You are on page 1of 188

‫سلسلة كتب موقع اإلمام عبد السالم ياسين‬

‫عبد السالم ياسين وجهوده‬


‫في بناء المنظومة التربوية المغربية‬

‫كتاب جماعي‬
‫كتاب‪ :‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬
‫املؤلف‪ :‬كتاب جماعي‬
‫السنة‪2018 / 1440 :‬‬
‫رقم اإليداع القانوني‪:‬‬
‫ردمك‪:‬‬
‫السحب‪:‬‬
‫‪3‬‬ ‫تقديم‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫وصلى هللا وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه‬

‫تقديم‬

‫األستاذ اإلمام عبد السالم ياسين رحمه هللا معروف بصفته مؤسسا ومرشدا لجماعة العدل‬
‫واإلحسان‪ ،‬الحركة اإلسالمية املغربية الدعوية التربوية السياسية املدنية السلمية التي انطلق‬
‫عملها عام ‪1980‬م‪ ،‬ذات االنتشارالواسع واملعروفة بنبذها للعنف وللعمل السري‪ ،‬وبرفضها ألي‬
‫تبعية للخارج‪ .‬كما أنه مشتهر بكونه عاملا مربيا في السلوك إلى هللا تعالى صادعا بالحق ما خاف‬
‫رحمه هللا في سبيل ذلك لومة الئم‪ ،‬ومات على ذلك عامال صابرا‪ ،‬وثابتا محتسبا‪ ،‬ما أعطى الدنية‬
‫من دينه وكرامته لظالم أو مستبد‪.‬‬
‫وقبل هذه املرحلة‪ ،‬وبالضبط قبل منتصف ستينيات القرن العشرين امليالدي‪ ،‬كان األستاذ‬
‫ياسين رحمه هللا من األطر البارزة في مجال التربية والتعليم على املستوى املركزي والوطني‬
‫في ‪ ‬املغرب‪.‬‬
‫ويحاول هذا الكتاب أن يسلط الضوء على جانب من الجهود التربوية والتعليمية التي بذلها‬
‫األستاذ اإلمام عبد السالم ياسين رحمه هللا خالل املرحلة التي أعقبت استقالل املغرب عام‬
‫‪ ،1956‬والتي كان فيها البلد في حاجة ماسة إلى ترسيم نظام تربوي تعليمي وطني يستوعب اإلقبال‬
‫الكبيروقتها على املدرسة الوطنية‪ ،‬ويقدم في نفس الوقت تعليما ذا جودة‪.‬‬
‫وقد كان األستاذ ياسين رحمه هللا من األطرالركائزالتي حملت على كاهلها املهمات الصعبة في‬
‫انتقاء املعلمين وتكوينهم‪ ،‬وفي التخطيط للعملية التربوية بمختلف مستوياتها‪ ،‬وفي تأليف الكتاب‬
‫املدر�سي وفي تكوين املديرين للمدارس ومساعديهم‪ ،‬وفي تكوين املفتشين املؤطرين لعمل هيئة‬
‫التدريس‪ .‬وكان رحمه هللا من الكفاءات النادرة التي جمع هللا لها التجربة العملية في التدريس‬
‫والخبرة في التدبير والتسيير والتكوين النظري واالطالع الواسع على االجتهادات واإلنتاجات‬
‫املتنوعة ملختلف املدارس األوروبية واألمريكية في مجاالت البيداغوجيا وعلم النفس وعلم‬
‫عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬ ‫‪4‬‬

‫االجتماع التربوي وعلوم التربية‪ ،‬فضال عن التراث العربي اإلسالمي في هذا الباب‪ .‬ومما سهل عليه‬
‫هذا األمرتمكنه من اللغتين اإلنجليزية والفرنسية فضال عن العربية‪.‬‬
‫ومما أعطى قيمة فريدة الجتهادات األستاذ رحمه هللا تحريه الحكمة النافعة من كل املدارس‬
‫العاملية بدون مركب نقص‪ ،‬واإلبداع في تقديمها بشكل يالئم الواقع الثقافي واالجتماعي املحلي‬
‫سواء أثناء التكوين املباشر للمدرسين واإلداريين واملفتشين‪ ،‬أو في املؤلفات التربوية التعليمية‬
‫والبيداغوجية التي أصدرها‪ ،‬وكذا في الكتب املدرسية التي ألفها منفردا‪ ،‬أو تلك التي اشترك‬
‫في تأليفها مع غيره من األطر التربوية‪ ،‬رغم أنها كانت تأخذ منه جهودا كبيرة ووقتا أثناء عملية‬
‫الترجمة التي كان يقوم بها بنفسه‪.‬‬
‫وقد أولى األستاذ ياسين رحمه هللا مرحلة الطفولة أهمية بالغة‪ ،‬وعمل جاهدا على نقل كل‬
‫علم نافع يبصر بالطرق واملسالك السليمة في التعامل مع هذه الفترة املهمة من حياة املتعلم‪.‬‬
‫وكان كثيرالتفصيل في ذلك في مختلف الحصص التكوينية التي أشرف عليها خالل النصف األول‬
‫من ستينيات القرن العشرين‪.‬‬
‫واملثير في النشاط الدؤوب لألستاذ رحمه هللا أنه كان يقوم بعملية القراءة واالطالع على‬
‫املصادر البيداغوجية العاملية املتنوعة بلغاتها‪ ،‬ويترجم ما يراه مهما‪ ،‬ويؤلف الكتب التربوية‬
‫والكتب املدرسية‪ ،‬ويقوم بالتكوين للمدرسين‪ ،‬ويدير املؤسسات التي كان مسؤوال عنها سواء في‬
‫مدرسة تكوين املعلمين أو في املركزالوطني لتكوين املفتشين بالرباط‪ ،‬املثيرأنه كان ينجزذلك كله‬
‫بشكل متزامن وبإتقان يشهد به جميع من تخرج على يديه أو من عاصره في العمل من زمالئه‪ .‬كما‬
‫تشهد على ذلك قيمة األعمال التي تركها كاملؤلفات البيداغوجية التي جعلت منه أحد املؤسسين‬
‫لعلوم التربية باملغرب‪.‬‬
‫وفي هذا الكتاب يقدم نخبة من األساتذة املختصين مواضيع مهمة تعرف باملجهودات‬
‫التربوية التعليمية والبيداغوجية التي بذلها األستاذ عبد السالم ياسين رحمه هللا في مجاالت‬
‫التكوين والتأليف من خالل دراسات متكاملة ملجموعة من إنتاجاته‪ ،‬وتحليلها ومقارنتها وإظهار‬
‫قيمتها العلمية والتاريخية‪ ،‬ليس فقط في السياق الزمني الذي ظهرت فيه‪ ،‬بل إنها تظهر أيضا‬
‫كيف تقف هذه اإلنتاجات شامخة اآلن‪ ،‬مفيدة ال تزال‪ ،‬وقابلة لإلفادة ملستقبل األجيال في‬
‫هذه التخصصات التي نتحدث عنها‪ .‬إنه كتاب يضم مجهودا مهما يقدم إحاطة عامة بما أنجزه‬
‫‪5‬‬ ‫تقديم‬

‫األستاذ ياسين رحمه هللا في هذا املجال في انتظار دراسات أكثر تفصيال تخص كل مؤلف على‬
‫حدة‪ ،‬وتحلله تحليال تربويا وبيداغوجيا عميقا يسبر أغوار كل حكمة نافعة فيه‪ .‬نسأل هللا أن‬
‫يبارك كل عمل نافع‪ ،‬وأن يهدي إلى سبيل الرشد في عاجل األمر وآجله‪ .‬وصلى هللا وسلم على‬
‫سيدنا محمد وآله وصحبه والحمد هلل رب العاملين‪.‬‬

‫محمد حمداوي‬
‫مدير املركز الدولي للدراسات واألبحاث التربوية والعلمية‬
‫ورئيس تحرير مجلة النداء التربوي‪ ،‬مفتش ممتاز في قطاع التربية والتعليم‪.‬‬
‫الرباط في ‪ 9‬ذي الحجة ‪ / 1439‬موافق ‪ 21‬غشت ‪2018‬‬
‫‪7‬‬

‫هندسة التكوين بالمنظومة التربوية المغربية‬


‫من خالل‪:‬‬
‫«النصوص التربوية» و«كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا؟»‬

‫(((‬
‫د‪ .‬طارق الفاطمي‬

‫تقديم‪:‬‬

‫انبرى األستاذ عبد السالم ياسين رحمه هللا لالجتهاد في املجال التربوي والبيداغوجي في أوائل‬
‫عقد الستينيات من القرن العشرين من موقع الخبرة واملسؤولية املهنية والتجربة امليدانية‪،‬‬
‫وهو املفتش التربوي واملدير ملركز تكوين املدرسين ومركز تكوين املفتشين واملؤطر بهما‪.‬‬
‫فكانت نظرته التربوية التي ظهرت إحدى تجلياتها‪ ،‬وبعض معاملها في التفكير واالقتراح في‬
‫هندسة التكوين باملراكز التربوية التي أشرف عليها‪ ،‬وقد كان حامل لواء الجودة واملهننة بها‪،‬‬
‫إلى تلبية الحاجات العلمية والتكوينية والتدريب على املهارات املؤهلة ملمارسة مهن التربية‬
‫والتكوين‪ ،‬للمتخرجين من هذه املراكز‪.‬‬
‫وعبر األستاذ رحمه هللا عن الحاجيات التي رصدها في ميدان املمارسة املهنية في مقدمة‬ ‫ّ‬
‫الكتابين‪« :‬النصوص التربوية» و«كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا؟» وكانت الدافع املوجه‬
‫الختيار هندسة التكوين في مركز تكوين املعلمين بمراكش‪ ،‬في الوقت الذي كانت فيه الحاجة‬
‫ماسة إلى أطر تربوية مغربية مؤهلة تمأل الفراغ الذي عاشه املغرب بعد االستقالل وتراجع‬
‫عدد األطر األجنبية ورفع تحدي املغربة والتعميم‪ ،‬وغياب تام لتصور تربوي متكامل يؤهل‬
‫املدرسين لالضطالع بمهام التربية والتعليم املوكولة إليهم‪ ،‬فكان البد من االجتهاد واقتحام‬
‫عقبة التأليف لسد الثلمة‪ ،‬ورأب الصدع ومواجهة التحديات في واقع تتجاذبه املشاكل‬
‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪.‬‬

‫((( مفتش تربوي وباحث في علوم التربية‪.‬‬


‫عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬ ‫‪8‬‬

‫فما اإلضافة العلمية واملنهجية التي جاء بها التأليف التربوي عند األستاذ في هندسة‬
‫التكوين؟ وما اآلثار التي أحدثها في واقع املمارسة املهنية؟ وما آفاق البحث وأوجه االستفادة من‬
‫الفكر التربوي لإلمام في بلورة مشروع جودة تكوين األطر التربوية والرقي بها إلى مستوى املهنة؟‬
‫محاور‪ ‬البحث‪:‬‬
‫‪ .1‬السياق الذي جاء فيه التأليف التربوي والبيداغوجي عند األستاذ عبد السالم ياسين‬
‫رحمه هللا‪.‬‬
‫‪ .2‬رصد الحاجيات وهندسة التكوين‪.‬‬
‫‪ .3‬مقاصد التأليف وأهداف املؤلف‪.‬‬
‫‪ .4‬هندسة التكوين التربوية والتأطير البيداغوجي في فكر األستاذ عبد السالم ياسين رحمه هللا‪:‬‬
‫‪ -‬املضامين العلمية‪.‬‬
‫‪ -‬املهارات التدريبية‪.‬‬
‫‪ .5‬توصيات ومقترحات‪ .‬‬

‫‪ .1‬السياق الذي جاء فيه التأليف التربوي والبيداغوجي عند األستاذ عبد السالم‬
‫ياسين رحمه اهلل‪:‬‬

‫أصدر األستاذ عبد السالم ياسين رحمه هللا كتاب «نصوص تربوية» سنة ‪1961‬م‪،‬‬
‫وكتاب «مذكرات في التربية» سنة ‪1962‬م‪ ،‬في مرحلة تاريخية اتسمت بتسارع األحداث وكثرة‬
‫التحديات وعمق األزمات‪.‬‬
‫أ‪ .‬السياق السيا�سي‪ :‬كان لوفاة محمد الخامس رحمه هللا‪ ،‬تأثير اجتماعي وسيا�سي مهم‬
‫لبلد قريب عهد باالستقالل‪ ،‬حيث بدأ يطفو على السطح صراع األجهزة األمنية وتجاذب‬
‫السلطة محليا وإقليميا‪ ،‬تبعية القرار السيا�سي وتأثره بمخالفات املرحلة االستعمارية‪ ،‬وهو‬
‫ما انعكست آثاره بشكل واضح على املنظومة التربوية والسياسة التعليمية(((‪.‬‬

‫((( تفاصيــل املرحلــة واإلرث الــذي خلفــه االســتعمارفــي املنظومــة التربويــة ذكرهــا موثقــة محمــد عابــد الجابــري فــي‬
‫كتابــه «أضــواء علــى مشــكلة التعليــم باملغــرب»‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالنشــراملغربيــة‪ ،‬ط‪1973 ،1‬م‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫هندسة التكوين باملنظومة التربوية املغربية‬

‫ب‪ .‬السياق االجتماعي‪ :‬التخلف االجتماعي واالنتشار املهول لألمية‪ ،‬وانعدام البنية‬
‫التحتية‪ ،‬وانتشار مظاهر الفقر والتخلف التفاوت الثقافي واالقتصادي بين طبقات املجتمع‪.‬‬
‫ت‪ .‬السياق االقتصادي‪ :‬بنية ونسيج اقتصادي في طور التشكل‪ ،‬مع قلة املوارد وضعف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫امليزانية العامة للدولة وانعكاساتها على قطاع حيوي كالتعليم الذي يتطلب استثمارا ماديا‬
‫ً‬
‫حقيقيا‪ ،‬خاصة مع رفع شعار املبادئ األربعة؛ التعميم والتوحيد والتعريب ومغربة األطر‪.‬‬
‫ث ‪ .‬الواقع التربوي التعليمي في مرحلة تأليف الكتابين‪ :‬أما واقع النظام التعليمي في‬
‫املغرب في فترة تأليف الكتابين فقد اتسم بتعدد املشارب واالتجاهات؛ نظام البعثات‪ ،‬والتعليم‬
‫العمومي الرسمي املزدوج‪ ،‬والتعليم األصيل‪ ،‬والتعليم الحر الخصو�صي‪ ،‬وكلها مخلفات‬
‫استعمارية‪ ،‬كان التعليم العمومي فيها أضعف أنواع التعليم إذ أثقل منذ نشأته بمشاكل متعددة‪.‬‬
‫وأهم مظاهر أزمة التعليم ومشاكله آنذاك الحاجة الكبيرة للتعليم‪ ،‬والطلب املتزايد عليه‬
‫مع انتشار كبير لألمية‪ ،‬والنقص الكبير في األطر املؤهلة في جميع القطاعات‪ ،‬وبدايات تنظيم‬
‫اإلدارة وإحداث مديرية لتسيير شؤون التعليم‪ ،‬وتعاقب اإلصالحات بشكل متتابع وسريع ما‬
‫يعبر عن تخبط كبير وبحث عن الذات؛ تجلت في إصالح ‪1957‬م ورفع تحدي تعميم التمدرس‪،‬‬
‫وإصالح ‪1958‬م والتراجع عن أولويات اإلصالح السابق وإعطاء األولوية لتكوين األطر‬
‫التربوية والتعليمية على حساب تعميم التمدرس‪ ،‬وإصالح ‪1959‬م األولوية للمبادئ األربع‬
‫( التعريب ‪ -‬املغربة ‪ -‬التوحيد ‪ -‬التعميم)‪ ،‬ثم إعالن خطة «املذهب الجديد في التعليم» بين‬
‫‪1960‬م و‪1964‬م‪.‬‬

‫‪ .2‬رصد الحاجيات وهندسة التكوين‪:‬‬

‫واكب تأليف الكتب التربوية لإلمام مرحلة تشجيع التمدرس ما ُع ّبر عنه حينئذ باالنفجار‬
‫املدرسين الجدد باملدرسة املغربية‪ .‬حيث انطلق التأليف‬‫ّ‬
‫املدر�سي‪ ،‬والتحاق عدد هائل من ِ‬
‫التربوي عند األستاذ من تشخيص دقيق لواقع التصورات التربوية السائدة في املجتمع وعند‬
‫املمارسين ملهن التربية والتكوين‪ ،‬وقد عبر األستاذ رحمه هللا عن ذلك في مقدمة الكتابين‬
‫وبحكم التجربة والواقع الذي عايشه ورصده في امليدان ما سمح له بالوقوف على مكامن‬
‫الخلل في واقع املمارسة املهنية التي تجلت في هيمنة املمارسات التربوية والتصورات التقليدية‬
‫‪ 10‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫في الواقع التربوي باملغرب‪ ،‬وضعف التصورات التربوية عند املدرسين املمارسين واملقبلين‬
‫على مهن التدريس‪ ،‬والتتبع املوضوعي لحاجيات الطلبة األساتذة واألساتذة املقبلين على‬
‫امتحانات الكفاءة التربوية في الكتابة والتحرير وتحليل النصوص التربوية‪ ،‬وضعف التكوين‬
‫الفكري عند املمارسين في القطاع التربوي‪ ،‬وضعف القدرات التحليلية وما يتبعها من استنتاج‬
‫ً‬
‫ومناقشة ونقد ثم تطوير ملا أنتجه الفكر التربوي قديما وحديثا‪ .‬وكان رحمه هللا في كل ذلك‬
‫يستشرف مستقبل األمة وما تحتاجه من أطر تنهض بالتحديات‪.‬‬

‫‪ .3‬مقاصد التأليف وأهداف المؤلف التي أعلنها في مقدمة الكتابين‪:‬‬

‫أ‪ .‬كتاب « نصوص تربوية»‪:‬‬


‫كانت مقاصد تأليف كتاب «نصوص تربوية» وغاياته الصريحة والضمنية واضحة ملن‬
‫عرف شخصية األستاذ عبد السالم ياسين رحمه هللا وفكره وتكوينه وبعد نظره‪ ،‬فقد عبر عن‬
‫أهمية تخصيص حصص وبتعبيرنا اليوم مصوغات أو وحدات للتدريب على دراسة وتحليل‬
‫النصوص التربوية ضمن هندسة التكوين‪ ،‬تنويع طرق وأشكال التكوين والتأطير التربوي‪،‬‬
‫وبناء هندسة التكوين على الطرائق النشيطة في التأطير والتدريب وبناء مهارات املتدربين‪ .‬‬
‫وكان من غايات التأليف عنده وضع عدة النصوص التربوية التراثية والعربية واملترجمة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مختارة بعناية بين يدي املكونين بمراكز التكوين اقتصادا في الجهد وتقريبا للتصورات‪ ،‬وتيسير‬
‫حصول الطالب واألستاذ املؤطر على نصوص ودعامات مطبوعة سهلة املناولة‪.‬‬
‫وهدف رحمه هللا إلى تيسير التعامل مع النص التربوي من حيث الفهم وموطن الفائدة‬
‫والتطبيق‪ ،‬مع ربط التكوين التربوي بالحركة التربوية العامة‪ ،‬وترسيخ القيم التربوية‬
‫واستشراف تطبيقاتها في واقع املمارسة املهنية‪ ،‬والتأطير الفكري للطالب األستاذ ودعم‬
‫ً‬
‫انخراطه في املنظومة التربوية فكرا وممارسة‪ ،‬وتمرين الطالب األستاذ على مهارات التحليل‬
‫والنقد‪.‬‬
‫ب‪ .‬كتاب « كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا؟» ‪:‬‬
‫أما كتاب « كيف أكتب إنشاء بيداغواجيا» فقد كانت الغاية األولى من تأليفه تدريب الطلبة‬
‫األساتذة املقبلين على امتحانات التخرج من املراكز واألساتذة املقبلين على امتحانات الكفاءة‬
‫‪11‬‬ ‫هندسة التكوين باملنظومة التربوية املغربية‬

‫املهنية على مبادئ الكتابة وتحليل النص التربوي‪ ،‬والتدريب على فهم السؤال واستيعاب‬
‫املطلوب‪ ،‬وأرشفة االمتحانات السابقة للتخرج من املراكز أو الكفاءة التربوية‪.‬‬
‫من خالل التأمل في موضوعات الكتاب والتعامل مع مضامينه‪ ،‬فقد حرص األستاذ ضمنيا‬
‫على اإلسهام في رفع الوعي والفكر التربوي لألساتذة‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ هندسة التكوين التربوية والتأطير البيداغوجي في فكر األستاذ عبد السالم‬
‫ياسين رحمه اهلل‪:‬‬

‫أ‪ .‬املضامين العلمية‪:‬‬


‫جعل األستاذ البحث في التراث اإلسالمي عن التصورات التربوية الناجحة أولوية في‬
‫تصوره لإلصالح في املنظومة التربوية املغربية‪ ،‬حيث حرص على جمع درره ونفائسه وترتيبها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تاريخيا وتوجيه النظر إلى جوانب اإلفادة منها‪ .‬وركز البحث أيضا في الفكر الغربي وتصفيته‬
‫ونخله مع الترجمة الرصينة للمعاني‪ ،‬وربط الحاضر باملا�ضي واالنفتاح على الثقافة الغربية‬
‫القديمة والحديثة‪ .‬‬
‫ً‬
‫وكان رحمه هللا حريصا على رصد سيرورة الفكر التربوي اإلنساني من اإلغريق إلى الفرس‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إلى القرون اإلسالمية الزاهرة مرورا بفلسفة عصر األنوار وصوال إلى العصر الحديث‪ ،‬مع‬
‫التأكيد على مبادئ علم النفس التربوي‪ ،‬ومبادئ مدارس علم االجتماع وأعالمها‪ ،‬وربطها‬
‫بالتنشئة االجتماعية للطفل واملراهق‪.‬‬
‫وقد انفتح فكره التربوي على االتجاهات املختلفة في علوم التربية من االتجاه البراجماتي‬
‫مع ويليام جيمس‪ ،‬واالتجاه الوظيفي في علم االجتماع مع دوركايم‪.‬‬
‫ومن خصوصيات الفكر التربوي عنده القدرة على تكييف االتجاهات املختلفة في علوم‬
‫التربية وعلم النفس بخصوصيات مهام املدرس وخصوصيات املجتمع املغربي‪ ،‬حيث‬
‫ناقش قضايا راهنة كإلزامية التعليم‪ ،‬وتعليم الفتاة واالختالط ووظائف املدرسة‪ ،‬واقترح‬
‫استراتيجية تكوينية في بناء قناعات التعلم والتعليم وعملياته املتمركزة حول املتعلم‬
‫وفاعليته ‪ ‬واستعداداته‪.‬‬
‫‪ 12‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫ومن استراتيجيات التعلم لديه التي جعلت املؤلفات التربوية عنده تتخذ منهج التطبيق‬
‫والتدريب‪ ،‬حرصه على ترسيخ قناعة التعلم بكشف التمثالت واملناقشة املفتوحة‪ ،‬وذلك‬
‫لتغيير القناعة وترسيخ وتقويم القيم والسلوكات‪ ،‬وحفز التفكير بوسائل أخرى أكثر نجاعة‬
‫ومالءمة لطبيعة الشخصية والتركيبة النفسية والعقلية للمتلقي‪.‬‬
‫أما منهج تأليف الكتاب فاعتمد طريقة تحليل ومناقشة النص الفكري والفلسفي‪ ،‬وقد‬
‫ً‬
‫كان هو متقدما في ذلك بالنظر الى الزمن الذي أنتج فيه‪ :‬مقدمة إشكالية‪ ،‬ثم فقرة للتحليل‪ ،‬ثم‬
‫فقرة للمناقشة‪ ،‬ويختم بخالصة واستنتاجات وآفاق البحث في املوضوع‪ .‬‬

‫ب‪ .‬املهارات التدريبية‪:‬‬


‫ركز األستاذ رحمه هللا على إكساب املقبلين على مهن التربية والتكوين مهارات تدريبية‪،‬‬
‫فكان من أولوياته القدرة على تحليل ونقد التراث التربوي اإلسالمي والفكر التربوي الغربي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫معا‪ ،‬حرص على تحويل نفائسه وفوائده إلى فكر وممارسة ميدانية‪ ،‬وتحقيقا لذلك سلك منهج‬
‫تنمية القدرة على التحليل واالستنتاج‪ ،‬والقدرة على املقارنة‪ ،‬وعمل على ترسيخ قيم وقناعات‬
‫املربي املتقن لعمليات تصحيح التصورات حول أشكال إكساب السلوك وتوجيهه للناشئة‪.‬‬
‫وهدف التأليف التربوي عند األستاذ إلى خلخلة تمثالت املقبلين على مهن التدريس‬
‫الفكرية والتربوية‪ ،‬وترسيخ قناعات جديدة‪ ،‬والتدريب على رصد الظواهر التربوية في الواقع‬
‫االجتماعي واملدر�سي باستحضارها في األمثلة التحليلية‪ ،‬وتحفيز األساتذة املتدربين على‬
‫اإلقبال على تعلم مهنة التدريس والتربية والتمييز بين الوهبي واملكتسب بالدربة واملمارسة‪.‬‬
‫من أمثلة ذلك تقديمه في كتاب نصوص تربوية «تجربة العالم التربوي السويسري كالبريد»‪،‬‬
‫حتى تكون قدوة وتجربة يحتذى بها‪.‬‬
‫ويلمس القارئ املتأمل في الكتب البيداغوجية لإلمام أنه كان يبحث في اإلنتاج املعرفي‬
‫العربي املعاصر عن أفكار وإشراقات تربوية تتالءم مع النظريات الحديثة‪ ،‬وتخدم املشروع‬
‫الذي يبحث عن أسس وأدوات علمية ومنهجية لترسيخه‪ ،‬مثال ذلك إيراده نصوصا وأفكارا‬
‫ّ‬
‫تربوية طه حسين وغيره من الكتاب‪ .‬وحذر األستاذ من الحماس األعمى لبعض النظريات التي‬
‫تظهر هنا وهناك في غياب التكيف مع الظروف والحاجيات‪ .‬‬
‫‪13‬‬ ‫هندسة التكوين باملنظومة التربوية املغربية‬

‫وكان يرى أن التنظير في هندسة التكوين بمركز املعلمين يجب أن يكون من أولوياته ترسيخ‬
‫قيم العزة والكرامة والوطنية الحقة وتحمل األمانة‪ .‬أما هندسة التكوين التي يقترحها األستاذ‬
‫فغايتها أن ترسخ في املعلم التفكير املنهجي املنظم‪ ،‬واملمارسات التربوية الواعية التي تدفع في‬
‫اتجاه مراعاة الفروق الفردية وتفريد التعليم‪.‬‬
‫وقد تجاوزت كتب األستاذ في هذا املجال املعرفي االقتراح النظري املعمول به في هذا النوع‬
‫من الكتابات إلى تقديم نماذج جاهزة من أشكال تحليل النص التربوي بحسب حقله العلمي‬
‫(علم نفس‪ ،‬التربية العامة‪.)...‬‬

‫‪ . 5‬توصيات ومقترحات‪:‬‬

‫وأقترح في نهاية هذا االشتغال على الكتابين وتتبع منهج تأليفهما بما يأتي‪:‬‬
‫ •إعادة ترتيب كتاب كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا؟ وتفكيك قضاياه الى قضايا جزئية‬
‫تعالج في كتابات خاصة‪ .‬‬
‫ •اعتماد قراءة وتحليل املضامين العلمية للنصوص الواردة في الكتابين من قبل فريق‬
‫بحث متخصص يمكنه من إعادة بناء نظرية تربوية جديدة تجمع بين التكامل املعرفي‬
‫والتراث الحضاري اإلنساني‪ .‬‬
‫ •تخصيص قضايا الترجمة في مختلف الحقول املعرفية عند األستاذ رحمه هللا بالبحث‬
‫والدراسة من أنواع النصوص واألفكار املختارة للترجمة إلى البحث في الترجمة ذاتها‬
‫واملنهج املتبع ‪ ‬فيها‪ .‬‬
‫ً‬
‫ •‪ ‬ترتيب قضايا الكتابين ترتيبا معاصرا بتبويب جديد‪ .‬‬
‫ •تنظيم املادة العلمية والتفكير في أشكال التوظيف والبناء خدمة لهندسة التكوين‬
‫بمراكز مهن التربية والتكوين واملدارس العليا لألساتذة‪.‬‬

‫بيبليوغرافيا الدراسة‪:‬‬
‫‪ -‬محمد عابد الجابري‪ ،‬أضواء على مشكلة التعليم باملغرب‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬دار النشر‬
‫املغربية‪ ،‬ط‪1973 ،1‬م‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫الجهود البيداغوجية لألستاذ عبد السالم ياسين‬


‫من خالل كتابه «مذكرات في التربية»‬

‫(((‬
‫ذ‪ .‬محمد الريمي‬

‫‪ -‬مقدمة‪:‬‬
‫‪ -‬املحور األول‪ .‬مذكرات في التربية‪ :‬سياقات الكتابة ودالالت التآليف‬
‫‪ 1‬ـ مذكرات في التربية‪ :‬سياق الكتابة ودواعي اإلخراج‬
‫‪ 2‬ـ مذكرات في التربية مدلوالت التسمية و داللة التأليف‬
‫‪ -‬املحور الثاني‪ .‬خصائص الخطاب البيداغوجي عند األستاذ عبد السالم ياسين من‬
‫خالل «مذكرات في التربية»‬
‫الخاصية األولى‪ :‬األصالة والتأصيل‬
‫الخاصية الثانية‪ :‬االنفتاح والتجديد‬
‫الخاصية الثالثة‪ :‬الواقعية واإلجرائية‬
‫الخاصية الرابعة‪ :‬التكامل والشمول‬
‫الخاصية الخامسة‪ :‬االستشراف واملستقبلية‬
‫‪ -‬املحور الثالث‪ :‬معالم في النظرية البيداغوجية لألستاذ عبد السالم ياسين من خالل‬
‫«مذكرات في التربية»‬
‫‪ -‬خاتمة‬

‫((( مفتش تربوي وباحث في علوم التربية‪.‬‬


‫‪ 16‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫إن من نفائس الشيم ومعالي القيم االعتراف بالفضل ألهله‪ّ ،‬‬
‫ورد الجميل لذويه والعود‬
‫بالشكر لبادئه خاصة إذا تعلق األمر بجهد نذر صاحبه نفسه له وبذل في سبيل إنجاحه كل‬
‫غال ونفيس ال يريد بذلك جزاء وال شكورا سوى وجه هللا‪ ،‬واإلسهام في بناء مغرب «ما بعد‬
‫االحتالل» وتربية الجيل الجديد وتأهيل أطر املستقبل‪.‬‬
‫يكون االعتراف واالمتنان واجبا في حق رجل عصامي‪ ‬ومفكر أملعي ومرب متمرس وخبير‬
‫تربوي «أوقف حياته على االهتمام بمشكالت التعليم والتربية في بالدنا»(((‪ ،‬واشتهر عند الخاص‬
‫والعام بوطنيته وتفانيه وصدقه وتواضعه واستقامته‪ ،‬إنه األستاذ املربي عبد السالم ياسين‪.‬‬
‫ّّ‬
‫فكيف نظر الرجل إلى التعليم آنئذ وكيف نظ ـر له؟‬
‫وما هي مالمح التجديد في الخطاب التربوي ومقومات التميز في الدرس البيداغوجي‪ ،‬كما‬
‫أسس لهما األستاذ عبد السالم ياسين من خالل كتابه الرائد املتفرد «مذكرات في التربية»؟‬

‫المحور األول‪ :‬مذكرات في التربية «سياقات الكتابة ودالالت التآليف‬


‫‪ . 1‬مذكرات في التربية‪ :‬سياق الكتابة ودواعي اإلخراج‪:‬‬
‫يحيلنا تاريخ كتابة مذكرات في التربية ـ أي أواخر ‪ .1963‬إلى مرحلة دقيقة من تاريخ املغرب‬
‫املعاصر حيث عرف املغرب خالل هذه الفترة احتقانا سياسيا وصراعا مريرا بين بعض القوى‬
‫الوطنية والسياسية والقصر‪ ،‬انتهى بتمرير دستور ‪1962‬م‪ ،‬وتمكين القصر من احتواء فئات‬
‫كبيرة من النخب السياسية والقوى املعارضة‪ ،‬مرحلة كان التعليم فيها ساحة للصراع‪ ،‬ورهانا‬
‫شعبيا‪ ،‬وورشا واعدا‪...‬‬
‫أما على املستوى التعليمي فقد عرفت هذه املرحلة تلمس الخطوات األولى لتنزيل املبادئ‬
‫األربعة التي رفعتها الحركة الوطنية إلصالح التعليم وهي التعميم واملغربة واملجانية ومغربة‬
‫األطر‪ ،‬حيث سيعرف املغرب‪ ،‬الحديث العهد باستقالله املتشوف لغد أفضل‪ ،‬تدفقا هائال‬
‫للتالميذ وإقباال متزايدا على التعليم‪ ،‬وما استتبع ذلك من ضرورة بناء املناهج وصياغة البرامج‬
‫وإعداد البنيات وانتقاء الكفاءات وتأهيل األطر‪...‬‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬مذكرات في التربية‪ ،‬كلمة الناشر‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬دارالسلمي للتأليف والترجمة والنشر‬
‫والطباعة والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1963 ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪17‬‬ ‫الجهود البيداغوجية لألستاذ عبد السالم ياسين من خالل كتابه «مذكرات في التربية»‬

‫وسيكون رجل التحدي وقائد املشروع هو األستاذ عبد السالم ياسين الذي تتواتر الشهادات‬
‫بخصوص دوره الحاسم وجهده الخارق من أجل االستجابة للطلب املتزايد على املدرسة‬
‫العمومية‪ ،‬وانتقاء األطر وتأهيلها‪ ،‬وكذا إعداد املناهج واملقررات بروح إيمانية عالية وحس‬
‫وطني صادق وصدق وعفة ونزاهة واقتدار‪ ،‬يقول األستاذ رحمه هللا بهذا الصدد‪« :‬أتحدث‬
‫عن هذا الجهاز ‪-‬يقصد التعليم‪ -‬وحق لي أن أتحدث فقد كنت جزءا من أجزائه وعاصرته‬
‫وخبرته عن كتب وبلوت عجائبه فإذا نطقت فما أنطق عن تطلع ثقافي وال عن رواية بلغتني لكن‬
‫عن تجربة مباشرة»((( من هذا املنطلق يشكل كتاب «مذكرات في التربية» بشهادة املختصين‬
‫التربويين مرجعا مهما للباحثين في تاريخ إصالح منظومة التربية والتكوين باملغرب والتأريخ‬
‫لها‪ ،‬كما يعتبر لحد اآلن مصدرا تكوينيا وعدة تدريبية لم تفقدها السنون أهميتها وراهنيتها‪،‬‬
‫وترجع هذه األهمية وتلكم الراهنية ملجموعة من العوامل والتجليات‪ ،‬نجملها فيما يلي‪:‬‬
‫ •غيرة صادقة وحرص أكيد من أجل بناء منظومة التربية والتكوين بمغرب ما‬
‫بعد ‪ ‬االستقالل‪.‬‬
‫ •السعي الستنبات نظرية تربوية تستحضر معطيات البيئة الوطنية وخصائص املمارسة‬
‫التعليمية باملغرب‪.‬‬
‫ •اإلفادة من حصيلة تجاربه العلمية ونجاحاته الشخصية واملهنية وكذا قراءاته املتنوعة‪،‬‬
‫الواسعة والدقيقة‪.‬‬
‫ •تقريب الخطاب التربوي لفئات واسعة من خالل تبسيطه وتقديمه في» أحسن تقويم‬
‫وأسهل سبيل»(((‪.‬‬
‫ •مقاربة الظاهرة التربوية من زوايا متعددة‪ ،‬خاصة وأن األستاذ جمع هللا له في‬
‫عمر قصير مجموعة من العطايا واملؤهالت ويسر له سبل الترقي في مجموعة من‬
‫املراتب ‪ ‬واملسؤوليات(((‪.‬‬
‫ •ملء الفراغ التنظيري والبحث التخص�صي في املجال التربوي‪.‬‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬اإلسالم غدا‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬مطبعة النجاح‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1973 ،‬ص ‪.719‬‬
‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬مذكرات في التربية‪ ،‬كلمة الناشر‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫((( يقــول األســتاذ فــي مقدمــة رســالته املشــهورة اإلســام أو الطوفــان‪ :‬وجــاء االســتقالل فوجدنــي فــي منصــب‬
‫ً‬
‫مســؤولية إقليميــة فــي التعليــم‪ .‬فعاصــرت األقدميــن يافعــا‪ ،‬وعاصــرت نشــأة الفســاد اإلداري فــي مراحلــه كلهــا منــذ‬
‫االســتقالل‪ .‬فــإن تحدثــت عــن العلمــاء فعــن معرفــة ومخالطــة ومشــاركة‪ ،‬وإن تحدثــت عــن املغــرب وشــبابه ورجالــه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وإدارتــه فعــن خبــرة ســبع وعشــرين ســنة كنــت فيهــا معلمــا‪ ،‬وإداريــا‪ ،‬وخبي ـرا‪.‬‬
‫‪ 18‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫إلى نظير هذه األفكار يشير األستاذ عبد السالم ياسين في تقديمه للكتاب قائال‪« :‬هذه مذكرات‬
‫جمعت فيها دروسا كنت ألقيتها على طلبتي في مدرسة املعلمين منذ عدة سنوات‪ .‬ولست أزعم‬
‫أنني أضيف بهذه الصفحات بحثا علميا في املوضوع‪ ،‬لكنني رأيت أال يضيع ما كنت بذلته من‬
‫مجهود متواضع يستنير بتجربة غير قصيرة في ميدان تكوين املعلمين‪ .‬ورأيت أن أعطي لطالب‬
‫مدرسة املعلمين مادة تساعده في مطالعاته على مقارنة وجهات النظر‪ ،‬وعرض طرق التفكير‬
‫والكتابة بعضها على بعض‪ .‬عندما ينظر في هذه الورقات باإلضافة إلى كتب التربية التي بين‬
‫يديه‪ .‬ولئن كان الدرس الشفوي الذي ألقيته على طالبي يجد في املشافهة واألسئلة وردودها‬
‫وسيلة للزيادة في الشرح والبيان‪ ،‬فإن ما يجده القارئ في مذكراتي هذه من اإليجاز واالقتضاب‬
‫لن يمنع طالب مدرسة املعلمين من اتخاذها دليال في دراسته‪ ،‬والعثور في طيها على تفسير كثير‬
‫مما غمض عليه ويكفي توصية بهذه املذكرات ما حاولت أن أضعه فيها من صبغة وطنية‪ ،‬إذ‬
‫عالجت كل موضوع على ضوء واقعنا التعليمي‪ .‬وتحدثت عن املعلم باعتباره املعلم املغربي في‬
‫وضعه الخاص وبصفاته التي يحددها تكوينه وعقليته كما تحدثت عن التلميذ باعتباره التلميذ‬
‫املغربي املتقلب في أسرة مغربية‪ ،‬والنا�شئ ملستقبل مغربي‪.‬‬
‫وأملي بعد‪ ،‬أن يقرأني الطالب في مدرسة املعلمين‪ ،‬واملعلم املمارس ليجد فيما كتبته‬
‫منبعثا إلى األصالة والتجديد اللذين نحن في أشد الحاجة إليهما بعد أن جعلنا التقليد والتبعية‬
‫األعميان ننظر بأعين غيرنا إلى مشاكلنا الخاصة»(((‪.‬‬

‫‪ .2‬مذكرات في التربية‪ :‬مدلوالت التسمية ودالالت التأليف‬

‫غالبا ما ترتبط « املذكرات» في الكتابات األدبية أو الفكرية أو التاريخية بسرد جوانب‬


‫من السير الذاتية أو الغيرية أو توثيق أحداث تاريخية لها أهميتها ودالالتها بالنسبة للكاتب أو‬
‫السياق الذي يريد أن يؤرخ له‪ ،‬بيد أن كتاب «مذكرات في التربية «لألستاذ عبد السالم ياسين‬
‫يوحي بمجموعة من اإلشارات والدالالت‪ ،‬نوردها فيما يلي‪:‬‬
‫ •بث التواضع واألدب العلمي الرفيع‪.‬‬
‫ •اإلسهام في التأسيس لنقاش علمي منفتح حول قضايا التربية والتعليم‪.‬‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬مذكرات في التربية‪ ،‬ص ‪.5‬‬


‫‪19‬‬ ‫الجهود البيداغوجية لألستاذ عبد السالم ياسين من خالل كتابه «مذكرات في التربية»‬

‫ •التهمم العميق بمشكالت التعليم واالنخراط الكلي في مشروع بناء منظومة تعليمية رائدة‪.‬‬
‫ •تقديم خالصة تجربة وعصارة فكر وخميرة بحث وممارسة‪.‬‬
‫ •التأريخ لدروس معدة بشكل دقيق وبمهنية عالية استغرقت سنوات عديدة‪.‬‬
‫ •التأسيس للبدايات األولى للدرس البيداغوجي باملغرب ولعلوم التربية بشكل خاص‪.‬‬
‫ •ترسيخ قيم اإلنصاف املنهي (في حق املعلمين املعربين خاصة) والتنبه املبكر ألولوية‬
‫التكوين املستمر عموما‪.‬‬
‫لكن يبقى السؤال مطروحا‪ :‬هل ُيعد الكتاب تأسيسا لخطاب تربوي جديد‪ ،‬ولبنة لبناء‬
‫نظرية تربوية متكاملة ومتجددة؟‬

‫المحور الثاني‪ :‬خصائص الخطاب البيداغوجي عند األستاذ عبد السالم ياسين من‬
‫خالل «مذكرات في التربية»‬

