Professional Documents
Culture Documents
الت َّ
ُ أما وقد استفحل ظالم الجهل بداخل وخارج أسوار الجامعة ،وتحجرت المعارف يف المؤسسات ي
َّ ُ
وتكرس النقل والتقليد نشئت لنشها ،وابت ِذلت العلوم يف المعاهد العليا ومراكز البحث والدراسة، أ ِ
شامال أصناف المقروء والمسموع والمكتوب كافة ،واستفحل االجتار بمختلف فضاءات الفكر عىل
ِّ
غتهم ،وقد أضاعوا أعمارهم يف التمرين عىل مي يف دفاتر رامتداد أوطاننا ،فما عىس أن ننتظر من متعل ر
شحذ األلسنة بمراوغات الكالم والجرأة عىل الهذر بالخطاب يف أوساط العوام ودغدغة عقول الناشئة
والتالعب بعواطف الصبيان.
َّ ِّ
تم ِّزغ أن ُيرد بما يشاء عىل غريمه
الم َ مي من هذا الصنف ُ يحق للمتعل ر العراك ربي األهواءِ ،
فف ساحة ِ ي
ُ َّ ُّ .
يصح لهذا وذاك أن يردا بما يشاءان عىل ذاك الصنف الثالث ِ كما مالمتأسل
ِ اآلخر الصنف ذاك من
المتفرنس المغتب عن ذاته والمحتقر ألهله وثقافة بلده .وما داموا جميعا قد عشعشوا يف الظالم
ُ َ ُ
مردوا عىل التقليد ،وال يحتملون أنوار العلم والمعرفة ،وال يحلمون إال بتطبيق الشيعة ودستة حيث
الطبيع أن يتنافسوا يف المستنقعات ي حروف تيفناغ وقطع أوصال تاري خ المغرب وحضارته ،فمن
اس المحاضة ،مستفيدين من الفراغ الفكري المخيف. ُ
المفتوحة للهراء عىل كر ي
حد َخ ْرق جدار الحشمة فراحوا َ
يعبثون -بخربشاتهم الردئية
َّ
بالمتعلمي
ر
أما وقد بلغت ُ
الجرأة
ِ
وخطاباتهم العقيمة وأهوائهم المتالطمة -يف حقول العلم والمعرفة ،فذاك مما ال يليق الصمت عنه.
المؤرخي المغاربة الذين آثروا بجموعهم وهيئاتهم الصمت والمداراة،
ر ومما يدعو إل االستغراب ،غياب
وهم المسؤولون عن صيانة ذاكرة البلد يف األوساط األكاديمية والمؤسسات التعليمية .وها هو مدرس
غتها منالفلسفة السيد أحمد عصيد يف محاضته" :لماذا تخلف المسلمون" (يوتوب ج )3من ضمن ر
كتيات المنجزات العلميةيمح بضبة لسان أربعة عش قرنا من تاري خ بلده ويطمس ر ي المحاضات،
الت ساهم بها مئات العلماء والفالسفة والحكماء المغاربةوالفكرية والحضارية والمبتكرات التقنية ي
والمشارقة يف ظل دار اإلسالم الجامعة أيام عز عطائها ،ممن – ما زالوا إل اليوم – مفخرة لإلنسانية
َ
انبنت أصول حضارتنا الحديثة. ِّ
جمعاء يف كل بقاع العالم المتحض ،إذ عىل جهودهم
وف أي مدرسة تعلمه وأي منطق هذا الذي اعتمده وال أدري أي درس ذاك الذي تلقاه يف الفلسفة ي
يف ترتيب الزمن ،حت ُي ِق ّر بأن وراءنا " 1400سنة من التخلف" .وإنه لمما يدعو إل اإلشفاق من حال
المتعلمي لدينا ،وقد امتنعوا -بمحض إرادتهم -عن االطالع عىل تاري خ بلدهم فظلوا
ر هذا الصنف من
مبسطة ساذجة ربيالتميت بي خفافيش الظالم ومنابع األنوار ،فانزلقوا ب َعقد مقارنات َّ عاجزين عن
ِ ر ر
غتنا من األمم والشعوب .ف "تاري خ دولة الخالفة منذ تأسيسها كله تاري خ تاري خ ديارنا وتواري خ ر
ر
المسلمي منذ القرن الهجري الو إىل اليلم ،وكل هذا التاري خ من بيدملي ،تاري خ حرب وضاع ر
تعبته.
