أن العلة يف التحرمي �أمران‪:‬‬
‫‪ -‬جنا�سة ال�شعر امل�ستعمل‪.‬‬
‫الغ�ش والتدلي�س‪ .‬فيجوز عندهم و�صل ال�شعر ب�شعر غري الآدمي ب�شرطني‪:‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫‪� -‬أن يكون غري جن�س‪ -.‬و�أن يكون ب�إذن الزوج‪� ،‬إن كانت املر�أة متزوجة‪ ،‬و�أن ُتعلم اخلاطب‬
‫حني ي�أتي �إن كانت غري متزوجة‪.‬‬
‫يتم مبا ال يح ّل االنتفاع به‪� ،‬أي‪ :‬حني يكون‬ ‫�أما احلنفية فذهبوا �إىل �أنَّ الو�صل يح ُرم حني ّ‬
‫�شعر يحرم ا�ستعماله ك�شعر الآدمي �أو �شعر اخلنزير‪� ،‬أما �شعر بقية احليوانات‬ ‫الو�صل با�ستخدام ٍ‬
‫حيوان غري م�أكول‬
‫ٍ‬ ‫حيوان م�أكول اللحم �أم‬ ‫ٍ‬ ‫(غري اخلنزير) فهو طاه ٌر عندهم‪� ،‬سواء كان �شعر‬
‫اللحم‪ ،‬وال فرق عندهم بني �شعر ال ّنمر واحل�صان والغزال واخلروف وغري ذلك‪ ،‬كما �أنه ال فرق‬
‫عندهم �إن كان احليوان حي ًا �أو ميت ًا‪ ..‬ومل ي�شرتط الأحناف علم الزوج �أو اخلاطب وال �إذنه‪.‬‬
‫  ‬
‫حكم الو�صل ب�شعر الآدمي‪:‬‬
‫ب�شعر طبيعي‪ ،‬وهذا ال�شعر الطبيعي‪� ،‬سواء كان �شعر ًا‬ ‫بع�ض النا�س ي�صلون �شعورهم ٍ‬
‫إن�سان نف�سه‪� ،‬أو كان �شعر ًا مق�صو�ص ًا من غريه‪ ،‬يحرم االنتفاع به مطل ًق ًا عند‬ ‫مق�صو�ص ًا من ال ِ‬
‫الفقهاء القدامى؛ لأنَّ الإن�سان يف ر�أيهم مك ّر ٌم لقول اهلل تعاىل‪َ ﴿:‬و َل َق ْد َك َّر ْم َنا َب ِني �آ َد َم﴾(((‪،‬‬
‫والتزين بال�شعر املق�صو�ص من الإن�سان يعترب �إهان ًة للآدمي‪ ،‬لأنه يجعل َ�شعره �سلع ًة جتاري ًة ُتباع‬
‫و ُت�شرتى! هذا من جه ٍة‪ ،‬ومن جه ٍة �أخرى ف�إنَّ هناك احتما ًال لأن ي�ستخدم الرجل �شعر امر�أة‪،‬‬
‫�أو ت�ستخدم امر�أ ٌة �شعر امر�أ ٍة �أخرى‪ ،‬وهذا ال يجوز‪ ،‬لأنه يخلط الأمور‪ ،‬ويظهر العورات‪ ،‬و ُيري‬
‫النا�س من بع�ضهم البع�ضِ ما ال يجوز �أن يروه‪.‬‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.97‬‬ ‫(( (‬


‫�سورة الإ�سراء‪� :‬آية ‪.70‬‬ ‫((( ‬

‫‪97‬‬
‫دليل الفقهاء يف حترمي االنتفاع ب�شعر الآدمي‪:‬‬
‫يف الواقع لي�س هناك دلي ٌل �صحي ٌح و�صري ٌح يف هذا املو�ضوع‪ ،‬والأمر يعود �إىل االجتهاد وح�سب‪،‬‬
‫تلميذ الإمام �أبي حنيفة يخالف ه�ؤالء الفقهاء‪ ،‬ويجيز االنتفاع ب�شعر‬ ‫ولذلك نرى الإمام حممد َ‬
‫النبي ‪ ‬كانوا ي�أخذون �شيئ ًا من �شعره ليت َّربكوا به(((‪ ،‬وما جاز �أن‬‫الآدمي‪ ،‬م�ستد ًال ب�أنَّ �أ�صحاب ِّ‬
‫ل�سبب �أو لآخر من الأ�سباب التي ال‬
‫يكون بني �أيدي النا�س للربكة‪ ،‬جاز �أن يكون بني �أيدي غريهم ٍ‬
‫آدمي للزينة �أو لغريها‪،‬‬‫مي �صري ٌح ينهى عن ا�ستخدام َ�شعر ال ِّ‬ ‫حرمة فيها‪ ،‬وطاملا �أنه مل يرد حتر ٌ‬
‫ف�إن الأ�صل يف الإ�سالم هو الإباحة‪� ،‬إال �إذا جاء �أم ٌر بالتحرمي‪.‬‬
‫وبناء على هذا يرى بع�ض الفقهاء املعا�صرين جواز ا�ستخدام �شعر الآدمي للو�صل‪� ،‬إذا‬
‫خال من التدلي�س والغ�ش‪ ،‬ومل يكن فيه �إظهار ملا ال يجوز �إظهاره من �شعر الأنثى �أمام الرجال‬
‫الأجانب (غري املحارم)‪ ،‬وهو ما �سنبينه عند احلديث عن الباروكة وو�صل ال�شعر يف �صالونات‬
‫احلالقة‪.‬‬
‫�أ�ضف �إىل ذلك �أنَّ هناك من يرى �أنَّ ا�ستخدام �شعر الإن�سان لي�س فيه �إهان ٌة له‪ ،‬و�أنَّ هذه‬
‫النظرة فيها من التك ّلف وحتميل الأمر ما ال يحتمل ال�شيء الكثري‪ ،‬و�أنّ �إلقا َء ال�شعر يف القمامة‬
‫فيه �إهان ٌة �أكرب‪� ،‬إذا �أردنا �أن ننظر �إىل الأمر بهذه الطريقة!‬
‫  ‬
‫زراعة ال�شعر‪:‬‬
‫تطورت الو�سائل العلمية اليوم تطور ًا كبري ًا‪ ،‬ومت ّكن العلماء من زراعة ال�شعر للرجل واملر�أة‪،‬‬
‫وهي م�س�أل ٌة م�ستجد ٌة مل يتعر�ض �إليها الفقهاء القدامى‪.‬‬
‫وال�ستنباط احلكم ال�شرعي لهذه الق�ضية امل�ستجدة‪ ،‬ال ب ّد من معرفة الآلية والطريقة التي‬
‫طبيعي �أم �صناعي‪ ،‬وما �إىل ذلك‬‫ٌ‬ ‫تتم بها عملية زرع ال�شعر‪ ،‬ونوع ال�شعر الذي ُيزرع‪ :‬هل هو �شع ٌر‬ ‫ّ‬
‫من تفا�صيل هام ٍة‪ ،‬تعني يف ا�ستنباط احلكم ال�صحيح‪.‬‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب احلج ـ باب بيان �أن ال�سنة يوم النحر �أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق‪:‬‬ ‫(( (‬
‫‪.947/2‬‬

‫‪98‬‬
‫ر�أي العلم يف زراعة ال�شعر‪:‬‬
‫املتخ�ص�ص يف اجلراحة اجللدية وزراعة ال�شعر‪ ،‬عن هذه‬ ‫ّ‬ ‫يتحدث الدكتور منر قا�سم حممد‪،‬‬
‫امل�س�ألة فيقول‪:‬‬
‫هناك نوعان من زراعة ال�شعر‪:‬‬
‫‪ - 1‬زرع ال�شعر الطبيعي‪.‬‬
‫‪ - 2‬زرع ال�شعر ال�صناعي‪ ،‬وهو �أي�ض ًا نوعان‪:‬‬
‫�أ ‪ -‬زرع ال�شعر يف فروة الر�أ�س مبا�شر ًة‪.‬‬
‫بال�صق خا�ص‪ .‬وزرع ال�شعر �أم ٌر رائ ٌج‬
‫ٍ‬ ‫يتم تثبيتها على الر�أ�س‬ ‫ب ‪ -‬زرع ال�شعر على باروك ٍة‪ّ ،‬‬
‫ب�شكل كب ٍري يف هذه الأيام؛ لأنه يح ّل م�شكل ًة كبري ًة لكث ٍري من الأ�شخا�ص‪ ،‬فن�سبة الرجال الذين‬‫ٍ‬
‫يعانون من ال�صلع الوراثي قبل عمر ‪� 50‬سنة تبلغ ‪.% 50‬‬
‫وميكن زرع ال�شعر الطبيعي للمري�ض الذي يوجد يف ر�أ�سه بع�ض ال�شعر‪� ،‬أما ال�شعر ال�صناعي‬
‫ب�صيالت من ال�شعر‬
‫ٍ‬ ‫ف ُيزرع للأ�شخا�ص الذين ال ميلكون �شعر ًا �أبد ًا‪ ..‬لزرع ال�شعر الطبيعي ن�أخذ‬
‫املوجود يف ر�أ�س املري�ض‪ ،‬ونزرعها يف املناطق الفارغة من ر�أ�سه‪ ،‬فينبت ال�شعر بعد ثالثة �شهو ٍر‬
‫تقريب ًا‪ ،‬ويطول كما يطول ال�شعر الطبيعي‪ ،‬ويبقى ال�شعر املزروع موجود ًا مدى احلياة‪� ،‬أي �أنه ال‬
‫يعاود الت�ساقط‪.‬‬
‫وعملية زراعة ال�شعر ميكن �أن جترى للإناث والذكور‪ .‬وجترى عملية زرع ال�شعر عاد ًة حتت‬
‫التخدير املو�ضعي‪ ،‬وحتتاج �إىل جل�سة �أو جل�ستني ورمبا ثالث جل�سات‪ ،‬ومعظم الذين يطلبون‬
‫�إجراء زراعة ال�شعر‪ ،‬ترتاوح �أعمارهم بني الع�شرين والأربعني �سنة‪.‬‬
‫  ‬
‫احلكم ال�شرعي لزراعة ال�شعر‪:‬‬
‫مبا �أنَّ زراعة ال�شعر هي من الأمور امل�ستحدثة‪ ،‬ف�إنَّ االجتهادات بخ�صو�صها توجد يف كتب‬
‫الفقه التي تتناول �آراء الفقهاء املعا�صرين‪ ،‬وال وجود لها يف �أمهات كتب الفقه القدمية‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء املعا�صرون يف حكمها‪ :‬هل هي من الو�صل املحرم الذي تناوله احلديث‬
‫وزمن‬
‫ال�شريف القائل‪ :‬لعن اهلل الوا�صلة وامل�ستو�صلة(((‪� ،‬أم �إنَّ الو�صل املعروف يف زمن النبي ‪ِ ‬‬
‫خمتلف عن زراعة ال�شعر كما تجُ رى اليوم‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫الفقها ِء من بعده‬
‫�سبق تخريجه يف �ص‪.97‬‬ ‫((( ‬

‫‪99‬‬
‫‪ -1‬ذهب بع�ض العلماء املعا�صرين‪ ،‬ومنهم ال�شيخ عبد اهلل بن جربين (وهو من علماء‬
‫اململكة العربية ال�سعودية) �إىل حرمة هذه العمليات بجميع �أنواعها؛ لأنها يف ر�أيه من الو�صل‬
‫طبيعي من الإن�سان نف�سه‪� ،‬أو �شعر ًا �صناعي ًا يزرع يف الر�أ�س‪� ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫املحرم‪� ،‬سواء كانت زراع ًة ٍ‬
‫ل�شعر‬
‫يث ّبت على �شبك ٍة‪ ،‬ثم يل�صق على جلدة الر�أ�س بال�صق‪ ،‬واعتربوا هذه الزراعة نوع ًا من الو�صل‬
‫ري ملا خلق اهلل تعاىل‪.‬‬
‫املحرم؛ لأنها تغي ٌ‬
‫وبنا ًء على هذا ف�إنَّ قول النبي ‪ :‬لعن اهلل الوا�صلة وامل�ستو�صلة((( ينطبق على الأطباء‬
‫الذين يقومون بعملية زراعة ال�شعر (لأنهم وا�صلون)‪ ،‬وعلى املر�ضى الذين تجُ رى لهم هذه‬
‫العملية (لأنهم م�ستو�صلون)‪ ،‬ذكور ًا كانوا �أم �إناث ًا‪.‬‬
‫‪ -2‬ذهب �آخرون من العلماء كال�شيخ ابن عثيمني والدكتور ال�شيخ يو�سف القر�ضاوي �إىل‬
‫جواز زراعة ال�شعر الطبيعي للرجال والن�ساء‪ ،‬يف حالة ال�صلع الكامل �أو اجلزئي‪.‬‬
‫وزرع ال�شعر يف ر�أيهم يندرج حتت باب (�إزالة العيب و�إرجاع ال�شيء �إىل �أ�صل خلقته)‪،‬‬
‫ف�ض ًال عن �أنَّ هذا ال�شعر الطبيعي هو �شع ٌر م�أخو ٌذ من ال�شخ�ص نف�سه‪� ،‬إذ ال ميكن �أن ّ‬
‫يتم زرع‬
‫ال�شعر �إال �إذا كانت الب�صيالت م�أخوذة من نف�س املري�ض‪ ،‬وتتغ ّذى من دمه‪ ،‬فحكمها كحكم‬
‫�شعره الأ�صلي‪ ،‬وبالتايل ف�إنّ زراعتها لي�ست و�ص ًال حمرم ًا‪ ،‬ولي�س فيها خدا ٌع وال ٌّ‬
‫غ�ش‪ ،‬و�إمنا فيها‬
‫�سليم غ ِري حمروق‪.‬‬‫بجلد ٍ‬ ‫معاجل ٌة طبي ٌة‪ ،‬ت�شبه تطعيم اجللد املحروق يف البدن ٍ‬
‫وهذا ما ق ّرره املجمع الفقهي التابع ملنظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي يف دورته الثامنة ع�شرة يف عام‬
‫‪2007‬م‪ ،‬حيث �أجاز زراعة ال�شعر حالة �سقوطه وخا�صة للمر�أة‪.‬‬
‫‪-3‬هناك ر� ٌأي ثالثٌ يف هذا ال�ش�أن ورد يف فتاوى ال�شبكة الإ�سالمية‪ ،‬وهو يرى جواز زرع‬
‫ال�شعر بجميع �أنواعه‪ :‬الطبيعي واال�صطناعي‪ ،‬لإزالة ال�صلع الكامل �أو اجلزئي‪ ،‬وال تعترب هذه‬
‫الأنواع من زراعة ال�شعر مندرج ًة حتت الو�صل املحرم‪ ،‬ولي�ست تغيري ًا خللق اهلل تعاىل‪ ،‬بل هي‬
‫نو ٌع من �أنواع العمليات التجميلية التي تزيل ال�ضرر‪ ،‬وترفع احلرج وامل�شقة‪.‬‬
‫  ‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.97‬‬ ‫((( ‬

‫‪100‬‬
‫ما �أفتت به ال�شبكة الإ�سالمية بالن�سبة لل�شعر ال�صناعي يثري لدى الكثريين ت�سا�ؤالتٍ‬
‫عديدة‪:‬‬
‫‪ -‬ما حكم من يزرع �شعر ًا جن�س ًا ك�شعر احليوانات غري م�أكولة اللحم مث ًال؟‬
‫‪ -‬وما حكم من يزرع �شعر ًا بغية الغ�ش والتدلي�س على الزوج �أو اخلطيب!‬
‫‪ -‬وهل يحق للمخطوبة �أن تزرع �شعر ًا يراه اخلاطب جمي ًال‪ ،‬ليكت�شف بعد الزواج �أنه �شع ٌر‬
‫�صناعي مز ّيف؟! هل هذا جائز؟!‬ ‫ّ‬
‫آنئذ؟!‬
‫وماذا �سيكون موقف الزوج من زوجته وموقف الزوجة من زوجها � ٍ‬
‫‪ -‬وما هو حكم ال�شرع �إذا اكت�شف الزوج �أو الزوجة �أنَّ �أحدهما كان يعاين قبل الزواج من‬
‫مر�ض يف ر�أ�سه ت�س ّبب يف �سقوط �شعره‪ ،‬ومل ي�صارحه به‪ ،‬بل غ�شه ود َّل�س عليه‪ ،‬و�أخفى عنه‬ ‫ٍ‬
‫احلقيقة! هل له �أن يطلب ف�سخ الزواج بدعوى الغ�ش والتدلي�س‪ ،‬وهل له �أن يطالب بحقوقه‬
‫كامل ًة؟ وهل يندرج هذا حتت باب التفريق للعلل والعيوب والأمرا�ض؟‬
‫روي يف هذا �أن النبي ‪ ‬تزوج امر�أ ًة ِمن بني ِغ َفار‪ ،‬فل َّما �أُ ْد ِخ َل ْت عليه ر�أى ِب َك ْ�ش ِحها َو َ�ض ًحا‬
‫(((‬
‫(�أي‪ :‬بر�ص ًا)‪ ،‬فر َّدها ِ�إىل �أهلها وقال‪َ :‬د َّل ْ�ست ُْم َّ‬
‫علي‪.‬‬
‫هذه احلادثة جتعلنا نت�ساءل‪ :‬هل ينطبق هذا على من يزرع �أو تزرع ال�شعر ال�صناعي دون‬
‫�إخبار اخلاطب �أو املخطوبة بذلك؟!‬
‫امل�شرتك بني زراعة ال�شعر ال�صناعي وو�صل لل�شعر‪:‬‬
‫أدق و�أ�شمل‪ ،‬فال�شعر ال�صناعي‬ ‫ب�شكل � ّ‬ ‫اجلواب على هذا كله يحتّم علينا �أن نتناول املو�ضوع ٍ‬
‫ال�صق‪ ،‬ي�شرتك مع‬ ‫الذي يزرع يف فروة الر�أ�س‪� ،‬أو يث ّبت يف �شبكة ثم يث ّبت يف الر�أ�س عن طريق ٍ‬
‫و�صل ال�شعر املعروف يف زمن النبي ‪ ‬وزمن الفقهاء من بعده‪ ،‬من ناحية �أنه لي�س جزء ًا من‬
‫غريب عنه‪ ،‬وهو ال ي�أخذ حكم �شعر الإن�سان الذي يحيا بحياته ويتغ ّذى‬ ‫الإن�سان‪ ،‬بل هو ج�س ٌم ٌ‬
‫من ج�سده‪ ،‬كما �أنه يختلف يف ماه ّيته عن ب�صيالت ال�شعر التي ت�ؤخذ من املرء و ُتزرع يف ر�أ�سه‪،‬‬
‫ب�شكل طبيعي‪.‬‬ ‫لينمو منها �شعره بعد ذلك ٍ‬

‫حديث �ضعيف‪� .‬أخرجه البيهقي يف �سننه الكربى‪ ,213/7 :‬و�أبو يعلى يف م�سنده ‪ ،63/10 :‬وبينّ ابن حجر يف‬ ‫((( ‬
‫التلخي�ص احلبري ‪� :177/3‬ضعف احلديث‪ ،‬و�أنه مع ّل باال�ضطراب‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫ولذلك كان على جلنة الفتوى يف ال�شبكة الإ�سالمية �أن ت�أخذ هذا بعني االعتبار‪ ،‬فتط ّبق على‬
‫زراعة ال�شعر ال�صناعي نف�س ال�شروط التي ا�شرتطها الفقهاء جلواز و�صل ال�شعر‪� :‬أن ال يجري‬
‫بال�صق �شعر ًا طاهر ًا‪ ،‬يح ّل االنتفاع به‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫فيه التدلي�س ّ‬
‫والغ�ش‪ ،‬و�أن يكون ال�شعر املزروع �أو املث ّبت‬
‫عندما ننظر اليوم �إىل ما يفعله الكثري من ال�شباب وال�شابات املقبلني �أو املقبالت على‬
‫الزواج‪ ،‬نرى الغ�ش والتدلي�س من �أ�سا�سيات هذا الزواج يف كثري من الأحيان‪ ،‬فقد تزرع الفتاة‬
‫�أو ال�شاب �شعر ًا �صناعي ًا بطريق ٍة متقنة‪ ،‬فيبدو للناظرين وك�أنه �شعر طبيعي‪ ،‬ويخفي �أحدهما‬
‫عن الآخر هذا العيب‪ ،‬وبعد الزواج يتم اكت�شافه‪ ،‬وتبد�أ ب�سببه م�شاكل ال يعلم �إال اهلل تعاىل متى‬
‫وكيف تنتهي‪.‬‬
‫واحلقيقة �أن الإ�سالم يعترب هذا تدلي�س ًا وغ�ش ًا حمرم ًا‪ ،‬ومن جهة �أخرى ف�إن هذا الغ�ش‬
‫والتدلي�س ي�ؤثر يف �سالمة احلياة الزوجية‪ ،‬التي يفرت�ض فيها �أن تبنى على ال�صراحة والأمانة‪.‬‬
‫خال�صة املو�ضوع‪:‬‬
‫ب�شكل �أ�شمل‬
‫‪ -‬يجب درا�سة مو�ضوع زراعة ال�شعر ال�صناعي من قبل الفقهاء املجتهدين ٍ‬
‫أدق‪ ،‬لأنه مل ي�أخذ حظه الكايف من الدرا�سة بعد‪.‬‬ ‫و� ّ‬
‫‪ -‬ت�شرتك زراعة ال�شعر ال�صناعي مع الو�صل املعروف يف زمن النبي ‪ ‬يف �أنها لي�ست جزء ًا‬
‫من الإن�سان‪ ،‬وال ت�أخذ حكم �شعره‪.‬‬
‫‪ -‬يجب �أن ي�شرتط جلواز هذا الزرع ال�شروط التي ا�شرتطها الفقهاء جلواز و�صل ال�شعر‪،‬‬
‫وهي‪� :‬أن يكون ال�شعر مما يح ُّل االنتفاع به‪ ،‬فيكون �شعر ًا �صناعي ًا طاهر ًا‪ ،‬و�أن ال ي�ؤدي �إىل الغ�ش‬
‫والتدلي�س‪.‬‬
‫‪ -‬هناك �ضرورة ملناق�شة هذه املوا�ضيع يف املجامع الفقهية التي تعتمد على االجتهاد‬
‫اجلماعي‪ ،‬ال على الآراء الفردية‪.‬‬
‫  ‬

‫‪102‬‬
‫احلكم ال�شرعي لزراعة ال�شعر ال�صناعي‪:‬‬
‫بعد هذه اخلال�صة علينا �أن نبني �أن ال�شعر اال�صطناعي اليوم ال ي�صنع من �شعر احليوان‪،‬‬
‫و�إمنا ي�صنع من �ألياف خا�صة‪ .‬يتحدث الدكتور منر قا�سم حممد‪ ،‬االخت�صا�صي يف اجلراحة‬
‫اجللدية وزرع ال�شعر الطبيعي عن ذلك قائ ًال‪:‬ال�شعر ال�صناعي هو � ٌ‬
‫ألياف �صناعي ٌة ت�ضاف �إليها‬
‫واحد ثابت‪ ،‬وهذه الألياف قد تتلف وتخرج من‬ ‫بطول ٍ‬ ‫مواد مل ّونة بحيث تنا�سب املري�ض‪ ،‬و ُتزرع ٍ‬
‫مكانها الذي زرعت فيه يف الر�أ�س خالل �سن ٍة �أو �سنتني �أو ثالثة‪ ،‬وميكن �أن يعاد الزرع مرة �أخرى‪.‬‬
‫يتع�سر زراعة‬‫مر�ض كالثعلبة مث ًال‪ ،‬ف�إنه ّ‬
‫يف حالة ال�صلع الكامل الذي ي�صيب بع�ض النا�س ب�سبب ٍ‬
‫ب�صيالت �شعري ٍة يف ر�أ�سه لزرعها يف‬
‫ٍ‬ ‫ال�شعر الطبيعي يف ر�أ�س هذا املري�ض؛ ب�سبب عدم وجود‬
‫�أماكن ال�صلع‪ ،‬ولي�س �أمام هذا الإن�سان امل�صاب �إال �أحد �أمرين‪� :‬أن يزرع �شعر ًا ا�صطناعي ًا‪� ،‬أو‬
‫يلب�س باروك ًة متحرك ًة‪� ،‬أو باروك ًة يتم تثبيتها على جلدة الر�أ�س بال�صق‪.‬‬
‫ري من العلماء املعا�صرين جواز زرع ال�شعر ال�صناعي‬ ‫رجح كث ٌ‬
‫بناء على هذا الر�أي الطبي ّ‬
‫يف فروة الر�أ�س يف حالة الإ�صابة بال�صلع الكامل لدى الرجل �أو املر�أة‪ ،‬لعدم �إمكانية �إجراء‬
‫عملية زرع ال�شعر الطبيعي‪ ،‬وذلك عم ًال بالقاعدة الفقهية التي تقول‪ :‬ال�ضرر يزال‪ ،‬وامل�شقة التي‬
‫تلحق املري�ض ج ّراء �صلعه‪ ،‬يندرج رفعها حتت باب احلاجيات التي تنزَّل منزلة ال�ضروريات‪،‬‬
‫الغ�ش والتدلي�س‪ ،‬وي�ضاف �إليه �شرط �آخر‪ ،‬وهو عدم ا�ستعمال‬ ‫وي�شرتط جلواز هذا الزرع عدم ّ‬
‫إن�سان �آخر‪ ،‬ملا ذكرناه من حترمي الفقهاء القدامى لالنتفاع بال�شعر‬ ‫أخوذ من � ٍ‬ ‫طبيعي م� ٍ‬
‫ٍ‬ ‫�شعر‬
‫ٍ‬
‫الطبيعي‪ ،‬ولأنَّ هذا ال�شعر قد يكون م�أخوذ ًا من امر�أة‪ ،‬وال يجوز ك�شفه �أمام الرجال الأجانب‪..‬‬
‫  ‬
‫حكم ال�شرع يف ا�ستخدام الباروكة �أو البو�ستيجة (ال�شعر امل�ستعار)‪:‬‬
‫�شعر طبيعي‪ ،‬ويث َّبت على �شبك ٍة‬
‫ألياف �صناعي ٍة �أو من ٍ‬‫الباروكة هي �شع ٌر م�ستعا ٌر ُي�صنع من � ٍ‬
‫ويتم ا�ستخدامها دون �إل�صاقها بفروة الر�أ�س‪ ،‬بحيث تو�ضع على الر�أ�س و ُتنزع عنه‬ ‫من القما�ش‪ّ ،‬‬
‫ب�سهولة‪.‬‬
‫مل يتعر�ض الفقهاء القدامى لهذا املو�ضوع لعدم وجود الباروكة يف زمانهم‪ ،‬با�ستثناء ما ورد‬
‫و�صل)‪ ،‬لأنهم ر�أوا �أنَّ و�ضع‬
‫يف بع�ض كتب املالكية‪ ،‬حيث �أجازوا و�ضع ال�شعر على الر�أ�س (دون ٍ‬
‫املنهي عنه‪.‬‬
‫ال�شعر على الر�أ�س دون �إل�صاقٍ ‪ ،‬يختلف عن الو�صل املحرم ّ‬

‫‪103‬‬
‫�أما الفقهاء املعا�صرون فقد اختلفوا يف حكم ا�ستخدام املر�أة للباروكة‪ :‬هل هي نو ٌع من‬
‫و�ضع ال�شعر على الر�أ�س ال يعني الو�صل‪ ،‬ولي�س فيه ُحرمة؟!‬
‫الو�صل املحرم‪� ،‬أم �إنَّ جمرد ٍ‬
‫‪ -1‬ذهب بع�ض الفقهاء املعا�صرين (فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء يف ال�سعودية– فتاوى‬
‫ال�شيخ ابن باز) �إىل حرمة ا�ستخدام الباروكة‪� ،‬سواء ّمت ا�ستخدامها لعذ ٍر �أو لغري عذرٍ‪ ،‬لأنها يف‬
‫ر�أيهم تندرج حتت الو�صل املح ّرم ب�شكل مطلق‪.‬‬
‫‪ -2‬ذهب �أكرث الفقهاء املعا�صرين ومنهم الدكتور القر�ضاوي‪ ،‬وفتاوى ال�شبكة الإ�سالمية‪،‬‬
‫وال�شيخ ابن عثيمني‪� ،‬إىل �أنَّ هذه الباروكة ال تختلف عن و�صل ال�شعر الذي تناولته الأحاديث‬
‫النبوية ال�صحيحة ونهت عنه‪ ،‬ويجب جلواز ا�ستخدام املر�أة للباروكة �أن تتوفر ال�شروط التالية‪:‬‬
‫ملحة ال�ستخدامها (كحالة ال�صلع الكامل �أو اجلزئي)‪.‬‬ ‫‪� -1‬أن تكون هناك حاجة ّ‬
‫آدمي‪.‬‬ ‫‪� .2‬أال تكون م�صنوع ًة من ِ‬
‫�شعر � ٍ‬
‫‪� .3‬أن يكون ال�شعر طاهر ًا‪.‬‬
‫غ�ش وتدلي�س على ّ‬
‫اخلطاب‪.‬‬ ‫‪� .4‬أن ال يكون يف ا�ستعمالها ّ‬
‫�إذن‪ ،‬بنا ًء على هذا يجوز ا�ستخدام الباروكة‪ ،‬فيما �إذا كان ال�شعر �صناعي ًا وطاهر ًا‪� ،‬أما‬
‫الباروكات امل�صنوعة من ال�شعر الطبيعي فال يجوز ا�ستخدامها بناء على هذا الر�أي‪.‬‬
‫ملحة للب�سها‪ ،‬فقد تكون املر�أة �صلعاء منذ‬
‫‪ ‬كما ي�شرتط جلواز ا�ستخدام الباروكة وجود حاجة ّ‬
‫مبر�ض يفقدها �شعرها‪ ،‬ونحن نعلم �أنَّ مر�ضى ال�سرطان الذين يتناولون‬ ‫الوالدة‪ ،‬وقد ت�صاب ٍ‬
‫جرعات العالج الكيميائي يت�ساقط �شعرهم‪ ،‬ت�ساقط ًا م�ؤقت ًا لفرتة حمدودة (فرتة تناول العالج‬
‫الكيماوي)‪ ،‬والقاعدة الفقهية تقول‪ :‬ال�ضرر ُيزال‪ ،‬واحلاج ّيات تنزَّل منزلة ال�ضروريات‪ ،‬فيجوز‬
‫بحال من‬
‫له�ؤالء لب�س الباروكة ب�شرط �أن تتم امل�صارحة بهذا الأمر �أثناء اخلطبة‪ ،‬وال يجوز ٍ‬
‫الأحوال �إخفاء العيب على ّ‬
‫اخلطاب‪.‬‬
‫  ‬

‫‪104‬‬
‫تتبادر للذهن �أ�سئل ٌة كثري ٌة تتعلق مبو�ضوع الباروكة‪ ،‬وكنت �أمتنى لو ُبح َثت هذه املوا�ضيع‬
‫امل�ستجدة يف املجامع الفقهية ل�ضرورتها و�أه ّميتها‪:‬‬
‫هل يجوز للمر�أة �أن ت�ستخدم باروك ًة م�صنوع ًة من �شعرها الطبيعي املق�صو�ص منها؟‬
‫كثري ًا ما �أُ�س�أل من قبل بع�ض الن�ساء عن حكم �صنع الباروكة من �شعرها الذي ّ‬
‫ق�صته‪.‬‬
‫حتدثنا �سابق ًا عن �آراء الفقهاء يف ا�ستخدام ال�شعر الطبيعي‪ ،‬وبي َّنا كيف اتفق الفقهاء‬
‫على حرمته لكرامة الآدمي وحرمة االنتفاع ب�أع�ضائه‪ ،‬ومل يخالف يف هذا �سوى الإمام حممد‬
‫من احلنفية‪ ،‬حيث �أجاز االنتفاع ب�شعر الآدمي م�ستد ًال ب�أنَّ النبي ‪ ‬ق�سم �شعره بني �أ�صحابه‬
‫للتربك به(((‪.‬‬
‫وميكن ملن ي�شاء تقليد هذا الر�أي‪ ،‬لأن الفقهاء مل ي�ستندوا يف حترميهم ال�ستخدام �شعر‬
‫و�صريح‪ ،‬ولكن ُي�شرتط هنا �أن ال ي�ستخدم هذا ال�شعر �أح ٌد غري‬ ‫ٍ‬ ‫�صحيح‬
‫ٍ‬ ‫دليل‬
‫الآدمي على ٍ‬
‫�صاحبته‪ ،‬و�أن ال ت�ستخدمه �صاحبته �أمام الرجال الأجانب‪ ،‬الذين ال يجوز لهم �أن يروا �شعرها‪.‬‬
‫  ‬
‫هل يجوز للرجل الأ�صلع ا�ستخدام الباروكة؟‬
‫ذهب بع�ض الفقهاء املعا�صرين (فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء يف ال�سعودية‪ -‬فتاوى‬
‫ال�شبكة‪ -‬فتاوى ال�شيخ ابن باز) �إىل �أنَّ لب�س الرجل الأ�صلع للباروكة ال يجوز‪ ،‬لأنه يدخل حتت‬
‫الو�صل املحرم‪.‬‬
‫يرجحون اجلواز‪ ،‬ويرون �أنه من املمكن قيا�س ا�ستخدام‬ ‫ولكنّ بع�ض الفقهاء املعا�صرين ّ‬
‫الرجل الأ�صلع للباروكة على مو�ضوع و�صل ال�شعر‪ ،‬وهو مو�ضو ٌع بحثه الفقهاء القدامى‪ ،‬وا�شرتطوا‬
‫جلوازه �أن ينتفي الغ�ش والتدلي�س‪ ،‬و�أن يكون ال�شعر مما يح ّل االنتفاع به‪..‬‬
‫وعلى الرغم من �أن بحث الفقهاء القدامى لهذا املو�ضوع كان حم�صور ًا يف �إطار الن�ساء‪� ،‬إال‬
‫(احل ِّل �أو احلرمة)‪ ،‬لأن ت�أنيث‬‫�أن ذلك ال يعني ا�ستبعاد الرجال من الدخول يف عموم احلكم ِ‬
‫اخلطاب يف احلديث ال�شريف‪ :‬لعن اهلل الوا�صلة وامل�ستو�صلة‪� ،‬أو يف كتب الفقهاء‪ ،‬مل يرد على‬
‫�سبيل التخ�صي�ص واحل�صر‪ ،‬بل لأن الن�ساء هنّ الأغلبية التي كانت تلج�أ �إىل و�صل ال�شعر �آنذاك‪.‬‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.100‬‬ ‫((( ‬

‫‪105‬‬
‫وبنا ًء على هذا ميكن للرجل الأ�صلع ا�ستخدام الباروكة‪� ،‬إذا حتققت هذه ال�شروط‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬
‫و�أنَّ حالة ال�صلع الكامل ال ميكن عالجها بزراعة ال�شعر الطبيعي‪ ،‬ولي�س �أمام املرء يف هذه احلالة‬
‫�صناعي على‬
‫ٍ‬ ‫�شعر‬
‫�إال �أحد �أمرين‪ :‬ا�ستخدام الباروكة لرفع ال�ضرر واحلرج عن نف�سه‪� ،‬أو زراعة ٍ‬
‫فروة الر�أ�س‪ ،‬ورمبا يكون اختيار الباروكة يف هذه احلالة �أوفر من الناحية املادية‪ ،‬و�أ�ضمن من‬
‫م�ضاعفات يف بع�ض الأحيان‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الناحية ال�صحية‪ ،‬ملا قد ي�س ّببه زرع ال�شعر ال�صناعي من‬
‫  ‬
‫ما حكم تثبيت الباروكة على فروة ر�أ�س الأ�صلع؟‬
‫�أم ٌر �آخر يجب �أن نبحث عن حكمه‪ ،‬وهو م�س�ألة تثبيت الباروكة على فروة الر�أ�س‪ :‬هل يجوز‬
‫يتم الو�ضوء والغ�سل يف هذه احلالة؟!‬ ‫هذا التثبيت؟ وكيف ّ‬
‫مل ي�أخذ هذا املو�ضوع حقه من البحث يف الكتب الفقهية احلديثة �أو يف املجامع الفقهية‪ ،‬ومل‬
‫�أجد �إال ر�أي ًا للمفتني يف ال�شبكة الإ�سالمية‪ ،‬وح�سب ر�أيهم‪ ،‬ف�إنَّ هذا ال�شعر يعامل معاملة ال�شعر‬
‫الطبيعي بالن�سبة للو�ضوء والغ�سل‪� ،‬أي‪ :‬مي�سحه امل�سلم �أثناء الو�ضوء‪ ،‬ويغ�سله �أثناء التطهر من‬
‫اجلنابة‪ ،‬وك�أنه �شع ٌر طبيعي‪ ،‬لأنه �أ�صبح كجزءٍ من ج�سده‪� .‬أما بالن�سبة للتق�صري واحللق يف‬
‫يق�ص‬‫احلج والعمرة فهذه الباروكة لي�ست كال�شعر الطبيعي‪ ،‬وال يجب على احلاج �أو املعتمر �أن ّ‬
‫منها �أو يحلقها‪ ..‬ويكفيه �أن يفعل كما يفعل الأ�صلع‪ ،‬فيم ّر باملو�س على ر�أ�سه مرور ًا فقط‪.‬‬
‫  ‬
‫هل يجوز للمر�أة لب�س الباروكة للزينة؟‬
‫كثري ًا ما تقول يل بع�ض الن�ساء‪� :‬شعري موجو ٌد و�سلي ٌم واحلمد هلل‪ ،‬ول�ستُ �صلعاء وال خفيفة‬
‫ال�شعر‪ ،‬ولكني �أحب �أن �أتزين لزوجي بلب�س الباروكة ال�سوداء وال�شقراء واحلمراء‪ ،‬ف�أغيرّ بذلك‬
‫منظر ولون �شعري ك�سر ًا للروتني‪ ،‬وتقرب ًا �إىل قلب زوجي‪ ،‬فهل يجوز ذلك؟‬
‫اجلواب‪ :‬هذا حمر ٌم عند �أغلب الفقهاء املعا�صرين‪ ،‬ولو كان ذلك بق�صد التز ّين للزوج‪،‬‬
‫فالإباحة كانت �أ�ص ًال لرفع ال�ضرر‪ ،‬ولي�س للزينة‪ .‬ولكنَّ بع�ض الفقهاء املعا�صرين �أجازوا هذا‬
‫بناء على مذهب جمهور الفقهاء القدامى الذين �أجازوا و�صل ال�شعر مبا يح ّل االنتفاع به‪� ،‬إذا‬
‫انتفى الغ�ش والتدلي�س‪ ،‬دون �أن ي�شرتطوا وجود ال�ضرورة �أو احلاجة لهذا الو�صل‪ ،‬ولكن ب�شرط‬

‫‪106‬‬
‫�أن يكون هذا تز ّين ًا للزوج �أو �أمام الن�ساء‪� ،‬أما ما تفعله بع�ض الن�ساءاليوم‪� ،‬إذ تلب�س الباروكة‬
‫وتظهر بها �أمام الرجال الأجانب يف الطرقات واملحافل‪ ،‬فهذا قطع ًا �أم ٌر حم ّرم‪.‬‬
‫والأغرب من هذا �أن هناك من تلب�س الباروكة‪ ،‬وتخرج بها �إىل الطريق �أو �أمام الرجال‬
‫الأجانب‪ ،‬وهي تظن �أنَّ هذه الباروكة ت�سرت �شعرها الأ�صلي‪ ،‬وك�أنها حجاب‪ ،‬وهذا �أم ٌر حم ّرم‬
‫ب�إجماع الفقهاء‪.‬‬

‫  ‬
‫حكم بيع الباروكة‪:‬‬
‫مبني على اختالفهم يف‬ ‫اختلف الفقهاء املعا�صرون يف حكم بيع الباروكة‪ ،‬واختالفهم يف هذا ّ‬
‫حكم ا�ستخدامها‪ ،‬فمن ح ّرم منهم ا�ستخدامها ح ّرم بيعها‪.‬‬
‫�أما من �أجاز ا�ستخدامها ب�شروط‪ ،‬فقد �أباح بيعها ملن ي�شرتيها‪� ،‬إذا توفرت فيه تلك‬
‫ال�شروط‪ ..‬وال يخفى ما يف هذا الكالم من �صعوب ٍة على من يريد �أن يتاجر بالباروكات‪� ،‬إذ كيف‬
‫له �أن يت�أكد من حاجة امل�شرتي �إليها‪� ،‬أو من انتفاء الغ�ش والتدلي�س!!‬
‫ولهذا ر�أى بع�ض الفقهاء �أنَّ بيع الباروكة مبا ٌح �إذا حتققت فيها ال�شروط املطلوبة (�أن ال‬
‫ألياف ا�صطناعي ٍة طاهرة)‪ ،‬وال عالقة للتاجر بتحقق‬ ‫تكون م�صنوعة من �شعر طبيعي‪ ،‬بل من � ٍ‬
‫ال�شروط يف امل�شرتي‪ ،‬لأنَّ حت ُققَ هذه ال�شروط هي م�س�ؤولية املُ ِ‬
‫�ستخدم ولي�ست م�س�ؤولية البائع‪.‬‬
‫  ‬
‫حكم و�صل ال�شعر يف �صالونات احلالقة‪:‬‬
‫طبيعي بطريق ٍة‬
‫ٍ‬ ‫�صناعي �أو‬
‫ٍ‬ ‫ب�شعر �آخر‬
‫يتم اليوم يف بع�ض �صالونات احلالقة و�صل �شعر املر�أة ٍ‬ ‫ّ‬
‫وراثي ي�صيب �شعرها فيجعله‬ ‫ل�سبب مر�ضي �أو ٍ‬ ‫ف ِّني ٍة مبتكرة‪ ،‬وقد تلج�أ املر�أة �إىل هذا الو�صل ٍ‬
‫�سبب مربر‪ ،‬بل تفعل ذلك ملجرد حب التغيري‬ ‫يت�ساقط ت�ساقط ًا جزئي ًا‪ ،‬وقد ال يكون عندها ٌ‬
‫والرغبة يف التز ّين‪.‬‬
‫ري من الفقهاء املعا�صرين حرمة هذا الو�صل‪ ،‬و�أنه من الو�صل املذموم الوارد يف‬ ‫ويرى كث ٌ‬
‫�أحاديث النبي ‪ ،‬ويرون لذلك ترتّب الإثم على الوا�صلة (الكوافرية)‪ ،‬وعلى امل�ستو�صلة التي‬
‫ُز ّين �شعرها بهذه الطريقة‪ ،‬ملا فيها من ّ‬
‫الغ�ش واخلداع وتغيري خلقة اهلل‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫بينما يرى �آخرون �أن ذلك جائز بال�شروط التي ذكرها الفقهاء القدامى جلواز و�صل ال�شعر‪،‬‬
‫والتي ذكرناها �آنف ًا‪ ،‬ومن �أهمها انتفاء الغ�ش والتدلي�س‪ ،‬و�أن يكون ال�شعر املو�صول به �شعر ًا‬
‫طاهر ًا (م�صنوع ًا من الألياف �أو م�أخوذ ًا من احليوان ح�سبما ف�صلنا قبل قليل)‪ ،‬ولي�س �شعر ًا‬
‫لآدمي‪.‬‬
‫�أما �إن كان ال�شعر املو�صول به �شعر ًا مق�صو�ص ًا من امل�ستو�صلة نف�سها‪ ،‬فقد ذهب معظم‬
‫مف�ص ًال يف‬
‫الفقهاء �إىل حرمته‪ ،‬بينما يرى ق ّلة من الفقهاء املعا�صرين جوازه‪ ،‬وقد بينا ذلك ّ‬
‫بحث (هل يجوز للمر�أة �أن ت�ستخدم باروك ًة م�صنوع ًة من ٍ‬
‫�شعر طبيعي �إذا كان �شع َرها املق�صو�ص‬
‫منها م�سبق ًا؟)‪ ،‬وميكن الرجوع �إليه‪.‬‬
‫(حا�شية �صفحة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟)‬
‫  ‬
‫يف نهاية هذا البحث �أذ ِّكر �إخوتي الق ّراء بحديث النبي ‪ ‬حني قال لواب�صة بن معبد‪ :‬يا‬
‫(((‬
‫ا�ستفت قلبك ولو �أفتاك النا�س و�أفتوك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قلبك‪..‬ا�ستفت قلبك‪..‬‬
‫ِ‬ ‫ا�ستفت‬
‫ِ‬ ‫واب�صة‬
‫و�أنتم �إخوتي القراء‪ ..‬ا�ستفتوا قلوبكم‪ ..‬وابتعدوا عن ال�شبهات‪ ،‬فمن اتقى ال�شبهات فقد‬
‫ا�سترب�أ لدينه وعر�ضه‪.‬‬
‫  ‬
‫ري من النا�س رجا ًال‬‫�سنتناول يف البحث القادم نوع ًا من �أنواع الزينة التي يهتم بها اليوم كث ٌ‬
‫ون�ساء‪ ،‬و�إن ك ّنا جند هذا االهتمام عند املر�أة ب�شكل �أو�سع‪.‬العمليات التجميلية‪ :‬ما هي �أنواعها؟‬
‫وما هو حكم ال�شرع فيها؟‬
‫يف ال�صفحات التالية �سيتم بحث هذا املو�ضوع بالتف�صيل �إن �شاء اهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪                    ‬‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.28‬‬ ‫((( ‬

‫‪108‬‬
‫ُ‬
‫عمليات التجميل‬
‫بني احلالل واحلرام‬

‫احلديث عن عمليات التجميل وحكم ال�شرع فيها حديثٌ‬


‫ومهم‪ ،‬لأنَّ هذه العمليات انت�شرت انت�شار ًا وا�سع ًا‪،‬‬
‫�شائك و�شائق ّ‬ ‫ٌ‬
‫وكثرُ الأخذ والر ّد فيها‪ ،‬وتباينت �آراء النا�س بخ�صو�صها تباين ًا‬
‫كبري ًا‪ ،‬فمن ٍ‬
‫قائل‪ :‬ال ب�أ�س بها‪ ،‬والإن�سان ح ٌر يف �أن يفعل ما ي�شاء‬
‫قائل يقول‪:‬‬‫ب�أنفه �أو ب�صدره �أو ب�أي ع�ض ٍو من �أع�ضاء ج�سمه! �إىل ٍ‬
‫ري خللق اهلل‪ ،‬وهو من‬ ‫هذا حرا ٌم وكبري ٌة من الكبائر‪ ،‬وفيه تغي ٌ‬
‫عمل ال�شيطان‪ ،‬وخاب وخ�سر كل من اتبع ال�شيطانَ ‪ ،‬وعمل عمله!‬
‫�أ�ستطيع �أن �أقول‪� :‬إن فكرة جتميل الأع�ضاء امل�ش ّوهة كانت‬
‫موجود ًة منذ زمن النبي ‪ ،‬فقد ورد �أنَّ �أحد ال�صحابة الكرام‬
‫وا�سمه عرفجة بن �أ�سعد ُقطع �أنفه يف �إحدى املعارك‪ ،‬ف�أمره‬
‫(((‬
‫النبي ‪� ‬أن يتخذ �أنف ًا من ذهب‪.‬‬
‫‪ ‬ولكنَّ عمليات التجميل التي جتري يف القرن الواحد‬
‫والع�شرين الذي نعي�شه‪ ،‬ومب�ساعدة التقنيات الطبية والعلمية‬
‫الهائلة‪ ،‬وبالتف ّننات التي بتنا ن�سمعها يف كل يوم‪ ،‬كتكبري ال�صدر‬
‫ونفخ ال�شفاه و�شفط الدهون من بع�ض املناطق يف اجل�سد‪ ،‬وحقن‬
‫ال�سيليكون والبوتوك�س يف مناطق �أخرى منه‪� ،‬أقول‪ :‬هذه الأمور‬
‫مل تكن معروف ًة يف زمن النبي ‪ ،‬وال يف زمن الفقهاء القدامى‪،‬‬
‫ولذلك ف�إنَّ من املهم �أن نتع ّرف عليها من الناحية الطبية‪ّ ،‬ثم‬
‫نناق�شها لنعرف حكم ال�شرع فيها‪ ،‬مع الرتكيز منذ البداية على‬
‫�أنَّ هذه الق�ضية هي ق�ضية اجتهادي ٌة‪ ،‬والق�ضايا االجتهادية تبقى‬
‫اختالف وتن ّو ٍع يف الآراء‪ ،‬واهلل �أعلم بال�صواب‪..‬‬
‫ٍ‬ ‫دائم ًا حم ّل‬
‫ ‬
‫حديث ح�سن‪� .‬أخرجه �أبو داود يف �سننه ـ كتاب اخلامت ـ باب ما جاء يف ربط الأ�سنان بالذهب‪ ،92/4 :‬والرتمذي‬ ‫((( ‬
‫يف �سننه ـ كتاب اللبا�س ـ باب ما جاء يف �شد الأ�سنان بالذهب‪ 240/4 :‬وقال‪ :‬ح�سن غريب‪ ،‬والن�سائي يف املجتبى ـ كتاب الزينة ـ‬
‫باب من �أ�صيب �أنفه هل يتخذ �أنف ًا من ذهب‪.163/8 :‬‬
‫�أهمية العمليات التجميل ّية‪:‬‬
‫ال ُين َكر دور العمليات التجميلية يف ح ّل كث ٍري من املع�ضالت وامل�شاكل ال�صحية واجل�سدية‪،‬‬
‫التي ُتلحق ب�صاحبها �ضرر ًا �أو م�شقة وحرج ًا‪..‬‬
‫أ�سا�س ها ٌم من �أ�س�س الت�شريع الإ�سالمي‪ ،‬كما �أنَّ‬‫أحب �أن �أ�ؤكد هنا على �أنَّ رف َع احلرج � ٌ‬ ‫و� ُّ‬
‫احلفاظ على م�صالح النا�س مق�ص ٌد ها ٌم من مقا�صده‪..‬‬
‫وقبل احلديث عن حكم ال�شرع يف عمليات التجميل‪ ،‬يجب �أن نبحث يف بع�ض النقاط‬
‫الأ�سا�سية‪:‬‬
‫ما هي �أنواع العمليات التجميلية؟‬
‫عمليات‬
‫ٍ‬ ‫وهل كل عملي ٍة جتميلي ٍة هي لرفع ال�ضرر واحلرج وحفظ امل�صلحة؟ �أم �إنَّ هناك‬
‫مظهر خمتلف؟!‬ ‫جتميلي ًة تهدف �إىل العبث والت�سلية وتغيري ال�شكل ملجرد احل�صول على ٍ‬
‫يغ�ض الإ�سالم الطرف عن هذا العبث املزاجي‪� ،‬أم �إنَّ له فيه ر�أي ًا �آخر؟!‬ ‫ويف هذه احلالة‪ :‬هل ُّ‬
‫  ‬
‫تق�سم عمليات التجميل �إىل نوعني‪:‬‬
‫‪1‬ـ عمليات جتميلية لرفع ال�ضرر‪  .‬‬
‫‪ -2‬علميات جتميلية عبث ّية‪.‬‬
‫  ‬
‫‪ -1‬العمليات التجميلية لرفع ال�ضرر‪:‬‬
‫قد يقع املري�ض يف �ضر ٍر �أو م�شقة جتهده وت�ؤمله ج�سدي ًا �أو نف�سي ًا‪ ،‬وت�ؤثر على �أدائه لوظائفه‬
‫ي�صاب بحروقٍ �شديد ٍة ت�ش ّوهه‪ ،‬وت�سيء‬ ‫َ‬ ‫الأ�سا�سية يف احلياة‪ ،‬ك�أن يفقد ع�ضو ًا من �أع�ضائه‪� ،‬أو‬
‫�إىل منظره‪ ،‬وت�ؤثر �سلب ًا يف كيفية تعاطيه مع املجتمع املحيط به‪ ،‬فيحتاج يف مثل هذه احلاالت‬
‫عمليات جتميلي ٍة لزرع الع�ضو الناق�ص‪� ،‬أو لإزالة الت�ش ّوهات الناجمة عن احلوادث واحلروق‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫�إىل‬
‫خللقية التي �أ�صابته منذ والدته‪.‬‬ ‫�أو لإ�صالح الت�ش ّوهات ا َ‬