‫الخاصية األولى‪ :‬األصالة والتأصيل‬


‫لعل من اإلضافات النوعية واملتفردة التي جاء بها األستاذ رحمه هللا‪ :‬الثورة على التقليد‬
‫األعمى واالنبهار الساذج بالفكر التربوي الغربي‪ ،‬والنظر إلى هذا الفكر في نسبيته وبشريته‬
‫والبيئة التي أنتجته وبالتالي إخضاعه للتمحيص والتدقيق والتكييف واملالءمة للبيئة الوطنية‬
‫ولخصوصيات املرحلة التاريخية وللتطلعات املستقبلية للبالد‪ ،‬وهو ما أسماه «الصبغة‬
‫الوطنية» لذا نجد األستاذ رحمه هللا وفي مناسبات كثيرة من هذا الكتاب ‪،‬يورد مالحظاته‬
‫وتعليقاته حول مجموعة من القضايا واألفكار ويربطها بواقع املمارسة التربوية بالعالم‬
‫العربي وبالبيئة املغربية‪ ،‬كما أنه مهد ملذكراته بوقفات تأصيلية حاول من خاللها التوقف مليا‬
‫على املفاهيم املركزية املؤسسة للخطاب التربوي وقد اعتمد في ذلك منهجا متفردا في التعامل‬
‫مع املفهوم البيداغوجي يمكن إجمال خطواته فيما يلي‪:‬‬
‫ •تقديم سياق املفهوم‬
‫ •الداللة اللغوية‬
‫ •املعنى التداولي‬
‫ •تعاريف املتخصصين‬
‫‪ 20‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫ •تأويل ونقد‬
‫ •ترجيح وإغناء‬
‫ومن أهم املفاهيم التي خصها األستاذ بالدراسة والتحليل‪:‬‬
‫ •مفهوم التربية‬
‫ •مفهوم املدرسة‬
‫ •مفهوم الطفولة‬
‫ •مفهوم علم النفس التربوي‬
‫ •مفهوم األخالق‬
‫نورد بهذا الصدد شهادة األديب واملفكر املغربي عبد الغني أبو العزم أوردها في سيرته‬
‫الذاتية «الضريح اآلخر»‪ ،‬وقد كان أحد الطلبة املعلمين‪:‬‬
‫«استمر السيد املدير في خطابه التربوي بعبارات منتقاة ال يأتيها الباطل من بين يديها وال‬
‫من خلفها‪ ،‬واضحة الداللة‪ ،‬صافية املقاصد‪ ،‬تذيب القلوب‪ ،‬وتشعر بالندم‪ ،‬وتدفع إلى طلب‬
‫الغفران‪ ،‬وتحط من يستمع إليها أمام شبابيك النسك والطهر‪ ،‬وكادت عيوننا تدمع من شدة‬
‫التأثر مما كنا نسمع»(((‪.‬‬
‫الخاصية الثانية‪ :‬االنفتاح والتجديد‬
‫كانت فترة التدريب بمدرسة املعلمين بالرباط منحة إلهية ساقها هللا تعالى لألستاذ ياسين‬
‫ليؤهله ملراتب سامقة وليوقفه على حقائق حاسمة‪ ،‬ويوجهه ملطالب السامية‪ ،‬من مظاهرها‪:‬‬
‫ •الهمة العالية واإلرادة السامقة في اإلقبال على العلوم والتبحر فيها بمختلف اللغات وفي‬
‫شتى التخصصات؛‬
‫ •الجمع العجيب والتوفيق السديد بين التكوين الشرعي األصيل والتمكن الدقيق من‬
‫نظريات ومدارس الفكر الغربي عامة واإلنتاج التربوي خاصة؛‬

‫((( عبد الغني أبو العزم‪ ،‬الضريح اآلخر‪ ،‬الرباط‪ :‬مؤسسة الغني للنشر‪ ،‬ط‪ ،1996 ،1‬ص ‪.130‬‬
‫‪21‬‬ ‫الجهود البيداغوجية لألستاذ عبد السالم ياسين من خالل كتابه «مذكرات في التربية»‬

‫ •االنتباه املبكر إلى استمرار مخططات طمس الهوية اإلسالمية للمغاربة‪ ،‬وتهميش اللغة‬
‫العربية‪ ،‬وتكريس التبعية للمستعمر واالنبهار بالنموذج الغربي؛‬
‫ •معايشة مشاريع التمكين لثقافة املستعمر وللغته من خالل امليز الفاضح بين تكوين‬
‫مدر�سي الفرنسية ومدر�سي العربية؛‬
‫ •دور اللغات في االنفتاح وفهم العالم والقدرة على التأثير اإليجابي؛‬
‫ •معاشرة ومعاصرة شخصيات فكرية وسياسية وكفاءات بيداغوجية وطنية ودولية‬
‫متميزة (قرن ‪ 20‬قرن ثورة اإلعالم والتعليم)؛‬
‫ •استشعار الدور الحيوي والخطير ملدارس املعلمين في توجيه منظومة التعليم وبناء الجيل؛‬
‫ •التهمم ببناء منظومة تربوية ناجعة وأصيلة واستنبات نظام تكويني فعال ومتجدد؛‬
‫ •األمل في بعث جيل جديد «جيل االستقالل» على مبادئ الوطنية واألصالة‬
‫والكفاءة ‪ ‬واإلبداع‪.‬‬
‫الخاصية الثالثة‪ :‬الواقعية واالجرائية‬
‫لم يكن األستاذ عبد السالم ياسين ُمنظرا في فراغ وال هاوي استرواح فكري‪ ،‬بل إنه‬
‫ً‬
‫وعبر مسار علمي ومنهي عصامي‪ ،‬جاد ومضن‪ ،‬جمع عددا من الخبرات واملهارات واملعارف‬
‫املتنوعة‪ ،‬أغناها بتجارب وتداريب ومعايشات عميقة وغنية ‪ ،‬لهذا قام مشروعه التربوي‬
‫التكويني على فكرة التأثير في الواقع والفعل املباشر فيه‪ ،‬لذلك ومن خالل مطالعتنا ملذكرات‬
‫في التربية نجدها بعيدة كل البعد عن التجريد و الفذلكات النظرية ‪ ،‬حتى إن األستاذ رحمه‬
‫هللا وفي سياقات املطارحات النقدية لألفكار واملذاهب التربوية كان يتجنب الجداالت الفرعية‬
‫واإلغراق في التفاصيل الجزئية‪ ،‬فيكتفي مثال بعرض األفكار والقضايا الكبرى مركزا على‬
‫تأثيرها في الفكر التربوي ‪،‬ومقتصرا على اإلضافات النوعية التي جاءت بها ‪،‬معتمدا في ذلك‬
‫أسلوبا قاصدا ومتدرجا فيضرب األمثال ويقدم نماذج واقعية ‪،‬بل كان يغتنم كل مناسبة‬
‫ليعرض مجموعة من الحاالت واملشكالت التربوية فيتناولها تفسيرا وتحليال واقتراحا للحلول‬
‫والبدائل ‪،‬ولتوضيح اتجاهه في عرض األفكار ومناقشتها واستثمار عناصر الجدة و التنزيل فيها‬
‫ندرج نموذجين لقضيتين تربويتين أثارتا نقاشا مستديما في ساحات الفكر البيداغوجي‪:‬‬
‫‪ 22‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫املثال األول‪ :‬العقاب في املدرسة (((‪:‬‬


‫ •العقاب واقع مدر�سي ال مجال إلنكاره‪.‬‬
‫ •املوقف املبدئي من العقاب (فيه قسوة ال تناسب الشعور اإلنساني‪ ،‬وال تحصل من‬
‫ورائها أية فائدة)‬
‫ •حاالت االستثناء في اللجوء إليه‪ ،‬على اعتبار أنه وسيلة الضعفاء وغير املتمرسين‪.‬‬
‫ •شروط وضوابط اللجوء إليه‪.‬‬
‫ •بدائل ومقترحات لتفاديه‪.‬‬
‫املثال الثاني‪ :‬سيكولوجيا االهتمام ونظريات الحافز(((‪:‬‬
‫ •عرض مشكل تشتت انتباه املتعلمين وضعف االهتمام لديهم‬
‫ •العودة إلى أصول نشأة نظرية االهتمام في سيكولوجيا التربية (عند هربرت تحديدا)‬
‫ •مناقشتها على ضوء آراء رواد الفكر التربوي (ديوي وكرشنشتاينر) خاصة فيما‬
‫يتعلق بمبدأ فعالية وديمومة الحوافز الباطنية وحافزي الفهم واإلنجاز‪.‬‬
‫ •اإلدالء بتأويالت وتعليقات شخصية‪.‬‬
‫ •تقديم تجارب ونماذج رائدة (بيداغوجيا املشروع عند ديوي)‪.‬‬
‫ •تقديم حلول ومداخل تتوافق وواقع البيئة املغربية‪.‬‬
‫الخاصية الرابعة‪ :‬االستشراف واملستقبلية‬
‫رغم أن األستاذ قد سماها مذكرات في التربية‪ ،‬ورفض أن يعتبرها ‪ -‬تواضعا منه‪ -‬بحثا‬
‫علميا وال درسا أكاديميا وال مشروعا تربويا‪ ،‬بيد أن الدارس للكتاب ليلمس‪ ،‬من غير كثير‬
‫عناء‪ ،‬النفس التطويري والعمق الفكري والروح االستشرافية لألستاذ عبد السالم ياسين‪،‬‬
‫فالكتاب تحفة تربوية وسياحة فكرية في مدارس التربية وآراء التعليم وهو أيضا تحليل رصين‬
‫ونقد عميق ومقارنات نبيهة ومقاربات متجددة للظاهرة التربوية في تنوعها وغناها وتشابك‬
‫قضاياها وتعقد ‪ ‬مداخلها‪...‬‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬مذكرات في التربية‪ ،‬ص ‪.66‬‬


‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫‪23‬‬ ‫الجهود البيداغوجية لألستاذ عبد السالم ياسين من خالل كتابه «مذكرات في التربية»‬

‫كما أن املتتبع النبيه ليعجب أشد العجب كيف اطلع على مراجع ملؤلفين معاصرين وبلغاتهم‬
‫بل كيف ومتى تسنى له دراستها وتحليلها ونقدها ‪ ،‬كما أنه وفي تناوله ملجموعة من القضايا‬
‫االشكالية في الفكر التربوي ‪،‬كان دائما يتحلى بالنظرة الواسعة والرؤية االستشرافية‪،‬‬
‫أي كان ينظر للفكر التربوي من أعاليه (محور غايات التربية نموذجا)((( حيث نجد في هذا‬
‫املحور تتبعا ملسارات الفكر التربوي منذ نشأته مع افالطون إلى الحقبة املعاصرة‪ ،‬مستنتجا‬
‫أن الظاهرة التربوية ظاهرة معقدة ومتشابكة‪ ،‬وأنها تخضع للتطور والتغير والتبدل حسب‬
‫الحاجات االجتماعية للناس في كل حقبة من جهة‪ ،‬وحسب الطابع الفكري واملنظور الفلسفي‬
‫أو العقدي لكل مجتمع أو طائفة‪ ،‬لذا فقد راقب األستاذ ياسين رحمه هللا تطور الفكر التربوي‬
‫وتطبيقاته عبر األزمنة وحسب املجتمعات ‪،‬بل رصد تحوالته وتجلياته داخل املجتمع الواحد‬
‫وفي الحقبة ذاتها‪ ،‬فيالحظ مثال بالنسبة للمنظور اإلسالمي للتربية ‪ ،‬أن هذه االخيرة قد‬
‫«خضعت خضوعا تاما للتعاليم الدينية في عصوره املختلفة وتفاوت فهم الناس للمثل‬
‫األعلى للمسلم‪ .‬فاختلف فهمهم ألغراض التربية‪ ،‬فمن النزعة السلفية الشديدة في مبادئها‪،‬‬
‫الشديدة في أغراضها‪ .‬من هذه النزعة التي ال تريد للمسلم إال أن يكون كامال في خلقه‪ ،‬كامال‬
‫في نفسه إلى املذاهب املتشعبة الكثيرة التي كان أسوأها أثرا على تربية املسلمين‪ ،‬تلك التي‬
‫تقف عند الحرف وال تفهم الروح»(((‪.‬‬
‫أما في العصر الحاضر فيقدم األستاذ ثالثة نماذج دالة على تطور الفكر التربوي وتغيره‬
‫بتغير األمم ومشروعها الحضاري ونظرتها للعالم ولإلنسان وللحياة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫وفي العصور الحديثة‪ ،‬نرى أمريكا تهدف إلى تنشئة رجال ذوي أجسام قوية‪ ،‬وفكرة نفعية‬
‫يظهر أثرها في نشاطهم االقتصادي‪ .‬وشعور بحرية الفرد حاد‪.‬‬
‫ونرى اليابانيين يربون رجاال ذوي كفاءات فنية‪ ،‬ذوي إحساس وطني يدفعهم اإلخالص‬
‫لبالدهم ولشرفهم إلى التضحية بالنفوس‪.‬‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬مذكرات في التربية‪ ،‬ص ‪.14‬‬


‫((( املرجع نفسه ص ‪.12‬‬
‫‪ 24‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫ونرى البالد الخاضعة للحكم الكلي‪ ،‬كبالد روسيا وأملانيا وإيطاليا قبل الحرب العاملية‬
‫الثانية‪ ،‬تسخر كل وسائل الدولة لتنشئة جيل من الرجال يخضع ألوامر السلطة املطلقة‬
‫وينفذها في حماس واندفاع»(((‪.‬‬

‫المحور الثالث‪ :‬معالم في النظرية البيداغوجية لألستاذ عبد السالم ياسين من‬
‫خالل «مذكرات في التربية»‬

‫حاول األستاذ عبد السالم ياسين من خالل «مذكرات في التربية» أن يستجمع تراثا تربويا‬
‫غنيا ومتنوعا كان قد نهله من مطالعاته الواسعة الغنية واملتنوعة‪ ،‬وأغناه بحصيلة تجاربه‬
‫امليدانية الواسعة ولقاءاته التكوينية ومهاراته املتكاملة‪ ،‬مما يجعل القارئ للكتاب أمام‬
‫مشروع رؤية متقدمة تؤسس لنظام تعليمي ونظرية بيداغوجية متكاملة العناصر‪ ،‬متناسقة‬
‫األسس متأصلة املبادئ واملفاهيم‪ ،‬واقعية الطرح واملقترح‪ .‬وإذا كنا نقصد بالنظام التعليمي‬
‫«مجموعة من العناصر والعالقات التي تستمد مكوناتها من النظم السياسية واالقتصادية‬
‫والسوسيو ثقافية وغيرها بغية بلورة غايات التربية وادوار املدرسة ونظام سيرها ومبادئ‬
‫تكوين األفراد الوافدين‪ ‬إليها»(((‪.‬‬
‫فإنه يمكن القول إن األستاذ عبد السالم ياسين قد وضع اللبنات األولى واألسس العلمية‬
‫األساسية املعروفة في بناء املناهج الدراسية وصياغة مكوناتها‪ ،‬وذلك وفق تدرج منهجي وعلمي‬
‫جمع فيه بين قوة االستشهاد واإلحالة‪ ،‬ودقة املالحظة ووجاهة االنتقاد‪ ،‬باإلضافة إلى جدة‬
‫الطرح ونجاعة االقتراح‪ ،‬وهكذا يمكن تلمس‪ .‬عبر ثنايا الكتاب‪ .‬العناصر املعتمدة في خطاطة‬
‫بناء وصياغة أنظمة التربية والتكوين كما هو متعارف عليها في السياقات التربوية العاملية‪:‬‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬مذكرات في التربية‪ ،‬ص ‪.13‬‬


‫((( عبــد اللطيــف فرابــي وآخــرون‪ ،‬معجــم علــوم التربيــة (مصطلحــات البيداغوجيــا والديداكتيــك)‪ ،‬سلســلة علــوم‬
‫التربيــة ‪ ،10-9‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالخطابــي للطباعــة والنشــر‪ ،‬الطبعــة ‪ ،1994 ،1‬ص ‪.308‬‬
‫‪25‬‬ ‫الجهود البيداغوجية لألستاذ عبد السالم ياسين من خالل كتابه «مذكرات في التربية»‬

‫األسس واملرتكزات‬

‫نظام‬ ‫املرجعيات‬
‫التربية والتكوين‬ ‫الفكرية والنظرية‬

‫املبادئ‬
‫الديداكتيكية‬ ‫الغايات واملرامي‬
‫نظام‬
‫التربية والتكوين‬

‫البرامج املحتويات‬
‫مالمح التخرج‬

‫األدوار‬
‫مداخل التنزيل‬
‫والوظائف‬

‫يوضح الجدول التالي تحليال لهذه املكونات واستقصاء حضورها من خالل كتاب مذكرات‬
‫في ‪ ‬التربية‪:‬‬

‫الفقرات أو الفصول التي‬ ‫مكونات النظام‬


‫الصفحات‬ ‫تفصيل بعض جوانبها‬
‫عالجتها‬ ‫التعليمي‬

‫مجموعة من املبادئ املؤطرة التي‬


‫األسس‬
‫‪9‬‬ ‫معنى التربية‬ ‫يهتدي بها نظام التربية والتكوين والتي‬
‫واملرتكزات‬
‫‪22‬‬ ‫إمكان التربية‬ ‫تشكل رؤية املجتمع وقيم املجتمع‬
‫وتطلعاته‬
‫‪ 26‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫مجموعة من املبادئ العامة والقواعد‬ ‫املرجعيات‬


‫املشتركة التي يتأسس عليها املشروع‬ ‫الفكرية واألسس‬
‫‪14‬‬ ‫التربية في رأي بعض املفكرين‬
‫البيداغوجي والتي تمثل االختيارات‬ ‫النظرية‬
‫‪22‬‬ ‫آراء حديثة في التربية‬
‫والتوجهات الكبرى لنظام التربية‬
‫والتكوين‬

‫ُ‬
‫تــستلهم من املرتكزات واملرجعيات‬
‫وتعبرعن انتظارات املجتمع من‬ ‫الغايات‬
‫‪37 - 35‬‬ ‫املدرسة ووظيفتها ومبادئها‬
‫املدرسة والغايات املرجوة من نظام‬ ‫واملرامي‬
‫التربية والتكوين‬

‫مجموعة من املواصفات والشروط‬


‫‪88‬‬ ‫عقلية الطفل‬
‫تحدد نوع املتعلم الذي نريد بعد‬ ‫مالمح‬
‫‪90‬‬ ‫إدراك الطفل‬
‫مروره من نظام تعليمي أو سلك من‬ ‫التخرج‬
‫‪93‬‬ ‫سلوك الطفل‬
‫أسالكه‬

‫اشكال تحقيق املالمح املطلوبة‬ ‫مداخل‬


‫‪64 - 35‬‬ ‫فصل وسائل التربية والتعليم‬
‫ووسائل بلوغ الغايات واملرامي‬ ‫التنزيل‬

‫‪35‬‬ ‫املدرسة‬ ‫يحدد مجاالت تدخل كل الفاعلين في‬


‫‪38‬‬ ‫البيت‬ ‫النظام التربوي‪ ،‬وطبيعة العالقات‬
‫األدواروالوظائف‬
‫‪61‬‬ ‫املعلم‬ ‫التفاعلية‪ ،‬وإشكال قيادة املشروع‬
‫‪61‬‬ ‫النظام املدر�سي‬ ‫التربوي‬

‫‪119-111‬‬ ‫التربية الجسمية‬


‫املضامين التي عبرها يتم اكتساب‬ ‫البرامج‬
‫‪132 - 125‬‬ ‫التربية الخلقية‬
‫املواصفات وتملك الكفايات واملهارات‬ ‫واملحتويات‬
‫‪148 - 137‬‬ ‫التربية العقلية‬
‫‪27‬‬ ‫الجهود البيداغوجية لألستاذ عبد السالم ياسين من خالل كتابه «مذكرات في التربية»‬

‫‪64 - 60‬‬ ‫الثواب ‪ -‬العقاب‬


‫‪100‬‬ ‫الفروق الفردية‬
‫‪129‬‬ ‫التربية باملثال‬
‫‪130‬‬ ‫التربية بالسلب‬
‫‪129‬‬ ‫التربية بالعادة‬ ‫مجوعة من القواعد واملقوالت في‬
‫‪128‬‬ ‫التربية بالحرية‬ ‫تدريس املواد الدراسية أو بناء مفاهيم‬ ‫املبادئ‬
‫‪137‬‬ ‫تربية الحكم‬ ‫تعلمية أو تطويرمهارات سلوكية أو‬ ‫الديداكتيكية‬
‫‪138‬‬ ‫تربية الذاكرة‬ ‫ترسيخ مواقف وجدانية‬
‫‪140‬‬ ‫التربية بالخلق واملوعظة‬
‫‪140‬‬ ‫تربية املخيلة‬
‫‪141‬‬ ‫تربية الحدس‬
‫‪148‬‬ ‫تربية االهتمام والحافز‬

‫نظام التحقق من تحقيق األهداف‬


‫واإلشهاد باكتساب املهارات واملواقف‬ ‫أشكال التقويم‬
‫‪106‬‬ ‫كيف يالحظ املعلم تالميذه‬
‫واالتجاهات ومدى التوافق مع مالمح‬ ‫والتتبع‬
‫التخرج املحددة سلفا‬
‫‪ 28‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫بيبليوغرافيا الدراسة‪:‬‬

‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬مذكرات في التربية‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬دارالسلمي للتأليف والترجمة‬


‫والنشروالطباعة والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪.1993 ،‬‬
‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬اإلسالم غدا‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬مطبعة النجاح‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪.1973‬‬
‫• عبد الغني أبو العزم‪ ،‬الضريح اآلخر‪ ،‬الرباط‪ :‬مؤسسة الغني للنشر‪ ،‬ط‪.1996 ،1‬‬
‫• عبد اللطيف فرابي وآخرون‪ ،‬معجم علوم التربية (مصطلحات البيداغوجيا‬
‫والديداكتيك)‪ ،‬سلسلة علوم التربية ‪ ،10-9‬الدارالبيضاء‪ :‬دارالخطابي للطباعة والنشر‪،‬‬
‫الطبعة ‪.1994 ،1‬‬
‫‪29‬‬

‫إسهامات األستاذ عبد السالم ياسين‬


‫في بناء المنظومة التربوية المغربية‬
‫من خالل التأليف المدرسي «صناعة الكتاب المدرسي»‬

‫(((‬
‫ذ‪ .‬خالد البورقادي‬

‫تقديم‪:‬‬
‫ً‬
‫عمل األستاذ عبد السالم ياسين جادا‪ ،‬غداة استقالل املغرب‪ ،‬من أجل املشاركة في بناء‬
‫منظومة تربوية مغربية في ظل قلة األطر والخبراء التربويين وتنامي الحاجات امللحة للبناء‬
‫والتأسيس وتعدد الواجهات‪ :‬اإلدارة التربوية‪ ،‬وتكوين األطر وتأهيلها‪ ،‬وهندسة التكوين في‬
‫مراكز تكوين املعلمين‪ ،‬والتنظير في التربية‪ ،‬والتأليف املدر�سي‪ ...‬فكان األستاذ رجل امليدان‬
‫وفارسه بال منازع‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َويشهد ُمعاصروه((( أن األستاذ كان يصل ليله بنهاره من أجل تكوين املعلمين واألساتذة‬
‫وتأطير الطلبة املعلمين إلعدادهم لتحمل مسؤولية تدريس أبناء املغاربة في مرحلة االستقالل‬
‫التي تميزت بالخصاص املهول والرغبة امللحة ملغربة األطر وبناء املدرسة املغربية‪.‬‬
‫ومن املجاالت التي أثر فيها األستاذ باإلنتاج العلمي البيداغوجي‪ :‬مجال التأليف املدر�سي‬
‫وإنتاج الكتب املدرسية‪.‬‬
‫فما أهمية التأليف املدر�سي ودوره في بناء املنظومة التربوية؟ وكيف أسهم األستاذ ياسين‬
‫في إنتاج وتأليف الكتب املدرسية؟ وما مميزات الكتب املدرسية التي ألفها أو شارك مع آخرين‬
‫في تأليفها؟‬

‫((( مفتش تربوي وباحث في علوم التربية‬


‫((( مــن شــهادة األســتاذ املقــرئ اإلدري�ســي أبــو زيــد فــي حــق األســتاذ عبــد الســام ياســين يــوم ‪ 4‬ينايــر ‪ ،2013‬منشــور‬
‫بموقــع قنــاة بصائــر ‪ ،yassine.tv‬يــوم ‪ 24‬دجنبــر ‪2012‬م‪ ،‬وتمــت زيارتــه يــوم ‪ 4‬ينايــر ‪2017‬م‪.‬‬
‫‪ 30‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫أوال‪ .‬الكتاب المدرسي أهميته ووظيفته الديداكتيكية‪:‬‬

‫إن الكتاب املدر�سي يعد األداة الرئيسة لتصريف املنهاج التربوي؛ إذ هو آلية من أهم‬
‫اآلليات األساسية في العملية التعليمية التعلمية‪ ،‬كما أنه أداة موضوعة رهن إشارة املدرسين‬
‫واملدرسات ألداء مهامهم وفق ضوابط محددة ومنهجية‪ ،‬وهو املرجع األسا�سي للمتعلم‬
‫واملدرس على السواء‪ ،‬عليه يعتمدان وإليه يرجعان‪ ،‬فهو ينظم املعرفة املعدة للتدريس وفق‬
‫األهداف املسطرة للمنظومة واملواصفات املطلوبة للمتعلم‪.‬‬
‫‪ .1‬تعريف الكتاب املدر�سي‪:‬‬
‫يذهب دوالندشير إلى أن الكتاب املدر�سي مؤلف ديداكتيكي‪ ،‬تم إعداده لتعلم املعارف‬
‫التي أعدت لبرنامج‪ ،‬أو إنه يشكل مضمون علم‪ ،‬أو مجموعة علوم محددة‪ ،‬يمكن استيعابها‪.‬‬
‫(‪.)Landsheere,V,1992‬‬
‫وعند ‪« :Legendre‬هو كتاب مطبوع موجه إلى التلميذ‪ .‬وقد تصاحبه بعض الوثائق السمعية‬
‫البصرية أو وسائل أخرى بيداغوجية‪ ،‬تعالج مجموع العناصر الهامة في مقرر درا�سي للسنة أو‬
‫ملجموع السنوات»(((‪.‬‬
‫أما األستاذ أحمد أوزي فيعرفه قائال‪ « :‬يطلق مصطلح الكتاب املدر�سي على نوع خاص‬
‫من الكتب أعدت خصيصا لتكون في متناول املتعلمين‪ ،‬كما تدل على ذلك لفظة (‪)Manuel‬‬
‫الفرنسية‪ ،‬وهو يتناول ما يمكن معرفته حول موضوع أو مجموعة مواضيع أو مادة معينة‬
‫يقدمها بطريقة ميسرة للمتعلم»(((‪.‬‬
‫فالكتاب املدر�سي هو وثيقة وأداة مطبوعة ومنظمة وفق ضوابط بيداغوجية وديداكتيكية‬
‫موجهة لالستعمال في صيرورة تعلم وتكوين متفق عليه‪.‬‬
‫ويرى مؤرخو الفكر التربوي في الغرب أن أول شكل منظم للكتاب املدر�سي‪ ،‬ظهر في القرن‬
‫السادس عشر امليالدي على يد « كومينيس» (‪ ،)1529 - 1670‬الذي يعتبر أول مؤلف للكتب‬

‫‪(1) Dictionnaire actuel de l’éducation. Guérin Montréal, Canada, 2005.‬‬


‫((( أحمــد أوزي‪ ،‬املعجــم املوســوعي الجديــد لعلــوم التربيــة‪ ،‬منشــورات مجلــة علــوم التربيــة العــدد ‪ ،42‬الــدار‬
‫البيضــاء‪ :‬مطبعــة النجــاح الجديــدة‪ ،‬ط‪ ،2016 ،1‬ص ‪.347‬‬
‫‪31‬‬ ‫إسهامات األستاذ عبد السالم ياسين في بناء املنظومة التربوية املغربية من خالل التأليف املدر�سي‬

‫املدرسية املوجهة إلى التالميذ واملعلمين‪ ،‬وقد استطاع أن يدخل في هذه الكتب صورا حقيقية‬
‫عوض الصور الرمزية‪.‬‬
‫أما في العالم اإلسالمي فإننا نجد العديد من الكتب املختصرة واملبسطة املوجهة إلى‬
‫املتعلمين في مختلف أصناف العلوم‪ .‬لقد عمد بعض املفكرين إلى وضع كتب موجهة إلى‬
‫مستويات مختلفة من القراء في العلم الواحد‪ ،‬وهكذا ظهرت كتب مختصرة ومبوبة في علوم‬
‫الفقه والحديث واللغة والطب والجغرافيا والتاريخ‪ ...‬إلخ(((‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ .2‬الكتاب املدر�سي آلية تصريف للمنهاج التربوي‪:‬‬
‫ُي َعبر املنهاج الدرا�سي ‪ curriculum‬عن جميع ما تقدمه املدرسة من الخبرات واملعارف‬
‫واملهارات والكفايات للمتعلم تمكنه من االندماج في املجتمع وتحقيق أهدافه‪ ،‬ويشير املنهاج‬
‫أيضا إلى مجموع األهداف والكفايات املرجوة من املنظومة التربوية ككل‪ ،‬ثم املحتويات‬
‫واملضامين املراد تدريسها للمتعلمين مع الطرائق والوسائل واملقاربات البيداغوجية وآليات‬
‫وأشكال التقويم على طول وعرض مستويات املنهاج‪.‬‬

‫األهداف‬
‫والكفايات‬

‫التقويم‬ ‫املحتوى‬
‫وأشكاله‬ ‫واملضامين‬
‫املنهاج التربوي‬

‫املقاربات‬ ‫الطرائق‬
‫البيداغوجية‬ ‫والوسائل‬

‫((( أحمــد أوزي‪ ،‬املعجــم املوســوعي الجديــد لعلــوم التربيــة‪ ،‬منشــورات مجلــة علــوم التربيــة العــدد ‪ ،42‬الــدار‬
‫البيضــاء‪ :‬مطبعــة النجــاح الجديــدة‪ ،‬ط‪ ،2016 ،1‬ص ‪.347‬‬
‫‪ 32‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫وبذلك يحيل مفهوم املنهاج على السيرورة التي تقطعها املعرفة املوظفة لتتحول من معرفة‬
‫أكاديمية عاملة سابحة في الحقول اإلبستمولوجية إلى معرفة معدة للتدريس من خالل تصريفها‬
‫ُ‬
‫في الكتب املدرسية‪ ،‬ثم إلى معرفة ُم َد َّرسة تقدم للمتعلم في سياقات محددة وإيقاعات زمنية‬
‫دقيقة‪ ،‬ثم معرفة مكتسبة من طرف املتعلمين يوظفونها في وضعيات مختلفة‪.‬‬
‫ويبقى الكتاب املدر�سي هو القناة الرئيسة لتصريف املنهاج الدرا�سي‪ ،‬وهو يعد بمثابة تعاقد‬
‫بين املدرس واملتعلمين وفق التوجهات الرسمية للوزارة‪.‬‬

‫املرحلة‬ ‫معرفة عاملة‬


‫األولى‬

‫املرحلة‬ ‫معرفة معدة للتدريس(الكتب املدرسية)‬


‫الثانية‬

‫املرحلة‬ ‫معرفة مدرسة (توظيف الكتب املدرسية)‬


‫الثالثة‬

‫وانطالقا من هذا فالكتاب املدر�سي هو الوعاء الذي يشتمل على املادة التعليمية التعلمية‪،‬‬
‫ويعكس أسس املنهاج املختلفة‪ :‬األساس الفلسفي لقيم املجتمع‪ ،‬األساس السوسيو‪-‬اقتصادي‪،‬‬
‫واألساس السيكولوجي‪ ،‬واألساس االجتماعي الذي يتضمن الخصائص الحضارية واملقومات‬
‫الثقافية للمجتمع‪.‬‬

‫ثانيا‪ .‬تاريخ الكتاب المدرسي المغربي‪:‬‬

‫ملعرفة سياق التأليف املدر�سي وإسهام األستاذ عبد السالم ياسين فيه إبان االستقالل‬
‫يحسن أن نبين أهم املحطات الكبرى في تاريخ الكتاب املدر�سي املغربي قبل االستقالل وبعده‪،‬‬
‫إسهاما في حفظ ذاكرة الكتاب املدر�سي املغربي‪.‬‬
‫‪ .1‬الكتاب املدر�سي في عهد الحماية‪:‬‬
‫إن الحديث عن الكتاب املدر�سي قبل االستقالل يقودنا حتما للحديث عن السياسة‬
‫االستعمارية في التعليم باملغرب‪ « ،‬إن استخالص أبعاد السياسة التعليمية املطبقة باملغرب‬
‫من لدن فرنسا إبان الحماية يستوجب االعتماد على نصوص مختارة من أدبيات كبار منظري‬
‫‪33‬‬ ‫إسهامات األستاذ عبد السالم ياسين في بناء املنظومة التربوية املغربية من خالل التأليف املدر�سي‬

‫نظام الحماية الفرنسية باملغرب‪ ،‬وخاصة منهم األوائل الذين وضعوا الخطوط العريضة‬
‫لبسط الهيمنة السياسية واالقتصادية والعسكرية والثقافية على املغرب أمثال ليوطي‬
‫وجورج هاردي ولوجلي وبول مارتي»(((‪ .‬وفي هذا السياق يقول هاردي في لقاء بمكناس عام‬
‫‪ 1920‬مع جماعة من الحكام الفرنسيين الذين أسندت إليهم مراقبة بعض املناطق‪:‬‬
‫« منذ سنة ‪ 1912‬دخل املغرب في حماية فرنسا‪ ،‬وقد أصبح في الواقع أرضا فرنسية‪ ...‬ولكننا‬
‫نعرف نحن الفرنسيين أن انتصار السالح ال يعني النصر الكامل‪ .‬إن القوة تبني اإلمبراطوريات‬
‫ولكنها ليست هي التي تضمن لها االستمرار والدوام‪.‬‬
‫إن الرؤوس تنحني أمام املدافع‪ ،‬في حين تظل القلوب تغذي نار الحقد والرغبة في االنتقام‪،‬‬
‫يجب إخضاع النفوس بعد إخضاع األبدان‪ .‬وإذا كانت هذه املهمة أقل صخبا من األولى‪ ،‬فإنها‬
‫صعبة مثلها‪ .‬وهي تتطلب في الغالب وقتا أطول»(((‪.‬‬
‫يتضح من كالم هاردي سعي السلطات االستعمارية إلى بسط وترسيخ نفوذها في املغرب‬
‫عبر االستراتيجية الثقافية وفي صلبها التربية والتعليم‪.‬‬
‫ويالحظ «املسيو هاردي» أن سكان املغرب طوائف ثالث‪ :‬املسلمون واليهود واألوربيون‪،‬‬
‫ولكل طائفة ثقافتها الخاصة وتعليمها الخاص‪ .‬والتجديد أو التطوير الذي سيكون على الحماية‬
‫الفرنسية إدخاله على التعليم يجب أن يراعي في نظره هذا التقسيم الطائفي‪ ،‬أوال كما يجب أن‬
‫يراعي الوضعية الخاصة لكل طائفة»(((‪.‬‬
‫وهكذا فقد اعتبر «هاردي» التعليم سالحا أقوى من املدافع‪ ،‬و«هذا التعليم سيعتبر‬
‫كامتداد لالحتالل العسكري‪ ،‬إنه تخطيط مهيأ بدقة لسياسة تعكس بوضوح اإليديولوجية‬
‫االستعمارية((( وتكريس تعليم طبقي يخدم أغراضها ونواياها التوسعية(((‪.‬‬

‫((( لحســن مــادي‪ ،‬السياســة التعليميــة باملغــرب ورهانــات املســتقبل‪ ،‬منشــورات مجلــة علــوم التربيــة‪ ،‬الطبعــة‬
‫األولــى‪ ،1998 ،‬ص ‪.17‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫((( محمد عابد الجابري‪ ،‬التعليم في املغرب العربي‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬دارالنشراملغربية‪ ،‬الطبعة ‪ ،1989 ،1‬ص ‪.18‬‬
‫((( انظرالدراســة القيمة التي أنجزها األســتاذ محمد حمودو بعنوان‪« :‬املحطات الكبرى لتاريخ الكتاب املدر�ســي‬
‫املغربــي»‪ ،‬مجلــة علــوم التربيــة‪ ،‬العــدد الواحــد والســتون (‪ ،)61‬ص ‪.113‬‬
‫‪ 34‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫وقد شكل الكتاب املدر�سي أهم األدوات االستعمارية لفرنسا كي تكرس وتفرض سياستها‬
‫التعليمية باملغرب‪.‬‬
‫فإلى حدود الستينيات من القرن املا�ضي‪ ،‬كانت الكتب املدرسية املستخدمة في جل املدارس‬
‫املغربية هي كتب تم استقدامها من بلدان أجنبية عربية بالنسبة للكتب العربية‪ ،‬وأوروبا‬
‫بالنسبة للكتب الفرنسية‪ ،‬مما كان يطرح مشاكل عديدة بالنسبة للمتعلمين واملعلمين على‬
‫حد سواء‪ ،‬ليس على الصعيد اللغوي فحسب‪ ،‬وإنما أيضا على الصعيد االجتماعي والثقافي‬
‫والسيا�سي والديني وغيره»(((‪.‬‬
‫وهكذا فقد اتسمت فترة االعتماد على الكتاب املستورد‪ ،‬والتي امتدت حتى مطلع االستقالل‪،‬‬
‫باالعتماد الكلي على استيراد الكتاب املدر�سي من خارج املغرب؛ إذ كانت طبعات الكتب تنجز‬
‫في تواريخ وبلدان مختلفة‪ ،‬وهي في أغلبها مستوردة من فرنسا والشرق األوسط‪ .‬بل إن بعض‬
‫الكتب تم تأليفها داخل املغرب‪ ،‬وطبعت في لبنان‪ ،‬خصوصا بعض كتب القراءة»(((‪.‬‬

‫‪ .2‬نماذج من الكتب املدرسية في عهد الحماية‪:‬‬

‫‪ -‬القراءة املصورة‪ :‬كتاب في خمسة أجزاء‪ ،‬صدر سنة ‪ ،1932‬تأليف جماعة من األساتذة‪،‬‬
‫وهو كتاب صادر عن وزارة املعارف في لبنان وسورية والعراق واململكة األردنية الهاشمية‪.‬‬
‫البداية في التهجي واملطالعة‪ :‬في أجزاء صادر عن دار املعارف بمصر‪ ،‬سنة ‪ ،1953‬تأليف‬
‫مجموعة من األساتذة‪ ،‬وهو كتاب قررت وزارة املعارف تدريسه لرياض األطفال‪.‬‬
‫املختار في املحفوظات‪ :‬في أجزاء‪ ،‬صدرت الطبعة الثانية سنة ‪ ،1954‬تأليف محمد بن‬
‫محمد بن الربيع‪ ،‬مدير مجموعة مدارس موالي إسماعيل بتطوان‪ ،‬وفي أعلى صفحة الغالف‬
‫(قررت وزارة املعارف تدريس هذا الكتاب بمدارسها االبتدائية)‪.‬‬

‫((( أحمــد أوزي‪ ،‬مكانــة الكتــب املدرســية فــي املنظومــة التربويــة (حــوار)‪ ،‬املغــرب‪ :‬مجلــة دفاتــرالتربيــة والتكويــن‪،‬‬
‫عــدد ‪ ،3‬شــتنبر ‪.2010‬‬
‫((( وزارة التربية الوطنية‪ ،‬مديرية املناهج‪ ،‬نحو إحداث فضاء لذاكرة الكتاب املدر�سي‪ ،‬املغرب‪ ،‬يوليوز ‪،2002‬‬
‫ص‪ .12 :‬ومنها بعض الكتب املدرسية التي ألفها األستاذ عبد السالم ياسين أو شارك في تأليفها‪ ،‬وسيأتي الحديث‬
‫عنها الحقا‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫إسهامات األستاذ عبد السالم ياسين في بناء املنظومة التربوية املغربية من خالل التأليف املدر�سي‬

‫‪- Le premier livre de l’écolier Magrébin. par M. Mesnard A.Mesnard et G.Du-‬‬


‫‪pont ; Smle ; Casablanca, 1947.‬‬
‫‪- Tous à l’école, par : L.Bousson (directeur de secteur scolaire musulman) et j. La-‬‬
‫‪hitte (inspecteur de l’enseignement primaire musulman) librairie Delagrave, Pa-‬‬
‫‪ris, 1954.‬‬
‫‪- Pour Ahmed, Zohra et leurs amis, j.H Dubascoux, éditions Arrault-Tours1948.‬‬
‫‪- Bonjour Ali ! Bonjour Fatima ! (Premier livre de lecture courante pour le cours‬‬
‫‪préparatoire des écoles Franco- Musulmanes), Paul Bourgeois et Léon Basset,‬‬
‫‪Fernand Nathan,9ème édition, Paris 1949.‬‬
‫هذه بعض النماذج من الكتب املدرسية املستوردة التي كانت تستعمل في منطقة الحماية‬
‫الفرنسية‪ ،‬وهي تحمل في الغالب مضامين وقيما غريبة عن املجتمع املغربي‪ .‬وال يخفى ما في ذلك‬
‫من الخطورة على تشكل املفاهيم والقيم عند املتعلم‪ ،‬فعندما يتعلم التلميذ في كتاب مدر�سي‬
‫لم يتم تأليفه في بيئته الثقافية واالجتماعية‪ « ،‬فكأننا نلبسه لباسا غير لباسه الوطني‪ ،‬مع ما‬
‫يستتبع ذلك من تحلل وتنصل من القيم الدينية والهوية الوطنية وجهل عميق بتاريخه»(((‪.‬‬