التخلف" ،حسب ر
َّ ِّ
المتحض فكله ٌ أما ماض ما ُيسميه ُم ِّ
تقرير مغفل ٍ أنوار وتقدم ،يف درس الفلسفة بشعوب العالم ي
يحجب حقائق تاري ٍخ فاق يف فضاعته ودمويته كل تواري خ األمم .ومن المعلوم أنه تاري خ شاهد عىل ُ
عالميتي ربي األمم "المتحضة" ،وقبل
ر حربي
ر الماليي من القتىل يف
ر وديان من الدماء بعشات ٍ إسالة
األمريكتي ،ناهيك عن إزهاق آالف األرواح يف مذابح جماعية للرجالر ذلك يف حروب إبادة لشعوب
ً
والنساء واألطفال وحرقهم أحياء ،ومنع الصالة والصوم ،والقراءة والكتابة بالعربية ،طوال ما ينوف عن
المسلمي باألندلس ،وما إل ذلك
ر والتنصت اإلجباري والحروب الصليبية ضد
ر قرني من محاكم التفتيش ر
الت ما زالت إل اليوم تحصد أرواح األبرياء من مختلف شعوب العالم بآسيا وأفريقيا من الفضاعات
ُ ِّ َ ِّ َ يُ
وأمريكا الالتينية ،تحركها من وراء حجاب خفافيش الظالم المتحكمة يف ثروات الشعوب ،وينفذها
جبل -منذ األزل -عىل الظلمالجهلة المنساقون .ال غرابة ف ذلك ما دام اإلنسان ف سعيه للهيمنة قد َ َ
ي ي
والتحكم يف رقاب الناس واستخدام العنف يف طلب السلطة والنفوذ.
فكر الخلط ربي الفعل الحضاري الذي يمارسه العلماء والمفكرون ،والضاع يصح لصاحب ٍ وال ِ
آل -بالدين .إن ما ُ
المتدافعون يف طلب الحكم .كما ال يصح ربط التخلف -بشكل ي ِ السياس الذي يباشه
ي
والمتفرنسي ،الجهل بأربعة عش قرنا من تاري خ بلدهم واالمتناع عن مي ِّ َ
ر والمتأسل ر
ِ غييجمع ربي المتمز ر
االغتاف من منابع العلم ،واالقتصار عىل التقاط الجمل وترديد المفردات المقتلعة من دفاتر مهتئة
الظالم :التحجر الفكري ضمن أنساق جاهزة ي هزيلة .وواضح أيضا أن ما يجمع ربي هذا الثاللث
وغتها
والصي ر
ر واالنغالق وسط حلقات غافلة عن مدى ِحرص األمم المتقدمة بأروبا وأمريكا واليابان
عىل االعتاز بتواري خ بلدانها والحفاظ عىل أصول حضاراتها وصيانة ثقافات وأديان شعوب ها ورعاية
تقاليد وشعائر َّ
عامتها.
دوت بفرنسا منذ ر
أكت ألم يضجر المتعلمون لدينا بعد ،من أسطوانة "فصل الدين عن الدولة" الت َّ
ي
قرني؟ أال يخجلون من إنشاد تعاليم مخطط سايكس بيكو يف مواجهة الخالفة العثمانية بثنائية من ر
"االستبداد والعلمانية" الهجينة ،إل ما عدا ذلك من المفاهيم والدسائس المطبوخة يف ردهات
ً ُ
المخابرات العسكرية إبان الحرب العالمية األول؟ وما زالت إل اليوم تتىل دروسا عىل أسماع التالميذ
والطالب بالمدارس والجامعات المغربية .إن السبب يف تخلفنا ال يكمن يف ماضينا بل يف هذا الجهل
ُ َّ
بالماض والحاض.
ي المركب
ُّ
ولعل من أبرز العناوين الكاشفة لعورتنا الفكرية وتخلف مجتمعاتنا تصدر هذه األصناف من
المدوية والفضائيات النافذة وما إل ذلك من وسائل المتعلمي واجهات المحاضة ف المهرجانات ُ ر
ِّ ي
َ ُ
التوي ج المعولم للتفاهات المخجلة والسموم القاتلة .وما عىس أن يروكه المتعلمون سوى النفخ يف
ُ ِّ َّ
المتح ِّزبون القتناص
َ ستعملة وقد تنكروا تحت يافطة الثقافة ،فيوظفهم الفرقاء َ أنساق فكرية ُم
المتعلمي أمثالهم واستدراج العامة وجمهور الغوغاء إل شباكم االنتخابية ،فيخدشون صورة العلم ر
وينحطون إل الدرك األسفل بقيمة المعرفة يف بلدهم.