‫‪111‬‬
‫يتحدث الدكتور �أكثم اخلطيب (االخت�صا�صي يف العمليات التجميلية) عن هذا النوع من‬
‫عمليات التجميل فيقول‪:‬‬
‫ُتق�سم اجلراحة التجميل ّية ح�سب الغاية املرجوة منها �إىل ٍ‬
‫عدد من املحاور‪:‬‬
‫هات‬‫أ�سا�سي ت�ش ّو ِ‬
‫ب�شكل � ٍ‬
‫املحور الأول والأ�سا�سي هو الت�ش ّوهات الوالدية بكافة �أنواعها‪ ،‬وت�شمل ٍ‬
‫اليدين والقدمني‪ ،‬وت�ش ّوهات �سقف احللق‪.‬‬
‫يهتم باحلروق وما ينجم عنها من ت�ش ّوهات‪� ،‬سواء كانت هذه الت�ش ّوهات‬ ‫املحور الثاين ّ‬
‫وظيفي ًة ت�س ّب ُب �إعاق ًة يف امل�شي �أو احلركة‪� ،‬أو جمالي ًة بحت ًة ك�إ�صالح االنكما�ش يف الأجفان‪� ،‬أو‬
‫الق�ضاء على الندوب والت�ش ّوهات التي حتدث يف الوجه �أو يف �أع�ضاء �أخرى نتيجة احلروق‪...‬‬
‫هات وا�سعة‪،‬‬‫ندبات وت�ش ّو ٍ‬
‫املحور الثالث هو اجلراحة الرتميم ّية ملا يحدث ب�سبب احلوادث من ٍ‬
‫وقت الحق‪.‬‬
‫بحيث يتم ترميمها �إما �أثناء احلادث‪� ،‬أو يف ٍ‬
‫ونعني باحلوادث كل ما يحدث مع الإن�سان وي�سيء �إىل �صحته و�أدائه الوظيفي‪ ،‬كحوادث‬
‫ال�سيارات و�إ�صابات العمل يف الور�شات وامل�صانع وغريها‪.‬‬
‫  ‬
‫بنا ًء على هذا الر�أي الطبي نت�ساءل‪ :‬هل يعترب هذا النوع من العمليات التجميل ّية عم ًال‬
‫�شيطاني ًا يهدف �إىل تغيري خلق اهلل تعاىل‪ ،‬ويحرم �شرع ًا على املري�ض والطبيب القيام به‪� ،‬أم هو‬
‫�أم ٌر جائزٌ‪ ،‬لأنه يرفع ال�ضرر وامل�شقة واحلرج‪ ،‬التي تلحق املري�ض؟!‬
‫  ‬
‫احلكم ال�شرعي للعمليات التجميلية التي تدفع �إليها ال�ضرورة واحلاجة‪:‬‬
‫�أجاز جميع الفقهاء املعا�صرين هذا النوع من العمليات‪ ،‬لأنها ترفع ال�ضرر عن املري�ض‪،‬‬
‫وحت ّقق له امل�صلحة والراحة‪ ،‬دون �أن توقعه فيما نهى اهلل عنه‪.‬‬
‫وهو ما خ ُل�ص �إليه املجمع الفقهي التابع ملنظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي يف دورته الثامنة ع�شرة‬
‫لعام ‪2007‬م‪ ،‬حني تناول بالبحث العمليات التجميلية‪ ،‬وقرر جواز �إجراء العمليات التجميلية‬
‫ال�ضرورية واحلاج ّية‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫وقد حت َّدث الفقهاء عن ال�ضروريات واحلاجيات‪ ،‬التي �أخذها الإ�سالم بعني االعتبار‪ ،‬وعمل‬
‫على حتقيقها وحفظها‪ ،‬وع َّرفوها على ال�شكل التايل‪:‬‬
‫ال�ضروريات هي امل�صالح الأ�سا�سية التي تتوقف عليها حياة النا�س‪ ،‬بحيث تختل حياتهم‬
‫لفقدها‪ ،‬كـالطعام وال�شراب‪ ،‬ومن هذا النوع �أي�ض ًا قلب الإن�سان ودماغه وكبده و�أح�شا�ؤه التي ال‬
‫يعي�ش بدونها‪.‬‬
‫�أما احلاج ّيات فهي امل�صالح التي ميكن للإن�سان �أن يعي�ش بدونها‪ ،‬ولكنّ فقدها ي�س ّبب له‬
‫امل�شقة واحلرج وال�ضيق والع�سر‪ ،‬كـامللب�س وامل�سكن واملركب‪ ،‬ومن هذا بع�ض �أع�ضاء اجل�سد‬
‫كالعني واليدين والقدمني وغريها‪.‬‬
‫يقول اهلل تعاىل‪َ ﴿:‬و َما َج َع َل َع َل ْي ُك ْم فيِ الدِّ ِين ِمنْ َح َر ٍج﴾(((‪ ،‬ويقول‪ُ ﴿ :‬ي ِري ُد اللهَّ ُ ِب ُك ُم ال ُي ْ�س َر‬
‫وال ُي ِري ُد ِب ُك ُم ال ُع ْ�س َر﴾(((‪.‬‬
‫ويقول النبي ‪ :‬ال �ضرر وال �ضرار(((‪.‬‬
‫اجتهادات فقهي ًة‬
‫ٍ‬ ‫وقد اعترب العلماء هذا احلديث ال�شريف قاعد ًة فقهي ًة هام ًة‪ ،‬بنوا عليها‬
‫كثري ًة‪ ،‬منها �إباحة هذا النوع من العمليات التجميلية لرفع ال�ضرر عن املري�ض‪.‬‬
‫وال يندرج هذا النوع من العمليات التجميلية حتت باب تغيري خلق اهلل تعاىل‪ ،‬بل هو �إزال ٌة‬
‫للعيوب‪ ،‬ورجو ٌع باخللقة �إىل �أ�صلها التي �أوجدها اهلل تعاىل عليه‪.‬‬
‫  ‬
‫‪ -2‬العمليات التجميلية العبثية‪:‬‬
‫املتخ�ص�صني يف العمليات التجميلية عن زبائن‪( ،‬ولن �أ�سميهم‬ ‫ّ‬ ‫حدثني �أحد الأطباء‬
‫لفنانات وفنانني‪ ،‬فتقول �إحداهنّ �أو‬ ‫ٍ‬ ‫مر�ضى)‪ ،‬ي�أتون �إىل عيادته وهم يحملون يف �أيديهم �صور ًا‬
‫عيني ك�شكل عيني تلك الفنانة‪...‬‬ ‫يقول �أحدهم‪� :‬أريد �شكل �أنفي مثل هذا الفنان‪� ...‬أريد �شكل ّ‬
‫ومنهن من تطلب �أن تغيرّ �شكلها بالكامل‪ ،‬وحت�ضر معها كتالوج ًا‪ ،‬فيه املوديل الذي ترغب �أن‬
‫ت�صبح على �شكله!‬
‫�سورة احلج‪� :‬آية ‪.78‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة البقرة‪� :‬آية ‪185‬‬ ‫((( ‬
‫حديث ح�سن‪� .‬أخرجه ابن ماجه يف �سننه ـ كتاب الأحكام ـ باب من بنى يف حقه ما ي�ضر بجاره‪784/2 :‬ب�إ�سناد‬ ‫((( ‬
‫�ضعيف‪ ،‬ومالك يف املوط�أ مر�س ًال يف باب الق�ضاء يف املرفق‪ ،745/2 :‬وقد روي احلديث عن عدد من ال�صحابة من طرق عدة‬
‫يق ّوي بع�ضها بع�ض ًا‪( .‬انظر ن�صب الراية‪ 384/4 :‬وما بعدها)‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫وما حدثني عنه هذا الطبيب بتنا نراه اليوم يف كثري من �شاباتنا و�شبابنا الذين يلهثون‬
‫وراء العمليات التجميلية العبثية‪ ،‬يريدون تغيري �شكل �أنوفهم وعيونهم وخدودهم و�شفاههم‪،‬‬
‫ال ل�شيء‪� ..‬إمنا فقط لق�ضاء �شهو ٍة ركبت نفو�سهم ور�ؤو�سهم‪ ،‬يهدفون من ورائها تقليد فالن ٍة‬
‫فالن وعلتان‪.‬‬
‫وعلتانة‪� ،‬أو ٍ‬
‫لغط كبري‪ ،‬لأنها‬‫يقول الدكتور �أكثم اخلطيب‪ :‬هذا النوع من العمليات التجميلية جرى حوله ٌ‬
‫أنا�س لي�س لديهم �شكوى وظيفي ٌة �أو جمالي ٌة حقيقية‪ ،‬و�إمنا‬ ‫يف احلقيقة عملياتٌ عبثية‪ُ ،‬يجريها � ٌ‬
‫تع�ش�ش يف خميلتهم‪� ،‬أو �أحال ٌم زائغ ٌة ت�سيطر على نفو�سهم‪.‬‬ ‫تدفعهم �إليها �أوها ٌم ّ‬
‫�أحيان ًا ت�أتي �إىل طبيب التجميل �آن�س ٌة �أو �سيد ٌة لتطلب منه �إجراء جراح ٍة جتميلي ٍة لوجهها‬
‫�أو �أنفها‪.‬‬
‫ينظر الطبيب فال يرى عندها م�شكل ًة حقيقية!‬
‫هذا النوع من املر�ضى يجب التوقف عنده‪ ،‬وعلى الطبيب �أن يخرب املري�ض �أو املري�ضة ب�أن‬
‫عمل‬
‫مادي وثمنٌ معنوي‪ ،‬و�أن �أي ٍ‬ ‫اجلراحة التجميلية �ش�أنها �ش�أن �أية جراحة �أخرى‪ :‬لها ثمنٌ ٌّ‬
‫جراحي يتعر�ض له الإن�سان قد يت�سبب يف حدوث م�ضاعفات خطرية‪ ،‬وعلى الطبيب �أن ي�شرح‬ ‫ٍّ‬
‫للمري�ض كل امل�ضاعفات التي قد حت�صل فيما لو �أجري هذا العمل اجلراحي‪.‬‬
‫املري�ض الذي يعاين من م�شكل ٍة يف القلب �أو الظهر �أو الدماغ �أو املرارة‪� ،‬سوف يتحمل‬
‫امل�ضاعفات التي ميكن �أن تنتج عن العمل اجلراحي‪ ،‬لأن الأ�ضرار املرتتبة على عدم �إجراء‬
‫العملية �أكرث بكث ٍري من �أ�ضرار امل�ضاعفات املحتملة‪� ،‬أما املري�ض الذي يريد �إجراء جراح ٍة جتميلي ٍة‬
‫عبثي ٍة ال �سبب لها �إال املزاجي ُة والرغب ُة يف تغيري �شكله ملجرد التغيري‪ ،‬فمن اخلط�أ واخلطر �أن‬
‫يتح ّمل امل�ضاعفات التي قد حتدث‪ ،‬لأنه بالأ�سا�س ال ي�شكو من م�شكل ٍة مر�ضي ٍة مه ّم ٍة‪ ...‬والواجب‬
‫أخالقي للطبيب يحتِّم عليه �أن ي�شرح للمري�ض �أو املري�ضة‪� ،‬أنَّ هذه اجلراحة العبثية قد تنجم‬ ‫ُّ‬ ‫ال‬
‫عنها �أ�ضرا ٌر تفوق امل�صلحة املرج ّوة‪� ..‬إن كان هناك م�صلح ٌة مرجو ٌة �أ�ص ًال!‬
‫  ‬

‫‪114‬‬
‫�أ�ضرار العبثية!!‬
‫زمن �إىل �آخر‪ ،‬فبينما كان العرب يتغ ّنون يف‬ ‫واحل�س ومقايي�س اجلمال تختلف من ٍ‬ ‫َّ‬ ‫�إنَّ الذوق‬
‫ال�سابق برقة ال�شفاه‪ ،‬وي�س ّمون �صاحبة ال�شفة الرقيقة باللمياء‪ ،‬نرى اليوم كثري ًا من �شاباتنا تلهث‬
‫وراء نفخ ال�شفاه عن طريق حقنها بال�سليكون‪ ،‬وال�سيليكون ماد ٌة �ضا ّر ٌة للج�سم الب�شري‪ ،‬و�أحيان ًا‬
‫ت�ؤدي �إىل ت�ش ّوهات يف املو�ضع الذي ّمت حقنه بها‪ ،‬وبد ًال من �أن تحُ دث الفتاة يف �شكلها �أمر ًا‪ ،‬تظنّ‬
‫الكيفي واملزاجي‪ ،‬تقع يف براثن الت�شوه ّات‪ ،‬التي غالب ًا ما ي�صعب �إزالتها و�إ�صالحها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فيه اجلمال‬
‫حدثني �أحد الأطباء بالق�صة التالية‪ :‬فتا ٌة يف الع�شرين من عمرها‪ ،‬رغبت يف نفخ �شفتيها‬
‫تقليد ًا لإحدى املمثالت‪.‬‬
‫يوم‪ ،‬وبيدها �صور ٌة ملمثلتها املحبوبة‪ ،‬وطلبت منه‬ ‫ذهبت �إىل طبيب العمليات التجميلية ذات ٍ‬
‫�أن يغيرّ �شكل �شفتيها‪ ،‬لت�صبحا �شبيهتني ب�شفاه �صاحبة ال�صورة‪.‬‬
‫ه ّز الطبيب ر�أ�سه موافق ًا‪ ،‬وح ّدد لها موعد ًا لإجراء العملية‪ ،‬دون �أن يحدثها عن املخاطر‬
‫املحتملة‪.‬‬
‫متت العملية بنجاح ح�سب تو�صيف الطبيب‪ ،‬وعادت الفتاة �إىل املنزل حم ّملة بكي�س من‬
‫الأدوية امل�ضادة للوزمات وااللتهابات‪.‬‬
‫عندما �أزالت ال�ضماد الذي يغطي �شفتيها بعد �أيام من العملية‪ ،‬الحظت انتفاخ ًا يف خدها‬
‫من اجلهة الي�سرى‪ ..‬مل ت�شغل بالها كثري ًا‪ ،‬فقد ب ّررت ذلك ب�أنه من خم ّلفات العمل اجلراحي‪،‬‬
‫و�أنه �سيختفي بعد �أيام قليلة‪.‬‬
‫يختف االنتفاخ‪ ،‬بل بد�أ يزداد يوم ًا بعد يوم‪..‬‬
‫لكنَّ ما جرى كان على عك�س ما توقعت‪ ،‬فلم ِ‬
‫هرعت �إىل الطبيب‪ ..‬تردد الطبيب قلي ًال ثم قال‪ :‬ال تقلقي‪� ..‬سيزول االنتفاخ بعد �أيام‪.‬‬
‫ثان من الأدوية‪.‬‬ ‫كي�س ٍ‬
‫عادت �إىل منزلها وبيدها ٌ‬
‫م�ضت الأيام واالنتفاخ يف �شفتها وخ ّدها �آخ ٌذ بالزيادة بد ًال من التماثل لل�شفاء‪.‬‬
‫طبيب ين�صحها �أن تت�أقلم مع و�ضعها اجلديد‪،‬‬ ‫غيرّ ت الطبيب مر ًة ومرتني وثالثة‪ ،‬وكان كل ٍ‬
‫لأنَّ �إجراء عملي ٍة �أخرى قد يزيد الطني ب ّلة!‬
‫عا�شت تلك الفتاة عمرها وهي تع�ض �أ�صاب َع الندم‪ ..‬ولكن هل يفيد الندم يف �إ�صالح ما ف�سد؟!‬

‫‪115‬‬
‫حكم ال�شرع يف العمليات التجميل ّية العبث ّية‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء املعا�صرون على �أنَّ العمليات التجميلية التي يبحث طالبها عن اجلمال واحل�سن‬
‫فقط‪ ،‬دون �أن يكون هناك �ضر ٌر �أو م�شق ٌة وحر ٌج يريد رفعه عن نف�سه‪ ،‬هي عملياتٌ حم َّرم ٌة يف‬
‫الإ�سالم‪ ،‬لأنها تندرج حتت باب تغيري خلق اهلل �سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫وي�ؤكد ه�ؤالء العلماء �أن العمليات التجميلية املباحة هي التي تعالج م�شكل ًة‪ ،‬و ُت�صلح وظيف ًة‪،‬‬
‫وترفع �ضرر ًا‪� ،‬أما العمليات العبثية ملجرد البحث عن اجلمال املوهوم فهو �أم ٌر حم ّرم‪..‬‬
‫وقد تناول املجمع الفقهي التابع ملنظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي يف دورته الثامنة ع�شرة يف عام‬
‫‪2007‬م العمليات التجميلية بالبحث‪ ،‬وقرر ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬ال يجوز �إجراء جراحة التجميل التح�سين ّية‪ ،‬التي ال تدخل يف العالج الطبي‪ ،‬ويق�صد منها‬
‫تغيري خلقة الإن�سان ال�سوية تبع ًا للهوى والرغبات بالتقليد للآخرين‪ ،‬مثل عمليات تغيري �شكل‬
‫الوجه للظهور مبظهر معني‪� ،‬أو بق�صد التدلي�س وت�ضليل العدالة‪ ،‬وتغيري �شكل الأنف وتكبري �أو‬
‫ت�صغري �شكل ال�شفاه‪ ،‬وتغيري �شكل العينني وتكبري الوجنات‪.‬‬
‫وعندما يقرر الفقهاء حرمة هذا النوع من العمليات‪ ،‬ف�إن هذه احلرمة تتناول ك ًال من‬
‫الطبيب اجل ّراح الذي يقوم ب�إجراء العملية واملري�ض (�أو الزبون) الذي جترى له‪.‬‬
‫تخ�ص�ص الطبيب يف اجلراحات التجميل ّية‪:‬‬ ‫حكم ّ‬
‫يتخ�ص�ص رجل كان �أو امر�أة يف‬ ‫ّ‬ ‫�سئل الدكتور يو�سف القر�ضاوي‪ :‬هل يجوز للطبيب �أن‬
‫درا�سة اجلراحات التجميلية؟‬
‫ف�أجاب‪ :‬له �أن يتخ�ص�ص‪ ،‬لأن عمليات التجميل لي�ست حمرم ًة كلها‪ ،‬بل هناك عملياتٌ‬
‫مطلوب ٌة كعمليات جتميل احلروق وما �شابه‪ ،‬و�إذا كان الطبيب ملتزم ًا ويه ّمه احلالل واحلرام‪،‬‬
‫ولي�س فقط تكوين ثروة‪ ،‬فعليه �أن يقبل �إجراء ما يراه م�شروع ًا من تلك العمليات‪ ،‬ويرف�ض ما‬
‫العبثي يدخل حتت باب العمليات التجميلية املح ّرمة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫يراه عبثي ًا‪ ،‬لأنَ‬
‫  ‬

‫‪116‬‬
‫تغيري خلق اهلل‪:‬‬
‫إن�سان ميلك م�سح ًة من اجلمال‪ ،‬ويكفيه �أنه‬ ‫ن�سبي‪ ،‬و�أنَّ ك َّل � ٍ‬
‫�أريد �أن �أ�ؤكد هنا �أنَّ اجلمال �أم ٌر ٌ‬
‫ُخلق يف �أح�سن تقومي‪.‬‬
‫كثريون هم الذين يدركون هذا فيحمدون اهلل تعاىل‪ ،‬بينما يجهل البع�ض هذه احلقيقة‪،‬‬
‫املتوهم‪،‬‬
‫فيعرت�ضون على خلقة اهلل التي �أوجدهم عليها‪ ،‬ويبحثون يف وجوه الآخرين عن اجلمال َّ‬
‫تع�ش�ش‬‫ويتح ّينون الفر�صة لإجراء �أيِّ تغي ٍري ُير�ضي غرورهم‪� ،‬أو ي�س ُّد عقدة النق�ص املوهوم التي ّ‬
‫يف خيالهم املري�ض‪.‬‬
‫اهلل تعاىل يف القر�آن الكرمي �أنَّ ال�شيطان �ص َّرح ب�أنه �سيعمد �إىل �إغواء من ي�ستطيع‬ ‫�أخرب ُ‬
‫(((‬
‫من بني �آدم عن طريق �أمرهم بتغيري خلق اهلل تعاىل فقال‪َ ﴿ :‬ولآ ُم َر َّن ُه ْم َف َل ُي َغيرِّ ُ نَّ َخ ْلقَ اللهَِّ !﴾‬
‫�أعاذنا اهلل من �أن نكون من الذين ي�ستمعون لوحي ال�شيطان وينقادون له‪.‬‬
‫  ‬
‫ملعون كل من يغيرّ خلق اهلل‪:‬‬
‫�أخرج الإمام م�سلم يف �صحيحه �أنَّ النبي ‪ ‬قال‪ :‬لعن اهلل الوا�شمات وامل�ستو�شمات‪،‬‬
‫والنام�صات واملتن ّم�صات‪ ،‬واملتف ّلجات للح�سن‪ ،‬املغيرّ ِات خلق اهلل(((‪.‬‬
‫�سنبحث يف معنى النام�صات واملتن ّم�صات والوا�شمات وامل�ستو�شمات يف ال�صفحات القادمة‬
‫ال�شريف قوله ‪ :‬املتف ّلجات للح�سن‪ ،‬املغريات خلق‬ ‫ِ‬ ‫�شاهدنا من هذا احلديث‬
‫َ‬ ‫ب�إذن اهلل‪ ،‬ولكنَّ‬
‫اهلل‪.‬‬
‫والتف ّلج هو مباعدة ما بني الأ�سنان‪ :‬الثنايا والرباعيات‪ ،‬لإحداث ُفرج ٍة بينها طلب ًا للح�سن‪،‬‬
‫وال َف َلج عند العرب كان عالم ًة من عالمات اجلمال‪ ،‬وكانت بع�ض الن�ساء تف ِّلج �أ�سنانها لتغد َو‬
‫�أجمل‪ ،‬فنهى النبي ‪ ‬الن�ساء عن ذلك‪.‬‬
‫جات ب�صيغة امل�ؤنث‪ ،‬لأنَّ الإناث هنَّ �أغلب من كان‬ ‫وقد ورد يف احلديث ال�شريف َلعنُ املتف ّل ِ‬
‫نهي الإ�سالم عن التف ّلج ي�شمل الذكو َر كما ي�شمل الإناث‪ ،‬لأنَّ ع ّل َة التحرمي‬ ‫يفعل هذا‪ ،‬ولكنَّ َ‬
‫احل�سن ال �أكرث‪ ،‬والتحرمي ي�شمل كل من يفعل هذا رج ًال كان �أو امر�أة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وا�ضح ٌة‪ ،‬وهي ِ‬
‫طلب‬

‫�سورة الن�ساء‪� :‬آية ‪.119‬‬ ‫(( (‬


‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب اللبا�س والزينة ـ باب حترمي فعل الوا�صلة وامل�ستو�صلة‪.1676/3 :‬‬ ‫((( ‬

‫‪117‬‬
‫ونرجل �شعورنا ونتز َّين طلب ًا‬ ‫بع�ض النا�س للقول‪ :‬نحن نتطيب ونتعطر ِّ‬ ‫هذا الكالم قد يدفع َ‬
‫للح�سن‪ ،‬ولنبد َو �أجمل و�أبهى‪ ،‬فهل هذا حرا ٌم يف الإ�سالم؟!‬
‫�س�أجيب عن هذا ال�س�ؤال يف الأ�سطر القليلة القادمة �إن �شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫  ‬
‫موقف الإ�سالم من التج ّمل والتزين‪:‬‬
‫التز ّين والتج ّمل من حيث املبد�أ يختلف عن اخل�ضوع لعمليات التجميل طلب ًا للح�سن واجلمال‪.‬‬
‫كثريا ما �أُ�س�أل من قبل بع�ض الن�ساء‪ :‬ملاذا ح َّرم الإ�سالم التف ّلج؟‬
‫وملاذا يح ِّرم العمليات التجميلية التي ت�س ّمونها عبثية؟‬
‫والنم�ص؟‬
‫َ‬ ‫الو�شم‬
‫َ‬ ‫وملاذا يح ّرم‬
‫�أال يحثّ الإ�سالم على التج ّمل والتز ّين؟‬
‫مبني على اجلمال‪ ،‬واهلل تعاىل ي�صف ذاتَه العلي َة‬ ‫�أقول‪ :‬نعم‪ ..‬ال خالف على �أنَّ الكون كله ٌ‬
‫فيقول‪﴿ :‬ا َّل ِذي �أَ ْح َ�سنَ ُك َّل َ�ش ْيءٍ َخ َل َقهُ﴾((( ويقول عن ال�سماء‪َ ﴿ :‬ز َّي َّناهَ ا ِلل َّن ِاظ ِرينَ ﴾(((‪ ،‬ويقول‬
‫عن املاء‪َ ﴿ :‬ف�أَ ْن َب ْت َنا ِب ِه َح َدا ِئقَ َذاتَ َب ْه َج ٍة﴾(((‪ ،‬ويقول عن احليوانات‪﴿ :‬و َل ُك ْم ِفي َها َج َما ٌل ِح َني‬
‫ن�سانَ فيِ �أَ ْح َ�س ِن َت ْق ِو ٍمي﴾(((‪.‬‬‫وح َني ت َْ�س َر ُحونَ ﴾(((‪ ،‬ويقول عن الإن�سان‪َ ﴿ :‬ل َق ْد َخ َل ْق َنا الإِ َ‬ ‫يحونَ ِ‬‫ُت ِر ُ‬
‫لب�س‬
‫الك ِرب ُ‬‫وملا ذ ّم النبي ‪ ‬الكِبرْ َ ‪� ،‬س�أله رج ٌل‪� :‬أحب �أن يكون ثوبي ح�سن ًا ونعلي ح�سن ًة‪ِ � ..‬أمنَ ِ‬
‫الثياب احل�سنة؟! فقال‪ :‬ال‪� ..‬إنَّ اهلل جمي ٌل يحب اجلمال(((‪.‬‬
‫حب التج ّمل والتز ّين‪ ،‬ومن هذا املنطلق جند كلمة‬ ‫وقد �أودع اهلل تعاىل يف الإن�سان غريزة ّ‬
‫مرات عديد ًة‪ ،‬منها قول اهلل تعاىل‪ :‬يا بني �آدم خذوا زينتكم عند‬ ‫الزينة تتكرر يف القر�آن الكرمي ٍ‬
‫ات ِمنْ ال ِّر ْز ِق﴾(((‪.‬‬ ‫كل م�سجد(((‪ ،‬وقوله �أي�ض ًا‪ُ ﴿:‬ق ْل َمنْ َح َّر َم ِزي َن َة اللهَِّ ا َّل ِتي �أَخْ َر َج ِل ِع َبا ِد ِه َو َّ‬
‫الط ِّي َب ِ‬
‫�سورة ال�سجدة‪� :‬آية ‪.7‬‬ ‫(( (‬
‫�سورة احلجر‪� :‬آية ‪.16‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة النمل‪� :‬آية ‪60‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة النحل‪� :‬آية ‪.6‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة التني‪� :‬آية ‪.4‬‬ ‫((( ‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب الإميان ـ باب حترمي الكرب وبيانه‪.39/1 :‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة الأعراف‪� :‬آية ‪.31‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة الأعراف‪� :‬آية ‪.32‬‬ ‫((( ‬

‫‪118‬‬
‫ونرى الإ�سالم يحث الإن�سانَ (رج ًال كان �أو امر�أ ًة) على �أن يتج ّمل يف حياته كلها‪ ،‬و�أن يظهر‬
‫باملظهر احل�سن �أمام النا�س‪ ،‬ومن هذا ح ّثه على ترجيل ال�شعر و�صب ِغه وده ِنه‪ ،‬و�إر�شادُه �إىل ق�ص‬
‫ال�شارب والأظافر وما �إىل ذلك من �أمور الفطرة‪.‬‬
‫ومن هذا �إباحتُه للمر�أة �أن تتخذ �أنواع ًا من الزينة كالذهب واحلرير؛ لأن الفطرة التي خلق‬
‫اهلل املر�أة عليها �أنها حتب التزين والتج ّمل �أكرث من الرجل‪.‬‬
‫حدود التز ّين‪:‬‬
‫و�أ�ستطيع �أن �أقول بكل و�ضوح‪ :‬الزينة يف الإ�سالم �أم ٌر م�ستحب‪ ،‬ولي�ست فقط �أمر ًا جائز ًا‪،‬‬
‫ولكنها ينبغي �أن تكون يف حدود ما �أباحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫فالإ�سالم ال مينع النا�س من التز ّين والتج ّمل‪ ،‬و�إمنا مينعهم من التزين والتجمل مبا هو من‬
‫املحرمات‪ ،‬كما مينعهم �أي�ض ًا من الإ�سراف يف التز ّين والتج ّمل املباح‪ ،‬كما �سبق وب ّينا يف بحث‬
‫زينة املر�أة‪.‬‬
‫والإ�سراف املذموم هو جتاوز احل ّد املعقول يف ممار�سة ما �أباحه اهلل تعاىل‪ ،‬يف الطعام‬
‫وال�شراب واللبا�س والتزين والتجمل وغري ذلك‪ ،‬لقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬يا َب ِني �آ َد َم ُخ ُذوا زِي َن َت ُك ْم ِع َند ُك ِّل‬
‫وا�ش َر ُبوا وال ُت ْ�س ِر ُفوا �إ َّن ُه ال ُي ِح ُّب املُ ْ�س ِر ِفنيَ﴾(((‪.‬‬
‫َم ْ�س ِج ٍد و ُك ُلوا ْ‬
‫(((‬
‫ولقول النبي ‪ :‬كلوا وا�شربوا وت�صدقوا ما مل يخالطه �إ�سراف وال خميلة‪.‬‬
‫وبنا ًء على هذا اتفق الفقهاء على قاعد ٍة تقول‪ :‬لي�س كل جت ّم ٍل مباح ًا‪ ،‬كما اتفقوا على �أنَّ‬
‫لعمليات جراحي ٍة ال ُيهدف من ورائها �إال البحث عن اجلمال واحل�سن هو �أم ٌر‬ ‫ٍ‬ ‫�إخ�ضا َع اجل�سد‬
‫املبط ِن على �إرادة اهلل تعاىل‪،‬‬ ‫�سلوك يحمل نوع ًا من االعرتا�ض ال�صريح �أو َّ‬ ‫عبثي حم َّرم‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وعدم الر�ضا باخللقة التي ارت�ضاها لعبده‪.‬‬ ‫ِ‬

‫�سورة الأعراف‪� :‬آية ‪.31‬‬ ‫((( ‬


‫�إ�سناده ح�سن‪� .‬أخرجه ابن ماجه يف �سننه ـ كتاب اللبا�س ـ باب الب�س ما�شئت ما �أخط�أك �سرف �أوخميلة‪،1192/2 :‬‬ ‫((( ‬
‫والن�سائي يف املجتبى ـ كتاب الزكاة ـ باب االختيال يف ال�صدقة‪ .79/5 :‬كما �أخرجه البخاري تعليق ًا يف �صحيحه ـ يف كتاب اللبا�س‪:‬‬
‫‪.2181/5‬‬

‫‪119‬‬
‫ن�سبي‪:‬‬
‫اجلمال ّ‬
‫جميل �إال وهنالك �أجمل منه‪ ..‬واهلل تعاىل‬‫ومن املتعارف عليه �أنَّ اجلمال �أم ٌر ن�سبي‪ ،‬وما من ٍ‬
‫خلق الإن�سان يف �أح�سن تقومي‪ ،‬ويف كل �إن�سان نو ٌع من اجلمال‪ ،‬وال يوجد �إن�سا ٌن قبي ٌح من ر�أ�سه‬
‫�إىل �أخم�ص قدميه‪ ..‬وعلى الإن�سان �أن يبحث يف نف�سه عن اجلمال الذي �أوجده اهلل تعاىل فيه‪،‬‬
‫و�أن ُيظهره ويعي�شه وي�ستمتع به وي�شكر ربه عليه‪.‬‬
‫م�شكل ُة بع�ض النا�س �أنهم ال يرون يف �أنف�سهم �إال الأمور القبيحة‪ ،‬ويرون ك َّل �شيءٍ جمي ًال‬
‫عند الآخرين‪ ..‬وهذا قد ي�ؤدي بهم �إىل االعرتا�ض على �إرادة اهلل تعاىل‪ ،‬و�إىل ح�سد الآخرين‬
‫ومنهي عنه يف الإ�سالم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ومزاحمتهم على نعم اهلل من جهة �أخرى‪ ،‬وهو �أم ٌر مذمو ٌم‬
‫زمان �آخر‪ ..‬فال َفلج وهو تباعد الأ�سنان‬‫زمان قد ي�صبح قبيح ًا يف ٍ‬ ‫ثم �إنَّ ما ُيعترب جمي ًال يف ٍ‬
‫�سن‪ ،‬وكذلك ر ّقة ال�شفاه‪ ،‬بينما نرى النا�س‬ ‫الثنايا والرباعيات‪ ،‬كان يعترب يف املا�ضي عالمة ُح ٍ‬
‫املرتا�صة وال�شفاه ال�سميكة املنفوخة‪ ،‬ويرونها عالمة من عالمات‬ ‫ّ‬ ‫اليوم يبدون �إعجابهم بالأ�سنان‬
‫اجلمال‪ ،‬وال ندري غد ًا كيف �سينظر النا�س �إىل اجلمال‪ ،‬وكيف �ست�صبح مقايي�سه وموا�صفاته!‬
‫بيئات �أخرى‪ ،‬فالعيون اجلميلة لدى ال�صينيني‬ ‫بيئات‪ ،‬قد ُيعترب قبيح ًا يف ٍ‬
‫فما يعترب جمي ًال يف ٍ‬
‫بيئات‬
‫هي العيون املائلة‪ ،‬بينما تعترب عيون املها الكبرية هي العيون اجلميلة عند العرب‪ ،‬ويف ٍ‬
‫�أخرى هناك موا�صفاتٌ �أخرى للعيون اجلميلة‪..‬‬
‫وكذلك ُقل عن الب�شرة البي�ضاء والب�شرة ال�سوداء‪ ،‬وعن ال�شعور ال�سوداء وال�شقراء‪ ،‬وعن‬
‫ال�سمنة والنحافة‪ ،‬وعن الطول والق�صر‪ ،‬وغ ِري ذلك مما ال ُيح�صى يف هذه احلياة‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫فماذا يفعل �إذ ًا الباحثون عن اجلمال‪ ،‬املغيرّ ون خللق اهلل من خالل العمليات التجميلية‬
‫العبثية؟‬
‫هل يظلون يغيرّ ون �أ�شكال �أعينهم �أو �أنوفهم �أو �شفاههم �أو �أثدائهم لأن فالن ًا من النا�س ر�آه‬
‫قبيح ًا‪� ،‬أم ماذا يفعلون؟!‬
‫يف هذا الإطار يقول الدكتور يو�سف القر�ضاوي‪ :‬ال يمُ نع املرء يف الإ�سالم من جتميل �صورته‪،‬‬
‫�إال �أنه ّ‬
‫يحظر عليه يف ذلك املغاال ُة وال ُ‬
‫إ�سراف وتغي ُري خلق اهلل‪.‬‬
‫  ‬

‫‪120‬‬
‫حكم ت�صغري الأنف �أو تكبريه‪ ،‬وت�صغري الثديني �أو تكبريهما‪:‬‬
‫عملياتُ ت�صغ ِري �أو تكبري الأنف �أو الثديني‪ ،‬من �أكرث عمليات التجميل �شيوع ًا‪.‬‬
‫وال�س�ؤال هو‪ :‬هل يندرج هذا النوع من العمليات حتت نوع عمليات رفع ال�ضرر عن املري�ض‪،‬‬
‫�أم حتت نوع العمليات التجميلية العبثية؟!‬
‫قبل احلديث عن ر�أي الدين يف هذا‪� ،‬س�أذكر هذا الر�أي الطبي االخت�صا�صي‪.‬‬
‫يقول الدكتور �أكثم اخلطيب‪:‬‬
‫يعاين بع�ض النا�س من ت�ش ّوهات ب�سيطة‪ ،‬ك�ضخامة الأنف‪� ،‬أو �صغر حجم الثديني لدرج ٍة‬
‫آالم يف‬
‫مقلق ٍة عند بع�ض الفتيات‪� ،‬أو كرب حجمهما عند بع�ضهنَّ لدرج ٍة كبري ٍة قد ت�ؤدي �إىل � ٍ‬
‫ا�ضطرابات نف�سية‪ ،‬وهذه الت�ش ّوهات‬
‫ٍ‬ ‫الكتفني‪ ،‬بالإ�ضافة لل�شكل املزعج الذي قد ي�ؤدي �إىل‬
‫(كطبيب) بالت�ش ّوهات الأ�سا�سية‪ ،‬التي ت�ستوجب اجلراحة التجميلية الرتميم ّية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫�أُحلقها‬
‫وعمليات ت�صغري‬
‫ِ‬ ‫وبناء على هذا الر�أي الطبي‪ ،‬ن�ستطيع �أن ن�ستنتج �أنَّ عمليات ت�صغري الأنف‪،‬‬
‫�أو تكبري الثديني‪ ،‬قد تكون لإزالة ت�ش ّو ٍه حقيقي‪ ،‬وقد تكون عبثية‪.‬‬
‫عيب �أو ت�ش ّو ٌه وا�ضح‪.‬‬
‫وقد اتفق الفقهاء على جواز هذا النوع من العمليات �إذا كان هناك ٌ‬
‫فحني يكون الأنف �ضخم ًا �ضخام ًة معيب ًة‪� ،‬أو حني يكون الأنف بال عظمة مث ًال‪� ،‬أو حني يكون‬
‫الثديان كبريين �أو �صغريين لدرج ٍة ب�شع ٍة ومعيب ٍة �أو خم َّل ٍة بالوظيفة‪ ،‬ف�إنَّ حكم ال�شرع هو جواز‬
‫�إ�صالح العيب بعملي ٍة جراحية‪ ،‬وامل�ستند ال�شرعي الذي ا�ستند �إليه الفقهاء يف ذلك‪ :‬رفع ال�ضرر‬
‫عن املري�ض‪ ،‬و�إزالة ما به من م�شقة و�آالم ج�سدية ونف�سية‪.‬‬
‫وبهذا اخل�صو�ص يق ّرر املجمع الفقهي التابع ملنظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي يف دورته الثامنة‬
‫ع�شرة لعام ‪2007‬م جواز �إجراء العمليات التجميلية لإزالة الدمامة يف الأنف �أو الثديني‪� ،‬إذا‬
‫نف�سي �أو ع�ضوي‪.‬‬
‫ت�س ّببت لل�شخ�ص �أذى ّ‬
‫كما اتفق الفقهاء على �أنَّ هذه العمليات التجميلية تعترب عبثي ًة‪� ،‬إن مل يكن هناك ٌ‬
‫عيب �أو‬
‫وظيفي‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ت�ش ّو ٌه وا�ض ٌح �أو خل ٌل‬
‫ممن تلج�أن �إىل عيادات التجميل اليوم هو هذا العبث‪.‬‬ ‫ما تفعله كثرياتٌ ّ‬

‫‪121‬‬
‫تنظر �إىل �أحدهم �أو �إحداهنّ فال ترى يف الأنف �أو يف الثديني عيب ًا �أو ت�ش ّوه ًا‪ ،‬ومع هذا‬
‫يطلبون �إجراء العملية التجميلية‪ ،‬ملاذا؟‬
‫الأمر يعود ل�سببني‪� :‬أولهما االعرتا�ض على خلقة اهلل تعاىل‪ ،‬وثانيهما البحث يف وجوه و�أج�ساد‬
‫الآخرين عن اجلمال املفقود‪.‬‬
‫  ‬
‫ولكن‪ ..‬ماذا لو مل يوجد ت�ش ّو ٌه يف الأنف‪ ،‬ولكنّ �صاحبه يراه قبيحاً‪ ،‬ويعاين من �أزم ٍة‬
‫نف�سي ٍة ب�سبب �إح�سا�سه بقبحه؟!‬
‫وماذا لو كان ثديا الفتاة قادرين على القيام مبهمتهما التي خلقهما اهلل تعاىل من �أجلها‪،‬‬
‫ولكنها كانت ت�ستحيي بهما‪ ،‬وتعاين من تعيري �صديقاتها لها بكربهما �أو ب�صغرهما‪ ،‬وتت� مّأل من‬
‫ذلك �إىل درج ٍة مرهقة؟!‬
‫ذهب بع�ض العلماء كال�شيخ ابن عثيمني �إىل حرمة هذه العمليات التجميلية لعدم وجود ت�ش ّو ٍه‬
‫عيب‪ ،‬واعتربه نوع ًا من التغيري ملا خلق اهلل تعاىل‪.‬‬
‫�أو ٍ‬
‫بينما ذهب علماء �آخرون كالدكتور ال�شيخ يو�سف القر�ضاوي �إىل �أنَّ الآالم النف�سية التي‬
‫قد تلحق املري�ض‪ ،‬تنزّل منزلة احلاجة التي تبيح �إجراء العمليات التجميلية‪ ،‬لأن الأ�صل يف‬
‫العمليات التجميلية هو املنع �إال لل�ضرورة‪� ،‬أو للحاجة التي تنزّل منزلة ال�ضرورة‪.‬‬
‫ويرى الدكتور القر�ضاوي �أنَّ احلاجة قد تكون ج�سدي ًة فقط‪� ،‬أو ج�سدي ًة ونف�سي ًة‪� ،‬أو نف�سي ًة‬
‫فقط‪ ،‬و�أنَّ احلاجة النف�سية قد ت�س ّبب يف بع�ض الأحيان �آالم ًا نف�سي ًة �أ�ش َّد من الآالم اجل�سدية‪،‬‬
‫إح�سا�س ال�شاب �أو املراهق ب�أنَّ �أنفه قبي ٌح‪ ،‬قد ي�سبب له ك�آب ًة نف�سي ًة قاتل ًة‪ ،‬قد تدفعه لالعتكاف‬
‫ُ‬ ‫ف�‬
‫يف املنزل ورف�ض اخلروج منه ب�سبب �شعوره بالإحراج من �شكل �أنفه‪ ،‬وخوفه من التع ّر�ض‬
‫ل�سخرية النا�س‪..‬‬
‫اخلطاب لذات ال�سبب‪� ،‬إن كانت م�ستاء ًة من �شكل �أنفها �أو‬ ‫وقد ترف�ض الفتاة الظهور �أمام ّ‬
‫حجم ثدييها‪.‬‬
‫�إذن‪ ،‬ر�أى بع�ض الفقهاء املعا�صرين �أنَّ عمليات التجميل يف هذه احلاالت حرام‪ ،‬ور�أى‬
‫بع�ض ثالثٌ مندرج ًة حتت باب ال�شبهات‪ ،‬التي مل يتبني ح ّلها‬ ‫بع�ضهم �أنها حالل‪ ،‬يف حني ر�آها ٌ‬

‫‪122‬‬
‫من حرمتها‪ ،‬ف�إذا ابتعد امل�سلم عن ال�شبهات فقد ا�سترب�أ لدينه وعر�ضه‪ ،‬و�إذا ا�ضط ّر �إليها ف�إنَّ‬
‫ال�ضرورات تبيح املحظورات‪.‬‬
‫والأف�ضل يف هذا �أن ي�ست�ش َري املري�ض (�أو املري�ضة) طبيب ًا نف�سي ًا قبل �إجراء العمل اجلراحي‪،‬‬
‫نف�سي ملا يظنه املري�ض ت�ش ّوه ًا‪ ،‬وقد ي�ستغني بهذا العالج النف�سي عن العمل‬ ‫فقد يكون لديه عال ٌج ٌ‬
‫اجلراحي‪.‬‬
‫  ‬
‫دور الطبيب اجل ّراح‪:‬‬
‫مهم يجب �أن يقوم به‪� ،‬أال وهو تبيني م�ساوئ العمل‬ ‫للطبيب اجل ّراح يف هذه احلاالت دو ٌر ّ‬
‫اجلراحي و�سلب ّياته‪.‬‬
‫‪ ‬للأ�سف‪� ،‬أغلب الأطباء اليوم يح ّولون البحر �إىل طحين ٍة �أمام مر�ضاهم‪..‬‬
‫ي�أتي �إليه املري�ض‪ ،‬وهو ي�شتكي من ت�ش ّو ٍه يف �أنفه‪.‬‬
‫ينظر �إليه الطبيب فال يرى ت�ش ّوه ًا‪ ،‬ولكنه بد ًَال من �أن ين�صحه مبا ميليه عليه واجبه ّ‬
‫املهني‪،‬‬
‫جراحي‪ ،‬يجعله �أجمل �أنف يف العامل!‬ ‫ٍ‬ ‫بعمل‬
‫يقول له‪ :‬نعم‪ ..‬يف �أنفك ت�ش ّو ٌه وا�ضح‪ ،‬و�س�أ�صلحه لك ٍ‬
‫وعندما تحُ �ضِ ر املري�ضة معها �صور ًة لأنف مطرب ٍة �أو ممثلة‪ ،‬وتريد حتويل �شكل �أنفها لي�صبح‬
‫مثل الأنف املر�سوم يف ال�صورة‪ ..‬يهمهم الطبيب‪ ،‬ثم يه ّز ر�أ�سه موافق ًا على العملية‪ ،‬وقد يوافق‬
‫على �إجرائها حتى بدون �أن يهمهم!!‬
‫بع�ض الأطباء يبحثون عن املال‪ ،‬وين�سون �ضمائرهم خارج العيادة!!‬
‫إن�ساين للطبيب �أن يحدِّ ث مري�ضه عن املخاطر‬ ‫أخالقي وال ِّ‬ ‫ّ‬ ‫والديني وال‬
‫ّ‬ ‫املهني‬
‫ّ‬ ‫من الواجب‬
‫وال�صريح‬
‫َ‬ ‫العلمي الدقيقَ‬
‫َّ‬ ‫والت�شوهات التي قد يتعر�ض لها ج ّراء العمل اجلراحي‪ ،‬و�أن يعطيه ر�أيه‬
‫يف امل�شكلة التي يطرحها عليه‪ ،‬ويف �إمكانية احل�صول على نتائج �إيجابي ٍة �أو �سلبية‪ ،‬ويف العقابيل‬
‫التي قد تنتج عن العمل اجلراحي الذي ينوي املري�ض تعري�ض نف�سه له‪.‬‬
‫توهمت �أنَّ �أنفها قبيح‪ ،‬و�سيطر عليها هذا الوهم لدرج ٍة‬ ‫حكى يل بع�ض معاريف ق�صة فتا ٍة ّ‬
‫جعلتها تنطوي على نف�سها بعيد ًا عن �أعني النا�س‪..‬‬