‫ثالثا‪ .‬تأليف الكتاب المدرسي غداة االستقالل‪:‬‬

‫قبل الحديث عن املشاركة املتميزة لألستاذ عبد السالم ياسين في التأليف‪ ،‬يجدر بنا‬
‫الحديث عن السياق الوطني حينها وانشغال الجميع بالسعي لبناء مدرسة مغربية وطنية‪.‬‬
‫‪ .1‬واقع املنظومة التربوية غداة االستقالل‪:‬‬
‫حاولت فرنسا تكريس سياستها التعليمية باملغرب من خالل فرض نموذج تعليمي فرن�سي‬
‫نخبوي وطبقي‪ ،‬يكرس التفرقة بين أبناء الشعب الواحد‪ ،‬ويهدد القيم الدينية والوطنية‬
‫للشعب املغربي‪ ،‬عبر املنهاج الذي وضعه االستعمار والكتب املدرسية التي فرضها استيرادا‬
‫من فرنسا ومن بعض دول املشرق العربي‪ .‬وذلك تماشيا مع السياسة اللغوية االستعمارية‬
‫املعتمدة والرامية إلى فرنسة وتغريب شعوب منطقة املغرب العربي قاطبة‪ « .‬فلم تكن فرنسا‬

‫((( أحمد أوزي‪ ،‬مكانة الكتب املدرسية في املنظومة التربوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪ 36‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫تظن أن ما كانت تقوم به في ميدان التعليم يمكن أن يشكل أرضية للمطالبة بسياسة بديلة في‬
‫هذا امليدان‪ ،‬وإنما كانت واثقة من أن ما تنجزه يسير في االتجاه الصحيح لتطبيق مشروعها‬
‫التربوي العام باملغرب العربي والذي بدأته في الجزائر ثم في تونس‪ .‬غير أن الجوانب التي‬
‫اعتمدتها في وضع وتنفيذ هذا املشروع هي التي حركت كيان الشعب املغربي وقادته لتصور‬
‫مبادئ اعتبرت فيما بعد ركائز السياسة التعليمية للمغرب املستقل»(((‪.‬‬
‫فغداة االستقالل‪ ،‬تعالت األصوات وتكاثفت الجهود من أجل صياغة بديل تربوي تعليمي‬
‫ينطلق من التربة املغربية‪ ،‬ويمتح من القيم الدينية والوطنية للشعب املغربي‪ ،‬فانطلق مسلسل‬
‫اإلصالحات التربوية باملغرب‪ ،‬وشكلت اللجنة امللكية إلصالح التعليم سنة ‪ ( 1957‬الحركة‬
‫التعليمية ‪ ) 1958 -1957‬والتي أقرت املبادئ األربعة التالية‪ :‬التعميم والتوحيد والتعريب‬
‫واملغربة كأساس للسياسة التعليمية في املغرب(((‪.‬وفي سنة ‪ 1959‬أسس املجلس األعلى للتربية‬
‫الوطنية ((( ليقوم مقام اللجنة امللكية املذكورة‪ ،‬كما حظيت املسألة التعليمية بعد االستقالل‬
‫بانعقاد ثالث مناظرات ( املعمورة ‪ - 1964‬إيفران ‪ - 1970‬إيفران ‪ )1980‬وبقائمة طويلة من‬
‫الظهائر واملراسيم واللقاءات‪.‬‬
‫ويعتبر املخطط الخما�سي األول (‪ )1964-1960‬أول تخطيط استراتيجي للنهوض باملدرسة‬
‫املغربية ووضع أسسها الوطنية‪ .‬وقد كانت هذه املرحلة أخصب مراحل التفكير االستراتيجي في‬
‫مستقبل التربية والثقافة باملغرب‪ .‬ففي هذه املرحلة أعدت الشروط الضرورية لقيام املدرسة‬
‫الوطنية املغربية‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬
‫ •صياغة برامج دراسية ذات مضمون عربي ‪ -‬إسالمي يستجيب ملعطيات الواقع‬
‫املغربي ومعطيات العالم املعاصر(((‪،‬‬
‫ •إعداد كتب مدرسية تترجم هذا التوجه على مستوى املواد الدراسية‪،‬‬
‫ •تعريب التدريس كشرط للتوحيد(((‪.‬‬

‫((( لحسن مادي‪ ،‬السياسة التعليمية باملغرب‪ ،‬ص ‪.30‬‬


‫((( املكــي املرونــي‪ ،‬اإلصــاح التعليمــي باملغــرب (‪ ،)1994 -1956‬منشــورات كليــة اآلداب والعلــوم اإلنســانية‬
‫بالربــاط‪ .‬الــدار البيضــاء‪ :‬مطبعــة النجــاح الجديــدة‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1996 ،‬ص ‪.37 - 36‬‬
‫((( ظهير ‪ 1‬يونيو ‪.1959‬‬
‫((( محمد حمودو‪ ،‬املحطات الكبرى لتاريخ الكتاب املدر�سي املغربي‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫((( العلمي الخمار‪ ،‬التربية والسياسة ومسارات اإلصالح‪ ،‬مجلة التربية والتكوين‪ ،‬عدد ‪ ،1‬املغرب‪ ،2006 ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪37‬‬ ‫إسهامات األستاذ عبد السالم ياسين في بناء املنظومة التربوية املغربية من خالل التأليف املدر�سي‬

‫‪ .2‬تأليف الكتاب املدر�سي غداة االستقالل‪:‬‬


‫انطالقا مما سبق يتبين أن الكتاب املدر�سي شكل إحدى اللبنات األساسية للنهوض باملدرسة‬
‫الوطنية العمومية‪ ،‬فبدأ تأليف الكتاب املدر�سي يلقى مزيدا من االهتمام من طرف الفاعلين‬
‫التربويين املغاربة املؤلفين والناشرين‪ ،‬فأخذت بعض الكتب املدرسية املؤلفة واملطبوعة‬
‫واملنشورة تشق طريقها لالستعمال والتوظيف داخل املدرسة املغربية‪.‬‬
‫بدأ الكتاب املدر�سي املغربي ينتشر ويلج املدرسة حيث كانت مادة اللغة العربية سباقة في‬
‫هذا املجال ليتزايد االهتمام بالتأليف والنشر املدرسيين فيشمل باقي املواد الدراسية‪ ،‬بل شهدت‬
‫املرحلة تعدد املؤلفات حتى بالنسبة لنفس التخصص واملستوى(((‪ .‬وزادت الرقعة التي تحتلها‬
‫الكتب املدرسية الوطنية اتساعا لتحل بالتدريج محل كتب كانت تستورد من خارج املغرب‪،‬‬
‫ً‬
‫وقد أصبحت مادة اللغة الفرنسية أيضا مجاال للتنافس بين املؤلفين والناشرين املغاربة‪.‬‬
‫«وكان الفاعلون التربويون هم من يختارون الكتب التي يستعملونها داخل املؤسسات‬
‫التعليمية‪ ،‬تبعا للمعايير التربوية التي يتم تحديدها باتفاق املدرسين‪ ،‬إما على صعيد املؤسسة‬
‫التعليمية أو على صعيد املقاطعة التربوية للتأطير التربوي»(((‪.‬‬

‫رابعا‪ .‬إسهامات األستاذ عبد السالم ياسين في التأليف المدرسي‪:‬‬

‫يعد األستاذ عبد السالم ياسين أحد األعالم الذين بنوا املنظومة التربوية املغربية غداة‬
‫االستقالل‪ ،‬وأسهموا في النهوض بها من مختلف الجوانب‪ ،‬فاألستاذ تدرج في مختلف أسالك‬
‫َ‬
‫التعليم وخ َبر خصوصيات كل سلك وحاجياته‪ .‬كما تدرج في اإلدارة والتسيير فاطلع على أهم‬
‫االنتظارات التي تحتاجها اإلدارة املغربية واإلشكاالت التي تعاني منها‪ ،‬عالوة على اشتغاله‬
‫مؤطرا ومكونا لألطر املغربية من هيأة تدريس وإدارة وتفتيش تربوي‪ ،‬فكان أن أسهم بشكل‬
‫كبير في هندسة التكوين باملنظومة التربوية والتنظير لها من خالل ما كتبه من مؤلفات تربوية‬
‫وبيداغوجية (مذكرات في التربية ‪ -‬النصوص التربوية ‪ -‬كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا)‪.‬‬

‫((( محمد حمودو‪ ،‬املحطات الكبرى لتاريخ الكتاب املدر�سي املغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.120 :‬‬
‫((( وزارة التربيــة الوطنيــة‪ ،‬تنظيــم معــرض الكتــاب املدر�ســي‪ ،‬وثيقــة غيــر منشــورة صــادرة عــن مديريــة املناهــج‪،‬‬
‫يوليــوز ‪ ،2002‬ص ‪ .13 -12‬نقــا عــن املرجــع الســابق‪ .‬ص ‪ .120‬والغريــب أن األســتاذ محمــد حمــودو فــي دراســته لــم‬
‫يشــرإلــى مجهــودات األســتاذ عبــد الســام ياســين فــي تأليــف الكتــاب املدر�ســي!‬
‫‪ 38‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫ويبقى التأليف املدر�سي من أهم املجاالت التي أبدع فيها األستاذ ياسين‪ ،‬فجمع بين التنظير‬
‫والتطبيق‪ ،‬بين الهندسة البيداغوجية والتنفيذ الديداكتيكي‪ ،‬مما يدل على شمولية التصور‬
‫املنهاجي لدى األستاذ‪.‬‬
‫فما هي املجاالت التي ألف فيها األستاذ؟ وما أهم املواصفات البيداغوجية والديداكتيكية‬
‫للكتب املدرسية التي ألفها األستاذ ياسين؟‬

‫‪ .1‬مجاالت التأليف املدر�سي لدى األستاذ عبد السالم ياسين‪:‬‬


‫شكلت سنة ‪ 1965‬مرحلة العطاء النوعي لألستاذ عبد السالم ياسين في التأليف واإلنتاج‬
‫ُ‬
‫وقفت عليه ‪ -‬الكتب‬ ‫التربوي ومنها‪ :‬الكتاب املدر�سي‪ .‬ففي هذه السنة أصدر األستاذ ‪ -‬فيما‬
‫املدرسية اآلتية‪:‬‬
‫• •الجديد في دروس األشياء للقسم االبتدائي الثاني‪ ،‬طبع في بيروت والكتاب من‬
‫منشورات دار الثقافة بالدار البيضاء ‪ -‬املغرب‪.‬‬
‫ُ‬
‫• •الجديد في دروس األشياء للمتوسط األول‪ ،‬طبع بمطبعة النجاح الجديدة بالدار‬
‫البيضاء‪ .‬والكتاب من منشورات دار الثقافة بالدار البيضاء ‪ -‬املغرب‪ .‬الطبعة األولى‪:‬‬
‫‪ .1965‬وضع له األستاذ عبد السالم ياسين مقدمة مؤرخة بتاريخ‪ 5 :‬أكتوبر ‪.1965‬‬
‫• •الجديد في دروس األشياء للمتوسط الثاني ‪ -‬الجزء الثالث في السلسلة‪ ،‬والكتاب‬
‫من منشورات دار الثقافة بالدار البيضاء ‪ -‬املغرب‪.‬‬
‫والكتب الثالثة في مجال تدريس العلوم للناشئة في املرحلة االبتدائية‪ ،‬وهو ما سمي الحقا‬
‫بالنشاط العلمي‪ ،‬فيه تقدم مفاهيم علمية مبسطة ومالئمة للمرحلة العمرية للمتعلمين في‬
‫مجال الفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة واألرض‪.‬‬
‫• •الحساب الجديد للمتوسط األول‪ ،‬والكتاب من منشورات دار الثقافة بالدار‬
‫البيضاء‪  - ‬املغرب‪.‬‬
‫وهو كتاب في الرياضيات موجه لتالميذ املتوسط األول (القسم الثالث ابتدائي)‪،‬‬
‫قدم فيه األستاذ املعرفة الرياضية مبسطة للمتعلمين‪ ،‬على شكل مفاهيم رياضية‬
‫وعمليات ترييض تناسب النمو الذهني والعمري للمتعلمين‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫إسهامات األستاذ عبد السالم ياسين في بناء املنظومة التربوية املغربية من خالل التأليف املدر�سي‬

‫• •املطالعة الجديدة للمدارس الثانوية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬السنة األولى‪ .‬تأليف‪ :‬عبد‬
‫السالم ياسين ‪ -‬جعفر الفا�سي ‪ -‬محمد الكتاني‪ .‬الكتاب طبع سنة ‪ ،1965‬من منشورات‬
‫دار الثقافة بالدار البيضاء‪ .‬صدره مؤلفوه بمقدمة مؤرخة بتاريخ‪ 6 :‬يونيو ‪1965‬‬
‫بالدار ‪ ‬البيضاء‪.‬‬
‫• •املطالعة الجديدة للمدارس الثانوية‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬للسنة الثانية الثانوية‪ .‬تأليف‪:‬‬
‫عبد السالم ياسين ‪ -‬جعفر الفا�سي ‪ -‬جعفر علي العلمي ‪ -‬محمد الكتاني‪ ،‬من منشورات‬
‫دار الثقافة بالدار البيضاء‪ .‬صدره مؤلفوه بمقدمة بدون تاريخ‪.‬‬
‫• •املطالعة الجديدة للمدارس الثانوية‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬للسنة الثانية الثانوية‪ .‬تأليف‪:‬‬
‫عبد السالم ياسين ‪ -‬جعفر الفا�سي ‪ -‬محمد الكتاني‪ ،‬الكتاب طبع بلبنان‪ :‬مطابع دار‬
‫العلم للماليين بيروت‪ .‬وهو من منشورات دار الثقافة بالدار البيضاء‪.‬‬
‫• •املطالعة الجديدة للمدارس الثانوية‪ ،‬الجزء الرابع للسنة الثالثة الثانوية (بروفي)‪.‬‬
‫تأليف‪ :‬عبد السالم ياسين ‪-‬جعفر الفا�سي ‪-‬محمد الكتاني‪ ،‬الكتاب طبع بلبنان‪ .‬وهو‬
‫من منشورات دار الثقافة بالدار البيضاء‪ .‬صدره مؤلفوه بمقدمة بدون تاريخ‪.‬‬

‫وفي معجم املطبوعات املغربية قدم املؤلف األستاذ عبد السالم ياسين كاآلتي‪:‬‬
‫« عبد السالم ياسين مدير مدرسة املعلمين اإلقليمية بمراكش» وعدد الكتب التي ألفها‪:‬‬
‫‪ -‬أساطير ألبنائي‪ ،‬سلسلة قصص لألقسام االبتدائية ‪ -‬بمشاركة عبد الكريم حليم‬
‫ومحمد شفيق‪.‬‬
‫‪ -‬دفتر الواجبات لألقسام الثانوية‪ ،‬بمشاركة عبد الكريم حليم ومحمد شفيق‪.‬‬
‫‪ -‬الرياضيات بمشاركة الوليلي وعيوش‪.‬‬
‫‪ -‬كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا ملدارس املعلمين واملعلمات‪.‬‬
‫‪ -‬مذكرات في التربية ملدارس املعلمين واملعلمات‪.‬‬
‫‪ -‬املطالعة الجديدة للمدارس الثانوية‪.‬‬
‫‪ -‬املطالعة الجديدة للسنة الثالثة‪.‬‬
‫‪ -‬القراءة الثقافية لألقسام الثانوية‪.‬‬
‫‪ 40‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫‪ -‬النصوص التربوية ملدارس املعلمين واملعلمات»(((‪.‬‬


‫وبهذا يكون صاحب املعجم قد أضاف مؤلفات وكتبا مدرسية أخرى ألفها األستاذ لكننا‬
‫لم نقف عليها‪ ،‬ع�سى هللا سبحانه ييسر لنا الحصول عليها للوقوف على حقيقة الجهود التي‬
‫بذلها األستاذ رحمه هللا من أجل النهوض باملنظومة التربوية املغربية وبناء املدرسة املغربية‬
‫غداة ‪ ‬االستقالل‪.‬‬

‫‪ .2‬املواصفات البيداغوجية والديداكتيكية ملؤلفات األستاذ عبد السالم‬


‫ياسين ‪ ‬املدرسية‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ُيالحظ أن األستاذ ياسين رحمه هللا أ ْس َهم في التأليف املدر�سي في ثالثة مجاالت رئيسة حسب‬
‫ما وقفنا عليه‪ :‬اللغة العربية واألشياء (النشاط العلمي أو العلوم) والرياضيات باإلضافة إلى‬
‫التأليف القص�صي لألطفال والناشئة‪.‬‬
‫مختلف املواد الدراسية املشكلة للمنهاج التربوي املغربي‬‫وكان هذا التأليف مشاركة منه في ِ‬
‫غداة االستقالل‪ ،‬مما ينم عن شخصيته املوسوعية ويظهر الرغبة امللحة للمؤلف في سد‬
‫الخصاص الذي كانت تعرفه الساحة التربوية حينئذ في ميدان تأليف الكتاب املدر�سي‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وإذا استشعرنا الصعوبات الجمة التي ُيواجهها ك ُّل َم ْن يتصدى للتأليف املدر�سي‪ ،‬ن ْعلم‬
‫حجم املجهودات التي بذلها األستاذ في ظرف قيا�سي جدا إذ كانت مجمل اإلصدارات التربوية‬ ‫َ‬
‫«مذكرات في التربية» سنة‬ ‫ما بين سنتي‪ 1963 :‬و‪ ،1965‬فقد صدرت الطبعة األولى لكتاب ُ‬
‫ً‬ ‫ُّ‬
‫إنشاء‬ ‫‪ 1963‬والطبعة األولى لكتاب «النصوص التربوية» سنة ‪ 1963‬وكتاب «كيف أكتب‬
‫بيداغوجيا» سنة ‪ .1963‬مما يؤكد أن األستاذ جمع بين التنظير في علوم التربية وبناء هندسة‬
‫تكوين لطالب مدرسة املعلمين ومركز املفتشين وبين التنزيل امليداني للمنهاج من خالل اإلسهام‬
‫في بناء املقررات وتأليف الكتب املدرسية التي صدر أغلبها سنة ‪.1965‬‬
‫إن اإلنتاج املعرفي الذي حققه األستاذ عبد السالم ياسين في مجال علوم التربية‬
‫والبيداغوجيا‪ ،‬تدريسا لطلبة مدارس املعلمين وتكوينا لألطر التربوية بمركز تكوين مفت�شي‬

‫((( إدريــس بــن املاحــي اإلدري�ســي القيطونــي الحســني‪ ،‬معجــم املطبوعــات املغربيــة‪ ،‬تقديــم عبــد هللا كنــون‪ ،‬ســا‪:‬‬
‫مطابــع ســا‪ .1988 ،‬ص ‪.371‬‬
‫‪41‬‬ ‫إسهامات األستاذ عبد السالم ياسين في بناء املنظومة التربوية املغربية من خالل التأليف املدر�سي‬

‫التعليم‪ ،‬واطالعه الواسع على مختلف األدبيات التربوية السائدة يومئذ وبلغاتها األم ومن‬
‫مظانها‪ ،‬ال شك أن كل ذلك سينعكس إيجابيا على الكتب املدرسية التي ألفها أو شارك في‬
‫تأليفها‪ .‬وفيما يلي بعض املواصفات البيداغوجية للكتب املدرسية املؤلفة‪:‬‬
‫أ‪ .‬دروس األشياء‪:‬‬
‫من خالل تتبع الكتب الثالثة املؤلفة في دروس األشياء (العلوم أو النشاط العلمي) يمكن أن‬
‫نسجل املالحظات التالية‪:‬‬
‫ُ‬
‫املفاهيم العلمية‬ ‫‪ -‬ألف األستاذ ثالثة كتب في دروس األشياء وفق رؤية نسقية من حيث‬
‫ُ‬
‫واملواضيع املقررة تتما�شى واملستوى العقلي والنمو الجسمي للمتعلمين‪ .‬يقول األستاذ‬
‫في مقدمة كتاب «الجديد في دروس األشياء» للقسم االبتدائي الثاني‪« :‬في السنة التاسعة‪،‬‬
‫والطفل في القسم االبتدائي الثاني‪ ،‬يستيقظ فضول الطفل وحبه لالطالع‪ .‬هو يحب أن‬
‫يتناول األشياء ويبحث عن خصائصها‪ ،‬ويرغب في اقتناء الطيور ومداعبة الحيوانات‪،‬‬
‫والتفرج على كل ما يزحف أو يطير أو يم�شي»(((‪.‬‬
‫‪ -‬التأليف املدر�سي عند األستاذ يتما�شى مع ما ُسطر في املنهاج الرسمي للوزارة‪ ،‬أي أنه ينسجم‬
‫ودفتر التحمالت املوضوع لتأليف الكتب املدرسية‪ .‬يقول األستاذ‪« :‬وقد وضعناه‪ - ‬كتاب‬
‫الجديد في دروس األشياء للمتوسط األول ‪ -‬طبقا ملقرر وزارة التربية الوطنية‪ ،‬وقسمناه‬
‫كما قسم هذا املقرر إلى أربعة أبواب‪ :‬املاء‪ ،‬والهواء‪ ،‬والنبات‪ ،‬والحيوان‪ .‬ويتخلل هذه‬
‫األبواب سبعة دروس مراجعة‪ ،‬فمجموع دروسه ستة وثالثون‪ .‬فهو يغني املعلم عن غيره‬
‫من املراجع»(((‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬حدد األستاذ ياسين منهجية دقيقة وواضحة لتقديم درس األشياء في مقدمة الكتاب كاآلتي‪:‬‬
‫• بيان وسائل اإليضاح التي يحتاجها املعلم في الدرس‪ ...‬وأن استعمال هذه الوسائل ال يخص‬
‫املعلم وحده‪ ،‬بل البد أن يكون بين يدي كل تلميذ أداته التي بها يجرب كلما أمكن ‪ ‬ذلك‪.‬‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬الجديــد فــي دروس األشــياء للقســم االبتدائــي الثانــي‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ :‬منشــورات دار‬
‫الثقافــة‪ ،‬الطبعــة ‪ ،1965 ،1‬ص ‪.3‬‬
‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬الجديــد فــي دروس األشــياء للمتوســط األول‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ :‬منشــورات دار الثقافــة‪،‬‬
‫الطبعــة ‪ ،1965 ،1‬ص ‪.3‬‬
‫‪ 42‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫• أسئلة الكتشاف معلومات األطفال‪ ،‬وتشويقهم للدرس وتهييئهم له(((‪.‬‬


‫• عرض الدرس مقسما إلى تجارب يجربها املعلم أمام األطفال‪.‬‬
‫• ملخص يجمع الحقائق املدروسة‪.‬‬
‫• تمارين تقترح على التالميذ‪ ،‬فيترك لهم أمر اإلجابة عن األسئلة‪ ،‬ويطلب إليهم مالحظة‬
‫ما يراد مالحظته‪ ،‬وإجراء التجارب املراد إجراؤها معتمدين على أنفسهم‪ ،‬وإنجاز كل‬
‫عمل يطلب إليهم إنجازه(((‪.‬‬
‫‪ -‬دمج الصور في الكتاب املدر�سي‪ :‬حيث عمل األستاذ على إدماج الصور التوضيحية في الكتاب‬
‫املدر�سي بطريقة علمية ومنتقاة‪ ،‬مناسبة ومالئمة للمواضيع املقررة‪ ،‬مما يسهل عملية‬
‫االشتغال الديداكتيكي للمعلم ويمكن من اكتساب املفاهيم العلمية‪ ،‬رغم صعوبة هذه‬
‫العملية في تلك الظرفية بسبب ندرة الوسائل التكنولوجية وقلة املصادر واملراجع‪.‬‬
‫وقد جاءت خطة الدرس كما يلي‪:‬‬
‫وسائل اإليضاح ‪ -‬ماذا تعلم؟ ‪ -‬الدرس ‪ -‬ملخص ‪ -‬الحظ ‪ -‬جرب ‪ -‬فكر ‪ -‬ارسم‪.‬‬

‫وسائل اإليضاح‬
‫‪1‬‬
‫ماذا تعلم؟‬
‫‪2‬‬
‫الدرس‬
‫‪3‬‬
‫ملخص‬
‫‪4‬‬
‫َ‬
‫الحظ (وضعية يالحظ فيها املتعلم عناصرها ويجيب عن أسئلة)‬
‫‪5‬‬
‫َجرب ( وضعية ُيطلب من املتلعم أن ُيجري تجربة بنفسه)‬
‫‪6‬‬
‫َ‬
‫فكر ( وضعية يطلب فيها من التلميذ اإلجابة عن أسئلة أكثرتعقيدا)‬
‫‪7‬‬
‫ُ‬
‫ارسم ( يطلب من املتعلم أن يعبرعن تجربة برسم)‬
‫‪8‬‬

‫((( عبارة عن مدخل إشكالي‪.‬‬


‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬الجديد في دروس األشياء للمتوسط األول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪43‬‬ ‫إسهامات األستاذ عبد السالم ياسين في بناء املنظومة التربوية املغربية من خالل التأليف املدر�سي‬

‫ب ‪ .‬كتب اللغة العربية ( املطالعة الجديدة للمدارس الثانوية)‪:‬‬


‫ُ‬
‫هي أربعة كتب شارك األستاذ في تأليفها رفقة أساتذة آخرين‪ :‬األستاذ جعفر الفا�سي‬
‫واألستاذ محمد الكتاني واألستاذ جعفر علي العلمي‪ .‬استهدفت السلك اإلعدادي املسمى حينها‬
‫باملدارس الثانوية‪ ،‬أو أقسام املالحظة‪ .‬وقد وضع مؤلفو الكتب مقدمة لكل جزء يوضحون فيها‬
‫منهجية التأليف واألهداف املقصودة من ذلك‪ ،‬ويمكن أن نسجل املالحظات املنهجية اآلتية‪:‬‬
‫ •الباعث على التأليف عند اللجنة هو االستجابة للحاجيات الوطنية‪ ،‬ووضع كتاب في‬
‫املادة ينطلق من قيم املجتمع وثقافته‪ ،‬مع االستجابة لطرق التدريس البيداغوجية‬
‫مما يفرض ممارسة نوع من النقل الديداكتيكي على املعرفة الواردة في الكتب األربعة‪.‬‬
‫ورد في مقدمة الجزء الثاني‪« :‬ما من شك في أن الحاجة ما زالت قائمة وملحة إلى كتاب‬
‫املطالعة للمدارس املغربية‪ ،‬وأن هذه الحاجة ال تعني فقط افتقار مدارسنا الثانوية‬
‫وتالميذنا إلى كتاب يستجيب لحاجاتنا الوطنية‪ ،‬ويكون مرآة لوطننا وأقالم كتابنا‬
‫وصدى لعواطفنا وآمالنا‪ ،‬وإنما تعني أيضا أننا محتاجون إلى كتاب في هذه املادة (اللغة‬
‫العربية) يستجيب للطرق التربوية»(((‪.‬‬
‫ •الكتاب (املطالعة الجديدة) مخصص لألقسام األربعة بالسلك اإلعدادي‪ ،‬فتم‬
‫استحضار أبعاد هذه املرحلة في التأليف‪ ،‬ألن الفئة املستهدفة فئة مراهقة ولها مميزات‬
‫متعددة من أهمها النمو الفيزيولوجي والسيكولوجي السريع‪ ،‬مما يحتم تطورا في منهاج‬
‫اللغة العربية من حيث انتقاء املضامين واملحتويات وترتيبها‪.‬‬
‫ •تنويع مادة النصوص املختارة للمطالعة لتتكافأ فيها مطالب الحس والخيال والفكر‬
‫والوجدان(((؛ أي استهداف شخصية املتعلم في أبعاده الثالث املتكاملة‪ :‬الجانب املعرفي‬
‫العقلي والجانب الح�سي املهاري ثم الجانب القيمي الوجداني‪.‬‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬املطالعــة الجديــدة للمــدارس الثانويــة‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ :‬منشــورات دار الثقافــة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.3/2 ،1965‬‬
‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬املطالعة الجديدة للمدارس الثانوية‪ ،‬السنة األولى (املقدمة)‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬منشورات‬
‫دارالثقافة‪ ،‬ط‪.3/1 .1965 ،1‬‬
‫‪ 44‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫الجانب‬
‫املعرفي العقلي‬

‫املتعلم‬

‫الجانب‬
‫الجانب‬
‫القيمي‬
‫الح�سي املهاري‬
‫الوجداني‬

‫ •التوازن واالنسجام في عرض مضامين الكتب بأجزائها األربعة‪ ،‬حيث تجد كل كتاب‬
‫يغطي عدة مجاالت تتكامل فيما بينها وتخدم األهداف املسطرة‪ .‬ومن املجاالت الواردة‬
‫في الجزء األول‪ :‬الحياة والحضارة ‪ -‬االجتماع ‪ -‬األدب ‪ -‬الصناعة ‪ -‬العلوم‪.‬‬
‫ •وضع مؤلفو كتب املطالعة الجديدة «مدخال» لكل نص يعد بمثابة تشويق للتلميذ‬
‫وإثارة استطالعه وفضوله إلى املوضوع املعروض عليه بشكل من األشكال‪ .‬فأحيانا‬
‫يتضمن سؤاال يعد بمثابة مدخل إشكالي لبناء التعلمات‪ ،‬وأحيانا أخرى يقدم للمتعلم‬
‫تلخيصا مركزا ملضمون النص في قالب مشوق ومثير النتباهه‪ ،‬يدفعه لقراءة النص‬
‫وفهمه ودراسته‪.‬‬
‫ •الربط والدمج بين املعارف والقيم في عرض مضامين الكتاب‪ ،‬خاصة وأن مادة اللغة‬
‫العربية مادة حاملة للقيم بشكل صريح‪ .‬ورد في مقدمة الجزء األول‪« :‬وهكذا جاءت هذه‬
‫السلسلة كتابا للتربية العقلية واالجتماعية‪ ،‬والتكوين اللغوي واألدبي في وقت واحد»(((‪.‬‬
‫َ‬
‫ • َسلك املؤلفون منهجية محددة وواضحة في تقديم النصوص ودراستها على الشكل اآلتي‪:‬‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬جعفــرالفا�ســي‪ ،‬محمــد الكتانــي‪ ،‬املطالعــة الجديــدة للمــدارس الثانويــة‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪:‬‬
‫منشــورات دارالثقافــة‪ ،‬ط‪ ،1965 ،1‬ص ‪.3‬‬
‫‪45‬‬ ‫إسهامات األستاذ عبد السالم ياسين في بناء املنظومة التربوية املغربية من خالل التأليف املدر�سي‬

‫‪ -‬املدخل‪ :‬يقدم للمتعلم ملخصا حول موضوع النص‪ ،‬شعريا كان أم نثريا يدفع‬
‫لقراءته وتتبع تفاصيله‪.‬‬
‫‪ -‬عرض النص مع بعض الصور التوضيحية‪ ،‬مما يدل على أن دمج الصور في الكتب‬
‫املدرسية كان هاجسا حاضرا بقوة عند مؤلفي كتب املطالعة الجديدة‪.‬‬
‫‪ -‬القاموس‪ :‬وبه شرح ألهم املفردات الصعبة‪.‬‬
‫‪ -‬أسئلة الفهم؛ لفهم النص وتعرف مضمونه‪.‬‬
‫‪ -‬أسئلة التفكير‪ :‬لتنمية وتطوير املهارات املرتبطة باملستويات العليا للتفكير‪.‬‬
‫‪ -‬ثم وضعية تقويمية للكتابة واإلنشاء َيستدمج فيها املتعلم مختلف مهاراته ومعارفه‬
‫وموارده املكتسبة إلنجاز موضوع إنشائي(((‪.‬‬
‫ • َت َط َ‬
‫ور منهاج املادة (اللغة العربية) تدريجيا من الجزء األول إلى الجزء الرابع املخصص‬
‫للسنة الثالثة الثانوية (البروفي) هذا األخير الذي تضمن بعض دروس البالغة العربية‪،‬‬
‫يقول مؤلفو الكتاب في مقدمة الجزء الرابع‪« :‬ونود أن نشير إلى أن هذا الجزء هو صورة‬
‫أوفى وأتم ملا أنشئت له هذه السلسلة‪ ،‬وهو وضع كتاب للمطالعة بين أيدي تالميذنا‬
‫من شأنه أن يكون وسيلة فعالة لتذويقهم األدب الرفيع‪ ،‬وتعويدهم األسلوب العربي‬
‫القديم‪ ،‬دون أن نغفل فتح آفاق على األدب العالمي والحضاري الذي يكتنفهم»(((‪.‬‬
‫ •جعل منهاج املادة جزءا هاما من املواضيع املدرجة في الكتاب بأقالم مغربية‪ ،‬وهذا‬
‫يتما�شى مع شعارات اإلصالح التربوي في هذه املرحلة وفي مقدمتها شعار ومبدأ‬
‫«املغربة»‪ ،‬فنجد نصوصا لغوية لكتاب مغاربة وأخرى ملؤلفي الكتاب‪ ،‬يقول مؤلفو‬
‫املطالعة الجديدة في الجزء الثاني‪« :‬ولم ننس أن نجعل جزءا هاما من محتويات الكتاب‬
‫بأقالم مغربية في مواضيع إقليمية»(((‪.‬‬
‫ •نبهت لجنة التأليف على أمر مهم جدا في املمارسة التعليمية واالشتغال الديداكتيكي‪:‬‬
‫إنه إمكانية التصرف في كيفية التعاطي ديداكتيكيا مع املواضيع والنصوص الواردة‬

‫((( وضعية تختبرمدى اكتساب املتعلم للكفاية وفق املقاربة البيداغوجية الحديثة‪.‬‬
‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬وآخرون‪ ،‬املطالعة الجديدة للمدارس الثانوية‪ ،‬مرجع سابق‪.3/4 ،‬‬
‫((( املرجع نفسه‪.4/2 ،‬‬
‫‪ 46‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫في الكتاب املدر�سي‪ ،‬وعدم االرتباط خطيا بالكتاب‪ ،‬بل لألستاذ أن يضيف ويعدل بما‬
‫يخدم أهداف الدرس‪ .‬وهذا ينم عن فهم عميق للعملية التعليمية ‪ -‬التعلمية‪ .‬ورد في‬
‫مقدمة الجزء األول‪ « :‬وجعلنا املدخل لكل نص بمثابة تشويق للتلميذ وإثارة استطالعه‬
‫وفضوله إلى املوضوع املعروض عليه بشكل من األشكال‪ .‬ولألستاذ الحق في أن يتصرف‬
‫فيه بما يقتضيه املقام»((( ‪ ،‬وبخصوص أسئلة الفهم يقول مؤلفو الكتاب‪ « :‬إننا ميزنا‬
‫بين أسئلة الفهم وتحليله وتوضيح أجزائه حسب الفترات‪ ،‬ولألستاذ أن يزيد فيها‬
‫ما ‪ ‬يشاء»(((‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫من خالل هذه الجولة السريعة في تاريخ الكاتب املدر�سي باملغرب‪ ،‬تبين مدى إسهام األستاذ‬
‫عبد السالم ياسين في التأليف املدر�سي وصناعة الكتاب املدر�سي باملغرب‪ ،‬وبجودة عالية‬
‫وخبرة بينة‪ .‬فاجتمع في الرجل التنظير واملمارسة امليدانية‪ ،‬فنجده يؤلف كتبا مدرسية لوحده‬
‫وبإتقان قل نظيره‪ .‬وشارك في كتب رفقة زمالء له وأساتذة وتربويين‪ .‬وأحيانا نجد له نصوصا‬
‫قرائية بكتب مدرسية أخرى(((‪ ،‬كل ذلك من أجل بناء مدرسة وطنية بقيم عربية إسالمية‬
‫تماشيا مع الحماس املوجود يومئذ من لدن مختلف الفاعلين؛ وتماشيا مع شعار املرحلة‪:‬‬
‫املغربة ‪ -‬التوحيد ‪ -‬التعريب ‪ -‬التعميم؛ فتعميم التمدرس يتطلب توفير منهاج تربوي متكامل‬
‫ومنسجم يخدم األهداف الوطنية املسطرة؛ ولتصريف املنهاج البد من خوض غمار التأليف‬
‫املدر�سي تخلصا من ربقة االستعمار وسبة استيراد الكتاب املدر�سي من الخارج‪.‬‬
‫فكان األستاذ عبد السالم ياسين رحمه هللا من أبرز الرجال الذين انبروا لحمل عبء‬
‫اإلنتاج التربوي بمختلف مستوياته‪ .‬وبذلك تبقى املدرسة املغربية واملنظومة التربوية جملة‬
‫مدينة لهذا العلم من أعالم املغرب املعاصرين بال�شيء الكثير‪.‬‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬وآخرون‪ ،‬املطالعة الجديدة للمدارس الثانوية‪ ،‬مرجع سابق‪.4/1 ،‬‬
‫((( املرجع نفسه والصفحة‪.‬‬
‫((( مثل‪ :‬نص « هللا يرانا» بسلسلة «اقرأ» للمؤلف التربوي أحمد بوكماخ رحمه هللا‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫إسهامات األستاذ عبد السالم ياسين في بناء املنظومة التربوية املغربية من خالل التأليف املدر�سي‬

‫بيبليوغرافيا الدراسة‪:‬‬

‫ •إدريس بن املاحي اإلدري�سي القيطوني الحسني‪ ،‬معجم املطبوعات املغربية‪ ،‬طبعة ‪.1988‬‬
‫ •أحمد أوزي املعجم املوسوعي الجديد لعلوم التربية‪ ،‬منشورات مجلة علوم التربية العدد‬
‫‪ .42‬طبعة ‪.2016‬‬
‫ •مادي لحسن‪ ،‬السياسة التعليمية باملغرب ورهانات املستقبل‪ ،‬منشورات مجلة علوم‬
‫التربية‪ ،‬الطبعة األولى ‪.1998‬‬
‫ •الجابري محمد عابد‪ ،‬التعليم في املغرب العربي‪ ،‬دار النشر املغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪1988 ،‬‬
‫ •املكي املروني‪ ،‬اإلصالح التعليمي باملغرب ‪ ،1994 - 1956‬منشورات كلية اآلداب والعلوم‬
‫اإلنسانية بالرباط‪ .‬الطبعة األولى ‪ ،1996‬مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء‪.‬‬
‫ •حمودو محمد‪« ،‬املحطات الكبرى لتاريخ الكتاب املدر�سي املغربي» دراسة منشورة بمجلة‬
‫علوم التربية العدد الواحد والستون (‪.)61‬‬
‫ •العلمي الخمار‪ ،‬التربية والسياسة ومسارات اإلصالح‪ ،‬مجلة التربية والتكوين‪ ،‬العدد‬
‫األول‪ ،‬سنة ‪.2006‬‬
‫ •عبد السالم ياسين‪ ،‬جعفر الفا�سي‪ ،‬محمد الكتاني‪ ،‬املطالعة الجديدة للمدارس الثانوية‪،‬‬
‫الجزء األول ‪ -‬السنة األولى‪ .‬منشورات دار الثقافة ‪ -‬الدار البيضاء ‪.1965‬‬
‫ •عبد السالم ياسين‪ ،‬جعفر الفا�سي‪ ،‬جعفر علي العلمي‪ ،‬محمد الكتاني‪ ،‬املطالعة الجديدة‬
‫للمدارس الثانوية‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬للسنة الثانية الثانوية ‪ -‬منشورات دار الثقافة ‪ -‬الدار‬
‫البيضاء‪.‬‬
‫ •عبد السالم ياسين‪ ،‬جعفر الفا�سي‪ ،‬محمد الكتاني‪ ،‬املطالعة الجديدة للمدارس الثانوية‪،‬‬
‫الجزء الثالث للسنة الثانية الثانوية ‪ -‬طبع بلبنان‪ :‬دار العلم للماليين بيروت‪ .‬منشورات دار‬
‫الثقافة ‪ -‬الدار البيضاء‪.‬‬
‫ •عبد السالم ياسين‪ ،‬جعفر الفا�سي‪ ،‬محمد الكتاني‪ ،‬املطالعة الجديدة للمدارس الثانوية‪،‬‬
‫للمدارس الثانوية‪ -‬الجزء الرابع للسنة الثالثة الثانوية (بروفي) ‪ -‬طبع في لبنان‪ .‬منشورات‬
‫دار الثقافة ‪ -‬الدار البيضاء‪.‬‬
‫‪ 48‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫ •عبد السالم ياسين‪ ،‬الجديد في دروس األشياء للقسم االبتدائي الثاني‪ ،‬الطبعة األولى ‪.1965‬‬
‫منشورات دار الثقافة‪ .‬طبع في بيروت‪.‬‬
‫ •عبد السالم ياسين‪ ،‬الجديد في دروس األشياء للمتوسط األول‪ ،‬الطبعة األولى ‪.1965‬‬
‫منشورات دار الثقافة‪ .‬مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء‪.‬‬
‫ •عبد السالم ياسين‪ ،‬الجديد في دروس األشياء للمتوسط الثاني‪ -‬الجزء الثالث‪ ،‬منشورات‬
‫دار الثقافة‪.‬‬
‫‪• Dictionnaire actuel de l’éducation. Guérin Montréal, Canada. 2005 .‬‬
‫‪49‬‬

‫ياسين الشاب‪ :‬عبد السالم ياسين‬


‫(((‬
‫التربوي البيداغوجي األنواري‬

‫(((‬
‫د‪ .‬الحسن اللحية‬

‫سيكون املوضوع هذا اليوم موضوعا هاما للغاية‪ ،‬وهو يتناول أحد أعالم الفكر التربوي‬
‫املغربي‪ ،‬وهم قالئل‪ ،‬وينبغي أن يحتفى بهم كيفما كان الحال نظرا للمجهودات التي قدموها‬
‫لتاريخ الفكر التربوي والبيداغوجي باملغرب‪ ،‬ويتعلق األمر باألستاذ عبد السالم ياسين‪ ،‬وما‬
‫يهمنا هنا هو ما كتبه قبل أن يصدر رسالته الشهيرة حول اإلسالم أو الطوفان‪ ،‬نحن نعلم أن‬
‫الرجل كثير الكتابة وتبلغ مؤلفاته زهاء ‪ 43‬مؤلفا وثالثة مؤلفات باللغة الفرنسية‪ ،‬فهذا الرجل‬
‫الذي مأل الدنيا وشغل الناس كان له الفضل في استنبات ما نسميه اليوم «علوم التربية»‪ ،‬ومن‬
‫جهتنا وألننا نشتغل على هذا املوضوع فإننا نتساءل ملاذا ال يعود القارئ وملاذا ال يعود األتباع‬
‫إلى هذه الكتابات ما قبل السبعين من القرن املا�ضي؟‬
‫سنتناول نحن الرجل بعيدا عن السياسة‪ ،‬وبعيدا عن الفكر الديني الذي انخرط فيه‪،‬‬
‫سنتناول رجال يكتب في التربية والبيداغوجيا بدون بياضات أو تلك النقط التي كان يتركها في‬
‫كتبه الالحقة‪ ،‬فهذا الرجل هو باحث وسنرى ذلك‪ ،‬وهو أستاذ باملعنى الدقيق للكلمة‪ ،‬وهو‬
‫إنسان كذلك مثله مثل الناس‪ ،‬وهو قارئ للنصوص كما سنرى‪ ،‬وهو املعترف بأن ميالد التربية‬