‫‪123‬‬
‫اكت�شفت هذه الفتاة �أنَّ �أنفها مل يكن قبيح ًا‪ ،‬ولكن بعد فوات الأوان!‬
‫حقيقي يف �أنفها بدل �إ�صالحه!‬
‫ٍ‬ ‫فقد �أجرت عملي ًة مل تكن ناجحة‪ ،‬بل �أ ّدت �إىل ت�ش ّو ٍه‬
‫فتا ٌة �أخرى �أجرت عملي ًة جتميلي ًة لأنفها‪ ،‬ففقدت حا�س َة ِّ‬
‫ال�شم �إثر تلك العملية‪..‬‬
‫�إذ ًا هنالك خماطر يجب على الطبيب �أن ي�شرحها للمري�ض‪ ،‬وغالب ًا ما يرتاجع املري�ض عن‬
‫�إجراء العملية لدى علمه بتلك املخاطر‪ ،‬ونادر ًا ما ي�ص ّر عليها‪ ،‬وال يكون هذا �إال �إذا كان الت�ش ّوه‬
‫حقيقي ًا‪ ،‬بحيث تكون امل�صلحة املرج ّوة من العملية �أكرب من الأ�ضرار املحتملة‪.‬‬
‫�أما عندما تكون رغبة املري�ض نوع ًا من الفذلكة والعبث وتقليد الآخرين �أو التباهي �أمامهم‪،‬‬
‫ف�إنَّ علمه باملخاطر املحتملة قد يعيده �إىل وعيه �إن كان عاق ًال‪ ،‬و�إن مل يكن عاق ًال و�أ�ص ّر على‬
‫�إجراء العملية العبثية رغم خماطرها املحتملة‪ ،‬ف�إنَّ على الطبيب املمتثل حلكم ال�شرع �أن ميتنع‬
‫يف هذه احلالة عن امل�ساهمة يف تغيري خلق اهلل تعاىل‪ ،‬ف�إن مل ميتنع عن ذلك‪ ،‬ف�إنَّ �شرحه‬
‫للعقابيل واملخاطر التي قد يتعر�ض لها املري�ض ب�سبب اجلراحة قد يرفع عنه �إثم الت�ضليل �أمام‬
‫اهلل تعاىل‪ ،‬ويبقى �إثم امل�ساهمة يف تغيري خلق اهلل‪.‬‬
‫  ‬ ‫ ‬
‫حكم عمليات �ش ّد الوجه‪:‬‬
‫املق�صود من عمليات �ش ّد الوجه �إزالة التجاعيد التي يعاين منها الذين ميرون ب�سنّ الكهولة‬
‫�أو �سنّ ال�شيخوخة‪ ،‬وقد يكون ذلك عن طريق عملية جراحية �أو عن طريق حقن البوتوك�س‪..‬‬
‫يف احلقيقة جعل اهلل تعاىل تلك التجاعيد �أمارة من �أمارات اقرتاب الأجل غالب ًا‪ ،‬ونذير ًا من‬
‫النذر الكثرية التي يقدمها ملك املوت للإن�سان قبل قدومه �إليه‪ ،‬ليقب�ض روحه‪.‬‬
‫ولكننا نرى �أنَّ هذه التجاعيد تزعج معظم الذين ت�صيبهم‪ ،‬وال يفهمون منها املغزى واحلكمة‪،‬‬
‫وال يدركون �سوى �أنها ت�ش ّوه جمالهم‪ ،‬فيهرعون �إىل طبيب العمليات التجميلية لإجراء عملية �ش ّد‬
‫وال�صبا واجلمال والر�شاقة‪ ،‬وين�سون‬ ‫الوجه والعنق ورمبا ال�صدر‪ ،‬لي�ستعيدوا معها �أيام ال�شباب ّ‬
‫�أنَّ العطا َر ال ي�ستطيع �أن ُي�صلح ما �أف�سد الده ُر!‬
‫وقد ذهب �أغلب الفقهاء املعا�صرين �إىل حرمة هذا النوع من العمليات التجميلية‪ ،‬لدخوله‬
‫حتت تغيري خلق اهلل عز وجل‪ ،‬ور�أى ه�ؤالء الفقهاء �أنَّ الإثم يزداد �إذا كان الدافع �إىل ذلك هو‬
‫التدلي�س ّ‬
‫والغ�ش لأجل الزواج‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫بينما ذهب الدكتور القر�ضاوي �إىل الت�ساهل قلي ًال يف هذا املو�ضوع‪ ،‬حيث بينّ �أن حرمة‬
‫�ش ّد الوجه لإزالة التجاعيد من قبل �أولئك الذين خطوا على �أعتاب �سنّ ال�شيخوخة‪ ،‬لي�س من‬
‫العمليات املح ّرمة حترمي ًا بات ًا‪� ،‬إذا مل يرتتب على ذلك تغرير وتدلي�س‪.‬‬
‫ورمبا يكون ق�صد الدكتور القر�ضاوي من قوله‪ :‬لي�س من العمليات املحرمة حترمي ًا بات ًا‪� ،‬أنها‬
‫تدخل حتت باب الكراهية التحرميية التي يثاب تاركها ويعاقب فاعلها‪ ،‬ولي�س حتت باب احلرمة‬
‫القاطعة‪ ،‬التي يكفر منكرها‪ ،‬وذلك لعدم ورود دليل �صريح ووا�ضح يف ذلك‪.‬‬
‫�شباب تغزوهم التجاعيد‪:‬‬
‫مر�ضي؟ هل‬‫ّ‬ ‫ولكن‪ :‬ما حكم من تغزو التجاعيد وجهه‪ ،‬وهو ما يزال يف �سن ال�شباب ل�سبب‬
‫يجوز له �إجراء عملية �ش ّد الوجه وغري الوجه من املناطق التي �أ�صابها مر�ض ال�شيخوخة املبكرة؟‬
‫�أم �إنَّ ذلك يندرج �أي�ض ًا حتت باب عمليات التجميل املح ّرمة؟‬
‫ذهب �أغلب الفقهاء املعا�صرين �إىل جواز هذا النوع من العمليات‪ ،‬لأنه ال يعدو �أن يكون نوع ًا‬
‫من املداواة اجلائزة لإعادة اجل�سم �إىل و�ضعه الطبيعي‪.‬‬
‫وهذا ما ق ّرره املجمع الفقهي التابع ملنظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي يف دورته الثامنة ع�شرة يف عام‬
‫‪2007‬م‪:‬‬
‫‪ -‬ال يجوز �إزالة التجاعيد باجلراحة �أو احلقن‪ ،‬ما مل تكن حالة مر�ض ّية‪� ،‬شريطة �أمن ال�ضرر‪.‬‬
‫  ‬
‫حكم عمليات تق�شري الوجه‪:‬‬
‫حب ال�شباب‪ ،‬الذي يغزو وجوههم و�أماكن‬ ‫كثري ًا ما نرى بع�ض الفتيات والفتيان يعانون من ّ‬
‫�أخرى من ج�سدهم كال�صدر والظهر‪ ،‬وي�س ّبب لهم بع�ض الآالم اجل�سدية وكثري ًا من الآالم‬
‫بحب ال�شباب‪.‬‬ ‫النف�سية‪ ،‬في�صف لهم الطبيب �أدوية تت�س ّبب �أحيان ًا يف تق�شري الأماكن امل�صابة ّ‬
‫وال �أخفيكم قرائي الأعزاء �أنه مل يخطر يف بايل �أن هناك من يحرم هذه الأدوية ّ‬
‫املق�شرة‪،‬‬
‫ويعتربها مندرجة حتت باب العمليات التجميلية العبث ّية املحرمة‪ ،‬حتى عرثت بال�صدفة على‬
‫بحديث عن �أم امل�ؤمنني عائ�شة تقول فيه‪ :‬لعن‬ ‫ٍ‬ ‫فتوى لل�شبكة الإ�سالمية تقول بذلك‪ ،‬وت�ستدل‬
‫(((‬
‫ر�سول اهلل القا�شرة واملق�شورة‪.‬‬
‫حديث �ضعيف ‪� .‬أخرجه �أحمد يف م�سنده ـ م�سند عائ�شة ‪ ،250/6: ‬وذكره الهيثمي يف جممع الزوائد‪ ،‬و�أع ّله‬ ‫((( ‬
‫ب�أن يف �سنده جماهيل ‪196/5‬فقال‪ ”:‬فيه من مل �أعرفه من الن�ساء”‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫بحث وا�سع ٍة عن حكم تق�شري الوجه‪ ،‬بد�أتها بالبحث عن مدى �صحة‬ ‫و�إثر ذلك قمتُ بعملية ٍ‬
‫�ضعيف باتفاق علماء احلديث‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫حديث‪ :‬لعن ر�سول اهلل القا�شرة واملق�شورة‪ ،‬فتبني يل �أنَّ احلديث‬
‫وقد �أخرجه الإمام �أحمد يف م�سنده‪.‬‬
‫وقد بينّ العالمة الألباين �ضعف هذا احلديث بجميع طرقه يف ال�سل�سلة ال�ضعيفة‪ ،‬ثم ع ّقب‬
‫فقيه �أن ال يقيم �أحكام ًا �شرعي ًة على �أحاديث غري ثابت ٍة‪ ،‬واهلل امل�ستعان‪.‬‬ ‫قائ ًال‪� :‬أرجو من كل ٍ‬
‫باحث ٍ‬
‫بحث �أخرى عن حكم ق�شر الوجه يف �أمهات كتب الفقه‪ ،‬فلم �أجد‬ ‫ثم قمت بعد ذلك بعملية ٍ‬
‫�أحد ًا من الفقهاء القدامى قد تع ّر�ض ملو�ضع ق�شر الوجه ِ‬
‫ولعن القا�شرة واملق�شورة‪.‬‬
‫وبذلك يبقى الأ�صل يف الأمور الإباحة‪ ،‬طاملا �أنه مل يرد دلي ٌل �صحي ٌح على احلرمة‪ ،‬وطاملا �أنَّ‬
‫الهدف من هذا الق�شر هو التداوي و�إعادة حالة الوجه �إىل �شكله الطبيعي املعتاد‪ ،‬الذي خلقه‬
‫اهلل عليه‪.‬‬
‫  ‬
‫حكم عمليات �شفط الدهون‪:‬‬
‫يع ّرف الأطباء عملية �شفط الدهون ب�أنها تقليل الرتاكمات الدهن ّية من بع�ض موا�ضع‬
‫اجل�سم‪ ،‬وهي ت�صلح لبع�ض الأ�شخا�ص الذين يعانون من ال�سمنة املرت ّكزة يف البطن �أو الورك �أو‬
‫الفخذين‪ ..‬ب�سبب زيادة ال ّدهون يف هذه املناطق ب�شكل كبري‪.‬‬
‫�أدرج الأطباء عملية �شفط الدهون حتت باب �إعادة ال�شيء �إىل �أ�صله و�إ�صالح وظيفته‪ ،‬وهم‬
‫حاالت مر�ضي ًة �أخرى‪ ،‬يتحدث عنها الطبيب املخت�ص �أكثم‬ ‫ٍ‬ ‫ي�ص ّنفون حتت هذا الباب �أي�ض ًا‬
‫اخلطيب فيقول‪:‬‬
‫من �أنواع اجلراحة التجميلية �إعادة ال�شيء لأ�صله‪ ،‬فاملر�أة بعد الزواج واحلمل والوالدة‬
‫تره ٌل يف جلد البطن وفتو ٌق يف ع�ضالته‪ ،‬كما يحدث نتيجة الإر�ضاع‬ ‫املتك ّررة‪ ،‬قد يح�صل لديها ّ‬
‫تره ٌل �أو �ضخام ٌة يف الثديني‪ ،‬مما ي�سبب لها �آالم ًا ج�سدية‪ ،‬ك�آالم الظهر واملفا�صل والغ�ضاريف‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وميكن عن طريق اجلراحة التجميلية �إعادة هذه الأمور �إىل ن�صابها‪� ،‬أي �إىل ما كانت عليه قبل‬
‫احلمل والوالدة‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫بعد �أن ا�ستعر�ضنا الر�أي الطبي يف هذا النوع من عمليات التجميل‪ ،‬تعالوا بنا ن�ستعر�ض‬
‫الر�أي ال�شرعي‪.‬‬
‫يرى �أغلبية الفقهاء املعا�صرين جواز هذه العمليات‪ ،‬ومنهم الدكتور يو�سف القر�ضاوي‪،‬‬
‫وفتاوى ال�شبكة الإ�سالمية‪ ،‬وذلك ب�شروط‪:‬‬
‫ال�شرط الأول‪� :‬أن يكون هناك �ضرور ٌة �أو حاج ٌة لهذه العمليات‪.‬‬
‫ال�شرط الثاين‪ :‬عدم �إمكانية العالج بالطرق الأخرى‪.‬‬
‫ال�شرط الثالث‪� :‬أن ال يرتتب على هذه العمليات �ضر ٌر مماث ٌل للمنفعة املرج ّوة �أو �أكرث منها‪،‬‬
‫لأن ال�ضرر ال يزال بال�ضرر‪ ،‬بل يجب �أن تكون املنفعة املتو ّقعة واملرج ّوة �أكرث من ال�ضرر املحتمل‪..‬‬
‫وهذا ما ق ّرره املجمع الفقهي التابع ملنظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي يف دورته الثامنة ع�شرة لعام‬
‫‪2007‬م‪:‬‬
‫‪ -‬يجوز تقليل الوزن (التنحيف) بالو�سائل العلمية املعتمدة‪ ،‬ومنها اجلراحة (�شفط الدهون)‪،‬‬
‫�إذا كان الوزن ي�ش ّكل حالة مر�ضية‪ ،‬ومل تكن هناك و�سيلة غري اجلراحة �شريطة �أمن ال�ضرر‪.‬‬
‫الرتهالت من �أجل الر�شاقة فقط �أمر‬ ‫وبناء على هذا ميكن القول‪ :‬عملية �شفط الدهون و�إزالة ّ‬
‫مكروه �أو حم ّرم‪ ،‬و�إمنا الذي ال حرم َة فيه وال كراهية هو رفع ال�ضرر و�إ�صالح الوظيفة َّ‬
‫املعطلة‪.‬‬
‫  ‬
‫انتفاء الغ�ش والتدلي�س‪:‬‬
‫يجب على كل من تع ّر�ض لعملي ٍة جتميلي ٍة �أن يخرب �شريك عمره بهذا قبل الزواج‪ ،‬و�إال اعتُرب‬
‫ذلك غ�ش ًا وتدلي�س ًا! وهذا ما جنده للأ�سف بكرث ٍة يف جمتمعاتنا‪.‬‬
‫نوع كان‪ :‬ترميمي ٍة‪� ،‬أو لإ�صالح الت�ش ّوهات‬
‫لعمليات جتميلي ٍة من �أيِّ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ال�شاب �أو ال�شابة‬
‫ّ‬ ‫يتع ّر�ض‬
‫الب�سيطة‪� ،‬أو لإعادة ال�شيء �إىل �أ�صله‪� ،‬أو لعملي ٍِة عبثي ٍة‪ ،‬وتتم اخلطبة دون �أن يتحدث � ٌّأي من‬
‫الطرفني عن ذلك‪ ،‬وبعد الزواج يكت�شف الطرف املغ�شو�ش �أنه مغ�شو�ش‪ ،‬ورمبا يكون الطالق‬
‫املبني على الغ�ش والتدلي�س‪ ،‬وهي نهاي ٌة مفجع ٌة لكل زوجني‪ ..‬ال �شك يف ذلك‪.‬‬ ‫نهاي ًة لهذا الزواج ّ‬
‫هذا احلديث يقودين لطرح ق�ضي ٍة كَثرُ النقا�ش والأخذ والر ُّد فيها م� ّؤخر ًا‪ ،‬وهي ق�ضية ترقيع‬
‫غ�شاء البكارة‪ ،‬و�إخفاء خرب هذا الرتقيع عن اخلاطب‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫عملية ترقيع غ�شاء البكارة‪:‬‬
‫غ�شاء البكارة هو عبارة عن غ�شاء رقيق من اجللد‪ ،‬يغلق فتحة املهبل عند املر�أة‪ ،‬وبه فتحة‬
‫�صغرية جد ًا‪ ،‬ت�سمح بخروج دم احلي�ض والنفا�س‪.‬‬
‫ويتمزّق هذا الغ�شاء ب�أحد الأ�سباب التالية‪:‬‬
‫جن�سي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪1 .1‬حدوث جماع‬
‫‪2 .2‬وقوع حادث �أ ّدى �إىل حدوث �إ�صابات مبنطقة غ�شاء البكارة‪ :‬كال�سقوط �أو الوثب‬
‫العنيف �أو اال�صطدام بج�سم �صلب‪ ،‬وقد تت�سبب بع�ض �أنواع الألعاب الريا�ضية ال�شديدة اجلهد‬
‫بتمزّق هذا الغ�شاء يف بع�ض الأحيان‪.‬‬
‫ومع تقدم الطب اليوم بتنا ن�سمع اليوم بعمليات جتميلية لرتقيع غ�شاء البكارة‪ ،‬ون�سمع �أي�ض ًا‬
‫مبنتج �صيني لرتقيع غ�شاء البكارة عن طريق الل�صق وبدون �إجراء عملية‪ ،‬وي�ص ّدر للبلدان‬
‫الإ�سالمية ب�سعر زهيد ال يتجاوز ال ‪ 15‬دوالر ًا‪ ،‬الأمر الذي يجعلنا نت�ساءل عن حكم ترقيع غ�شاء‬
‫البكارة‪ ،‬هل هو جائز �أو حم ّرم؟ وهل يجوز ملن فقدت هذا الغ�شاء لأي �سبب من الأ�سباب �أن‬
‫تلج�أ �إىل ترقيعه؟‬
‫وهل وجود هذا الغ�شاء دليل على عذرية الفتاة وطهارتها‪ ،‬وفقده دليل على �إثمها ورج�سها؟‬
‫بكارة املر�أة يف � ّأمهات كتب الفقه‪:‬‬
‫ال ب ّد يل يف البداية من التنويه �إىل �أن الفقهاء القدامى حتدثوا عن بكارة املر�أة وثيوبتها‪،‬‬
‫وحتدثوا عن �أن البكارة قد تزول حقيقة ب�سبب غري اجلماع‪� ،‬أو ما ي�س ّمى باللقاء اجلن�سي‪ ،‬وذلك‬
‫عن طريق �أذى يلحق املر�أة يف مكان البكارة كوثبة �أو جراحة‪ ،‬م�ؤكدين على �أن املر�أة يف تلك‬
‫احلالة تعترب يف عداد الأبكار‪ ،‬ولو ّ‬
‫انف�ضت بكارتها حقيقة‪..‬‬
‫كما بحثوا يف مو�ضوع من تز ّوج بكر ًا‪ ،‬فوجدها وقد زالت بكارتها ب�سبب �أذى حلقها كوثبة‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬واختلفت �آرا�ؤهم يف جواز ف�سخ عقد النكاح بهذا العيب �أم ال؟‬
‫املهم يف ذلك �أن �أحد ًا من الفقهاء مل يقل �أن وجود غ�شاء البكارة دليل على عفاف‬ ‫وال�شيء ّ‬
‫املر�أة وطهارتها‪ ،‬و�أن فقده دليل على زناها و�إثمها‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫وهذا ما ي�ؤيده الواقع‪� :‬إذ كم من مرتكبات للفاح�شة ا�ستطعن �أن يفعلن ما يفعلنه من �آثام مع‬
‫حر�صهنّ ال�شديد على عدم فقدان غ�شاء البكارة‪ ،‬وكم من عفيفات فقدن هذا الغ�شاء لأ�سباب‬
‫�أخرى ال تتعلق بالفاح�شة والرذيلة!!‬
‫وقدمي ًا �سئل النخعي بخ�صو�ص الرجل يقول ِ�إنه مل َيجد امر�أَتَه َع ْذرا َء‪ ،‬فقال ال �شيء عليه‪،‬‬
‫لأَن ال ُع ْذر َة قد ُت ْذ ِه ُبها احلي�ض ُة والو ْثب ُة‪.‬‬
‫حكم ترقيع غ�شاء البكارة‪:‬‬
‫�أما احلديث عن جواز ترقيع غ�شاء البكارة فلم يتناوله الفقهاء القدامى ب�سبب عدم مت ّكن‬
‫الطب يف زمانهم من �إجراء عمليات من هذا النوع‪ ،‬ولذلك كان ال ب ّد للعلماء املعا�صرين اليوم‬
‫من ا�ستنباط احلكم ال�شرعي لرتق (ترقيع) غ�شاء البكارة‪ ،‬الذي بات اليوم �شائع ًا عن طريق‬
‫�إجراء عملية �أو بالل�صق‪..‬‬
‫اجتهادي مل يرد فيه ن�ص يحتكم �إليه يف تبيني احلكم ال�شرعي لهذا املو�ضوع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ومبا �أن املو�ضوع‬
‫فقد جاءت �آراء العلماء املعا�صرين خمتلفة‪ ،‬ما بني الت�أييد والإباحة وبني اال�ستنكار والتحرمي‪.‬‬
‫وال بد لنا قبل الدخول يف التفا�صيل من الت�أكيد على اتفاق الفقهاء على حرمة رتق غ�شاء‬
‫البكارة للزانية امل�ص ّرة على فعل الزنا‪ ،‬والتي تريد �سرت جرميتها و�إخفاءها‪ ،‬فهذه و�أمثالها مل‬
‫يقل �أحد من الفقهاء بجواز �إجرائها لتلك العملية‪ ،‬بل حم ّل االختالف جا ٍر حول الفتاة التي‬
‫تعف نف�سها بالزواج‪ ،‬فهل يجوز لها‬ ‫انغم�ست يوم ًا ما يف املعا�صي‪ ،‬ثم ندمت وتابت و�أرادت �أن ّ‬
‫�أن تقوم برتق غ�شاء البكارة‪� ،‬أم �أن ذلك يعترب فتح ًا لباب الف�ساد والرذيلة ومتكين ًا من التدلي�س‬
‫اخلطاب؟؟‬ ‫على ّ‬
‫‪ -1‬علماء يبيحون عمليات ترقيع غ�شاء البكارة دون قيد وال �شرط �سوى �شرط التوبة‪:‬‬
‫يرى بع�ض العلماء املعا�صرين (كالدكتور علي جمعة مفتي م�صر والدكتورة �سعاد �صالح‬
‫�أ�ستاذة الفقه املقارن يف جامعة الأزهر ال�شريف والدكتور �سلمان عودة) �أن للفتاة التي ذهبت‬
‫بكارتها لأي �سبب من الأ�سباب‪ :‬الزنا – االعتداء اجلن�سي – �أذى ج�سدي‪� ،‬أن جتري هذه‬
‫نب توبة ن�صوح ًا‪.‬‬
‫العملية‪ ،‬وال�شرط الوحيد يف هذا ملن زالت بكارتها ب�سبب الزنا‪� ،‬أن تكون ممن ت َ‬

‫‪129‬‬
‫ويف هذا يقول الدكتور �سلمان العودة‪:‬‬
‫عملية ترميم غ�شاء البكارة فيها خالف بني الفقهاء‪ ،‬والذي �أميل �إليه �أنه �إذا وجدت التوبة‬
‫عند الفتاة‪ ،‬ف�إنه يجوز لها �أن تفعل ذلك حفاظ ًا على نف�سها وحياتها وم�ستقبلها؛ لأنه من الن�ساء‬
‫من تقتل بدعوى احلفاظ على ال�شرف‪ ،‬و�أنا �أعرف منظمة عاملية ذكرت �أن خم�سة �آالف امر�أة‬
‫تقتل �سنوي ًا ب�سبب ما ي�سمى بجرائم ال�شرف‪.‬‬
‫�أما الدكتور علي جمعة في�ستند يف جواز ذلك �إىل �أن الدين الإ�سالمي يدعو �إىل ال�سرت‪ ،‬و�إذا‬
‫كان �إجراء الفتاة‪ ،‬التي فقدت عذريتها لأي �سبب كان‪ ،‬لعملية ترقيع غ�شاء البكارة �سي�ؤدي �إىل‬
‫�سرتها‪ ،‬ف�إن الإ�سالم يبيح ذلك‪.‬‬
‫ويف ر�أي الدكتور جمعة‪� :‬إباحة ترقيع غ�شاء البكارة يهدف �إىل م�ساعدة الفتيات املخطئات‬
‫على التوبة والزواج‪ ،‬وال يع ّد هذا من قبيل الغ�ش واخلداع‪ ،‬وعلى تلك الفتاة �أال تخرب خطيبها‬
‫ب�أنها فقدت عذريتها‪..‬‬
‫�أما الدكتورة �سعاد �صالح فرتى جواز الت�صدق على الزانيات لإجراء عملية ترقيع غ�شاء‬
‫البكارة‪� ،‬إذا تنب �إىل اهلل ونوين الزواج وال�سرت‪.‬‬
‫ويرى ه�ؤالء الفقهاء �أن �إخفاء الفتاة للحقيقة ع ّمن يتقدم خلطبتها ال يندرج حتت باب‬
‫التدلي�س املحرم‪.‬‬
‫بينما يجيز الدكتور عبد اهلل بن ب ّيه نائب رئي�س االحتاد العاملي لعلماء امل�سلمني وع�ضو‬
‫املجمع الفقهي الإ�سالمي‪ ،‬للفتاة �أن تقوم بعملية ترقيع غ�شاء البكارة �سواء فقدته يف حادث‬
‫�أو نتيجة وقوعها يف خط�أ‪� ،‬شريطة �أن تتوب توبة ن�صوح ًا‪ ،‬وتخرب خطيبها بذلك حتى ال تخدعه‬
‫وحتتال عليه فت�أثم بهذا الت�صرف‪ .‬وع ّلل �إجازته لذلك ب�ضرورة حت�سني حال الإن�سان لنف�سه‪،‬‬
‫و�أن يكون يف و�ضع الئق ظاهر ًا وباطن ًا‪ ،‬كما �أنه من الزينة التي �أمر بها اهلل‪ُ ﴿:‬ق ْل َمنْ َح َّر َم ِزي َن َة‬
‫ات ِمنَ ال ِّر ْز ِق﴾ (((تخريج‪ ،‬وم�شري ًا �إىل �أن هذه العملية هي من‬ ‫اللهَِّ ا َل ِتي �أَخْ َر َج ِل ِع َبا ِد ِه َّ‬
‫والط ِّي َب ِ‬
‫باب التداوي الذي دعا �إليه النبي ‪.‬‬

‫الأعراف‪32 :‬‬ ‫(( (‬

‫‪130‬‬
‫‪ -2‬علماء يجيزون رتق غ�شاء البكارة ب�شروط و�ضمن نطاق �ضيق‪:‬‬
‫يرى بع�ض العلماء املعا�صرين ومنهم (الدكتور وهبة الزحيلي ع�ضو املجمع الفقهي والدكتور‬
‫ح�سني حامد ح�سان ع�ضو املجل�س الأوروبي للإفتاء) �أن ترقيع غ�شاء البكارة ال يجوز يف حالة‬
‫متزق الغ�شاء ب�سبب الزنا‪ ،‬ب�سبب ما ي�ؤدي �إليه من املفا�سد املجتمعية التي تفوق امل�صلحة‬
‫املرج ّوة‪� ،‬إذ �إن �سد الذرائع ومنع املفا�سد مق ّدم على جلب امل�صالح‪.‬‬
‫ومن هذه املفا�سد �شيوع الفاح�شة وفتح باب الزنا على م�صراعيه‪ ،‬ملن تريد ذلك من الفتيات‪،‬‬
‫اللواتي لن يجدن عائق ًا �أمامهنّ ‪ ،‬طاملا �أن ب�إمكانهنّ �إخفاء تلك اجلرمية و�إعادة عذريتهنّ عن‬
‫طريق ترقيع غ�شاء البكارة‪ ،‬كما �أنه فتح لباب الغ�ش والتدلي�س على الأزواج‪ ،‬وال يخفى ما يف ذلك‬
‫من �إثم‪� ،‬إىل جانب ما ي�شتمله من �أ�ضرار قد ته ّدد الأ�سرة يف حال علم الزوج بذلك‪.‬‬
‫ويف هذا يقول الدكتور ح�سني حامد ح�سان‪ :‬فتح الباب يف هذه العمليات ي�ؤدي �إىل ف�ساد‬
‫عظيم‪ ،‬بل �إنها جت ّر �إىل مفا�سد �أكرب من منفعة ال�سرت‪ ،‬ومن ذلك الغ�ش والتدلي�س على الزوج‪..‬‬
‫ولقد �سبق و�صادفتني عدة حاالت لفتيات �أخفني على خطبائهن حقيقة بكارتهنّ ‪ ،‬فاكت�شف‬
‫الزوج ذلك فحدث الطالق‪ ،‬وتبعت ذلك �آثار �سلبية عظمى‪.‬‬
‫وي�صف الدكتور حممد علي البار اال�ست�شاري يف الأمرا�ض الباطنية واخلبري يف املجامع‬
‫الفقهية من يقوم ب�إجراء عملية رتق غ�شاء البكارة للفتيات الالتي وقعن يف الرذيلة‪ ،‬ب�أنه خائن‬
‫للأمانة الطبية ولأخالق الطبيب امل�سلم‪ ،‬و�أن الطبيب الذي يقوم بهذه العملية بال�س ّر واخلفاء‬
‫خمطئ و�آثم‪.‬‬
‫ولكن‪ ..‬ما حكم من مت ّزق غ�شا�ؤها ب�سبب غري الفاح�شة‪ ،‬كمن تع ّر�ضت العتداء جن�سي �أو‬
‫حلادث �أدّى �إىل انف�ضا�ض البكارة؟‬
‫�أجاز كثري من الفقهاء املعا�صرين ترقيع غ�شاء البكارة يف هذه احلالة‪ ،‬واكتفى بع�ضهم‪،‬‬
‫ومنهم الدكتور وهبة الزحيلي‪ ،‬ب�إباحتها دون �أي �شرط‪ ،‬ومل يعتربوا هذا من التدلي�س املحرم‪،‬‬
‫بينما ا�شرتط �آخرون‪ ،‬ومنهم الدكتور ح�سني حامد ح�سان‪� ،‬إخبار اخلاطب بهذه العملية‪،‬‬
‫واعتربوا �إخفاءها مندرج ًا حتت باب التدلي�س املح ّرم‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫وقد �أجاز املجمع الفقهي ملنظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي لعام ‪2007‬م عملية رتق غ�شاء البكارة يف‬
‫غري حالة الزنا‪ ،‬ومل ي�شرتط �إعالم اخلاطب بذلك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ ‪-‬يجوز رتق غ�شاء البكارة الذي متزق ب�سبب حادث �أو اغت�صاب �أو �إكراه‪ ،‬وال يجوز‬
‫�شرع ًا رتق الغ�شاء املتمزق ب�سبب ارتكاب الفاح�شة‪� ،‬سد ًا لذريعة الف�ساد والتدلي�س‪ ،‬والأوىل �أن‬
‫يتولىّ ذلك الطبيبات‪.‬‬
‫  ‬
‫اتقاء ال�شبهات‪:‬‬
‫�أقول‪ :‬قد يتيه املرء بني هذه الأقوال املتناق�ضة‪ ،‬ولكن النبي ‪ ‬يقول‪ :‬من اتقى ال�شبهات فقد‬
‫ا�سترب�أ لدينه وعر�ضه(((‪.‬‬
‫ولذلك ف�إن كثري ًا من العلماء يرجحون القول بحرمة عملية رتق غ�شاء البكارة يف حالة متزقه‬
‫ب�سبب الزنا‪ ،‬كما يرجحون حرمته �أي�ض ًا حتى يف حالة متزقه بالأ�سباب الأخرى غري الزنا‪ ،‬ملا‬
‫يت�س ّبب عنه من التدلي�س على اخلاطب‪ ،‬وما يرتتب على هذا التدلي�س يف حال انك�شافه من‬
‫انهيار �أقد�س عالقة على وجه الأر�ض‪..‬‬
‫والأف�ضل يف هذه احلالة ال�صراحة التامة بني الفتاة و�أهلها وبني اخلاطب‪ ،‬حتى ولو كان‬
‫�سبب التمزّق الزنا‪ ،‬ما دامت الفتاة قد تابت و�أنابت‪..‬‬
‫فال�صراحة والو�ضوح من �أول الطريق رغم ما قد ت�ؤدي �إليه من نتائج غري مرغوبة �أف�ضل‬
‫بكثري من بناء البيوت على اخلداع والغ�ش‪ ،‬والتي ت�ؤدي غالب ًا �إىل نتائج �أكرث ق�سوة و�أ�شد �ضرر ًا‪.‬‬
‫ويعلق ه�ؤالء الفقهاء على قول من �أجازوا عملية ترقيع غ�شاء البكارة يف غري حالة الزنا‪،‬‬
‫وا�شرتطوا جلوازها �إخبار اخلاطب بذلك‪ ،‬ب�أنّ هذا ال�شرط يحيل هذه العملية �إىل نوع من‬
‫العبث‪� ،‬إذ ما الداعي �إليها وما هي فائدتها يف حال ا�ضطرار املخطوبة �إىل �إخبار اخلاطب!!‬
‫وقد يكون احل ّل بتغيري الثقافة املجتمعية‪ ،‬التي تغفر لل�شاب كل ما جتنيه يداه‪ ،‬بينما تك ّبل‬
‫الأنثى بالعار �إىل يوم الدين‪ ،‬حتى ولو تابت و�أنابت‪ ،‬يف حني �أن ال�شريعة الإ�سالمية ت�س ّوي بينهما‬
‫من جهة الإثم والعقوبة يف حالة الإ�صرار‪ ،‬ومن جهة املغفرة يف حالة الندم والتوبة‪.‬‬
‫  ‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.28‬‬ ‫((( ‬

‫‪132‬‬
‫عمليات جتميل الأ�سنان‪:‬‬
‫�إىل جانب العمليات التجميلية التي حتدثنا عنها‪ ،‬هناك عمليات جتميل الأ�سنان‪ ،‬فكثري ًا ما‬
‫نرى اليوم الفتيات والفتيان يتهافتون على العيادات ال�س ّنية لإ�صالح منظر �أ�سنانهم عن طريق‬
‫جراحي يف الف ّكني لزراعة الأ�سنان‪ ،‬فما احلكم ال�شرعي‬ ‫ٍ‬ ‫تقومي الأ�سنان‪ ،‬و�أحيان ًا يتم �إجراء ٍ‬
‫عمل‬
‫لهذه العمليات؟‬
‫ري خللق اهلل تعاىل‪،‬‬‫اتفق الفقهاء القدامى على حرمة تفليج الأ�سنان طلب ًا للح�سن‪ ،‬لأنه تغي ٌ‬
‫منهي عنه يف احلديث ال�صحيح الذي يقول فيه النبي ‪ :‬لعن اهلل النام�صات واملتنم�صات‪،‬‬ ‫وهو ٌ‬
‫والوا�شمات وامل�ستو�شمات‪ ،‬واملتفلجات للح�سن‪ ،‬املغيرّ ات خلق اهلل(((‪.‬‬
‫والتف ّلج (ويطلق عليه �أي�ض ًا الو�شر) هو‪ :‬مباعدة ما بني الأ�سنان (الثنايا والرباعيات)‬
‫لإحداث فرجة بينها طلب ًا للح�سن‪ ،‬كما يطلق الو�شر على حتديد الأ�سنان وتق�صريها‪ ،‬و ُيعترب‬
‫للح�سن‪،‬‬‫الف َلج عند العرب من عالمات اجلمال‪ ،‬وقد كانت بع�ض الن�ساء تف ِّلج �أ�سنانها طلب ًا ُ‬
‫فنهى النبي ‪ ‬عن ذلك‪.‬‬
‫وقد ورد احلديث بلفظ امل�ؤنث‪ :‬لعن اهلل املتف ّلجات‪ ،‬ولكنه �أي�ضا ي�شمل الذكور‪ ،‬و�إمنا ورد‬
‫بلفظ الت�أنيث لأن �أغلب من كان يفعل هذا الأمر هنّ من الإناث‪...‬‬
‫ري خللق اهلل تعاىل‪ ،‬وهو‬ ‫وقد اتفق الفقهاء القدامى على حرمة التفليج طلب ًا للح�سن‪ ،‬لأنه تغي ٌ‬
‫منهي عنه‪ ،‬ولكنَّ بع�ض الفقهاء القدامى (النووي وبع�ض املالكية) �أجازوا للمر�أة �أن تربد �شيئا‬ ‫ٌ‬
‫لعالج �أو لإزالة عيب‪ ،‬لأنَّ علة التحرمي هي تغيري خلق اهلل طلبا للح�سن فقط‪� ،‬أما‬ ‫من �أ�سنانها ٍ‬
‫العالج و�إزالة العيوب فال تنطبق عليه هذه الع ّلة‪.‬‬
‫ومل يكن يف زمان الفقهاء القدامى ما هو موجو ٌد اليوم من عمليات جتميل الأ�سنان‪ ،‬كالتقومي‬
‫و�إ�صالح الفكني وزراعة الأ�سنان وما �إىل ذلك‪ ،‬فقام الفقهاء املعا�صرون بالت�ص ّدي لهذه الق�ضية‬
‫امل�ستجدة‪ ،‬و�أعملوا االجتهاد ال�ستنباط احلكم ال�شرعي لعمليات التجميل ال�سن ّية‪ ،‬وخرجوا‬
‫بالنتيجة التالية‪:‬‬
‫يجوز و�ضع تقو ٍمي �أو �إجراء علمي ٍة جتميلي ٍة للف ّكني وزراعة الأ�سنان‪� ،‬إذا كان الهدف من ذلك‬
‫عيب �أو �إ�صالح ت�ش ّوه‪.‬‬
‫�إزالة ٍ‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.126‬‬ ‫((( ‬

‫‪133‬‬
‫ويف هذا يقول الدكتور القر�ضاوي‪ :‬من العمليات التجميلية اجلائزة تقومي الأ�سنان‪ ،‬فالأ�سنان‬
‫مرتا�ص ٍة مت�ساوية‪ ،‬ولكن يح�صل يف �أثناء من ّو الأ�سنان �أحيا ًنا �أن تكون‬
‫ّ‬ ‫خلقها اهلل تعاىل بطريق ٍة‬
‫هناك �أ�سنا ٌن بارز ٌة‪ ،‬فالتقومي هو �أن يحاول الطبيب املخت�ص ر ّد الأ�سنان �إىل �أ�صولها الطبيعية‪.‬‬
‫�أما �إن مل توجد �ضرور ٌة �أو حاج ٌة فهو �أمر حم ّر ٌم‪ ،‬لأنه من باب الإ�سراف يف التج ّمل‪ ،‬وهو‬
‫منهي عنه‪ ،‬كما ذكرنا �سابق ًا‪.‬‬
‫�أم ٌر ٌ‬
‫وقد بتنا اليوم للأ�سف نرى الأموال الطائلة تنفق على العمليات التجميلية العبثية‪� ،‬سعي ًا وراء‬
‫جمال اجل�سد وال�صورة‪ ،‬وهذا يف الواقع �أم ٌر ر ّوجته احل�ضارة الغربية املادية‪ ،‬التي ّمت ا�ستريادها‬
‫�إىل بالدنا‪ ..‬ومبقابل هذا ّمت ن�سيان جمال الروح والأخالق �أو تنا�سيها‪ ،‬ليغرق اجلميع يف النظرة‬
‫املقزّمة وال�سطحية للجمال!!!‬
‫  ‬
‫حديثنا عن حدود زينة املر�أة‪ ،‬ما يح ُّل منها وما يحرم مل ينته بعد‪ ..‬يف ال�صفحات التالية‬
‫�سوف �أحتدث عن النم�ص والو�شم الوارد يف حديث النبي ‪ :‬لعن اهلل الوا�شمات وامل�ستو�شمات‪،‬‬
‫(((‬
‫والنام�صات واملتنم�صات‪.‬‬
‫ما معنى النم�ص والو�شم املح ّرم‪ ،‬وما هي حدوده؟‬
‫�س�أجيب عن هذا يف البحث القادم �إن �شاء اهلل تعاىل‪.‬‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.126‬‬ ‫((( ‬

‫‪134‬‬
‫منص احلاجبني‬

‫مو�ضوع تبتلى به �أغلب الن�ساء‬


‫ٍ‬ ‫�س�أحتدث يف هذا البحث عن‬
‫يف ع�صرنا‪� :‬إزالة �شعر احلاجبني‪ ..‬هل هو حرا ٌم �أم حالل؟!‬
‫نرى اليوم من تر ّقق �شعر حاجبيها حتى ي�صبحا كالهاللني‪،‬‬
‫ومنهنّ من تزيل �شعر حاجبيها نهائي ًا‪ ،‬ثم تر�سمهما بالتاتو‬
‫(الو�شم) �أو بالقلم‪ ،‬ومنهنّ من تزيل قفل احلاجبني فقط‪ ،‬ومنهنّ‬
‫من تزيل ال�شعرات الطائ�ش َة حتت احلاجبني وفوقهما فقط‪.‬‬
‫�آراء الفقهاء يف هذا خمتلف ٌة ومتفاوتة‪ ،‬وكذلك �آراء النا�س‬
‫العاديني‪ ،‬فمنهم من يعترب هذا �أمر ًا جائز ًا‪ ،‬ومنهم من يعتربه‬
‫�أمر ًا حمرم ًا‪ ،‬ويبد�أ ال�صراع بني الطرفني‪ ،‬ولرمبا �شنّ �أحدهما‬
‫الهجوم على الطرف الآخر‪ ،‬و َن َعتَه بالف�سق �أو الزندقة �أو التحلل‬
‫والتفلُّت من �أوامر الدين‪ ،‬لري َّد عليه الآخر في�ص َفه بالت�شد ِد‬
‫والتطرف وال ُبعد عن روح الدين ومتطلبات احلياة!‬ ‫ِ‬ ‫واملغاال ِة‬
‫ولذلك ر�أيت �أن �أ�ضع مو�ضوع �إزالة �شعر احلاجبني على‬
‫ب�ساط البحث التف�صيلي‪ ،‬و�أبينّ َ جميع الآراء الفقهية للمذاهب‬
‫الإ�سالمية يف هذا املجال‪ ،‬و� َ‬
‫أترك للإخوة الق ّراء حرية تقليد هذه‬
‫املذاهب‪ ،‬مع الت�أكيد على �أف�ضلية �أن يكون االختيار مبني ًا على‬
‫العمل بالأقوى دلي ًال واتقاء ال�شبهات يف ذلك‪.‬‬
‫احلكم ال�شرعي لل ّنم�ص‪:‬‬
‫الكالم عن �إزالة احلاجبني يبد�أ بذكر احلديث ال�شريف ال�صحيح‪ ،‬الذي يقول فيه النبي‬
‫املغريات‬
‫ِ‬ ‫�سن‪،‬‬ ‫‪ :‬لعن اهلل الوا�شمات وامل�ستو�شمات‪ ،‬والنام�صات واملتن ّم�صات‪ ،‬واملتف ّلجات ُ‬
‫للح ِ‬
‫(((‬
‫خلقَ اهلل‪.‬‬
‫واللعن الوارد يف احلديث يعني �أنَّ النم�ص والو�شم والتفليج من الكبائر‪ ،‬وقد حتدثنا يف‬
‫مكان �آخر من هذا الكتاب عن تفليج الأ�سنان‪( ،‬حا�شية‪� :‬صفحة كذا) ونتحدث اليوم عن‬ ‫ٍ‬
‫النم�ص والو�شم‪.‬‬
‫واحلف والنم�ص كلها كلمات مبعنى واحد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ال ّنم�ص لغ ًة هو نتف �شعر الوجه‪ .‬والنق�ش‬
‫النام�صة هي املر�أة التي تنتف �شعر وجهها �أو وجه غريها‪.‬‬
‫املتن ّم�صة هي التي تطلب �أن ُينتف �شع ُر وجهها‪.‬‬
‫ِ�ص وامر�أ ٌة من�صاء‪� ،‬أي‪ :‬لي�س لهما حاجبان‪.‬‬ ‫ويقال‪ :‬رج ٌل من ٌ‬
‫واحلاجبان هما‪ :‬ال�شعر النابت فوق العظم الذي يعلو حجر َة العينني‪.‬‬
‫بنا ًء على هذا التعريف اللغوي اختلف الفقهاء يف تعريف ال ّنم�ص ا�صطالح ًا‪ ،‬ومن ّ‬
‫املهم �أن‬
‫نعرف �أنَّ الفقهاء الأربعة‪ :‬ال�شافعي و�أبا حنيفة ومالك و�أحمد بن حنبل‪ ،‬مل يتعر�ضوا لتبيني معنى‬
‫وحكم النم�ص‪ ،‬وكل ما جنده يف �أمهات كتب الفقه عن حكم النم�ص‪� ،‬إمنا هو من اجتهادات‬
‫تالمذتهم فيما بعد‪.‬‬
‫ذهب عد ٌد قلي ٌل من فقهاء املذاهب الأربعة �إىل �أنَّ النم�ص هو �إزالة �أيِّ �شيءٍ من �شعر الوجه‪،‬‬
‫وبنا ًء على هذا التعريف ذهبوا �إىل �أنه ال يجوز للمر�أة �أن تزيل � ّأي �شيء من �شعر وجهها‪ ،‬لأنه‬
‫يدخل حتت النم�ص املحرم‪ ،‬وقالوا‪ :‬ي�ستثنى من هذا ما �إذا نبتت للمر�أة حلي ٌة �أو �شارب‪ ،‬فيجوز‬
‫لها �إزالتهما‪ ،‬بل ي�ستحب ذلك‪ ،‬لأنهما من �أو�صاف الذكور ال من �أو�صاف الإناث‪.‬‬
‫بينما ذهب الأكرثون من فقهاء املذاهب الأربعة �إىل اعتماد التعريف اللغوي الذي ذكرناه‪،‬‬
‫وقلنا فيه‪ :‬املر�أة النم�صاء هي التي لي�س لها حاجبان‪ ،‬والرجل ال ّنمِ �ص �أو الأمن�ص هو الذي لي�س‬
‫واملنهي عنه‪ ،‬هو �إزالة ما‬
‫َّ‬ ‫له حاجبان‪ ،‬وبنا ًء على هذا التعريف خل�صوا �إىل �أنَّ النم�ص املح َّرم‬
‫يتعلق ب�شعر احلاجبني‪ ،‬وهذا الر�أي هو الذي رجحه �أهل العلم والر�أي‪.‬‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.126‬‬ ‫((( ‬

‫‪137‬‬
‫ويجوز عند ه�ؤالء الفقهاء للمر�أة �أن تزيل �شعر وجهها با�ستثناء حاجبيها‪ ،‬لأن �إزالة �شيءٍ من‬
‫�شعر الوجه �أو اجلبني �أو اخل ّدين لي�س من النم�ص املحرم‪.‬‬
‫يروى يف هذا �أنَّ امر�أ ًة �أتت �إىل ال�سيدة عائ�شة ر�ضي اهلل عنها ت�س�ألها �أن ّ‬
‫حتف جبينها‬
‫لزوجها‪� ،‬أي �أن تزيل �شعر جبينها تز ّين ًا لزوجها‪ ،‬فقالت لها ال�سيدة عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪:‬‬
‫ا�ستطعت(((‪.‬‬
‫ِ‬ ‫�أميطي عنك الأذى ما‬
‫وقد اتفق الفقهاء على �أنَّ حترمي من�ص احلاجبني يتناول الرجال والن�ساء‪� ،‬أما ورود احلديث‬
‫ال�شريف بلفظ امل�ؤنث‪ ،‬فيعود �إىل �أن �أغلب من كان ينم�ص �شعر الوجه �أو احلاجبني هنّ من‬
‫الن�ساء‪ ،‬بينما يندر �أن يفعله الرجال‪ ،‬ولكننا بتنا نرى اليوم من الرجال من ينم�ص حاجبيه‬
‫وير ّققهما لي�صبحا كحواجب الن�ساء‪ ،‬وهذا طبع ًا �أم ٌر حم ّر ٌم ال خالف بني الفقهاء على ذلك‪.‬‬
‫  ‬
‫املقدار املح َّرم من�صه من �شعر احلاجبني‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على حرمة �إزالة �شعر احلاجبني �إزال ًة كلية‪� ،‬سواء ّمت ر�سمه بعد‬
‫ذلك بالتاتو �أو بالقلم‪� ،‬أم بقي مكان احلاجبني فارغ ًا بدون ر�سم‪.‬‬
‫واختلفوا بعد ذلك يف حكم من�ص جزءٍ من �شعر احلاجبني �إىل عدة �أقوال‪ ،‬فذهب بع�ض‬
‫النم�ص املح َّرم هو نتف �أي �شيءٍ من �شعر احلاجبني‪ ،‬ق َّل ُ‬
‫النتف �أم كرث‪ ،‬واعتربوا‬ ‫َ‬ ‫الفقهاء �إىل �أنَّ‬
‫ذلك تغيري ًا خللق اهلل‪ ،‬و�أنه من وحي ال�شيطان‪ ،‬لقوله تعاىل على ل�سان ال�شيطان‪( :‬ولآمرنهم‬
‫رينَّ خلقَ اهلل)(((‪ ،‬فيوحي ال�شيطانُ للمر�أة �أن تغيرّ من خلقتها‪ ،‬ب�أن تزيل �شيئ ًا من �شعر‬ ‫فليغ ُّ‬
‫حاجبيها‪.‬‬
‫ومن الوا�ضح �أنَّ �إزالة احلاجبني و�إعادة ر�سمهما �أو تغيري �شكلهما بطريق ٍة فني ٍة‪ ،‬يقلب ِ�سحنة‬
‫املر�أة‪ ،‬حتى ليظنّ الناظر �إليها �أنها لي�ست هي!‬
‫ومن هنا ر�أى بع�ض الفقهاء �أنَّ يف العبث باحلاجبني تغيري ًا خللق اهلل ع ّز وجل‪.‬‬
‫�أثر �إ�سناده �صحيح‪ ،‬ولكن متنه خمتلف عليه‪� .‬أخرجه ابن اجلعد يف م�سنده‪ ،80/1 :‬وله متابعة عند يعقوب بن‬ ‫((( ‬
‫�إبراهيم الأن�صاري يف كتابه الآثار‪ .239/1 :‬وذكره القا�ضي عيا�ض يف �إكمال املعلم �شرح �صحيح م�سلم‪ ،330/6 :‬وذكر �أن‬
‫الرواية عن عائ�شة ‪ ‬خمتلف فيها ‪ ،‬فقد جاء عن معاذة �أنها �س�ألت عائ�شة ‪ ‬عن املر�أة تق�شر وجهها فقالت‪�“ :‬إن كنت‬
‫ت�شتهني التزيني فال يحل‪ ،‬و�إن كانت امر�أة بوجهها كلف �شديد فما”! ك�أنها كرهته ومل ت�ص ّرح‪.‬‬
‫�سورة الن�ساء‪� :‬آية ‪.119‬‬ ‫(( (‬

‫‪138‬‬
‫ولكنَّ بع�ض فقهاء املالكية �أجازوا للمر�أة من�ص �شيءٍ من �شعر حاجبيها‪ ،‬وف�سروا النهي‬
‫الوارد يف احلديث ال�شريف على �أنه ي�شمل املر�أة املعتدة عدة طالقٍ �أو وفا ٍة فقط‪ ،‬و�أنَّ ما عدا‬
‫هذه احلالة ال ي�شمله النهي‪ ،‬فيجوز عندهم للمر�أة �إذا مل تكن معتد ًة �أن تنم�ص �شيئ ًا من �شعر‬
‫حاجبيها دون �أن تزيلهما‪.‬‬
‫بينما �أجاز املاوردي وابن اجلوزي للمر�أة �أن تزيل بع�ض ًا من �شعر حاجبيها‪ ،‬فرت ّققهما تزي ّن ًا‬
‫اخلطاب والتزينُ لغري الزوج‪ ،‬ف�إذا انتفت الع ّلة‬ ‫لزوجها‪ ،‬وعل ُة التحرمي عندهما التدلي�س على ّ‬
‫جاز للمر�أة من�ص �شيءٍ من �شعر احلاجبني‪ ،‬على اعتبار �أنَّ هذا من باب التز ّين اجلائز للزوج‪.‬‬
‫اخلطاب‪� ،‬أو كان التز ّين لغري الزوج‪،‬‬ ‫�أما �إن ُو ِجدت العلة‪� :‬أي �إن �أ ّدى الأمر �إىل التدلي�س على َّ‬
‫ف�إنَّ النم�ص يكون عند ذاك حرام ًا‪.‬‬
‫وجوزوا حلق �شيءٍ منهما باملو�س‪،‬‬ ‫�أما احلنابلة فذهبوا �إىل حترمي من�ص احلاجبني مطلق ًا‪ّ ،‬‬
‫لأنَّ النم�ص املحرم هو نتف �شيءٍ من احلاجبني‪� ،‬أما حلق �شيءٍ منهما باملو�س �أو ال�شفرة فلي�س‬
‫حمرم ًا‪.‬‬
‫  ‬
‫ر�أي الفقهاء املعا�صرين‪:‬‬
‫ري من الن�ساء‬ ‫ا�ضطر الفقهاء املعا�صرون �إىل �إعادة البحث يف هذه الق�ضية التي ابتليت بها كث ٌ‬
‫امل�سلمات اليوم‪ ،‬وا�ستندوا يف تف�سري قول النبي ‪ :‬لعن اهلل النام�صات واملتنم�صات(((‪� ،‬إىل‬
‫ما تعنيه كلمة النم�ص يف اللغة‪ ،‬م�ست�أن�سني يف ذلك ب�آراء الفقهاء القدامى‪ ،‬التي تن ّوعت يف هذا‬
‫املو�ضوع‪ ،‬بناء على فهمهم لعلة التحرمي ومعنى النم�ص‪ ،‬وميكن تلخي�ص ما و�صل �إليه الفقهاء‬
‫املعا�صرون مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -‬اتفق جميع الفقهاء املعا�صرين على حرمة �إزالة جميع �شعر احلاجبني واال�ستعا�ضة عنه‬
‫ري من الن�ساء اليوم‪.‬‬
‫بالر�سم �أو الو�شم (التاتو)‪ ،‬وهو ما تفعله كث ٌ‬
‫‪ -‬ذهب بع�ض الفقهاء املعا�صرين �إىل حترمي من�ص �شعر احلاجبني مطلق ًا‪ ،‬ق َّل النم�ص �أم‬
‫كرث‪.‬‬

‫�سبق تخريجه �ص‪.126‬‬ ‫((( ‬

‫‪139‬‬
‫‪ -‬ذهب فقهاء �آخرون �إىل اختيار الر�أي الذي يبيح للمر�أة �إزال َة �شيءٍ من احلاجبني‬
‫وتهذيبهما بغية التز ّين للزوج‪ ،‬ويحرم �إذا كان بن َّية التدلي�س �أو الفتنة والإغراء‪ ،‬وقد تب ّنى هذا‬
‫الر�أي القائمون على جملة البحوث الإ�سالمية يف الأزهر‪.‬‬
‫ب�شكل معيب‬
‫‪ -‬ورد يف فتاوى ال�شبكة الإ�سالمية �أنه يجوز للفتاة ذات احلاجبني العري�ضني ٍ‬
‫وخارج عن امل�ألوف‪� ،‬أن ته ّذبهما وتعيدهما �إىل �شكلهما الطبيعي عن طريق �إزالة ال�شعرات‬ ‫ٍ‬
‫الطائ�شة‪ ،‬ولو مل تكن متزوج ًة �أو خمطوب ًة‪ ،‬ولي�س يف هذا تغيري ًا خللق اهلل تعاىل‪ ،‬بل فيه �إعادة‬
‫احلاجبني �إىل ال�شكل الطبيعي امل�ألوف الذي خلق اهلل تعاىل املر�أة عليه‪ ،‬كما �أنَّ هذه الإعادة ال‬
‫ت�شتمل على الغ�ش والتدلي�س‪.‬‬
‫  ‬
‫�إزالة قفل ( َقرن) احلاجبني‪:‬‬
‫بع�ض الن�ساء لديهنَّ قف ٌل يف احلاجبني �أو ما ي�سمى يف اللغة ب ( َقرن احلاجبني)‪ ،‬ويف اللغة‬
‫يقال للرجل‪ :‬مقرون احلاجبني‪ ،‬وللمر�أة‪ :‬مقرونة احلاجبني‪ ،‬وذلك �إذا التقى طرفاهما‪.‬‬
‫وال�س�ؤال املطروح‪ :‬هل تعترب �إزالة قفل احلاجبني من النم�ص املحرم؟‬
‫اختلف الفقهاء املعا�صرون يف حكم �إزالة قفل احلاجبني‪ ،‬فذهب �أغلبهم �إىل �أنَّ قفل‬
‫احلاجبني جز ٌء من احلاجبني‪ ،‬وهو ي�أخذ حكمهما يف جواز النم�ص �أو حرمته‪ ،‬بنا ًء على ما‬
‫ذكرناه �سابق ًا من �آراء الفقهاء يف النم�ص املحرم والنم�ص اجلائز‪.‬‬
‫بينما ذهب بع�ض الفقهاء املعا�صرين �إىل جواز �إزالة قفل احلاجبني‪ ،‬لأنه يف ر�أيهم لي�س من‬
‫احلاجبني‪ ،‬وا�ستندوا يف اجتهادهم �إىل �أنَّ تعريف احلاجب لغ ًة هو‪ :‬ال�شعر النابت على اجللد‬
‫الذي يك�سو العظم الواقع فوق العينني‪ ،‬وقد �أفتى بهذا اللجنة الدائمة للإفتاء يف ال�سعودية‪،‬‬
‫واملفتون يف ال�شبكة الإ�سالمية‪.‬‬
‫  ‬ ‫ ‬