‫((( األصــل فــي هــذا املقــال هــو محاضــرة لألســتاذ الدكتــور الحســن اللحيــة‪ ،‬منشــورة فــي فيديــو علــى اليوتــوب فــي‬
‫الرابــط اآلتــي‪:‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v-Psnesd9PKV4‬‬
‫منشور يوم ‪ 9‬يونيو ‪ ،2016‬تمت زيارته يوم ‪ 9‬يونيو ‪.2017‬‬
‫((( الدكتــور الحســن اللحيــة أســتاذ علــوم التربيــة بمركــزالتوجيــه والتخطيــط التربــوي‪ ،‬بالربــاط‪ ،‬لــه عــدة مؤلفــات‬
‫فــي علــوم التربيــة‪ ،‬منهــا‪ :‬ماهــي الكفايــات؟ (‪ ،)2003‬ديناميــة الجماعــات (‪ ،)2008‬بيداغوجيــا التعاقــد (‪،)2008‬‬
‫مشــروع املؤسســة (‪ ،)2009‬الوضعيــة املشــكلة (‪ ،)2009‬كفايــات املدبــر(ة) التربــوي (‪ ،)2010‬املدرســة واملقاولــة‪:‬‬
‫الضــرورة أم النفعيــة؟ (‪ .)2012‬باإلضافــة إلــى مقــاالت كثيــرة فــي العديــد مــن املجــات العلميــة واملواقــع اإللكترونيــة‪.‬‬
‫‪ 50‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫والفكر التربوي والبيداغوجي هو حديث العهد‪ ،‬وهذه نقطة مهمه جدا بالنسبة لكل مهتم‬
‫بالتربية والفكر التربوي والفكر البيداغوجي‪ ،‬وهو كذلك يعترف في مقدمة كتبه البيداغوجية‬
‫والتربوية بأن البيداغوجية حديثة العهد‪ ،‬فهذا األستاذ الذي نتحدث عنه في ثنايا مقدمات‬
‫ْ‬
‫لكتبه الثالثة التي سنتعرض إليها اليوم‪ُ ،‬يؤمن بأنه يقدم مساهمات فقط‪ ،‬فهو يساعد القارئ‪،‬‬
‫يساعد املتكون بلغة اليوم ـ ـ وفي ذلك الوقت كان يسمى املعلم على فهم فكر الغير للتفكير في‬
‫التربية في وطننا املغرب‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬من هذه الناحية نحن لن نهتم باملنعطف الذي أصابه بعد ذلك‪ ،‬وال تهمنا كثيرا ما هي‬
‫األسباب‪ ،‬وما إذا كانت هناك قطيعة بشكل ما في مساره الفكري‪ ،‬وال ما األسباب التي جعلته‬
‫ينتقل من رجل يفكر في التربية وبالتربية وفي البيداغوجيا وبالبيداغوجيا وتأصيلهما إلى رجل‬
‫متصوف‪ ،‬إلى رجل يقبل بأن يكون شيخا ضد منطق البيداغوجيا تاريخيا‪ ،‬والفكرة هنا هي تماما‬
‫ضد الفكر التربوي؛ ألن الذي يفكر بالتربية والبيداغوجيا يرفض رفضا تاما أن ينعت بالشيخ‪.‬‬
‫فالفكر الذي يستند إليه الرجل هو فكر حديث معاصر ينتمي للقرن الثامن عشر والقرن‬
‫التاسع عشر والقرن العشرين كما سنرى‪ ،‬ولكنه في نفس الوقت آمن بأنه شيخ فيما بعد؛‬
‫فقراءتنا لهذا الرجل‪ ،‬هذا اليوم‪ ،‬ستكون قراءة إبيستيمولوجية على كل حال‪ ،‬أو كما قال‬
‫ألتوسير في شأن ماركس بأن هناك ماركس الشاب وماركس الشيخ‪ ،‬ونحن بالنسبة لنا بأن‬
‫ماركس الناضج هو عبد السالم ياسين للستينيات‪ ،‬وما بعدها �شيء آخر ولذلك فإن هذا القلب‬
‫الهيجلي حينما قام به ماركس تجاه هيجل سنسترشد به هذا اليوم ألننا نريد األستاذ عبد‬
‫السالم ياسين الشاب الواقف على رجليه في الستينيات‪.‬‬
‫سنتناول ثالثة كتب وهي على التوالي‪:‬‬
‫الكتاب األول‪ :‬وهو «النصوص التربوية ملدارس املعلمين واملعلمات»(((‪ ،‬وكانت الطبعة‬
‫األولى سنة ‪ ،1963‬في دار السلمي‪ ،‬وآنذاك كان األستاذ عبد السالم ياسين ُمفتشا للتعليم‬
‫االبتدائي‪ ،‬ومديرا ملدرسة املعلمين بمراكش‪ ،‬سنالحظ بأن هذا الكتاب الذي هو نصوص‬
‫مهمة للغاية‪ ،‬وهي صالحة اليوم وصالحة غدا أيضا‪ ،‬فهذه النصوص مذيلة في الكتاب بأسئلة؛‬
‫بمعنى أنها موجهة من أستاذ إلى متكون‪.‬‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬النصــوص التربويــة‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دار ُّ‬


‫الســلمي للتأليــف والترجمــة والنشــروالطباعــة‬
‫والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬والكتــاب يوجــد طبــق األصــل فــي موقــع سـراج ‪. siraj.net‬‬
‫‪51‬‬ ‫ياسين الشاب‪ :‬عبد السالم ياسين التربوي البيداغوجي األنواري‬

‫يقول في مقدمة الكتاب‪« :‬وتارة يتخذ النص التربوي متنا لدرسه‪ ،‬ومناسبة لتركيز البحث‬
‫حول نقطة معينة واستعراض آراء املربين عبر العصور»(((‪ .‬هكذا كان الرجل في هذه الكتب‬
‫يستعرض آراء املربين عبر العصور وحسب املبادئ الفلسفية واالجتماعية التي ينتسبون‬
‫إليها؛ بمعنى أن الرجل سيستعرض مجموعة من النصوص لفالسفة باختالف مشاربهم‬
‫وإيديولوجياتهم دون إقصاء‪ ،‬أو الطرق العملية التجريبية التي يطبقونها ثم يقول في مقدمة‬
‫هذا الكتاب بأن هذه «النصوص املدروسة في مدرسة املعلمين من اختيار األستاذ»((( وتتضمن‬
‫سير التربية وتطورها‪ ،‬ويقول أيضا‪« :‬حاولنا أن يكون كل نص صورة للمذهب التربوي الذي‬
‫يقتنع به كاتبه»(((‪ ،‬ثم يقول أيضا‪« :‬أما بعد‪ ،‬فإن تدريس النصوص التربوية يريد أن يبلغ‬
‫األستاذ جهده ليوقظ اهتمام الطلبة باملوضوع‪ ،‬ويصرف عقلهم الناقد إلى ما يقرؤونه حتى‬
‫يتبصروا األمر»(((‪.‬‬
‫هكذا نالحظ في مقدمة هذا الكتاب كيف كان الرجل أنواريا‪ ،‬وكيف كان يدافع على إعمال‬
‫العقل في املمارسة التربوية‪ ،‬يقول أيضا‪« :‬فإن فعل ذكر الجزئيات الصغيرة ال تدخل حساب‬
‫النتيجة كثيرا أو قليال فتماريننا تهدف إلى تبديل هذه العادة‪ ،‬ليقرأ الطالب وأمام عينيه الفكرة‬
‫حين تبنى وحين تتقلب‪ ،‬ولتكون قراءته عملية إيجابية يتفاعل أثناءها عقله باملادة الثقافية‬
‫التي بين يديه»(((‪ ،‬أي يتفاعل العقل مع املقروء‪ ،‬أو بلغة أخرى يتفاعل القارئ مع املقروء‪ ،‬وهذا‬
‫النص وهذا الكتاب في األصل كتبت مقدمته في ‪ 3‬أكتوبر ‪ ،1961‬إذن نالحظ أن الكتاب الذي‬
‫بين أيدينا يتناول أوال الفكر التربوي اإلغريقي‪ ،‬والفكر الفار�سي‪ ،‬والتربية اإلسالمية‪ ،‬لكنه لم‬
‫يتوقف عندها طويال وهذه هي املالحظة األولى‪.‬‬
‫يطرح نصوصا وتكون هذه النصوص دقيقة ومذيلة بأسئلة ألنها موجهة إلى املتكون‪،‬‬
‫والجانب الثاني الذي استرعى انتباهي هو األسماء الواردة في هذه النصوص‪ ،‬أو أن هذه‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬النصــوص التربويــة‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دار ُّ‬


‫الســلمي للتأليــف والترجمــة والنشــروالطباعــة‬
‫والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.7‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫((( املرجع نفسه والصفحة‪.‬‬
‫((( املرجع نفسه والصفحة‪.‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪ 52‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫النصوص تعكس اختيارا‪ ،‬تجد مثال ابن سينا (‪ ،)1037-980‬وروسو(‪ ،)1778 - 1712‬وويليام‬
‫جيمس(‪ ،)1910 - 1840‬ودوركايم (‪ ،)1917 - 1858‬ومونتني(‪ ،)1592-1532‬والغزالي(‪-450‬‬
‫‪505‬هـ)‪ ،‬وجون لوك ‪ )1704 - 1632(،‬وكلود بيني(‪ ،)1911 - 1857‬وأالن (‪)1951 - 1868‬‬
‫وبياجي (‪ ،)1980-1896‬ومنتسوري وكالبريد (‪ ،)1873‬وطه حسين (‪ ،)1973-1889‬وخاصة‬
‫يستحضر كتابا محددا لطه حسين هو «مستقبل الثقافة في مصر»‪ ،‬وهو كتاب كان فيه طه‬
‫حسين املثقف الذي ينظر ملستقبل الثقافة في مصر‪...‬ثم نجد سقراط(‪ 399-469‬ق‪.‬م)‪ ،‬ونجد‬
‫إراسم (‪ ،)1556-1497‬ونجد كذلك كومينيوس (‪ ،)1592-1671‬وبستالوزي(‪،)1827-1746‬‬
‫وجون ديوي (‪ ،)1952-1859‬وكونفوشيوس(‪479 -551‬ق‪.‬م)‪ ،‬ودكرولي(‪.)1932-1871‬‬
‫إذن سنالحظ بأن األسماء التي طغت على هذا الكتاب كلها أسماء غربية؛ فمن جهة‬
‫املفاهيم فهو يتعرض ملفاهيم كثيرة وهي تهم التربية بالذات‪ ،‬مثل ما معنى التربية السلبية وهنا‬
‫يستحضر روسو‪ ،‬ويتعرض للعلوم وخاصة علم النفس‪ ،‬وهو يسميه بهذا االسم علم النفس‬
‫ولكنه يتعرض ملفهوم مهم جدا في التربية وهو فن التربية وكذلك يتعرض للتربية في نظر علماء‬
‫االجتماع كما يتعرض ل�شيء مهم وهو تعلم البنات‪ ،‬وهنا اقتنصت نصا من كتابه يقول فيه في‬
‫استخالص أو في وضع مالحظة في ص ‪ 52‬ما يلي‪« :‬وقف الناس اليوم عند فكرة تعليم البنت‬
‫(ونحن في الستينيات من القرن املا�ضي) واتفقوا على وجوب تعليمها‪ ،‬وذلك لدواع سياسية‬
‫واجتماعية واقتصادية غير أن األمر لم يكن كذلك في ما م�ضى فقد كان حظ املرأة من التعليم‬
‫وحرمانها منه رهنا بالفكرة التي يتصورها الرجل عنها وباملكانة االجتماعية التي تحتلها املرأة‬
‫في قومها‪ ،‬لكن مشكلة اختالط الجنسين في املدرسة ما زال موضوع جدال‪ ،‬نظرا لالعتبارات‬
‫الدينية والخلقية التي يعتبرها املسؤولون عن التربية كل حسب بالده وتقليده»‪.‬‬
‫إذن نالحظ من خالل املالحظة التي وضعها أو استخلصها أو استنتجها األستاذ عبد السالم‬
‫ياسين أنه يفكر بتعدد الذهنيات كما يفكر بتعدد الثقافات‪ ،‬ولكنه ينحو منحى آخر هو تحديث‬
‫املجتمع من أجل تدريس البنات‪.‬‬
‫والكتاب الثاني هنا‪ :‬وهو «كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا؟»((( من تأليف األستاذ عبد‬
‫السالم ياسين‪ ،‬وقد صدر عن دار الثقافة في طبعة جديدة ومنقحة‪ ،‬وكان يشغل مدير مركز‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬كيــف أكتــب إنشــاء بيداغوجيــا‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ :‬دار الثقافــة‪ ،‬الطبعــة األولــى‪.1962 ،‬‬
‫والكتــاب يوجــد طبــق األصــل فــي موقــع س ـراج ‪siraj.net‬‬
‫‪53‬‬ ‫ياسين الشاب‪ :‬عبد السالم ياسين التربوي البيداغوجي األنواري‬

‫تكوين املفتشين‪ ،‬ولكن في السابق يقول في هذا الكتاب وهو كتاب منهي موجه إلى املهنيين‪،‬‬
‫إلى الذين يريدون اجتياز االمتحانات‪ ،‬فهو يقر في مقدمة كتابه بصعوبة املهمة ثم يرى بأن‬
‫هذا املتكون يعاني نقصا‪ ،‬النقص األول وهو نقص في اللغة أسماه الجهل باللغة وقواعدها‬
‫واستعمال الكلمات لغير املعاني التي وضعت لها وكذلك اللحن‪ ،‬ثم النقص الثاني وهو املهم‬
‫هنا وهو النقص في األفكار‪ ،‬ومرده في نظره إلى أن طالب مدرسة املعلمين أو املعلم املؤقت‬
‫يلتمسان عند األستاذ أو في كتب التربية صيغا يحفظونها ـ ـ وهو ضد الذاكرة وضد الحفظ ضد‬
‫العنعنة ضد أن يتلو الطالب املعرفة التي خزنها ـ ـ ظانين أن هذه الصيغ قمينة بأن تسد الفقر‬
‫الذي يعرفونه في أنفسهم‪ ،‬وبهذا يخطئون الطريق من األول فإذا مرت فترة التيهيء لالمتحان‪،‬‬
‫وهكذا فإنه ضد هذه النزعة االمتحانية وجدا أنهما لم يتقدما كثيرا وال قليال في التزود باألفكار‪.‬‬
‫وما يالحظ على هذا الكتاب هنا ‪-‬املقدمة كتبت في مراكش ‪ 5‬أكتوبر ‪ -1962‬هو كتاب عملي‬
‫يهتم بالجانب التقني؛ مثال يعطيك النص بفراغ في خطاطة العرض والتصميم‪ ،‬وكيف تتعامل‬
‫مع املوضوع‪ ،‬وبأي منهجية‪ ،‬وسنعطي بعضا من نصوصه التي جعلها نماذج لالمتحانات‬
‫آنذاك‪ ،‬وهي ستبين لنا اختياراته الفكرية واإليديولوجية واملعرفية آنذاك‪ ،‬فالكتاب ينقسم‬
‫إلى‪ :‬الفصل األول‪ :‬وهو التربية وهو علم النفس‪ ،‬والفصل الثاني‪ :‬وهو التربية وآداب املهنة بلغة‬
‫اليوم ‪...La déontologie‬‬
‫النص األول‪ :‬وهو في الصفحة ‪ 23‬يقول‪« :‬قيل إن للطفل طبيعة حية يستهويها كل جديد‬
‫وتنجذب لكل ما يتجاوب معها‪ ،‬وتنفر من كل أجنبي عن عاملها»‪ ،‬سنالحظ هنا بأن األستاذ‬
‫عبد السالم ياسين وهو يحلل هذه النصوص وهي حديثة أنه منفتح على الفالسفة‪ ،‬منفتح‬
‫على علماء االجتماع‪ ،‬منفتح على السيكولوجيين‪ ،‬منفتح على البيداغوجيين‪ ،‬وهو يفكر معهم‪.‬‬
‫النص الثاني‪ :‬وهو نص في الصفحة ‪ 40‬يقول‪« :‬قيل إن الخطوط العريضة لشخصية الطفل‬
‫ترسم في سن الطفولة املبكرة وأن مصيره ليتقرر بين جدران البيت»‪ .‬هكذا تالحظون أن هذه‬
‫القولة تحيل مباشرة إلى الحوار الفكري الذي كان دائرا في أوروبا بين الفروديين وغيرهم‪،‬‬
‫وفي الصفحة ‪ 49‬سنالحظ النص التالي‪ :‬تقول الدكتورة مونتيسوري‪« :‬يالحظ أن االنقطاع‬
‫الفجائي عن العمل يتعب أكثر مما تفعل املثابرة‪ ،»..‬إذن سنالحظ بأنه يتتبع كذلك عمل‬
‫التجارب الشخصية والفردية كما عمل بياجي ودكرولي (‪ )1932-1871‬ومنتيسوري (‪-1870‬‬
‫‪ ،)1952‬وفروبل (‪ )1852-1728‬وغيرهم‪ ،‬وفي صفحة أخرى وهي الصفحة ‪ 144‬مثال‪ ،‬يتحدث‬
‫‪ 54‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫عن التربية وآداب املهنة فيقول‪« :‬يجب أن يكون التلميذ املغربي بعد خروجه من املدرسة‬
‫االبتدائية مهيأ ليكون مواطنا صالحا فكيف تفهم مهمة التربية هذه وكيف تؤديها؟»‪.‬‬
‫هكذا إذن يستحضر األبعاد والغايات من التربية ومن املدرسة واألدوار التي ينبغي أن‬
‫تلعبها‪ ،‬كما أنه في الصفحة ‪ 163‬من هذا الكتاب تعرض للشروط املهنية وال بأس أن نتوقف‬
‫عندها شيئا ما‪ ،‬يقول في هذا الصدد‪« :‬الثقافة املهنية أساس تكوين املعلم إذ على قدر مهارته في‬
‫ُ‬
‫التربية وطرق التعليم يكون نجاحه وتريد هذه الثقافة كالثقافة العامة أن تغذى بكل معرفة‬
‫جديدة حتى ال يجمد املعلم على أسلوب واحد وتتوقف أفكاره عن الحركة فترجع القهقرى‪،‬‬
‫وال بد أن يبقى املعلم مجاريا لتيار التربية مطلعا على حركاته‪ ،‬وال بد أن يجري تجارب من شأنها‬
‫قوم طرقه في التعليم‪ ،‬واملعلم الحي يلتمس الرشد من كل أبوابه فيأخذ نصح زمالئه األكثر‬ ‫ُ ّ‬
‫أن ت ِ‬
‫منه تجربة ويسعى لزيارتهم في أقسامهم واالطالع على وثائقهم ملا يرجو أن يجد عندهم من‬
‫علم‪ ،‬وإن كان لبعض املعلمين موهبة خاصة في امليدان تضمن لهم أن يبرزوا إذا هم تعهدوها‬
‫فإن بوسع كل معلم أن يحصل على التجربة الكافية واملهارة العلمية التي تعوض بعض ما‬
‫يفوته بفقد املوهبة لديه»‪.‬‬
‫إذن نستخلص مما سبق من هذا النص الذي يتحدث عن الشروط املهنية عند األستاذ عبد‬
‫السالم ياسين ما يلي‪:‬‬
‫أن الرجل كان يتحدث عن ثقافة املهنية أو الثقافة املهنية‪ ،‬كما تحدث عن الجمود في املهنة‪،‬‬
‫وتوقف األفكار في املهنة‪ ،‬وتحدث عن التجربة في املهنة‪ ،‬وتحدث كذلك عن املبدعين في املهنة‪،‬‬
‫فالنص في نظري يطرح مشاكل األمس كما هي اليوم‪ ،‬ويستحق هذا الكتاب أن يقرأ مرات‬
‫ومرات‪ ،‬وأن يحضر بين املتكونين ألننا نعرف أهمية التكوين والرجل كان مكونا‪.‬‬
‫وأما الكتاب الثالث الذي نتحدث عنه في معرض حديثنا عن األستاذ عبد السالم ياسين‪،‬‬
‫فهو «مذكرات في التربية»(((‪ ،‬ولهذا الكتاب ٌ‬
‫طعم خاص فهو من تأليف األستاذ عبد السالم‬
‫ياسين مفتش التعليم االبتدائي ومدير مدرسة املعلمين بمراكش‪ ،‬وقد صدر سنة ‪ 1963‬عن دار‬
‫السلمي‪ ،‬فالكتاب عبارة عن دروس ويبدو أنها استغرقت سنوات وسنوات‪ ،‬فالدروس ألقيت‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دار ُّ‬
‫الســلمي للتأليــف والترجمــة والنشــروالطباعــة‬
‫والتوزيــع‪ ،‬ط‪ .1963 ،1‬والكتــاب يوجــد طبــق األصــل فــي موقــع س ـراج ‪.siraj.net‬‬
‫‪55‬‬ ‫ياسين الشاب‪ :‬عبد السالم ياسين التربوي البيداغوجي األنواري‬

‫في سنوات وفترات مختلفة‪ ،‬وهنا أتذكر بأن نشر دروس بتمحيص وبتدقيق من طرف باحث‪،‬‬
‫من طرف مهتم في مجال ما‪ ،‬يعني أن هذه الدروس خالصة التجربة‪ ،‬خالصة خبرة‪ ،‬خالصة‬
‫تفاعل بين املدرس وطلبته‪ ،‬خالصة تكرار ال يعني االستنساخ‪ ،‬خالصة التدقيق وخالصة‬
‫التمحيص إلى آخره؛ بمعنى أن هذه املذكرات كان يعول عليها هو شخصيا‪ ،‬كان يعول عليها‬
‫كثيرا‪ ،‬فربما أراد أن يسميها مذكرات‪ ،‬أراد أن تكون مرتبطة بمساره املنهي ورحلته الفكرية‪،‬‬
‫فنجد في هذا الكتاب‪ ،‬وهو مهم‪ ،‬تصورا يشبه الكتاب األول الذي تطرقنا إليه فهو من جهة‬
‫يتوقف عند مفهوم التربية في أبعاده الفلسفية‪ ،‬وهاهنا كذلك ال يق�صي أو ليس انتقائيا بمعنى‬
‫االنتقائية؛ ألنه ال يدافع عن أطروحة‪ ،‬وإنما يدافع عن تصورات وتعدد التصورات فنجد‬
‫أفالطون وإيراسم (‪ ،)1556-1467‬ولوتر (‪ ،)1516-1485‬ومونتيني ((‪ ،1592 1533‬ولوك‬
‫(‪ )1704-1632‬وكومينيوس (‪ )1670-1592‬وروسو وغير هؤالء‪ ،‬و بمعنى آخر حيثما كانت‬
‫فلسفة التربية فهو حاضر‪ ،‬قد نعلق على أمور كثيرة هنا لكننا نرجئها إلى ما بعد‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬نجده يتوقف عند مفكري القرن التاسع عشر والقرن العشرين فاألسماء مثل آالن‪،‬‬
‫منتسوري‪ ،‬ديوي إلى آخره‪ ...‬هي أسماء تنتمي إلى هذه الفترة‪ ،‬وكذلك يتوقف عند سوسيولوجية‬
‫التربية‪ ،‬فهنا توقف عند هذا الجانب ليس عند أعالم ولكن عند مفاهيم‪ ،‬مثال مفهوم املدرسة‪،‬‬
‫مفهوم وظيفة املدرسة‪ ،‬ما معنى النظام األخالقي للمؤسسة املدرسية‪ .‬إلى آخره‪...‬‬
‫ثم انتقل في جانب آخر ليتوقف عند مفهوم هام وهو مفهوم «الطفولة»‪ ،‬وهنا ال نجده‬
‫يعود إلى الوراء ليؤصل لهذا املفهوم مثال في القرن الثاني عشر أو في القرن الثامن أو في القرن‬
‫التاسع‪ ،‬وإنما توقف عند مفكري القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر والقرن العشرين‪،‬‬
‫وهذا وعي حاد باملفهوم‪.‬‬
‫وفي الجانب الرابع من هذا الكتاب فإنه يتوقف عند العالقة املمكنة بين الطفل واملعلم وهو‬
‫يسترشد دائما بأسماء وبنصوص تنتمي إلى القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر والقرن‬
‫العشرين‪ .‬وأخيرا فإنه اهتم على شاكلة األنجلوساكسونيين وقد أورد أن جون لوك هو من‬
‫أوحى له بذلك في كتابه عن التربية بأن يتوقف عند مفهوم التربية الجسمية للطفل‪ ،‬وأخيرا‬
‫توقف عند الدين واألخالق‪.‬‬
‫إذن ماذا نستنتج من هذه الكتب الثالثة؟ وما هي الخالصات التي يمكن استنتاجها منها؟‬
‫‪ 56‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫نالحظ ما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إن األستاذ عبد السالم ياسين يعتبر من الرواد األوائل الذين دشنوا درس علوم‬
‫التربية في املغرب‪ ،‬وهذا ال شك فيه‪ ،‬لكنه لم يميز أي تخصص كان يميل إليه من خالل كتبه‪،‬‬
‫فإن أردنا أن نميز بشكل أو بآخر فإننا نجده أقرب إلى السيكولوجيا منه إلى السوسيولوجيا‪،‬‬
‫وهذا ربما يرجع إلى تكوينه األكاديمي هل كان مكونا تكوينا سيكولوجيا ال أدري سأعود للبحث‬
‫في الرجل فيما بعد‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ال نجده ينتصر انتصارا للفلسفة اإلسالمية أو للفكر اإلسالمي وال نجده متشددا أو‬
‫ً‬
‫يحشر نصوص هؤالء في التربية حشرا كأن التربية أو البيداغوجيا هي بيداغوجية إسالمية‪،‬‬
‫أبدا ال يقول هذا الكالم‪ ،‬وإنما الرجل يعرف بأن تاريخ الفكر البشري تطور وأن التربية‬
‫أصبحت موضوع تفكير علمي وفلسفي حاد وسوسيولوجي وبيولوجي في القرون الحديثة‬
‫ونعني بها من القرن الثامن عشر إلى اآلن‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬نجد أن أفق الرجل الفكري التربوي والبيداغوجي هو منذ القرن الثامن عشر إلى‬
‫اليوم‪ .‬مسألة أخرى تستوجب التوقف عندها وهي أنه في كتابه األخير ظلت العالقة بين الدين‬
‫واألخالق ملتبسة لديه‪ ،‬وهذا يعني بأن الرجل لم يتوقف كثيرا عند مفهوم األخالق عند‬
‫الفالسفة ولم يتوقف عند مفهوم األخالق عند السوسيولوجيين وخاصة دوركايم‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬لم يدقق تدقيقا كبيرا في نظريات التعلم وال في السيكولوجيات وال في املدارس‪ ،‬نفس‬
‫ال�شيء بالنسبة لعلم االجتماع أو السوسيولوجيا‪ ،‬ونفس ال�شيء بالنسبة للتصورات الفلسفية‬
‫الكبرى املؤسسة لفلسفة التربية‪ ،‬ولكن ينبغي أن تحسب للرجل هذه الوقفة الطويلة عند‬
‫الطفولة في كتبه الثالثة وهو يعي تماما بأن هذا املفهوم هو مفهوم جوهري في التربية‪ ،‬فالرجل‬
‫كون‪ ،‬فنظرا لحداثة املغرب‬‫ُ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َّ‬
‫فكر على كل حال بمهنية في هذه الكتب‪ ،‬فكر كمرب وكمدرس وكم ِ‬
‫أو الدولة املغربية املستقلة حديثا ولعالقة املغرب بالفكر األوروبي فإن الرجل بذل مجهودا‬
‫كبيرا في هذه الكتب‪ ،‬فيمكن اعتبارها أنها كتب مؤسسة لعلوم التربية وهي كتب غير متجاوزة‬
‫باإلطالق‪ ،‬ولكن ما يالحظ هو أنه لم تكن له اختيارات سيكولوجية وال اختيارات بيداغوجية‪،‬‬
‫فمثال حينما يتحدث عن البيداغوجيا لم يدرك بأن البيداغوجيا هي بيداغوجيات‪ ،‬وأن‬
‫البيداغوجيا التجريبية تنتمي إلى مخبريات تصورية وعلمية‪ ،‬كما أنه لم ينحز إلى أية مدرسة‬
‫‪57‬‬ ‫ياسين الشاب‪ :‬عبد السالم ياسين التربوي البيداغوجي األنواري‬

‫من املدارس في السيكولوجيا أو في السوسيولوجيا‪ ،‬والجانب اآلخر وهو أن الرجل لم يفكر‬


‫أو لم يعط تصورا ما للمدارس الفلسفية التي ينبغي أن يبني عليها اختيارا ما‪ ،‬مثال في تصوراته‬
‫للتربية وبالتالي للنظام التربوي وبالتالي لتصوراتهم للمجتمع الذي يريده أو الدولة التي يريدها‪،‬‬
‫إذن فهذه املالحظات ال تنقص في نظري من أهمية ما كتبه الرجل‪ ،‬ولكن السؤال الذي يطرح‬
‫بالنسبة إلي وهو‪ :‬ملاذا نهتم بعبد السالم ياسين صاحب التيار السيا�سي الذي له أتباع وأشياع‬
‫وال نهتم بعبد السالم ياسين الباحث التربوي والبيداغوجي الذي يفكر باملعرفة اإلنسانية‬
‫وبالتفكير التربوي والبيداغوجي اإلنسانيين؟‬
‫‪ 58‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫بيبليوغرافيا الدراسة‪:‬‬
‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬النصوص التربوية‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬دار ُّ‬
‫السلمي للتأليف والترجمة‬
‫والنشروالطباعة والتوزيع‪ ،‬ط‪.1993 ،1‬‬
‫ • عبد السالم ياسين‪ ،‬كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬دارالثقافة‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪.1992 ،‬‬
‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬مذكرات في التربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬دار ُّ‬
‫السلمي للتأليف والترجمة‬
‫والنشروالطباعة والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪.1993 ،‬‬
‫‪59‬‬

‫فلسفة التربية في الكتابات البيداغوجية‬


‫المغربية المؤسسة‬
‫‪ -‬عبد السالم ياسين أنموذجا ‪-‬‬
‫(((‬
‫أحمد الفراك‬

‫لعل العنوان الذي يحمله املقال ال يوفي املوضوع حقه‪ ،‬غير أنه ينبه إليه ويذكر به‪ .‬وال شك‬
‫أن رجل التعليم يسعد حيثما أتيحت له مثل هذه الفرصة للمشاركة برأيه وخبرته في نقاش‬
‫علني ومفتوح يخص قضية هي أهم القضايا في كل أمة من األمم‪ ،‬أال وهي القضية التربوية‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والتعليمية‪ ،‬التربية بوصفها «فلسفة وعلم وفن»((( من خاللها تصنع األجيال وتبنى األوطان‬
‫ُ‬
‫بصدق قاصدا اإلسهام في إنهاض أمته من‬
‫ٍ‬ ‫وتستشرف األزمان‪ .‬وتزداد سعادته إن كان يتحدث‬
‫قرون مضت‪ ،‬وكان لحديثه ورأيه وشجوه سامعون واعون يبحثون‬ ‫ٍ‬ ‫غفالتها التي راكمتها عبر‬
‫عن الحكمة أنى وجدوها‪.‬‬
‫وها نحن اليوم قد ُدعينا للتذكير بمركزية التربية في بناء اإلنسان‪ ،‬أي تربية اإلنسان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وتعليمه تربية وتعليما َي ِقيا ِنه آفات االنحدار الثقافي واالستفساد األخالقي والضنك النف�سي‬
‫َ‬
‫والتخلف االقتصادي والتفكك االجتماعي‪ ،‬من خالل الخوض في تجربة علم من أعالم هذه‬
‫األمة املعاصرين في املوضوع‪ ،‬فاألستاذ واملربي عبد السالم ياسين رحمه هللا يستحق أن‬
‫وبعمق لنستشف الدروس ونقيم التجربة‬ ‫ٍ‬ ‫نقف مع ما كتبه وما مارسه وما سعى إليه طويال‬
‫ونستأنف املسير‪.‬‬
‫كثير من الناس ومنهم عامة املثقفين ال يعرفون عن عبد السالم ياسين سوى كونه سياسيا‬
‫معارضا أو داعية إسالميا‪ ،‬أو عاملا نصح ِملكا فأم�ضى قسطا من عمره في غياهب السجون‪،‬‬

‫((( أستاذ الفلسفة والفكر‪ ،‬كلية أصول الدين‪ ،‬تطوان‪.‬‬


‫((( محمد عابد الجابري‪ ،‬من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكالتنا الفكرية والتربوية‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬مطبعة دار‬
‫النشراملغربية‪ ،‬الطبعة ‪ ،1977 ،1‬ص ‪.121‬‬
‫‪ 60‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫وقليل منهم من نجا من آلة التعتيم فبلغ إلى علمه أن الرجل صاحب خبرة كبيرة وفضل كثير‬
‫في التربية والتعليم‪ ،‬فهو في نظر العديد من علماء التربية املعاصرين «من الرواد األوائل‬
‫الذين دشنوا درس علوم التربية في املغرب»(((‪ ،‬وأن له مؤلفات ذوات العدد في املوضوع‪ .‬لقد‬
‫مارس مهام التدبير والتسيير‪ ،‬والتدريس والتفتيش‪ ،‬والتخطيط والتتبع‪ ،‬والتقويم والتنظير‪،‬‬
‫والتأليف والترجمة‪ ،‬وقد تخرجت على يديه أطر كثيرة منها من يتحمل مسؤوليات كبيرة اليوم‬
‫في أجهزة الدولة وفي مؤسسات املجتمع على حد سواء‪ ،‬ممن يشهدون في كل مناسبة بأفضال‬
‫الرجل عليهم‪.‬‬
‫كتب كتبا ُعدت «مفخرة من مفاخر الخزانة املغربية بل مفخرة من مفاخر الخزانة‬
‫العربية ألنه يعالج مادة من أصعب املواد العلمية التي عرفناها‪ ،‬وألنه يمس موضوعا من أخطر‬
‫املواضيع وأعظمها شأنا‪ ،‬وليس بغريب أن يكون صاحب الكتاب هو األستاذ عبد السالم ياسين‬
‫ألننا عهدناه من أولئك األساتذة القليلين الذين قضوا زهرة شبابهم في الدراسات واألبحاث‬
‫وباألخص الدراسات التربوية والنفسية»(((‪ ،‬هذا إلى منتصف الستينيات من القرن العشرين‪،‬‬
‫قبل أن يتوسع التأليف عند األستاذ بتوسع نظره وخبرته‪ ،‬ويطال مجاالت علمية وفكرية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وسياسية واقتصادية مختلفة‪ ،‬فتجده دوما شخصا عمليا مستقبال مقاصد نظره وسعيه‪،‬‬
‫وهو دوما يشتغل مستبشرا بإنجاز املشاريع‪ ،‬مجتهدا في حل املشكالت‪.‬‬

‫التربية أخطر صناعة‬


‫ظل الرجل مربيا أوال وأخيرا‪ ،‬يحمل فكرا تربويا متماسكا بما يفيده الفكر التربوي من‬
‫كونه ذلك «التصور املتكامل لفلسفة التربية وأصولها وأسسها وغاياتها وأهدافها»(((‪ ،‬ينظر‬
‫ُ‬
‫في موضوع التربية وما يتصل به من حقول معرفية واجتماعية نظرة كلية خبيرة‪ ،‬وهو يعي‬

‫((( الحسن اللحية‪ ،‬محاضرة منشورة في فيديو على اليوتوب في الرابط اآلتي‪:‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v-Psnesd9PKV4‬‬
‫بعنــوان‪« :‬عبــد الســام ياســين التربــوي والبيداغوجــي األنــواري (ياســين الشــاب)»‪ ،‬تاريــخ النشــر‪ 9 :‬يونيــو ‪،2016‬‬
‫وتاريــخ الزيــارة‪ 09 :‬أبريــل ‪.2018‬‬
‫ُّ‬
‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬النصــوص التربويــة‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف والترجمــة والنشــروالطباعــة‬
‫والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪،1963 ،‬كلمــة الناشــر‪ ،‬ص ‪.5‬‬
‫((( حســن بــن علــي الحجاجــي‪ ،‬الفكــرالتربــوي عنــد ابــن القيــم‪ ،‬دارالهــدى للنشــروالتوزيــع‪ ،‬الريــاض‪ ،‬ط‪1408 ،1‬ه ـ‬
‫‪1988 /‬م‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫‪61‬‬ ‫فلسفة التربية في الكتابات البيداغوجية املغربية ّ‬
‫املؤسسة‪ ..‬عبد السالم ياسين أنموذجا‬
‫ِ‬

‫تمام الوعي ‪-‬مع يقينه في مركزية املدرسة والتربية والتعليم في بناء األمم‪ -‬أن التحليل الذي‬
‫يعزل مؤسسة التعليم عن محيطها املجتمعي العام ال يفقه في شروط إنجاز التحول املجتمعي‬
‫شيئا‪ .‬وبعد صفة التربية فهو مفكر وسيا�سي وصاحب نظرية في التغيير‪ ،‬إذ صرح في الستينيات‬
‫من القرن املا�ضي بأن «التربية أخطر صناعة»(((‪ ،‬ألنها تصنع اإلنسان ل َّـما تنصرف الصناعات‬
‫األخرى إلى صناعة األشياء‪ ،‬يقول بهذا الصدد‪« :‬وأخطر الصناعات والشك التربية‪ .‬ألن الشكل‬
‫النهائي الذي يكون عليه الطفل بعد أن نربيه معقد شديد التعقيد‪ ،‬وهو موضوع الهتمام‬
‫املربي والفيلسوف والسيا�سي سواء‪ ..‬كل من هؤالء يرسم أشكاال مثالية أو عملية لرجل الغد‪،‬‬
‫ويخطط الوسائل العملية لبلوغ هذا الهدف‪ ،‬لكن املنفذ وحده‪ ،‬وخصوصا املعلم في دوره‬
‫املتواضع‪ ،‬وأعماله الحبلى بالنتائج الضخام‪ .‬يشعر اليوم بالحاجة إلى معرفة املادة الخام التي‬
‫يصنع منها رجل الغد»(((‪.‬‬
‫ظل األستاذ واملفتش التربوي ُمتهمما بالعمل التربوي في شقيه البيداغوجي والتعليمي‪،‬‬
‫ً‬
‫النظري والعملي‪ ،‬منذ بداياته في مجال التعليم والتربية‪ ،‬إذ خبر مجال اختصاصه ُمعلما في‬
‫ُ ّ‬ ‫ُ‬
‫ؤطرا في مراكز‬‫مدارس التعليم االبتدائي وأستاذا في مؤسسات التعليم الثانوي ومكونا وم ِ‬
‫ً‬
‫التكوين والتدريب‪ ،‬بل عاش أستاذا ُمربيا طيلة حياته‪ ،‬ينظر إلى الظاهرة التربوية من مداخلها‬
‫املختلفة وحقولها املترامية ووظائفها املتكاملة‪ ،‬إذ جمع بين التكوين النظري والتدريب العملي‬
‫واالطالع الواسع والترجمة التأصيلية والتأليف الهادف والتدريس الرسالي‪ ،‬وقلما تجتمع في‬
‫شخص هذه الكفاءات العلمية والبيداغوجية والفلسفية واملنهجية والتواصلية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫باحث مطلع‪ ،‬ينظر‬
‫ٍ‬ ‫ٌ‬
‫ممارس يكتب في التربية بوصفه خبيرا ال مجرد‬ ‫األستاذ ياسين ُمرب‬
‫في املعاني واملباني كما ينظر في الغايات واملرامي‪ ،‬ويربط الوظائف بالوسائل التي تحققها‪.‬‬
‫َّ‬
‫فالرجل «فكر كمرب وكمدرس وكمكون‪ ،‬فنظر لحداثة املغرب أو الدولة املغربية املستقلة‬
‫حديثا ولعالقة املغرب بالفكر األوروبي‪ ،‬فإن الرجل بذل مجهودا كبير في هذه الكتب‪ ،‬فيمكن‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬كيــف أكتــب إنشــاء بيداغوجيــا‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ :‬دار الثقافــة‪ ،‬الطبعــة األولــى‪،1962 ،‬‬
‫ص ‪.26‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ 62‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫اعتبارها أنها كتب مؤسسة لعلوم التربية وهي كتب غير متجاوزة باإلطالق»(((‪ ،‬واملطلع‬
‫واملدرس والدرس‬ ‫ّ‬ ‫املنصف على كتاباته في املوضوع يجد له نظرات تربوية فائقة في املدرسة‬
‫ِ‬
‫واملدارسة والبرنامج الدرا�سي والنظام املدر�سي والبيئة التربوية وسيكولوجية الطفل‪ ،‬فقد‬
‫كتب في مصادر املعرفة ووسائلها وطرائق اكتسابها‪ ،‬وفي الطفل وعلم نفس الطفل وحاجات‬
‫املتعلم والفروق بين املتعلمين‪ ،‬ومسؤولية املعلم ومشروعه التربوي‪ ،‬وكتب في أنواع التربية‬
‫ومخاطر العقاب ومركزية املعلم في العملية التعلمية التعليمية‪ ،‬وعالقة األسرة بالطفل‬
‫واألسرة باملدرسة‪ ،‬واملدرسة بالحياة‪ ،‬بل كتب بحس منهجي كبير أيضا في منهجية الكتابة‬
‫َّ‬
‫البيداغوجية مؤلفا بعنوان «كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا؟»((( عام ‪ 1962‬في أسلوب الكتابة‬
‫ومنطقها وأهميتها ومقصدها‪...‬الخ‪ ،‬إنه باختصار «مربي مغربي أوقف حياته على االهتمام‬
‫بمشكالت التعليم والتربية في بالدنا»(((‪ ،‬ونهض مشتغال في امليدان بعصامية نادرة‪ ،‬جاعال‬
‫من املدرسة مجتمعا مصغرا يختزل هموم الوطن واإلنسان كما يؤكد خبراء التربية(((‪ ،‬حيث‬
‫املدرسة هي ‪-‬تاريخيا‪ -‬نسخة من الواقع االجتماعي واالقتصادي والسيا�سي الذي يعيشه الناس‬
‫ماديا وروحيا‪ ،‬تصنع املجتمع واملجتمع يصنعها أيضا‪.‬‬