‫‪140‬‬
‫ملخ�ص البحث‪:‬‬
‫بعد هذا البحث املف�صل لآراء الفقهاء يف النم�ص املح ّرم وغري املح ّرم‪ ،‬يحلو لنا هنا �أن نذكر‬
‫يلخ�ص ويجمع �شتات املو�ضوع‪:‬‬ ‫ملخ�ص ًا ّ‬
‫‪� -1‬إزالة �شعر احلاجبني بالكامل حم ّر ٌم باتفاق جميع الفقهاء‪ :‬القدامى واملعا�صرين‪.‬‬
‫وما تفعله اليوم بع�ض الن�ساء من �إزالة �شعر احلاجبني نهائي ًا ور�سمهما بالقلم �أو عن طريق‬
‫التاتو (الو�شم) حم َّر ٌم قطع ًا‪ ،‬ومل يقل �أح ٌد من العلماء بجوازه‪.‬‬
‫‪� -2‬إزالة قفل احلاجبني جائ ٌز عند بع�ض العلماء املعا�صرين على اعتبار �أنهما لي�سا من‬
‫احلاجبني‪ ،‬بنا ًء على التعريف اللغوي للحاجبني‪.‬‬
‫‪ -3‬ت�شذيب احلاجبني وترقيقهما تز ّين ًا للزوج جائ ٌز عند بع�ض الفقهاء‪� ،‬إذ لي�س يف ذلك � ّأي‬
‫تدلي�س �أو غ�ش‪.‬‬
‫ٍ‬
‫معيب‬
‫ب�شكل ٍ‬ ‫‪� -4‬أفتى بع�ض العلماء يف فتاوى ال�شبكة الإ�سالمية للفتاة عري�ضة احلاجبني ٍ‬
‫وخارج عن امل�ألوف‪� ،‬أن ته ّذبهما وتعيدهما �إىل �شكلهما الطبيعي‪ ،‬وهذا ر� ٌأي وجي ٌه ب�سبب حاجة‬ ‫ٍ‬
‫عيب يف حاجبيها‪( ،‬ولو كانت غري متزوج ٍة �أو خمطوب ٍة)‪� ،‬إىل �أن تزيل‬ ‫املر�أة التي تعاين من ٍ‬
‫ال�شعرات الطائ�شة واملعيبة‪ ،‬لتعيد حاجبيها �إىل �أ�صل خلقتهما‪ ،‬دون �أن تبالغ يف ترقيقهما‪.‬‬
‫من هي النام�صة‪ ،‬وما الذي يحرم عليها‪:‬‬
‫ذكرنا �أن ال ّنام�صة التي تزيل ال�شعر من حاجبيها �أو من حاجبي غريها‪ ،‬وبالتايل ف�إنَّ ما‬
‫يجري اليوم يف �صالونات احلالقة والتجميل من قبل املز ّينة التي تنم�ص �شعر حاج َبي من‬
‫تز ّينها‪ ،‬ثم تر�سمه بالقلم �أو بالو�شم‪ ،‬هو حرا ٌم لدى جميع الفقهاء‪ ،‬وت�أثم ال ّنام�صة التي تقوم‬
‫بهذا العمل املح ّرم‪.‬‬
‫واختالف بني الفقهاء‪ ،‬ويحق للمز ِّينة‬
‫ٍ‬ ‫جدل‬
‫�أما من�ص �شيءٍ من �شعر احلاجبني فهو مثار ٍ‬
‫�صاحبة �صالون احلالقة �أن تق ّلد من ت�شاء من هذه الآراء الفقهية التي ذكرناها‪ ،‬مع �أين �أح ّثها‬
‫على اختيار الأورع والأحوط يف هذا املجال‪.‬‬
‫  ‬ ‫ ‬

‫‪141‬‬
‫الفرق بني التج ّمل املباح وبني ال ّنم�ص املحرم‪:‬‬
‫قد تقول �إحدى القارئات‪� :‬إذا كان التز ّين يف الإ�سالم �أمر ًا مرغوب ًا ومندوب ًا‪ ،‬فما بال هذا‬
‫النوع من التز ّين حم ّرم ًا؟!‬
‫ويرغب الرجل واملر�أة بذلك‪ ،‬ولكنه‬ ‫�أقول‪� :‬صحيح �أن الإ�سالم يحثّ على التزين والتجمل‪ّ ،‬‬
‫ي�ضع بع�ض ال�ضوابط لهذا‪ ،‬وقد تعر�ضنا لبع�ض هذه ال�ضوابط يف بحث العمليات التجميلية‪،‬‬
‫التجمل املباح هو ما كان يف حدود ال�شرع‪ ،‬ف�إن تع ّدى تلك‬ ‫وتزين مباح ًا‪ ،‬و�إمنا ّ‬
‫فلي�س كل جت ّم ٍل ٍ‬
‫يطلب �صاحبه من ورائه �إر�ضاء النزوات وال�شهوات‪ ،‬نزو ًال‬ ‫عبثي‪ُ ،‬‬‫احلدو َد‪� ،‬أو انقلب �إىل تز ّي ٍن ٍ‬
‫عند و�سو�سة ال�شيطان ور�ضوخ ًا له يف تغيري خلق اهلل تعاىل‪� ،‬أ�صبح تز ّين ًا حمرم ًا‪ ،‬وي�أثم كل من‬
‫يفعله‪..‬‬
‫ومن هذا املنطلق حرم الإ�سالم بع�ض �أ�شكال الزينة كالو�شم والنم�ص‪ ،‬ملا يف ذلك من‬
‫اخلروج على الفطرة‪ ،‬والتغيري ملا خلقه اهلل تعاىل‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل ما يحتمله ذلك من معاين‬
‫الغ�ش والتدلي�س على عباد اهلل‪.‬‬‫ّ‬
‫  ‬
‫حكم �إزالة املر�أة ل�شعر ج�سدها‪:‬‬
‫قد يت�ساءل البع�ض‪ :‬ماذا عن �إزالة املر�أة ل�شعر ج�سدها؟ هل يدخل حتت النم�ص املنهي‬
‫عنه؟!‬
‫اتفق جميع الفقهاء على جواز �إزالة املر�أة ل�شعر ج�سدها‪ ،‬و�أنه ال يدخل حتت قول النبي ‪:‬‬
‫لعن اهلل النام�صات واملتنم�صات(((‪ ،‬لأن يف �إزالة املر�أة ل�شعر ج�سدها رجوع ًا �إىل �أ�صل اخللقة‬
‫التي خلق اهلل املر�أة عليها‪ ،‬ويف ذلك �إعانة لها لتكون على ال�شكل الذي ير�ضي الزوج‪ ،‬وي�ساعده‬
‫على العفة واالكتفاء باحلالل عن احلرام‪.‬‬
‫  ‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.126‬‬ ‫((( ‬

‫‪142‬‬
‫حكم �إزالة �شعر الوجه �أو اجل�سد بالليزر‪:‬‬
‫ا�ستخدام الليزر لإزالة �شعر اجل�سد من امل�ستج ّدات التي و�صل �إليها العلم احلديث‪ ،‬وهو‬
‫�أمر ت�س�أل عن حكمه كثري من الن�ساء‪ ،‬ملا له من فائدة دائمة‪ ،‬تخ ّل�ص املر�أة من اتباع الأ�ساليب‬
‫التقليدية لإزالة ال�شعر‪ ،‬والتي تعاين ب�سببها من امل�شقة والآالم املو�ضعية‪ ،‬كلما كررت تلك العملية‬
‫يف كل �شهر تقريب ًا‪.‬‬
‫وقد ذهب كثري من الفقهاء املعا�صرين (كالدكتور القر�ضاوي واملفتني يف ال�شبكة الإ�سالمية)‬
‫�إىل جواز ا�ستخدام الليزر لإزالة ال�شعر من حيث املبد�أ‪ ،‬لأن ما يفعله الليزر هو متويت للب�صالت‬
‫ال�شعرية‪ ،‬حتى ال تنبت مر ًة �أخرى‪ ،‬دون �أن يرتتب على ذلك �أ�ضرار حقيقية‪.‬‬
‫�أما من حيث التف�صيالت ف�إن احلكم يختلف تبع ًا للمنطقة التي يزال منها ال�شعر‪ ،‬وتبع ًا‬
‫للقائمني على تلك العملية‪.‬‬
‫ف�إن كان ال�شعر يف حدود الوجه‪ ،‬ومل يتط ّلب من املر�أة الك�شف عن عورتها‪ ،‬جاز �أن يكون‬
‫القائم على ذلك طبيب ًا ذكر ًا‪ ،‬و�إن كانت الطبيبة الأنثى �أف�ضل من باب االحتياط‪ ،‬خ�صو�ص ًا و�أن‬
‫هناك من العلماء من يعترب وجه املر�أة عورة‪.‬‬
‫�أما �إن كان املو�ضوع بحاجة �إىل ك�شف ما يع ّد عورة �أمام الرجال‪ ،‬ولكنه لي�س عور ًة �أمام‬
‫الن�ساء‪ ،‬كاليدين وال�ساقني ومنطقة ال�صدر والظهر وما �شابه ذلك‪ ،‬فيجب �أن تتوىل الأمر‬
‫امر�أة‪ ،‬وال يجوز ك�شف العورة �أمام الرجال من �أجل �أمو ٍر حت�سينية تزيينية‪ ،‬لي�س لها �ضرور ٌة �أو‬
‫حاجة‪.‬‬
‫ولكن‪ ..‬ما احلكم فيما لو �أرادت املر�أة �أن تزيل ال�شعر الذي يغطي ما بني �سرتها وركبتها‬
‫(بالليزر �أو بغري الليزر)‪ ،‬هل يجوز لها �أن ت�سمح المر�أ ٍة بذلك؟‬
‫م�سها‪ ،‬ن�سا ًء كنّ �أو رجا ًال‪،‬‬
‫العورات م�صان ٌة يف الإ�سالم‪ ،‬وال يجوز للآخرين النظر �إليها وال ّ‬
‫�إال �إذا كانت هناك �ضرورة �أو حاجة لذلك‪ ،‬كمداواة الأمرا�ض‪.‬‬
‫ولذلك ف�إنَّ على املر�أة �أن تتح ّرى احلالل يف هذا املو�ضوع‪ ،‬وال يجوز لها �أن تك�شف عورتها‬
‫أحد �إال عند احلاجة �إىل التداوي‪ ،‬ولي�س يف مو�ضوع �إزالة ال�شعر حاجة حقيقية‪ ،‬تبيح لها �أن‬ ‫ل ٍ‬
‫تظهر عورتها �أمام الغري‪ ،‬ولو كان هذا الغري امر�أة!‬

‫‪143‬‬
‫ما معنى الوا�شمة وامل�ستو�شمة يف قوله ‪ :‬لعن اهلل الوا�شمات وامل�ستو�شمات‪ ،‬والنام�صات‬
‫املغريات خلقَ اهلل(((‪ ،‬هذا ما �سنبحثه ق ّرائي الأعزاء يف‬
‫ِ‬ ‫�سن‪،‬‬ ‫واملتن ّم�صات‪ ،‬واملتف ّلجات ُ‬
‫للح ِ‬
‫ال�صفحات التالية‪.‬‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.126‬‬ ‫((( ‬

‫‪144‬‬
‫الوشم (التاتو)‬

‫كان الو�شم معروف ًا عند العرب قبل الإ�سالم‪ ،‬كما كان‬


‫معروف ًا عند الفراعنة وغريهم‪ ،‬وكان ي�ستعمل ٍ‬
‫كنوع من الزينة‬
‫للرجال والن�ساء‪ ،‬ولكنَّ الن�ساء ا�شتهرنَ به فيما م�ضى �أكرث من‬
‫الرجال‪� ،‬أما اليوم فبتنا ن�شهد تهافت الرجال والن�ساء على‬
‫الو�شم على ح ّد �سواء‪.‬‬
‫ويتم ا�ستخدامه لإجراء‬
‫ُيعرف الو�شم اليوم با�سم التاتو‪ّ ،‬‬
‫يتم‬
‫الر�سوم املتن ّوعة على �أنحاء خمتلف ٍة من اجل�سد‪ ،‬كما ّ‬
‫مكياج ثابت ٍة لتحديد‬
‫ا�ستخدامه من قبل بع�ض الن�ساء ك�أداة ٍ‬
‫ال�شفاه وحتمري اخلدين ور�سم احلواجب وغري ذلك‪.‬‬
‫وهناك اليوم نوعان من التاتو‪ :‬دائ ٌم ال يزول مع مرور الزمن‪،‬‬
‫وم�ؤقتٌ مبد ٍة معين ٍة‪ ،‬ولكال هذين النوعني نف�س الأ�ضرار ونف�س‬
‫الأحكام ال�شرعية‪.‬‬
‫بع�ض الن�ساء تزيل �شعر حاجبيها‪ ،‬ثم تر�سمهما عن طريق‬
‫الو�شم (التاتو)‪ ،‬ومنهنّ من ت�ستخدم التاتو لتحديد ال�شفاه‬
‫وحتمريها‪� ،‬أو لتحمري اخلدين‪ ،‬لأن حمرة ال�شفاه واخلدود تزول‬
‫عند غ�سل الوجه �أو عند الأكل وال�شرب‪ ،‬بينما حمرة التاتو ثابتة‬
‫ال تزول‪.‬‬
‫وتظن املر�أة التي تفعل ذلك �أنها ت�صبح �أجمل و�أحلى‪ ،‬ولكنها‬
‫يف احلقيقة ال تعرف �إىل � ِّأي حدٍّ ت�سيء �إىل نف�سها و�صحتها‪ ،‬كما‬
‫�أنها ال تعرف حكم ال�شرع يف هذا املجال‪.‬‬
‫املهم‪ :‬ما هو الو�شم �أو التاتو؟‬
‫و�أبد�أ حديثي بال�س�ؤال الب�سيط ّ‬
‫وما هي �أ�ضراره؟‬
‫حروف �أو رموزٍ وما �إىل ذلك‪،‬‬‫ٍ‬ ‫حيوانات �أو‬
‫ٍ‬ ‫التاتو �أو الو�شم هو بق ٌع مل ّون ٌة على �شكل �أزها ٍر �أو‬
‫يتم �صنعها ب�إدخال جزئ ّي ٍات مل ّون ٍة يف جلد الإن�سان عن طريق الوخز بوا�سطة الإبر‪.‬‬
‫الأ�ضرار ال�صحية للتاتو (الو�شم)‪:‬‬
‫عامالت غري متخ�ص�صني‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫عمال �أو‬
‫تتم عملية التاتو يف �صالونات احلالقة‪ ،‬على �أيدي ٍ‬ ‫‪ -1‬غالب ًا ما ّ‬
‫وقد ال يتوفر عندهم الوعي الكايف والتعقيم اجليد والنظافة املطلوبة‪ ،‬ومنهم من ي�ستخدم نف�س‬
‫الإبرة لأكرث من �شخ�ص‪ ،‬على الطريقة التي يت�ص ّرف بها مدمنو املخدرات‪ ،‬وهذا قد ي�س ّبب نقل‬
‫�شخ�ص �إىل �آخر‪ ،‬ومن هذه الأمرا�ض الإيدز والتهاب الكبد الوبائي‪ ،‬وهما‬ ‫ٍ‬ ‫الأمرا�ض املعدية من‬
‫داعي لتعري�ض النف�س الحتمال الإ�صابة بهما من �أجل نزو ٍة تزييني ٍة‪ ،‬مل يتفق‬ ‫مر�ضان خطريان ال َ‬
‫النا�س على �أنها تعطي حق ًا املزيد من اجلمال ملن يحملها‪.‬‬
‫‪ -2‬الألوان امل�ستخدمة لعمل التاتو هي مواد كيماوية‪ ،‬ي�س ّبب بع�ضها �أورام ًا جلدي ًة و�سرطاني ًة‪،‬‬
‫فاللون الأ�سود هو برادة احلديد‪ ،‬واللون الأ�صفر هو مواد كربيتية‪ ،‬واللون الأخ�ضر هو �أك�سيد‬
‫متعلم �أن يعرف مدى خطورة �إدخال‬ ‫عاقل ٍ‬ ‫الكربون‪� ،‬أما اللون الأحمر فهو الزئبق‪ ،‬وميكن لأي ٍ‬
‫هذه املواد الكيماوية �إىل ج�سم الإن�سان‪.‬‬
‫‪ -3‬قد يرف�ض اجل�سم �أحيان ًا املادة املحقونة داخله‪ ،‬وهذا الرف�ض ي�ؤدي �إىل ت�ش ّوهات يف‬
‫الوا�شم الذي كان‬
‫َ‬ ‫هات �أكرب‪ ،‬وجتعل‬ ‫مكان التاتو‪ ،‬و�إزالة هذه الت�شوهات تت�س ّبب يف حدوث ت�ش ّو ٍ‬
‫طبيب‪ ،‬ليتخل�ص من ب�شاعة هذه الت�شوهات‪.‬‬ ‫طبيب �إىل ٍ‬‫يبحث عن اجلمال‪ ،‬يتن ّقل من ٍ‬
‫يحدثنا عن هذه الأ�ضرار الدكتور منر قا�سم االخت�صا�صي يف اجلراحة اجللدية وزراعة‬
‫ال�شعر الطبيعي‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫املواد التي تو�ضع حتت اجللد هي مواد ع�ضوي ٌة حيواني ٌة �أو نباتية‪ ،‬وي�ضاف لها ملوناتٌ‬
‫خا�ص ٌة‪ ،‬تعطي اللون الأحمر والأخ�ضر والأزرق والأ�سود‪ ،‬ولهذه املواد �أ�ضرا ٌر كبري ٌة قد تت�سبب‬
‫جرب يف مكان الو�شم‪ ،‬وهذه الأ�ضرار التي قد يعاين منها املري�ض‪،‬‬ ‫حبوب �أو حك ٍة �أو ٍ‬‫يف حدوث ٍ‬
‫فر�سم الو�شم‬
‫ُ‬ ‫جتعله يبحث عن طريق ٍة لإزالة الو�شم‪ ،‬ولكنَّ �إزالة الو�شم �أ�صعب بكثري من ر�سمه‪،‬‬
‫ال ي�ستغرق �أكرث من �ساع ٍة‪ ،‬يف حني يحتاج املري�ض ملعاجلة الأ�ضرار الناجمة عن الو�شم ملدة‬
‫�سنوات‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫ندبات ظاهر ًة‪،‬‬‫وللأ�سف مل يتم ّكن الطب حتى اليوم من �إزالة الو�شم بدون �أن يرتك وراءه ٍ‬
‫وهذا يعني �أنه حتى يتمكن املرء من �إزالة الو�شم‪ ،‬عليه �أن يقبل بالندوب امل�ش ّوهة ملكانه‪ ،‬والتي‬
‫�ستبقى بعد �إزالة �ألوان الو�شم مدى احلياة‪.‬‬
‫وهذه امل�شكلة يتعر�ض لها كثري من الذين يلهون بالو�شم يف �شبابهم‪ ،‬فري�سمون على �أكتافهم‬
‫�أو ظهورهم �أو جباههم �أو بطونهم �أ�شكا ًال من الطيور �أو الثعابني وما �إىل ذلك‪ ،‬ثم ملا يكربون‬
‫يف ال�سن‪ ،‬يخجلون من هذه الر�سوم‪ ،‬ويحاولون �إزالتها ب�أية طريق ٍة‪ ،‬ولك َّنهم يكت�شفون �أنَّ الثمن‬
‫الذي �سيدفعونه �سيكون غالي ًا جد ًا‪ :‬ت�ش ّو ٌه دائ ٌم وندباتٌ ب�شعة‪ ،‬فيح�صلون على القبح بد ًال من‬
‫اجلمال املوهوم والعبثي‪ ،‬الذي بحثوا عنه يوم ًا من الأيام‪.‬‬
‫  ‬ ‫ ‬
‫حكم ال�شرع يف الو�شم (التاتو)‪:‬‬
‫ورد يف �صحيح م�سلم قول النبي ‪ :‬لعن اهلل الوا�شمات وامل�ستو�شمات(((‪.‬‬
‫والوا�شم هو من يفعل الو�شم‪ ،‬وامل�ستو�شِ م هو من ُيجرى له الو�شم‪.‬‬
‫وبناء على هذا احلديث ال�صحيح ال�صريح اتفق الفقهاء القدامى واملعا�صرون على حرمة‬
‫الو�شم‪ ،‬و�أنه من الكبائر التي ت�ستوجب لعن الوا�شم وامل�ستو�شم‪ ،‬و�أن احلكم ي�شمل الرجال‬
‫والن�ساء‪ ،‬و�أن �سبب ورود احلديث بلفظ امل�ؤنث يعود �إىل �أن �أكرث من كان ي�ستخدم الو�شم يف زمن‬
‫النبي ‪ ‬هنّ من الن�ساء‪.‬‬
‫وحت ّدث الفقهاء عن العلة التي ح ّرم لأجلها الو�شم‪ ،‬فبينوا �أن هذا الفعل نو ٌع من العبث واللهو‬
‫ٌ‬
‫وتعري�ض لل�صحة‬ ‫وتغيري خلق اهلل‪ ،‬و�أنه من عمل ال�شيطان‪ ،‬كما �أنه �إلقا ٌء بالنف�س �إىل التهلكة‪،‬‬
‫داعي لها‪.‬‬
‫لأخطا ٍر ال َ‬
‫جن�س‪� ،‬أي �إنَّ املو�شوم‬
‫هذا من جهة‪ .‬ومن جه ٍة �أخرى ف�إنَّ الدم املنعقد حتت اجللد هو د ٌم ٌ‬
‫يحمل النجا�سة الدائمة‪ ،‬فما هو حكم ال�شرع يف �صالته وبقية عباداته؟!‬
‫  ‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.126‬‬ ‫((( ‬

‫‪148‬‬
‫جنا�سة الع�ضو املو�شوم‪:‬‬
‫ذهب الفقهاء �إىل �أنَّ مو�ضع الو�شم يف اجل�سد مو�ض ٌع جن�س‪ ،‬و�أن النجا�سة تدوم ما دام اللون‬
‫املو�شوم به موجود ًا‪.‬‬
‫�أما �سبب جنا�سة مو�ضع الو�شم‪ ،‬فيعود �إىل انعقاد الدم حتت اجللد يف مكان الو�شم‪ ،‬وهذا‬
‫وم�س امل�صحف‪،‬‬ ‫يعني عدم مت ّكن �صاحب الو�شم من �إمتام الطهارة املطلوبة لل�صالة والطواف ّ‬
‫وهذه النجا�سة ال ميكن �إزالتها ب�سبب وجود الو�شم الدائم‪.‬‬
‫قد ي�س�أل �سائل‪ :‬ملاذا اعترب الفقهاء الدم املنعقد حتت اجللد جن�س ًا‪ ،‬مع �أنَّ الدم يجري يف‬
‫مكان من ج�سد الإن�سان؟!‬‫كل ٍ‬
‫جواب وا�ض ٌح يف كتب الفقه على هذا ال�س�ؤال‪ ،‬ولكنَّ الفقهاء (القدامى‬ ‫و�أقول‪ :‬يف الواقع ال يوجد ٌ‬
‫واملعا�صرين) �أجمعوا على جنا�سة الدم �سواء كان �سائ ًال �أو منعقد ًا متخثرّ ًا‪ ،‬ومن املعروف �أنَّ‬
‫الدم املنعقد املتوقف عن اجلريان يتحول �إىل ب�ؤر ٍة للجراثيم وامليكروبات والفريو�سات ال�ضارة‪،‬‬
‫ومن هنا ميكن التما�س احلكمة من نفور الفقهاء من الدم املنعقد‪� ،‬سواء كان خارج اجل�سم �أم‬
‫داخله‪ ..‬فوق اجللد �أو حتته‪.‬‬
‫  ‬
‫ما حكم الوا�شم واملو�شوم �إذا نوى التوبة؟ هل تقبل توبته؟‬
‫وما حكم �صالة املو�شوم؟! هل هي مقبول ٌة �أم باطلة؟‬
‫لذنب كب ٍري‪ ،‬وقد ذهب العلماء �إىل �أن توبة مرتكبي‬ ‫مرتكب ٍ‬
‫ٌ‬ ‫الوا�شم واملو�شوم‪ ،‬ك ٌّل منهما‬
‫الكبائر مقبول ٌة‪� ،‬إذا ندموا و�أقلعوا عن ارتكاب تلك الكبائر‪.‬‬
‫حكم الو�شم الباقي على اجل�سم بعد توبة �صاحبه‪:‬‬
‫هل يجب على �صاحب الو�شم �إزالته حتى تقبل توبته‪� ،‬أم يكفي �أن يتوب ولو بقي الو�شم على‬
‫ج�سده؟‬
‫ذهب بع�ض فقهاء املالكية �إىل �أن �صاحب الو�شم ال يك َّلف ب�إزالته‪ ،‬و�أنه من النجا�سة املعف ّو عنها‪.‬‬
‫بينما ذهب بع�ض فقهاء ال�شافعية �إىل �أنه يجب على �صاحب الو�شم �إزالته بالعالج والأدوية‬
‫�إن �أمكن‪ ،‬ف�إن مل يذهب الو�شم بالعالج فعلى �صاحبه حماولة �إزالته عن طريق العمل اجلراحي‪،‬‬
‫�إذا �أمكنه ذلك دون �أن يرتتب عليه �ضر ٌر حمقق‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫الر�أي الطبي يف �إزالة الو�شم‪:‬‬
‫وعندما نتحدث عن �إزالة الو�شم‪ ،‬يجب �أن نعود للر�أي الطبي‪.‬‬
‫يقول الأطباء‪ :‬ميكن �إزالة الو�شم عن طريق الليزر‪ ،‬ولكن‪ ..‬يرتتب على ذلك �أ�ضرا ٌر عديد ٌة‪،‬‬
‫هات مكان الو�شم املزال‪.‬‬ ‫ندبات وت�ش ّو ٍ‬
‫من �أهمها حدوث ٍ‬
‫يتحدث الدكتور منر قا�سم عن هذه الأ�ضرار فيقول‪:‬‬
‫ندبات دائم ًة ت�شبه �آثار احلروق‪� ،‬سواء كانت الإزال ُة عن طريق الليزر‪� ،‬أو‬ ‫�إزالة الو�شم يرتك ٍ‬
‫عن طريق حفر اجللد‪.‬‬
‫من املمكن �أن تكون الندبة خفيف ًة‪ ،‬ومن املمكن �أن تكون �شديد ًة‪ ،‬ويعود حتديد ذلك �إىل‬
‫املكان املوجود فيه الو�شم‪ ،‬وتعترب �إزالة و�شم الوجه �أق َّل �سوء ًا وتعقيد ًا من �إزالة و�شم الظهر‬
‫ندبات دائم ًة مدى احلياة‪.‬‬ ‫والكتفني‪ ،‬حيث ترتك ٍ‬
‫وبناء على الر�أي الطبي ذهب العلماء املعا�صرون �إىل �أنَّ توبة املو�شوم مقبول ٌة �إن �شاء اهلل‪،‬‬
‫وعباداته التي ُت�شرتط فيها الطهارة �صحيح ٌة‪ ،‬ولو مل يقم ب�إزالة الو�شم‪ ،‬عم ًال بقواعد ال�شريعة‬
‫الإ�سالمية التي ترفع ال�ضرر وامل�شقة عن املكلفني‪.‬‬
‫  ‬ ‫ ‬
‫تلك حدود اهلل فال تعتدوها‪:‬‬
‫ري من ال�شباب وال�شابات اليوم يلهثون وراء املو�ضة‪ ،‬فري�سمون بالتاتو �صور ًا �شتى على‬ ‫كث ٌ‬
‫جمال موهوم‪ ،‬وعندما تتغري املو�ضة‪ ،‬يرك�ض ه�ؤالء �إىل �صالونات التاتو‬ ‫�أج�سادهم بحث ًا عن ٍ‬
‫لتغيري ال�صورة التي ر�سموها على �أج�سادهم‪ ،‬ور�سم �صور ٍة جديد ٍة يف موا�ضع �أخرى‪ ..‬ف�إذا‬
‫�أرادوا يوم ًا ما تنظيف وتطهري �أج�سادهم من تلك القذارات والنجا�سات‪ ،‬عانوا من الويالت‬
‫ب�سبب الآالم التي تتطلبها �إزالة الو�شم‪ ،‬وب�سبب الندبات التي يخ ِّلفها البحث عن اجلمال املوهوم‬
‫املزعوم الذي حتدثنا عنه �سابق ًا!!‬
‫�إذ ًا‪ ،‬التجمل والتزين يجب �أن يكون مرجعه حدود ال�شرع‪ ،‬ولي�س م�شتهيات الأنف�س ومل ّذات‬
‫الهوى‪ ،‬واهلل تعاىل يقول‪ِ ﴿ :‬ت ْل َك ُحدُو ُد اللهَِّ َفال َت ْع َتدُوهَ ا َومن َي َت َع َّد ُحدُو َد اللهَِّ َف�أُ ْو َل ِئ َك هُ ُم‬
‫الظالمِ ُونَ ﴾(((‪.‬‬
‫َّ‬
‫  ‬
‫�سورة البقرة‪� :‬آية ‪229‬‬ ‫(( (‬

‫‪150‬‬
‫حكم الو�شم (التاتو) �إذا ن�صح به الأطباء الثقات املخت�صون لأ�سبابٍ �صح ّية‪:‬‬
‫اتفق العلماء على �أن الأ�صل يف الو�شم (التاتو) احلرمة مطلق ًا‪ ،‬و�أنه ال ميكن �أن يكون دوا ًء‪،‬‬
‫لأنه ال يجوز للم�سلم �أن يتداوى باملح َّرم‪.‬‬
‫ولكنَّ هناك بع�ض احلاالت القليلة‪ ،‬التي �أثبت الطب جناح الو�شم (التاتو) بخ�صو�صها‪،‬‬
‫عالج ف ّع ٍال‬
‫كمر�ض البهاق‪ ،‬فهل يجوز مدواة البهاق بالو�شم‪� ،‬إذا مل يتمكن الطب بع ُد من �إيجاد ٍ‬
‫لهذا املر�ض �إال بهذه الطريقة؟!‬
‫ذكر فقهاء املالكية جواز الو�شم �إذا تعينّ طريق ًا لل�شفاء من املر�ض‪ ،‬للحديث ال�صحيح‪:‬‬
‫(((‬
‫ُل ِعنت الوا�صل ُة وامل�ستو�صلة‪ ،‬والنام�ص ُة واملتن ّم�صة‪ ،‬والوا�شم ُة وامل�ستو�شمة من غري داءٍ ‪.‬‬
‫وبناء على هذا احلديث ذهب بع�ض العلماء املعا�صرين �إىل جواز الو�شم‪� ،‬إذا كان عالج ًا‬
‫ودوا ًء‪ ،‬وكان خالي ًا من الأ�ضرار‪� ،‬أو كان نفعه �أكرث من �ضرره‪.‬‬
‫  ‬
‫ّ‬
‫للم�ضطر‪:‬‬ ‫حكم ر�سم احلاجبني بالتاتو‬
‫مبر�ض يفقدون �إثره �شعر حواجبهم �أو رمو�ش‬ ‫ٍ‬ ‫قد يبتلي اهلل تعاىل بع�ض الرجال والن�ساء‬
‫رمو�ش �أو حواجب‪ ،‬فهل يجوز لهم ا�ستخدام الو�شم‬ ‫�أعينهم‪ ،‬وي�صبح منظرهم خميف ًا بدون ٍ‬
‫لر�سم احلاجبني ورمو�ش العينني؟!‬
‫�أجاب املفتون يف ال�شبكة الإ�سالمية عن هذا ال�س�ؤال‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫عالج �أخرى �أكرث‬ ‫ال يجوز ر�سم احلاجبني �أو رمو�ش العينني يف هذه احلالة‪ ،‬لوجود طرق ٍ‬
‫فاعلي ًة‪ ،‬وتخلو من الأ�ضرار ال�صحية‪ ،‬كزراعة ال�شعر‪� ،‬أو عن طريق �صبغ ٍة ثابت ٍة ال غرز فيها وال‬
‫انعقا َد للدم‪.‬‬
‫�شعر للحاجبني �أو لرمو�ش العينني ملن يفقد �شعر تلك املنطقة‬ ‫لكني �أقول‪ :‬القول ب�إمكانية زرع ٍ‬
‫ب�صيالت �شعري ٍة‪ ،‬ت�ؤخذ من نف�س املنطقة‬ ‫ٍ‬ ‫نهائي ًا‪� ،‬أم ٌر يعلن الطب ا�ستحالته ب�سبب عدم وجود‬
‫يف ج�سم املري�ض لتُزرع يف الأماكن الفارغة‪ ،‬وال ميكن اال�ستعانة ب�شعر بقية مناطق اجل�سم من‬

‫وح�سن �إ�سناده ابن حجر يف‬


‫الرتجل ـ باب يف �صلة ال�شعر‪ّ ،78/4 :‬‬
‫حديث ح�سن‪� .‬أخرجه �أبو داود يف �سننه ـ كتاب ّ‬ ‫((( ‬
‫فتح الباري‪.376/10 :‬‬

‫‪151‬‬
‫غري منطقة الرمو�ش واحلاجبني الختالف �إنبات الب�صيالت بالن�سبة لطول ال�شعرة بني منطقة‬
‫و�أخرى‪.‬‬
‫�أما ال�صبغة الثابتة فهي �أم ٌر قد يكون بدي ًال منا�سب ًا‪ ،‬ويبقى الت�سا�ؤل قائم ًا فيما �إذا مل توجد‬
‫هذه ال�صبغة‪� ،‬أو كان لها �أ�ضرا ٌر توازي الو�شم �أو تفوقه‪ ،‬ويبقى ال�س�ؤال مع ّلق ًا �إىل �أن يبحثه‬
‫العلماء مع الأطباء �أهل االخت�صا�ص‪ ،‬وي�ستنبطوا له اجلواب!!‬
‫  ‬
‫ر�سم الأ�شكال وال�صور باحل ّناء‪:‬‬
‫يت�ساءل البع�ض عن ر�سم الأ�شكال وال�صور باحل ّناء‪ :‬هل ينطبق عليه حكم التاتو؟‬
‫يف احلقيقة هناك اختالف جذري قائم بني الأمرين‪ ،‬ففي حني يتّم ا�ستعمال الإبرة‪ ،‬التي‬
‫يتم‬
‫تغرز الألوان حتت اجللد يف عملية التاتو‪ ،‬وهي العلة من وراء حترميه‪ ،‬جند �أن الر�سم باحلناء ّ‬
‫بتمرير الري�شة �أو القلم فوق اجللد ودون ا�ستعمال لإبرة الغرز‪ ،‬ولهذا ف�إن الر�سم ال ينطبق عليه‬
‫احلكم ال�شرعي للو�شم‪ ،‬وقد حتدثنا يف بحث زينة املر�أة عن احلكم ال�شرعي لهذه الر�سومات‪،‬‬
‫وب�إمكان من يرغب معرفته العودة �إىل ذلك املو�ضع‪ ( .‬يف �صفحة كذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟()‬

‫‪152‬‬
‫ولباسها اإلسالمي‬
‫عورة املرأة ُ‬

‫م�سلم وم�سلم ٍة‪.‬‬


‫يهم كل ٍ‬
‫�س�أحتدث هنا عن مو�ضوع ّ‬
‫معنى العورة وحدودها‪.‬‬
‫وهل تختلف عورة املر�أة عن عورة الرجل؟‬
‫وما هي �شروط اللبا�س الإ�سالمي للمر�أة؟‬
‫كل هذا �سرناه يف هذا البحث ب�إذن اهلل تعاىل‪.‬‬
‫ ‬
‫معنى العورة‪:‬‬
‫ومل�س ُه �إال ب�سبب يقبله ال�شرع‪.‬‬‫العورة‪ :‬هي ما ُيطلب �سرته‪ ،‬و َيح ُرم النظر �إليه ُ‬
‫والعورة م�أخوذ ٌة من ال َع َور‪� ،‬أي النق�ص والعيب‪ ،‬وي�س ّمي كل ما يحرم على الإن�سان �إظها ُره‬
‫�أمام الآخرين‪ ،‬وما يحرم على الآخرين �أن يلم�سوه عور ًة لقبح ظهوره‪.‬‬
‫م�سلم وم�سلم ٍة �أثناء العبادة وخارج العبادة‪،‬‬ ‫فر�ض على كل ٍ‬ ‫و�سرت العورة عن عيون النا�س ٌ‬
‫(((‬
‫فالنبي ‪ ‬يقول‪ :‬ال ينظر الرجل �إىل عورة الرجل‪ ،‬وال تنظر املر�أة �إىل عورة املر�أة‪.‬‬
‫وي�ستثنى الزوجان من هذا املنع لقول النبي ‪ :‬احفظ عورتك �إال من زوجتك �أو ما ملكت‬
‫(((‬
‫ميينك‪.‬‬
‫فهذا احلديث ال�شريف يد ُّل على �أنه لي�س هنالك عور ٌة بني الزوجني‪ ،‬فيجوز لأحدهما �أن‬
‫ينظر �إىل ما ي�شاء من ج�سد الآخر‪ ،‬و�أن يتل ّم�س منه ما ي�شاء‪.‬‬
‫  ‬
‫حدود عورة الرجل‪:‬‬
‫قد تقول بع�ض الن�ساء‪ :‬ما لنا وللحديث عن عورة الرجل؟‬
‫�أل�سنا نتحدث عن فقه املر�أة؟‬
‫�أقول‪ :‬هذا �صحيح‪ ،‬ولكن‪ ..‬يجب على املر�أة �أن تعرف حدود عورة الرجل‪ ،‬حتى تعرف ما‬
‫يجوز لها وما ال يجوز �أن تنظر �إليه من الرجل‪ ،‬لأنَّ الرجال منت�شرون يف كل مكان‪ :‬يف ال�سوق‬
‫والعمل وال�شارع واجلامعة واحلديقة وغريها‪.‬‬
‫أخت �أو زوج ٌة �أو ابن ٌة لرجل‪ ،‬ويجب‬‫هذا من ناحية‪ ،‬ومن ناحي ٍة �أخرى ف�إن كل امر�أ ٍة هي �أ ٌّم �أو � ٌ‬
‫ب�شكل �سليم‪.‬‬
‫عليها �أن تعرف احلدود ال�شرعية التي تتيح لها التعامل مع �أبيها و�أخيها وزوجها وابنها ٍ‬
‫ومن جه ٍة ثالث ٍة ف�إنَّ املر�أة هي مربية الأجيال‪ ،‬وعليها �أن تعرف كيف تربيهم على حفظ‬
‫العورة و�سرتها‪ ،‬وعلى عدم النظر �إىل عورات الآخرين‪ ،‬وبالتايل ف�إنَّ ك َّل امر�أ ٍة حتتاج بال�ضرورة‬
‫لأن تعرف حدود عورة الرجل‪.‬‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب احلي�ض ـ باب حترمي النظر �إىل العورات‪.266/1 :‬‬ ‫((( ‬
‫حديث ح�سن‪� .‬أخرجه �أحمد يف م�سنده ـ م�سند معاوية بن حيدة الق�شريي‪ ،3/5 :‬و�أبو داود يف �سننه ـ كتاب احلمام‪-‬‬ ‫((( ‬
‫باب ما جاء يف التعري‪ ،40/4 :‬وابن ماجه يف �سننه ـ كتاب النكاح ـ باب الت�سرت عند اجلماع‪ ،618/1 :‬والرتمذي يف �سننه ـ كتاب‬
‫وح�سنه‪.‬‬
‫الأدب ـ باب ما جاء يف حفظ العورة‪ّ 97/5 :‬‬

‫‪155‬‬
‫(((‬
‫ال�س ّرة وال ُّركبة عورة‪.‬‬
‫عورة الرجل ما بني ال�س ّرة �إىل الركبة‪ ،‬فقد قال النبي ‪ :‬ما بني ُ‬
‫يغطي ن�صف فخذهم ورمبا‬ ‫بع�ض الرجال يلب�سون �أثناء ممار�سة الريا�ضة بنطا ًال ق�صري ًا‪ّ ،‬‬
‫�أقل‪ ،‬وبع�ضهم يلب�س �أثناء ال�سباحة لبا�س ًا فا�ضح ًا‪ ،‬ال يخفي �إال ال�سو�أتني‪ ،‬ف�إذا المهم الئ ٌم‬
‫ونهاهم نا ٍه قالوا‪ :‬الفخذ لي�س من العورة! فهل هذا �صحيح؟‬
‫اتفق جمهور الفقهاء (ال�شافعية واحلنفية واملالكية واحلنبلية) على �أنَّ عورة الرجل هي ما‬
‫بني ال�سرة �إىل الركبة‪ ،‬و�أنَّ الفخذ من العورة‪ ،‬لأنَّ احلديث ال�سابق الذكر وا�ض ٌح و�صريح‪.‬‬
‫�صحابي ا�سمه جرهد‪ ،‬ر�آه النبي ‪ ‬وقد ك�شف فخذه‪ ،‬فقال له‪� :‬أما‬ ‫ٍ‬ ‫وا�ستدلوا �أي�ض ًا بحديث‬
‫(((‬
‫علمت �أنَّ الفخذ عورة؟!‬
‫َ‬
‫غري �أنَّ الإمام �أحمد بن حنبل يف رواية عنه يرى �أنَّ فخذ الرجل لي�س بعور ٍة خارج ال�صالة‪،‬‬
‫�شريف ورد يف �صحيح البخاري قال فيه �أن�س بن مالك ر�ضي اهلل عنه‪ :‬كنتُ‬ ‫ٍ‬ ‫حديث‬
‫وا�ستند �إىل ٍ‬
‫فخذه‪ ،‬فنظرتُ �إليه حتى ر�أيتُ بيا�ضه(((‪.‬‬ ‫فح ِ�س َر الإزا ُر عن ِ‬
‫رديف النبي ‪ ‬على ناقة‪ُ ،‬‬ ‫َ‬
‫هذا �إذن ر� ٌأي منقو ٌل عن الإمام �أحمد‪ ،‬ولكنَّ علماء املذهب احلنبلي يرجحون الرواية الثانية‬
‫التي يتفق فيها الإمام �أحمد مع اجلمهور يف اعتبار فخذ الرجل عورة‪ ،‬وي�ؤ ّولون حديثَ �أن�س الذي‬
‫ورد يف �صحيح البخاريِّ ب�أن �إزار النبي انح�سر عن فخذه دون �أن ينتبه له‪ ،‬ولو انتبه ّ‬
‫لغطاه‪.‬‬
‫  ‬ ‫ ‬

‫ح�سنه الألباين‪ ،‬بينما �ضعفه كثري من علماء احلديث‪� .‬أخرجه احلاكم يف امل�ستدرك من حديث عبد اهلل‬ ‫حديث ّ‬ ‫((( ‬
‫بن جعفر‪ ،657/3 :‬والطرباين يف ال�صغري‪ .205/2 :‬وذكره الهيثمي يف جممع الزوائد‪ 53/2‬وقال‪ :‬فيه �أ�صرم بن حو�شب‪ ،‬وهو‬
‫�ضعيف‪ .‬وقال الزيلعي يف ن�صب الراية‪� :296/1 :‬أخرجه احلاكم و�سكت عنه‪ ،‬قال الذهبي يف خمت�صره ‪« :‬و�أظنه مو�ضوع ًا‪ ،‬ف�إن‬
‫�إ�سحاق بن وا�صل مرتوك‪ ،‬و�أ�صرم بن حو�شب متهم بالكذب»�أهـ‪.‬‬
‫حديث ح�سن لغريه‪� ،‬أُع ّل �سنده باال�ضطراب‪ ،‬ولكنه تق ّوى بال�شواهد‪� .‬أخرجه �أحمد يف م�سنده ـ حديث رجل من‬ ‫(( (‬
‫�أ�صحاب النبي ‪ ،478/3: ‬و�أبو داود يف �سننه ـ كتاب احلمام ـ باب النهي عن التعري‪ ،40/4 :‬و�أخرجه الرتمذي يف �سننه‪،‬‬
‫ح�سنها و�إن كان بع�ضها اليخلو من علة‪ .‬و�أخرجه ابن حبان يف‬
‫كتاب الأدب ـ باب ما جاء �أن الفخذ عورة‪111/5 :‬من طرق عدة ّ‬
‫�صحيحه‪ ،،906/4 :‬والبخاري يف �صحيحه تعليق ًا كتاب ال�صالة ـ باب ما يذكر يف الفخذ‪145/1 :‬وقال بعد �أن ع ّلق حديث �أن�س‪:‬‬
‫ح�سر النبي ‪ ‬عن فخذه ‪”:‬حديث �أن�س �أ�سند‪ ،‬وحديث جرهد �أحوط”‪.‬‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب ال�صالة ـ باب ما يذكر يف الفخذ‪.145/1 :‬‬ ‫((( ‬

‫‪156‬‬
‫ر�أي املالكية يف الفخذ‪:‬‬
‫عند املالكية ر� ٌأي قد يفهمه بع�ض النا�س خط�أً‪ ،‬فيظن �أنَّ الفخذ يف املذهب املالكي لي�س من‬
‫العورة‪ ،‬وهذا غري �صحيح‪.‬‬
‫فاملالكية مي ّيزون يف �صالة الرجل بني العورة املغ َّلظة والعورة املخ َّففة‪.‬‬
‫فالعورة املغ َّلظة تعني ال�سو�أتني‪ ،‬واملخففة هي كامل الفخذ بدء ًا من الركبة‪ ،‬ف�إذا انك�شف‬
‫�شي ٌء من العورة املغلظة �أثناء ال�صالة بطلت‪ ،‬و�إن انك�شف �شيء من العورة املخففة وجب على‬
‫�صحت �صالته مع الكراهة‪.‬‬ ‫امل�صلي �أن يعيد ال�صالة ما دام الوقت باقي ًا‪ ،‬ف�إن خرج الوقت َّ‬
‫�أما بالن�سبة للر�ؤية ف�إن الفخذ عندهم من العورة التي ال يجوز ك�شفها �أمام �أحد با�ستثناء‬
‫الزوجة‪.‬‬
‫  ‬
‫هل ال�س ّرة والركبة من العورة؟‬
‫اتفق الفقهاء على �أن ال�س ّرة لي�ست من حدود العورة‪ ،‬ف�إن ظهرت فال ب�أ�س يف ذلك‪ ،‬واختلفوا‬
‫يف الركبة‪ :‬هل هي من العورة �أم ال؟‬
‫قول �إىل �أنَّ الركبة من العورة‪.‬‬
‫ذهب احلنفية وال�شافعية يف ٍ‬
‫بينما ذهب احلنابلة واملالكية وقو ٌل عند ال�شافعية �إىل �أنَّ الركبة لي�ست من العورة‪.‬‬
‫مرجح لأحد الطرفني على الآخر‪� ،‬إذ يحتمل‬ ‫اجتهادي‪ ،‬ولي�س هناك من ّ‬ ‫ّ‬ ‫واملو�ضوع يف هذا‬
‫ال�س ّرة وال ُّركبة عورة)((( كال الر�أيني‪ ،‬ويجوز للمرء �أن يقلد ما‬ ‫ن�ص احلديث ال�شريف‪ :‬ما بني ُ‬
‫ي�شاء‪ ،‬و�إن كان اعتبار الركبة من العورة �أحوط و�أبعد عن ال�شبهة‪.‬‬
‫  ‬
‫�صالة الرجل مك�شوف املنكبني‪:‬‬
‫ت�صح �صالتهم؟‬‫بع�ض الرجال ي�صلُّون مك�شويف املناكب والبطن والظهر‪ ،‬فهل ّ‬
‫ذهب جمهور الفقهاء (ال�شافعية واملالكية واحلنفية) �إىل �أنه يجوز للرجل �أن ي�صلي مك�شوف‬
‫ال�صدر والظهر والبطن‪ ،‬لأنَّ هذه املوا�ضع لي�ست من العورة‪ ،‬ولكنهم يرون �أنَّ �سرتها �أف�ضل‪.‬‬

‫�سبق تخريجه �ص؟؟‬ ‫((( ‬

‫‪157‬‬
‫بينما ذهب احلنابلة والإمام ابن تيمية �إىل وجوب �سرت امل�صلي لهذه املوا�ضع‪ ،‬رغم �إقرارهم‬
‫ب�أنها لي�ست من العورة‪ ،‬وا�ستدلوا على وجوب ذلك بقول النبي ‪ :‬ال ي�صلي الرجل يف الثوب‬
‫�صحت �صالته عندهم مع‬ ‫الواحد لي�س على عاتقه منه �شيء)(((‪ ،‬ف�إن ك�شف امل�صلي عن منكبيه ّ‬
‫ثان ف�سدت وعليه �إعادتها‪.‬‬ ‫قول ٍ‬‫الكراهة‪ ،‬ويف ٍ‬
‫�شال‪،‬‬
‫�أما ر�أ�س الرجل فهو لي�س بعورة باتفاق الفقهاء‪ ،‬وال يجب عله �أن ي�سرت ر�أ�سه بعمامة �أو ٍ‬
‫�سواء كان يف ال�صالة �أم خارج ال�صالة‪.‬‬
‫  ‬
‫عورة الرجل �أمام املر�أة‪:‬‬
‫كثري ًا ما �أُ�س�أل‪ :‬هل عورة الرجل من ال�سرة �إىل الركبة‪ ،‬هي عورته �أمام الرجال والن�ساء املحارم‬
‫وغري املحارم (الأجنبيات)‪� ،‬أم �إنَّ عورة الرجل �أمام الرجال تختلف عن عورته �أمام الن�ساء؟‬
‫ذهب جمهور الفقهاء (ال�شافعية واحلنبلية واحلنفية) �إىل �أنَّ حدود عورة الرجل من ال�سرة‬
‫�إىل الركبة‪ ،‬وي�ستوي يف هذا ظهوره �أمام الرجال و�أمام الن�ساء املحارم والأجنبيات (غري‬
‫املحارم)(((‪.‬‬
‫فيجوز للمر�أة �أن ترى ج�سم الرجل املحرم عليها والغريب عنها‪ ،‬عدا ما بني ال�س ّرة �إىل‬
‫الركبة‪ ،‬على �أن ال يكون النظر ب�شهو ٍة �أو �إعجاب‪.‬‬
‫وهذه النقطة هامة ودقيقة‪ ،‬فالنظر الذي نتحدث عنه هو النظر العابر الذي تقت�ضيه احلياة‬
‫أمل‬‫اليومية والعمل ال�ضروري‪� ،‬أما عندما يكون النظر بدوافع الإعجاب وال�شهوة والتحديق والت� ِ‬
‫يحا�سب على النظر حتى ولو كان نظره �إىل العينني‬ ‫�سبب وما �شابه ذلك‪ ،‬ف�إنَّ الإن�سان َ‬ ‫بال ٍ‬
‫وال�شفتني وما �شابه ذلك من املوا�ضع املح َّللة!‪.‬‬
‫�أما املالكية فم َّيزوا بني عورة الرجل �أمام الرجل والن�ساء املحارم (� ِّأم ِه �أو �أخته �أو ابنته وما‬
‫�شابههنّ )‪ ،‬وبني عورته �أمام الن�ساء الأجنبيات (اللواتي يح ُّل له الزواج بهنَّ )‪ ،‬فقالوا‪ :‬عورة‬
‫الرجل �أمام الرجال والن�ساء املحارم من ال�س َّر ِة �إىل الركبة‪� ،‬أما �أمام الن�ساء غري املحارم‪ ،‬ف�إنَّ‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب �أبواب ال�صالة ـ باب �إذا �صلى يف الثوب الواحد فليجعله على‬ ‫((( ‬
‫عاتقه‪ ,141/1:‬وم�سلم يف �صحيحه ـ كتاب ال�صالة ـ باب ال�صالة يف ثوب واحد و�صفة لب�سه‪.368/1 :‬‬
‫الن�ساء املحارم هنّ اللواتي جمعت بينهم وبني الرجل قرابة ن�سب �أو ر�ضاع �أو م�صاهر ٌة تحُ ّرم على الرجل �أن يتزوج‬ ‫((( ‬
‫من �إحداهنّ ‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫عليه �أن ي�سرت الظهر والبطن �أي�ض ًا‪� ،‬إال �إذا اقت�ضت ال�ضرورة ك�شفها‪ ،‬وال يجوز للمر�أة �أن ترى‬
‫ك�شف ظه َره �أو‬ ‫من الرجل غري املحرم �سوى وجهه و�أطراف يديه وقدميه و�شعره‪ ،‬ف�إن َظ َه َر وقد َ‬
‫�صدره �أمام الن�ساء الغريبات عنه بدون �سبب‪ ،‬ف�إنه �آث ٌم عند اهلل‪ ،‬و�إن �ص ّلى �أمامهنَّ وهو على‬
‫هذه احلالة‪ ،‬ف�إنَّ �صالته �صحيح ٌة جلهة �سقوط الفر�ض عنه‪ ،‬وهو �آث ٌم ب�سبب �إظهاره لأجزاء من‬
‫ج�سمه‪ ،‬كان يجب عليه �أن ي�سرتها‪.‬‬
‫وتف�شت فيه املفا�سد �أن يحت�شم‬ ‫و�أقول هنا‪ :‬ي�ستحب يف هذا الزمان الذي كرثت فيه الفنت‪ّ ،‬‬
‫الرجال يف ظهورهم �أمام الن�ساء‪ ،‬فال ُيظهرون من �أج�سادهم �إال ما ي�ضطرون �إىل ك�شفه �أثناء‬
‫العمل‪ ،‬ويف هذا �إعان ٌة جلميع �أفراد املجتمع على الع ّفة‪.‬‬
‫  ‬
‫نظر املر�أة �إىل الرجل غري املح َرم‪:‬‬
‫اتفق جمهور الفقهاء (ال�شافعية‪ -‬املالكية‪ -‬احلنفية‪ -‬احلنبلية) على جواز نظر املر�أة �إىل‬
‫الرجال الأجانب عنها (غري املحارم) ب�شرط �أن ال يكون النظر �إىل العورة‪ ،‬وهي كما ذكرنا من‬
‫ال�س ّرة �إىل الركبة(((‪ ،‬و�أن ال ترتافق النظرة مع ال�شهوة‪.‬‬
‫وا�ستدلوا على جواز ذلك ب�أحاديث �صحيح ٍة منها َق ْو ُِله ‪ِ ‬ل َف ِاط َم َة ِب ْن ِت َق ْي ٍ�س‪ْ :‬اع َتدِّ ي فيِ َب ْي ِت‬
‫ا ْب ِن �أُ ِّم َم ْكت ٍُوم َف�إِ َّن ُه َر ُج ٌل �أَ ْع َمى ت ََ�ض ِع َني ِث َيا َبك َفلاَ َي َراك(((‪َ ،‬ومن هذا ما روته ال�سيدة َعا ِئ َ�ش ُة �إذ‬
‫ول اللهَِّ ‪َ ‬ي ْ�سترُ ُ نيِ ِب ِر َدا ِئ ِه َو�أَ َنا �أَ ْن ُظ ُر �إلىَ الحْ َ َب َ�ش ِة َي ْل َع ُبونَ فيِ المْ َ ْ�س ِج ِد‪. (((.‬‬
‫قالت‪َ :‬كانَ َر ُ�س ُ‬
‫هناك حديثٌ يروى عن � ِّأم �سلمة وميمونة ر�ضي اهلل عنهما‪� ،‬إذ كانتا جال�ستني عند النبي ‪‬‬
‫ف�أقبل ابنُ � ِّأم مكتوم فدخل عليه‪ ،‬فقال ر�سول اهلل ‪ :‬احتجبا منه‪ ،‬فقالت �أم �سلمة‪ :‬يا ر�سول‬
‫(((‬
‫اهلل �ألي�س هو �أعمى ال يب�صرنا؟ فقال ر�سول اهلل ‪� :‬أفعمياوان �أنتما؟ �أل�ستما تب�صرانه؟‬
‫وقد �ص ّنف جمهور �أهل العلم هذا احلديث حتت باب الأدب واالحتياط‪� ،‬إذ �إنَّ الأعمى رمبا‬
‫ظهر �شي ٌء من عورته‪ ،‬دون �أن ينتبه �إليها‪.‬‬

‫انظر عورة الرجل �أمام الن�ساء عند املالكية يف �ص؟؟‬ ‫((( ‬


‫حديث �صحيح‪� ،‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب الطالق ـ باب املطلقة ثالث ًا ال نفقة لها‪.1114/2 :‬‬ ‫((( ‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب النكاح ـ باب نظر املر�أة �إىل احلب�شة ونحوهم‪،2006/5 :‬‬ ‫((( ‬
‫وم�سلم يف �صحيحه ـ كتاب �صالة العيدين ـ باب الرخ�صة يف اللعب الذي ال مع�صية فيه يف �أيام العيد‪.608/2 :‬‬
‫حديث ح�سن �صحيح‪� .‬أخرجه �أبو داود يف �سننه ـ كتاب اللبا�س ـ باب قوله‪) :‬وقل للم�ؤمنات يغ�ض�ضن من �أب�صارهن(‪،‬‬ ‫((( ‬
‫والرتمذي يف �سننه ـ كتاب الأدب ـ باب ما جاء يف احتجاب الن�ساء من الرجال‪102/5 :‬وقال ‪:‬حديث ح�سن �صحيح‪ ،‬والن�سائي يف‬
‫الكربى ـ باب نظر الن�ساء للأعمى‪ .393/5 :‬و�صححه ابن حبان‪.387/12 :‬‬

‫‪159‬‬
‫عورة املر�أة‪:‬‬
‫تختلف حدود عورة املر�أة يف ال�صالة عن عورتها �أمام الرجال الأجانب (غري املحارم)‪،‬‬
‫و�س�أحتدث هنا عن عورة املر�أة يف كلتا احلالتني‪.‬‬
‫  ‬
‫عورة املر�أة يف ال�صالة‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على �أن وجه املر�أة وكفيها لي�سا بعورة يف ال�صالة‪ ،‬وزاد احلنفية على ذلك‬
‫قدمي املر�أة‪ ،‬فقالوا‪ :‬هما لي�سا بعورة يف ال�صالة‪ ،‬ولكنهما عور ٌة خارج ال�صالة على الأرجح‬
‫عندهم‪ ،‬فيجب على املر�أة �أثناء �صالتها �أن ت�سرت جميع ج�سدها ما عدا وجهها وكفيها‪ ،‬لقول‬
‫حائ�ض �إال بخمار)(((‪ ،‬واملراد باحلائ�ض هنا‪ :‬الأنثى التي بلغت‬‫النبي ‪( :‬ال يقبل اهلل �صالة ٍ‬
‫�سن املحي�ض‪.‬‬
‫ري ورف ٌع للحرج‬
‫ويجوز عند احلنفية �أن َيظهر �شي ٌء من قدمي املر�أة يف ال�صالة‪ ،‬ويف هذا تي�س ٌ‬
‫عن الن�ساء‪ ،‬لأنَّ كثري ًا م َنهنَّ يرتدين عند ال�صال ِة الثياب الطويلة ال�ساترة للقدمني‪ ،‬فينك�شف‬
‫اللبا�س قلي ًال وخا�ص ًة عند ال�سجود‪ ،‬فيظهر من القدمني وجههما �أو باطنهما‪ّ ،‬‬
‫ويتع�سر على املر�أة‬
‫�سرتهما متام ال�سرت �إال �إذا ارتدت اجلوارب حتت ثياب ال�صالة‪ ،‬وال يخفى ما يف هذا من امل�شقة‬
‫واحلرج‪.‬‬
‫و�أو ّد هنا �أن �أركز على مفهوم القدمني‪ ،‬لأن بع�ض الن�ساء تخلط بني القدم وال�ساق‪ ،‬فتك�شف‬
‫قدميها و�ساقيها يف ال�صالة‪ ،‬وتظن �أن ذلك جائز عند احلنفية‪ ،‬واحلقيقة �أن احلنفية رخ�صوا‬
‫يف جواز ك�شف القدمني يف ال�صالة‪� ،‬أما ال�ساقان فهما عورة عند جميع الفقهاء بال منازع‪.‬‬
‫  ‬
‫قدما املر�أة عورة �أمام الرجال الأجانب‪:‬‬
‫�أالحظ �أنَّ كثري ًا من الن�ساء ال يتو َّرعن عن �إظهار القدمني �أمام الرجال الأجانب ظن ًا منهنّ‬
‫خاطئ نتج عن اخللط بني ر�أي الأحناف يف عورة‬ ‫ٌ‬ ‫�أنَّ ذلك جائ ٌز يف املذهب احلنفي‪ ،‬وهذا ظنٌّ‬
‫املر�أة يف ال�صالة‪ ،‬وعورتها �أمام الرجال الأجانب‪.‬‬

‫حديث ح�سن ‪� .‬أخرجه �أبو داود يف �سننه ـ كتاب الطهارة ـ باب املر�أة ت�صلي بغري خمار‪ ،173/1 :‬وابن ماجه يف‬ ‫((( ‬
‫�سننه ـ كتاب الطهارة و�سننها ـ باب �إذا حا�ضت اجلارية مل ت�صل �إال بخمار‪ ،215/1 :‬والرتمذي يف �سننه ـ باب ما جاء ال تقبل‬
‫وح�سنه‪.‬‬
‫�صالة املر�أة �إال بخمار‪ّ 215/2 :‬‬

‫‪160‬‬
‫قدمي املر�أة عور ٌة �أمام الرجال الأجانب عند جميع الفقهاء‪ ،‬ومنهم احلنفية‬ ‫واحلقيقة �أنَّ َ‬
‫النبي ‪ ‬ملا‬ ‫ح�سب �أرجح الأقوال لديهم‪ ،‬وا�ستدلوا على ذلك ب�أنَّ � َّأم �سلمة ر�ضي اهلل عنها �س�ألت َّ‬
‫أقدامنا؟) فقال‪ :‬جت ّرون‬ ‫لنغطي � َ‬
‫َّ‬ ‫نهى عن ج ّر الذيل خيال ًء فقالت‪ :‬فكيف بنا؟ (�أي‪ :‬كيف نفعل‬
‫�شرب ًا‪ .‬قالت‪� :‬إذ ًا تنك�شف القدمان! فقال‪ :‬جت ُّرون ذراع ًا(((‪.‬‬
‫كما �س�ألت �أُ ُّم َ�س َل َم َة َّ‬
‫النبي ‪ ‬ف َقا َل ْت‪� :‬أَ ُت َ�ص ِّلي المْ َ ْر�أَ ُة فيِ ِد ْر ٍع (قمي�ص) َو ِخ َما ٍر َو َل ْي َ�س َع َل ْي َها‬
‫�إ َزا ٌر؟ َق َال‪َ :‬ن َع ْم‪َ � ،‬إذا َكانَ َ�سا ِب ًغا ُي َغ ِّطي ُظ ُهو َر َق َد َم ْي َها(((‪.‬‬
‫  ‬
‫�سرت املر�أة لعورتها يف ال�صالة‪ ،‬ولو كانت يف مكانٍ خالٍ من النا�س‪:‬‬
‫قد يظن البع�ض �أنَّ على املر�أة �أن ت�سرت عورتها يف ال�صالة �إذا كانت ت�صلي �أمام الرجال‬
‫�صحيح‬
‫ٍ‬ ‫الأجانب‪ ،‬ف�إذا �ص َّلت وحدها �أو �أمام الرجال املحارم �أو الن�ساء مل يجب عليها‪ ،‬وهذا غري‬
‫�أي�ض ًا‪� ،‬إذ يجب على املر�أة �أن ت�سرت جميع ج�سدها ما عدا وجهها وكفيها‪ ،‬ولو �صلت وحدها �أو‬
‫�أمام الن�ساء والرجال املحارم‪.‬‬
‫  ‬
‫�أو�صاف اللبا�س الذي يجب �أن ي�سرت عورة املر�أة يف ال�صالة‪:‬‬
‫أحب هنا �أن �أ�ؤكد �أنني �أحتدث عن اللبا�س ال�ساتر للعورة �أثناء ال�صالة‪� ،‬أما حديثنا عن‬ ‫� ّ‬
‫اللبا�س ال�ساتر للعورة �أمام الرجال الأجانب ف�سي�أتي الحق ًا‪.‬‬
‫ي�شرتط يف لبا�س املر�أة �أثناء ال�صالة �أن يكون �سميك ًا‪ ،‬ال ي�صف لون الب�شرة وال�شعر‪ ،‬وال‬
‫ثياب �أو �ألوا ٌن معينة‪.‬‬
‫ي�شرتط يف هذا ٌ‬
‫  ‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه �أحمد يف م�سنده ‪ ،24/2:‬وابن ماجه يف �سننه ـ كتاب اللبا�س ـ باب ذيل املر�أة كم يكون‪:‬‬ ‫((( ‬
‫‪ ,1185/2‬والرتمذي يف �سننه ـ كتاب اللبا�س ـ باب ما جاء يف ذيول الن�ساء‪223/4 :‬وقال ‪ :‬ح�سن �صحيح‪ ،‬والن�سائي يف املجتبى ـ‬
‫كتاب الزينة ـ باب ذيول الن�ساء‪ ،209/8 :‬و�صححه ابن حبان‪.265/12 :‬‬
‫و�صححه‪ ،‬و�أبو داود‬ ‫ً‬
‫الأ�صح �أنه �أثر �صحيح موقوف على �أم �سلمة‪� .‬أخرجه احلاكم يف امل�ستدرك‪ 380/1 :‬مرفوعا ّ‬ ‫((( ‬
‫(وف�صل ذكرهم) موقوف ًا على �أم �سلمة‬
‫ّ‬ ‫جماعة‬ ‫رواه‬ ‫قال‪:‬‬ ‫ثم‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫‪173/1‬مرفوع‬ ‫أة‪:‬‬ ‫�‬ ‫املر‬ ‫ت�صلي‬ ‫كم‬ ‫يف‬ ‫باب‬ ‫ـ‬ ‫الطهارة‬ ‫كتاب‬ ‫ـ‬ ‫�سننه‬ ‫يف‬
‫رجح الدار قطني وقفه‪.‬‬ ‫‪ ،‬وذكر ابن حجر يف الدراية يف تخريج �أحاديث الهداية‪ 123/1 :‬بعدما ذكر احلديث وطرقه‪ّ :‬‬

‫‪161‬‬
‫�سماكة ثياب ال�صالة‪:‬‬
‫بثياب بي�ضاء‪،‬‬ ‫ت�شف ثياب ال�صالة عن لون ال�شعر خ�صو�ص ًا �إذا وقفت امل�ص ّلية يف ال�شم�س ٍ‬ ‫قد ّ‬
‫فهل ُتعترب ال�صالة بهذه احلالة �صحيحة؟‬
‫ت�شف عن لون الب�شرة وال�شعر‪ ،‬وجعلوا املقيا�س لذلك‬ ‫ا�شرتط الفقهاء يف ثياب ال�صالة �أن ال ّ‬
‫العادي يف الظ ّل‪ ،‬فال ي�ض ّر �إن �ش َّفت الثياب يف ال�شم�س‪� ،‬إذا كانت ال ّ‬
‫ت�شف يف الظل‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫النظ َر‬
‫  ‬
‫ثياب ال�صالة اخلا�صة‪:‬‬
‫املخ�ص�ص َة‬‫ّ‬ ‫ري من الن�ساء �أنّ عليهنّ �إذا �أردن ال�صالة �أن يرتدين ثياب ال�صالة‬ ‫تعتقد كث ٌ‬
‫املعروفة‪ ،‬ف�إن مل جتد �إحداهنّ الثياب املخ�ص�ص َة لل�صالة مل ِّ‬
‫ت�صل‪ ،‬ولو فاتها الوقت!‬
‫ت�صلي بثيابها العاد َّي ِة �إذا‬
‫َّ‬ ‫واحلقّ �أنه ال ي�شرتط لل�صالة لب�س ٍ‬
‫ثياب مع َّين ٍة‪ ،‬ويجوز للمر�أة �أن‬
‫ت�شف عن لون اجل�سم وال�شعر‪.‬‬‫كانت �ساتر ًة للعورة‪ ،‬وتتو ّفر فيها �صفة ال�سماكة‪ ،‬التي ال ّ‬
‫ت�صح ال�صالة بالثياب الرقيقة ال�ش ّفافة‪ ،‬وال باجلوارب الرقيقة ال�شفافة‪ ،‬وهذا �أم ٌر‬ ‫طبع ًا ال ّ‬
‫ري من امل�صليات‪.‬‬ ‫تتهاون به كث ٌ‬
‫  ‬
‫ال�صالة بثياب �ضيقة‪:‬‬
‫بثياب �ضيق ٍة‪ ،‬ت�صف حجم ج�سدها كالكنزة والتنورة �أو‬ ‫قد ت�ضطر بع�ض امل�صليات لل�صالة ٍ‬
‫البنطال‪.‬‬
‫يرى الفقهاء �أنَّ هذا يجوز‪� ،‬إذا كانت تلك الثياب ال�ض ّيقة �سميكة غ َري �شفافة‪� ،‬إذ ال ُي�شرتَط‬
‫يف ثياب ال�صالة �أن تكون ف�ضفا�ض ًة وا�سع ًة‪� ،‬شريط َة �أن ال يوجد رجا ٌل �أجانب‪� ،‬أما احلنفية‬
‫فيكره عندهم لب�س الثياب ال�ضيقة �أثناء ال�صالة‪ ،‬مع ت�أكيدهم على �صحة هذه ال�صالة‪ّ ،‬‬
‫ويف�ضل‬
‫عندهم �أن تكون ثياب ال�صالة ف�ضفا�ضة وا�سعة‪.‬‬
‫  ‬
‫ويجب على املر�أة �سرت ج�سدها ع َّمن يراها من جوانبها‪� ،‬أي من اليمني والي�سار والأمام‬
‫مكان �أدنى من مكانها‪ ..‬فقد ت�صلي‬ ‫واخللف �أو من فوقها‪ ،‬وال ي�شرتط �سرت العورة ممن هو يف ٍ‬
‫م�ضطجع من حمارمها‪ ،‬فريى قلي ًال من َ�شعرها من حتت اللبا�س ب�سبب �أنه‬ ‫ٍ‬ ‫�شخ�ص‬
‫ٍ‬ ‫املر�أة �أمام‬
‫�أ�سفل منها‪ ،‬وهذه الر�ؤية ال تبطل ال�صالة‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫عورة املر�أة �أمام الرجال الأجانب‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء يف حدود عورة املر�أة �أمام الرجال الأجانب (غري املحارم)‪،‬‬
‫فذهب جمهور الفقهاء (ال�شافعية‪ ،‬احلنفية‪ ،‬املالكية‪ ،‬ورواي ٌة عند احلنابلة) �إىل �أنَّ عورة‬
‫املر�أة �أمام الرجال الأجانب هي كعورتها يف ال�صالة‪ :‬كلها عور ٌة با�ستثناء الوجه والكفني‪.‬‬
‫هناك حال ٌة ذكرها الفقهاء توجب على املر�أة تغطية وجهها وكفيها‪ ،‬وهي‪� :‬إذا خيفت الفتنة‬
‫ب�سبب ظهورهما‪ ،‬ك�أن يكون وجهها �شديد اجلمال‪ ،‬بحيث ُيفنت الناظر �إليه‪� ،‬أو �أن يكون ك َّفاها‬
‫مبكان مم ّيز‪ ،‬فيجب عند ذاك �سرت الوجه الفت َِّان ِّ‬
‫والكف الفتَّان‪ ،‬ال على �أنهما عور ٌة‪،‬‬ ‫من الروعة ٍ‬
‫بل من باب �س ّد الذرائع درء ًا للفتنة‪.‬‬
‫ولكنَّ بع�ض العلماء املعا�صرين‪ ،‬ومنهم ال�شيخ الألباين‪ ،‬يرون �أنَّ القول بوجوب �سرت الوجه‬
‫والكفني �إذا خيفت الفتن ُة �أم ٌر غري مقبول‪ ،‬لأنَّ اهلل تعاىل �أح َّل للمر�أة �إظهارهما‪ ،‬وال يجوز �أن‬
‫يقود اخلوف من الفتنة �إىل حترمي ما �أحله اهلل‪ ،‬بل يجب على الرجل الذي يخاف من الفتنة �أن‬
‫يغ�ض ب�صره ويحفظ عينه من النظر �إىل احلرام‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ويعلق ال�شيخ الألباين على هذا يف كتابه (الر ِّد املفحم) قائ ًال‪� :‬إنَّ الفتنة بالن�ساء كانت‬
‫موجود ًة منذ زمن نزول الوحي على النبي ‪ ،‬ولو �شاء اهلل تعاىل �أن يوجب على الن�ساء �أن‬
‫ي�سرتن وجوههنّ �أمام الأجانب �سد ًا للذريعة لأمرهنَّ بذلك!‬
‫ثم �إنه ال فرق بني من يوجب على الن�ساء �سرت وجوههنّ �سد ًا للذريعة‪ ،‬وبني من يوجب على‬
‫الرجال �أن ي�سرتوا وجوههم‪ ،‬كي ال ُتفتنت الن�ساء بالنظر �إليهم �سد ًا للذريعة �أي�ض ًا‪ ،‬فهذا كهذا‪،‬‬
‫وتع�صب للرجال على الن�ساء‪� ،‬إذ �إنهم م�شرتكون جميع ًا يف وجوب‬ ‫ومن ف ّرق بينهم فقد تناق�ض ّ‬
‫برهان من اهلل ور�سوله فقد تع ّدى وظلم‪ ،‬واهلل ال يحب‬‫ٍ‬ ‫غ�ض النظر‪ ،‬فمن و�ضع حكم ًا جديد ًا بغري‬ ‫ّ‬
‫الظاملني‪.‬‬
‫  ‬

‫‪163‬‬
‫�أدلة اجلمهور على �أن الوجه والكفني لي�سا عور ًة‪:‬‬
‫ا�ستدل اجلمهور على �أنَّ وجه املر�أة وكفيها لي�سا عور ًة بالأدلة التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله تعاىل‪﴿ :‬وال ُي ْب ِدينَ زِي َن َتهُنَّ �إ َّال َما َظ َه َر ِم ْن َها﴾(((‪.‬‬
‫وزينة املر�أة هي كل ما يج ّملها ويز ِّينها‪� ،‬سوا ًء كانت زين ًة َخلقية كال�شعر والوجه وحما�سن‬
‫وال�صباغ‪ ،‬فهذه الأمور كلها‬ ‫واحللي ِّ‬
‫ّ‬ ‫اجل�سم كالطول والهيئة والقامة‪� ،‬أم زين ًة مكت�سب ًة كالثياب‬
‫زينة‪ ،‬ويجوز للمر�أة �أن تبدي �أمام الغرباء ما ظهر منها فقط‪.‬‬
‫وقد اختلف املف�سرون يف معنى (ما ظهر منها)‪ ،‬فذهب معظمهم (ومنهم ابن عبا�س و�أن�س‬
‫بن مالك و�سعيد بن جبري وعطاء) �إىل �أنَّ (ما ظهر منها) هو الوجه والكفان‪ ،‬لأن هذه املوا�ضع‬
‫من املر�أة تظهر بحكم ال�ضرورة �أثناء احلركة والعمل خارج املنزل‪ ،‬وقد جرت العادة على ك�شفها‬
‫رفع ًا للحرج وامل�شقة‪.‬‬
‫‪ -2‬كما ا�ستدلوا على �أنَّ وجه املر�أة وكفيها لي�سا عور ًة ب�أد َّل ٍة �أخرى‪ ،‬منها حديثٌ روته عائ�شة‬
‫ر�ضي اهلل عنها ذكرت فيه �أنَّ �أ�سماء بنت �أبي بكر دخلت على النبي ‪ ،‬وهي تلب�س لبا�س ًا رقيق ًا‬
‫َ‬
‫املحي�ض مل ي�صلح �أن ُيرى‬ ‫ي�شف عن ج�سمها‪ ،‬ف�أعر�ض عنها وقال‪ :‬يا �أ�سماء‪� ،‬إنّ املر�أة �إذا بلغت‬ ‫ّ‬
‫(((‬
‫منها �إال هذا وهذا‪ ،‬و�أ�شار �إىل وجهه وكفيه‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن الأدلة قوله تعاىل‪﴿ :‬و ْل َي ْ�ض ِر ْبنَ ِب ُخ ُم ِر ِهنَّ َع َلى ُج ُيوبِهِ نَّ ﴾(((‪.‬‬
‫واخلمار يف اللغة هو الغطاء‪ ،‬فكل غطاءٍ ي�س ّمى يف اللغة خمار ًا‪ ،‬ولكنَّ املراد يف هذه الآية هو‬
‫دل على هذا �سياق الآية والقرائن التي رافقت نزولها‪� ،‬أما ما‬ ‫غطاء الر�أ�س والعنق وال�صدر‪ ،‬وقد ّ‬
‫ي ّدعيه البع�ض اليوم من �أنَّ هذه الآية توجب فقط تغطية العنق وال�صدر‪ ،‬ولي�س فيها ما يدل على‬
‫وجمانب لل�صواب‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مغلوط‬ ‫وجوب تغطية الر�أ�س‪ ،‬فهو كال ٌم‬

‫�سورة النور‪� :‬آية‪.31‬‬ ‫((( ‬


‫وح�سنه الألباين‪� .‬أخرجه �أبو داود يف �سننه ـ كتاب احلمام ـ باب فيما تبدي املر�أة‬
‫حديث �ضعيف له �شواهد تقويه‪ّ ،‬‬ ‫((( ‬
‫ّ‬
‫من زينتها‪ ،62/4 :‬و�أعله بالإر�سال (ويعني هنا االنقطاع)‪ .‬وقد ذكر ابن حجر يف التلخي�ص احلبري‪ ،43/3 :‬وابن امللقن يف‬
‫البدر املنري‪� 675/5:‬أوجه عدة ل�ضعفه‪ ،‬و�أن له �شواهد عند البيهقي يف �سننه و�أبي داود يف مرا�سيله‪ ،‬و�إن كانت ال تخلو من مقال‪،‬‬
‫فلرياجعها من �أراد الزيادة‪.‬‬
‫�سورة النور‪� :‬آية ‪.31‬‬ ‫((( ‬

‫‪164‬‬
‫فقد كانت املر�أة يف اجلاهلية تغطي ر�أ�سها باخلمار‪ ،‬ولكنها كانت تظهر ذوائبها (�ضفائر‬
‫�شعرها) وعنقها‪ ،‬فنزلت الآية الكرمية و�أمرت الن�ساء امل�سلمات ب�أن ي�سدلن هذا اخلمار‪ ،‬الذي‬
‫ي�ضعنه على ر�ؤو�سهنّ ‪ ،‬ليغطني به جيوبهنّ ‪ ،‬واجليوب هي موا�ضع فتحات ال�صدور‪� ،‬أي‪ :‬العنق‬
‫وال�صدر‪ ،‬وقد فهمت ال�صحابيات املراد من اخلمار الذي �أمرت به الآية‪ ،‬ف�أ�سدلن خمرهنَّ على‬
‫جيوبهن‪.‬‬
‫ورد يف �صحيح البخاري �أَنَّ َعا ِئ َ�ش َة ر�ضى اهلل عنها قالت‪ :‬لمَ َّا َنزَ َل ْت هَ ِذ ِه الآ َي ُة ﴿و ْل َي ْ�ض ِر ْبنَ‬
‫ِب ُخ ُم ِر ِهنَّ َع َلى ُج ُيوبِهِ نَّ ﴾ �أَ َخ ْذت الن�ساء �أُ ْز َرهُ نَّ َف َ�ش َّق ْق َن َها ِمنْ ِق َب ِل الحْ َ َوا�شِ ى فَاخْ َت َم ْرنَ ِب َها(((‪.‬‬
‫وقد ا�ستدل اجلمهور بهذه الآية على �أنَّ وجه املر�أة لي�س بعورة‪� ،‬إذ لو كان عور ًة لورد اللفظ‬
‫ب�صيغة‪ :‬ولي�ضربن بخمرهن على وجوههنّ ‪ ،‬ولي�س على جيوبهنّ ‪.‬‬
‫أهم الأدلة و�أو�ضحها على �أنَّ الوجه والكفني لي�سا بعورة وجوب ك�شفهما عند الإحرام‬ ‫‪ -4‬ومن � ّ‬
‫باحلج �أو العمرة‪ ،‬فقد قال النبي ‪ :‬ال تنتقب املر�أة املحرمة‪ ،‬وال تلب�س القفازين(((‪.‬‬
‫�إذ ًا‪ ،‬يف مكة املكرمة‪� ،‬أطهر بقاع الأر�ض و�أكرثها اختالط ًا بني الرجال والن�ساء‪ ،‬يجب على‬
‫املر�أة �أن تك�شف وجهها وكفيها‪ ،‬وهذا دلي ٌل وا�ض ٌح و�صري ٌح على �أنَّ الوجه والكفني لي�سا عورة‪.‬‬
‫‪ -5‬و�إىل جانب هذه الأدلة الوا�ضحة ال�صحيحة‪ ،‬هناك حوادث �أخرى تدل على �أنَّ املر�أة‬
‫كانت تك�شف عن وجهها يف كث ٍري من الأحيان بوجود النبي ‪ ‬وال�صحابة الكرام‪ ،‬ومل يكن النبي‬
‫ينهاها عن ذلك‪.‬‬
‫ال�ص َال َة َي ْو َم‬‫من هذا ما يرويه َجا ِب ِر ْب ِن َع ْب ِد اللهَِّ حيث يقول‪�َ :‬شهِ ْدتُ َم َع َر ُ�س ِول اللهَِّ ‪َّ ‬‬
‫ال�ص َال ِة َق ْب َل الخْ ُ ْط َب ِة ِب َغيرِْ �أَ َذ ٍان َو َال �إِ َق َام ٍة‪ُ ،‬ث َّم َق َام ُم َت َو ِّك ًئا َع َلى ِب َال ٍل‪َ ،‬ف�أَ َم َر ِب َت ْق َوى‬
‫ا ْل ِع ِيد‪َ ،‬ف َب َد�أَ ِب َّ‬
‫ا�س َو َذ َّك َرهُ ْم‪ُ ،‬ث َّم َم َ�ضى َحتَّى �أَتَى ال ِّن َ�سا َء َف َو َع َظهُنَّ َو َذ َّك َرهُ نَّ ‪،‬‬ ‫اللهَِّ ‪َ ،‬و َحثَّ َع َلى َط َاع ِت ِه‪َ ،‬و َو َع َظ ال َّن َ‬
‫َف َق َال‪ :‬ت ََ�ص َّد ْقنَ َف ِ�إنَّ �أَكْثرَ َ ُكنَّ َح َط ُب َج َه َّن َم‪َ .‬ف َق َام ِت ْام َر�أَ ٌة ِمنْ ال ِّن َ�سا ِء َ�س ْف َعا ُء الخْ َ َّد ْي ِن‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪ :‬مِ َل‬
‫ول اللهَِّ ؟ ف َق َال‪ :‬لأَ َّن ُكنَّ ُت ْكثرِ ْ نَ َّ‬
‫ال�ش َكا َة َو َت ْك ُف ْرنَ ا ْل َع�شِ ري‪.‬‬ ‫َيا َر ُ�س َ‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب التف�سري ـ باب ولي�ضربن بخمرهن على جيوبهن‪.1783/4 :‬‬ ‫((( ‬
‫والإزار هو ما ي�ؤتزر به من ال�س ّرة �إىل الركبة‪.‬‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب �أبواب الإح�صار وجزاء ال�صيد ـ باب ما ينهى من الطيب‬ ‫((( ‬
‫للمحرم واملحرمة‪.653/2 :‬‬

‫‪165‬‬
‫يقول راوي احلديث‪َ :‬ف َج َع ْلنَ َيت ََ�ص َّد ْقنَ ِمنْ ُح ِل ِّيهِ نّ َ‪ُ ،‬ي ْل ِق َني ِفى َث ْو ِب ِب َال ٍل ِمنْ �أَ ْق ِر َطتِهِ نَّ‬
‫(((‬
‫َو َخ َو مِاتِهِ نَّ ‪.‬‬
‫وهذا احلديث يدل على �أنَّ املر�أة التي �س�ألت النبي ‪ ‬مل تكن من ّقب ًة‪ ،‬و�إال ملا و�صفها جابر‬
‫ب�أنها �سفعاء اخل ّدين(((‪.‬‬
‫وورد يف هذا �أنَّ امر�أ ًة خثعمي ًة جميل ًة �أتت �إىل النبي ‪ ‬يف حجة الوداع ت�س�أله‪ ،‬فنظر �إليها‬
‫الف�ضل بن العبا�س و�أمعن النظر‪ ،‬فر�آه النبي ‪ ،‬فح ّول وجهه �إىل الناحية الأخرى‪ ،‬فقال له‬
‫ابن عمك! فقال‪ :‬ر�أيتُ �شاب ًا و�شا َّب ًة‪ ،‬فخ�شيتُ عليهما من‬ ‫يت عنق ِ‬ ‫العبا�س‪ :‬يا ابن �أخي لقد ل َو َ‬
‫(((‬
‫الفتنة‪.‬‬
‫ويف هذه الواقعة دلي ٌل �صري ٌح على �أنَّ وجه املر�أة لي�س عور ًة‪ ،‬ولو كان عور ًة ال�ستنكر النبي‬
‫�إظها َر ُه‪ ،‬و�أمر املر�أ َة ب�سرته‪.‬‬
‫قد يربر البع�ض هذه احلادثة ب�أنَّ املر�أة كانت محُ ِرم ًة‪ ،‬ولذلك �أ�سفرت عن وجهها‪ ،‬ولكنَّ‬
‫ين ي�ؤكد على �أنَّ هذه احلادثة حدثت بعد االنتهاء من الإحرام يف �صبيحة يوم العيد‬ ‫ال�شيخ الألبا َّ‬
‫بعد رمي جمرة العقبة‪.‬‬
‫‪ -6‬ومن الأدلة على �أنَّ وجه املر�أة وكفيها لي�سا عور ًة قوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬قل ِّل ْل ُم�ؤ ِْم ِن َني َي ُغ ُّ�ضوا‬
‫يغ�ضوا من‬ ‫ِمنْ �أَ ْب َ�صار ِِه ْم﴾(((‪ ،‬ولو كان وجه املر�أة و كفاها عور ًة ملا �أمر اهلل تعاىل الرجال �أن ّ‬
‫يلف املر�أة من ر�أ�سها �إىل مفرق‬ ‫يغ�ضون الب�ص َر‪� ،‬إذا كان الغطاء ُّ‬ ‫�أب�صارهم‪� ،‬إذ عن � ّأي �شيءٍ ّ‬
‫قدمها؟‬
‫ويرى جمهور العلماء �أنَّ تغطية املر�أة لوجهها كان م�ستخدم ًا ومعروف ًا عند العرب يف اجلاهلية‬
‫والإ�سالم‪ ،‬و�أنَّ هناك ما ي�س ّمى بالربقع �أو النقاب‪ ،‬وهو غطا ٌء للوجه تَظهر منه عينا املر�أة �أو‬
‫ني واحدة‪.‬‬ ‫ع ٌ‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب �صالة العيدين‪.603/2 :‬‬ ‫((( ‬

‫(املر�أة ال�سفعاء‪ :‬هي املر�أة ال�شاحبة‪ ،‬التى فى وجهها �سواد وتغيرّ ‪.‬‬ ‫((( ‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه الرتمذي يف �سننه ‪ -‬كتاب احلج ـ باب ما جاء �أن عرفة كلها موقف‪232/3 :‬واللفظ له‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫(( (‬
‫ح�سن �صحيح‪ ،‬و�أحمد يف م�سنده ـ م�سند علي بن �أبي طالب‪ ، 75/1 :‬و�أ�صله عند البخاري يف �صحيحه ـ كتاب اال�ستئذان ـ باب قول‬
‫اهلل تعاىل‪ ) :‬يا ايها الذين �آمنوا ال تدخلوا بيوتا‪ ،2300/5:(. . .‬وم�سلم يف �صحيحه ـ كتاب احلج ـ باب حج النبي ‪.891/2:‬‬
‫�سورة النور‪� :‬آية ‪.30‬‬ ‫((( ‬

‫‪166‬‬
‫قما�ش تغطي به املر�أة وجهها ب�أكمله‪ ،‬وكان من ال�صحابيات‬ ‫وهناك ما يعرف باملنديل‪ ،‬وهو ٌ‬
‫من تغطي وجهها‪ ،‬ومنهنَّ تك�شف وجهها‪ ،‬ومل يذ ّم النبي ‪ ‬الن�ساء اللواتي يغطني وجوههنَّ ‪،‬‬
‫وال اللواتي يك�شفنها‪ ،‬ومل ينه املر�أة التي ت�سرت وجهها عن تغطيته‪ ،‬كما �إنه مل ي�أمر من ك�شفت‬
‫وجهها ب�سرته‪.‬‬
‫  ‬
‫الر�أي الثاين يف عورة املر�أة �أمام الرجال الأجانب‪:‬‬
‫ذهب احلنابلة يف رواية والإمام ابن تيمية �إىل �أنَّ املر�أة كلها عورة‪.‬‬
‫�أورد ابن قدامة هذا الر�أي يف كتابه (املغني) فقال‪:‬‬
‫َ َق َال َب ْع ُ�ض �أَ ْ�ص َحا ِب َنا‪ :‬المْ َ ْر�أَ ُة ُكلُّ َها َع ْو َر ٌة؛ ِ ألَ َّن ُه ُر ِو َي َح ِديثٌ َعن ال َّن ِب ِّي ‪ ‬يقول‪ :‬ا َملر�أَ ُة َع ْو َر ٌة‪.(((.‬‬
‫ويتابع ابن قدامة فيقول‪َ :‬و َل ِكنْ ُر ِّخ َ�ص للمر�أة ب َك ْ�ش ِف َو ْجهِ َها َو َك َّف ْي َها لمِ َا فيِ َتغ ِْط َي ِت ِه ِمنْ المْ َ َ�ش َّق ِة‪،‬‬
‫َو�أُ ِب َيح ال َّن َظ ُر �إ َل ْي ِه َِ أل ْج ِل الخِْ ْط َب ِة ؛ ِ ألَ َّن ُه مجَ ْ َم ُع المْ َ َح ِا�س ِن‪.‬‬
‫يرخ�ص لها �أن تظهر وجهها‬ ‫وبناء على هذا القول ف�إنَّ املر�أة عند احلنابلة كلها عورة‪� ،‬إال �أنه ّ‬
‫وكفيها للم�شقة‪.‬‬
‫�أما الإمام ابن تيمية فقد �أوجب على املر�أة �أن ت�سرت جميع ج�سدها‪ ،‬بحيث ال يبدو منه �شي ٌء‪،‬‬
‫ال�سعودية (فتاوى اللجنة الدائمة– فتاوى ال�شيخ ابن باز‪ -‬فتاوى ال�شيخ‬ ‫وهو ما اختاره علماء ّ‬
‫ابن عثيمني‪ -‬فتاوى ال�شيخ ابن جربين)‪.‬‬
‫وقد ف�سر ه�ؤالء قوله تعاىل‪﴿ :‬وال ُي ْب ِدينَ زِي َن َتهُنَّ �إ َّال َما َظ َه َر ِم ْن َها﴾((( ب�أنَّ ما ظهر منها هو‬
‫وحدها ما يجوز �أن يبدو �أمام الرجال‪ ،‬وهذا الر�أي ي�ستند �إىل ما ذهب �إليه ابن‬ ‫الثياب‪ ،‬وهي َ‬
‫م�سعود ر�ضي اهلل عنه يف تف�سري الآية‪.‬‬
‫ري من �أهل العلم مذهب اجلمهور بخ�صو�ص عورة املر�أة‪ ،‬فر�أوا �أنَّ الوجه‬ ‫رجح كث ٌ‬ ‫وقد ّ‬
‫وقطعي‪� ،‬أما حديث‪( :‬املر�أة عور ٌة)‬ ‫ٌّ‬ ‫والك َّفني لي�سا عور ًة‪� ،‬إذ مل يرد على ذلك دلي ٌل �صري ٌح ووا�ض ٌح‬
‫الن�ص‬
‫ف�إنَّ املراد منه حتذير الرجال من االفتتان بالن�ساء‪ ،‬وتكملة احلديث تدل على هذا‪ ،‬ف�إنَّ َّ‬
‫حديث ح�سن‪� .‬أخرجه الرتمذي يف �سننه ـ كتاب الر�ضاع ـ باب منه‪ 476/3 :‬وقال‪ :‬ح�سن غريب‪ .‬و�صححه ابن‬ ‫((( ‬
‫حبان‪412/12 :‬‬
‫�سورة النور‪� :‬آية‪31‬‬ ‫((( ‬

‫‪167‬‬
‫الكامل لهذا احلديث ال�شريف هو‪( :‬املر�أة عورة‪ ،‬ف�إذا خرجت ا�ست�شرفها ال�شيطان) (((‪� ،‬أي‪:‬‬
‫ز ّينها يف نظر الرجال ليغويهم‪.‬‬
‫ورغم ترجيح كثري من �أهل العلم ملذهب اجلمهور يف �أن وجه املر�أة وكفيها لي�سا بعورة‪� ،‬إال‬
‫�أنهم ي�ؤكدون على �ضرورة احرتام من يتب ّنى الر�أي القائل ب�أنَّ املر�أة كلها عورة‪ ،‬فكال الر�أيني‬
‫حمرتمان‪ ،‬ولهما �أن�صارهما ودالئلهما ال�شرعية املعتربة‪ ،‬وال يجوز �أن يقيم �أ�صحاب �أحدهما‬
‫النك َري على �أ�صحاب الر�أي الآخر‪.‬‬
‫ال يجوز ملن يرى وجوب تغطية املر�أة لوجهها وكفيها �أن يتّهم �أ�صحاب الر�أي الآخر بالت�ساهل‬
‫والتح ّلل واملروق من الدين‪ ،‬وال يجوز ملن يرى �أنَّ وجه املر�أة لي�س عور ًة �أن يتهم �أ�صحاب الر�أي‬
‫الآخر بالت�شدد والتع�صب والتطرف‪ ،‬بل يجب عليهم �أن يحرتم بع�ضهم �آراء بع�ض‪ ،‬و�أن يكون‬
‫لهم يف �أئمتهم م� ّؤ�س�سي املذاهب الفقهية قدوة ح�سنة‪ ،‬فقد �أورد العلماء كثري ًا من احلوادث التي‬
‫مهم‬
‫تبني احرتام الأئمة لبع�ضهم رغم اختالفهم يف الآراء‪ ،‬وق�صة الإمام �أحمد بن حنبل �شاهد ّ‬
‫إمام احتجم ومل يتو�ض�أ‪ ،‬فهل �صالتي‬ ‫على هذا‪ ،‬فقد جاءه رج ٌل وقال له‪ :‬يا �إمام �ص َّليتُ وراء � ٍ‬
‫وجوب الو�ضوء من احلجامة)‪ ،‬فقال له‪ :‬كيف ال �أ�صلي وراء‬ ‫�صحيحة؟ (وكان الإمام �أحمد يرى َ‬
‫وجوب الو�ضوء بعد‬
‫الإمام مالك و�سعيد بن امل�سيب؟! (والإمام مالك و�سعيد بن امل�سيب ال يريا َ‬
‫احلجامة)‪.‬‬
‫  ‬
‫عورة املر�أة �أمام الن�ساء‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على �أن عورة املر�أة �أمام املر�أة هي نف�س عورة الرجل �أمام الرجل‪ :‬من ال�س ّرة‬
‫�إىل الركبة‪ ،‬فال يجوز للمر�أة �أن تنظر �إىل ما دون �س ّرة املر�أة البالغة وفوق ركبتها‪ ،‬ولو كانت تلك‬
‫املر�أة ابنتها �أو �أمها �أو �أختها‪ ،‬حلديث النبي ‪ :‬ما بني ال�سرة والركبة عورة(((‪.‬‬
‫  ‬

‫�سبق تخريجه يف نف�س ال�صفحة‪.‬‬ ‫(( (‬


‫�سبق تخريجه يف �ص‪.169‬‬ ‫((( ‬

‫‪168‬‬
‫حكم دخول املر�أة للح ّمامات الن�سائية‪:‬‬
‫مل تكن احل ّمامات العامة التي يغت�سل فيها النا�س �شائع ًة يف مكة املكرمة �أو املدينة املنورة‪،‬‬
‫على عك�س البلدان الأخرى كبالد ال�شام وفار�س‪.‬‬
‫رخ�ص الإ�سالم للنا�س بدخولها‪،‬‬ ‫وعندما بد�أت احل ّمامات العامة تنت�شر يف بالد العرب َّ‬
‫وك�شف‬
‫ٍ‬ ‫عبث‬
‫حذر مما قد يجري فيها من ٍ‬ ‫لأنهم يحتاجون �إليها للنظافة والتداوي‪ ،‬ولكنه َّ‬
‫للعورات‪ ،‬وا�شرتط لدخولها االحت�شام و�سرت العورة‪ ،‬فقد ورد �أنَّ النبي ‪ ‬قال‪ :‬اتقوا بيت ًا يقال‬
‫له احل َّمام‪ .‬قالوا‪ :‬يا ر�سول اهلل �إنه ُيذهب ال َّد َرنَ وينفع املري�ض‪( ،‬وال ّد َرن‪ :‬هو الأو�ساخ)‪ ،‬فقال‬
‫(((‬
‫‪ :‬فمن دخل فلي�سترت‪.‬‬
‫ك�شف للعورات‪،‬‬‫وبناء على هذا �أجاز الفقهاء للرجال دخول هذه احلمامات‪� ،‬إذا مل يكن فيها ٌ‬
‫ولكنهم اختلفوا يف حكم دخول املر�أة للحمامات الن�سائية العامة‪ ،‬فح ّرمه بع�ض الفقهاء �إال‬
‫ل�ضرور ٍة (كالتداوي ونحوه)‪ ،‬لورود �أحاديث متنع املر�أة من دخول هذه احلمامات العامة‪ ،‬فقد‬
‫ورد �أن النبي ‪ ‬قال‪ :‬من كان ي�ؤمن باهلل واليوم الآخر فال يدخل احلمام �إال مبئزر‪ ،‬ومن كان‬
‫(((‬
‫ي�ؤمن باهلل واليوم الآخر فال ُيدخل حلي َلته احلمام‪.‬‬
‫وروي عنه �أي�ض ًا �أنه قال عن احل َّمامات‪ :‬ال يدخلها الرجال �إال مبئزر‪ ،‬وامنعوها الن�ساء �إال‬
‫(((‬
‫مري�ض ًة �أو نف�ساء‪.‬‬
‫بينما ذهب بع�ض الفقهاء املت�أخرين من املالكية وال�شافعية �إىل جواز دخول املر�أة للح ّمامات‪،‬‬
‫�إذا كانت خم�ص�ص ًة للن�ساء وم�ستور ًة عن �أعني الرجال‪ ،‬وب�شرط �أن ت�سرت املر�أة عورتها �أمام‬
‫الن�ساء‪ ،‬وع ّللوا الأحاديث التي متنعها من دخول للحمامات العامة‪ ،‬ب�أنه مل تكن للن�ساء حماماتٌ‬
‫منفرد ٌة ت�أمن فيها املر�أة من دخول الرجال �إليها‪.‬‬
‫ورد يف كتب املذهب املالكي‪� :‬إمنا ُمنعت الن�ساء من دخول احل ّمام‪ ،‬حني مل يكن لهنّ ح ّمامات‬
‫منفردة‪� ،‬أما عند انفرادهنّ عن الرجال فال ب�أ�س‪.‬‬
‫و�صححه‪ ،320/4 :‬والبيهقي يف �سننه الكربى‪.309/7 :‬‬‫حديث ح�سن‪� .‬أخرجه احلاكم يف امل�ستدرك ّ‬ ‫((( ‬
‫حديث ح�سن‪� .‬أخرجه الرتمذي يف �سننه ـ كتاب الأدب ـ باب ما جاء يف دخول احلمام‪ ،113/5 :‬وقال‪ :‬ح�سن‬ ‫((( ‬
‫ً‬
‫غريب‪ ،‬و�أخرج الن�سائي يف املجتبى طرفا منه ب�إ�سناد جيد ـ كتاب الطهارة ـ باب الرخ�صة يف دخول احلمام‪ ,198/1 :‬واحلاكم‬
‫يف امل�ستدرك و�صححه‪ .320/4 :‬واحلليلة‪ :‬هي الزوجة‪.‬‬
‫حديث �ضعيف‪� .‬أخرجه �أبو داود يف �سننه ـ كتاب احلمام ـ باب منه‪ ،39/4 :‬وابن ماجه يف �سننه ـ كتاب الأدب ـ باب‬ ‫((( ‬
‫دخول احلمام‪ ،233/2 :‬و�سبب �ضعفه �أن يف �سنده عبد الرحمن بن زياد بن �أنعم الإفريقي‪ ،‬وهو�ضعيف احلفظ‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫وورد يف كتب ال�شافعية‪ :‬دخول املر�أة للحمام جائ ٌز بال كراهي ٍة حيث ال مع�صية وال ريبة‪.‬‬
‫وورد عن الإمام ابن تيمية قوله‪ :‬يجوز �أن تدخل املر�أة احلمام‪� ،‬إذا اعتادت دخوله‪ ،‬و�شقّ‬
‫عليها �إن تركت دخوله �إال لعذر‪.‬‬
‫وميكن القول‪� :‬إنَّ اختالف الآراء االجتهادية الفقهية ما بني �إباحة دخول املر�أة للح ّمامات‬
‫خ�ص�صت فيها‬ ‫العامة وحترمي ذلك‪ ،‬يعود �إىل ت ّغري البيئات والأعراف وتطور الأبينية التي ّ‬
‫حمامات عامة للن�ساء‪ ،‬تتوفر فيها ال�شروط املطلوبة للحفاظ على عورات الن�ساء‪.‬‬
‫البدهي �أن يكون يف كل‬
‫ّ‬ ‫ولئن قال قائ ٌل اليوم‪� :‬إنَّ التطور املعماري يف ت�صميم الأبنية جعل من‬
‫بيت ح َّمام‪ ،‬الأمر الذي ال ت�ضطر معه املر�أة للذهاب �إىل احل ّمامات العامة‪ ،‬ف�إين �أقول‪ :‬يف بع�ض‬ ‫ٍ‬
‫املدن هذا �صحيح‪ ،‬ويف بع�ضها الآخر هذا غري �صحيح!‬
‫فالبيوت يف كث ٍري من البلدان املتخ ّلفة والقرى النائية تفتقر �إىل احل َّمامات واملياه‪ ،‬وحتتاج‬
‫لدخول احلمامات العامة‪� ،‬أو لالغت�سال مع جماع ٍة من النا�س‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل �أنَّ كثري ًا من الن�ساء‬
‫يرغنب يف الذهاب �إىل احل ّمامات العامة للت�سلية والرتفيه عن النف�س �أو لال�ستفادة من املياه‬
‫املعدنية املتوفرة يف بع�ض البلدان‪ ،‬وهذا جائ ٌز �شرع ًا عند من ذكرناهم من الفقهاء‪ ،‬ولكن‪ :‬وفق ًا‬
‫للأحكام وال�ضوابط ال�شرعية‪.‬‬
‫حكم دخول املر�أة �إىل امل�سابح الن�سائية‪:‬‬
‫�أجاز بع�ض العلماء املعا�صرين دخول املر�أة �إىل امل�سابح الن�سائية‪ ،‬قيا�س ًا على جواز دخولها‬
‫�إىل احل ّمامات العامة‪ ،‬وا�شرتطوا يف ذلك عدة �شروط‪:‬‬
‫‪� -1‬أن تكون مبن ّية ب�شكل ي�سرت الن�ساء عن �أعني الرجال‪.‬‬
‫‪� -2‬أن يمُ نع الرجال من دخولها‪.‬‬
‫‪� -3‬أن يكون القائمون بالإ�شراف عليها ن�سا ًء ثقاة‪.‬‬
‫‪� -4‬أن ت�سرت جميع املوجودات فيها عوراتهنّ ‪ :‬من ال�س َّرة �إىل الركبة يف �أقل الدرجات‪ ،‬وهذا‬
‫ما ورد يف فتاوى ال�شبكة الإ�سالمية‪.‬‬
‫  ‬