‫التربية والتعليم لبناء اإلنسان‬


‫ُ‬
‫مؤلفات أنجزت في مدة زمنية لم تتجاوز أربع سنوات (‪-1962‬‬
‫ٍ‬ ‫نحن اليوم نتحدث عن‬
‫نظرية استوعبت اإلنتاجات املتخصصة في‬ ‫ُ‬
‫خبرة جمعت بين عدة‬
‫ٍ‬ ‫‪ ،)1966‬غير أنها صدرت عن ٍ‬

‫((( الحسن اللحية‪ ،‬محاضرة منشورة في فيديو على اليوتوب في الرابط اآلتي‪:‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v-Psnesd9PKV4‬‬
‫بعنوان‪« :‬عبد السالم ياسين التربوي والبيداغوجي األنواري (ياسين الشاب)»‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫((( تزامــن هــذا التأليــف املبكــر فــي التربيــة مــع صــدور أول وثيقــة دســتورية فــي املغــرب (دســتور ‪ ،)1962‬فعندمــا‬
‫انصرف الناس إلى حدث وثيقة الدســتور انصرف األســتاذ املربي عبد الســام ياســين إلى دســتور التربية والتعليم‬
‫موقنا بمركزية األساس التربوي في بناء الفرد واألمة‪ ،‬وخاصة أمام فشل محاوالت اإلصالح في السنوات السابقة‬
‫(‪.)1959 ،1958 ،1957‬‬
‫ُّ‬
‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة (كلمــة الناشــر)‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ :‬دار الســلمي للتأليــف والترجمــة‬
‫والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة ‪.1963 ،1‬‬
‫((( جون ديوي‪ ،‬الديموقراطية والتربية‪ ،‬ترجمة متى عفراوي وزكرياء ميخائيل‪ ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة لجنة التأليف‬
‫والترجمة والنشر‪ ،‬الطبعة ‪ ،1946 ،1‬ص ‪.368‬‬
‫‪63‬‬ ‫فلسفة التربية في الكتابات البيداغوجية املغربية ّ‬
‫املؤسسة‪ ..‬عبد السالم ياسين أنموذجا‬
‫ِ‬

‫وخبرة ميدانية دامت أكثر من عشرين‬


‫ٍ‬ ‫حقل سوسيولوجيا التربية وعلم نفس الطفل آنذاك‪،‬‬
‫ُ‬
‫اليأس والجمود‬ ‫زمن سيطر فيه‬
‫مسؤول في ٍ‬
‫ٍ‬ ‫عال ٍم وخبير‬
‫عاما من العطاء‪ ،‬وترجمت عن عقل ِ‬
‫عم فيه الفكر املستقيل نخبة لم تعرف وجهتها ففقدت‬ ‫على فئة ُمقلدة مقاومة للتغيير‪ ،‬كما َّ‬
‫َّ‬
‫مثاليتها من ذاتها والتحقت مغلوبة بالثقافة الغازية الغالبة علها تجد لها موضع قدم‪ .‬أربع‬
‫سنوات غير كافية لتحريك املياه الراكدة فباألحرى صناعة جيل جديد‪ ،‬لكنها كافية ملعرفة‬
‫يبزون به غيرهم ويحققون به رخاءهم االجتماعي‬ ‫أن املغاربة يمتلكون من مقومات النهوض ما ُّ‬
‫واالقتصادي‪ ،‬لوال أنه حيل بينهم وبين وسائل النهوض لألسف‪.‬‬
‫في بداية عقده الرابع يحمل األستاذ ياسين مع ثلة من الغيورين على أمتهم مهمة جليلة‬
‫لإلنسان وهي تعليمه وتربيته‪ ،‬فيبحث بعصامية نادرة وغيرة فائقة عن املنهج التربوي التعليمي‬
‫املناسب‪ .‬لقد كان يتوجس خيفة على مستقبل األجيال‪ ،‬وينشد النموذج األعلى في طرائق‬
‫التربية في أرقى مستوياته والنموذج األرقى لصورة ُمعلم األجيال وهو يؤدي مهمة بيداغوجية‬
‫ُ‬
‫وتربوية وتوجيهية عظيمة‪ .‬لقد كان بحق «شرارة مشتعلة علما وتربية وخلقا»((( أثار انتباه‬
‫معاصريه من األساتذة واملتعلمين واملهتمين واملطلعين على مشروعه فيما بعد‪.‬‬

‫كان األستاذ صاحب نظرية‬

‫لقد كانت نظرات األستاذ ياسين رحمه هللا «ناقدة وعميقة الداللة‪ ،‬نظرات عالم نفس‬
‫ومرب»(((‪ ،‬يوقن بأن النفس البشرية هي محل الداء والدواء على حد سواء‪ ،‬منها يأتي الخير‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫والشر‪ ،‬وفيها تصنع االستقامة واالعوجاج‪ ،‬قال هللا تعالى‪« :‬قد أفلح من زكاها وقد خاب من‬
‫دساها» (الشمس‪ ،)10-9:‬منها يبدأ البناء النف�سي واالجتماعي ويبدأ التجديد التربوي والتعليمي‪،‬‬
‫وقد استفاد األستاذ من اطالعه الغزير على النظريات التربوية الغربية في زمانه وفي أصولها‬
‫ومراجعها وبلغاتها املختلفة‪ ،‬من مؤلفات وميشيل دي مونتنيفي في القرن ‪ 16‬إلى جون ديوي‬
‫في القرن ‪ ،20‬مرورا بجون لوك وجون جاك روسو وكلود بيني وأالن (إميل شاريتي) وجون‬
‫بياجي وكومنيوس وإيميل دوركايم وأوغست كونت وهربرت سبنسر‪ ...‬مما مكنه من التخلص‬

‫((( عبد الغني أبو العزم‪ ،‬الضريح اآلخر‪ ،‬الرباط‪ :‬مؤسسة الغني للنشر‪ ،‬الطبعة ‪ ،1996 ،1‬ص‪.131‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ 64‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫من النموذج التقليدي املغلق واملحدود األثر‪ .‬كما يعود له الفضل في إدخال فروع متعددة من‬
‫التربية إلى املدرسة املغربية في فجر االستقالل‪ ،‬منها التربية األخالقية والتربية الفنية والتربية‬
‫على تدبير االختالف و«تشجيع الحوار الديمقراطي املفتوح» ‪-‬على حد تعبير الدكتور عبد‬
‫الغني أبو العزم‪ -‬بين املتعلمين واملعلمين‪ ،‬أو فيما بين املتعلمين‪ ،‬أو بين املتعلمين واإلدارة‪،‬‬
‫والتربية العقلية على التحليل والتركيب واملقارنة واالستنتاج‪ ،‬يقول‪« :‬البد من ربط أجزاء‬
‫كالمك برباط منطقي؛ ال تمض من فكرة إلى فكرة دون أن تلتمس مهادا من األولى إلى الثانية‪،‬‬
‫فالكالم العديم الربط يقابل القارئ بتركيبه العنيف املفكك‪ ،‬فسرعان ما يحكم بجهل الكاتب‬
‫وعدم فهمه للموضوع»(((‪.‬‬
‫كان رحمه هللا يوقن بإمكان االنتقال من واقع البؤس والتخلف والحرمان إلى واقع العدل‬
‫والحرية والكرامة‪ ،‬كان يفكر تفكيرا استراتيجيا فيما يعود بالنفع على املغاربة في مستقبلهم‬
‫القريب والبعيد‪ .‬ولعل جميع من عاشروه آنذاك كانوا يلمسون في سلوكه الجدية والصدق‬
‫ُ‬
‫واالجتهاد والنزاهة واإلتقان والفطنة والشجاعة وغيرها من القيم الخلقية النبيلة‪ ،‬ومما شهد‬
‫به صاحب كتاب «املعجم املدر�سي» الدكتور أبو العزم قوله لهم وهم طلبة متدربون في مدارس‬
‫املعلمين‪« :‬غدا ستتحملون مسؤولية خطيرة وكبرى‪ :‬تعليم وتربية أطفال املستقبل»(((‪ ،‬وهو‬
‫يشير إلى أهمية التربية في صناعة مستقبل البلد‪ ،‬وأهمية املدرسة في بناء الحاضر واملستقبل‪،‬‬
‫فيلتقي هنا مع أطروحة جون ديوي في كتابه «مدارس املستقبل»(((‪ ،‬ويلتقي مع ما استنتجه‬
‫محمد عابد الجابري أثناء حديثه عن «التربية الجديدة» بقوله‪« :‬التربية في هذا املنظور تتجه‬
‫نحو املستقبل‪ ،‬إلى العمل على تحرير اإلنسان من كافة أنواع العبودية واالستغالل واالستالب‪،‬‬
‫إلى تنجيز طاقاته الخالقة»(((‪.‬‬
‫ِحرص األستاذ على التأليف في الحقل البيداغوجي ‪-‬منظرا وممارسا‪ -‬في بدايات االستقالل‬
‫ينم عن عقلية ُمفعمة بالخير لهذا الوطن ومستشرفة‬ ‫يدل على أنه صاحب تصور خاص‪ُّ ،‬‬
‫ملستقبل يحرز فيه أبناء بلده استقاللهم الثقافي واالقتصادي والسيا�سي بما يضمن لهم‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫((( عبد الغني أبو العزم‪ ،‬الضريح اآلخر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫((( جــون ديــوي‪ ،‬مــدارس املســتقبل‪ ،‬ترجمــة عبــد الفتــاح املنيــاوي‪ ،‬القاهــرة‪ :‬مكتبــة النهضــة املصريــة‪ ،‬الطبعــة ‪،1‬‬
‫‪.1962‬‬
‫((( محمد عابد الجابري‪ ،‬من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكالتنا الفكرية والتربوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.136‬‬
‫‪65‬‬ ‫فلسفة التربية في الكتابات البيداغوجية املغربية ّ‬
‫املؤسسة‪ ..‬عبد السالم ياسين أنموذجا‬
‫ِ‬

‫االستقرار واالزدهار والحضور املشرف بين األمم‪ .‬فال يكفي انسحاب االحتالل من األرض‬
‫بإخالص يقاوم مظاهر التبعية للمحتل وتنفيذ مخططاته‬ ‫ٍ‬ ‫بل ينبغي بناء الذات الوطنية‬
‫االستكبارية بإذالل واستجداء‪ .‬من أجل ذلك كان رحمه هللا يكره أن يكون املعلم دنيويا‬
‫ُ‬
‫«خبزيا» ينتظر َح َوالته في نهاية الشهر بال رسالة تربوية وال بواعث أخالقية‪.‬‬

‫الطفل في مركز العملية التربوية‬

‫يتحمل املعلم املربي مسؤولية «صناعة الطفل» وهو يحمل عقال تساؤليا وتجريبيا‬
‫واستكشافيا‪ ،‬ف ـ «كل تجربة يقوم بها الطفل مغامرة بعيدة املدى‪ ،‬فيها أحداث واكتشافات‬
‫لها من األهمية ما قد يفوق أهمية مغامرة العالم املكتشف‪ ،‬والرحالة املغامر‪ .‬وليس يساوي‬
‫قوة حيوية الطفل ونشاطه إال قوة الجاذبية التي يصبها عليه ما حوله من أشياء وأحداث‪،(((».‬‬
‫ويضيف‪« :‬الطفل ممتلئ حياة ونشاطا‪ ،‬تصطبغ أعماله باندفاع شديد‪ ،‬مرده إلى أن الواقع‬
‫الذي يعيشه الطفل وهو حديث العهد به‪ ،‬يغريه بأن يتطلع ويكتشف‪ .‬فإذا جاء هذا الكائن‬
‫املتحمس إلى املدرسة‪ ،‬حمل معه حماسه وقابليته التي ال تنتهي ملمارسة نشاطه املحبب‪ ،‬اللعب‪،‬‬
‫وممارسة أي نوع من أنواع الشغل الذي يصادف في نفسه رغبة ويرضيها‪ .‬لكن املدرسة‪ ،‬بحكم‬
‫وظيفتها‪ ،‬ال تقترح على الطفل إال أعماال جادة كل الجد‪ .‬وم�ضى عهد كانت املدرسة تقطع فيه‬
‫ما بينها وبين حياة الطفل العادية من أسباب‪ ،‬وتفرض أعمالها فرضا على النحو الذي تراه‬
‫موافقا‪ .‬وأصبح املعلم الحديث يحاول على العكس أن يسخر نشاط الطفل العفوي ويسير في‬
‫ركابه‪ ،‬ألنه يدرك أن هذه أحسن الوسائل ليدرك غاياته ومعه الطفل ال ضده‪ (((».‬وقد كتب هذا‬
‫التصور الشامل للعمل التربوي واملنفتح على مختلف النظريات التربوية والتجارب اإلنسانية‬
‫زمن تكاد تكون فيه اإلنتاجات البيداغوجية قاعا صفصفا في الثقافة املغربية ‪ ‬والعربية‪.‬‬
‫في ٍ‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ 66‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫ُ‬
‫نعود اليوم َلنذكر هذا الجهد العظيم في زمنه لهذا املؤسس الكبير في عصره‪ ،‬ونذكر‬
‫معه أنه ال يصح التوقف حيث يسرع اآلخرون خطوهم‪ ،‬وال ينبغي أن نعتبر عمال هو النهاية‬
‫والتمام‪ ،‬بل نعي وعيا تاما بأنه رحمه هللا كان وظل يريد من املغاربة أن يستمروا في إسهامهم‬
‫في تطوير الدرس التربوي البيداغوجي بما يؤهل اإلنسان املغربي إلى االعتزاز بذاته وإنجازاته‬
‫ومساهمته في إعادة االعتبار ألمته وهي تبسط خيريتها على األمم ما استطاعت إلى ذلك سبيال‪،‬‬
‫وال يكون ذلك كذلك إال بصناعة «اإلنسان الكوثر»((( بتعبير طه عبد الرحمن‪ .‬فهو يعي أن‬
‫«األمة اإلسالمية اليوم في حضيض تدهور تاريخي متخلفة اقتصاديا وعلميا‪ ،‬مستعمرة سياسيا‬
‫بمشروع‬
‫ٍ‬ ‫وعسكريا وثقافيا‪ ،‬تابعة ممسوخة ماديا وحضاريا»(((‪ ،‬ال فكاك لها من هزيمتها إال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يتأسس على التربية والتعليم أوال وأخيرا‪ ،‬تربية شاملة ومتوازنة تصنع املعنى لإلنسان قبل‬
‫ومع صناعة البنيان وإقامة العمران الذي يسعد به وفيه اإلنسان‪.‬‬

‫((( عبد الرحمن طه‪ ،‬من اإلنسان األبترإلى اإلنسان الكوثر‪ ،‬بيروت‪ :‬املؤسسة العربية للفكرواإلبداع‪ ،‬الطبعة‬
‫‪ ،2016 ،2‬ص ‪.44‬‬
‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬رسالة القرن امللكية في ميزان اإلسالم‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬سال‪ ،‬الطبعة ‪ ،1982 ،1‬ص ‪.39‬‬
‫‪67‬‬ ‫فلسفة التربية في الكتابات البيداغوجية املغربية ّ‬
‫املؤسسة‪ ..‬عبد السالم ياسين أنموذجا‬
‫ِ‬

‫بيبليوغرافيا الدراسة‪:‬‬

‫ •محمد عابد الجابري‪ ،‬من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكالتنا الفكرية والتربوية‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ :‬مطبعة دار النشر املغربية‪ ،‬الطبعة ‪.1977 ،1‬‬
‫ •حسن بن علي الحجاجي‪ ،‬الفكر التربوي عند ابن القيم‪ ،‬دار الهدى للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬ط‪1408 ،1‬هـ‪1988/‬م‪.‬‬
‫ •عبد السالم ياسين‪ ،‬النصوص التربوية‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬دار ُّ‬
‫السلمي للتأليف والترجمة والنشر‬
‫والطباعة والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪.1963 ،‬‬
‫عبد السالم ياسين‪ ،‬كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬دار الثقافة‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪.1962 ،‬‬
‫ •عبد السالم ياسين‪ ،‬مذكرات في التربية ملدارس املعلمين واملعلمات‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬دارالسلمي‬
‫للتأليف والترجمة والنشروالطباعة والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪.1963 ،‬‬
‫ •جون ديوي‪ ،‬الديموقراطية والتربية‪ ،‬ترجمة متى عفراوي وزكرياء ميخائيل‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر‪ ،‬الطبعة ‪.1946 ،1‬‬
‫ •جون ديوي‪ ،‬مدارس املستقبل‪ ،‬ترجمة عبد الفتاح املنياوي‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة النهضة‬
‫املصرية‪ ،‬الطبعة ‪.1962 ،1‬‬
‫ •عبد الغني أبو العزم‪ ،‬الضريح اآلخر‪ ،‬الرباط‪ :‬مؤسسة الغني للنشر‪ ،‬الطبعة ‪.1996 ،1‬‬
‫ •عبد الرحمن طه‪ ،‬من اإلنسان األبتر إلى اإلنسان الكوثر‪ ،‬بيروت‪ :‬املؤسسة العربية للفكر‬
‫واإلبداع‪ ،‬الطبعة ‪.2016 ،2‬‬
‫ •عبد السالم ياسين‪ ،‬رسالة القرن امللكية في ميزان اإلسالم‪ ،‬سال‪ :‬د‪.‬ط‪ ،‬الطبعة ‪.1982 ،1‬‬
‫‪69‬‬

‫(((‬
‫عبد السالم ياسين‪ ..‬المفكر التربوي‬

‫(((‬
‫محمد العربي أبو حزم‬

‫ريح من الغرب‪..‬‬

‫هل بلغ األستاذ عبد السالم ياسين ‪ -‬مطلع ستينيات القرن العشرين‪ ،‬وهو لم يكد يتجاوز‬
‫الخامسة والثالثين من العمر ‪ -‬درجة عالية من التبحر ومن الغوص في الفكر‪ ،‬في مجال‬
‫َ‬
‫املعتبرة في مدارسه واتجاهاته‬ ‫تخصصه التربوي على األقل؟ وهل أضحت له آراؤه الخاصة‬
‫َْ‬
‫وأقطابه؟ وهل أنتج من األفكار‪ ،‬وهل أث َر ِت املكتبة التربوية بإنتاجاته الفكرية‪ ،‬بحيث نستطيع‬
‫أن نطلق عليه صفة «املفكر التربوي»؟‬
‫على الرغم من األمد الطويل بيننا وبين ذلك الزمن الذي مر عليه أكثـر من نصف قرن‪،‬‬
‫وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التـي ُبذلت على مدى كل هذه السنوات الطوال لطمس مسار‬
‫الرجل ومسيرته وعطائه وأثره وتراثه التربوي‪ ،‬فإننا سنحاول اإلجابة عن السؤال أعاله بما‬
‫توفر لدينا من وثائق وشهادات‪.‬‬

‫((( البحــث مجت ـزأ‪ ،‬بتصــرف طفيــف‪ ،‬مــن الفصــل الرابــع مــن البــاب الثانــي مــن كتــاب‪« :‬عبــد الســام ياســين ‪-‬‬
‫اإلمــام املجــدد»‪ ،‬محمــد العربــي أبــو حــزم‪ ،‬البيضــاء‪ :‬مطبعــة أفريقيــا الشــرق‪ ،‬ط‪ ،2017 /1439 ،2‬ص‪.143-122 :‬‬
‫ويتناول هذا البحث جهود األســتاذ ياســين باعتباره مفكرا تربويا‪ ،‬إلى حدود منتصف ســتينيات القرن العشــرين‪،‬‬
‫مــن الزاويــة «األكاديميــة» ملفهــوم التربيــة‪ ،‬وإال فإنــه كانــت لــه جهــود وتجديــد فــي الفكــرالتربــوي وفي املمارســة التربوية‬
‫بالنظــرإلــى التربيــة فــي معناهــا الشــامل‪ ،‬عمومــا‪ ،‬وفــي معناهــا الروحــي‪ ،‬خصوصــا‪ .‬وكان هــذا بعــد أزمتــه الروحيــة التــي‬
‫ولج إثرها رحاب الزاوية البوتشيشية عام ‪1966‬م‪ ،‬قبل أن ينفصل عنها عام ‪1973‬م ويخرج إلى الناس بمشروع‬
‫«املنهــاج النبــوي»‪ ،‬الــذي جعــل التربيــة فيــه أساســا لبنائــه الفكــري ولعملــه امليدانــي وملشــروعه التغييــري‪ .‬ويــدل علــى‬
‫وآخـرا‪ ،‬وال آخــر‪ ،‬ودائمــا»‪( .‬عبــد الســام‬‫مــا يوليــه للتربيــة مــن أهميــة ًقصــوى عبارتــه الشــهيرة‪« :‬التربيــة أوال ووســطا ِ‬
‫ياســين‪ ،‬املنهــاج النبــوي تربيــة وتنظيمــا وزحفــا‪ ،‬الطبعــة ‪ ،1989 ،2‬ص ‪.)387‬‬
‫((( كاتب وفنان ولغوي‪.‬‬
‫‪ 70‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬
‫ّ‬
‫لنتأمل أول �شيء في املشارب التـي غذت فكره التربوي‪ ،‬قبل أن نستقرئ ما بين أيدينا مما‬
‫ذكرنا من وثائق وشهادات لننظر إن كانت تؤكد صفة «املفكر التربوي» أو تنفيها‪.‬‬
‫كان من املنطقي أن يكون تراث الفكر التربوي العربي اإلسالمي أهم مشاربه بحكم االنتماء‬
‫الجغرافي‪ ،‬وبحكم طبيعة التعليم الذي تلقاه في مدرسة املختار السو�سي وفي معهد بن يوسف‪،‬‬
‫وبحكم ما عرف عنه من سعة االطالع‪.‬‬

‫كان هذا هو المنطق‪..‬‬

‫غيـر أن شهادات تالمذته‪ ،‬وما بين أيدينا من كتبه التربوية التـي ألفها مطلع ستينيات القرن‬
‫العشرين‪ ،‬كلها تشير إلى هيمنة املدارس التربوية الغربية على اهتمامه في تلك املرحلة من حياته‪.‬‬
‫كانت املدارس الفكرية والتربوية الفرنسية املشرب األول الذي استقى منه فكره التربوي‪،‬‬
‫بحكم أن اللغة الفرنسية كانت هي اللغة األجنبية األولى التـي أتقنها وتمكن منها‪ ،‬وبحكم‬
‫التدريبات املختلفة التـي شارك فيها ابتداء من مدرسة املعلمين بالرباط في العام الدرا�سي‬
‫‪1948 /19477‬م‪ ،‬وبحكم احتكاكه باملستشرق الفرن�سي غاستون دوفردان (�‪Gaston Dever‬‬
‫‪1979/ 1906 - dun‬م)‪ ،‬أوائل خمسينيات القرن العشرين‪ ،‬بـثانوية ”سيدي محمد اإلسالمية”‬
‫(محمد الخامس حاليا) بباب أغمات بمراكش‪ ،‬إبان اشتغاله معه في ترجمة مخطوطات‬
‫ونصوص عربية كان يحتاجها في إعداده ألطروحته للدكتوراه عن مدينة املرابطين(((‪ .‬ثم فتح‬
‫له تمكنه من اللغة اإلنجليزية آفاقا رحبة ليتعامل مع املدارس التربوية األنجلوسكسونية‪ .‬دون‬
‫أن نن�سى أننا أمام رجل ال حد لنهمه في القراءة‪ ،‬ذي عقل نافذ ال تحجبه قشور ما يقرأ عن‬
‫ُّ‬
‫اللباب‪ ،‬وال يستسلم ألفكارها وال تنفذ هي إليه إال بسلطان‪.‬‬

‫((( صــدرت هــذه األطروحــة فيمــا بعــد تحــت عنــوان ”مراكــش‪ ،‬مــن التأســيس إلــى الحمايــة”‪Marrakech, des( ،‬‬
‫‪ ،)Africaines, 1959-origines à 1912 Editions Techniques Nord‬وترجمهــا إلــى العربيــة الباحثــان محمــد‬
‫الزك ـرازي وخالــد املعــزوزي‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫عبد السالم ياسين‪ ..‬املفكرالتربوي‬

‫وأكد الدكتور عبد الغني أبو العزم((( في شهادته لنا أن أستاذه «كان يلم باملدارس التربوية‬
‫وطرق التدريس إملاما كبيرا جيدا‪ .‬وبواسطته وبعلمه وانفتاحه على هذه املدارس أصبح لنا‬
‫إملام بها‪ .‬كان يستلهم من املدارس الغربية»(((‪.‬‬
‫وفرق كبير بين أن يطلع الباحث العربي على املدارس الفكرية الغربية ويستلهم منها بعيدا‬
‫َ‬
‫املترجم‬ ‫عن التربة التـي نبتت فيها وخارج األجواء والسياقات التـي نشأت فيها وباالعتماد على‬
‫يتسلح هذا الباحث بما أتقنه من اللغات األصلية لتلك‬‫َ‬ ‫منها إلى العربية‪ ،‬ليس إال‪ ،‬وبين أن‬
‫يتشرب فكر وروح هذه املدارس في‬ ‫َ‬ ‫املدارس حتى بلغ فيها درجة «املعرفة» و«التذوق»‪ ،‬ثم‬
‫موطنين اثنين من أكبر مواطنها‪ :‬فرنسا والواليات املتحدة‪.‬‬
‫ونستطيع أن ندرك اهتمامه الكبير باملدارس الفكرية والتربوية الغربية‪ ،‬ومدى تأثيرها‬
‫فيه‪ ،‬من خالل ثالثيته التربوية الفريدة‪.‬‬

‫الثالثية التربوية‪..‬‬

‫نحتاج هنا إلى أن نقف وقفة ضرورية‪.‬‬


‫نقف لتصفح ثالثة من كتب األستاذ ياسين ألفها في أواخر املرحلة التـي نحن بصدد‬
‫توثيقها في هذا الباب وهي‪« :‬مذكرات في التربية»‪ ،‬و«النصوص التربوية»‪ ،‬و«كيف أكتب إنشاء‬
‫بيداغوجيا»‪ .‬وقد صدرت كلها عام ‪1963‬م‪ ،‬وكانت كلها خاصة بمدارس املعلمين واملعلمات‪،‬‬
‫كما جاء في عناوينها الفرعية‪.‬‬

‫((( مــن مواليــد ‪1941‬م بمراكــش‪ .‬عضــو ســابق فــي حركــة «إلــى األمــام» املاركســية اللينينيــة‪ ،‬املندثــرة منــذ مــدة‬
‫طويلــة‪ ،‬وقيــادي ســابق فــي «منظمــة العمــل» وفــي «الحــزب االشــتراكي الديمقراطــي»‪ ،‬وناشــط حقوقــي ســابق فــي‬
‫«املنظمــة املغربيــة لحقــوق اإلنســان»‪ ،‬ومؤلــف أصــدر عــدة مؤلفــات فــي تحقيــق الت ـراث والترجمــة واللســانيات‪،‬‬
‫ولــه مشــروع معجمــي أصــدر منــه عــدة معاجــم منهــا‪« :‬املعجــم الصغي ــر»‪ ،‬و«املعجــم املدر�ســي مناهجــه وأسســه‬
‫وتوجهاته»‪ ،‬و«معجم تصريف األفعال في اللغة العربية للتعليم األسا�سي»‪ ...‬وهو إلى هذا روائي‪ ،‬أصدرمجموعة‬
‫قصصيــة بعنــوان‪« :‬ظــال البيــت القديــم»‪ ،‬وســيرته الذاتيــة فــي روايتيــن همــا‪« :‬الضريــح» عــام ‪1994‬م‪ ،‬و «الضريــح‬
‫اآلخــر» عــام ‪1996‬م والت ــي حصــل بهــا علــى «جائــزة املغــرب للكتــاب» صنــف‪« :‬اإلبــداع»‪ ،‬للعــام نفســه‪ .‬وقــد وثــق‬
‫أبــو العــزم فــي ســيرته الذاتيــة‪« ،‬الضريــح اآلخــر»‪ ،‬املرحلــة التــي تتلمــذ فيهــا علــى األســتاذ ياســين فــي مدرســة املعلميــن‬
‫بمراكــش مطلــع ســتينيات القــرن العشــرين‪.‬‬
‫((( من حوارالكاتب مع الدكتور عبد الغني أبو العزم‪.‬‬
‫‪ 72‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫نحتاج إلى هذه الوقفة من أجل التعرف إليه في سعة اطالعه وعمق معرفته‪ ،‬وفي مستوى‬
‫تكوينه الفكري‪ ،‬وفي كفايته وخبرته البيداغوجية وتجربته املهنية‪ ،‬وفي قدرته على تنظيم‬
‫األفكار وعلى التحليل وعلى االستنتاج‪ ،‬وفيما أسداه إلى الحقل التربوي من أياد بيضاء في وقت‬
‫كان يعرف فراغا مهوال‪ ،‬ثم من أجل محاولة قياس املسافة بين ما سطره في هذه الكتب من‬
‫َ ُّ‬
‫أفكار وما دبجه من توجيهات لرجال التربية‪ ،‬وبين ت َمثله هو لها حين نقيسها إلى ما سبق وإلى ما‬
‫يلحق مما حفلت به شهادات الشهود‪.‬‬
‫كما نحتاج إلى هذه الوقفة من أجل أن نطلع على طبيعة األفكار التـي كان يدأب على تغذية‬
‫عقول املعلمين املتدربين واملعلمات املتدربات بها‪ ،‬ثم لننظر إن كان هناك من رابط بين نظرته‬
‫إلى التربية وإلى وظيفتها وأسسها وشروطها ووسائلها وأساليبها وطرقها وغاياتها بما كان َ‬
‫رجل‬
‫تربية ُو ِضع مستقبل أطفال وشباب بلده بين يديه‪ ،‬وبين نظرته إلى هذه التربية‪ ،‬وما يلحق بها‪،‬‬
‫بما صاره بعد عشرات السنين مما سنقف عنده لنتأمله طويال‪.‬‬

‫«مذكرات في التربية»‪..‬‬

‫فأما كتاب «مذكرات في التربية»‪ ،‬فهو دروس كان ألقاها على طلبته في مدرسة املعلمين إبان‬
‫تدريسه بها‪ ،‬ورأى‪ ،‬كما أشار في مقدمته‪ ،‬أال يضيع ما كان بذله من مجهود وصفه بـ «املتواضع»‬
‫يستنير بتجربة غيـر قصيرة في ميدان تكوين املعلمين‪ .‬قال‪:‬‬
‫«رأيت أن أعطي لطالب مدرسة املعلمين مادة تساعده في مطالعاته على مقارنة وجهات‬
‫النظر‪ ،‬وعرض طرق التفكير والكتابة بعضها على بعض»(((‪.‬‬
‫وحرص على أن يصطبغ الكتاب بصبغة الوطن الذي يعيش فيه‪:‬‬
‫«عالجت كل موضوع على ضوء واقعنا التعليمي‪ ،‬وتحدثت عن املعلم باعتباره املعلم املغربي‬
‫في وضعه الخاص وبصفاته التـي يحددها تكوينه وعقليته‪ ،‬كما تحدثت عن التلميذ باعتباره‬
‫التلميذ املغربي املتقلب في أسرة مغربية‪ ،‬والنا�شئ ملستقبل مغربي»(((‪.‬‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ .1963 ،‬ص ‪.5‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬والصفحة‪.‬‬
‫‪73‬‬ ‫عبد السالم ياسين‪ ..‬املفكرالتربوي‬

‫ألف الرجل هذا الكتاب «مستوحيا فكره من تجاربه الخاصة والعامة‪ ،‬ومستندا على‬
‫مبادئ علم التربية العامة‪ ،‬فجاء كتابه هذا تبسيطا لتلك املبادئ‪ ،‬حيث جعلها في متناول طالب‬
‫مدارس املعلمين»(((‪.‬‬
‫والكتاب الذي كتب مقدمته بمراكش في ‪ 13‬أكتوبر ‪1962‬م‪ ،‬طبعته ونشرته دار السلمي‬
‫طبعته األولى بالدار البيضاء عام ‪1963‬م‪ ،‬جاء في مائة وخمسين صفحة من الحجم املتوسط‪،‬‬
‫تجمعها ستة فصول‪ .‬وسماه صاحبه «مذكرات في التربية»‪ ،‬تواضعا منه‪ ،‬كما أشار الناشر‪،‬‬
‫وإال فإن املهتم واملختص‪ ،‬باطالعه عليه‪ ،‬يكتشف أنه كانت لألستاذ فيه كلمة ورأي ونظرة‬
‫وتقويم ومالحظات على أشهر وأعرق املدارس التربوية العاملية‪ ،‬قديمها وحديثها‪ ،‬وأنه أضاف‬
‫إلى املكتبة التربوية‪ ،‬بكتابه هذا‪ ،‬إضافة نوعية معتبرة‪.‬‬
‫َ‬
‫األسلوب‬ ‫فإن شئنا أن نبسط بعض املالحظات العامة حول الكتاب فإننا نستطيع أن نسجل‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫والحرص على التعبير املركز الذي يصمد إلى املعنى في غيـر‬ ‫األنيق الرقيق الرشيق في الكتابة‪،‬‬
‫َ‬
‫والتدقيق في انتقاء األلفاظ والتعبيرات املناسبة املوحية إلى مرمى املؤلف‬ ‫إطناب أو ابتذال‪،‬‬
‫َ‬
‫إلحاحه على عبارة «أطفال املعلم» أكثـر من عبارة‬ ‫من طرف خفي‪ .‬كما نستطيع أن نسجل‬
‫«تالميذ املعلم»‪...‬‬
‫الكتاب عرض في أول الفصول للتربية‪ ،‬معناها وغاياتها وآراء ثلة من املفكرين واملربين‬
‫َ‬
‫واملعلم ودوره‬ ‫فيها‪ .‬وتناول الفصل الثاني املدرسة ووظيفتها ومبادئها ونظامها وصلتها بالبيت‪،‬‬
‫والثواب والعقاب في املدرسة‪ .‬بينما تناول الفصل الثالث التربية وعلم النفس‬‫َ‬ ‫وشروطه‪،‬‬
‫وصلة الطفل باألسرة وباملعلم وبرفاقه في املدرسة‪ ،‬وعقلية الطفل وإدراكه وحاجاته وسلوكه‬
‫والفروق الفردية بين التالميذ‪ .‬أما الفصل الرابع فخصصه للتربية الجسمية ومكانها في النظام‬
‫ُ‬
‫التربوي‪ .‬والفصل الخامس خصصه للتربية الخلقية وغاياتها ولصلة الخلق بالعقل وبالعمل‬
‫وباملدرسة وبالحرية وبالعادة وبالدين‪ .‬وفي الفصل السادس تناول التربية العقلية وتربية‬
‫َ‬
‫الحدس وأنواعه‪.‬‬ ‫والذاكرة واملخيلة‪ ،‬وتناول‬
‫ِ‬ ‫الحكم‬
‫وال يحتاج املختص إلى بذل جهد إلدراك ثراء الحصيلة املعرفية للمؤلف وعمقها‪ ،‬وسعة‬
‫اطالعه وطول باعه ومتانة خبرته املهنية‪ ،‬وقدرته الكبيرة على التحليل والتمحيص واملقارنة‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــروالطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬مــن كلمــة الناشــر‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪ 74‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫والترجيح واالستنتاج‪ ،‬وعلى تلمس مواطن القوة والضعف فيما يعرض من أفكار‪ .‬ولعل‬
‫االنطباع الذي يفرض نفسه على القارئ وهو يطوف بين آراء وأفكار من استأنس بهم املؤلف‬
‫من رواد الفكر التربوي هو أنه وسط هذا الكم الكبير من اآلراء واألفكار والنظريات‪ ،‬املتطابقة‬
‫حينا املتضاربة أحيانا‪ ،‬استطاع أن يحافظ بمتانة قدرته الفكرية املنظمة على استقاللية‬
‫شخصيته من ناحية‪ ،‬وعلى تجانس البناء العام للكتاب من ناحية‪.‬‬
‫يالحظ من انجذاب املؤلف‪ ،‬في هذه املرحلة من‬ ‫كما ال يحتاج القارئ العادي إلى التذكير بما َ‬
‫حياته‪ ،‬إلى املدارس الفكرية والتربوية الغربية‪ .‬فكل استشهاداته وكل النصوص التـي اعتمدها‬
‫ّ‬
‫استقاها مما أثله روادها وفالسفتها ومفكروها‪ .‬وهو وإن كان يقارن في بعض القضايا بين تلك‬
‫املدارس ويالحظ على بعضها ويرجح بعضها على بعض‪ ،‬فإنه لم يكن يخرج عن فلك ذلك‬
‫الفكر الذي أخذ بلبه‪.‬‬
‫توج ٌه نفهمه من تلميذه في مدرسة املعلمين ورفيقه بعد ذلك لسنوات طويلة‪ ،‬األستاذ‬ ‫ُّ‬
‫محمد مومن(((‪ ،‬حين يقول عن أستاذه في هذه املرحلة‪:‬‬
‫«كان دائما يسعى إلى العلم واملعرفة والبحث وإلى أخذ املعارف من أقطاب املعرفة‬
‫وخصوصا األجانب منهم»(((‪.‬‬
‫فما سبب ذلك السعي الحثيث إلى املعرفة؟‬
‫هل هو رد فعل ال شعوري قوي على ما كابده من جمود وتخلف كلية «ابن يوسف» بما‬
‫كانت عنوانا ألسلوب تعليم ولفكر «متخلف»؟‬
‫ٌ ّ‬
‫انجذاب ِكل ٌّي إلى « ِنحلة الغالب» بعسكره وبفكره وبثقافته‪ ،‬خاصة بعد أن خالط‬ ‫هل هو‬
‫بعض نماذجه التـي أقامت في البلد من أمثال املستشرق الفرن�سي دوفردان‪ ،‬وعاين مظاهر‬

‫((( أحــد تالمــذة األســتاذ ياســين بمدرســة املعلميــن بمراكــش فــي املوســم الدرا�ســي ‪1960/1959‬م‪ .‬ولــد بمراكــش‬
‫ُ‬
‫عام ‪1936‬م‪ .‬حفظ القرآن الكريم وهو ابن اثني عشرعاما في ك ّتاب والده الذي تخرج على يديه كثيـرمن حفظة‬
‫الق ـرآن‪ ،‬والــذي حفــظ الق ـرآن علــى يــد جــده الــذي حفظــه برواياتــه عــن «ســيدي الزويــن»‪ ،‬الشــيخ الــذي ســميت‬
‫زاويتــه فــي نواحــي مراكــش باســمه‪ .‬درس فــي كليــة «ابــن يوســف» مــا يقــرب مــن تســعة أعــوام‪ ،‬وبعــد االســتقالل ولــج‬
‫مدرســة املعلميــن بمراكــش‪ّ .‬‬
‫درس فــي االبتدائــي ثــم فــي الثانــوي‪ ،‬واشــتغل حارســا عامــا ثــم عضــوا بأكاديميــة وزارة‬
‫التعليم مراكش حتى تقاعده عام ‪1998‬م‪ .‬امتدت صلته بأستاذه ياسين وتوثقت على مدى أكثـرمن نصف قرن‪.‬‬
‫((( من حوارالكاتب مع األستاذ محمد مومن‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫عبد السالم ياسين‪ ..‬املفكرالتربوي‬

‫قرب ّإبان الدورات التدريبية التـي شارك‬


‫حضارته في فرنسا والواليات املتحدة األمريكية من ٍ‬
‫فيها هنالك؟‬
‫َ‬
‫أم هو نوع من الفصل بين ت َد ُّي ِنه الفردي الذي حافظ فيه على «شأنه الخاص» بينه وبين‬
‫ربه‪ ،‬وبين حياته الثقافية والفكرية التـي كانت تغذيها حضارة الغرب وثقافته ولغاته؟‬
‫أم هي بذرة من بذور طبيعته التـي ُو ِل َد مفطورا عليها من أول ما فتح عينيه على هذه الدنيا‬
‫َ‬
‫ن َمت وأزهرت وأثمرت ما أثمرت؟‬