‫‪170‬‬
‫اللبا�س الفا�ضح للعورة يف امل�سابح واحل ّمامات العامة‪:‬‬
‫بع�ض الن�ساء يف امل�سابح الن�سائية تلب�س املا ّيوه‪ ،‬الذي يك�شف عن جزءٍ كب ٍري من اجل�سد‪،‬‬
‫معظم ما بني ال�سرة والركبة‪ ،‬ثم تتبخرت �أمام الن�ساء بهذا اللبا�س!‬
‫ويربز َ‬
‫هذا �أم ٌر اتفق الفقهاء على حرمته‪ ،‬و�أنّ من تفعل هذا هي �آثمة‪ ،‬كما ت�أثم كل من تنظر �إليها‬
‫نظر َة حتديق ومت ّعن‪ ،‬لأن النظر �إىل العورات حرا ٌم كك�شفها‪ ،‬لقول النبي ‪ :‬ال تنظر املر�أة �إىل‬
‫عورة املر�أة(((‪.‬‬
‫  ‬
‫ا�ضطرار املر�أة لدخول امل�سابح الن�سائية التي ُتك�شف فيها العورات‪:‬‬
‫ا�ضطرت املر�أة للذهاب �إىل امل�سابح ال ّن�سائية التي ال تلتزم كل الن�ساء فيها‬ ‫�س�ؤال‪ :‬ماذا لو ّ‬
‫بارتداء لبا�س ال�سباحة ال�شرعي ال�ساتر للعورة؟‬
‫وخ�صو�ص ًا �أن بع�ض الن�ساء ت�ضطر �إىل دخول هذه امل�سابح لل�سباحة لعالج �آالم الظهر‬
‫والرقبة �أو ملمار�سة الريا�ضة‪ ،‬فماذا تفعل؟‬
‫معظم العلماء يرون �أنَّ دخول املر�أة �إىل هذه الأماكن مكرو ٌه من حيث املبد�أ ب�سبب انك�شاف‬
‫عورات بع�ض الن�ساء‪ ،‬ولكن‪� ..‬إذا كانت املر�أة م�ضطر ًة للدخول‪ ،‬ب�سبب عدم وجود م�سابح بديل ٌة‪،‬‬
‫تلتزم فيها الإناث باحل�شمة واللبا�س ال�شرعي‪ ،‬فيجوز لها �أن تدخل ب�شرط �أن ت�سرت عورتها‪،‬‬
‫وتغ�ض ب�صرها عن ر�ؤية عورات الأخريات‪ ،‬وي�ستدلون على ذلك ب�أنَّ الإ�سالم هو دين الي�سر‬ ‫ّ‬
‫ورفع احلرج‪ ،‬و�أن النظرة املح َّرمة يف الإ�سالم هي النظرة �إىل العورات التي فيها ت�أكي ٌد و�إمعان‪،‬‬
‫�أما النظرة العابرة فال �شيء فيها‪ ،‬لأنها نظر ٌة تلقائي ٌة عفوية‪.‬‬
‫ويرى ه�ؤالء �أن دخول املر�أة �إىل هذه امل�سابح الن�سائية ال يختلف عن حكم دخول الرجال �إىل‬
‫امل�سابح الرجالية‪ ،‬التي ال يلتزم ر ّوادها من الرجال باللبا�س ال�شرعي ال�ساتر للركبة‪.‬‬
‫  ‬

‫طرف من حديث �صحيح‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب الطهارة ـ باب حترمي النظر �إىل العورات‪.266/1 :‬‬ ‫(( (‬

‫‪171‬‬
‫علماء معا�صرون يح ّرمون دخول املر�أة �إىل احل ّمامات العامة وامل�سابح الن�سائية‪:‬‬
‫�إذ ًا �أجاز بع�ض العلماء املعا�صرين دخول املر�أة �إىل احلمامات العامة وامل�سابح الن�سائية‬
‫بال�شروط التي ذكرناها �سابق ًا‪ ،‬ولكنَّ بع�ضهم الآخر (كال�شيخ ابن عثيمني يف فتاواه‪ ،‬وال�شيخ‬
‫ح�سام الدين عفانة يف فتاوى ي�س�ألونك)‪ ،‬مينعون املر�أة من الذهاب �إىل امل�سابح �أو احلمامات‬
‫الن�سائية‪ ،‬حتى ولو كان احلمام �أو امل�سبح ال ي�سمح للرجال بدخوله‪ ،‬وم�ستور ًا عن �أعينهم‪ ،‬وتلتزم‬
‫فيه الن�ساء ب�سرت عوراتهنّ ‪ ،‬وا�ستدل ه�ؤالء العلماء على هذا مبا ورد عن ال�سيدة عائ�شة ر�ضي‬
‫اهلل عنها‪ ،‬حيث �س�ألت ن�سا ًء من �أهل حم�ص فقالت ‪ :‬من �أين �أننت؟ قلن‪ :‬من ال�شام‪ .‬قالت‪:‬‬
‫فلعلكنَّ من الكورة التي تدخل ن�سا�ؤها احلمامات؟ قلن‪ :‬بلى‪ .‬قالت‪ :‬ف�إين �سمعتُ ر�سول اهلل ‪‬‬
‫(((‬
‫يقول‪ :‬ال تخلع امر�أ ٌة ثيابها يف غري بيت زوجها �إال هتكت ال�سرت بينها وبني ربها‪.‬‬
‫�أما العلماء الذين يبيحون ذهاب املر�أة �إىل امل�سابح واحلمامات الن�سائية‪� ،‬إذا حتققت‬
‫فيها ال�شروط ال�شرعية املطلوبة‪ ،‬فريونَ �أنَّ املراد من هذا احلديث هو حمل املر�أة على املبالغة‬
‫بالت�سرت‪ ،‬و�أنَّ النهي عن خلع ثيابها يف غري بيتها حممو ٌل على الأماكن غري امل�ستورة‪ ،‬التي ميكن‬
‫�أن تنك�شف فيها عورتها �أمام الرجال‪.‬‬
‫  ‬
‫�أهم ّية الريا�ضة البدن ّية‪:‬‬
‫يف ختام احلديث عن امل�سابح واحلمامات الن�سائية �أحب �أن �أقول‪:‬‬
‫مطلوب يف الإ�سالم من الرجال والن�ساء‪ ،‬لأنَّ امل�ؤمن القوي �أحب �إىل‬
‫ٌ‬ ‫الريا�ضة البدنية �أم ٌر‬
‫أحد دور الريا�ضة يف حتقيق ال�صحة والقوة البدنية‬ ‫اهلل من امل�ؤمن ال�ضعيف‪ ،‬وال يخفى على � ٍ‬
‫وال�سعادة النف�سية‪ ،‬فقد تبني بالأبحاث العلمية �أنَّ الريا�ضة تق ّلل من احتماالت �إ�صابة اجل�سم‬
‫بت�صلب ال�شرايني وارتفاع �ضغط الدم‪ ،‬وتقي من كث ٍري من الأمرا�ض اجل�سدية والنف�سية‪ ،‬كما‬
‫ثبت �أنَّ هرمون ال�سعادة (الأندروفني) موجو ٌد يف الدماغ‪ ،‬و�أنَّ ن�سبة �إفراز هذا الهرمون تزداد‬
‫نواد ن�سائية تتحقق فيها ال�شروط ال�شرعية‪ ،‬هو‬ ‫بالريا�ضة‪ ،‬ولذلك ف�إنني �أرى �أنَّ تخ�صي�ص ٍ‬

‫حديث ح�سن‪� .‬أخرجه �أبو داود يف �سننه ـ كتاب احلمام‪ ،39/4 :‬وابن ماجه يف �سننه ـ كتاب الأدب ـ باب دخول‬ ‫((( ‬
‫‪114/5‬وح�سنه‪ ،‬و�أخرجه احلاكم يف‬
‫ّ‬ ‫احلمام‪:‬‬ ‫دخول‬ ‫يف‬ ‫جاء‬ ‫ما‬ ‫باب‬ ‫‪-‬‬ ‫أدب‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫كتاب‬ ‫ـ‬ ‫�سننه‬ ‫يف‬ ‫والرتمذي‬ ‫‪،1234/2‬‬ ‫احلمام‪:‬‬
‫و�صححه‪.‬‬
‫امل�ستدرك‪ّ 321/4 :‬‬

‫‪172‬‬
‫من الأمور املهمة اليوم‪ ،‬وينبغي على امل�سلمني بذل اجلهد يف �إن�شاء وتهيئة النوادي الريا�ضية‬
‫الن�سائية امللتزمة‪� ،‬سعي ًا وراء حتقيق امل�صلحة االجتماعية من جهة‪ ،‬و�س َّد ًا لباب الف�ساد‬
‫امل�ست�شري يف النوادي املتف ّلتة من جهة �أخرى‪.‬‬
‫  ‬
‫عورة املر�أة امل�سلمة �أمام املر�أة غري امل�سلمة‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء يف حدود عورة املر�أة امل�سلمة �أمام املر�أة غري امل�سلمة‪ ،‬فاهلل تعاىل يقول‬
‫يف �سورة النور‪﴿ :‬وال ُي ْب ِدينَ زِي َن َتهُنَّ �إ َّال ِل ُب ُعو َلتِهِ نَّ �أَ ْو �آ َبائِهِ نَّ �أَ ْو �آ َبا ِء ُب ُعو َلتِهِ نَّ �أَ ْو �أَ ْب َنائِهِ نَّ �أَ ْو �أَ ْب َنا ِء‬
‫ُب ُعو َلتِهِ نَّ �أَ ْو �إخْ َوانِهِ نَّ �أَ ْو َب ِني �إخْ َوانِهِ نَّ �أَ ْو َب ِني �أَ َخ َواتِهِ نَّ َ�أ ْو ِن َ�سائِهِ نَّ �أَ ْو َما َم َل َك ْت َ�أيمْ َ ا ُنهُنَّ �أَ ِو التَّا ِب ِع َني‬
‫الطف ِْل ا َل ِذينَ مَ ْل َي ْظ َه ُروا َع َلى َع ْو َر ِات ال ِّن َ�سا ِء وال َي ْ�ض ِر ْبنَ بِ�أَ ْر ُجلِهِ نَّ‬ ‫َغيرِْ �أُ ْوليِ الإ ْر َب ِة ِمنَ ال ِّر َج ِال �أَ ِو ِّ‬
‫ِل ُي ْع َل َم َما ُيخْ ِف َني ِمن زِي َنتِهِ نَّ و ُتو ُبوا �إلىَ اللهَِّ َجمِ يع ًا �أَ ُّي َها املُ�ؤ ِْم ُنونَ َل َع َّل ُك ْم ُت ْف ِل ُحونَ ﴾(((‪،‬‬
‫فما معنى قوله‪�( :‬أو ن�سائهن)؟!‬
‫ذهب احلنبلية وقو ٌل عند املالكية �إىل �أنَّ املراد من قوله تعاىل‪�( :‬أو ن�سائهن) هو جن�س‬
‫ال�س ّرة �إىل الركبة‪� ،‬سواء كانت‬ ‫الن�ساء ك ّله‪ ،‬وبنا ًء على هذا ف�إنَّ عورة املر�أة �أمام املر�أة هي من ُ‬
‫م�سلم ًة �أم غري م�سلم ٍة‪ ،‬فيجوز للم�سلمة �أن تك�شف ر�أ�سها و�صدرها ويديها وقدميها �أمام املر�أة‬
‫غري امل�سلمة‪ ،‬وت�سرت عورتها �أمامها من ال�س َّرة �إىل الركبة‪� ،‬ش�أنها يف ذلك �ش�أن املر�أة امل�سلمة‪.‬‬
‫وا�ستدلوا على جواز ذلك ب�أنَّ ن�ساء النبي ‪ ‬كانت تدخل عليهنّ الن�ساء غري امل�سلمات‪ ،‬ومل‬
‫يكنّ يغطني ر�ؤو�سهنّ ‪ ،‬ومل يكن النبي ‪ ‬ي�أمرهنَّ بتغطيتها‪.‬‬
‫ف�سر احلنفية وال�شافعية والأرجح عند املالكية قوله تعاىل‪�( :‬أو ن�سائهن) ب�أنَّ املراد‬ ‫بينما ّ‬
‫هو الن�ساء امل�سلمات‪� ،‬أما املر�أة غري امل�سلمة فحكمها حكم الرجال‪ ،‬وال يجوز �أن تك�شف امل�سلمة‬
‫�أمامها عن �شعرها ويديها و�ساقيها و�صدرها‪ ،‬بل عليها �أن ت�سرت جميع ج�سدها با�ستثناء وجهها‬
‫وكفيها‪ ،‬وا�ستدلوا على هذا ب�أنَّ عمر ر�ضي اهلل عنه كتب �إىل �أبي عبيدة يقول‪� :‬أما بعد فقد بلغني‬
‫�أنَّ ن�سا ًء من ن�ساء امل�سلمني يدخلن احلمامات مع ن�ساء �أهل ال�شرك‪ ،‬ف�إنه ال يح ّل المر�أ ٍة �أن ينظر‬
‫�إىل عورتها �إال �أهل م ّلتها(((‪.‬‬

‫�سورة النور‪� :‬آية‪31‬‬ ‫(( (‬


‫�أخرجه البيهقي يف الكربى‪.95/7 :‬‬ ‫(( (‬

‫‪173‬‬
‫كما �أخذوا بعني االعتبار �أنَّ املر�أة غري امل�سلمة قد ت�صف مفاتن املر�أة امل�سلمة �أمام الرجال‪،‬‬
‫تبا�شر املر�أ ُة‬‫ِ‬ ‫جه ًال منها بحرمة ذلك‪� ،‬أو تهاون ًا وجت ّر�ؤ ًا‪ ،‬وهو �أم ٌر نهى عنه النبي ‪ ‬فقال‪ :‬ال‬
‫(((‬
‫املر�أ َة فتنعتها لزوجها‪ ،‬ك�أنه ينظر�إليها‪.‬‬
‫�صريح يوجب على املر�أة‬ ‫ٍ‬ ‫دليل‬
‫رجح �أكرث �أهل العلم مذهب احلنبلية يف هذا لعدم وجود ٍ‬ ‫وقد َّ‬
‫�أن ت�سترت من غري امل�سلمة كما ت�سترت من الرجال‪ ،‬و�أكدوا على �أنَّ قوله تعاىل‪�( :‬أو ن�سائهنّ ) ظ ّني‬
‫املعنى‪ ،‬و�أنه يحتمل كال املعنني‪ ،‬و�أنَّ يف ال�س َّنة التقريرية ما يفيد بجواز التعامل مع املر�أة غري‬
‫ب�شكل مياثل التعامل مع امل�سلمات‪ ،‬ومن ذلك ما ذكرناه من دخول بع�ض الن�ساء من �أهل‬ ‫امل�سلمة ٍ‬
‫م�سمع ومر�أى من النبي ‪.‬‬ ‫الكتاب على ن�ساء النبي �ص‪ ،‬على ٍ‬
‫�أما التخ ّوف من و�صف غري امل�سلمة للمر�أة امل�سلمة �أمام الرجال‪ ،‬فهو �أمر وارد احلدوث‬
‫بني امل�سلمات وغري امل�سلمات‪ ،‬وال يكون عالجه بتحرمي جمال�سة الن�ساء لبع�ضهنَّ بع�ض ًا �أو مبنع‬
‫ك�شف الر�أ�س وال�صدر وما �شابه‪ ،‬بل يكون برفع م�ستوى الوعي والعلم والفهم والتقوى عندهنّ !‬
‫  ‬
‫عورة املر�أة �أمام الرجال املحارم‪:‬‬
‫املحرم هو ا ّلذي يحرم التّز ّوج به حرم ًة م�ؤ ّبدة‪ ،‬وقد �أو�ضح اهلل تعاىل املحارم من الن�ساء‬
‫يف �سورة الن�ساء بقوله‪﴿ :‬وال ت َِنك ُحوا َما َن َك َح �آ َبا�ؤُ ُكم ِّمنَ ال ِّن َ�سا ِء �إ َّال َما َق ْد َ�س َل َف �إ َّن ُه َكانَ َف ِاح َ�ش ًة‬
‫وخاال ُت ُك ْم و َب َناتُ الأَ ِخ‬ ‫و�سا َء َ�س ِبي ًال ُح ِّر َم ْت َع َل ْي ُك ْم �أُ َّم َها ُت ُك ْم و َب َنا ُت ُك ْم و�أَ َخ َوا ُت ُك ْم َ‬
‫وع َّما ُت ُك ْم َ‬ ‫َومقْت ًا َ‬
‫و َب َناتُ الأُخْ ِت و�أُ َّم َها ُت ُك ُم ال َّال ِتي �أَ ْر َ�ض ْع َن ُك ْم و�أَ َخ َوا ُت ُكم ِّمنَ ال َّر َ�ض َاع ِة و�أُ َّمهَاتُ ِن َ�سا ِئ ُك ْم و َر َبا ِئ ُب ُك ُم‬
‫ال َّال ِتي فيِ ُح ُجو ِر ُكم ِّمن ِّن َ�سا ِئ ُك ُم ال َّال ِتي َد َخ ْلتُم بِهِ نَّ َف�إن مَّ ْل َت ُكو ُنوا َد َخ ْلتُم بِهِ نَّ َفال ُج َن َاح َع َل ْي ُك ْم‬
‫وحال ِئ ُل �أَ ْب َنا ِئ ُك ُم ا َل ِذينَ ِمنْ �أَ ْ�صال ِب ُك ْم و�أَن تجَ ْ َم ُعو ْا َبينْ َ الأُخْ َتينِْ �إ َّال َما َق ْد َ�س َل َف �إنَّ اللهَّ َ َكانَ َغ ُفور ًا‬ ‫َ‬
‫(((‬
‫َّر ِحيم ًا ﴾‪.‬‬
‫ق�سم الفقهاء املحارم من الن�ساء �إىل �أنواع‪:‬‬ ‫وبنا ًء على هاتني الآيتني ّ‬
‫أخت وبنا ِتها‪ ،‬واخلال ِة‬ ‫واحلفيدات وال ِ‬
‫ِ‬ ‫والبنت‬
‫ِ‬ ‫�أ‪ -‬حم َّرماتٌ ب�سبب القرابة‪ ،‬كال ِّأم واجل َّد ِة‬
‫الوالدين وع ّماتها‪.‬‬ ‫والع ّمة‪ ،‬ويلحق بهما خالة َ‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب النكاح ـ باب ال تبا�شر املر�أة املر�أة فتنعتها لزوجها‪.2007/5 :‬‬ ‫(( (‬
‫�سورة الن�ساء‪� :‬آية ‪.23 -22‬‬ ‫((( ‬

‫‪174‬‬
‫ب – حم َّرماتٌ ب�سبب امل�صاهرة‪ ،‬كزوجة الأب وزوجة اجلدِّ وزوجة االبن وزوجة احلفيد‪،‬‬
‫وابن ِة الزوجة وابن ِتها‪ ،‬و� ِّأم الزوجة وج َّد ِتها‪.‬‬
‫ج – حم َّرماتٌ ب�سبب ال ّر�ضاع‪ ،‬والقاعدة يف هذا‪ :‬يحرم بالر�ضاع ما يحرم بالن�سب‪.‬‬
‫كما �أو�ضح اهلل تعاىل يف �سورة النور املحارم من الرجال الذين يجوز للمر�أة �أن تك�شف‬
‫�أمامهم زينتها‪ ،‬وذلك يف قوله عز وجل‪﴿ :‬وال ُي ْب ِدينَ زِي َن َتهُنَّ �إ َّال ِل ُب ُعو َلتِهِ نَّ �أَ ْو �آ َبائِهِ نَّ �أَ ْو �آ َبا ِء‬
‫ُب ُعو َلتِهِ نَّ �أَ ْو �أَ ْب َنائِهِ نَّ �أَ ْو �أَ ْب َنا ِء ُب ُعو َلتِهِ نَّ �أَ ْو �إخْ َوانِهِ نَّ َ�أ ْو َب ِني �إخْ َوانِهِ نَّ �أَ ْو َب ِني �أَ َخ َواتِهِ نَّ َ�أ ْو ِن َ�سائِهِ نَّ �أَ ْو‬
‫الطف ِْل ا َل ِذينَ مَ ْل َي ْظ َه ُروا َع َلى َع ْو َر ِات‬ ‫َما َم َل َك ْت �أَيمْ َ ا ُنهُنَّ �أَ ِو التَّا ِب ِع َني َغيرِْ �أُ ْوليِ الإ ْر َب ِة ِمنَ ال ِّر َج ِال �أَ ِو ِّ‬
‫ال ِّن َ�ساءِ﴾ (((‪.‬‬
‫فاملحارم من الرجال الذين ذكرتهم هذه الآية هم‪ :‬الزوج‪ ،‬الأب‪ ،‬اجل ُّد من ِق َب ِل الأب �أو الأم‪،‬‬
‫والد الزوج وجدوده (�سواء ط ّلقت الزوجة �أو ال)‪ ،‬الأبناء‪ ،‬الأحفاد‪� ،‬أبناء الزوج و�أبناء �أبنائه‪،‬‬
‫الإخوة (�سواء كانوا �أ�شقا ًء �أو �إخو ًة ل ٍأب �أو ل ٍّأم)‪� ،‬أبناء الإخوة والأخوات و�أحفادهم‪.‬‬
‫  ‬
‫الأعمام والأخوال من املحارم‪:‬‬
‫أخوال‪ ،‬فهل هذا‬ ‫أعمام وال ال َ‬ ‫مل تذكر الآية الكرمية التي حتدثت عن املحارم يف �سورة النور ال َ‬
‫العم واخلال؟‬ ‫تبدي زينتها �أمام َّ‬ ‫يعني �أ َّنه ال يجوز للمر�أة �أن َ‬
‫عم الأب والأم هو مبثابة‬ ‫اتفق الفقهاء على �أنَّ الأعمام والأخوال من املحارم‪ ،‬و�أكدوا على �أنَّ ّ‬
‫العم‪ ،‬وكذلك خال الأب والأم هو مبثابة اخلال‪ ،‬وبرروا عدم ورود ه�ؤالء يف �سورة النور �ضمن‬
‫املحارم ب�أنَّ الأعمام والأخوال هم مبنزلة الآباء عرف ًا‪ ،‬فيدخلون �ضمن قوله تعاىل‪�( :‬أو �آبائهنّ )‪،‬‬
‫فقد ورد يف احلديث ال�صحيح‪ :‬ع ُّم الرجل �صِ نو �أبيه‪ ،(((.‬وروي عن التبي ‪� ‬أنه قال‪ :‬الع ُّم‬
‫والد(((‪ ،‬و�أنه قال‪ :‬اخلال والد(((‪.‬‬

‫�سورة النور‪� :‬آية ‪31‬‬ ‫((( ‬


‫حديث �صحيح ‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب الزكاة ـ باب يف تقدمي الزكاة ومنعها‪.676/2 :‬‬ ‫((( ‬
‫حديث �ضعيف ‪ .‬ذكره العجلوين يف ك�شف اخلفاء ‪ 90/2‬وقال ‪ :‬رواه �سعيد بن من�صور عن عبد اهلل الوراك مر�س ًال‪.‬‬ ‫((( ‬
‫حديث �ضعيف‪� .‬أخرجه عبد الرزاق يف امل�صنف ‪ ،19/9‬ويف �سنده عبد الكرمي بن �أبي املخارق �ضعيف‪ ،‬وذكره‬ ‫((( ‬
‫العجلوين يف ك�شف اخلفاء‪ ،‬وا�ستعر�ض طرقه وبينّ �ضعفها‪.448/1 :‬‬

‫‪175‬‬
‫َوورد َعنْ َعا ِئ َ�ش َة ر�ضي اهلل عنها �أَنَّ �أَ ْف َل َح �أَ َخا �أَ ِبي ا ْل ُق َع ْي ِ�س (وهو ع ّمها من الر�ضاع) ْا�س َت�أْ َذنَ َع َل ْي َها‬
‫ُ (((‬
‫َب ْع َد َما �أُ ْن ِز َل الحِْ َج ُ‬
‫اب‪َ ،‬ف�أَ َب ْت �أَنْ َت�أْ َذنَ َلهُ‪َ ،‬ف َق َال ال َّن ِب ُّي ‪ :‬ا ْئ َذنيِ َلهُ‪َ ،‬ف�إِ َّن ُه َع ُّمك‪ ،‬ت َِر َب ْت يمَِ ينك‪.‬‬
‫كما ا�ستدلوا على �أنَّ الأخوال والأعمام هم �أقربا ٌء يحرم الزواج بهم‪ ،‬مبا ورد يف �سورة‬
‫مات النكاح‪ ،‬وهذا يقت�ضي �أن يكون الأعمام‬ ‫الن�ساء‪ ،‬حيث اعتُربت الع ّمة واخلالة من حم َّر ٍ‬
‫والأخوال من املحارم �أي�ض ًا‪.‬‬
‫ما هي حدود عورة املر�أة �أمام الرجال املحارم؟ وما هي الزينة التي يجوز لها �أن تظهرها؟‬
‫�سبق �أن ذكرنا �أنَّ زينة املر�أة هي كل ما يج ّملها ويزينها‪� ،‬سواء كانت زين ًة َخلقية كال�شعر‬
‫والوجه وحما�سن اجل�سم‪� ،‬أم زين ًة مكت�سب ًة كالثياب واحللي وال�صباغ‪ ،‬وهذه الأمور كلها زينة‪،‬‬
‫وال يجوز للمر�أة �أن تبدي �أمام الرجال الأجانب �إال ما ظهر منها‪� ،‬أي‪ :‬الوجه والكفان ح�سب ر�أي‬
‫معظم الفقهاء‪.‬‬
‫�أما الرجال املحارم فيجوز للمر�أة �أن تبدي �أمامهم �شعرها ووجهها ويديها ومكياجها وحل َّيها‬
‫ق�سم املف�سرون والفقهاء الزينة �إىل زين ٍة خف َّي ٍة وزين ٍة ظاهرة‪ ،‬وا�ستنبطوا‬ ‫وما �شابه ذلك‪ ،‬وقد َّ‬
‫ذلك من قوله تعاىل‪( :‬ولي�ضربن‪ ...‬وال يبدين زينتهنّ �إال ما ظهر منها)‪ ،‬وقد جزم العلماء بناء‬
‫على هذه الآية �أنه ال يجوز للمر�أة �أن تبدي من زينتها �أمام الرجال الأجانب �إال ما ظهر منها‪،‬‬
‫و�أنه يجوز لها �أن تبدي �أمام الرجال املحارم ما خفي من زينتها‪ ،‬ثم اختلفوا بعد ذلك يف حتديد‬
‫معنى الزينة اخلفية وموا�ضعها‪ ،‬التي يجوز للمر�أة �أن تظهرها �أمام الرجال املحارم‪ ،‬فذهب‬
‫ال�شافعية �إىل �أن عورة املر�أة �أمام الرجال املحارم هي كعورتها �أمام الن�ساء‪ ،‬فيجوز لها �أن تظهر‬
‫ما ت�شاء من موا�ضع ج�سدها �أمامهم‪� ،‬إذا �سرتت ما بني ال�س ّرة والركبة‪ ،‬لقوله ‪ :‬ما بني ال�سرة‬
‫والركبة عورة(((‪.‬‬
‫ولكنَّ جمهور الفقهاء (احلنفية واملالكية واحلنبلية) قالوا‪ :‬يباح للمر�أة �أن تظهر �أمام‬
‫حمارمها موا�ضع الزينة اخلفية‪ ،‬وهي كل مو�ضع ميكن �أن يز َّين‪ ،‬كال�شعر والأذن والعنق واليدين‬
‫والقدمني‪� ،‬أما البطن والظهر فال يجوز �إظهارهما �أمام املحارم‪ ،‬لأنهما ال يز ّينان‪ ،‬فهما عورة‬
‫ال يجوز �إبدا�ؤها‪.‬‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب التف�سري ـ باب قوله (�إن تبدوا �شيئ ًا �أو تخفوه‪،1801/4:)..‬‬ ‫((( ‬
‫وم�سلم يف �صحيحه ‪ -‬كتاب الر�ضاع ـ باب حترمي الر�ضاع من الفحل‪.1069/2 :‬‬
‫�سبق تخريجه يف �ص‪.169‬‬ ‫((( ‬

‫‪176‬‬
‫ويف حني �أجاز احلنفية للمر�أة �أن تظهر �صدرها وثدييها �أمام حمارمها‪ ،‬ومل يعتربوا ذلك من‬
‫رجح املالكية حترمي ذلك‪ ،‬لأنَّ هذه املوا�ضع لي�ست موا�ضع زينة‪ ،‬بينما �أدرجه احلنبلية‬ ‫العورة‪ّ ،‬‬
‫حتت باب املكروهات‪ ،‬ولي�س املح ّرمات‪.‬‬
‫واحلقيقة �إن اتباع مذهب اجلمهور يف هذه امل�س�ألة �أحوط و�أبعد عن الإثارة والفتنة‪،‬‬
‫زمن بتنا ن�سمع فيه عن زنا املحارم والعياذ باهلل تعاىل‪.‬‬ ‫وخ�صو�ص ًا يف ٍ‬
‫  ‬
‫عورة الزوجة �أمام زوجها‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على جواز �إظهار املر�أة جلميع موا�ضع ج�سدها �أمام زوجها‪� ،‬إذ ال عورة بني‬
‫وح�سنه‬
‫الزوجني‪ ،‬لقوله ‪ :‬احفظ عورتك �إال من زوجتك �أو ما ملكت ميينك(((‪� .‬أخرجه �أحمد‪ّ ,‬‬
‫الألباين‪ ،‬ف�إظهار املر�أة جل�سدها ك ِّله حال ٌل �أمام زوجها‪ ،‬وكذلك �إظهار الرجل جلميع ج�سده‬
‫�أمام زوجته حال ٌل �شرع ًا‪.‬‬
‫أحب �أن �ألفت النظر هنا �إىل نقط ٍة دقيق ٍة وح�سا�سة‪ :‬مل مينع ال�شرع الزوجني من النظر �إىل‬ ‫� ُّ‬
‫بع�ضهما البع�ض متى وكيفما �شاءا‪ ،‬ولكنَّ الذوق والأدب والأناقة يف التعامل يفر�ض على الزوجني‬
‫�سبب خا�ص!‬ ‫�أن يتفاهما ويتوافقا على ما ي�سمح به �أحدهما للآخر‪ ،‬وما ال ي�سمح به �إن كان لديه ٌ‬
‫فمث ًال‪ ،‬قد ال ترغب الزوجة يف �أن ينظر �إليها زوجها‪ ،‬وهي تعتني بنف�سها عناي ًة ن�سائي ًة‬
‫خا�ص ًة‪� ،‬أو وهي تبدل �أ�شياءها الن�سائية املحرجة!‬
‫وقد ال يحب الزوج �أن تنظر �إليه زوجته‪ ،‬وهو يفعل �شيئ ًا ما‪ ،‬وعلى الزوجني هنا �أن يالحظا‬
‫ذلك ويلتزما به‪ ،‬وهذا االلتزام كما �سبق �أن قلت‪ :‬يكون من باب الأدب والذوق والكيا�سة‪ ،‬ولي�س‬
‫من باب احلالل واحلرام‪ ،‬لأنَّ اهلل تعاىل �أباح للزوجني �أن يتمتع ك ٌّل منهما بالآخر نظر ًا ومل�س ًا‬
‫وغري ذلك مما يكون بني كل زوجني‪.‬‬
‫  ‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.167‬‬ ‫((( ‬

‫‪177‬‬
‫ري �أويل الإربة‪:‬‬
‫عورة املر�أة �أمام التابعني غ ِ‬
‫ال بد لنا هنا �أن نع ّرج على املق�صود بقوله تعاىل يف �سورة النور‪�﴿ :‬أَ ِو التَّا ِب ِع َني َغيرِْ �أُ ْوليِ الإ ْر َب ِة‬
‫ِمنَ ال ِّر َج ِال﴾(((‪ ،‬وقد �أتى هذا الكالم يف نف�س الآية التي تتحدث ع ّمن يجوز للمر�أة �أن تظهر‬
‫زينتها اخلف ّية �أمامهم‪.‬‬
‫ذهب جمهور �أهل العلم �إىل �أنَّ التابعني غري �أويل الإربة من الرجال‪ ،‬هم الأتباع الذين‬
‫يتج ّولون‪ ،‬ليت�ص ّيدوا الطعام‪ ،‬وال �شهوة لديهم للن�ساء (كالأبله واملجنون)‪ ،‬فيجوز للمر�أة �أن‬
‫ُتظهر �أمام ه�ؤالء موا�ضع زينتها اخلفية‪ :‬ال�شعر‪ ،‬الأذن‪ ،‬العنق‪ ،‬اليدين‪ ،‬القدمني‪.‬‬
‫  ‬
‫عورة املر�أة �أمام الأطفال‪:‬‬
‫تبيح الآية الواردة يف �سورة النور للمر�أة �أن تظهر زينتها اخلفية وموا�ضع هذه الزينة �أمام‬
‫الطف ِْل ا َل ِذينَ مَ ْل َي ْظ َه ُروا َع َلى َع ْو َر ِات‬ ‫حمارمها و�أمام الأطفال‪ ،‬وذلك يف قوله تعاىل‪�﴿ :‬أَ ِو ِّ‬
‫ال ِّن َ�ساءِ﴾(((‪.‬‬
‫وبناء على هذا اتفق الفقهاء على �أنه يجوز للمر�أة �أن تك�شف عن موا�ضع زينتها اخلف ّية‬
‫(ال�شعر– العنق‪ -‬اليدين– القدمني) �أمام الطفل ال�صغري‪ ،‬واتفقوا على وجوب تغطية هذه‬
‫حل ُلم‪ ،‬و�أنَّ عورتها �أمامه حني يبلغ هي كعورتها �أمام الرجال‪:‬‬ ‫املوا�ضع �إذا بلغ الطفل �سنَّ ا ُ‬
‫عند جمهور الفقهاء (ال�شافعية‪ -‬املالكية‪ -‬احلنفية‪ -‬ورواي ٌة عند احلنبلية)‪ :‬كلها عور ٌة ما‬
‫عدا وجهها وكفيها‪.‬‬
‫وعند الإمام ابن تيمية كلها عورة‪ ،‬ال يجوز �أن يبدو منها �إال ثيابها‪.‬‬
‫واختلف الفقهاء يف حدود �سنّ الطفل‪ ،‬الذي يباح للمر�أة �أن تك�شف زينتها اخلفية �أمامه‪:‬‬
‫هل ُي�شرتط البلوغ‪� ،‬أم يكفي و�صول الطفل �إىل �سنٍّ يفهم فيه معنى العورة‪ ،‬وتثري فيه ر�ؤي ُة املر�أة‬
‫ال�شعور بال�شهوة؟‬
‫ذهب احلنفية واملالكية ورواي ٌة عند احلنبلية وقو ٌل عند ال�شافعية �إىل �أ َّنه ال يجوز للمر�أة �أن‬
‫تك�شف موا�ضع زينتها اخلفية �أمام الطفل الذي اقرتب من �سن البلوغ‪ ،‬بل يجب عليها �أن ت�سترت‬

‫�سورة النور‪� :‬آية ‪31‬‬ ‫(( (‬


‫�سورة النور‪� :‬آية ‪31‬‬ ‫((( ‬

‫‪178‬‬
‫منه كما ت�سترت من البالغ‪ ،‬وقد ف�سروا قوله تعاىل يف �سورة النور‪�﴿ :‬أَ ِو ِّ‬
‫الطف ِْل ا َل ِذينَ مَ ْل َي ْظ َه ُروا‬
‫َع َلى َع ْو َر ِات ال ِّن َ�ساءِ﴾((( ب�أن املراد وجوب الت�سرت من الأطفال‪� ،‬إذا بلغوا �سن ًا يفهمون فيه �أحوال‬
‫الن�ساء وعوراتهنّ ‪.‬‬
‫وقد �سئل الإمام �أحمد‪ :‬متى تغطي املر�أة ر�أ�سها من الغالم ؟ فقال‪� :‬إذا بلغ ع�شر �سنني‪.‬‬
‫بينما ذهب ال�شافعية يف الراجح عندهم واحلنبلية يف رواي ٍة ثاني ٍة �إىل �أنَّ الطفل ال يعامل‬
‫معاملة البالغ من حيث وجوب ت�سترّ الن�ساء منه‪ ،‬حتى يبلغ �سن البلوغ حقيقة‪ ،‬وا�ستدلوا بقوله‬
‫ا�س َت�أْ َذنَ ا َل ِذينَ ِمن َق ْبلِهِ ْم﴾(((‪ ،‬وهذا‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬و� َإذا َب َل َغ الأَ ْط َف ُال ِمن ُك ُم ا ُ‬
‫حل ُل َم َف ْل َي ْ�س َت�أْ ِذ ُنوا َك َما ْ‬
‫يدل على متييز ال�شرع بني البالغ وغري البالغ‪.‬‬
‫فيجوز للمر�أة �أن تك�شف �أمام ه�ؤالء الأطفال الذين مل يبلغوا �سنّ البلوغ‪ ،‬ما تك�شفه �أمام‬
‫الرجال املحارم (ال�شعر وال�صدر واليدين والقدمني)‪.‬‬
‫ري من �أهل العلم الر�أي القائل بوجوب ت�سترّ املر�أة من الفتى‪� ،‬إذا قارب �س ّنه‬ ‫وقد رجح كث ٌ‬
‫البلوغ‪ ،‬وخ�صو�ص ًا �إذا بدت عليه مقدمات البلوغ كخ�شونة ال�صوت وبزوغ �شعر ال�شارب ونحوه‪ ،‬ملا‬
‫يف ذلك من االحتياط يف �أمور الدين‪.‬‬
‫وال ي�شرتط عليها يف هذه احلالة �أن تبالغ يف اال�ستتار منه كما ت�سترت من البالغ‪ ،‬بل يكفي‬
‫�أن تغطي ج�سدها و�شعر ر�أ�سها‪ ،‬وذلك �أوىل‪ ،‬لترتك ف�سح ًة قبل بلوغه‪ ،‬تنمحي فيها من ذاكرته‬
‫�صورتها قبل احلجاب‪.‬‬
‫  ‬
‫ما يعرف به البلوغ‪:‬‬
‫حل ُلم‪ ،‬ويعرف باالحتالم و�إنزال ا َملني‪ ،‬وي�ضاف عليه عند الإناث ر�ؤية دماء‬ ‫ي�س ّمى البلوغ با ُ‬
‫احلي�ض‪ ،‬ف�إذا ت� ّأخر االحتالم عند الذكر �أو احلي�ض عند الأنثى‪ ،‬ف�إنَّ ال�سنَّ الذي يغلب فيه البلوغ‬
‫كل منهما الواجبات ال�شرعية‪ ،‬ويرتّب على‬ ‫عند الذكور والإناث يعترب هو امل� ِّؤ�شر‪ ،‬الذي يرتب على ٍّ‬
‫عندئذ لعدم ر�ؤية‬ ‫ٍ‬ ‫من حولهما التعامل معهما وفق ًا ملا قرره ال�شرع بخ�صو�ص البالغني‪ ،‬وال عربة‬
‫املني �أو دماء احلي�ض‪ ،‬وهذا ما �سماه الفقهاء‪ :‬البلوغ احلكمي‪.‬‬
‫�سورة النور‪� :‬آية ‪31‬‬ ‫(( (‬
‫�سورة النور‪� :‬آية ‪59‬‬ ‫((( ‬

‫‪179‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء يف حتديد ال�سنّ التي يعترب معها الفتى والفتاة قد بلغا �سنّ البلوغ‬
‫احلكمي‪.‬‬
‫فذهب الإمام �أبو حنيفة �إىل �أنها �سنّ ال�سابعة ع�شرة للفتاة والثامنة ع�شرة للفتى‪.‬‬
‫بينما ذهب جمهور الفقهاء (ال�شافعية واملالكية واحلنبلية‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل �أبي يو�سف وحممد‬
‫�صاح َبي �أبي حنيفة) �إىل �أنَّ �سنّ اخلام�سة ع�شرة هي �سنُّ البلوغ احلكمي للفتى والفتاة‪ ،‬وا�ستدلوا‬
‫بحديث ابن عمر ر�ضي اهلل عنهما‪� ،‬إذ ُعر�ض على النبي ‪ ‬يوم اخلندق وكان ابن خم�س ع�شرة‬
‫�سنة ف�أجازه‪ ،‬ومل يجزه يوم �أُ ُح ٍد لأنه كان ابن �أربع ع�شرة �سنة(((‪.‬‬
‫  ‬
‫نظر الرجل �إىل املر�أة غري امل َ ْح َرم‪:‬‬
‫ذهب احلنابلة والقول الراجح عند ال�شافعية �إىل حرمة �إطالة الرجل نظره متع ّمد ًا �إىل املر�أة‬
‫�سبب‪� ،‬سواء كانت تلك النظرة عفوي ًة تلقائي ًة‬ ‫التي ال تعترب من حمارمه‪� ،‬إذا كانت النظرة بدون ٍ‬
‫وبدون �شهو ٍة‪� ،‬أم كانت مرتافق ًة بال�شهوة‪.‬‬
‫تطبيب وما �شابه ذلك‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ومن الأ�سباب امل�شروعة عندهم النظر خلطب ٍة �أو‬
‫وا�ستدل ه�ؤالء الفقهاء على ذلك بقوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬قل ِّل ْل ُم�ؤ ِْم ِن َني َي ُغ ُّ�ضوا ِمنْ �أَ ْب َ�صار ِِه ْم﴾(((‪،‬‬
‫ول‬‫ات َيغ ُْ�ض ْ�ضنَ ِمنْ َ�أ ْب َ�صار ِِهنَّ ﴾(((‪ ،‬ومبا رواه جرير بن عبد اهلل �إذ َقال‪�َ :‬س�أَ ْلت َر ُ�س َ‬ ‫و﴿ ُقل ِّل ْل ُم�ؤ ِْم َن ِ‬
‫اللهَِّ ‪َ ‬عنْ َن ْظ َر ِة ا ْل ُف َجا َء ِة‪َ ،‬ف�أَ َم َرنيِ �أَنْ �أَ ْ�ص ِر َف َب َ�ص ِري(((‪.‬‬
‫َومبا رواه َع ِل ٍّي َر�ضِ َي اللهَّ ُ َع ْن ُه حيث َق َال‪َ :‬ق َال ليِ َر ُ�س ُ‬
‫ول اللهَِّ ‪ :‬اَل ُت ْت ِب ْع ال َّن ْظ َر َة ال َّن ْظ َر َة ‪،‬‬
‫ُ (((‬
‫الُولىَ ‪َ ،‬و َل ْي َ�س ْت َلك ْال ِآخ َرة‪.‬‬ ‫َف�إِنمَّ َ ا َلك ْ أ‬
‫فح ِّرم �أخذ ًا مببد�أ �س ّد‬ ‫و�سبب حترمي النظر عندهم �أنه مظن ٌة للفتنة وحم ّر ٌك لل�شهوة‪ُ ،‬‬
‫قول عند ال�شافعية) �إىل �أنه يجوز للرجل �أن يك ّرر‬ ‫الذرائع‪ .‬بينما ذهب احلنفية واملالكية (ويف ٍ‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب املغازي ـ باب غزوة اخلندق‪ ،1504/4 :‬وم�سلم يف �صحيحه ـ‬ ‫((( ‬
‫كتاب الإمارة ـ باب بيان �سن البلوغ‪.1490/3 :‬‬
‫�سورة النور‪� :‬آية ‪30‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة النور‪� :‬آية‪31‬‬ ‫((( ‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب الآداب ـ باب نظر الفج�أة‪.1669/3 :‬‬ ‫((( ‬
‫حديث ح�سن‪� .‬أخرجه �أبو داود يف �سننه ـ كتاب النكاح ـ باب ما ي�ؤمر به من غ�ض الب�صر‪ ،246/2 :‬والرتمذي يف‬ ‫((( ‬
‫و�صححه‪.‬‬
‫�سننه ـ كتاب الأدب ـ باب ما جاء يف نظر املفاج�أة‪101/5:‬وقال ‪ :‬حديث ح�سن غريب‪ ،‬واحلاكم يف امل�ستدرك‪ّ 212/2 :‬‬

‫‪180‬‬
‫نف�س‪ ،‬وف�سروا قوله‬ ‫نظره �إىل وجه املر�أة وك ّفيها‪� ،‬إذا كان نظره �إليها بدون �شهو ٍة وال حديث ٍ‬
‫(من) هنا جاءت للتبعي�ض‪ ،‬و�أنَّ ّ‬
‫الغ�ض‬ ‫تعاىل‪ُ ﴿ :‬قل ِّل ْل ُم�ؤ ِْم ِن َني َي ُغ ُّ�ضوا ِمنْ �أَ ْب َ�صار ِِه ْم﴾((( ب�أنَّ ِ‬
‫من الب�صر ال يعني �إقفال العينني عن النظر وال �إطراق الر�أ�س �إىل الأر�ض‪ ،‬بل املق�صود من هذا‬
‫كف الب�صر عن النظرة املح ّرمة‪ ،‬وهي النظر �إىل عورة املر�أة التي يبدو منها ما ال يح ّل‬ ‫هو طلب ّ‬
‫لها ك�شفه من ج�سدها ك�شعرها ويديها ورجليها‪.‬‬
‫احلرام �أي�ض ًا النظرة املد ّققة يف وجه املر�أة وكفيها‪ ،‬والتي تحُ دث يف القلب‬ ‫ِ‬ ‫ويدخل يف �إطار‬
‫�شيئ ًا‪ ،‬وترتك يف النف�س �أثر ًا!‬
‫بو�ضوح واخت�صار هو‬ ‫ٍ‬ ‫وهذا الأخري ينطبق على الذكر والأنثى على حدٍّ �سواء‪ ،‬واملطلوب منهما‬
‫الأدب والنقاء والطهر والتقوى عند النظر والتعامل‪.‬‬
‫وبنا ًء على هذا ف�سر العلماء والفقهاء الأحاديث ال�شريفة التي تنهى عن تكرار النظر‪ ،‬ب�أن‬
‫املراد منها النهي عن النظرة ب�شهوة‪ ،‬ولي�س جم ّرد النظر‪.‬‬
‫النظرات اجلائع َة ال�شره َة من �أحد اجلن�سني �إىل الآخر زنى للعينني‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ولهذا جعل النبي ‪‬‬
‫�ضرب‬
‫فقال‪( :‬العينان تزنيان وزناهما النظر)(((‪ ،‬لأنَّ هذه النظرات املتحللة من ال�ضوابط هي ٌ‬
‫من التلذذ والإ�شباع للغريزة اجلن�سية بغري الطريق امل�شروع‪ ،‬كما �أنها و�سيل ٌة من الو�سائل التي‬
‫ت�ؤدي �إىل الزنا احلقيقي‪.‬‬
‫وورد يف احلديث ال�صحيح �أنَّ النبي ‪ ‬قال‪� :‬إِنَّ اللهَّ َ َكت ََب َع َلى ا ْب ِن �آ َد َم َح َّظ ُه ِمنَ الزِّ َنا‪،‬‬
‫�أَ ْد َر َك َذ ِل َك َال محَ َ ا َل َة‪َ ،‬ف ِز َنا ا ْلعَينِْ ال َّن َظ ُر‪َ ،‬و ِز َنا ال ِّل َ�س ِان المْ َ ْن ِطقُ ‪َ ،‬وال َّنف ُْ�س تمَ َ َّنى َوت َْ�ش َتهِ ى‪َ ،‬وا ْل َف ْر ُج‬
‫(((‬
‫ُي َ�صدِّ ُق َذ ِل َك َو ُي َك ِّذ ُبهُ‪.‬‬
‫وهذا الزنا بالعينني هو زنا جزئي‪ ،‬ال يوجب تطبيق عقوبة الزنا على من يفعله‪ ،‬ولكنه �إث ٌم‬
‫بغ�ض‬‫حا�سب عليها‪ ،‬و ُيعتَرب عا�صي ًا لأمر اهلل تعاىل‪ ،‬لأنَّ اهلل �أمره ِّ‬ ‫�سيئات ُي َ‬ ‫ٍ‬ ‫يكت�سب به امل�سلم‬
‫يغ�ضه‪.‬‬‫الب�صر فلم َّ‬

‫�سورة النور‪� :‬آية ‪30‬‬ ‫((( ‬


‫حديث �إ�سناده �صحيح‪ .‬وهو طرف من حديث �أخرجه �أحمد يف م�سنده ـ م�سند �أبي هريرة‪ ،343/2 :‬وذكره املنذري‬ ‫((( ‬
‫يف الرتغيب والرتهيب‪ 25/3‬وقال‪ :‬رواه �أحمد ب�إ�سناد �صحيح‪.‬‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب اال�ستئذان ـ باب زنا الفرج دون اجلوارح‪ ،2304/5 :‬وم�سلم يف‬ ‫((( ‬
‫�صحيحه ـ كتاب القدر ـ باب قدر على ابن �آدم حظه من الزنا وغريه‪.2046/4 :‬‬

‫‪181‬‬
‫وقد رجح كثري من �أهل العلم املذهب القائل بجواز نظر الرجل �إىل وجه املر�أة وك ّفيها‪� ،‬إذا‬
‫نف�س‪ ،‬وا�ستدلوا على ذلك ب�أحاديث �صحيحية تبينّ كيف‬ ‫كان نظره �إليها بدون �شهو ٍة وال حديث ٍ‬
‫كان الرجال يلتقون بالن�ساء يف عهد النبي ‪ ‬لقاء من�ضبط ًا على موائد العلم يف امل�ساجد �أو‬
‫يف البيوت والأ�سواق‪ ،‬وكانت املر�أة ت�س�أل النبي ‪ ‬وت�ستفتيه بح�ضور عدد من �صحابته‪ ،‬وعلى‬
‫من �أراد الت�أكد �أن يرجع �إىل كتب ال�سنة ال�صحيحة‪ ،‬ليجد عدد ًا جم ًا من الأحاديث التي يرويها‬
‫الرجال من ال�صحابة عن حوادث و�أ�سئلة ن�سائية‪...‬‬
‫من هذا ما رواه ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنه �أَنَّ ْام َر�أَ َة َثا ِب ِت ْب ِن َق ْي ٍ�س َ �أت َِت ال َّن ِب َّى ‪َ ‬ف َقا َل ْت‪َ :‬يا‬
‫ول اللهَِّ َثابِتُ ْبنُ َق ْي ٍ�س َما �أَ ْعت ُُب َع َل ْي ِه ِفى ُخ ُل ٍق َو َال ِد ٍين‪َ ،‬و َل ِك ِّنى �أَ ْك َر ُه ا ْل ُك ْف َر ِفى الإِ ْ�س َال ِم‪َ ،‬ف َق َال‬
‫َر ُ�س َ‬
‫ول اللهَِّ ‪ :‬ا ْق َب ِل الحْ َ ِدي َق َة َو َط ِّل ْق َها‬ ‫ول اللهَِّ ‪� :‬أَ َت ُردِّينَ َع َل ْي ِه َح ِدي َق َتهُ‪َ ،‬قا َل ْت َن َع ْم‪ .‬ف َق َال َر ُ�س ُ‬ ‫َر ُ�س ُ‬
‫ْ َ ً (((‬
‫تَط ِليقة‪.‬‬
‫و�أذكر يف هذا �أي�ض ًا حادثة جرت يف ال�سنة ال�سابعة للهجرة‪ ،‬حني دخل عمر ر�ضي اهلل عنه‬
‫على ابنته حف�صة‪ ،‬فوجد عندها ال�صحابية �أ�سماء بنت عمي�س‪ ،‬وكانت قد عادت لت ّوها من‬
‫احلب�شة ب�صحبة زوجها جعفر بن �أبي طالب‪ ،‬فقال لها عمر‪� :‬سبقناكم بالهجرة يا �أ�سماء‪ ،‬فنحن‬
‫�أحقّ بر�سول اهلل منكم‪.‬‬
‫فغ�ضبت �أ�سماء وقالت‪ :‬ال واهلل كنتم مع ر�سول اهلل ‪ ‬يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم‪ ،‬وكنا‬
‫فى �أر�ض البعداء البغ�ضاء فى احلب�شة‪ ،‬وذلك فى اهلل وفى ر�سوله‪ .‬وامي اهلل ال �أطعم طعام ًا وال‬
‫�أ�شرب �شراب ًا حتى �أذكر ما قلت لر�سول اهلل‪.‬‬
‫فلما جاء النبى ‪ ‬قالت �أ�سماء‪ :‬يا نبى اهلل �إن عمر قال كذا وكذا‪ .‬فقال ر�سول اهلل �ص‪ :‬لي�س‬
‫(((‬
‫ب�أحق بى منكم وله ولأ�صحابه هجرة واحدة ولكم �أنتم �أهل ال�سفينة هجرتان‪.‬‬
‫  ‬
‫من نافل القول �أن �أ�ؤكد على �أنه كما يحرم النظر �إىل عورة املر�أة يحرم كذلك مل�س عورتها‪� ،‬إال‬
‫�إذا دعت احلاجة �إىل ذلك كالتطبيب وامل�ساعدة لتخطي عقبة ما �أو لتجاوز خطر يحيق باملر�أة‪.‬‬
‫  ‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب الطالق – باب الطالق وكيف اخللع ‪.2021/5‬‬ ‫((( ‬
‫طرف من حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب املغازي – باب غزوة خيرب ‪ ،1546/4‬وم�سلم كتاب‬ ‫((( ‬
‫الف�ضائل – باب من ف�ضائل جعفر و�أ�سماء ‪.1646/4‬‬

‫‪182‬‬
‫�صفات لبا�س املر�أة الإ�سالمي‪:‬‬
‫تختلف الآراء اليوم بخ�صو�ص اللبا�س ال�شرعي للمر�أة �أمام الرجال الأجانب‪ ،‬وبتنا نرى‬
‫تطرف ًا نحو اليمني �أو نحو ال�شمال!‬
‫فالبع�ض يوجب على املر�أة �أن تلب�س العباءة الف�ضفا�ضة ذات اللون الأ�سود ح�صر ًا‪ ،‬ويح ّرم‬
‫لون غري الأ�سود‪.‬‬ ‫عليها � ّأي ٍ‬
‫والبع�ض الآخر يبيح لها �أن تلب�س ما ت�شاء من الألوان‪ ،‬وما ت�شاء من �أنواع الثياب‪ :‬كنزات‬
‫قما�ش‪ ،‬ي�س ّمونها احلجاب‪،‬‬ ‫�ضيقة‪ ..‬تنورة‪ ..‬بنطال‪ ..‬واملهم عندهم �أن ت�ضع على ر�أ�سها قطعة ٍ‬
‫ألوان من‬ ‫أ�شكال و� ٍ‬ ‫وقطعة القما�ش هذه قد تكون �صفراء �أو حمراء‪ ،‬وقد تكون مزرك�ش ًة ومزين ًة ب� ٍ‬
‫البهارج الالفتة للنظر!‬
‫ك ُّل هذا ال يهمهم‪ ..‬املهم �أنها تلب�س احلجاب!‬
‫فهل ورد يف ال�شرع تف�صي ٌل ل�ضوابط اللبا�س الإ�سالمي وحدوده و�أو�صافه؟‬
‫اخلطوط العري�ضة ل�ضوابط لبا�س املر�أة الإ�سالمي وردت يف قوله تعاىل‪﴿ :‬وال ُي ْب ِدينَ زِي َن َتهُنَّ‬
‫�إ َّال َما َظ َه َر ِم ْن َها﴾(((‪ ،‬وقوله‪﴿ :‬و ْل َي ْ�ض ِر ْبنَ ِب ُخ ُم ِر ِهنَّ َع َلى ُج ُيوبِهِ نَّ ﴾(((‪ ،‬وقوله‪َ ﴿ :‬يا �أَ ُّي َها ال َّن ِب ُّي‬
‫ُقل لأَ ْز َو ِاج َك و َب َنا ِت َك و ِن َ�سا ِء املُ�ؤ ِْم ِن َني ُي ْد ِن َني َع َل ْيهِ نَّ ِمن َجال ِبي ِبهِ نَّ َذ ِل َك �أَ ْد َنى �أَن ُي ْع َر ْفنَ َفال ُي�ؤ َْذ ْينَ‬
‫و َكانَ اللهَّ ُ َغ ُفور ًا َّر ِحيم ًا﴾(((‪.‬‬
‫كما وردت يف قول النبي ‪ ‬لأ�سماء بنت �أبي بكر‪ :‬يا �أ�سماء �إنّ املر�أة �إذا بلغت املحي�ض‪ ,‬مل‬
‫(((‬
‫ي�صلح �أن يرى منها �إال هذا وهذا‪ ،‬و�أ�شار �إىل وجهه وكفيه‪.‬‬
‫  ‬
‫معنى اجللباب‪:‬‬
‫وردت يف الآية الكرمية ال�سابقة كلمة اجللباب‪ ،‬فماذا تعني هذه الكلمة؟‬
‫ثوب وا�س ٌع‪ُ ،‬يلب�س فوق ثياب املر�أة ليغطي مفاتنها‪،‬‬ ‫ف�سر العلماء اجللباب ب�أنه املالءة‪� ،‬أي‪ٌ :‬‬ ‫ّ‬
‫وقد يعني بلغة اليوم العباء َة �أو املانطو �أو ال�شادور �أو امللحفة‪ ،‬فهي كلها ت�س ّمياتٌ مل�س ّمى واحد‪.‬‬

‫�سورة النور‪� :‬آية‪31‬‬ ‫(( (‬


‫�سورة النور‪� :‬آية‪31‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة الأحزاب‪� :‬آية ‪59‬‬ ‫((( ‬
‫�سبق تخريجه يف �ص‪.179‬‬ ‫((( ‬

‫‪183‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء واملف�سرون يف فهم املراد من الآية الكرمية‪ ،‬فمنهم من يرى �أنَّ �إدناء‬
‫ني واحد ٌة ترى‬ ‫تغطي املر�أة ر�أ�سها ووجهها وج�سمها بحيث ال يبدو منها �إال ع ٌ‬ ‫اجللباب يعني �أن َ‬
‫بها طريقها‪ ،‬ومنهم من يرى �أنه يكفي �إ�سدال العباء ٍة فوق الثياب‪ ،‬بحيث تغطي كامل اجل�سد‬
‫با�ستثناء الوجه والكفني‪.‬‬
‫فر�ض على جميع امل�سلمات‪ ،‬لأنَّ اهلل تعاىل �أمر‬ ‫كما �أنَّ من الفقهاء من يرى �أنَّ لب�س اجللباب ٌ‬
‫ن�ساء امل�ؤمنني �أن ﴿ ُي ْد ِن َني َع َل ْيهِ نَّ ِمن َجال ِبي ِبهِ نَّ ﴾(((‪ ،‬ومنهم من يحمل هذا الأمر على الندب ال‬
‫يوم �أن تخرج الن�ساء �إىل �صالة العيد‪ ،‬فقالت له �صحابي ٌة‬ ‫على الفر�ض‪ ،‬لأنَّ النبي ‪� ‬أمر ذات ٍ‬
‫ا�سمها �أ ُّم عطية‪ :‬يا ر�سول اهلل‪� ،‬إنَّ �إحدانا لي�س لها جلباب!! فقال لها النبي ‪ :‬لتُلب�سها �أختها‬
‫من جلبابها(((!‬
‫جلباب عند بع�ض امل�سلمات‪ ،‬يعني �أنه غري‬ ‫ٍ‬ ‫وي�ستنتج �أ�صحاب هذا الر�أي �أنَّ عدم وجود‬
‫مفرو�ض عليهنّ ‪ ،‬ولو كان مفرو�ض ًا عليهنَّ ال�ستغرب النبي ‪ ‬قول � ِّأم عطية �أو ا�ستنكره‪.‬‬
‫�إذ ًا هناك اختالف بني العلماء حول فر�ضية اجللباب �أو العباءة �أو املانطو‪ ،‬ولكنَّ معظم‬
‫الفقهاء (حتى الذين ذهبوا �إىل عدم فر�ضيته) قالوا‪ :‬من الأف�ضل للمر�أة امل�سلمة �أن ترتدي‬
‫اجللباب �أو ما �شابهه‪.‬‬
‫�أما �إذا رف�ضت املر�أة امل�سلمة ارتداء اجللباب �أو العباءة‪ ،‬ف�إنها �آثم ٌة يف نظر الفقهاء الذين‬
‫يرون فر�ضيته‪ ،‬وال �إثم عليها يف نظر الذين يرون �أنه مندوب فقط‪� ،‬شريطة �أن تلتزم هذه املر�أة‬
‫باللبا�س الإ�سالمي الواجب‪ ،‬الذي �سنتحدث عن �شروطه الحق ًا‪.‬‬
‫وقد ح ّثت الآية الكرمية املر�أة امل�سلمة على لب�س اجللباب لتخفي مفاتن ج�سدها من جهة‪،‬‬
‫دين‪ ،‬يح ِّرم عليها التعاطي‬ ‫وليكون لبا�سها �شعار ًا مي ّيزها عن البغايا‪ ،‬ويعلن �أنها تنتمي �إىل ٍ‬
‫مع الآخرين خارج العالقة الزوجية‪ ،‬وبهذا الإعالن الوا�ضح ُيفرت�ض �أن ال يف ِّكر � ُّأي � ٍ‬
‫إن�سان بها‬
‫تفكري ًا ال ي�ستقيم مع مبادىء دينها‪ ،‬ويت�ضح لنا هذا املعنى عندما ن�ستذكر �أن جميع الن�ساء‬
‫يف ذلك الع�صر كنّ يغطني ر�ؤو�سهنّ باخلمار‪ ،‬ومل يكن ذلك حم�صور ًا باملر�أة امل�سلمة امللتزمة‬
‫ب�أوامر ال�شرع‪.‬‬

‫�سورة الأحزاب‪� :‬آية ‪59‬‬ ‫((( ‬


‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب احلي�ض ـ باب �شهود احلائ�ض العيدين ودعوة امل�سلمني ويعتزلن‬ ‫((( ‬
‫امل�صلى‪ ،123/1 :‬وم�سلم يف �صحيحه واللفظ له ـ كتاب �صالة العيدين ـ باب ذكر �إباحة خروج الن�ساء يف العيدين �إىل امل�صلى‪:‬‬
‫‪.606/2‬‬

‫‪184‬‬
‫و�أحب هنا �أن �أنقل كالم ًا ق ّيم ًا للدكتور ال�شيخ يو�سف القر�ضاوي‪ ،‬يو�ضح فيه الهدف من‬
‫فر�ض اجللباب‪.‬‬
‫يقول ال�شيخ القر�ضاوي‪:‬‬
‫الف�ساق‬
‫الوا�ضح من التعليل الذي جاء يف الآية الكرمية �أنَّ اخلوف على الن�ساء من �أذى ّ‬
‫املجان هو �سبب فر�ض اجللباب عليهن‪ ،‬ولي�س خوف ًا منهنّ وال فقدان ًا للثقة بهنّ كما‬ ‫ومعاينة ّ‬
‫املتك�سرة يف م�شيتها‪� ،‬أو الطرية يف‬ ‫ّ‬ ‫ربجة بزينتها وثيابها‪� ،‬أو‬ ‫ي ّدعي بع�ضهم‪ ،‬ف�إنَّ املر�أة املت ّ‬
‫حديثها‪ ،‬تغري الرجال بها‪ ،‬و ُتطمع العابثني فيها‪ ،‬وهذا م�صداق الآية الكرمية‪َ ﴿ :‬فال تَخْ َ�ض ْعنَ‬
‫ِبا ْل َق ْو ِل َف َي ْط َم َع ا َل ِذي فيِ َق ْل ِب ِه َم َر ٌ�ض﴾(((‪.‬‬
‫  ‬
‫�شروط لبا�س املر�أة الإ�سالمي‪:‬‬
‫تت�ساءلون‪ :‬ما هي �شروط اللبا�س الإ�سالمي‪ ،‬التي يجب على املر�أة االلتزام بها؟‬
‫وبعبار ٍة �أخرى‪ :‬ما هو اللبا�س الذي ميكن للمر�أة �أن تظهر به‪ ،‬دون �أن ترتكب �إثم ًا؟‬
‫و�أقول‪ :‬الآيات الكرمية والأحاديث ال�شريفة التي ذكرناها يف بحثنا هذا‪ ،‬و�ضعت ال�ضوابط‬
‫العامة للبا�س املر�أة‪ ،‬وقد ا�ستنبط العلماء منها ال�شروط التالية لهذا اللبا�س‪:‬‬
‫ي�شف)‪.‬‬‫‪�1 1-‬أن يكون �سميك ًا (ال ُّ‬
‫‪�2 2-‬أن يكون ف�ضفا�ض ًا عري�ض ًا‪.‬‬
‫‪�3 3-‬أن ال يكون اللبا�س بحدِّ ذاته زين ًة‪.‬‬
‫‪�4 4-‬أن ال ي�شبه لبا�س الرجال‪.‬‬
‫‪�5 5-‬أن ال ي�شبه لبا�س الكافرات‪.‬‬
‫  ‬

‫�سورة الأحزاب‪� :‬آية ‪32‬‬ ‫((( ‬

‫‪185‬‬
‫�إذاً ال�شرط الأول‪� :‬أن يكون �سميكاً ال ّ‬
‫ي�شف‪.‬‬
‫وقد ورد يف احلديث ال�صحيح قول النبي ‪� :‬صِ ْن َف ِان ِمنْ �أَ ْه ِل ال َّنا ِر مَ ْل �أَ َرهُ َما‪َ ،‬ق ْو ٌم َم َع ُه ْم‬
‫ا�س‪َ ،‬و ِن َ�سا ٌء َك ِا�س َياتٌ َعا ِر َياتٌ ممُِ ي َالتٌ َما ِئ َالتٌ ُر ُء ُ‬
‫و�سهُنَّ‬ ‫اب ا ْل َب َق ِر َي ْ�ض ِر ُبونَ ِب َها ال َّن َ‬ ‫اط َك َ�أ ْذ َن ِ‬ ‫ِ�س َي ٌ‬
‫وج ُد ِمنْ َم ِ�س َري ِة َك َذا‬ ‫ِيح َها َل ُي َ‬‫ِيح َها‪َ ،‬و ِ�إنَّ ر َ‬ ‫َك�أَ ْ�س ِن َم ِة ا ْل ُبخْ ِت المْ َا ِئ َل ِة َال َي ْد ُخ ْلنَ الجْ َ َّن َة َو َال َي ِج ْدنَ ر َ‬
‫(((‬
‫َو َك َذا‪.‬‬
‫ي�شف ع ّما وراءه‪ ،‬فيربز مفاتن ج�سدها‪ ،‬بد ًال‬ ‫املر�أة الكا�سية العارية هي التي تلب�س لبا�س ًا ّ‬
‫من �أن ي�سرتها‪.‬‬
‫وهذا ال�صنف من الن�ساء هن ّمائالت ومميالت‪ ،‬مائالت عن احلق وميلن غريهنّ عن اتباع‬
‫احلق‪� ،‬أما ر�ؤو�سهنّ فهي ك�أ�سنمة البخت‪ ،‬والبخت هي الإبل‪ ،‬وهذا ما نراه اليوم حني ت�ص ّفف‬
‫بع�ض الن�ساء �شعورهنّ بطريقة مرتفعة‪ ،‬تبدو فيها ك�سنام الناقة‪ ،‬ه�ؤالء الن�ساء ال يدخلن اجلنة‪،‬‬
‫وال يجدن ريحها‪� ،‬أجارنا اهلل تعاىل �أن نكون منهنّ ‪.‬‬
‫  ‬
‫يج�سد البدن و ُيظهر حجمه‪ ،‬فال يجوز‬ ‫ال�شرط الثاين‪� :‬أن يكون اللبا�س عري�ض ًا ف�ضفا�ض ًا‪ ،‬ال ِّ‬
‫�أن تلب�س املر�أة لبا�س ًا �ضيق ًا‪ ،‬ي�صف حجم وركها �أو خ�صرها �أو �صدرها‪.‬‬
‫فلب�س البنطال والتنورة ال�ض ّيقة والكنزة ال�ضيقة وما �شابه ذلك من املالب�س يربز املحا�سن‬
‫واملفاتن �أكرث مما يخفيها‪ ،‬وكل هذا لي�س لبا�س ًا �إ�سالمي ًا‪.‬‬
‫  ‬
‫ال�شرط الثالث‪� :‬أن ال يكون اللبا�س بحدِّ ذاته زين ًة يلفت الأنظار‪ ،‬كاللبا�س املزرك�ش واملل ّون‬
‫ألوان فاقع ٍة حمراء و�صفراء وما �إىل ذلك‪.‬‬ ‫ب� ٍ‬
‫قد يظن البع�ض �أنَّ من �شروط اللبا�س الإ�سالمي للمر�أة �أن يكون �أ�سود اللون‪ ،‬وهذا غري‬
‫�صحيح‪ ،‬ويجوز للمر�أة �أن تلب�س ما ت�شاء من الألوان‪� ،‬شريطة �أن تكون هذه الألوان رزين ًة‪ ،‬ال‬
‫مرتوك للأعراف االجتماعية‪ ،‬فما قد يكون زين ًة يف‬ ‫ٌ‬ ‫�صخب فيها وال هياج‪ ،‬وحتدي ُد هذا الأمر‬
‫ومكان �آخر‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫زمان �آخر‬ ‫ومكان‪ ،‬قد ال يكون كذلك يف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫زمان‬
‫ٍ‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه ـ كتاب اللبا�س والزينة ـ باب الن�ساء الكا�سيات العاريات املائالت‬ ‫((( ‬
‫املميالت‪.1680/3 :‬‬

‫‪186‬‬
‫داد لدى‬ ‫وهنا �أحب �أن �أقول‪ :‬من املتعارف عليه �أنَّ اللون الأحمر زينة‪ ،‬واللون الأ�سود لون ِح ٍ‬
‫مر�صع ًا‬
‫�أغلب ال�شعوب‪ ،‬ومع هذا فقد يكون اللون الأ�سود من �ألوان الزينة‪� ،‬إذا كان مزرك�ش ًا �أو ّ‬
‫رباقة‪.‬‬‫باالك�س�سوارات ال ّ‬
‫البع�ض يقول‪ :‬يجب على املر�أة �أن تلب�س الثياب ال�سوداء‪ ،‬لأنَّ ال�صحابيات كنّ يلب�سن ال�سواد!‬
‫واحلقيقة �أنَّ معظم ال�صحابيات كنّ يلب�سن الثياب ال�سوداء‪.‬‬
‫تروي ال�سيدة عائ�شة ر�ضي اهلل عنها �أنه ملا نزل قوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬ي ْد ِن َني َع َل ْيهِ نَّ ِمن َجال ِبي ِبهِ نَّ ﴾‬
‫خرجت ن�ساء الأن�صار ك�أنَّ على ر�ؤو�سهنَّ الغربانَ من الأك�سية(((‪� ،‬أي �إنهنَّ لب�سن الثياب ال�سوداء‪.‬‬
‫وجوب اللون الأ�سود‪ ،‬وال يفيد حرمة لب�س غريه من‬ ‫ولكنَّ فعل هاتيك ال�صحابيات ال يعني َ‬
‫الألوان‪ ،‬فقد ورد �أنَّ بع�ض ال�صحابيات كنّ يلب�سن الثياب املُ َع�ص َف َرة (�أي امل�صبوغة بالع�صفر‬
‫الأ�صفر املائل �إىل احلمرة)‪ ،‬ومل يكن النبي ‪ ‬ينكر عليهنّ ذلك‪.‬‬
‫ويروي التابعي �سعيد بن جبري �أنه ر�أى بع�ض �أزواج النبي تطوف بالبيت وعليها ثياب‬
‫ُمع�صفرة(((‪ ،‬ويروي القا�سم بن حممد بن �أبي بكر ال�صديق �أنَّ عائ�شة ر�ضي اهلل عنها كانت‬
‫تلب�س الثياب املُع�صفر َة‪ ،‬وهي محُ ِر َم ٌة(((‪.‬‬
‫  ‬
‫النبي ‪ ‬قال يف احلديث‬ ‫اخت�ص بلب�سه الرجال‪ ،‬لأنَّ َّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�شرط الرابع‪� :‬أن ال يكون لبا�س ًا‬
‫ال�صحيح‪ :‬لعن ر�سول اهلل املت�ش ّبهني من الرجال بالن�ساء‪ ،‬واملت�ش ّبهات من الن�ساء بالرجال(((‪.‬‬
‫ويهدف هذا ال�شرط �إىل احلفاظ على �أنوثة املر�أة وكيانها اللطيف‪ ،‬لأنَّ املر�أة امل�سرتجلة‬
‫تفقد الأنوثة والرجولة مع ًا‪ ،‬وتبقى ال من ه�ؤالء وال من ه�ؤالء!‬
‫  ‬

‫حديث �إ�سناده ح�سن‪� .‬أخرجه �أبو داود يف �سننه ـ كتاب اللبا�س ـ باب قوله تعاىل‪ ) :‬وليدنني عليهن من جالبيبهن(‪،‬‬ ‫((( ‬
‫يف �إ�سناده ابن خيثم ‪� :‬صدوق‪.‬‬
‫�أثر رجال �إ�سناده ثقات‪� .‬أخرجه ابن �أبي �شيبة يف امل�صنف‪.160/5 :‬‬ ‫((( ‬
‫�أثر �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه معلق ًا ـ كتاب احلج ـ باب ما يلب�س املحرم من الثياب والأردية‬ ‫(( (‬
‫والأزر‪ ،560/2:‬وو�صله ابن حجر يف تغليق التعليق‪.50/3 :‬‬
‫وقد �أورد الألباين كثري ًا من الأدلة على جواز لب�س املر�أة لغري الأ�سود من الألوان يف كتابه جلباب املر�أة امل�سلمة‪.‬‬
‫�سبق تخريجه يف �ص‪.89‬‬ ‫((( ‬

‫‪187‬‬
‫اخت�صت بلب�سه الكافرات‪ ،‬لأنَّ تقليد امل�سلمة‬ ‫َّ‬ ‫ال�شرط اخلام�س‪� :‬أن ال يكون لبا�س ًا مم ّيز ًا‬
‫لغري امل�سلمات يف العادات ويف اللبا�س على �سبيل الإعجاب والتبعية‪ُ ،‬يخ�شى منه �أن يج ّرها �إىل‬
‫تقليدهنَّ يف عقائدهنَّ املح ّرفة وم�سلكياتهنَّ املتحللة املتف ّلتة‪ ،‬لذلك كان النبي ‪ ‬يقول‪ :‬من‬
‫ت�ش ّبه بقوم فهو منهم(((‪.‬‬
‫وكثري ًا ما كان النبي ‪ ‬يحثّ �صحابته على خمالفة غري امل�سلمني‪ ،‬ولهذا �أمرهم بخ�ضب‬
‫وق�ص ال�شارب فقال‪� :‬إنَّ اليهود والن�صارى ال ي�صبغون فخالفوهم(((‪ ،‬وقال‬ ‫ال�شعر و�إعفاء ال ّلحى ّ‬
‫�أي�ض ًا‪ :‬جزّوا ال�شوارب و�أرخوا ال ّلحى وخالفوا املجو�س(((‪.‬‬
‫  ‬
‫هذه هي ال�ضوابط الأ�سا�سية للبا�س الإ�سالمي‪� ،‬أما ما عدا ذلك فيرتك حتديده للعادات‬
‫والأعراف و�أذواق النا�س‪ ،‬ومن يفر�ض على املر�أة غ َري ذلك يكون كمن يح ِّرم عليها ما �أح ّل اهلل‬
‫ات َما �أَ َح َّل‬
‫تعاىل لها‪ ،‬وهذا ال يجوز‪ ،‬لأنَّ اهلل تعاىل قال‪َ ﴿ :‬يا �أَ ُّي َها ا َل ِذينَ � َآم ُنوا ال تحُ َ ِّر ُموا َط ِّي َب ِ‬
‫(((‬
‫اللهَّ ُ َل ُك ْم﴾‬
‫هناك بلدا ٌن �إ�سالمية كماليزيا و�أندوني�سيا (والهند التي حتوي �أكرث من ‪ 100‬مليون م�سلم‬
‫وم�سلمة) لها عاداتها وتقاليدها يف ال ّلبا�س‪ ،‬والميكن لنا �أن نح ّرم عليهم هذا اللبا�س‪� ،‬إذا كان ال‬
‫فر�ض على ه�ؤالء الن�ساء �ألوا ٌن و�أ�شكا ٌل‬ ‫يتناق�ض مع �ضوابط اللبا�س الإ�سالمي‪ ،‬كما ال ميكن �أن ُت َ‬
‫معينة با�سم ال�شرع والدين!‬
‫  ‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.94‬‬ ‫(( (‬


‫�سبق تخريجه يف �ص‪.41‬‬ ‫((( ‬
‫�سبق تخريجه يف �ص ‪.88‬‬ ‫(( (‬
‫�سورة املائدة‪� :‬آية ‪.87‬‬ ‫((( ‬

‫‪188‬‬
‫احلكم ال�شرعي للبنطال الن�سائي‪:‬‬
‫ودب‬
‫هب ّ‬ ‫يتف�شى بني الإناث اليوم يف كث ٍري من املجتمعات لب�س البنطال‪ ،‬ومتتلئ الأ�سواق مبا َّ‬ ‫ّ‬
‫من املوديالت احلديثة للبناطيل الن�سائية‪ ،‬فما هو حكم لب�س املر�أة للبنطال؟ هل يحرم لب�سه يف‬
‫البيت وال�شارع و�أمام الن�ساء والرجال املحارم والأجانب‪ ،‬كما يقول بع�ض النا�س؟ �أم �إنَّ ارتداءه‬
‫حاالت و َيح ُرم يف حاالت؟!‬
‫يجوز يف ٍ‬
‫  ‬
‫�أحب �أن �أ�ؤكد يف البداية على �أنَّ هذا املو�ضوع من املوا�ضيع امل�ستج ّدة التي اجتهد الفقهاء‬
‫املعا�صرون ال�ستنباط حكمه ال�شرعي‪ ،‬وتع َّددت فتاواهم فيه وفق ًا ملا يلي‪:‬‬
‫‪-テ‬أر�أى بع�ض العلماء (ومنهم ال�شيخ ابن جربين وال�شيخ ابن باز) �أنَّ لب�س البنطال حرا ٌم‬
‫لأنه ت�ش ّب ٌه بالكافرات‪ ،‬وهو �أمر نهى عنه النبي ‪ ‬حيث قال‪( :‬من ت�ش ّبه بقوم فهو منهم)(((‪.‬‬
‫بع�ض �آخر من العلماء (ومنهم ال�شيخ يو�سف القر�ضاوي وال�شيخ ابن عثيمني) � ًَّأن‬ ‫‪-ネ‬بر�أى ٌ‬
‫لب�س البنطال حرا ٌم لأنه ت�ش ّب ٌه بالرجال‪ ،‬وهو �أم ٌر نهى عنه النبي ‪ ‬يف احلديث ال�صحيح‪ :‬لعن‬
‫ر�سول اهلل املت�شبهني من الرجال بالن�ساء‪ ،‬واملت�شبهات من الن�ساء بالرجال(((‪.‬‬
‫وبنا ًء على هذين الر�أيني يحرم على املر�أة لب�س البنطال يف جميع احلاالت‪� ،‬سواء لب�سته يف‬
‫البيت �أم يف ال�شارع‪� ،‬أمام الن�ساء �أو �أمام الرجال‪ ،‬املحارم وغري املحارم‪� ،‬ض ِّيق ًا كان البنطال‬
‫�أم عري�ض ًا‪.‬‬
‫وا�ستثنى ال�شيخ ابن جربين من هذا التحرمي املر�أة التي تلب�س البنطال لزوجها يف غرفة‬
‫قمي�ص �أو كنز ٍة‪ ،‬ك�أن‬
‫منفردة‪ ،‬كما ا�ستثنى الدكتور القر�ضاوي املر�أة التي ال تلب�س البنطال مع ٍ‬
‫تلب�سه حتت ف�ستان مالئم‪ ،‬لأنه ي�صبح يف هذه احلالة خمالف ًا للب�س الرجال‪.‬‬
‫ج‪ -‬ذهب املفتون يف فتاوى ال�شبكة الإ�سالمية �إىل التف�صيل يف حكم لب�س البنطال‪ ،‬ففي‬
‫ر�أيهم‪ ،‬لي�س يف لب�سه ت�ش ّب ٌه بالرجال وال بلبا�س الكافرات‪ ،‬ويجوز للمر�أة �أن تلب�سه �أمام الن�ساء‬
‫والزوج والرجال املحارم(((‪ ،‬وا�شرتطوا يف حالة لب�سه �أمام الن�ساء والرجال املحارم �أن يكون‬
‫يحجم البدن حتجيم ًا وا�ضح ًا فا�ضح ًا‪.‬‬
‫عري�ض ًا ف�ضفا�ض ًا‪ ،‬ال ّ‬
‫�سبق تخريجه يف �ص‪.94‬‬ ‫(( (‬
‫�سبق تخريجه يف �ص‪.89‬‬ ‫(( (‬
‫انظر تعريف املحارم �ص ؟؟؟؟؟؟‬ ‫(( (‬

‫‪189‬‬
‫ٌ‬
‫خمالف‬ ‫�أما لب�سه �أمام الرجال الأجانب فال يجوز‪ ،‬لأن فيه حتجيم ًا ل�شكل اجل�سم‪ ،‬وهو �أمر‬
‫ل�شروط اللبا�س الإ�سالمي‪ ،‬الذي يجب �أن يكون وا�سع ًا ف�ضفا�ض ًا‪ ،‬كما �سبق �أن ذكرنا‪.‬‬
‫  ‬
‫حكم لب�س البنطال حتت العباءة �أو القمي�ص الف�ضفا�ض الطويل‪:‬‬
‫تت�ساءل بع�ض الن�ساء عن حكم لب�س البنطال حتت العباءة �أو املانطو الطويل ال�سابغ �إىل‬
‫القدمني؟‬
‫حمجم ًا للعورة‪،‬‬‫�أجاز املفتون يف ال�شبكة الإ�سالمية ذلك‪ ،‬لأن البنطال يف هذه احلالة مل يعد ّ‬
‫ب�سبب لب�س الثياب ال�ساترة فوقه‪.‬‬
‫ولكن‪ ..‬ماذا لو لب�ست املر�أة اليوم بنطا ًال‪ ،‬ولب�ست فوقه قمي�ص ًا ف�صفا�ض ًا طوي ًال �إىل‬
‫منت�صف الفخذين �أو �إىل الركبتني‪ ،‬فهل يجوز اخلروج بهذه ال�صفة �أمام الرجال؟‬
‫خروج املر�أة من بيتها بهذا اللبا�س‪ ،‬لكني‬
‫�أجاز املفتون يف ال�شبكة الإ�سالمية َ‬
‫�أقول‪ :‬الأف�ضل للمر�أة �أن تتقي اخلروج بالبنطال على هذه ال�صفة �إذا كان �ضيق ًا‪ ،‬لأنَّ فيه‬
‫�شبهة احلرام‪.‬‬
‫تت�ساءلون‪ :‬من �أين ت�أتي �شبهة احلرام؟‬
‫عندما جتل�س املر�أة �سينفتح �أ�سفل القمي�ص الف�ضفا�ض من منت�صفه‪ ،‬مما ي�ؤدي �إىل ظهور‬
‫البنطال‪ ،‬وهذا الظهور ي�ضع املر�أة مو�ضع ًا لي�س فيه َّ‬
‫ال�سرت الذي ينبغي على املر�أة الورعة التق َّية‬
‫�أن تتح ّراه‪ ،‬والنبي ‪ ‬يقول‪ :‬اتقوا ال�شبهات‪ ،‬فمن اتقى ال�شبهات فقد ا�سترب�أ لدينه وعر�ضه(((‪.‬‬
‫  ‬
‫لب�س البنطال ال�ض ّيق �أمام الرجال املحارم والن�ساء‪:‬‬
‫ا�شرتط املفتون يف ال�شبكة الإ�سالمية �أن يكون البنطال الذي تلب�سه املر�أة �أمام حمارمها �أو‬
‫�أمام الن�ساء عري�ض ًا ف�ضفا�ض ًا‪.‬‬
‫ولكن‪ ..‬ماذا لو لب�ست البنطال ال�ضيق �أمام ه�ؤالء‪ ،‬فهل ارتكبت بهذا �أمر ًا حمرم ًا‪ ،‬ت�أثم على‬
‫فعله؟‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.28‬‬ ‫((( ‬

‫‪190‬‬
‫�أقول‪ :‬ا�شرتط الفقهاء على املر�أة �أن تلب�س لبا�س ًا ف�ضفا�ض ًا عري�ض ًا‪� ،‬إذا �أرادت الظهور �أمام‬
‫الرجال الأجانب‪ ،‬ومل ي�شرتطوا عليها ذلك �إذا �أرادت الظهور �أمام الرجال املحارم �أو الن�ساء‪،‬‬
‫و�إن كنت �أرى �أنه ال يليق بامل�سلمة �أن تلب�س �أمام الآخرين لبا�س ًا ي�صف حجم �صدرها �أو بطنها‬
‫�أو غري ذلك من الأماكن اخلا�صة يف ج�سدها‪� ،‬سواء كانوا ن�سا ًء �أو رجا ًال من �أهلها وحمارمها!‬
‫و�أكرر هنا‪ :‬هذا من باب الأل َيق بامل�سلمة‪ ،‬ف�إذا �أح َّبت �أن تلب�س �أمامهم �شيئ ًا من املالب�س التي‬
‫فيها �شي ٌء من املو�ضة‪ ،‬التي ت�صف حجم ال�صدر والورك وما �إىل ذلك‪ ،‬فال �إثم عليها �إن �شاء‬
‫اهلل تعاىل‪.‬‬
‫  ‬
‫لب�س البنطال وق�ضية الت�ش ّبه بالرجال �أو بالكافرات‪:‬‬
‫بقي علينا قبل �أن ننهي البحث �أن نع ّقب على مو�ضوع الت�ش ّبه بالرجال �أو بالكافرات‪.‬‬
‫يف احلقيقة �إنَّ ارتداء البنطال ال ُيعترب بحدِّ ذاته ت�ش ّبه ًا بالرجال �أو الكافرات‪� ،‬إال �إذا نوت‬
‫املر�أة الت�ش ّبه بهم عند لب�س البنطال‪ ،‬وتع َّمدت ذلك‪.‬‬
‫و�إذا عدنا �إىل الوراء وجدنا �أنَّ الرجال مل يكونوا يعرفون البنطال يف عهد النبي ‪ ،‬بل كانوا‬
‫يلب�سون الرداء والإزار‪� ،‬أو ثوب ًا طوي ًال ي�س ّمى يف بع�ض البلدان بال ّكالبية‪ ،‬وقد يلب�س حتته �سروا ًال‬
‫عري�ض ًا‪ ..‬ولكنَّ النا�س تعارفوا على لب�س البنطال فيما بعد‪ ،‬والعرف ال ُير ّد �إال �إذا خالف ال�شرع‪،‬‬
‫�إذ الأ�صل يف الأ�شياء الإباحة‪.‬‬
‫و ّمت التعارف بني النا�س على �أن يلب�س الرجال البنطال‪ ،‬ثم تعارفوا بعد ذلك على �أن تلب�سه‬
‫املر�أة‪ ،‬وبذلك نقول‪� :‬إنّ ارتداء الرجال للبناطيل‪ ،‬ال يعني �أن لب�س املر�أة له �سيكون ت�ش ّبه ًا‬
‫بالرجال‪ ،‬فهناك �أ�شياء كثري ٌة م�شرتك ٌة بني الرجل واملر�أة‪ ،‬كالثياب الداخلية واجلوارب والأثواب‬
‫الطويلة (الكلاّ بية) والقم�صان الق�صرية والكنزات وما �إىل ذلك!‬
‫وارتداء الثياب امل�شرتكة بني اجلن�سني ال يع ّد ت�ش ّبه ًا من �أحدهما بالآخر‪� ،‬إال �إذا تعارف‬
‫النا�س على �أنَّ هذه الثياب خا�ص ٌة بالرجال �أو بالن�ساء‪.‬‬
‫�أما حترمي ارتداء البنطال على الن�ساء امل�سلمات لأن فيه ت�شبه ًا بالكافرات‪ ،‬ف�إنَّ هذا ينبغي‬
‫�أن ي�ؤدي �إىل حترمي ارتدائه على الرجال امل�سلمني �أي�ض ًا‪ ،‬لأنَّ فيه ت�شبه ًا بالكافرين‪ ،‬فالبنطال‬
‫زي �أتى من بالد الغرب‪ ،‬ولي�س زي ًا �إ�سالمي ًا �أ�صي ًال!‬ ‫ٌّ‬
‫طبع ًا �أنا ال �أقول بتحرميه على الرجال‪ ،‬وال على الن�ساء‪ ،‬ولكنني �أعقب على هذا وفق ًا‬
‫للتفا�صيل التي �سبق �أن �أوردتها يف ال�صفحات ال�سابقة‪.‬‬
‫‪191‬‬
‫�أقوال العلماء يف الت�ش ّبه املح ّرم‪:‬‬
‫وطاملا �أننا نتحدث عن الت�شبه بغري امل�سلمني‪ ،‬فال ب�أ�س من ا�ستعرا�ض �آراء بع�ض العلماء‬
‫بهذا اخل�صو�ص‪.‬‬
‫يقول العز بن عبد ال�سالم يف (الفتاوى املو�صلية)‪:‬‬
‫يخت�ص النهي فيما يفعلونه على خالف مقت�ضى �شرعنا‪� ،‬أما ما يفعلونه على وفق الندب �أو‬ ‫ّ‬
‫الإيجاب �أو الإباحة يف �شرعنا‪ ،‬فال ُيرتك لأجل تعاطيهم �إياه‪ ،‬ف�إن ال�شرع ال ينهى عن الت�شبه‬
‫مبن يفعل ما �أذن اهلل تعاىل فيه‪.‬‬
‫وورد �إىل فتاوى اللجنة الدائمة يف ال�سعودية �س�ؤا ٌل عن ارتداء الرجال للبنطال والبدلة‪ :‬هل‬
‫فيه ت�ش ّبه بالكفار؟‬
‫ف�أجابت اللجنة‪:‬‬
‫اخت�صوا به من العادات‪ ،‬وما ابتدعوه‬ ‫املنهي عنها م�شابهتهم فيما ّ‬ ‫ّ‬ ‫املراد مب�شابهة الكفار‬
‫يف الدين من عقائد وعبادات؛ كم�شابهتهم يف حلق اللحية و�شدِّ الز َّنار‪ ،‬وما اتخذوه من املوا�سم‬
‫والأعياد‪� ،‬أما لب�س البنطلون والبدلة و�أمثالهما من اللبا�س فالأ�صل يف �أنواع اللبا�س الإباحة؛‬
‫ات ِمنَ‬ ‫لأنه من �أمور العادات‪ ،‬فقد قال تعاىل‪ُ ﴿ :‬ق ْل َمنْ َح َّر َم ِزي َن َة اللهَِّ ا َّل ِتي �أَخْ َر َج ِل ِع َبا ِد ِه َو َّ‬
‫الط ِّي َب ِ‬
‫ال ِّر ْز ِق﴾(((‪.‬‬
‫كما ورد يف فتاوى ال�شبكة الإ�سالمية حتدي ٌد للت�ش ّبه املنهي عنه مبا يلي‪:‬‬
‫الت�ش ّبه بالكفار املنهي عنه هو الت�شبه بهم فيما اخت�صوا به من �شعائر دينهم وعاداتهم‬
‫كلب�س ال�صليب واالحتفال بليلة عيد امليالد‪� .‬أما الأمور امل�شرتكة بني امل�سلمني والكفار‪ ،‬من‬
‫كالأكل واللب�س‪ ،‬ومنه لب�س البنطلون (للرجال)‪ ،‬فهذا خارج نطاق الت�شبه‪� ،‬إال �إذا ُل ِب�س على‬
‫حينئذ ت�شبه ًا بهم‪.‬‬ ‫هيئ ٍة يخت�ص بها الكفار‪ ،‬ويتميزون بها‪ ،‬كطاقية اليهود‪ ،‬فيكون ٍ‬
‫ويقول الدكتور القر�ضاوي يف هذا‪ :‬املمنوع من الت�شبه بالكفار هو ما كان من خ�صائ�صهم‬
‫خمالف‪ ،‬كلب�س ال�صليب‪ ،‬ويدخل يف ذلك االحتفال‬ ‫ٍ‬ ‫دين‬
‫املم ّيزة لهم باعتبارهم �أ�صحاب ٍ‬
‫ف�صله �شيخ الإ�سالم ابن تيمية يف كتابه الق ِّيم(اقت�ضاء‬ ‫ب�أعيادهم الدينية ونحو ذلك مما ّ‬
‫ال�صراط امل�ستقيم يف خمالفة �أهل اجلحيم)‪ ،‬وما عدا هذه الأمور البارزة فاملدار فيه على النية‬
‫والق�صد‪ ،‬فمن ق�صد الت�شبه بهم باعتبارهم خمالفني لدينه‪ ،‬فهو م�ؤاخ ٌذ بنيته وق�صده‪ ،‬ومن مل‬
‫يخطر بباله الت�شبه‪ ،‬فال حرج عليه‪ ،‬ولكل امرئٍ ما نوى‪.‬‬
‫الأعراف‪32 :‬‬ ‫(( (‬

‫‪192‬‬
‫�أقول‪ :‬بناء على هذا ال يمُ نع امل�سلم من فعل �أمو ٍر مباح ٍة يف ال�شرع الإ�سالمي ملجرد �أنَّ‬
‫خوف الت�شبه بهم‪ ،‬لأنَّ هذا �سي�ؤدي �إىل �إغالق كث ٍري من �أبواب‬ ‫غ َري امل�سلمني يفعلونها بدعوى ِ‬
‫املباحات‪ ،‬وتقييد ما �أح َّله اهلل تعاىل‪.‬‬
‫يق�صد اتباع الغرب يف عاداتهم ولبا�سهم و�أطعمتهم على �سبيل‬ ‫َ‬ ‫والذي يمُ نع منه امل�سلم �أن‬
‫خطر على ه ّوية امل�سلم وانتمائه‪� ،‬إذ �إنَّ َمن ت�ش ّبه‬
‫التبعية والإعجاب مبا يفعلونه‪ ،‬ملا يف هذا من ٍ‬
‫بقوم فهو منهم‪ ،‬ولأنَّ ق�صد الت�شبه بهم وحماولة تقليدهم يف هذه الأمور‪ ،‬قد ي�ؤدي �إىل الت�شبه بهم‬ ‫ٍ‬
‫وتقليدهم يف عقائدهم املنحرفة وم�سلكياتهم اخلاطئة‪ ،‬وال يخفى ما يف هذا من خطورة على دين‬
‫امل�سلم و�سلوكه‪ ،‬وهو �أم ٌر ح ّذر منه النبي ‪ ‬بقوله‪ :‬لتتبعنّ َ�سنن من قبلكم �شرب ًا ب�ش ٍرب وذراع ًا ٍ‬
‫بذراع‪،‬‬
‫(((‬
‫�ضب تبعتموهم‪ .‬قيل‪ :‬يا ر�سول اهلل‪ ،‬اليهود والن�صارى؟ قال‪ :‬فمن!‬ ‫حتى لو دخلوا جحر ٍّ‬
‫وبذلك ف�إنَّ لب�س البنطال ال يندرج حتت الت�ش ّبه بالكفار‪� ،‬إال �إذا ترافق بنية الت�ش ّبه بهم‪،‬‬
‫والأ�صل يف الأ�شياء الإباحة!‬
‫ويف خامتة املطاف �أقول‪:‬‬
‫مو�ضوع لب�س املر�أة للبنطال من املوا�ضيع االجتهادية‪ ،‬التي يجوز فيها للم�سلمة �أن تق ّلد ما‬
‫ترغب من هذه الآراء املختلفة التي تع ّر�ضنا لها‪ ،‬مع الأخذ بعني االعتبار �أن الأف�ضل يف هذا‬
‫الأخذ بالأحوط واتقاء ال�شبهات‪.‬‬
‫  ‬
‫خدمة الزوجة �ضيوف زوجها‪:‬‬
‫كثري ًا ما �أُ�س�أل من بع�ض الن�ساء‪� :‬أ�ضط ّر �أحيان ًا �إىل �أن �أخدم زوجي و�ضيوفه‪ ،‬فلي�س عندي‬
‫خادم ٌة �أو �أوال ٌد ذكو ٌر لي�ساعدوين يف ذلك‪ ،‬و�أ�ضط ّر للظهور �أمام ال�ضيوف لأق ّدم الطعام والفاكهة‬
‫واحللوى وال�شاي والقهوة وما �إىل ذلك‪ ،‬فما احلكم ال�شرعي يف هذا؟‬
‫مبيح وحم ِّرم‪.‬‬
‫تثري هذه امل�س�ألة اجلدل بني العلماء‪ ،‬وتتفاوت الآراء ما بني ٍ‬
‫املح ِّرمون يرون يف هذا الظهور اختالط ًا ال يجوز‪ ،‬بينما يجيزه بع�ض العلماء‪ ،‬وال يرون فيه‬
‫مانع ًا �شرعي ًا‪� ،‬إذا التزمت املر�أة باللبا�س الإ�سالمي و�ضوابط احل�شمة يف امل�شي والكالم‪.‬‬

‫�سبق تخريجه يف �ص‪.94‬‬ ‫((( ‬

‫‪193‬‬
‫�صحيح‪ ،‬ورد فيه �أنه ملا �أعر�س �أبو �أُ َ�س ٍيد ال�ساعدي دعا‬ ‫ٍ‬ ‫�شريف‬
‫ٍ‬ ‫بحديث‬
‫ٍ‬ ‫وي�ستدل املبيحون‬
‫النبي ‪ ‬و�أ�صحا َبه‪ ،‬فما �صنع لهم طعام ًا وال ق ّدمه لهم �إال امر�أ ُته �أ ُّم ُ�أ َ�سيد(((‪.‬‬‫َّ‬
‫زوجها و�ضيوفه‪،‬‬ ‫وقد ع َّقب ابن حجر الع�سقالين على هذا احلديث بقوله‪ :‬جتوز خدمة املر�أة َ‬
‫وال يخفى �أنَّ ذلك عند �أمن الفتنة‪ ،‬ومراعاة ما يجب عليها من ال�سرت‪.‬‬
‫م�شكلة بع�ض امل�سلمني �أنهم يط ّوعون الأدلة ال�شرعية‪ ،‬ويلوون �أعناق الن�صو�ص لتتوافق مع‬
‫رغباتهم‪ ،‬وتل ّبي �شهواتهم‪ ،‬فرنى اليوم من الأزواج من ي�ستدل بهذا احلديث ليطالب زوجته ب�أن‬
‫ربج ًة متز ّين ًة متازحهم وميازحونها‪ ،‬وهو �أم ٌر ال خالف على حرمته‪.‬‬ ‫تظهر �أمام �أ�صدقائه مت ّ‬
‫عرو�س‪ ،‬ولكنها كانت تلب�س اللبا�س الإ�سالمي‬ ‫ٌ‬ ‫ف�أ ُّم �أُ َ�س ٍيد ق ّدمت الطعام لأ�صدقاء زوجها وهي‬
‫املحت�شم‪ ،‬ومل تكن متز ّين ًة كما تتزين العرو�س اليوم بامل�ساحيق واملاكياجات واملالب�س املل ّونة‬
‫واملزرك�شة وال�ضيقة والفاتنة!‬
‫ال يجوز �أن تظهر املر�أة بهذا ال�شكل �أمام الرجال الأجانب بحجة �أنها عرو�س!‬
‫مل تفعل �أ ُّم �أُ َ�سيد ما تفعله بع�ض الن�ساء اليوم‪ :‬ت�ضحك مع الرجال وت�سامرهم‪ ..‬تلب�س الكنزة‬
‫ال�ضيقة والتنورة ال�ضيقة‪ ..‬وتوهم نف�سها �أنها ملتزم ٌة ب�شرع اهلل لأنها ت�ضع على ر�أ�سها اخلمار!‬
‫نعم‪ ..‬يجوز للزوجة �أن تخدم زوجها و�ضيوفه‪ ،‬ولكن ب�شرط االن�ضباط الكامل باللبا�س‬
‫متطيط لل�صوت‬ ‫ٍ‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬ومبا �أح ّله اهلل تعاىل من الكالم امللتزم املحت�شم‪ ،‬بدون ميوع ٍة وال‬
‫انخراط يف الأحاديث التي ال لزوم لها!‬
‫ٍ‬ ‫وال‬
‫  ‬
‫�صوت املر�أة �أمام الرجال الأجانب‪:‬‬
‫بحرف �أمام الرجال بحجة �أنَّ �صوتها عورة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بع�ض املت�شددين يح ّرمون على املر�أة �أن تتف ّوه‬
‫فال يجوز للمر�أة عندهم �أن تخاطب الرجال‪ ،‬وال �أن ت�س�ألهم وال �أن جتيبهم‪ ،‬وال يجوز �أن جتيب‬
‫على الهاتف �إذا كان املتكلم رج ًال �أجنبي ًا‪ ،‬فهل هذا من �شرع اهلل؟!‬
‫اتفق الفقهاء على �أنَّ �صوت املر�أة باحلديث العادي لي�س عور ًة‪ ،‬ب�شرط �أن ال يكون فيه‬
‫متطيط وال تلينيٌ‪� ،‬أو خ�ضو ٌع بالقول ح�سب تعبري القر�آن الكرمي‪ ،‬فقد قال تعاىل‪َ ﴿ :‬يا ِن َ�سا َء ال َّن ِب ِّي‬ ‫ٌ‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب النكاح ـ باب قيام املر�أة على الرجال يف العر�س وخدمتهم‪:‬‬ ‫((( ‬
‫‪1989/5‬واللفظ له‪ ،‬وم�سلم يف �صحيحه ـ كتاب الأ�شربة ـ باب منه‪.1590/4 :‬‬