‫مفردات التربية‪..‬‬

‫نستعرض فيما يلي بعضا من آرائه في مفردات العملية التربوية‪ ،‬في التربية ومفهومها‪ ،‬وفي‬
‫املدرسة وأركانها‪ ،‬وفي املعلم ومقوماته‪ ،‬وفي التلميذ وأساليب األخذ بيده إلى الغاية املرسومة‪:‬‬
‫«التربية إذا هي أثر املربي في الطفل من حيث يقصد املربي إلى التأثير فيه‪ ،‬والتربية هي األثر‬
‫اآلخر الذي ال يقصد إليه املربي‪ :‬األثر الذي يتعرض له الطفل في حياته اليومية‪ .‬ولكل من‬
‫هتين التربيتين مكانة في نفس الطفل‪ .‬فهو أمام مربيه يتلقى توجيها يحترز منه‪ ،‬وفي باقي األوقات‬
‫يحتك بحياة اآلخرين فيتأثر بهم من حيث ال يشعر تأثرا بطيئا لكنه مكين»(((‪.‬‬
‫وقبل أن يستعرض الغاية من التربية عند مختلف األمم والحضارات‪ ،‬قديمها وحديثها‪،‬‬
‫وآراء أعالمها ومفكريها وفالسفتها في التربية‪ّ ،‬‬
‫ينبه إلى أن «الحاجة االجتماعية ليست العامل‬
‫الوحيد في تحديد أهداف التربية‪ ،‬بل يحددها أيضا الطابع الفكري الخاص بكل أمة»(((‪ .‬ويبدو‬
‫من إلحاحه على معالجته للمواضيع التربوية «على ضوء واقعنا التعليمي»(((‪ ،‬واستحضاره‬
‫للمعلم باعتباره «املعلم املغربي في وضعه الخاص وبصفاته التـي يحددها تكوينه وعقليته»(((‪،‬‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.10‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.5‬‬
‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.5‬‬
‫‪ 76‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫وللتلميذ باعتباره «التلميذ املغربي املتقلب في أسرة مغربية‪ ،‬والنا�شئ ملستقبل مغربي»(((‪،‬‬
‫و«للطابع الفكري الخاص بكل أمة»((( في سياق هذا العالم‪ ...‬يبدو هذا اإللحاح على استحضار‬
‫الواقع املحلي في التخطيط وفي التوجيه مقصودا‪.‬‬
‫أما حين بدأ في استعراض آراء بعض أبرز املفكرين في التربية وغاياتها فإنه كان يفرزها فرز‬
‫متفرس وخبير متمكن من أدوات التفكير والتحليل والتقويم والترجيح‬ ‫مفكر عارف ومطلع ّ‬
‫والتوجيه‪ ،‬إلى الدرجة التـي تجعل القارئ يتجه بفكره وبرأيه إلى ما أراده له الكاتب أن يتجه إليه‪.‬‬
‫بل يستطيع القارئ أن يستدل بظاهر ما يقرأ على باطن رأي الرجل في التربية‪ ،‬كأنه كان يميط‬
‫اللثام عن شخصيته وطبيعة تفكيره ويفصح‪ ،‬على لسان أولئك الفالسفة واملفكرين واملربين‪،‬‬
‫عن رأيه هو وفكره هو وتصوره هو للتربية ولغاياتها وأركانها ووسائلها وشروطها وعوائقها‪.‬‬
‫ها هو يستعرض بعض اآلراء في التربية ملفكرين معاصرين‪ ،‬ومنهم «آالن»‪ ،‬الذي كان معجبا‬
‫به أيما إعجاب‪:‬‬
‫َ«يعتبر آالن أمر التربية مهما خطيـرا يستحق منا كل عناية‪ .‬ويعتقد أن أمر التربية أمر جد‬
‫ال سبيل إلى تحقيقه إال بالجد‪ .‬فالطفل في نظره محب للعمل ميال له‪ .‬فلنعامله بجد ولنعلمه‬
‫قاصدين ال نحتال عليه بهذه املشوقات التافهة» (ص‪« .)22:‬والعبارة املشهورة «التعلم‬
‫بالعمل» تتضمن أهم ما في بيداغوجية ديوي (أمريكا ‪1952-1859‬م)‪ .‬فالعمل عنده به تحصل‬
‫التربية األخالقية والتكوين الثقافي» (ص‪« .)23:‬ويزعم كرشنشتاينز (أملانيا ‪1932-1855‬م)‬
‫أن بالتجربة وحدها وبالعمل اليدوي تحصل املعرفة‪ .‬وهنا تلتقي مدرسة العمل األمريكية‬
‫بمدرسة العمل األملانية» (ص‪ .)24:‬وعند دكرولي (بلجيكا ‪1932-1871‬م) «يدور هذا التعليم‬
‫كله حول هذه الفكرة األساسية‪ ،‬فكرة التدرج من املحسوس إلى املعقول‪ ،‬من ال�شيء إلى معنى‬
‫ال�شيء‪ ،‬ومن الكل إلى الجزء‪ ،‬من الكلمة مثال إلى الحروف» (ص‪.)25:‬‬

‫المدرسة‪..‬‬

‫ثم هاهو أستاذنا يتجلى في مقام املفكر التربوي الخبير‪ ،‬فيبرز وظيفة املدرسة التـي «أسست‬
‫لتكون أداة لتحقيق غاية تعليمية وتربوية ال يمكن لألسرة أن تحققها» (ص‪« .)36:‬وفي املدرسة‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.5‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪77‬‬ ‫عبد السالم ياسين‪ ..‬املفكرالتربوي‬

‫يجد الطفل رفاقا في سنه يهتمون بما يهتم به‪ ،‬فيشاركهم ألعابهم ويشعر أنه قريب منهم‪ ،‬شبيه‬
‫بهم‪ .‬ومن هذا الشعور تنشأ روابط متينة بين الطفل ورفاقه ليست أقل العوامل أهمية لتحبيب‬
‫املدرسة إلى نفسه‪ ،‬وهذا االستيناس بالرفاق يشعر الطفل بطمأنينة قد ال يشعر بها حتى بين‬
‫أفراد أسرته‪ ،‬ونحن نعلم أن الشعور بالطمأنينة ضروري لكي ينشأ الطفل نشأة طبيعية وتنمو‬
‫كل قدراته نموا طبيعيا‪ .‬أال ترى أن الطفل يسكت تماما إن أفردناه عن رفاقه وسألناه‪ ،‬فإذا‬
‫كان بينهم انطلق لسانه فعبر عن كل ما يفكر به؟ ذلك من عمل هذا الشعور في نفسه وألنه‬
‫يحس بتجاوب عميق بينه وبين “شعب األطفال” كما يعبر آالن» (ص‪.)36:‬‬
‫واملدرسة في نظر أستاذنا «تفتح عين الطفل على محيطه الطبيعي واالجتماعي» (ص‪،)36:‬‬
‫وتيسر له «فهم الحياة التـي يحياها قومه» (ص‪ ،)37:‬وتزوده ب ــ«أدوات املعرفة» (ص‪،)37:‬‬
‫ُ‬
‫و«تعمل على نشر األخالق الفاضلة»‪ .‬وهي‪ ،‬أخيرا‪« ،‬تيهئ له الفرص لتنمية قواه‪ ،‬وتوجهه إلى‬
‫العمل الذي سينجح فيه‪ ،‬ثم تيسر له اكتساب املهنة التـي وجهتها إليه» (ص‪ .)37:‬وهو يرى‬
‫«ضرورة التعاون بين املدرسة والبيت في كل شؤون الطفل؛ ألنه بدون هذا التعاون يبطل عمل‬
‫املدرسة» (ص‪ ،)38:‬وأنه «ال يمكن أن تستغني عن معونة األسرة‪ :‬وليس على املدرسة ضير في‬
‫أن تطلب هذه املعونة‪ ،‬ألنها إذا استعانت بالبيت‪ ،‬فإنما تبين فهمها الواسع للتربية وللحدود‬
‫التـي يمكن أن يكون فيها عملها ناجحا» (ص‪ .)41:‬ويرى أن يراعى في بناء املدرسة موافقتها‬
‫للشروط الصحية والنفسية والعملية املساعدة على تحقيق غاياتها‪.‬‬

‫المعلم‪..‬‬

‫كيف ينظر أستاذنا إلى املعلم؟‬


‫يجيبنا بأنه «إنما يحدد املدرسة ويعطيها معناها الذي به استحقت ما توصف به من مدح أو‬
‫ُ‬
‫شخص املعلم‪ .‬بل ليست املدرسة في الحقيقة إال املعلم» (ص‪.)49:‬‬ ‫ذم‬
‫وهذا تعريف للمعلم جدير بأن نحتفظ به لنستحضره ولنربطه ولنقارنه بمعنى أوسع‬
‫وأشمل عند حاجتنا إليه في ما يستقبل من أبواب وفصول‪.‬‬
‫وتساءل‪« :‬بم يصبح اإلنسان معلما وكيف؟ كيف يستقيم الفرد العادي معلما له قدسية‬
‫وبيده مفاتيح الخير في األمة؟» (ص‪ ،)50:‬وأجاب‪:‬‬
‫‪ 78‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫«وأول هذه الصفات االستعداد الفطري ملهنة التعليم» (ص‪ )50:‬واإلقبال على املهنة و«في‬
‫ضمنه محبة األطفال» (ص‪ ،)50:‬و«مهنته تطلب إليه أن يخلق في كل لحظة‪ ،‬وأن يجدد وسائله‬
‫وأساليبه‪ ،‬ويصطنع لكل مناسبة موقفا جديدا مناسبا» (ص‪ ،)50:‬وأن يخترع «الكلمات التـي‬
‫تؤثر» (ص‪ ،)50:‬ويستغل الفرص «ليطرق الحديد ساخنا» (ص‪ .)50:‬و«املعلم املستعد ملهنته‬
‫استعدادا فطريا هو الذي يحب األطفال‪ ،‬هو الذي يخلق الحياة في قسمه‪ ،‬ويجد الطريق إلى‬
‫قلوب أطفاله‪ ،‬وهو الذي يجد الحل سريعا عندما يقع أو يوقعه التالميذ في مأزق‪ ،‬ال يتلعثم‬
‫حور من طريقته بحيث يفهمون‪ .‬وهو‬ ‫وال يتردد‪ ،‬ويعرف إذا فهمه التالميذ‪ ،‬فإذا لم يفهموا ّ‬
‫الذي يعرف أطفاله ويفهم معنى كل حركة تصدر منهم» (ص‪ .)50:‬و«املعلم املوهوب وحده هو‬
‫الذي يقوم برسالته قياما كامال‪ ،‬ويترك طابعه في عقول أطفاله حتى يروا فيه املثل األعلى طيلة‬
‫حياتهم» (ص‪« .)50:‬على أن الهبة التربوية ال تكفي وحدها في مهنة التعليم‪ .‬وإذا كان املوهوب‬
‫ذكيا وكان رقيق القلب‪ ،‬حاضر البديهة‪ ،‬ذا شخصية جذابة ولم تتوفر لديه املعرفة الكافية‬
‫فإنه ال يصلح ملهنة التعليم‪ .‬كما ال تغني هذه الهبة عن االطالع على طرق التعليم ومعالجة‬
‫مشاكل الطفولة‪ ،‬وال تقوم مقام االستعداد الجسمي والقيمة الخلقية» (ص‪.)51:‬‬
‫ّ‬
‫ينظر له املنظر وهو متكئ على أريكته‬ ‫تساءلنا فيما سبق عن املسافة بين ما يكتبه الكاتب أو ِ‬
‫أو جالس وراء مكتبه‪ ،‬وبين ما يترجمه منه في االمتحان العملي‪ ،‬وعن درجة االرتفاع بين ما‬
‫ينصح به الناصح ويوجه املوجه وهو في برجه العاجي‪ ،‬وبين أن يكون القدوة الحسنة بين الناس‬
‫وعلى األرض في املوقف العصيب الذي تتال�شى معه كل النظريات‪ ،‬وتتساقط كل األقنعة‪ ،‬وال‬
‫ُْ ّ‬
‫يبقى إال رد الفعل الذي يكشف حقيقة هذا الكاتب أو ال َن ِظر أو الناصح‪ .‬وقلنا إننا نحتاج إلى‬
‫قياس املسافة بين ما سطره في هذه الكتب من أفكار وما دبجه من توجيهات لرجال التربية‪،‬‬
‫َ ُّ‬
‫وبين ت َمثله هو لها حين نقيسها إلى ما سبق وإلى ما يلحق مما حفلت به شهادات الشهود‪.‬‬
‫ولعل النصوص التـي استعرضناها آنفا‪ ،‬والتـي يرسم أستاذنا فيها صورة املعلم «املثال»‪،‬‬
‫واملعلم «الكامل»‪ ،‬ال تجد ترجمة عملية‪ ،‬ونموذجا حيا‪ ،‬أكثـر مطابقة ملالمحها ولخطوطها‬
‫التعبيرية منه هو نفسه‪ .‬ولعل الدالئل في هذا والقرائن التـي اطلعنا على بعضها فيما سبق من‬
‫ّ‬
‫هذه السيرة‪ ،‬ونطلع على غيـرها فيما يلحق‪ ،‬ال تكاد تبقى معها مسافة بين ما يكتبه وينظر له‬
‫وينصح به في دروسه ومؤلفاته وتوجيهاته في هذه املرحلة‪ ،‬وبين ما يتمثله منها في ذات نفسه‪،‬‬
‫ويتجسد في أخالقه وسلوكه‪ ،‬ويقوم كأنه كائن حي يم�شي على األرض‪.‬‬
‫‪79‬‬ ‫عبد السالم ياسين‪ ..‬املفكرالتربوي‬

‫«كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا»‪..‬‬

‫كتب األستاذ ياسين مقدمة هذا الكتاب بمراكش في ‪ 5‬أكتوبر ‪1962‬م‪ ،‬وأصدرت دار‬
‫السلمي طبعته األولى بالدار البيضاء عام ‪1963‬م‪ .‬وهو‪ ،‬بحسب ما يوحي عنوانه‪ ،‬يدل على‬
‫الطريق األسلم ليبلغ الطالب املعلم الغاية‪ ،‬وهي كتابة إنشاء بيداغوجي يفي بالغرض في تعبئة‬
‫عقله باألفكار التـي يحتاج إليها في مهمته التربوية وفي تنظيمها‪ ،‬وفي تحسين أسلوبه‪ ،‬لنيل النقطة‬
‫الجيدة في امتحانات التخرج‪.‬‬
‫وصدر الكتاب «تالفيا للنقص الواضح الذي ملسه املؤلف فيما يكتبه طلبة مدارس املعلمين‬
‫في االمتحان النهائي‪ ،‬وفيما يكتبه املعلمون املوقتون في امتحان الكفاءة‪ .‬وقد عالج فيه املؤلف‬
‫بأسلوب املربي املحنك وسائل تالفي النقص الظاهر في أداة اللغة‪ ،‬وفي األفكار‪ ،‬وفي التنظيم‬
‫الكتابي‪ .‬وقد جاء الكتاب عبارة عن عصارة لم يخرج إليك إال بعد تجربة أعطت نتائجها وآتت‬
‫أكلها بإذن ربي»(((‪.‬‬
‫وقد جعل املؤلف الكتاب ثالثة أجزاء؛ ضم األول منها ثالثة توجيهات أولها حول عناصر‬
‫الكتابة األولى وهي‪ :‬الورقة والخط والتنقيط‪ ،‬وثانيها حول تيهيء املوضوع فهما وتصميما وبحثا‬
‫عن األفكار‪ ،‬وثالثها حول قواعد أساسية لإلنشاء‪ .‬وضم الجزء الثاني اثني عشر موضوعا في‬
‫علم النفس‪ ،‬بينما ضم الثالث خمسة في التربية‪.‬‬
‫ولنا أن نتجاوز ما زخر به الكتاب من أفكار ومن توجيهات ومن أمثلة تعبد الطريق أمام‬
‫الطالب املعلم لتحقيق الهدف من الكتاب‪ ،‬فقصدنا هنا غيـر قصده هناك‪ ،‬ولكن ليس لنا أن‬
‫نتجاوز بعض املالحظات‪:‬‬
‫إننا أمام رجل شديد الدقة في اختيار األلفاظ والتعبيرات املناسبة للحالة؛ فهو‪ ،‬على سبيل‬
‫املثال‪ ،‬يصف االحتالل الفرن�سي الذي جثم على صدر البالد عشرات السنين بأنه «عدو»‪،‬‬
‫وينسب إليه إحدى مخلفاته فيها؛ «الجهالة»‪:‬‬
‫«‪ ...‬وقد وجدت األمة نفسها‪ ،‬غداة االستقالل‪ ،‬وهي في عداد البالد املتخلفة‪ ،‬تجر من ورائها‬
‫حمال ثقيال من مخلفات العدو املحتل الذي شجع هذه الجهالة واستثمرها»(((‪.‬‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬كيــف أكتــب إنشــاء بيداغوجيــا‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ :‬دار الثقافــة‪ ،‬الطبعــة األولــى‪،1962 ،‬‬
‫كلمــة الناشــر‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.149‬‬
‫‪ 80‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫وهو بعد وصف الحالة التـي خلفها العدو املحتل‪ ،‬يرسم الغاية التـي يطمح إليها الوطن‪،‬‬
‫ويضع األسس الكفيلة ببناء مجتمع مغربي على أسس جديدة‪ ،‬ويتحدث حديث رجل الدولة‬
‫الذي ينظر إلى األوضاع نظرة شاملة‪ ،‬ويحس بمدى الصعوبات التـي تعيشها البالد وتنتظر‬
‫البالد‪ ،‬ويشير إلى التربية بما هي ضرورة لصياغة أعضاء املجتمع املغربي صياغة ال يتطور إال بها‪:‬‬
‫«‪ ...‬والبالد في نشاط بنائي‪ ،‬يحتاج تدعيمه إلى رجال ذوي جدوى في اإلنتاج االقتصادي‪.‬‬
‫واملجتمع املغربي يتكون ويتطور على أسس جديدة‪ ،‬ولن يستقر على وجه ُم ْرض إال إذا ّ‬
‫تكون‬ ‫ٍ‬
‫أعضاؤه‪ ،‬وصاغتهم التربية على شكل يستجيب ملقتضيات املجتمعات املتطورة‪ .‬وتحتاج البالد؛‬
‫ضمن النخبة املتعلمة‪ ،‬وضمن العمال املنتجين‪ ،‬وضمن املجتمع الناهضين به‪ ،‬إلى مواطنين‬
‫يشعرون بمسؤوليتهم أمام مصير وطنهم‪ ،‬ويشعرون بالنصيب الذي ينبغي أن يتحملوه في‬
‫سبيل تقدمه وازدهاره»(((‪.‬‬
‫ثم ها هو ينظر إلى جانب مهم من جوانب ما ينتظر البالد من تحديات؛ ينظر إلى البالد‬
‫ّ‬
‫املخطط التربوي ذي النظرة الثاقبة‪ ،‬من زاوية‬ ‫ِ‬ ‫ومستقبل البالد وحاجة البالد بنظرة‬
‫اختصاصه التربوي‪ ،‬ويؤكد على ضرورة اإلعداد واالستعداد «من بعيد»‪:‬‬
‫«وإن تكوين املواطن الصالح‪ ،‬وتوحيد عقلية األمة‪ ،‬السيما املدرسة االبتدائية‪ ،‬حيث‬
‫ضو الطبع‪ ،‬يمكن أن تتناولهم التربية بالتوجيه الالزم‪ .‬وإن املغرب يسلك‬ ‫ُيستقبل أطفال َغ ُّ‬
‫في سياسته التعليمية طريق السعي لتعميم التعليم في مرحلته االبتدائية‪ .‬وإذا ما تم تعميم‬
‫التعليم االبتدائي‪ ،‬وسيتم عن قريب‪ ،‬فسنكون بدأنا شوطا مهما في بناء وطننا‪ .‬وفي انتظار‬
‫اليوم الذي يتم فيه‪ ،‬يجب أن نتدبر من بعيد‪ ،‬ونرسم الخطة لتعليمنا االبتدائي مراعين املبدأ‬
‫الذي وضعناه نصب أعيننا‪ ،‬أال وهو تيهيء الطفل املغربي ليكون بعد خروجه من املدرسة‬
‫االبتدائية‪ ،‬مواطنا صالحا»(((‪.‬‬
‫وهذه الـ «من بعيد» هي إحدى أهم النظرات التـي يحتاج إليها من يخطط للمستقبل املشرق‪.‬‬
‫وها هو يكتب على السطور‪ ،‬ويبث بين السطور‪ ،‬ما ينم عن طبيعة شخصية املربي القوية‬
‫املشبوبة الساكنة بين أضلعه‪ ،‬وما ي�شي ّ‬
‫بالهم األسا�سي الذي كان يشغل فكره في ذلك الوقت‪،‬‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬دارالثقافة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1962 ،‬ص ‪.149‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.149‬‬
‫‪81‬‬ ‫عبد السالم ياسين‪ ..‬املفكرالتربوي‬
‫ُ‬
‫وهو تيهيء ما تحتاجه البالد مما سماه «طاقة إنسانية» هي بلغة اليوم «موارد بشرية» تصنع في‬
‫املدرسة شخصيتها املستقلة وإرادتها الواعية املاضية‪ .‬يقول على لسان معلم املستقبل‪:‬‬
‫ُ‬
‫«‪ ...‬وأول مهمة ُينتظر مني القيام بها‪ ،‬هي تكوين شخصية خلقية متينة لتالمذتي‪ ،‬شخصية‬
‫أصم من اآللة االجتماعية‪ ،‬شخصية‬‫مستقلة تعرف مكانها من املجتمع‪ ،‬فتعمل بإرادتها‪ ،‬ال جزءا ّ‬
‫لها ضمير حي وشعور باملسؤولية‪ ،‬يمكن أن ُيعتمد عليها‪ ،‬في أي ميدان تعمل فيه‪ .‬مهمتي األولى‬
‫أن أربي الشخصية‪ ،‬وأن أفتح قابليتها لالنسجام مع املجتمع‪ ،‬وأن أتعهد هذه القابليات وأزودها‬
‫باملعرفة الضرورية لتتمكن من وسائلها؛ وليمكنها في مرحلة أخرى‪ ،‬أن تبلغ من القوة واالتزان‬
‫ما يجعلها ذات شأن في الحقل الوطني‪ .‬وإنني لشاعر جدا بالنقص الذي تعانيه بالدي من الطاقة‬
‫اإلنسانية‪ ،‬شاعر بحاجة بالدي إلى رجال بأسرع طريق‪ .‬فتقت�ضي طبيعة وظيفتـي أن أساهم‬
‫بجهودي في تكوين هؤالء الرجال‪.(((»...‬‬
‫ونستطيع أن نلمس في الكتاب‪ ،‬بوضوح تام‪ ،‬ما أشرنا إليه من قبل من تمكنه من اللغة‬
‫األصلية ملفكري الغرب‪ ،‬األدبية والفكرية والفلسفية‪ ،‬بما مكنه من التعامل مع أدبياتهم بأكبر‬
‫قدر من املعرفة ومن التذوق ومن الفهم‪ ،‬مما منحه القدرة على فهمها وعلى تحليلها‪ .‬ومثال‬
‫هذه املعرفة وهذا التذوق ما تحدث به عن األديب والفيلسوف واملفكر الفرن�سي «جان جاك‬
‫روسو»‪ ،‬حيث وضعه في مختبره الخاص به‪ ،‬ليقوم بتشريح دقيق لشخصيته في أبعادها األدبية‬
‫والفلسفية والتربوية‪ ،‬وليدلي بنتائج تشريحه ذاك بشجاعة ال يمكن أن نجد لها تفسيرا إال في‬
‫قوة تمكنه من العلم الالزم‪ ،‬ومن األدوات الضرورية لتشريح شخصية مثل شخصية روسو‪:‬‬
‫«روسو أديب قبل أن يكون فيلسوفا‪ ،‬وفيلسوف قبل أن يكون مربيا‪ .‬اشتهر بآرائه في‬
‫التربية‪ ،‬ونالت هذه اآلراء نجاحا مضطردا منذ ما يقرب من قرن‪ ،‬وما زالت آراؤه نبراسا‬
‫يهتدي به املربون في كل بلد‪ ،‬ومهما كانت نزعاتهم التجديدية‪ .‬ولعل شهرة روسو‪ ،‬وعظمة تراثه‬
‫�سى عند املربين‪ ،‬حتى ال يتذكرون إال آراءه الفلسفية وكتاباته التربوية‪.‬‬ ‫األدبي‪ ،‬توشك أن ُت ْن َ‬
‫والحق أن روسو أديب‪ ،‬كتب بروح أديب وبعقل أديب وأسلوب أديب‪ .‬لكن حدسه الدقيق‪،‬‬
‫ّ‬
‫وإحساسه املرهف‪ ،‬أوصاله في غالب األحيان‪ ،‬إلى حقائق سبق بنشرها زمانه‪ ،‬ومكنا له سمعة‬
‫وأصالة في الفلسفة اإلنسانية‪ .‬على أن الذي يقرأ ما كتبه في فلسفة التربية‪ ،‬ينبغي أال ين�سى أنه‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬دارالثقافة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1962 ،‬ص ‪.151‬‬
‫‪ 82‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫أقرب ألديب مطبوع‪ ،‬وألديب مثالي مسرف في املثالية‪ ،‬وإال فإنه سيقف مشدوها أمام بعض‬
‫كلمات روسو‪ ،‬ولن يجد لها معنى مهما تلوى حولها»(((‪.‬‬

‫«النصوص التربوية»‪..‬‬

‫وأما كتاب «النصوص التربوية» فهو‪ ،‬كما يقول عنه صاحبه‪:‬‬


‫«استعراض آراء املربين عبر العصور‪ ،‬وحسب املبادئ الفلسفية واالجتماعية التـي‬
‫ينتسبون إليها‪ ،‬أو الطرق العلمية التجريبية التـي يطبقونها»(((‪.‬‬
‫أما دافعه إلى إصداره فيقول عنه‪:‬‬
‫«كانت النصوص املدروسة في مدرسة املعلمين من اختيار األستاذ‪ ،‬يصرف كثيـرا من وقته‬
‫للعثور عليها‪ ،‬أو ترجمتها‪ ،‬إذا اقت�ضى الحال‪ ،‬ثم تعترضه صعوبة استنساخ كل نص وطبعه ليضع‬
‫في يد كل طالب نسخة‪ .‬فلذا رأينا أن نجمع نصوصا مختارة ونطبعها تيسيرا لعمل األستاذ»(((‪.‬‬
‫أما مقاييسه في اختيار النصوص فيقول عنها‪:‬‬
‫«وتوخينا في اختيارها املوضوع الذي تشرحه‪ ،‬وأهمية اآلراء التـي تتضمنها بالنسبة لسير‬
‫التربية وتطورها»(((‪.‬‬
‫ونلحظ في تقديمه للكتاب إشارة خفيفة لجانب من جوانب أسلوبه في القراءة والتمحيص‬
‫واالختيار‪ ،‬بحرصه على اختيار أكثـر النصوص تعبيرا عن مدرسة صاحبها مع ربطها بسياقها‬
‫الزمني؛ ذاك حين يقول‪:‬‬
‫«وحاولنا أن يكون كل نص صورة للمذهب التربوي الذي يقتنع به كاتبه‪ّ ،‬‬
‫فذيلنا النصوص‬
‫بلمحة عن حياة املؤلف‪ ،‬وبمالحظات حول النص مبينين موقع التطبيق منه‪ ،‬رابطينه بالحركة‬
‫التربوية العامة السائدة وقت كتابته»(((‪.‬‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬دارالثقافة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1962 ،‬ص ‪.158‬‬
‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬النصــوص التربويــة‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دار ُّ‬
‫الســلمي للتأليــف والترجمــة والنشــروالطباعــة‬
‫والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.7‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬والصفحة‪.‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬والصفحة‪.‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬والصفحة‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫عبد السالم ياسين‪ ..‬املفكرالتربوي‬

‫أما الغاية من ورائه فيقول عنها‪:‬‬


‫«تدريس النصوص التربوية يريد أن يبلغ األستاذ جهده ليوقظ اهتمام الطلبة باملوضوع‪،‬‬
‫ويصرف عقلهم الناقد إلى ما يقرأونه حتى يتبصروا األمر‪ ،‬وينفذوا من وراء الكلمات إلى املعاني‪.‬‬
‫ليست غايتنا هنا أن يقرأ الطالب نثرا كثيـرا‪ ،‬إنما الغاية أن نريه نماذج من الكتابات التربوية‬
‫ونريه كيف يعالج الكاتب موضوعه‪ ،‬وكيف يصرف اقتصاد إنشائه ليتخذ ذلك مثاال يحتذيه‪،‬‬
‫وليتمرس باألفكار املختلفة‪ ،‬ويعرض بعضها بإزاء بعض حتى تصبح األفكار التربوية جزءا من‬
‫تكوينه‪ ،‬وحتى يستطيع التحدث في املواضيع العامة حديثا شخصيا‪ .‬غايتنا أن نطلق الطالب‬
‫حرا من سلطان التقليد الذي يجيئه من قلة اطالعه‪ ،‬وأن نفتح له آفاقا واسعة يجد فيها مجاال‬
‫لبسط أفكاره القليلة‪ ،‬ويجد فيها غذاء لتشجيع هذه األفكار وتقويتها»(((‪.‬‬
‫وفي هذه الفقرة يظهر جليا نوع الطالب املعلم الذي كان يريد تخريجه‪:‬‬
‫العقل الناقد املتمرس‪ ،‬والحر من سلطان التقليد‪ ،‬واسع االطالع‪ ،‬واملنفتح‪.‬‬
‫ما يميـز «النصوص التربوية» هو ما تضمنه من نصوص ملربين ومفكرين عرب ومسلمين؛‬
‫فقد أورد نصوصا لإلمام الغزالي((( والبن خلدون((( وابن سينا وطه حسين‪ ...‬واقتبس نصوصا‬
‫ملربين آخرين من كتاب‪« :‬التربية عند القاب�سي» للفيلسوف واملفكر التربوي املصري أحمد فؤاد‬

‫الســلمي للتأليــف والترجمــة والنشــروالطباعــة‬ ‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬النصــوص التربويــة‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دار ُّ‬
‫والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.7‬‬
‫الغزالي الطو�سي النيسابوري‪ ‬الصوفي‪ ‬الشافعي‪ ‬األشعري‪ ،‬فقيه وصوفي وأصولي وفيلسوف‪.‬‬ ‫((( أبوحامد محمد ّ‬
‫يد‪ ‬الجويني (إمام الحرمين)‪ ،‬ثم إلى بغداد‪ ‬عام‬ ‫ولد في‪ ‬طوس (إيران) عام ‪450‬ه‪ ،‬وانتقل إلى‪ ‬نيسابور‪ ‬وتتلمذ على‬
‫ْ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ً‬
‫‪484‬ه‪ ‬حيــث صــار مقصــدا لطــاب العلــم مــن جميــع البلــدان‪ .‬وفــي ‪488‬ه ألــت بــه أزمــة روحيــة (انظــر كتابيــه‪:‬‬
‫ً‬
‫«مي ـزان العمــل» و «املنقــذ مــن الضــال»)‪ ،‬خــرج إثرهــا من‪ ‬بغداد‪ ‬خفيــة فــي رحلــة دامــت ‪ 11‬عامــا‪ ،‬تنقــل خاللهــا‬
‫بين‪ ‬دمشــق‪ ‬والقدس‪ ‬والخليل‪ ‬ومكة املكرمة‪ ‬واملدينــة املنــورة‪ ،‬وكتــب أثناءهــا كتابــه الشــهير‪« ‬إحياء علــوم الديــن»‪.‬‬
‫َ‬
‫ـيوطي‪ ‬أحد‬ ‫ـ«حجــة اإلســام»‪ ،‬واعتبــره ابــن األثيــر ‪ ‬والسـ‬ ‫ثــم عــاد إلــى بلده‪ ‬طــوس حيــث توفــي ســنة ‪505‬ه‪ُ .‬ل ّقــب ب ّ‬
‫املجدديــن علــى رأس القــرن الخامــس الهجــري‪.‬‬
‫((( هــو عبــد الرحمــن بــن محمــد ابــن خلــدون‪ ،‬ولــد فــي تونــس عــام ‪732‬ه وتخـ ّـرج فيهــا من‪ ‬جامعــة الزيتونــة‪ .‬يعتبــر‬
‫مؤسس‪ ‬علم االجتماع‪ .‬أشهرمؤلفاته «املقدمة»‪ ،‬وهوبمثابة مقدمة ملؤلفه الضخم «العبر‪ -‬وديوان املبتدأ والخبر‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُُّ‬
‫في أيام العرب والعجم والبربرومن عاصرهم من ذوي السلطان األكبر»‪ .‬تو ِفي عام ‪808‬ه ودفن بالقاهرة بمصر‪.‬‬
‫‪ 84‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫األهواني‪ .‬وهذا بخالف كتابيه اآلخرين (مذكرات في التربية‪ ،‬كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا)‬
‫اللذين لم يتضمنا أي اقتباس من جنس ما سبق‪.‬‬
‫ونظن‪ ،‬مجرد ظن يحتاج إلى مزيد من البحث لتأكيده أو دحضه‪ ،‬أن أهم ما كان له أثر في‬
‫التفاتة أستاذنا إلى تراث الغزالي وابن خلدون وغيـرهما ممن ضم كتاب «النصوص التربوية»‬
‫بعض نصوصهم‪ ،‬هو احتكاكه بنخبة من األساتذة مؤطري التدريبات البيداغوجية التـي خضع‬
‫لها في مصر ولبنان‪ ،‬وعلى رأسهم الفيلسوف واملفكر املصري أحمد فؤاد األهواني‪.‬‬
‫التفاتة إلى تراث الفكر التربوي العربي اإلسالمي من رجل تشرب الحضارة الغربية‬
‫في مظهره وفي نمط حياته وفي أسلوب تفكيره إذ يقول عن نفسه في هذه املرحلة التـي نحن‬
‫بصددها‪« :‬كنت قرأت كتبا وقارفت من هذه الثقافات األجنبية‪ ،‬وكانت العقالنية املاركسية‬
‫الفرويدية مرتعا لنشاطي الفكري منذ أمد بعيد تعيش بل تعشش في ذهني جنبا إلى جنب مع‬
‫إيمان فاتر ال تذكيه العبادة التـي نشأت عليها»(((‪.‬‬

‫شهادة األهواني(((‪..‬‬

‫تحدثنا فيما سبق عن تمكن صاحب هذه السيرة من اللغة اإلنجليزية بيانا‪ ،‬ومن مجال‬
‫تخصصه التربوي فكرا‪ .‬وهذه شهادة تزكي ما قلناه‪ ،‬على لسان أحد أهم رجاالت الفكر‬
‫التربوي في القرن العشرين؛ األهواني‪.‬‬
‫يقول مومن‪:‬‬
‫«أينما حل يكون عظيما‪ ،‬في جميع أحواله‪ .‬ففي لبنان عام ‪1961‬م حيث كان في تدريب‬
‫بيداغوجي هو ومحمد بنشريفة وعبد املالك الشباني‪ ،‬كان الدكتور أحمد فؤاد األهواني‪ ،‬وهو‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬اإلســام بيــن الدعــوة والدولــة‪ :‬املنهــاج النبــوي لتغييــراإلنســان‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬مطبعــة‬
‫النجــاح‪ ،‬الطبعــة ‪ ،1972 ،1‬ص ‪.388‬‬
‫((( (‪1970-1908‬م)‪ .‬حصــل علــى اإلجــازة فــي اآلداب عــام ‪1929‬م بتقديــرامتيــاز‪ ،‬وعلــى دبلــوم التربيــة الثانــوي مــن‬
‫معهد التربية العالي عام ‪1931‬م‪ ،‬وعلى الدكتوراه بمرتبة الشرف عام ‪1943‬م‪ .‬عمل أستاذا بكلية اآلداب جامعة‬
‫القاهرة ابتداء من عام ‪1946‬م‪ ،‬وأستاذا مساعدا عام ‪1950‬م وأستاذ كر�سي الفلسفة اإلسالمية عام ‪1958‬م‪،‬‬
‫ورئيــس قســم الفلســفة ابتــداء مــن عــام ‪1965‬م‪ .‬مــن أهــم مؤلفاتــه‪« :‬التربيــة فــي اإلســام»‪ ،‬و«معانــي الفلســفة»‪،‬‬
‫و«فــي عالــم الفلســفة»‪ ،‬و«فجــرالفلســفة اليونانيــة» و«الحــب والكراهيــة»‪ ،‬و«الفلســفة اإلســامية»‪ ،‬و”املــدارس‬
‫الفلســفية»‪ .‬كمــا ترجــم إلــى العربيــة « كتــاب النفــس» ألرســطوطاليس‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫عبد السالم ياسين‪ ..‬املفكرالتربوي‬

‫فيلسوف ومفكر وباحث وناقد‪ ،‬وكان يتكلم لغات عدة‪ ،‬بصدد إلقاء محاضرة‪ ،‬ولكن لينجح‬
‫في تحقيق الهدف منها كان عليه أن يلقيها باإلنجليزية‪ ،‬بحكم طبيعة جنسيات املتدربين‪ .‬وكان‬
‫ُ‬
‫شتات من املتدربين العرب ال يعرفون اإلنجليزية‪ ،‬فطرح مشكل على املنظمين للتدريب‪ .‬فقام‬
‫األستاذ ياسين متطوعا‪ ،‬وهو مجرد متدرب من ضمن املتدربين‪ ،‬فأخذ الدكتور األهواني يلقي‬
‫محاضرته‪ ،‬وياسين يترجمها ترجمة فورية‪ .‬فانبهر الدكتور األهواني بدقة الترجمة وبثراء‬
‫املترجم فقال أمام املإل‪:‬‬
‫‪« -‬ال أعرف بلدا فيه رجل مثل هذا الرجل‪ ،‬يأتي ليأخذ املعارف عن غيـره!»(((‪.‬‬
‫ُ‬
‫توج األستاذ ياسين في أكتوبر عام ‪1961‬م بالحصول من بيروت على دبلوم مهم في التخطيط‬
‫التربوي بامتياز‪ ،‬ضمن أول فوج مغربي‪ .‬وفتحت الرحلة أمامه نافذة املشرق‪ ،‬زكتها شهادة‬
‫مر آنفا‪ ،‬فيما خصصه من نصوص ملفكرين‬ ‫األهواني فيه‪ .‬وقد ظهرت آثار رحلة بيروت‪ ،‬كما ّ‬
‫تربويين عرب ومسلمين‪ ،‬وكان لألهواني حظ األسد منها‪.‬‬

‫شهادة أمريكية‪..‬‬

‫وإلى شهادة األهواني نضيف شهادة أخرى ال تقل عنها أهمية؛ فقد مر بنا الحديث عن‬
‫الزيارة التـي اصطحب فيها األستاذ تالمذته في مدرسة املعلمين إلى القاعدة األمريكية بابن‬
‫جرير شمال مراكش عام ‪1961‬م‪ ،‬وتناولنا املوضوع من زاوية ما كان يحرص عليه األستاذ‬
‫املربي من فتح أعين الطلبة على فضاء املعرفة الفسيح‪ .‬ونقدم هنا شهادة مومن‪ ،‬الذي صحب‬
‫أستاذه هو وباقي الطلبة املعلمين في زيارتهم لتلك القاعدة في املوسم الدرا�سي ‪1960/1959‬م‪،‬‬
‫من زاوية تأكيد ذلك الحرص‪ ،‬ومن زاوية ما لشهادة مدير مدرسة القاعدة األمريكية من وزن‪.‬‬
‫قال مومن‪:‬‬
‫َ‬
‫«اصطح َبنا يوما للقاعدة األمريكية في ابن جرير للوقوف على التعليم في القاعدة األمريكية‪،‬‬
‫ألنه أنموذج التعليم في شيكاغو ونيويورك‪ .‬فرأينا طريقة في التعليم فريدة في نوعها‪ .‬استقبلنا‬
‫مدير املدرسة بكلمة باإلنجليزية فلم نعرف ما قال‪ ،‬فلما انتهـى منها أخذ الكلمة سيدي عبد‬
‫السالم‪ .‬فلما انتهـى منها قال مدير املركز‪:‬‬

‫((( من حوارالكاتب مع األستاذ محمد مومن‪.‬‬


‫‪ 86‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫‪ -‬إنكم ال تحتاجون إلى الحضور هنا لتعرفوا نماذج التعليم عندنا‪ ،‬ألن عندكم رجال عبقريا‬
‫يستطيع أن يعلمكم املناهج ويأتيكم بالنماذج و‪ ...‬وأثنى عليه الثناء الكبير»(((‪.‬‬

‫شهادة أوروبية‪..‬‬

‫وشهادة أخرى عن هذه املرحلة‪ ،‬تكاد تكون مطابقة لشهادة مدير القاعدة األمريكية‪،‬‬
‫حدثنا عنها محمد العلوي الطالبي(((؛ قال‪:‬‬
‫«إن األستاذ ياسين درس الفكر التربوي الغربي دراسة جيدة‪ ،‬واطلع على أنظمة الغرب‬
‫التعليمية‪ ،‬خاصة بعد أن أتقن اللغتين الفرنسية واإلنجليزية‪ ،‬فكان خبراء التربية والتعليم‬
‫الغربيون الذين كانوا ُي ْد َعون إلى املغرب لإلشراف على تدريب األطر التعليمية املغربية‪ ،‬إذا‬
‫التقوا األستاذ ياسين قالوا للوزارة‪:‬‬
‫‪ -‬أعندكم مثل هذا الرجل وتدعوننا نحن؟ ال ضرورة لتوجيه الدعوة إلينا مستقبال»(((‪.‬‬

‫المطالعة الجديدة‪..‬‬

‫ال يزال كاتب هذه السطور يحتفظ‪ ،‬بعد ما يقرب من أربعين عاما‪ ،‬بنسخ األسرة من أجزاء‬
‫املقرر املدر�سي في اللغة العربية «املطالعة الجديدة» للمدارس الثانوية‪ .‬نقول «نسخة األسرة»‬
‫ألنها بقية مما كان يرثه الالحق بكل مستوى درا�سي عن السابقين من أشقائه على عادة تالمذة‬
‫املدرسة املغربية في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن املا�ضي في املحافظة على مقرراتهم‬
‫الدراسية اقتصادا في مصاريف التعليم‪.‬‬
‫ُ‬
‫وتعتبر هذه «املطالعة الجديدة» غ ّرة املقررات الدراسية الخاصة باللغة العربية في املدارس‬
‫الثانوية املغربية‪ .‬وقد تخرجت عليها أجيال وأجيال على مدى أكثـر من ربع قرن من الزمان‪،‬‬
‫إذ كانت «وسيلة فعالة لتذويق تلميذنا األدب الرفيع‪ ،‬وتعويده على األسلوب العربي السليم‪،‬‬
‫فينكب منذ نعومة أظفاره على قراءة أدب لغته الغني‪ ،‬ويجد فيه صدى لخياله ومتعة لفكره‬

‫((( من حوارالكاتب مع األستاذ محمد مومن‪.‬‬


‫درس في مدرسة املعلمين بمراكش إبان إدارة األستاذ ياسين لها أواخرالخمسينيات وأوائل الستينيات‪ ،‬وكان‬‫((( ّ‬
‫ْ ُّ‬
‫بينهما ما كان مما يجمع زمالء املهنة واألصدقاء الـخلص‪.‬‬
‫((( من حوارالكاتب مع األستاذ محمد العلوي الطالبي‪.‬‬
‫‪87‬‬ ‫عبد السالم ياسين‪ ..‬املفكرالتربوي‬