‫‪194‬‬
‫َل ْ�ستنُ َّ َك�أَ َح ٍد ِّمنَ ال ِّن َ�سا ِء � ِإن ا َّت َق ْيتنُ َّ َفال تَخْ َ�ض ْعنَ ِبا ْل َق ْو ِل َف َي ْط َم َع ا َل ِذي فيِ َق ْل ِب ِه َم َر ٌ�ض و ُق ْلنَ َق ْو ًال‬
‫َّم ْعروف ًا﴾(((‪ .‬واخل�ضوع بالقول هو ترقيق الكالم وترخيمه وتليينه‪.‬‬
‫فطاملا �أنَّ الإ�سالم �أباح لن�ساء النبي ‪� ‬أن يخاطنب الرجال ب�شرط عدم اخل�ضوع بالقول‪،‬‬
‫ف�إباحته لباقي الن�ساء امل�سلمات من باب الأوىل‪� ،‬إذ ال يخفى �أنَّ ن�ساء النبي ‪ ‬غ ّلظت يف حقهنّ‬
‫بع�ض الأحكام �أكرث من غريهنّ ‪.‬‬
‫وهناك الكثري من الأدلة ال�صحيحة يف ال�سنة النبوية ت ّبني كيف كانت ال�صحابيات ر�ضوان‬
‫اهلل عنهنّ تتحدثن مع النبي ‪� ‬أمام الرجال‪ ،‬ومل يكن النبي ينهاهنّ عن هذا �أو يقول لهنّ ‪� :‬إن‬
‫�أ�صواتكن عورة!!‬
‫  ‬
‫�صوت املر�أة بالغناء‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على �أنَّ �سماع الرجال ل�صوت املر�أة بالكالم العادي جائزٌ‪� ،‬إذا كان خالي ًا من‬
‫والتك�سر واخل�ضوع بالقول‪ ،‬ولكنهم اختلفوا يف حكم غناء املر�أة‪ :‬هل يجوز لها �أن تغ ّني‬ ‫ّ‬ ‫التم ّيع‬
‫�أمام الرجال الأجانب؟‬
‫وهل يجوز للرجل �أن ي�سمع �صوت املر�أة بالغناء؟‬
‫  ‬
‫متطيط ال�صوت ومتييعه‪ ،‬وال يخفى ما‬ ‫ُ‬ ‫ذهب جمهور الفقهاء �إىل حرمة ذلك لأنَّ الغناء فيه‬
‫يف هذا من فتن ٍة للرجال‪.‬‬
‫وحرمة �صوت املر�أة بالغناء �أمام الرجال الأجانب ي�شمل الغناء امللتزم‪ ،‬الذي ي�شتمل على‬
‫معاين اخلري واجلمال‪ ،‬والغناء املاجن املبتذل‪.‬‬
‫وبناء على هذا يحرم على املر�أة �أن تغ ّني �أمام الرجال الأجانب‪ ،‬كما يحرم على الرجال �أن‬
‫ي�ستمعوا ل�صوت املر�أة وهي تغ ّني‪.‬‬
‫لكنَّ بع�ض العلماء املعا�صرين (كالدكتور القر�ضاوي يف كتابه‪ :‬فقه الغناء واملو�سيقا يف �ضوء‬
‫القر�آن وال�سنة)‪ ،‬ذهبوا �إىل جواز غناء املر�أة و�سماع الرجال الأجانب لغنائها بال�شروط التالية‪:‬‬

‫�سورة الأحزاب‪� :‬آية ‪32‬‬ ‫((( ‬

‫‪195‬‬
‫‪� -1‬سالمة م�ضمون الأغنية من املخالفة ال�شرعية‪ ،‬ب�أن يكون مو�ضوعها متفق ًا مع تعاليم الإ�سالم‪.‬‬
‫التك�سر والإغراء‪ ،‬ب�أن يكون خالي ًا من تع ّمد الإثارة و�إيقاظ الغرائز‬
‫‪� -2‬سالمة طريقة الغناء من ّ‬
‫و�إغراء القلوب املري�ضة‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم اقرتان الغناء مبح ّر ٍم ك�شرب اخلمر‪ ،‬و�أن ال يكون مرتافق ًا مع �أنغام املو�سيقى املثرية‬
‫للغرائز املح ّرمة (كمو�سيقى الروك والراب)‪.‬‬
‫‪ -1‬جت ّنب الإ�سراف يف ال�سماع‪.‬‬
‫وقد ا�ستدل املبيحون ل�سماع �صوت املر�أة بالغناء بحديثني �صحيحني‪ ،‬الأول هو حديث ال ّرب ّيع‬
‫علي �صبيحة عر�سي‪ ،‬فجعلت جويرياتٌ‬ ‫بنت مع ّوذ ر�ضي اهلل عنها حيث تقول‪ :‬دخل ر�سول اهلل ‪ّ ‬‬
‫نبي يعلم‬ ‫بدف لهن‪ ,‬ويندبن من ُقتل من �آبائي يوم بد ٍر �إىل �أن قالت �إحداهن‪ :‬وفينا ٌّ‬ ‫لنا ي�ضربن ٍّ‬
‫غد‪ .‬فقال ر�سول اهلل ‪ :‬دعي هذا وقويل ما كنت تقولني(((‪.‬‬ ‫ما يف ٍ‬
‫والثاين هو حديث عائ�شة ر�ضي اهلل عنها عن غناء جاريتني يف بيتها ب ُد ّفني معهما‪ ،‬ور�سول‬
‫رت بثوبه‪ ،‬فنهرهما �أبو بكر‪ ،‬فك�شف ر�سول اهلل ‪ ‬ثوبه وقال ‪ :‬دعهما يا �أبا بكر‬ ‫اهلل ‪ ‬م�ست ٌ‬
‫ف�إنها �أيام عيد(((‪.‬‬
‫�أما املح ّرمون ل�صوت املر�أة بالغناء �أمام الرجال فقد �أ ّولوا حديث الرب ّيع وعائ�شة ر�ضي اهلل‬
‫عنهما مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬اللواتي �أن�شدن يف احلديثني هنّ جويرياتٌ �أو جارياتٌ ‪ ،‬ولفظ اجلارية يف اللغة يطلق على‬
‫البنت ال�صغرية �أو على الأَ َمة (العبدة اململوكة)‪ ،‬وال يطلق على احل ّرة البالغة �أبد ًا‪ ،‬و�سماع ِ‬
‫�صوت‬
‫�صوت غناء ال َأمة فقد جرى االختالف‬ ‫غناء البنت ال�صغرية غ ُري حم ّرم باالتفاق‪� ،‬أما �سماع ِ‬
‫بخ�صو�صه بني الفقهاء‪.‬‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب املغازي ـ باب �شهود املالئكة بدر ًا‪.1469/4 :‬‬ ‫((( ‬
‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب العيدين ـ باب �إذا فاته العيد ي�صلي ركعتني‪ ،335/1 :‬وم�سلم‬ ‫((( ‬
‫يف �صحيحه ـ كتاب �صالة العيدين ـ باب الرخ�صة يف اللعب الذي ال مع�صية فيه يف �أيام العيد‪.608/2 :‬‬

‫‪196‬‬
‫وتك�س ٍر قد ي�س ّمى �إن�شاداً وغنا ًء عند العرب‪ ,‬وهذا الإن�شاد والغناء‬ ‫‪ -2‬قول ال�شعر بدون مت ّي ٍع ّ‬
‫متطيط جائ ٌز عند جميع الفقهاء‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بدون‬
‫وقد حاول بع�ض �أهل العلم التوفيق بني مذهب املبيحني واملح ِّرمني‪ ،‬فقالوا بتحرمي غناء‬
‫املر�أة املنفرد �أمام الرجال الأجانب‪ ،‬وحترمي تع ّمد الرجال ل�سماع �صوتها بهذا النوع من الغناء‪،‬‬
‫اجلماعي �ضمن جمموع ٍة من الن�ساء‪ ،‬فهو جائ ٌز ب�شرط �أن يكون الغناء‬ ‫ّ‬ ‫�أما �سماع �صوتها بالغناء‬
‫والتك�سر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ملتزم ًا خالي ًا من التم ّيع‬
‫  ‬
‫�صوت املر�أة بقراءة القر�آن الكرمي‪:‬‬
‫ي�ستحب ملن يقر�أ القر�آن الكرمي �أن يقر�أه جم ّود ًا ويتغ ّني بقراءته‪ ،‬لقول النبي ‪ :‬لي�س م ّنا‬
‫من مل يتغنّ بالقر�آن(((‪.‬‬
‫وهذا الأمر يجعلنا نت�ساءل عن حكم تغ ّني املر�أة بالقر�آن الكرمي �أمام الرجال الأجانب‪ :‬هل‬
‫رجح العلماء حرمته‪� ،‬أم �إنَّ التغ ّني بالقر�آن �أم ٌر‬
‫ينطبق عليه حكم �صوت املر�أة بالغناء‪ ،‬والذي ّ‬
‫خمتلف عن الغناء‪ ،‬خ�صو�ص ًا و�أننا بتنا نرى يف بع�ض القنوات الف�ضائية الدينية ن�سا ًء يرتدين‬ ‫ٌ‬
‫اللبا�س الإ�سالمي‪ ،‬ويتغ ّنني بتالوة القر�آن‪.‬‬
‫�أقول‪ :‬تناول الفقهاء القدامى ذلك فقالوا‪ُ :‬يكره للمر�أة رفع �صوتها بالقراءة يف ال�صالة‬
‫اجلهرية يف حال وجود الرجال الأجانب‪.‬‬
‫يو�ضح ه�ؤالء الفقهاء هل حكم الكراهة يتناول رفع املر�أة ل�صوتها بالقراءة مع التغ ّني‬ ‫ومل ّ‬
‫بالقر�آن الكرمي �أم بدون تغنٍّ ‪..‬‬
‫ولكنَّ كثري ًا من العلماء املعا�صرين م ّيزوا بني رفع املر�أة ل�صوتها بقراءة القر�آن الكرمي‬
‫جم ّود ًا دون تغنّ ‪ ،‬وهو عندهم �أم ٌر جائز‪ ،‬وبني رفعها ل�صوتها بقراءة القر�آن الكرمي مع التغ ّني‪،‬‬
‫وهو �أم ٌر حم َّر ٌم‪ ،‬لأنه ملح ٌق بحرمة غناء املر�أة �أمام الرجال‪.‬‬
‫وبنا ًء على هذا �أفتى املفتون يف ال�شبكة الإ�سالمية بجواز رفع ل�صوتها املر�أة بالقر�آن الكرمي‬
‫ولكن بدون تغنٍّ ‪ ،‬وخ�صو�ص ًا �إذا احتاجت �إىل ذلك يف التعلم �أو التعليم �أو لالمتحان يف م�سابقة‬
‫�أو ما �شابه ذلك‪.‬‬

‫حديث �صحيح‪� .‬أخرجه البخاري يف �صحيحه ـ كتاب التف�سري ـ باب قوله تعاىل‪ ):‬و�أ�سروا قولكم �أو اجهروا به(‪.2737/6 :‬‬ ‫(( (‬

‫‪197‬‬
‫بينما �أجاز بع�ض املعا�صرين للمر�أة رفع �صوتها بالقر�آن الكرمي مع التغ ّني‪ ،‬ولكنَّ كثري ًا من‬
‫�أهل العلم ينتقدون هذا‪ ،‬لأنَّ تليني ومتطيط بال�صوت هو �أمر يتنافى مع ح�شمة املر�أة امل�سلمة‬
‫و�ضرورة ابتعادها عن مواطن الفتنة‪.‬‬
‫ري من �أهل العلم الر�أي القائل بحرمة التغ ّني بالقر�آن الكرمي �أمام الرجال‬ ‫رجح كث ٌ‬
‫وقد َّ‬
‫الأجانب‪ ،‬والعمل بهذا الر�أي �أحوط و�أنفى لل�شبهة و�أبعد عن مواطن الريبة‪.‬‬
‫  ‬

‫�إخوتي الق ّراء بهذا القدر من املوا�ضيع التي تتعلق بزينة املر�أة ولبا�سها �أنهي اجلزء الأول من كتاب‬
‫فقه املر�أة‪ ،‬و�سوف �أتناول ب�إذن اهلل تعاىل يف اجلزء الثاين املوا�ضيع املتعلقة ب�أحكام الطهارة‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫فهر�س امل�صادر واملراجع‬

‫الفقه احلنفي‪:‬‬
‫حا�شية رد املحتار على الدر املختار البن عابدين‪.‬‬
‫بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع للكا�ساين‪.‬‬
‫تبني احلقائق �شرح كنز الدقائق للزيلعي‪.‬‬
‫املب�سوط لل�سرخ�سي‬
‫الفقه املالكي‪ :‬‬
‫ال�شرح الكبري للدردير‪.‬‬
‫بداية املجتهد ونهاية املقت�صد البن ر�شد‪.‬‬
‫ّ‬
‫باحلطاب‪.‬‬ ‫مواهب اجلليل يف �شرح خمت�صر ال�شيخ خليل ملحمد املغربي املعروف‬
‫حا�شية الد�سوقي على ال�شرح الكبري للد�سوقي‪.‬‬
‫حا�شية ال�صاوي على ال�شرح ال�صغري‪.‬‬
‫الفقه ال�شافعي‪:‬‬
‫مغني املحتاج �إىل معرفة �ألفاظ املنهاج لل�شربيني‪.‬‬
‫نهاية املحتاج �إىل �شرح املنهاج لل ّرملي‪.‬‬
‫املجموع للنووي‪.‬‬
‫رو�ضة الطالبني وعمدة املفتني للنووي‪.‬‬
‫الفقه احلنبلي‪:‬‬
‫املغني لعبد اهلل بن �أحمد بن قدامة املقد�سي‪.‬‬
‫ال�شرح الكبري لعبد الرحمن بن حممد بن �أحمد بن قدامة املقد�سي‪.‬‬
‫�شرح منتهى الإرادات للبهوتي‪.‬‬
‫ك�شاف القناع عن منت الإقناع للبهوتي‪.‬‬
‫يف فقه الإمام ابن تيمية‪:‬‬
‫جمموع فتاوى ابن تيمية‪.‬‬
‫الفتاوى الكربى البن تيمية‪.‬‬
‫�شرح العمدة يف الفقه البن تيمية‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫كتب معا�صرة يف الفقه‪:‬‬
‫املو�سوعة الفقهية الكويتية ملجموعة من العلماء حتت �إ�شراف وزارة الأوقاف يف الكويت‪.‬‬
‫الفقه الإ�سالمي و�أدلته للدكتور وهبة الزحيلي‪.‬‬
‫جلباب املر�أة امل�سلمة للألباين‪.‬‬
‫حجاب املر�أة امل�سلمة للألباين‪.‬‬
‫الرد املفحم للألباين‪.‬‬
‫فقه الغناء واملو�سيقا يف �ضوء القر�آن وال�سنة للدكتور يو�سف القر�ضاوي‪.‬‬
‫كتب ومواقع متخ�ص�صة يف الفتوى‪:‬‬
‫فتاوى الأزهر‪.‬‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء يف ال�سعودية‪.‬‬
‫فتاوى ال�شيخ ابن جربين‪.‬‬
‫جمموع فتاوى ال�شيخ ابن باز‪.‬‬
‫جمموع فتاوى ال�شيخ ابن عثيمني‪.‬‬
‫فتاوى معا�صرة للدكتور يو�سف القر�ضاوي‪.‬‬
‫فتاوى قطاع الإفتاء يف الكويت‪ :‬ال�صادرة عن قطاع الإفتاء والبحوث ال�شرعية يف وزارة الأوقاف‬
‫يف الكويت‪.‬‬
‫جملة املجمع الفقهي التابع لرابطة العامل الإ�سالمي‪.‬‬
‫فتاوى ال�شبكة الإ�سالمية‪ .‬فتاوى من مركز الفتوى مبوقع ال�شبكة الإ�سالمية ‪www.islamweb.net‬‬
‫ب�إ�شراف د‪.‬عبداهلل الفقيه‪.‬‬
‫فتاوى ي�س�ألونك حل�سام الدين عفانة‪.‬‬
‫املوقع االلكرتوين للدكتور يو�سف القر�ضاوي‪.‬‬
‫املوقع االلكرتوين للدكتور حممد �سعيد رم�ضان البوطي‪.‬‬
‫املوقع االلكرتوين ملنظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي‪.‬‬
‫املوقع االلكرتوين ملجمع الفقه الإ�سالمي‪.‬‬
‫املوقع االلكرتوين‪ :‬الإ�سالم اليوم للدكتور �سلمان العودة‪.‬‬
‫كتب يف احلديث ال�شريف‪:‬‬
‫�صحيح الإمام البخاري‪.‬‬
‫�صحيح الإمام م�سلم‪.‬‬
‫�سنن الرتمذي‬

‫‪200‬‬
‫َ�ص َد َر للدكتورة لينة احلم�صي‬

‫‪ ‬تاريخ الفتوى يف الإ�سالم‬


‫كتاب يتحدث عن الفتوى و�أحكامها ال�شرعية‪ ،‬والفرق بني املفتي والفقيه واملجتهد‪ ،‬ومن‬
‫يجوز له الإفتاء ومن يحرم عليه‪ ،‬وما هي �آالت الفتوى وم�ستلزماتها الأ�سا�سية‪.‬‬
‫كما يتحدث عن تاريخ الفتوى يف الإ�سالم منذ العهد النبوي وحتى العهد العثماين‪.‬‬
‫من�شورات دار الر�شيد دم�شق – �سورية‪ .‬م�ؤ�س�سة الإميان بريوت – لبنان‪.‬‬

‫‪ ‬املفتون العا ُّمون يف �سورية (ومناذج من فتاواهم يف الأمور امل�ستج َّدة)‬


‫كتاب ي�ستعر�ض �سرية املفتني العامني‪ ،‬الذين تو َّلوا من�صب الإفتاء العام يف �سورية منذ‬
‫انتهاء العهد العثماين وحتى عام ‪1995‬م‪ ،‬وهم ال�شيخ حممد عطا الك�سم‪ ،‬وال�شيخ حممد �شكري‬
‫اال�سطواين‪ ،‬وال�شيخ �أبو الي�سر عابدين‪ ،‬وال�شيخ عبد الرزاق احلم�صي‪ ،‬وال�شيخ �أحمد كفتارو‪.‬‬
‫ويناق�ش الكتاب بع�ض الفتاوى امل�ستج ّدة التي �أ�صدرها ه�ؤالء املفتون‪ ،‬ومنها‪ :‬فتوى يف‬
‫الت�أمني‪ ،‬وفتوى يف التلقيح اال�صطناعي و�أطفال الأنابيب‪ ،‬وفتوى يف �أخذ الربا من امل�صارف‬
‫الأجنبية‪ ،‬وفتوى يف جواز ت�شريح جثث املوتى واالنتفاع ب�أع�ضائهم‪.‬‬
‫من�شورات دار الع�صماء دم�شق‪� -‬سورية‪.‬‬

‫‪ ‬م�سرية النور للم�سلمني وامل�سيحيني على م ِّر الع�صور‬


‫كتاب يتحدث عن التعامل مع امل�سيحيني يف حياة النبي ‪ ،‬ثم يف عهد ال�صحابة و�إ َّبان‬ ‫ٌ‬
‫الفتوحات الإ�سالمية‪ ،‬كما يتحدث عن حقوق �أهل الذمة وواجباتهم والقوا�سم امل�شرتكة بني‬
‫امل�سيحية والإ�سالم‪ ،‬وي�ستعر�ض يف خامتته بع�ض م�شاهري امل�سيحيني الذين بحثوا عن احلقيقة‬
‫فوجدوها يف الإ�سالم‪.‬‬
‫من�شورات دار الر�شيد دم�شق – �سورية‪ .‬م�ؤ�س�سة الإميان بريوت – لبنان‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫‪ ‬امل�سيحية والإ�سالم‪ :‬دينٌ واح ٌد و�شرائع �شتَّى‬
‫كتاب �أكادميي جامعي يغو�ص يف عامل مقارنة الأديان‪ ،‬يتحدث عن امل�سيح وامل�سيحية كما‬
‫وردا يف القر�آن الكرمي‪ ،‬وعن العقيدة امل�سيحية احلالية‪ ،‬ومقارنتها بامل�سيحية العي�سوية الأ�صلية‪،‬‬
‫�شهادات مل�سيحيني كبار ينكرون �ألوهية امل�سيح عليه ال�سالم‪ ،‬كما يبينّ التحريف الذي‬ ‫ٍ‬ ‫ويورد‬
‫حلق بامل�سيحية على يد بول�س الر�سول‪ ،‬ومن �سار ب�سريه من امل�سيحيني‪.‬‬
‫ماذا تعني عقيدة التثليث والتوحيد؟ وما معنى عقيدة التج�سد والفداء؟ وما هي املجامع‬
‫امل�سكونية؟ وما هي م�صادر العقيدة امل�سيحية؟‬
‫كل هذا تقر�ؤونه يف هذا الكتاب‪..‬‬
‫من�شورات دار الع�صماء دم�شق – �سورية‪.‬‬

‫‪ ‬الفوائد امل�صرفية و�شهادات اال�ستثمار ور� ُأي ال�شرع فيها‬


‫كتاب يتحدث عن البنوك الربوية يف البلدان الإ�سالمية‪ ،‬وي�ستعر�ض �آراء العلماء املختلفة‬
‫وقرارات املجامع الفقهية يف الفوائد امل�صرفية الربوية و�شهادات اال�ستثمار‪ ،‬وير ّكز على‬
‫ال�شبهات التي ا�ستند �إليها مبيحو الفوائد امل�صرفية و�شهادات اال�ستثمار‪ ،‬ثم ي�سلط ال�ضوء على‬
‫تفنيد العلماء لهذه ال�شبهات ب�إ�سهاب وو�ضوح‪.‬‬
‫كما ي�ستعر�ض �آراء العلماء يف فوائد امل�صارف الأجنبية‪ ،‬و�آراءهم يف االقرتا�ض بالفائدة‪،‬‬
‫ويبني الفرق بني من �أجل�أته احلاجة �إىل االقرتا�ض بالفائدة‪ ،‬وبني من يريد تو�سيع �أمالكه‬
‫الربوي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫و�أرباحه عن طريق االقرتا�ض‬
‫من�شورات م�ؤ�س�سة الإميان بريوت ‪ -‬لبنان‪.‬‬

‫‪ ‬هم�سات (اجلزءان الأول والثاين)‬


‫كتاب يحتوي على الهم�سات التي قدمتها الدكتورة لينة احلم�صي على �شا�شة الر�سالة‬
‫برنامج اجتذب امل�شاهدين من كافة الأعمار وامليول‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الف�ضائية يف‬
‫موا�ضيع هذه الهم�سات ترتاوح ما بني االجتماعية والوعظية والعلمية‪ ،‬وتناق�ش الكثري مما‬
‫مب�سط ًا‪ ،‬يكت�شف العيوب ويو�ضح الأخطاء ويطرح احللول‪.‬‬
‫يقع بني النا�س كل يوم‪ ،‬وحتل ّله حتلي ًال ّ‬
‫من�شورات دار الر�شيد دم�شق – �سورية‪ .‬م�ؤ�س�سة الإميان بريوت – لبنان‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫‪ ‬هم�سات (فنّ التوا�صل الزوجي)‪.‬‬
‫وهو اجلزء الثالث من كتاب هم�سات‪ ،‬ويحتوي على الهم�سات التي هم�ست بها الدكتورة لينة‬
‫احلم�صي على �شا�شة الر�سالة الف�ضائية‪ ،‬يف برنامج يومي اجتذب امل�شاهدين من كافة الأعمار‬
‫وامليول‪.‬‬
‫موا�ضيع هذا اجلزء تتناول الق�ضايا الزوجية ال�شائكة وال�شائقة ب�أ�سلوب ق�ص�صي ج ّذاب‬
‫وب�سيط‪ ،‬ي�س ّلط ال�ضوء على امل�شاكل الزوجية ال�شائعة‪ ،‬ثم يعاجلها ب�سال�سة وعذوبة‪ ،‬من خالل‬
‫احلديث عن كيفية التوا�صل الزوجي واعتباره ف ّن ًا يفوق فنّ املو�سيقا يف عذوبته وفنّ الطبخ يف‬
‫حالوته وفنّ الريا�ضة يف مرونته‪..‬‬
‫من�شورات دار الر�شيد دم�شق – �سورية‪ .‬م�ؤ�س�سة الإميان بريوت – لبنان‪.‬‬

‫‪ ‬باقات رم�ضانية‬
‫كتاب يحتوي على ن�صو�ص الربنامج التلفزيوين الذي قدمته الدكتورة لينة احلم�صي على‬
‫تخت�ص ب�شهر رم�ضان املبارك‪،‬‬
‫ّ‬ ‫�شا�شة الر�سالة الف�ضائية‪ ،‬وي�شتمل على موا�ضيع وعظية �إميانية‬
‫طرحت ب�أ�سلوب لطيف‪ ،‬يتحدث عن ال�صائمني الذين مل يفهموا من رم�ضان �سوى �أنه �شهر‬
‫الطبخ والنفخ والبيع وال�شراء وال�سهر يف اخليام الرم�ضانية مع الأركيلة وال�شي�ش بي�ش ووورق‬
‫�شهر التباري بني الربامج وامل�سل�سالت التلفزيونية امل�س ّلية التي ّ‬
‫تكتظ بها القنوات‬ ‫اللعب‪ِ ..‬‬
‫الف�ضائية احتفا ًال بهذا ال�شهر الكرمي‪..‬‬
‫يبينّ هذا الكتاب للنا�س معنى اغتنام رم�ضان‪ ..‬وعلى من تتنزّل فيه النفحات‪ ..‬ومن هم‬
‫عتقاء اهلل يف هذا ال�شهر‪ ..‬وماذا يجب �أن يفعل ال�صائمون بعد رم�ضان!!‬
‫من�شورات دار غار حراء دم�شق – �سورية‪.‬‬

‫‪� ‬صحاب ّيات‬


‫تلفزيوين ب ّثت حلقاته الثالثون على قناة الر�سالة الف�ضائية‪� ،‬إىل ٍ‬
‫كلمات‬ ‫ٍ‬ ‫عمل‬
‫كتاب حت َّول من ٍ‬
‫مكتوب ٍة ال تذهب مع الأثري‪..‬‬

‫‪203‬‬
‫عظيمات يف تاريخنا الإ�سالمي املجيد‪ ،‬في�سرد �سرية زوجات النبي‬
‫ٍ‬ ‫وهو يتحدث عن ن�ساءٍ‬
‫‪ ‬وبناته وبع�ضِ ال�صحابيات اجلليالت اللوتي كان لهنّ دور كبري يف خدمة املجتمع على جميع‬
‫الأ�صعدة ويف جميع املجاالت‪ ،‬ثم ي�ستلهم من خالل ذلك كيفية �صناعة الن�ساء العظيمات يف‬
‫زماننا احلا�ضر ويف م�ستقبلنا القريب‪..‬‬
‫من�شورات دار غار حراء‪ -‬دم�شق‪� -‬سورية‪.‬‬

‫‪ ‬يحكى �أنَّ ‪..‬‬


‫برنامج تلفزيوين‬
‫ٍ‬ ‫ق�ص�صي �شاهد املاليني ق�ص�صه على قناة الر�سالة الف�ضائية عرب‬
‫ّ‬ ‫كتاب‬
‫م�ؤ ّلف من ثالثني حلقة‪ ،‬وهو يهدف �إىل غر�س القيم والف�ضائل ومكارم الأخالق‪ ،‬من خالل‬
‫ب�صمات وا�ضح ًة يف تاريخنا املجيد‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أنا�س تركوا‬
‫الق�ص�ص التاريخية امل�ستقاة من حياة � ٍ‬
‫من�شورات دار طيور اجلنة دم�شق‪� -‬سورية‪.‬‬

‫‪ ‬اخلليفة العادل عمر بن عبد العزيز‬


‫كتاب للنا�شئة‪ ،‬ي�ستعر�ض ق�ص�ص ًا رائعة من حياة اخلليفة عمر بن عبد العزيز ب�أ�سلوب‬
‫مب�سط وج ّذاب‪ ،‬ي�ستمتع بها وي�ستفيد منها الكبار وال�صغار‪..‬‬
‫ّ‬
‫هذه الق�ص�ص تروي �شيئ ًا من عدل وورع وتقوى و�صالح ور�أفة ورحمة عمر بن عبد العزيز‬
‫ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬الذي �أجمع امل�ؤرخون على اعتباره خام�س اخللفاء الرا�شدين‪.‬‬
‫من�شورات دار الر�شيد دم�شق – �سورية‪ .‬م�ؤ�س�سة الإميان بريوت – لبنان‪.‬‬

‫‪ ‬ابتلعته �أمريكا‬
‫كتاب ق�ص�صي للنا�شئة‪ ،‬يدخل �إىل �صميم املجتمع‪ ،‬فيعك�س واقع ًا ّ‬
‫جم�سد ًا من احلياة‪ ،‬ويعالج‬
‫اخللل برفق‪ ،‬ويربز اجلمال برباعة‪.‬‬
‫�شخو�ص الق�ص�ص يف هذا الكتاب �أفراد من الواقع‪ ،‬يتح ّدثون عن همومهم و�أفراحهم‬
‫يتم الرتكيز على القيم والأخالق وال�صالح‪ ،‬وهو كتاب يفيد‬‫وم�شاكلهم و�أمنياتهم‪ ،‬ومن خاللهم ّ‬
‫الأب والأم والأبناء واملعلم والتالميذ‪ ،‬وحتتاجه كل �أ�سرة ومدر�سة‪..‬‬
‫من�شورات دار الر�شيد دم�شق – �سورية‪ .‬م�ؤ�س�سة الإميان بريوت – لبنان‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫‪ ‬حكايا النا�س‬
‫برنامج تلفزيوين‬
‫ٍ‬ ‫ق�ص�صي‪� ..‬شاهد املاليني ق�ص�صه على قناة الر�سالة الف�ضائية عرب‬
‫ّ‬ ‫كتاب‬
‫م�ؤ ّلف من ثالثني حلقة‪..‬‬
‫ي�ستلهم موا�ضيعه من واقع النا�س وم�شاكلهم وهمومهم‪ ،‬ويحاول معاجلتها ب�أ�سوب ق�ص�صي‬
‫ج ّذاب‪ ،‬يعتمد على القر�آن الكرمي وال�سنة ال�شريفة لت�صحيح حياة النا�س و�إر�شادهم �إىل ما فيه‬
‫اخلري وال�صالح والر�شاد‪..‬‬
‫من�شورات دار طيور اجلنة دم�شق‪� -‬سورية‪.‬‬

‫‪ ‬يوميات فهيم و�سرحان‬


‫ق�ص�ص لل�صغار يف �سن العا�شرة فما فوق‪ ،‬تتحدث عن �شخ�صيتني متناق�ضتني‪ :‬فهيم‬
‫ويتم من خالل الرتكيز على‬
‫فكاهي ممتع وحم ّبب �إىل قلوب الأطفال‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫و�سرحان‪ ،‬يف قالب درامي‬
‫املفارقة بني هاتني ال�شخ�صيتني زر ُع املبادئ ال�سامية والقيم الأخالقية‪..‬‬
‫من�شورات دار غار حراء دم�شق‪� -‬سورية‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫الفهرس‬

‫�شكر‬
‫�إهداء‬
‫مق ـ ــدمة‪7...................................................................................................‬‬
‫ٌ‬
‫مدخل �إىل الفقه الإ�سالمي‬
‫معنى الفقه ‪15................................................................................................‬‬
‫الأدلة القطعية والأدلة الظ ّنية‪15........................................................................... :‬‬
‫الأدلة القطعية‪16...........................................................................................:‬‬
‫قطعي‪17......................................................................................:‬‬
‫الإجماع دليل ّ‬
‫الأدلة الظنية‪17............................................................................................ :‬‬
‫القيا�س وامل�صالح املر�سلة‪19................................................................................:‬‬
‫مرياث اجلدّ ‪20............................................................................................. :‬‬
‫وفاة املفقود‪21..............................................................................................:‬‬
‫املذاهب الفقهية‪22......................................................................................... :‬‬
‫وجوب احرتام العلماء للآراء االجتهادية املخالفة لآرائهم ‪24.............................................. :‬‬
‫تف�صيل ال�شريعة للثوابت دون املتغريات‪26................................................................ :‬‬
‫ا ِّتبا ُع املذاهب الأربعة‪26.................................................................................... :‬‬
‫ن�شوء املذاهب الفقهية‪28................................................................................... :‬‬
‫االنت�ساب �إىل املذاهب الفقهية الأربعة‪28...................................................................:‬‬
‫تقليد املذاهب الأخرى‪29................................................................................... :‬‬
‫اتباع املذهب الأ�سهل‪31.....................................................................................:‬‬
‫ال ُّر َخ�ص الفقهية وال ُّرخ�ص ال�شرعية‪32.................................................................... :‬‬
‫التلفيق‪34...................................................................................................:‬‬
‫مذهب واحد‪35................................................................... :‬‬
‫ٍ‬ ‫خطورة تعليم الفقه على‬
‫ا�صطالحات فقهية‪36...................................................................................... :‬‬

‫‪207‬‬
‫زين ُة املر�أة‬
‫موقف الإ�سالم من الزينة ‪43................................................................................‬‬
‫التز ّين �أمر م�ستحب‪44..................................................................................... :‬‬
‫حدود الزينة امل�ستحبة واملباحة‪45.......................................................................... :‬‬
‫ُ‬
‫(�صباغه)‪47................................................................................ :‬‬ ‫َخ ُ‬
‫�ضب ال�شعر‬
‫خ�ضب ال�شعر ال مينع �صحة الو�ضوء والغ�سل‪48............................................................. :‬‬
‫حكم خ�ضب ّ‬
‫ال�شيب باللون الأ�سود‪48....................................................................... :‬‬
‫ما هو حكم خ�ضب ال�شعر بالأ�سود للمر�أة التي مل ي�شِ ب �شع ُرها؟‪50 ........................................‬‬
‫ما حكم املر�أة التي �شاب �شعرها ب�سبب كرب �س ّنها‪� ،‬أو �أ�صابها ال�شيب يف �سنٍّ مبكر ٍة ‪50......................‬‬
‫حكم �صبغ �شعر احلاجبني‪51............................................................................... :‬‬
‫ما حكم ظهور املر�أة �أمام الرجال الأجانب بحاجبيها امل�صبوغني؟ ‪51......................................‬‬
‫خ�ضاب اليدين والقدمني للمر�أة‪52........................................................................ :‬‬
‫حكم خ�ضب الرجل ليديه وقدميه باحل ّناء‪54.............................................................. :‬‬
‫ا�ستخدام الرجال للح ّناء للر�سم على �أج�سادهم‪55.........................................................:‬‬
‫حكم ك�شف املر�أة لكفيها املخ�ضوبتني �أمام الرجال‪55...................................................... :‬‬
‫ا�ستخدام الن�ساء للح ّناء للر�سم على �أج�سادهنّ ‪56......................................................... :‬‬
‫حكم الغ�سل والو�ضوء ملن ر�سمت باحلناء‪75................................................................ :‬‬
‫حكم طالء الأظافر مبادة املنيكور‪58....................................................................... :‬‬
‫حكم ماكياج املر�أة‪58.......................................................................................:‬‬
‫حكم االكتحال بالإثمد‪60................................................................................... :‬‬
‫عيني‪ ،‬فهل و�ضوئي �صحيح؟‪61...........................‬‬ ‫حكم و�ضع الروميل (ال�سائل الأ�سود) على رمو�ش ّ‬
‫خري طيب املر�أة‪61..........................................................................................:‬‬
‫تعطر املر�أة‪62.........................................................................................:‬‬‫حكم ّ‬
‫تعطرت يف بيتها‪ ،‬وهي تق�صد التز ّين لزوجها �أو ل�ضيفاتها الن�ساء‪ ،‬ثم �أرادت اخلروج من بيتها؟‬ ‫حكم املر�أة لو ّ‬
‫‪63 ..........................................................................................................‬‬
‫تعطري الثياب‪64........................................................................................... :‬‬
‫حكم تزيني املر�أة عينيها بالعد�سات الال�صقة املل ّونة‪64................................................... :‬‬
‫حكم زينة املر�أة يف ك ّفيها‪65................................................................................:‬‬

‫‪208‬‬
‫ُ‬
‫وختان الإناث‬ ‫اخلتان ُ‬
‫ختان الذكورِ‪..‬‬
‫�أهمية الطهارة والنظافة‪69...................................................................................‬‬
‫ما هو اخلتان؟! ‪70...........................................................................................‬‬
‫ر�أي الطب يف ختان الذكور‪70...............................................................................:‬‬
‫علماء غربيون يتحدثون عن �أهمية ختان الذكور‪71.........................................................:‬‬
‫يلخ�ص الأطباء فوائد ختان الذكور فيما يلي‪71.............................................................:‬‬ ‫ّ‬
‫حكم ال�شرع يف ختان الذكور‪72............................................................................ :‬‬
‫ختان الإناث‪72............................................................................................. :‬‬
‫(اخلفا�ض)‪73.................................................................................:‬‬ ‫ختان ال�س َّنة ِ‬
‫(اخلفا�ض) من الناحية الطبية‪73.............................................................:‬‬ ‫ختان ال�س ّنة ِ‬
‫حكم ال�شرع يف ختان الإناث (اخلفا�ض)‪74................................................................ :‬‬
‫�آراء الفقهاء املعا�صرين يف ختان ال�س ّنة ِ‬
‫(اخلفا�ض)‪76.....................................................:‬‬
‫اخلتان الفرعوين‪78........................................................................................ :‬‬
‫الر�أي الطبي يف اخلتان الفرعوين‪78....................................................................... :‬‬
‫�أ�ضرار اخلتان الفرعوين‪79................................................................................:‬‬
‫ال�شرعي للختان الفرعوين‪79....................................................................... :‬‬ ‫احلكم ّ‬
‫النتائج التي َخ ُل�ص �إليها الفقهاء املعا�صرون بخ�صو�ص اخلتان الفرعوين ‪80.............................. :‬‬
‫تغيري الثقافة املجتمعية التي تتب ّنى اخلتان الفرعوين‪82.................................................... :‬‬
‫�إعفاء ال ّلحية ّ‬
‫وحف ال�شارب‬
‫لق�ص ال�شارب وح ّفه‪88.................................................................... :‬‬
‫احلكم ال�شرعي ّ‬
‫حكم �إعفاء اللحية‪89........................................................................................‬‬
‫أخذ من عر�ضها‪90.................................................................:‬‬ ‫حكم تق�صري اللحية وال ِ‬
‫�آراء الفقهاء املعا�صرين يف حكم �إعفاء اللحية‪91...........................................................:‬‬
‫و�صل ال�شعر وزراعته‬
‫عادي؟ ‪95...................................................................................‬‬
‫ال�صلع �أمر ّ‬ ‫هل ّ‬
‫ال�ضرر يزال‪95.............................................................................................:‬‬
‫الوا�صلة وامل�ستو�صِ لة‪95..................................................................................... :‬‬
‫احلكم ال�شرعي لو�صل ال�شعر‪96....................................................................... :‬‬

‫‪209‬‬
‫حكم الو�صل ب�شعر غري الآدمي‪96...........................................................................:‬‬
‫حكم الو�صل ب�شعر الآدمي‪97............................................................................... :‬‬
‫دليل الفقهاء يف حترمي االنتفاع ب�شعر الآدمي‪98.......................................................... :‬‬
‫زراعة ال�شعر‪98............................................................................................ :‬‬
‫ر�أي العلم يف زراعة ال�شعر‪99...............................................................................:‬‬
‫احلكم ال�شرعي لزراعة ال�شعر‪99...........................................................................:‬‬
‫ما �أفتت به ال�شبكة الإ�سالمية بالن�سبة لل�شعر ال�صناعي‪101................................................‬‬
‫امل�شرتك بني زراعة ال�شعر ال�صناعي وو�صل لل�شعر‪101....................................................:‬‬
‫خال�صة املو�ضوع‪102...................................................................................... :‬‬
‫احلكم ال�شرعي لزراعة ال�شعر ال�صناعي‪103..............................................................:‬‬
‫حكم ال�شرع يف ا�ستخدام الباروكة �أو البو�ستيجة (ال�شعر امل�ستعار)‪103.................................. :‬‬
‫هل يجوز للرجل الأ�صلع ا�ستخدام الباروكة؟ ‪105........................................................‬‬
‫ما حكم تثبيت الباروكة على فروة ر�أ�س الأ�صلع؟‪106.......................................................‬‬
‫هل يجوز للمر�أة لب�س الباروكة للزينة؟ ‪106................................................................‬‬
‫حكم بيع الباروكة‪107..................................................................................... :‬‬
‫ُ‬
‫عمليات التجميل‬
‫بني احلالل واحلرام‬
‫�أهمية العمليات التجميل ّية‪111............................................................................. :‬‬
‫‪ -1‬العمليات التجميلية لرفع ال�ضرر‪111................................................................. :‬‬
‫احلكم ال�شرعي للعمليات التجميلية التي تدفع �إليها ال�ضرورة واحلاجة‪112............................... :‬‬
‫‪ -2‬العمليات التجميلية العبثية‪113....................................................................... :‬‬
‫�أ�ضرار العبثية!!‪115.........................................................................................‬‬
‫حكم ال�شرع يف العمليات التجميل ّية العبث ّية‪116.............................................................:‬‬
‫تخ�ص�ص الطبيب يف اجلراحات التجميل ّية‪116.......................................................:‬‬ ‫حكم ّ‬
‫تغيري خلق اهلل‪117......................................................................................... :‬‬
‫ملعون كل من يغيرّ خلق اهلل‪117........................................................................... :‬‬
‫موقف الإ�سالم من التج ّمل والتزين‪118....................................................................:‬‬
‫حدود التز ّين‪119.......................................................................................... :‬‬

‫‪210‬‬
‫ن�سبي‪120..........................................................................................:‬‬
‫اجلمال ّ‬
‫حكم ت�صغري الأنف �أو تكبريه‪ ،‬وت�صغري الثديني �أو تكبريهما‪121.......................................... :‬‬
‫دور الطبيب اجل ّراح‪123...................................................................................:‬‬
‫‪124........................................................................‬‬ ‫حكم عمليات �ش ّد الوجه‪:‬‬
‫�شباب تغزوهم التجاعيد‪125...............................................................................:‬‬
‫‪125.....................................................................‬‬ ‫حكم عمليات تق�شري الوجه‪:‬‬
‫حكم عمليات �شفط الدهون‪126....................................................................... :‬‬
‫انتفاء الغ�ش والتدلي�س‪127................................................................................. :‬‬
‫عملية ترقيع غ�شاء البكارة‪128.............................................................................:‬‬
‫بكارة املر�أة يف �أ ّمهات كتب الفقه‪128...................................................................... :‬‬
‫حكم ترقيع غ�شاء البكارة‪129..............................................................................:‬‬
‫‪ -1‬علماء يبيحون عمليات ترقيع غ�شاء البكارة دون قيد وال �شرط �سوى �شرط التوبة‪129 ..................:‬‬
‫‪ -2‬علماء يجيزون رتق غ�شاء البكارة ب�شروط و�ضمن نطاق �ضيق‪131..................................... :‬‬
‫حكم من متزّق غ�شا�ؤها ب�سبب غري الفاح�شة‪ ،‬كمن تع ّر�ضت العتداء جن�سي �أو حلادث �أدّى �إىل انف�ضا�ض‬
‫البكارة؟ ‪131................................................................................................‬‬
‫اتقاء ال�شبهات‪132.........................................................................................:‬‬
‫عمليات جتميل الأ�سنان‪133.............................................................................. :‬‬
‫من�ص احلاجبني‬
‫احلكم ال�شرعي لل ّنم�ص‪137 .............................................................................. :‬‬
‫املقدار املح َّرم من�صه من �شعر احلاجبني‪138............................................................. :‬‬
‫ر�أي الفقهاء املعا�صرين‪139................................................................................:‬‬
‫�إزالة قفل ( َقرن) احلاجبني‪140........................................................................... :‬‬
‫ملخ�ص البحث‪141........................................................................................ :‬‬
‫الفرق بني التج ّمل املباح وبني ال ّنم�ص املحرم‪142..........................................................:‬‬
‫حكم �إزالة املر�أة ل�شعر ج�سدها‪142........................................................................ :‬‬
‫حكم �إزالة �شعر الوجه �أو اجل�سد بالليزر‪143............................................................. :‬‬

‫الو�شم (التاتو)‬

‫‪211‬‬
‫الأ�ضرار ال�صحية للتاتو (الو�شم)‪147..................................................................... :‬‬
‫حكم ال�شرع يف الو�شم (التاتو)‪148........................................................................ :‬‬
‫جنا�سة الع�ضو املو�شوم‪149.................................................................................:‬‬
‫ما حكم الوا�شم واملو�شوم �إذا نوى التوبة؟ هل تقبل توبته؟ ‪149.............................................‬‬
‫وما حكم �صالة املو�شوم؟! هل هي مقبول ٌة �أم باطلة؟ ‪149...................................................‬‬
‫الر�أي الطبي يف �إزالة الو�شم‪150...........................................................................:‬‬
‫تلك حدود اهلل فال تعتدوها‪150............................................................................:‬‬
‫أ�سباب �صح ّية‪151..........................:‬‬
‫حكم الو�شم (التاتو) �إذا ن�صح به الأطباء الثقات املخت�صون ل ٍ‬
‫ّ‬
‫للم�ضطر‪151................................................................. :‬‬ ‫حكم ر�سم احلاجبني بالتاتو‬
‫ر�سم الأ�شكال وال�صور باحل ّناء‪152........................................................................ :‬‬
‫ولبا�سها الإ�سالمي‬
‫عورة املر�أة ُ‬
‫معنى العورة‪155........................................................................................... :‬‬
‫ر�أي املالكية يف الفخذ‪157..................................................................................:‬‬
‫هل ال�س ّرة والركبة من العورة؟ ‪157.........................................................................‬‬
‫�صالة الرجل مك�شوف املنكبني‪157.........................................................................:‬‬
‫عورة الرجل �أمام املر�أة‪158................................................................................:‬‬
‫نظر املر�أة �إىل الرجل غري املح َرم‪159..................................................................... :‬‬
‫عورة املر�أة يف ال�صالة‪160.................................................................................:‬‬
‫قدما املر�أة عورة �أمام الرجال الأجانب‪160................................................................:‬‬
‫خال من النا�س‪161.....................................:‬‬
‫�سرت املر�أة لعورتها يف ال�صالة‪ ،‬ولو كانت يف مكانٍ ٍ‬
‫�أو�صاف اللبا�س الذي يجب �أن ي�سرت عورة املر�أة يف ال�صالة‪161.......................................... :‬‬
‫�سماكة ثياب ال�صالة‪162.................................................................................. :‬‬
‫ثياب ال�صالة اخلا�صة‪162.................................................................................:‬‬
‫ال�صالة بثياب �ضيقة‪162.................................................................................. :‬‬
‫عورة املر�أة �أمام الرجال الأجانب‪163..................................................................... :‬‬
‫�أدلة اجلمهور على �أن الوجه والكفني لي�سا عور ًة‪164....................................................... :‬‬
‫الر�أي الثاين يف عورة املر�أة �أمام الرجال الأجانب‪167................................................... :‬‬
‫عورة املر�أة �أمام الن�ساء‪168................................................................................:‬‬

‫‪212‬‬
‫حكم دخول املر�أة للح ّمامات الن�سائية‪169............................................................. :‬‬
‫حكم دخول املر�أة �إىل امل�سابح الن�سائية‪170................................................................:‬‬
‫اللبا�س الفا�ضح للعورة يف امل�سابح واحل ّمامات العامة‪171..................................................:‬‬
‫ا�ضطرار املر�أة لدخول امل�سابح الن�سائية التي تُك�شف فيها العورات‪171.................................... :‬‬
‫علماء معا�صرون يح ّرمون دخول املر�أة �إىل احل ّمامات العامة وامل�سابح الن�سائية‪172.......................:‬‬
‫�أهم ّية الريا�ضة البدن ّية‪172.............................................................................. :‬‬
‫عورة املر�أة امل�سلمة �أمام املر�أة غري امل�سلمة‪173............................................................:‬‬
‫عورة املر�أة �أمام الرجال املحارم‪174...................................................................... :‬‬
‫الأعمام والأخوال من املحارم‪175..........................................................................:‬‬
‫ما هي حدود عورة املر�أة �أمام الرجال املحارم؟ وما هي الزينة التي يجوز لها �أن تظهرها؟‪176‬‬
‫عورة املر�أة �أمام التابعني غ ِري �أويل الإربة‪178..............................................................:‬‬
‫عورة املر�أة �أمام الأطفال‪178.............................................................................. :‬‬
‫ما يعرف به البلوغ‪179..................................................................................... :‬‬
‫نظر الرجل �إىل املر�أة غري ا َمل ْح َرم‪180..................................................................... :‬‬
‫�صفات لبا�س املر�أة الإ�سالمي‪183......................................................................... :‬‬
‫معنى اجللباب‪183......................................................................................... :‬‬
‫�شروط لبا�س املر�أة الإ�سالمي‪185..........................................................................:‬‬
‫�إذ ًا ال�شرط الأول‪� :‬أن يكون �سميك ًا ال ّ‬
‫ي�شف‪186..............................................................‬‬
‫احلكم ال�شرعي للبنطال الن�سائي‪189................................................................ :‬‬
‫حكم لب�س البنطال حتت العباءة �أو القمي�ص الف�ضفا�ض الطويل‪190...................................... :‬‬
‫لب�س البنطال ال�ض ّيق �أمام الرجال املحارم والن�ساء‪190....................................................:‬‬
‫لب�س البنطال وق�ضية الت�ش ّبه بالرجال �أو بالكافرات‪191................................................... :‬‬
‫�أقوال العلماء يف الت�ش ّبه املح ّرم‪192........................................................................:‬‬
‫خدمة الزوجة �ضيوف زوجها‪193........................................................................ :‬‬
‫�صوت املر�أة �أمام الرجال الأجانب‪194.....................................................................:‬‬
‫�صوت املر�أة بالغناء‪195.................................................................................... :‬‬
‫�صوت املر�أة بقراءة القر�آن الكرمي‪197.................................................................... :‬‬
‫امل�صادر واملراجع‪199.......................................................................................‬‬

‫‪213‬‬

You might also like