‫وتربية لوجدانه‪ ،‬ووسيلة فعالة أيضا إلغناء مادته اللغوية‪ ،‬سليمة من األخطاء‪ ،‬وإقداره على‬
‫التعبير العربي القويم في شتى مناحي الفكر والخيال والعاطفة‪.(((»...‬‬
‫ونستنتج من التاريخ الذي ظهرت به هذه املطالعة في شكلها وحجمها األول وفي طبعتها الثالثة‬
‫عام ‪1963‬م‪ ،‬وهي «منقحة ومزيد فيها”‪ ،‬أن طبعتها األولى صدرت عام ‪1961‬م‪ .‬ثم جدد املؤلفون‬
‫في مضمونها وشكلها وحجمها ليصبح ما ُعرفت به بعد ذلك على مدى سنوات طويلة امتدت‬
‫إلى عام ‪1986‬م على األقل‪ ،‬بحسب ما هو موثق في إحدى طبعات الجزء الرابع منها‪ ،‬إذ جاء فيها‬
‫أنها «طبعة ‪ .»1986‬أي إن هذا املقرر الدرا�سي في اللغة العربية لم تستغن عنه وزارة التربية‬
‫الوطنية وظل َ‬
‫معتمدا في املدارس الثانوية املغربية على مدى أكثـر من ربع قرن من الزمان‪.‬‬
‫وضم فريق العمل الذي أشرف عليه األستاذ ياسين إلنجاز األجزاء األربعة لـ»املطالعة‬
‫الجديدة»‪ ،‬ابتداء من ‪1961‬م‪ ،‬بالترتيب‪ ،‬وكما وردت أسماؤهم وصفاتهم في الطبعة الثالثة‬
‫منه واملؤرخة في عام ‪1963‬م‪:‬‬
‫‪ -‬عبد السالم ياسين‪ :‬مدير مدرسة املعلمين اإلقليمية بمراكش‪.‬‬
‫‪ -‬جعفر الفا�سي‪ :‬مجاز في اآلداب ‪ -‬أستاذ بالتعليم الثانوي‪.‬‬
‫‪ -‬جعفر علي العلمي‪ :‬خريج كلية القرويين‪.‬‬
‫‪ -‬محمد الكتاني‪ :‬مجاز في اآلداب ‪ -‬أستاذ بالتعليم الثانوي‪.‬‬
‫وابتداء من املوسم الدرا�سي ‪ ،1966-1965‬عرف كتاب «املطالعة الجديدة» تجديدا كبيرا‬
‫إذ صدرت أجزاؤه األربعة((( في حجم أكبر وبغالف موحد الشكل يتميز فيه كل منها بألوان‬
‫خاصة به‪ .‬عالوة على صفحة الغالف الخلفية التـي جاء فيها‪:‬‬
‫«سلسلة للمطالعة والقراءة املفسرة في أربعة أجزاء ألقسام املالحظة‪ ،‬وأقسام الطور‬
‫األول من التعليم الثانوي‪ ،‬وضعها مؤلفوها وهم ممن مارس التعليم في جميع أطواره‪ ،‬لسد‬
‫الحاجة املاسة في املدارس املغربية إلى كتاب يقوم على شروط بيداغوجية صالحة‪ ،‬لتكون‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬جعفــرالفا�ســي‪ ،‬جعفــرعلــي العلمــي‪ ،‬محمــد الكتانــي‪ ،‬املطالعــة الجديــدة‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪:‬‬
‫مطبعــة الجامعــة‪ ،‬الطبعــة ‪.3/1 ،1963 ،3‬‬
‫((( غاب اسم جعفرعلي العلمي عن الئحة مؤلفي الجزء الرابع‪.‬‬
‫‪ 88‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫مادة القراءة في هذه األقسام وسيلة فعالة لتذويق التلميذ األدب الرفيع‪ ،‬وتعويده األسلوب‬
‫العربي السليم فينكب منذ نعومة أظافره على قراءة أدب لغته الغني‪ ،‬ويجد فيه متعة لفكره‬
‫وتربية لوجدانه‪ ،‬ووسيلة فعالة إلقداره على التعبير العربي القويم في شتى املوضوعات‪.‬‬
‫وقد روعي في هذه السلسلة أن تكون صورة للحضارة اإلنسانية واآلداب املحلية والوطنية‬
‫والعاملية‪ ،‬تجعل التلميذ على صلة بكل مظاهر الحياة التـي يحياها من فنون وصناعات وتقنيات‬
‫َْ‬
‫وعلوم ومكتشفات وآداب وأخالق وآثار وشخصيات‪ ،‬وبذلك تتنوع مدركاته وتغ َنى عقليته‬
‫ويتسع خياله‪ .‬كما روعي فيها أن تكون كل قطعة مختارة فرصة لجهد عقلي وتربوي مثمر إذا‬
‫أحسن املدرس استغاللها‪.‬‬
‫إنه كتاب جمع بين جودة االختيار وفعالية الطريقة وسمو الهدف التربوي بالنسبة للتلميذ‬
‫العربي في جميع املدارس الثانوية»(((‪.‬‬

‫الحساب الجديد‪..‬‬

‫هذا املقرر الدرا�سي من تأليف األستاذ ياسين‪ ،‬وهو خاص بمادة الحساب باللغة العربية‪،‬‬
‫وكان مقررا للمستوى االبتدائي الرابع (املتوسط األول)‪ .‬ويظهر من خالل غالفه أنه «القسم‬
‫الثاني» من هذه املادة املقررة لهذا املستوى‪ ،‬مما يعني وجود قسم أول لم نتمكن من الوصول إليه‪.‬‬
‫يقول مؤلفه عنه‪:‬‬
‫«كتاب ُوضع َوفقا ملنهاج وزارة التربية الوطنية والشبيبة والرياضة والفنون الجميلة املقرر‬
‫للقسم املتوسط األول‪.‬‬
‫وقد نظمت دروسه على نسق عملي متدرج يسهل على املعلم تحضير درسه وتقديمه‪،‬‬
‫ويسهل على التلميذ مراجعة شروح املعلم وتكملتها‪.‬‬
‫وقد ُوضع بين يدي كل درس تمارين للحساب الذهني‪ ،‬فيها من التدرج والشمول ما يجعلها‬
‫عبر الكتاب‪ ،‬دراسة في حد ذاتها تغني ذهن التلميذ وتدربه على التفكير الريا�ضي‪.‬‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬جعفــرالفا�ســي‪ ،‬محمــد الكتانــي‪ ،‬املطالعــة الجديــدة‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالثقافــة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.1965‬‬
‫‪89‬‬ ‫عبد السالم ياسين‪ ..‬املفكرالتربوي‬

‫ورتبت الدروس في فقرات متميزة‪ ،‬ووضحت بالرسوم واألشكال الهندسية‪ ،‬بحيث تبلغ من‬ ‫ُ‬
‫الوضوح والبيان درجة حسنة‪ ،‬كما ذيل كل درس بتمارين ومسائل ُأ ّ‬
‫عدت إعدادا خاصا لتكون‬
‫مناسبة للبيئة املغربية‪.‬‬
‫ورجاؤنا أن نكون ساهمنا في املجهود الذي تبذله الوزارة ويبذله املخلصون من رجال‬
‫التعليم من أجل تعريب املواد الرياضية والعلمية‪ ،‬هذا التعريب الذي نعلق عليه آماال كبارا‪.‬‬
‫وباهلل التوفيق»(((‪.‬‬

‫الجديد في دروس األشياء‪..‬‬

‫املقررات الدراسية ملادة «األشياء” هي من تأليف األستاذ ياسين‪ ،‬وكانت مواد علمية‬
‫مبسطة بما كان يناسب مستوى التالميذ في املستويات االبتدائية‪ .‬وكانت هذه الدروس ّ‬
‫معربة‪.‬‬
‫وكان الغرض منها أن تتفتح مدارك التالميذ على هذه الجوانب من حياة اإلنسان سواء أتعلق‬
‫األمر بجسم اإلنسان أم ببعض ما يتعامل معه في حياته اليومية‪ ،‬أم بما حوله من مظاهر‬
‫طبيعية وكونية‪.‬‬
‫وعلى الرغم من الجهود التـي بذلناها في البحث عن املقررات الدراسية لهذه املادة في‬
‫مختلف املستويات‪ ،‬فإننا لم نصل إال إلى اثنين منها‪ ،‬أولهما «الجديد في دروس األشياء” خاص‬
‫ِ‬
‫باملستوى االبتدائي الثاني (الثالث من املستوى االبتدائي)‪ ،‬والثاني خاص باملستوى املتوسط‬
‫األول (الرابع من املستوى االبتدائي)‪.‬‬
‫على أن املالحظ في كل املقررات الدراسية لألستاذ ياسين‪ ،‬سواء التـي ألفها أم التـي كان على‬
‫رأس لجنة مؤلفيها‪ ،‬هو الكلمة املوحدة بينها‪« :‬الجديد»‪:‬‬
‫‪ -‬املطالعة الجديدة‪.‬‬
‫‪ -‬الجديد في الحساب‪.‬‬
‫‪ -‬الجديد في دروس األشياء‪.‬‬
‫متهمما به وهو يشرف على تخريج أفواج‬ ‫ولعل هذه املالحظة تكشف ما كان أستاذنا ّ‬
‫َ‬
‫التالميذ من بنـي وطنه‪ ،‬وطبيعة الدافع الذي كان يحدوه وهو ُي ِع ُّد مقرراتهم الدراسية وهو‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬الحساب الجديد‪ ،‬ج ‪ ،4‬قسم ‪ ،2‬الدارالبيضاء‪ :‬دارالثقافة‪ ،‬الطبعة ‪.1966 ،1‬‬
‫‪ 90‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫أن يصلهم بالجديد الذي يصل هو إليه من خالل بحثه واجتهاده ومن خالل ما كانت تتيحه‬
‫له أسفاره وتدريباته خارج املغرب من تجارب في املشرق (لبنان ‪ -‬مصر) وفي الغرب (فرنسا ‪-‬‬
‫الواليات املتحدة)‪.‬‬

‫الثالثي التربوي‪..‬‬

‫«كان في األطلس أسود كثيـرة يسوسها ملك من بنـي جلدتها اسمه يزيم‪ .‬وكان ليزيم ديوان‬
‫يجلس فيه لرعاياه ويحكم بينهم بالعدل؛ وكان يقيم األمن في الغاب‪ ،‬يأخذ حق املظلوم من‬
‫الظالم ويضرب على أيدي الطغاة‪ ،‬وينعم في ملكه هنيئا مريئا‪ .‬وكان رئيسا لديوان امللك وكاتبا‬
‫لسره ذئب اسمه يكيد؛ كثيـر الحيلة له رأي ال ُيفتات عليه وله بصيرة بأمور الوحوش‪ .‬وكان‬
‫يزيم ال يقدم على أمر إال بإيعاز من يكيد‪ ،‬وال يحجم عن عمل إال بمشورته‪ .‬وكان يكيد ال‬
‫يضمر ليزيم إال الشحناء والبغضاء‪ ،‬ولكنه كان يداريه ويظهر له املحبة واالحترام‪ ،‬إذ كان‬
‫يعيش بفتاته ويلجأ إلى ظله‪ ،‬لواله ألضناه الجوع ولسامته الوحوش أنواع الخسف وضروب‬
‫الخزي‪ .‬وكان يزيم ال يخرج من عرينه إال ويكيد يسعى بين يديه يأمر الحيوانات بتقديم الوالء‬
‫شزرا إلى الثعالب والقردة‬ ‫والسجود للملك‪ .‬وكانت الذئاب من أجل ذلك تتطاول وتتعالى وتنظر ْ‬
‫واألنمار وحتى إلى بعض األسود التـي لم تكن لها بيزيم صلة دم أو قرابة‪.(((»...‬‬
‫ما كان هذا سوى مطلع من «مؤتمر الوحوش”‪ ،‬واحدة من مجموعة قصص لألطفال كتبها‬
‫ثالثة من كبار التربويين املغاربة منتصف ستينيات القرن العشرين‪ ،‬وهم بالترتيب الوارد في‬
‫أغلفة هذه القصص‪:‬‬
‫‪ -‬عبد السالم ياسين‪.‬‬
‫‪ -‬محمد شفيق(((‪.‬‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬محمــد شــفيق‪ ،‬عبــد الكريــم حليــم‪ ،‬مؤتمــرالوحــوش‪ ،‬سلســلة قصــص األطفــال‪ ،‬الــدار‬
‫البيضــاء‪ :‬دار الثقافــة‪ ،‬ط‪ ،1970‬ص ‪.4-3‬‬
‫((( إحدى أهم الشخصيات الثقافية األمازيغية املغربية‪ .‬ولد عام ‪1926‬م بـأيت سادن بنواحي فاس‪ .‬حصل على‬
‫اإلجــازة فــي التاريــخ‪ ،‬وشــهادة فــي التفت ــيش التربــوي‪ .‬فــي عــام ‪1959‬م عيــن مفتشــا عامــا للتعليــم ثــم مســاعدا للتعليــم‬
‫عام ‪1969‬م‪ .‬وفي ‪1971‬م عين كاتبا للدولة لدى الوزيراألول‪ ،‬ثم مكلفا لدى الديوان امللكي‪ ،‬وعضوا في أكاديمية‬
‫اململكــة املغربيــة‪ .‬وكان أول عميــد للمعهــد امللكــي للثقافــة األمازيغيــة عــام ‪2001‬م‪ .‬وقــد جمعتــه باألســتاذ ياســين‬
‫بعــض اإلصــدارات التربويــة أواســط ســتينيات القــرن العشــرين‪ ،‬وحــوارفكــري عميــق حــول القضيــة األمازيغيــة بيــن‬
‫دفت ــي كتــاب ”حــوارمــع صديــق أمازيغــي” (‪1997‬م)‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫عبد السالم ياسين‪ ..‬املفكرالتربوي‬

‫‪ -‬عبد الكريم حليم‪.‬‬


‫وإلى هذه القصة‪ ،‬أصدر هذا الثالثي قصصا أخرى حاول أن يسد بها الفراغ الذي وجده في‬
‫املكتبة التربوية في تلك املرحلة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومدرسا ملادة التربية الخاصة بمركز‬ ‫كان محمد شفيق مفتشا ورئيس مصلحة بالبيضاء‬
‫تكوين املفتشين بالرباط‪ ،‬وكان عبد الكريم حليم نائبا لوزارة التربية الوطنية بالدار البيضاء‬
‫ومدرسا ملادة التاريخ باملركز سالف الذكر‪ .‬وهما معا كانا يعمالن تحت إدارة األستاذ ياسين‬
‫فيه‪ .‬ولعل اللقاء في هذا املركز‪ ،‬منتصف ستينيات القرن العشرين‪ ،‬وقد كان بين الثالثة‬
‫صداقة متينة خاصة بين ياسين وشفيق‪ ،‬كان فرصة للتأمل في حاجات ميدان التعليم التربوية‪،‬‬
‫فولدت فكرة إنجاز قصص األطفال التـي نحن بصدد الحديث عنها‪.‬‬ ‫ُ‬

‫يقول مومن‪:‬‬
‫«ثالثي تكون في الرباط‪ ،‬جمعت بين أضالعه العالقات املهنية التربوية في الوقت الذي كان‬
‫فيه العنصر املسيطر في الوزارة هو العنصر الغربي‪ .‬وكان هذا الثالثي متميزا في منظومة‬
‫الوزارة‪ :‬عبد السالم ياسين‪ ،‬ومحمد شفيق‪ ،‬وعبد الكريم حليم‪ .‬كان يضرب بهذا الثالثي املثل‬
‫في النبوغ والفهم واملقدرة‪ ،‬ولكن سيد القوم وصاحب الكلمة املهيب من كل أحد هو عبد‬
‫السالم ياسين‪ .‬كانوا يمثلون الثقافة التربوية في قمتها العالية؛ يمتازون بالصدق والصرامة‬
‫وقوة املوقف‪ ،‬في وقت كانت الوزارة مليئة بالفرنسيين»(((‪.‬‬
‫نستطيع‪ ،‬من خالل الفقرة التـي استهللنا بها هذا املوضوع‪ ،‬أن نالحظ الحضور القوي‬
‫للخيال ولألسطورة في مضامين قصص هذا الثالثي التربوي‪ ،‬ولعل عناوينها كافية للداللة على‬
‫هذا (مؤتمر الوحوش‪ ،‬الفالح الساحر‪ ،‬الفالح وملك النحل‪ ،‬الهراوة السحرية‪ ،‬القط العنيد)‪.‬‬
‫ولنا أن نالحظ‪ ،‬كذلك‪ ،‬غزارة املفردات الغريبة على الفئة املستهدفة بهذه القصص (يسوسها‪،‬‬
‫ُيفتات‪ ،‬بإيعاز‪ ،‬يداريه‪ ،‬أضناه‪ ،‬سامته‪ ،‬الخسف‪ ،‬ضروب‪ْ ،‬‬
‫شزرا‪ .)...‬كما أن األسلوب املعتمد‬
‫ال يخلو من توظيف صيغ أدبية عذبة البيان (ويضرب على أيدي الطغاة‪ ،‬وله بصيرة بأمور‬
‫الوحوش‪ ،‬يعيش بفتاته ويلجأ إلى ظله‪ ،‬يسعى بين يديه‪.)...‬‬

‫((( من حوارالكاتب مع األستاذ محمد مومن‪.‬‬


‫‪ 92‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫أما في الشكل‪ ،‬فقد حرص الثالثي التربوي على تشكيل النصوص التـي تعبئ الستة عشر‬
‫صفحة املخصصة لكل قصة‪ ،‬بما يسهل على الطفل القراءة السليمة‪ ،‬ويساعده على أكبر قدر‬
‫ممكن من الفهم‪ ،‬باستثناء بضع صفحات خصصها املؤلفون لصور تتخلل َّ‬
‫كل قصة‪ ،‬تشد انتباه‬
‫ُ‬
‫الطفل إليها‪ ،‬وتدخله أجواءها وتسافر بخياله إلى زمانها ومكانها وترسم له مالمح شخصياتها‪،‬‬
‫لتترسخ فيه الرسالة املرجو بثها في عقله ونفسه‪.‬‬
‫ُّ‬
‫بهذه القصص وبمثيالتها غذي عقل وفكر وخيال وعاطفة أجيال وأجيال من التالميذ‪.‬‬
‫وبهذا املستوى من الكتابة‪ ،‬ومن اختيار املفردات والتعبيرات‪ ،‬دأب هؤالء املربون واملؤلفون‬
‫التربويون‪ ،‬قبل نصف قرن من الزمان‪ ،‬على تنشئتهم‪.‬‬
‫وما كانت هذه القصص سوى «حاشية» إضافية على «متن» املقرر املدر�سي الذي كان‬
‫لألستاذ ياسين فيه باع وأي باع‪ ،‬والذي كانت «املطالعة الجديدة” أحد أهم عناوينه‪ .‬ولعل‬
‫الرؤية التـي فرضت نفسها على األستاذ ورفيقيه في قصص األطفال هذه‪ ،‬وهم كانوا في طليعة‬
‫املؤلفين التربويين الذين كانوا يشرفون على ألسنة األجيال من أن تتسلل إليها عجمة غريبة‬
‫تفسدها‪ ،‬كانت جزءا من الرؤية التـي فرضت نفسها على األستاذ وفريقه التربوي الجديد في‬
‫ذاك املقرر املدر�سي‪« :‬املطالعة الجديدة»‪.‬‬
‫ولعل األستاذ ياسين‪ ،‬وقد كان على رأس أولئك املربين واملؤلفين التربويين الذين حملوا‬
‫عبء تربية وتوجيه تلك األجيال من املعلمين ومن التالمذة على حد سواء‪ ،‬لعله نجح في مهمته‬
‫تلك‪ ،‬وقاد ذينك الفريقين التربويين إلى النجاح فيها‪ ،‬ألسباب مرتبطة بحصيلته املعرفية‪،‬‬
‫وخبرته امليدانية‪ ،‬وتكوينه املتين‪ ،‬نعم‪ ،‬ولكنه نجح‪ ،‬كذلك‪ ،‬ملا كان يتمتع به من ثقافة موسوعية‬
‫متنوعة‪ ،‬فتحت أمامه نوافذ املعرفة على العالم بحضاراته وألسنته وألوانه وأجناسه وشعوبه‬
‫وثقافاته وآفاقه‪ ،‬فاستطاع استثمار ما جناه منها في مهمته التربوية في محاولته للدفع ببلده‬
‫وبأبناء بلده إلى حيث يتبوأ أعلى الدرجات‪.‬‬
‫‪93‬‬ ‫صفات املعلم ورسالته من خالل كتابات عبد السالم ياسين البيداغوجية‬

‫بيبليوغرافيا الدراسة‪:‬‬

‫• محمد العربي أبو حزم‪ ،‬عبد السالم ياسين – اإلمام املجدد‪ ،‬البيضاء‪ :‬مطبعة أفريقيا الشرق‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪.2017/1439 ،‬‬
‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬مذكرات في التربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬دار السلمي للتأليف والترجمة والنشر‬
‫والطباعة والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪.1963 ،‬‬
‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬النصوص التربوية‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬دار ُّ‬
‫السلمي للتأليف والترجمة والنشر‬
‫والطباعة والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪.1963 ،‬‬
‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬دار ُّ‬
‫السلمي للتأليف‬
‫والترجمة والنشروالطباعة والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪.1962 ،‬‬
‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬اإلسالم بين الدعوة والدولة‪ :‬املنهاج النبوي لتغييراإلنسان‪ ،‬الدارالبيضاء‪:‬‬
‫مطبعة النجاح‪ ،‬الطبعة األولى‪.1972 ،‬‬
‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬جعفر الفا�سي‪ ،‬جعفر علي العلمي‪ ،‬محمد الكتاني‪ ،‬املطالعة الجديدة‪،‬‬
‫الدارالبيضاء‪ :‬مطبعة الجامعة‪ ،‬الطبعة ‪.3/1 ،1963 ،3‬‬
‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬جعفر الفا�سي‪ ،‬محمد الكتاني‪ ،‬املطالعة الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬دار‬
‫الثقافة‪ ،‬ط‪.1965 ،1‬‬
‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬الحساب الجديد‪ ،‬ج ‪ ،4‬قسم ‪ ،2‬الدار البيضاء‪ :‬دار الثقافة‪ ،‬الطبعة‪،1‬‬
‫‪.1966‬‬
‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬محمد شفيق‪ ،‬عبد الكريم حليم‪ ،‬مؤتمر الوحوش‪ ،‬سلسلة قصص‬
‫األطفال‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬دارالثقافة‪ ،‬طبعة ‪.1970‬‬
‫• حوارغيرمطبوع لألستاذ محمد العربي أبو حزم مع الدكتور عبد الغني أبو العزم‪.‬‬
‫• حوارغيرمطبوع لألستاذ محمد العربي أبو حزم مع األستاذ محمد مومن‪.‬‬
‫• حوارغيرمطبوع لألستاذ محمد العربي أبو حزم مع األستاذ محمد العلوي الطالبي‪.‬‬
‫• ‪Marrakech, des origines à 1912 Editions Techniques Nord-Africaines, 1959‬‬
‫وترجمها إلى العربية الباحثان محمد الزكرازي وخالد املعزوزي تحت عنوان‪« :‬مراكش‪ ،‬من‬
‫التأسيس إلى الحماية»‪.‬‬
‫‪95‬‬

‫صفات المعلم‪ ‬ورسالته‬
‫من خالل كتابات األستاذ عبد السالم ياسين البيداغوجية‬

‫(((‬
‫د‪ .‬عادل ضباغ‬

‫‪ .1‬التربية بالنموذج‪:‬‬

‫التربية في شمولها هي نتيجة كل التأثيرات التي توجه حياة اإلنسان وسلوكه‪ .‬والتربية‬
‫بالنموذج أسمى مراتب التربية؛ لكونها تجعل بين يدي املقصود بالتربية نموذجا حيا لالقتداء‪.‬‬
‫وإن األستاذ عبد السالم ياسين رحمه هللا تعالى لنموذج حي للتربية‪ .‬ال نطلق هذا الحكم هنا‬
‫جزافا؛ بل دليلنا في ذلك ما وجدناه من شهادات كثيرة بلغت درجة التواتر‪ ،‬ملفكرين مرموقين‬
‫(((‬
‫كأحمد فؤاد األهواني وعبد الغني أبو العزم وخبراء بيداغوجيين غربيين‪.‬‬
‫تجمع شهادات أولئك الثقات والخبراء التربويين املعاصرين على أن األستاذ عبد السالم‬
‫ياسين رحمه هللا قمين بصفة «املربي ‪ ،»Pédagogue‬من خالل سيرته املهنية املضيئة ومعرفته‬
‫ّ‬
‫بتخصصه وتكوينه الرصين فيه‪ ،‬ثم بإسهاماته البيداغوجية الشاهدة بعلو كعبه في‬ ‫العميقة‬
‫ً‬
‫علوم التربية والبيداغوجيا خصوصا‪.‬‬
‫وقد كان رحمه هللا يربي بالحال واملقال؛ فتأثيره اإليجابي كان واضحا في الطلبة املعلمين‬
‫واملفتشين وزمالء العمل‪ .‬سمت حسن وأدب عال ومعرفة موسوعية‪ ،‬وذخيرة لغوية متفردة‬
‫تصل حد البيان في اللغات‪ :‬العربية والفرنسية واإلنجليزية‪.‬‬
‫ألجل ذلك‪ ،‬يحتاج الباحث في سيرة هذا الرجل «النادر» إلى بذل أعوام «من أجل التعرف‬
‫عليه في سعة اطالعه وعمق معرفته‪ ،‬وفي مستوى تكوينه الفكري‪ ،‬وفي كفايته وخبرته‬

‫((( باحث في علوم التربية‪.‬‬


‫((( محمد العربي أبو حزم‪ ،‬عبد السالم ياسين اإلمام املجدد‪ ،‬ص ‪ 135‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 96‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫البيداغوجية وتجربته املهنية‪ ،‬وفي قدرته على تنظيم األفكار وعلى التحليل واالستنتاج‪ ،‬وفيما‬
‫أسداه إلى الحقل التربوي من أياد بيضاء في وقت كان يعرف فراغا مهوال»(((‪.‬‬
‫نخصص في هذا املقال الحديث عن صفات املعلم ورسالته‪ ،‬من خالل الكتابات البيداغوجية‬
‫ً‬
‫لإلمام املربي عبد السالم ياسين رحمه هللا‪ ،‬إبرازا ألهم املؤهالت النفسية والجسمية والعقلية‬
‫الالزم توافرها في املعلم‪ ،‬ثم البعد الرسالي وبواعثه املوجهة لحركة املربي في أطفاله ومجتمعه‪.‬‬
‫ويجمل األستاذ رحمه هللا القول في بيان قدر املعلم بعبارة جميلة جامعة‪ ،‬في قوله‪« :‬وإنما‬
‫ِ‬
‫يحدد املدرسة ويعطيها معناها الذي به استحقت ما توصف به من مدح أو ذم شخص املعلم‪.‬‬
‫(((‬
‫بل ليست املدرسة في الحقيقة إال املعلم»‪.‬‬
‫منزلة عظمى ومكانة شريفة يتبوؤها املربي؛ تربية النشء وتعليمهم منوط به‪ ،‬وهو أول ما‬
‫يتعلق به الطفل بعد أبويه‪ ،‬يأخذ عنه املعارف واألخالق وسبل املعاملة جميعها‪ ،‬حتى إنك تجد‬
‫الطفل يتخذ معلمه حجة ينافح بها عن رأيه قائال‪« :‬قالها املعلم»‪.‬‬

‫‪ .2‬صفات المعلم‪:‬‬

‫أ‪ .‬االستعداد الفطري‪:‬‬


‫جعل األستاذ رحمه هللا االستعداد الفطري أول مؤهالت املعلم؛ لكون هذه الخاصية تمثل‬
‫أساسا تنبني عليه املؤهالت األخرى‪ ،‬فإن لم يكن للمعلم استعداد فطري لالتصال باملتعلمين‬
‫واالحتكاك الدائم بهم‪ ،‬استع�صى عليه ربط جسور املودة معهم‪ ،‬فوجد في عمله عنتا شديدا‬
‫وفي نفسه ضيقا‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬يؤكد األستاذ ياسين رحمه هللا على أن «املعلم املستعد ملهنته استعدادا فطريا‪،‬‬
‫الذكي الذي يحب األطفال‪ ،‬هو الذي يخلق الحياة في قسمه‪ ،‬ويجد الطريق إلى قلوب أطفاله‪،‬‬
‫وهو الذي يجد الحل سريعا عندما يقع أو يوقعه التالميذ في مأزق‪ ،‬ال يتلعثم وال يتردد‪،‬‬
‫حور من طريقته بحيث يفهمون‪ .‬وهو الذي يعرف‬ ‫ويعرف إذا فهمه التالميذ‪ ،‬فإذا لم يفهموا ّ‬

‫((( محمد العربي أبو حزم‪ ،‬عبد السالم ياسين اإلمام املجدد‪ ،‬ص ‪.124‬‬
‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ :‬دار الســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪97‬‬ ‫صفات املعلم ورسالته من خالل كتابات عبد السالم ياسين البيداغوجية‬

‫أطفاله ويفهم معنى كل حركة تصدر منهم‪ .‬وبصفة عامة فاملعلم املوهوب وحده هو الذي يقوم‬
‫برسالته قياما كامال‪ ،‬ويترك طابعه في عقول أطفاله حتى يروا فيه املثل األعلى طيلة حياتهم»(((‪.‬‬
‫وتيقظ وعزم وحذق‬ ‫توصيف دقيق ملا ينبغي أن يتوافر في املعلم‪ ،‬ذكاء ومحبة وحيوية ّ‬
‫ونباهة كلها صفات تفتل في حبل تأثير املعلم في أطفاله‪ ،‬حتى يتأسوا به مستقبال حين تنطبع في‬
‫عقولهم ونفوسهم هذه املزايا اإلنسانية الطيبة‪ .‬وبذلك يكون املعلم قمينا بنعت املربي‪.‬‬
‫غير أن االستعداد الفطري وحده في املعلم املوهوب غير مجد؛ فهذه «الهبة التربوية ال‬
‫تكفي وحدها في مهنة التعليم‪ .‬وإذا كان املوهوب ذكيا وكان رقيق القلب‪ ،‬حاضر البديهة‪ ،‬ذا‬
‫شخصية جذابة ولم تتوفر لديه املعرفة الكافية فإنه ال يصلح ملهنة التعليم‪ .‬كما ال تغني هذه‬
‫الهبة عن االطالع على طرق التعليم ومعالجة مشاكل الطفولة‪ ،‬وال تقوم مقام االستعداد‬
‫الجسمي والقيمة الخلقية»(((‪.‬‬
‫يجمل بمن اتخذ التعليم مهنة أن يأخذ بمجامع ما فصل فيه األستاذ رحمه هللا؛ فيزيد‬ ‫ُ‬
‫الحسن مخزونا معرفيا دقيقا في تخصصه‬
‫ِ‬ ‫على الذكاء ورقة القلب وحضور البديهة والسمت‬
‫وموسوعيا فيما ُيعرف من العلوم والفنون بالضرورة‪ .‬كما يلزم املعلم التسلح بكفايات‬
‫التدريس الرئيسة؛ من تخطيط لوضعيات التعلم وتدبير للمعرفة وتحكم في املقاربات‬
‫البيداغوجية املعتمدة وتنشيط وتحفيز ومرافقة للمتعلمين‪.‬‬

‫ب‪ .‬املؤهالت الجسمية والعقلية للمعلم‪:‬‬


‫بعد حديث األستاذ عبد السالم ياسين رحمه هللا عن االستعداد الفطري لدى املعلم‬
‫املوهوب‪ ،‬نجده يقدم مالمح أخرى تشكل شخصية املعلم عامة‪ ،‬منها املؤهالت الجسمية ملا لها‬
‫من قيمة كبرى في التوازن النف�سي للمعلم وثقته في ذاته‪.‬‬
‫فكمال الخلقة والخلو من عيوبها مدعاة لصرف التشهير بها أو التهكم من صاحبها عند‬
‫وجودها‪ ،‬سيما من لدن متعلمين ملا تحصل لديهم بعد عاطفة الشفقة؛ ف «البد من سالمة‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.50‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪ 98‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫الحواس الخمس عند املعلم‪ ،‬إذ هي أداة يحتاج إليها في كل لحظة‪ .‬على أن النقص الخفيف في بعض‬
‫هذه الحواس قد تغطيه الصفات األخرى البارزة في املعلم‪ ]...[ .‬والصفة الجسمية الضرورية‬
‫التي ال غنى عنها هي اتزان األعصاب‪ ،‬وتحمل التعب‪ .‬ألن عمل املعلم متعب جدا ومرهق»(((‪.‬‬
‫تسعف الحواس املعلم في تدبير جماعة املتعلمين‪ ،‬فيلقي السمع إلجاباتهم ويرصد من كثب‬
‫ُ‬
‫حركاتهم وإشاراتهم‪ ،‬ال لثغة في نطقه وال ُحبسة في لسانه‪ .‬بيد أن التوازن النف�سي وتمالك‬
‫النفس عند الغضب وضبطها أولى الصفات النفسية وأهمها‪.‬‬
‫ومهنة التعليم موطن تعب بدن املعلم؛ فتراه واقفا يشرح الدرس محاورا متعلميه في‬
‫مكتسباتهم‪ ،‬توجيها وتقويما‪ ،‬مخترقا صفوفهم محفزا على االنتباه وبذل الجهد في التعلم‪.‬‬
‫واملعلم الناجح ال يركن إلى كرسيه؛ ألن في جلوسه الدائم على الكر�سي استهانة باملسؤولية‬
‫املوكلة إليه‪ ،‬فيغمط املتعلمين حقوقهم‪.‬‬
‫أما الصفات العقلية فربطها األستاذ رحمه هللا بمدى تمكن املعلم من تخصصه؛ إذ «من‬
‫صفات املعلم العقلية االطالع الواسع الذكي‪ .‬وال نقصد أن يكون املعلم خبيرا بكل �شيء‪ ،‬عاملا ال‬
‫يحد علمه‪ .‬ولكن نريد أن يعرف كل ما يتعلق بمهنته‪ ،‬أن يتقن مادته ويكملها باألفكار الجديدة‪.‬‬
‫[‪ ]...‬والنقص في املادة أو القصور العام غالبا ما يكون سببا للمشاجرات بين املعلم وتالميذه‪.‬‬
‫فالتالميذ يشعرون بقصور املعلم وتذهب من نفوسهم سطوته فيشاغبون طويال وال ينتهون»(((‪.‬‬
‫تخصصه استكماال لبنائه‪ ،‬وتعمقا في قضاياه من‬ ‫ّ‬ ‫حرص املعلم على التكوين املستمر في‬
‫أوجب الواجبات؛ فاملعلم الباحث دائم الحيوية‪ ،‬بعيد عن التكاسل والخمول‪ .‬وإن املتعلمين‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫أشد تعلقا باملعلم الذي يبسط بين أيديهم الفينة بعد الفينة بعض املستجدات العلمية‪،‬‬
‫وإنهم ألشد نفورا من املعلم الخامل املتردد في إجاباته‪ ،‬فقصوره في تخصصه مجلبة للشغب‬
‫والتطاول على شخصه وهيبته‪.‬‬
‫ينضاف إلى هذه الصفات العقلية إشارة األستاذ رحمه هللا إلى فضيلة تمتع املعلم بنفاذ‬
‫البصيرة ودقة الحس؛ فإن ذلك يجعله عارفا بنفسية املتعلمين وانفعاالتهم وسلوكهم‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.52‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪99‬‬ ‫صفات املعلم ورسالته من خالل كتابات عبد السالم ياسين البيداغوجية‬

‫والفوارق الحاصلة بينهم‪ .‬يستقرئ أحوالهم كلها بقصد التوجيه والتقويم والدعم واملعالجة‪،‬‬
‫حتى يضمن سير جماعة املتعلمين في موكب واحد‪ ،‬تكون الفوارق بين أفراده متقاربة ما أمكن‪.‬‬
‫وليس التحلي بهذه الصفات باألمر الهين‪ ،‬كما أنه ال يدخل في دائرة املستحيل؛ فإن التجربة‬
‫والتعلم من أخطاء املمارسة التربوية واملطالعة املستمرة في الكتابات البيداغوجية ودراسة‬
‫علوم التربية واإلفادة من تجارب املعلمين ذوي السابقة‪ ...‬كل ذلك كفيل بأن يمتع املعلم‬
‫بالحس الدقيق‪ ،‬الذي يسعفه في التصرف املقتصد في الجهد والتدبير الحكيم للسلطة‪.‬‬
‫ولهذا يشير األستاذ املربي رحمه هللا إلى أن «املعلم صاحب الحس الدقيق‪ ،‬الذي ينفذ بعقله‬
‫في نفس أطفاله‪ ،‬ذلك املعلم الذي ال يغره أنه يمثل النظام ويمثل السلطة‪ ،‬وال يدفعه العمل‬
‫املرهق إلى التأفف في أية حالة‪ ،‬هذا املعلم هو الذي يقنع تالميذه بأنه أقوى وأنه إنسان واسع‬
‫(((‬
‫القلب‪ ،‬فيعتبرونه في آن واحد‪ ،‬أبا يأوون إلى قوته وعمله‪ ،‬وصديقا يخلصون له املودة»‪.‬‬
‫ً‬
‫كيف يأوي املتعلمون إلى املعلم ويعتبرونه أبا إن لم يكن لهم حضنا ويتخذهم لنفسه‬
‫أطفاال؟ كيف يخلصون له املودة إن كان دائم التأفف من عمله وواقعه‪ ،‬متحجر القلب ال‬
‫ًّ‬
‫يرقب فيهم إال وال ذمة؟ املتعلمون أشد انتباها النفعاالت معلمهم وأحواله جميعها‪ ،‬فخليق به‬
‫أن يولي اهتماما دقيقا بسمته وطباعه‪.‬‬

‫ج‪ .‬سمت املعلم وطباعه‪:‬‬


‫السكينة والوقار وحسن السيرة‬ ‫السمت حسن الهيئة وما يكون عليه اإلنسان من ّ‬
‫والطريقة‪ (((.‬واملعلم أجدر الناس بالسمت الحسن‪ ،‬ملا يمثله من منزلة اعتبارية في املجتمع‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬ينبغي أن «يكون لباسه حسنا ذا شكل معروف‪ ،‬ال يلفت إليه من رثاثة وال من غرابة‪.‬‬
‫فإن لم يفعل املعلم فإن تالميذه يتخذونه أضحوكة ولو خلف ظهره‪ ،‬وهذا ال يساعده في �شيء‬
‫(((‬
‫على عمله»‪.‬‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.59‬‬
‫((( جمال الدين ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬القاهرة‪ :‬دارالحديث‪ ،2003،‬مادة‪ .‬سمت‪.‬‬
‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬مذكرات في التربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪ 100‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫يفصل األستاذ عبد السالم ياسين رحمه هللا في سمت املعلم‪ ،‬فيحثه على العناية بثيابه‬
‫ونظافتها وأن يختار منها ما يناسب مقامه‪ ،‬في غير إسراف وال إقتار أو كثرة لأللوان تجلب‬
‫ُ‬
‫األنظار أو عدم اتساق في لبسها وشذوذ يذهب بالوقار‪.‬‬
‫وإن سوء اهتمام املعلم بسمته ملما ّ‬
‫يشوش على املتعلمين انتباههم‪ ،‬فال أقل من النظر في‬
‫صفحة املرآة قبيل الخروج ملواجهة املتعلمين‪ ،‬يمتشط شعره ويزيل ما علق به من شوائب‪،‬‬
‫ويرتب ملبسه ويقوم هيئته في تفاصيلها املختلفة‪.‬‬
‫كما يخصص األستاذ رحمه هللا فقرات عديدة للحديث عن طبع املعلم‪ ،‬ترغيبا في «أن يكون‬
‫له طبع متين‪ .‬طبع ال يهين كلما اشتد املوقف‪ .‬طبع ال يترك الغضب يستولي على املعلم فيصيح‬
‫أو يلعن‪ ،‬ويحتنق وجهه وتكثر حركاته‪ .‬أو يهدد تهديدا مستمرا‪ .‬ألن املعلم إذا غضب ورأى ذلك‬
‫َ َ‬
‫الحكم العتيد الذي يرجعون إليه في شؤونهم أصبح‬ ‫التالميذ منه هان عليهم أمره‪ ،‬وأيقنوا أن‬
‫(((‬
‫خصما‪ ،‬وأن معلمهم إنما هو إنسان ضعيف ال يصمد للحوادث»‪.‬‬
‫َ‬
‫املعلم من دائرة‬ ‫معتصم كل ذي عقل سوي‪ .‬يخرج الغضب‬ ‫َ‬ ‫والحلم‬
‫الغضب مطية السفاهة ِ‬
‫يحسن باملعلم الصياح عند وقوع املتعلمين في‬‫ومعايبه‪ ،‬ال ُ‬
‫التوازن والهيبة إلى سافلة الغضب َ‬
‫الزلل؛ فيلعن ويحتنق وجهه ويسرف في التهديد والوعيد‪ ،‬وقد تنفلت من فيه كلمة جارحة أو‬
‫وصمة مخلة بالحياء‪ ،‬يظل بعدها من أطفاله في حرج أمدا بعيدا‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬يحث األستاذ عبد السالم ياسين رحمه هللا املعلم على االستمساك بالرزانة وتجنب‬
‫َمنقصة الغضب؛ فالغضب يف�ضي باملعلم إلى نهج مسالك الظلم ومهالكه‪ ،‬ليلجأ إلى العقوبات‬
‫الجسدية أو النفسية‪ ،‬وفي ذلك أثر سلبي بالغ في نفوس املتعلمين وسلوكهم‪ .‬فحقيق باملعلم أن‬
‫يمسك بزمام نفسه عند الحوادث‪ ،‬وتجنب ردود األفعال غير املتزنة‪.‬‬
‫وليلتزم املعلم في عالقته باملتعلمين بفضيلة العدل‪ ،‬مهما تكن التصرفات الصادرة عنهم من‬
‫جهل مبين أو خلق مشين أو صبيانية؛ فإن «من كمال طبع املعلم‪ ،‬بل من أهم صفاته‪ ،‬أن يكون‬
‫عادال ويمكن أن يكون عادال بوسيلة واحدة‪ ،‬هي أن يملك نفسه ملكا تاما‪ .‬أن يملك نفسه عند‬
‫الغضب‪ ،‬ويملكها أن تتحيز لطفل بعينه‪ ]...[ .‬وليس العدل عدال في األعمال الظاهرة كالعقاب‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.55‬‬
‫صفات املعلم ورسالته من خالل كتابات عبد السالم ياسين البيداغوجية ‪101‬‬

‫والثواب فقط‪ ،‬لكن العدل يشمل املساواة حتى في العاطفة الخفية‪ .‬والتالميذ ببصيرتهم‪ ،‬أقدر‬
‫(((‬
‫خلق هللا على معرفة ما يجري في قلب املعلم من محبة أو بغض‪ ،‬من تفاؤل أو يأس»‪.‬‬
‫على أن العدل ال يتصل باملسامحة وجوبا؛ فال يحسبن املعلم أنه يتحبب إلى أطفاله إن‬
‫سامحهم‪ ،‬بل إن التسامح هنا عنوان للطبع الضعيف‪ .‬يبرهن املعلم الناجح على قوة موقفه‬
‫ومضاء عزيمته إذا لم يتردد في قرار اتخذه‪ ،‬أو يتراجع عن عقوبة حذر منها قبال‪ .‬وال ينقص ذلك‬
‫من محبة املتعلمين ملعلمهم؛ ألنهم سيكبرون فيه ثباته على موقفه ووفاءه بوعده‪ ،‬كما يسهم ثباته‬
‫هذا في تكوين صورة إيجابية عن شخصه‪ ،‬يستعين بها في إرساء سلطته بين جماعة املتعلمين‪.‬‬
‫ُويلمع األستاذ املربي رحمه هللا في معرض حديثه عن حيثيات سلطة املعلم إلى أن «محبة‬
‫األطفال للمعلم شرط في احترامهم أوامره‪ ،‬وال يعترض علي بأن املعلم الفظ له سلطة أيضا‪،‬‬
‫إذ ال تعد الطاعة خوفا من العصا طاعة‪ ،‬إنما ينافق التالميذ جالدهم اتقاء شره‪ .‬أما السلطة‬
‫(((‬
‫الحق فهي التي تستمد قوتها من التفوق الخلقي الذي يتجلى به رب السلطة»‪.‬‬
‫السلطة الحق نتيجة القوة األخالقية للمعلم وسمته الحسن‪ ،‬وكل سلطة تعتمد القهر‬
‫الجسدي أو الضغط النف�سي توشك أن تنقض عند أول امتحان‪ .‬يعقد املعلم بينه وبين متعلميه‬
‫ميثاقا ينظم سير الفصل‪ ،‬يحتكمون إليه عند انحراف أحدهم عن السلوك التربوي القويم أو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وحري باملعلم السهر على تطبيق بنود العقد املبرم‪ ،‬في جو‬ ‫ضوابط العملية التعليمية التعلمية‪.‬‬
‫كبده املتعلمين‬ ‫ّ‬
‫من الحزم واملسؤولية واالحترام الدال على قدر املحبة‪ ،‬التي يكنها املعلم ِلفلذة ِ‬
‫واملتعلمون ّ‬
‫ملعلمهم وقدوتهم‪.‬‬

‫‪ .3‬رسالة المعلم‪:‬‬

‫املعلم املربي قطب رحى منظومة التربية والتعليم‪ .‬ونرى أن األمم فطنت منذ العهود الغابرة‬
‫إلى عظم قدر املعلم‪ ،‬واملنزلة االعتبارية العظمى التي يمثلها‪ .‬ويعزو األستاذ رحمه هللا هذه‬
‫املنزلة لكون «مهمة املربي أمانة ثقيلة‪ ،‬إذ بيده يمسك مستقبل األفراد‪ ،‬ومستقبل الجماعات‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬مذكرات في التربية ملدارس املعلمين واملعلمات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.57-56‬‬
‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬كيــف أكتــب إنشــاء بيداغوجيــا‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ :‬دار الثقافــة‪ ،‬الطبعــة األولــى‪،1962 ،‬‬
‫ص ‪.38‬‬
‫‪ 102‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫في آن واحد‪ .‬فإذا كان مخلصا ملجتمعه‪ ،‬ساهم في الصف األول ليدعم مجتمعه ويحافظ عليه‪،‬‬
‫وإال أمكنه أن يبدأ االنحراف من أسفل‪ ،‬ويصنع جيال على شكل فكره هو‪ ،‬وإن لم يكن موافقا‬
‫(((‬
‫للمثال الذي اقترح عليه»‪.‬‬
‫املعول على إخالص املعلم في بناء صرح املجتمع؛ فاملخلص يربي النشء ُيعدهم للمستقبل‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ََ‬
‫يصنع الخلف جيال بعد جيل‪ .‬مستقبل األفراد والجماعة موكول إليه‪ .‬فللمعلم األثر البائن‬
‫في نفوس متعلميه؛ ينجذب األطفال ‪-‬في مرحلة النضج خصوصا‪ -‬إلى معلمتهم أو معلمهم‪،‬‬
‫بحسب حاجياتهم العاطفية والعقلية واملعرفية‪ .‬يأخذون عنهما املعارف والتجارب الحياتية‪،‬‬
‫ويقتدون بهما في الحركات وطريقة الكالم واللباس والتفكير‪ ...‬وما ذلك إال لتعلقهم بالشخص‬
‫وما يتصورونه فيه من كمال‪.‬‬
‫كما أن ملؤسسات التنشئة االجتماعية (األسرة واملدرسة ورفقاء الشارع واإلعالم) آثارا‬
‫ً‬
‫مهمة نسبيا في بناء شخصية املتعلم أو هدمها؛ بحسب املرحلة العمرية يتغير تأثير كل مؤسسة‬
‫على حساب األخرى‪ .‬يحاول املتعلم في كل مرحلة التعرف عن أقرب النماذج البشرية إلى نفسه‪،‬‬
‫بحثا عن مسار يتخذه في صيرورة بناء الذات‪ ،‬وال يكون «النموذج» الذي ينسج بناء شخصيته‬
‫على منواله إال متصال بإحدى مؤسسات التنشئة االجتماعية وتأثيراتها املباشرة أو الضمنية‪.‬‬
‫ويرى األستاذ عبد السالم ياسين رحمه هللا تعالى في هذا املقام أن «العوامل املؤثرة في كل‬
‫من البيئة واملدرسة هم األشخاص الذين يعايشهم الطفل ويحتك بهم فتكون الغلبة إذن ألقوى‬
‫هؤالء الناس شخصية وأقربهم من قبل الطفل‪ .‬وللمعلم مكانة خاصة بين هذه العوامل ال تضاهيه‬
‫(((‬
‫مكانة رفقاء الطفل‪ ،‬وربما ال تضاهيه أيضا حتى مكانة األبوين إذا كان املعلم نموذجا قويا»‪.‬‬
‫هي ذي رسالة املعلم وغايته‪ ،‬أن يصير املعلم نموذجا لالحتذاء‪ .‬تنطبع أخالقه الرفيعة‬
‫وسمته الحسن في شخصية املتعلم وسلوكه‪ ،‬فيتخذه نموذجا يتأ�سى به في حياته‪ .‬ألجل ذلك‪،‬‬
‫يحرص املربي على أن يتمثل فضائل األخالق ومحاسن الخصال‪ ،‬ألن املتعلمين أشد انتباها من‬
‫غيرهم‪ ،‬يحصون على معلمهم دقائق حركاته وسكناته جميعها‪.‬‬

‫((( ((( عبد السالم ياسين‪ ،‬كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬دارالثقافة‪ ،‬الطبعة األولى‪،1962 ،‬‬
‫ص ‪.108-107‬‬
‫ُّ‬
‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬النصــوص التربويــة‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف والترجمــة والنشــروالطباعــة‬
‫والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.55‬‬
‫صفات املعلم ورسالته من خالل كتابات عبد السالم ياسين البيداغوجية ‪103‬‬

‫كل معلم إنسان‪ ،‬والناس معادن‪ .‬وفي املضمار التربوي التعليمي يتفاضل املعلمون في صفاتهم‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الخلقية وينمازون‪ ،‬وأمثل «صفات املربي الخلقية الضمير الحي الشاعر‪ .‬وال يكفي أن يقف‬
‫الوازع الخلقي باملعلم عند القيام بأعماله املحدودة في الصورة املفروضة‪ ،‬بل البد أن يعمل من‬
‫كل قلبه‪ ،‬وبإخالص تام‪ ،‬ال يقنع ببذل بعض الجهد‪ ،‬بل بالجهد كله‪ ]...[ .‬وأيا ما كان أجر املعلم‬
‫املادي؛ وأيا ما كان االعتبار االجتماعي الذي يناله‪ ،‬فينبغي أن يهب نفسه لعمله‪ ،‬وين�سى كل ما‬
‫(((‬
‫من شأنه أن يحيد به عن التفكير املستمر والسعي املتواصل من أجل أداء األمانة»‪.‬‬
‫تقت�ضي رسالة املعلم إخالص الجهد وبذله‪ ،‬ال يلهيه عن ذلك شاغل مما يشغل الناس وال‬
‫يثبطه عن أداء األمانة امللقاة على عاتقه مثبط‪ .‬تراه َ‬
‫دائم السعي في تجويد أدائه املنهي؛ تثبيتا‬
‫ملعارفه وتجديدا لها وتواصال مع زمالئه‪ ،‬وحفزا ملتعلميه على االستزادة من التربية والعلم‪.‬‬
‫مجتهدا في مواجهة األخالق السائبة‪ ،‬دائب البحث عن حلول لتعثرات متعلميه‪ ،‬مسهما في بناء‬
‫املنظومة التربوية التعليمية التي ينتمي إليها‪.‬‬

‫‪ .4‬واتسع األفق‪..‬‬
‫نقف مع األستاذ املربي عبد السالم ياسين رحمه هللا بعد حين من الدهر‪ ،‬بعد أن خاض‬
‫تجربة شخصية فريدة انقلبت به من ضيق العالم املادي إلى سعة اإلحسان‪ .‬على أننا «ال‬
‫نستطيع أن نفهم أو ندرك قوة هذا االنقالب في حياة أستاذنا إال إذا استحضرنا في مشهد‬
‫واحد الصورتين معا‪ :‬صورة رجل التعليم املشهود له بالكفاءة‪ ،‬والخبير البيداغوجي الكبير‪،‬‬
‫واملثقف املتنور الواسع االطالع‪ ،‬واملوسيقار املتذوق املغرم بسنفونيات موزار وبيتهوفن‪،‬‬
‫والجنتلمان الذي يأكل بالشوكة والسكين‪ ،‬والذي اشتهر بأناقته الصارخة‪ ،‬ويقتدي به الشباب‬
‫واملتعلمون‪ ،‬وتحرص على مجالسته صفوة النخبة املثقفة‪ ،‬ويحسب زمالؤه وتالمذته بل حتى‬
‫رؤساؤه في العمل ألف حساب لصرامته‪ ...‬وصورة الرجل الصوفي‪ ،‬الزاهد العابد الذي أسهر‬
‫ليله وأظمأ نهاره‪ ،‬وأفرغ قلبه مما كانه‪ ،‬وكان مستعدا لجوب الدنيا بحثا عمن يأخذ بيده إلى‬
‫الغاية السامقة البعيدة التي وجدها على حصير التلمذة»‪ (((،‬بين يدي عارف باهلل رباني‪ ،‬صحبه‬
‫أعواما في زاويته ّ‬
‫تشوفا للمعرفة الكاملة‪.‬‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬دارالثقافة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1962 ،‬ص ‪.161‬‬
‫((( محمد العربي أبو حزم‪ ،‬عبد السالم ياسين اإلمام املجدد‪ ،‬ص ‪.219‬‬
‫‪ 104‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫العمري الجميل‪ ،-‬لم ت ُت ْق إلى منزلة فنالتها‬
‫نفسا ّتواقة ‪-‬بالتعبير ُ‬ ‫غير أن لإلمام رحمه هللا‬
‫إال تاقت إلى ما هو أرفع منها‪ ،‬وقد تاقت همة الرجل رحمه هللا إلى املنزلة العظمى‪ ،‬مزايلة‬
‫إلسالم الزهادة والقعود‪ ،‬وانكبابا ‪-‬رفقة نخبة من الرجال‪ -‬على بناء دولة القرآن على ميزان‬
‫العدل ‪ ‬واإلحسان‪.‬‬
‫ستتغير تبعا لهذه التحوالت الكبرى في شخصية األستاذ رحمه هللا نظرته إلى مجموعة من‬
‫املفاهيم والقضايا‪ ،‬ليشمل معنى املعلم دالالت جديدة‪ ،‬تنصرف به إلى تحمل بواعث التربية في‬
‫معناها املنهاجي‪ .‬فقد صار املعلم صنو العالم؛ بما يحمالنه من رسالة عظيمة في بناء األمة‪ ،‬وبما‬
‫يحرثانه في نفوس النشء جيال بعد جيل من بذور يزرعها هللا وينبتها النبات الحسن‪.‬‬
‫أقرها عبد السالم ياسين رحمه هللا للمعلم أن عليه مدار منظومة‬ ‫ومن الدالالت التي ّ‬
‫التربية والتعليم؛ فـ «املعلم املربي القدوة هو الواسطة الحية في عملية التربية والتعليم‪ .‬إن لم‬
‫تكن هذه الواسطة على القدر الكبير من الكفاءة وعلو الباعث والكرامة والرخاء في املجتمع‪،‬‬
‫(((‬
‫فالعملية كلها تنفسخ»‪.‬‬
‫تنفسخ عملية التربية والتعليم إن غابت مقومات الكفاءة والكرامة والرخاء عن املعلم‪،‬‬
‫ُ‬
‫ألنه روحها وواسطة عقدها‪ .‬فإن أحسن تدبير عالقة الدولة وإدارتها مع املعلم زاد إنتاجه‬
‫وارتفعت همته للبذل‪ ،‬وصرف مجهوده كله في إعداد املتعلمين ورعايتهم وتنشيط مهاراتهم‬
‫ّ‬
‫وحفزهم على تجويد تعلماتهم‪ ،‬عوض هدر طاقة املربي في االحتجاج طويال‪ ،‬لنيل مطالب‬
‫الترقية اإلدارية أو الرغبة في متابعة التكوين العلمي أو استجداء حقوقه املعاشية املشروعة‪.‬‬
‫فإذا تقرر لدينا أن جوهر التربية عليه مدار أمر مدرستنا ومستقبلها‪ ،‬علمنا أن املعلم هو‬
‫َ‬
‫الخيط الناظم ِلقيمها وقطب رحاها الذي ال َمدار لها وال قرار بدونه‪ .‬ولئن كنا مهدنا لهذا املقال‬
‫بتعريف للتربية في معناها التعليمي‪ ،‬فإننا نأتي في الختام وقد قرأنا ما كتبه األستاذ املربي عبد‬
‫َ‬
‫أجمل‬ ‫السالم ياسين رحمه هللا في التربية‪ ،‬لنجلس مجلس املتعلمين ولنسمع كالم الخبير‪ ،‬الذي‬
‫كلمة وهي‪ :‬إيقاظ قلب اإلنسان وعقله بالعلم واإليمان‬ ‫«الغاية من التربية في دولة القرآن في ٍ‬
‫(((‬
‫ليكون عبدا هلل»‪.‬‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬حــوار مــع الفضــاء الديموقراطييــن‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ :‬مطبوعــات األفــق‪ ،‬ط‪،1994 ،1‬‬
‫ص‪.169‬‬
‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬إمامة األمة‪ ،‬بيروت‪ :‬دارلبنان‪ ،‬الطبعة ‪ ،2009 ،1‬ص ‪.151‬‬
‫صفات املعلم ورسالته من خالل كتابات عبد السالم ياسين البيداغوجية ‪105‬‬

‫بيبليوغرافيا الدراسة‪:‬‬

‫ •أبو حزم‪ ،‬محمد العربي (‪ )2017‬عبد السالم ياسين اإلمام املجدد‪ ،‬الجزء األول (ط‪.)2 .‬‬
‫الدار البيضاء‪ :‬أفريقيا الشرق‪.‬‬
‫ •ابن منظور‪ ،‬جمال الدين (‪ )2003‬لسان العرب‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الحديث‪.‬‬
‫ •ياسين‪ ،‬عبد السالم (‪ )2009‬إمامة األمة‪( ،‬ط‪ .)1 .‬بيروت‪ :‬دار لبنان للطباعة والنشر‪.‬‬
‫ •ياسين‪ ،‬عبد السالم (‪ )1994‬حوار مع الفضالء الديموقراطيين‪( ،‬ط‪ .)1 .‬الدار البيضاء‪:‬‬
‫مطبوعات األفق‪.‬‬
‫ •ياسين‪ ،‬عبد السالم (‪ )1963‬كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬دار الثقافة‪.‬‬
‫ •ياسين‪ ،‬عبد السالم (‪ )1963‬مذكرات في التربية‪( ،‬ط‪ .)1 .‬الدار البيضاء‪ :‬دار السلمي‪.‬‬
‫ •ياسين‪ ،‬عبد السالم (‪ )1963‬النصوص التربوية‪( ،‬ط‪ .)1 .‬الدار البيضاء‪ :‬دار السلمي‪.‬‬
‫‪107‬‬

‫األستاذ عبد السالم ياسين‬


‫رجل التربية والبيداغوجيا‬
‫(((‬
‫د‪ .‬مصطفى شـﯖري‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫نظرتان عامتان غالبتان في مقاربة شخصية األستاذ عبد السالم ياسين‪ ،‬نظرة تراه‬
‫املتصوف خريج الزاوية الغارق في روحانيات األوراد واألحوال حد الخرافة‪ ،‬ونظرة تراه‬
‫السيا�سي املناضل القائم ضد الظلم والقهر حد التهور‪ .‬وكال النظرتين ال تنصفان الرجل ملا‬
‫غيبتا النظرة إليه من زاوية ما هو عليه حقا بعيدا عن «الكليشيهات» املنمطة التي ال تستطيع‬
‫قراءة التجديد الذي جاء به إال من خرم إبرة زوايا الفقه املنحبس أو ثنايا البحث املعمل ألدوات‬
‫التحليل النضالي املفكك للظاهرة الطافية على السطح‪« ،‬ظاهرة اإلسالمولوجيا» عندهم‪.‬‬
‫هناك مساحات شاسعة يشغلها فكر األستاذ عبد السالم ياسين تجعله يستع�صي على‬
‫مقاييس مقاربة النظرتين اآلنفين‪ ،‬بيد أن الذي يهمنا هنا أن نقف عند الجانب البيداغوجي‬
‫في شخصية الرجل عبر تحديد معنى التربية عنده وعالقتها بالتعليم‪ ،‬ومن خالل الوقوف عند‬
‫مؤلفاته التربوية في املجال لعلنا نفتح نوافذ موصدة تسهم في إنصاف الرجل وفهم الرجل فيما‬
‫يقترحه من تصورات تربوية يسمها بالبيداغوجيا اإليمانية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬في معنى التربية عند األستاذ عبد السالم ياسين‬

‫يرجع اللغويون بكلمة التربية في األعم األغلب إلى معاني النمو والتنمية والتقويم‬
‫والتثقيف والتهذيب‪ .‬وبعودتنا إلى بعض معاجم اللغة العربية سنجد أن لكلمة التربية دالالت‬
‫لغوية متعددة دائرة مدار اإلصالح والتغيير إلى األفضل‪ ،‬والتنشئة وإنماء اإلنسان ورعايته‬

‫((( مفتــش تربــوي للتعليــم الثانــوي التأهيلــي‪ ،‬باحــث فــي قضايــا التربيــة والتعليــم باملركــزاملغربــي لألبحــاث وتحليــل‬
‫السياســات‪.‬‬
‫‪ 108‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫منذ الصغر‪ ،‬والتغيرات التي تقع على اإلنسان خالل مراحل نموه‪ ،‬والتولية والقيام على‬
‫أمر ‪ ‬اإلنسان(((‪.‬‬
‫وكيف ما كان األمر‪ ،‬فإن التربية في االصطالح عملية سيرورة متتالية ومتصلة تستهدف‬
‫الفرد منذ طفولته في مختلف جوانب شخصيته العاطفية والعقلية والجسدية والسلوكية من‬
‫أجل بناء شخصيته الذاتية و الفردية وإدماجه في نسق املجتمع الذي يحياه بحضارته وأخالقه‬
‫وثقافته وقيمه‪ ،‬وذلك عبر «تنمية الوظائف الجسمية والعقلية والخلقية كي تبلغ كمالها»‪،‬‬
‫وهو معنى يبرز اشتغال التربية على األبعاد األساسية املكونة للشخصية اإلنسانية‪ ،‬واملتجلية‬
‫في املناحي العقلية والوجدانية والحركية السلوكية‪ ،‬بهدف بناء شخصية سوية قادرة على‬
‫االندماج في محيطها املعي�شي‪ ،‬فاعلة منتجة‪ ،‬مبدعة للمواقف الخالقة (((‪.‬‬
‫يستند األستاذ عبد السالم ياسين في فهم التربية إلى املعنى اللغوي القائم على التنمية‬
‫والتقويم ليربطها باملعنى القرآني والنبوي بما هي في نظره «تغيير باطني لنفس اإلنسان»(((‪،‬‬
‫و«معالجة ملادة إنسانية وشخصية لها ماض وبيئة اجتماعية واستعدادات»‪ ،‬وهو ما يقت�ضي‬
‫عنده حلما وصبرا ومداراة(((‪.‬‬
‫إن املعنى العام للتربية عند األستاذ ينبني على مجموع العمليات القلبية التي تحدث في ذات‬
‫اإلنسان بفعل املربي فتغير نظرته إلى ذاته ونظرته إلى العاملين‪ ،‬فتحدث تلكم النقلة تغييرا‬
‫في الواقع يتغير به وجه العالم من حوله‪ ،‬وذلك من خالل االشتغال على القلب إيمانا‪ ،‬وعلى‬
‫العقل حكمة‪ ،‬وعلى الجسد حركة إيجابية‪ ،‬وعليه تكون التربية عنده عملية تغييرية لإلنسان‬
‫قلبا وعقال وإرادة من خالل تجديد اإليمان في القلوب عبر التميز بخصائص أساسية‪ ،‬فهي‬
‫تربية نبوية أصيلة‪ ،‬شاملة متكاملة‪ ،‬جهادية متدرجة‪ ،‬متوازنة ووسطية‪ ،‬مستقبلية‪ ،‬علمية‬
‫وعملية‪ ،‬تغييرية وجمالية(((‪.‬‬

‫((( ابــن منظــور‪ ،‬محمــد بــن مكــرم‪ ،‬لســان العــرب‪ ،‬تصحيــح أميــن محمــد عبــد الوهــاب ومحمــد الصــادق العبيــدي‪،‬‬
‫لبنان‪ :‬دارإحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي‪ ،‬ج ‪ ،15‬الطبعة ‪ ،1999 ،3‬ص ‪ .126 ،124 ،93‬والراغب‬
‫األصفهاني‪ ،‬املفردات في غريب القرآن‪ ،‬مكتبة مصطفى الباز‪.245/1 ،‬‬
‫((( «املعجم العربي األسا�سي»‪ ،‬املنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‪ .‬مطابع امبريمتولبنان‪ ،1991 ،‬ص ‪.502‬‬
‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬اإلسالم غدا‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬مطبعة النجاح‪ ،‬الطبعة ‪ ،1973 ،1‬ص ‪.599‬‬
‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬املنهاج النبوي‪ ،‬الشركة العربية‪ ،‬الطبعة ‪ ،1994 ،3‬ص‪.293‬‬
‫((( محمد الزاوي‪ ،‬األساس التربوي عند جماعة العدل واإلحسان أصول وقواعد‪ ،‬مطبعة دعاية‪ ،‬ط‪.2013 ،1‬‬
‫األستاذ عبد السالم ياسين رجل التربية والبيداغوجيا ‪109‬‬

‫إن إعادة بناء اإلنسان وتشكيله في ذاته وشخصيته وحركته عقال وقلبا وإرادة‪ ،‬وهي من‬
‫مهام املدرسة والتعليم الرئيسية‪ ،‬عمليات بنائية تقت�ضي أن تسلك التربية باملعنى القرآني‬
‫في مختلف أجهزة ومؤسسات املنظومة التربوية التعليمية بدءا من األسرة إلى املدرسة إلى‬
‫املسجد إلى الجامعة واملعهد‪ ،‬و نقل هذا املعنى إلى الفضاء املدر�سي العام يربطه األستاذ بجملة‬
‫عوامل على رأسها فاعلية األم في األسرة‪ ،‬ومنها الفعالية التأثيرية للمدرس اليقظ قلبا املتحرر‬
‫عقال‪ ،‬و منها أيضا فاعلية املسجد‪ ،‬و كذا تجاوز التسيب إلى االنضباط‪ ،‬هذا إلى جانب ربط‬
‫التعلم والعلم باملعنى القرآني املحرر لإلنسان‪.‬‬
‫ُ‬
‫يقول األستاذ عبد السالم ياسين ملخصا هذا املعنى‪« :‬التربية أم ومدرسة ومسجد‪ .‬والتربية‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫فضاء منضبط‪ .‬والتربية تعلم وعلم‪ .‬والتربية مؤ ِث ٌر استيقظ قلبه‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫متسيب إلى‬ ‫خروج من َح ِّي ٍز‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫بسربال الشريعة‪ ،‬في ك َنف الشريعة‪.‬‬ ‫وتحرر عقله‪ .‬التربية دخول في حيطة التكليف‪ ،‬وتس ْرب ٌل ِ‬
‫ّ‬
‫باملؤثر على طريق االستقامة‪ ،‬على الطريق‪ ،‬ال في نهاية الطريق بوجه من الوجوه‪ ،‬الطريق‬ ‫وإذا ِ‬
‫ٌ‬
‫صاعدة‪ ،‬شاقة‪ ،‬كلها عقبات إلى املوت‪ .‬اإلنسان في كبد ما دام في هذه الدنيا»(((‪ .‬وهذا نص‬
‫يكشف لنا عن معنى جليل يستقيه األستاذ عبد السالم ياسين من داللة التربية بمعناها الروحي‬
‫القائم على العالقات القلبية بين املربى واملربي‪ ،‬أي بين املصحوب والصاحب بما يشع من قلب‬
‫املصحوب املعلم الدليل من نورانية اإليمان‪ ،‬وحكمة العقل‪ ،‬ومثال القدوة من معان يكون لها‬
‫أثرها البالغ في التلميذ املربى الصاحب محبة وتوجيها وتعليما ونصحا‪ .‬ولعل هذا املعنى الجليل‬
‫يتضح إن وقفنا عند تناول داللة التعليم في عالقته بالتربية وهو مضمون الفقرة التالية عن‬
‫معنى التعليم عند األستاذ عبد السالم ياسين‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التربية والتعليم عند األستاذ عبد السالم ياسين‪ :‬أية عالقة؟‬

‫لعل الرجوع إلى فصل مهم من كتاب مهم يبرز لنا جوهر هذه العالقة عنده‪ .‬الفصل هو‬
‫فصل التربية والتعليم‪ ،‬والكتاب هو كتاب إمامة األمة(((‪ .‬يتبين من خالل قراءة عنوان الفصل‬
‫الجمع بين مفهومي التربية والتعليم‪ ،‬فال تربية بدون تعليم وال تعليم بدون تربية‪ ،‬وأن األولوية‬
‫للتربية بما هي تغيير ملا بالنفس ثم للتعليم بما هو معارف وخبرات وتقنيات‪.‬‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬حواراملا�ضي واملستقبل‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬مطبوعات األفق‪ ،‬ط‪ ،1997 ،1‬ص ‪.88‬‬
‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬إمامة األمة‪ ،‬بيروت‪ :‬دارلبنان‪ ،‬الطبعة ‪.2009 ،1‬‬
‫‪ 110‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫من هنا نجد أن األستاذ في تناوله ملعنى التربية في املجال التعليمي املدر�سي وفي سنوات جد‬
‫متقدمة من عمله املنهي والتدري�سي والتنظيري يقدم نظرات ثاقبة ناقدة ملعنى التربية كما‬
‫هي مقدمة في التعاريف املدرسية‪ .‬وهكذا نجده في كتابه «مذكرات في التربية»((( ينتقد بداية‬
‫التعاريف التي تقدم عادة للتربية إما من خالل املقاربة اللغوية أو املقاربة العامة‪ ،‬أو بتناول‬
‫تعريفها من خالل مقارنتها بالتعليم والخلط بينها وبين التأديب على السلوك االجتماعي والتعليم‪.‬‬
‫ينظر األستاذ عبد السالم ياسين إلى التربية أيضا باعتبارها أمرا متطورا بحسب حاجات‬
‫الجماعة‪ ،‬من هنا قام بتتبع تاريخي الختالف غايات التربية بين النظم البدائية ونظم الحضارات‬
‫اإلنسانية األولى منذ املصريين في املعابد ثم الصينيين ثم اليونان فاإلسالم فالعصور الوسطى‬
‫في أوروبا ثم بعد النهضة األوروبية وفي العصور الحديثة وبحسب املذاهب التربوية‪ .‬لذا نراه‬
‫يعرض آلراء وغايات التربية عند مجموعة من املفكرين من أمثال (أفالطون‪ ،‬إراسم‪ ،‬لوثر‪،‬‬
‫مونتني‪ ،‬كومنيوس‪ ،‬لوك‪ ،‬روسو‪ ،‬بستالوزي‪ ،‬هربرت‪ ،‬فروبل‪ ،‬سبنسر‪ ،‬وليم جيمس‪،‬‬
‫مونتسوري‪ ،‬ديوي‪ ،‬كرشنشتاينز‪ ،‬دكرولي) و كذا ألنواع مختلفة من التربية‪.‬‬
‫يعترف األستاذ عبد السالم ياسين بصعوبة تعريف التربية تعريفا كامال‪ ،‬ويرى أن تحديد‬
‫املوضوع التربية «ليس تعريفا للتربية نفسها»‪ .‬مبينا أن أقرب فهم شامل للتربية هو ما قدمه‬
‫سبنسر بتقسيمه التربية إلى تربية عملية وخلقية وجسمية مركزا في تدقيقه ملعنى التربية على‬
‫معنى الشمولية وعلى معنى الدقة‪ .‬لينطلق من أن التربية هي نتيجة كل التأثيرات التي توجه حياة‬
‫اإلنسان على أن نفهم التأثيرات فهما شموليا للجسم والعقل والخلق‪ ،‬وفهما مدققا بإدخال‬
‫معنى «كل التأثيرات» وليس بعضها‪ ،‬مع االحتراز من حصر التربية في عمل البيت واملدرسة‪،‬‬
‫ومع االحتراز أيضا من عنصر القصدية‪ ،‬إذ التربية عنده «عملنا في الطفل باألسباب التي‬
‫نقصدها إليها‪ ،‬والتربية عملنا في الطفل من حيث ال نقصد»‪ ،‬وكذا االحتراز من دعوى التجارب‬
‫العملية التي ال يمكن اإلقرار بنجاحها على املتعلم‪ .‬فيكون جامع فهمه للتربية التأكيد على كونه‬
‫«أثر املربي في الطفل من حيث يقصد املربي إلى التأثير فيه‪ ،‬والتربية هي األثر اآلخر الذي ال‬
‫يقصد إليه املربي أيضا»(((‪ .‬وهذا يؤكد ما أسلفنا إليه من أثر املربي في املربى واملصحوب في‬
‫الصاحب واملعلم في التلميذ‪.‬‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ :‬دار الســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪.1963 ،‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.13 - 9‬‬
‫األستاذ عبد السالم ياسين رجل التربية والبيداغوجيا ‪111‬‬

‫هذا االرتباط القوي بين فعل التربية وفعل التعليم باعتبارهما أثرا ملؤثر في شخصية‬
‫املتعلم التلميذ نجد له صداه أيضا في كتابه «اإلسالم غدا»‪ .‬إذ خصص الفصل السابع (للتعليم‬
‫والتعلم) متحدثا فيه عن التربية باعتبارها فاعلية مقصودة واضحة التأثير بالنظر إلى بروز‬
‫النموذج املاثل القائم القدوة‪ .‬إنها «فعل فاعل بسلطان نموذجيته وسلطان بالغته وصولة‬
‫دعوته»‪ ،‬وهو هنا ال يفصل التربية باعتبارها هذه الفاعلية املؤثرة عن الفاعل لها فيقول‪ :‬إن‬
‫«التربية ال تنفك عن املربي بل هي إشعاع منه يتشرب املتعرضون له طواعية أو رغما»‪ ،‬كما‬
‫يتحدث عنها باعتبارها آلية مؤثرة لها وقعها و« وكلما تحرك متحرك أو سكن ساكن وقع علينا‬
‫فعل التربية»(((‪.‬‬
‫هذا التداخل والترابط بين فعل التربية والتعليم بمعناهما السلوكي عند أهل هللا كما‬
‫جرت به العادة عند من عرفوا باملتصوفين هو متقارب إن نقلناه عند أهل التربية والتعليم‬
‫بمعناهما املدر�سي في داللتهما على إعادة بناء شخصية املتعلم عبر تلقيه للمادة املعرفية بين‬
‫يدي املعلم ‪ ‬واملربي‪.‬‬
‫هنا يكون التعليم أداة أساسية من أدوات التربية وبناء الشخصية‪ ،‬ولعل الفصل بينهما على‬
‫مستوى املمارسة الواقعية هو سبب ما تحياه أجيال مختلفة من املتعلمين منقطعين عن معاني‬
‫القيم اإليجابية واألخالق خاصة وقد تحولت مؤسساتنا التعليمية إلى فضاءات فاقدة للقيم‬
‫ملا غدت مدارسنا «منتجة للخوف والنعدام األمان‪ ،‬ومرتعا للعديد من املصائب األخالقية‬
‫والظواهر اإلجرامية» و«مشتال إلنتاج مختلف الظواهر املشينة من عنف بمختلف مظاهره‬
‫اللفظية والجسدية‪ ،‬وتخريب للممتلكات وغش وتحرش جن�سي»(((‪.‬‬
‫إننا نستخلص من عرضنا ملفهومي التربية والتعليم كما تصورهما األستاذ عبد السالم‬
‫ياسين أن بناء منظومة تعليمية قوية أمر مرهون بقرن التعليم بالتربية‪ ،‬واملعرفة باألخالق‪،‬‬
‫واملضامين واملحتويات بالقيم واملثل‪ .‬إال نفعل ذلك نحصل على أشباح ملئت أشياء ال روح فيها‬
‫وال معنى لها‪ .‬إال نفعل ذلك نعيد إخراج أجيال منفصلة عن قيمها‪ ،‬منبثة عن هويتها‪ ،‬منقطعة‬
‫عن فطرتها‪.‬‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬اإلسالم غدا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.687‬‬


‫((( ينظــر البــاب الرابــع الخــاص بمجــال التعليــم والثقافــة مــن كتــاب املغــرب فــي ســنة ‪ ،2012‬ص‪ 300‬واملجــال‬
‫نفســه‪ ،‬ص ‪ ،249‬مــن كتــاب املغــرب فــي ســنة ‪ ،2013‬مــن إصــدار املركــز املغربــي لألبحــاث وتحليــل السياســات‪.‬‬
‫‪ 112‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫ثالثا‪ :‬التأليف التربوي والكتابة من أجل المدرسة‬

‫إلى جانب الخبرة العملية اإلدارية التدبيرية التخطيطية في ميدان التربية والتعليم اكتسب‬
‫األستاذ عبد السالم ياسين خبرة باملادة التربوية البيداغوجية ممارسة وتأليفا في مختلف مواد‬
‫البرامج التعليمية على ما سنراه في الفقرات املوالية‪.‬‬

‫في مجال التأليف املرتبط باملجال التعليمي أسهم األستاذ في بناء املناهج التربوية املغربية‪،‬‬
‫وفي الكتابة من أجل املدرسة من حيث املضمون العام‪ ،‬يبرز ذلك في مؤلفاته البيداغوجية‬
‫العديدة التي يمكن توزيعها إلى‪:‬‬

‫ •ما كتبه من مقررات دراسية غطت جوانب املطالعة والقراءة بتلكم النصوص الجميلة‬
‫املنتقاة في مؤلفات شملت مجموعة من الكتب املدرسية كاملطالعة الجديدة للمدارس‬
‫الثانوية الجزء‪ 3‬للسنة الثالثة ثانوي‪ ،‬وكالحساب الجديد وهو كتاب في الرياضيات‬
‫الجزء‪ 4‬ويخص القسم الثاني وذلك سنة ‪.1966‬‬

‫ •اإلبداعات األدبية التي أودعها القصص املدرسية باالشتراك مع آخرين وذلك في‬
‫الستينيات من قبيل (مؤتمر الوحوش ) و( الهراوة السحرية) و (الفالح الساحر)؛‬

‫ •ما كتبه في املجال البيداغوجي والتأطيري والتوجيهي على النحو الذي نجده في املؤلفات‬
‫التالية‪« :‬كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا (‪ ،)1962‬ومذكرات في التربية (‪،)1963‬‬
‫والنصوص التربوية (‪.)1963‬‬

‫وقد تميزت هذه املؤلفات جميعها بمعطياتها العلمية العميقة‪ ،‬وبلغتها الرصينة‪ ،‬وأسلوبها‬
‫السهل املمتنع‪ .‬يمكن أن نعرض لنظرة عامة ملخصة لكتابين لهما شأن وطيد في تقديم تصور‬
‫واف للمسار العلمي التربوي لإلمام خاصة في مجالي الكتابة التربوية وهندسة التكوين املرتبط‬
‫بمراكز تخريج األطر التربوية‪.‬‬
‫األستاذ عبد السالم ياسين رجل التربية والبيداغوجيا ‪113‬‬

‫(((‬
‫الكتاب األول‪ :‬النصوص التربوية‬
‫هذا كتاب يضم نصوصا تربوية قيمة قال عن صاحبها الناشر أحمد السلمي «إنه من أولئك‬
‫األساتذة القليلين الذي قضوا زهرة شبابهم في الدراسات واألبحاث وباألخص الدراسات‬
‫التربوية والنفسية»(((‪.‬‬
‫ينقسم الكتاب إلى ثالثة فصول كبرى‪ ،‬قدم لها الكاتب بباب يعرض نصوصا تربوية مختلفة‬
‫تعالج معنى التربية ومفهومها في مدارس تربوية مختلفة‪ ،‬وعند أقوام مختلفين‪ ،‬وفي ثقافات‬
‫إنسانية متعددة‪ .‬كما تقدم النصوص تعريفات للتربية في مجال علم النفس وعلم االجتماع‬
‫وللنمو السيكولوجي عند الطفل‪ ،‬وتنقد النصوص بعض تعريفات التربية‪ ،‬وتعرض قضايا‬
‫تربوية في تعليم الطفل كالتدرج واالطالع واالهتمام والكالم والتفكير ومسؤولية املعلم‪.‬‬
‫في الفصل األول من الكتاب نصوص تقدم معطيات معرفية وتطبيقية عن التربية العقلية‬
‫من خالل حكماء تربويين مختلفين مع معالجة مفاهيم املالحظة واإلدراك والتدرج والقدرات‬
‫العقلية والجهد عند املتعلم‪.‬‬
‫أما الفصل املوالي من الكتاب فيتطرق للتربية الخلقية من خالل نصوص تعالج التربية‬
‫والثقة وقضية العقاب والطابع الفطري للمعطيات والتربية العاطفية‪ .‬ويعرض الفصل‬
‫الثالث واألخير للتربية الجسمية وللوظائف التربوية للعب وللعقاب البدني ولفضائل التربية‬
‫للنشاط الحر‪.‬‬
‫والظاهر في هذا املؤلف أن الكاتب قد عالج وبنفس علمي استقصائي موجز قضايا تربوية‬
‫كان لها منذ زمن بعيد أهميتها القصوى وما زالت لها راهنيتها اآلن؛ منها ما يرتبط بإشكاالت‬
‫مفهوم التربية وتعدد املدارس التربوية‪ ،‬ومنها ما يتعلق بمعاني التربية ما بين علم النفس وعلم‬
‫االجتماع‪ ،‬والعالقات الجدلية بين الكالم والتفكير عند الطفل‪ ،‬وعرض كذلك لقضايا النمو‬
‫عند الطفل عقليا وسيكولوجيا‪ ،‬ولقضايا العالقات التربوية بين املدرس واملتعلم‪ ،‬وملفاهيم‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬النصــوص التربويــة‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دار ُّ‬


‫الســلمي للتأليــف والترجمــة والنشــروالطباعــة‬
‫والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪.1963 ،‬‬
‫((( من مقدمة الناشربتاريخ ‪.1963/3/12‬‬
‫‪ 114‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫املجتمع املدر�سي وآثار الحافزية والدافعية للتعلم عند الطفل‪ .‬ناهيك عن قضايا مستويات‬
‫التربية وتكاملها عند املتعلم عقال وجسما وخلقا‪.‬‬
‫على املستوى املنهجي يمكن أن نسجل أن اختيار النصوص املدروسة يعتمد خطوات‬
‫منهجية تتجلى في‪:‬‬
‫‪1 .1‬اختيار النص وتوثيقه من مصدره؛‬
‫‪2 .2‬التعريف بصاحب النص وبآرائه التربوية؛‬
‫‪3 .3‬تسجيل مالحظات قيمة حول مضمون النص‪ ،‬وأفكاره األساسية وموقعها ضمن‬
‫النسق الفلسفي التربوي للكاتب مقارنا بينها وبين أفكار نظرائه في هذا الصدد؛‬
‫‪4 .4‬تقديم تمرين يدعو فيها املعلم للمناقشة وإبداء الرأي مع التعليل‪.‬‬
‫لقد عمل األستاذ عبد السالم ياسين على التقديم لكتابه هذا بمقدمة منهجية مهمة جدا في‬
‫فهم تصوراته التربوية في مجال تكوين املعلمين وتدريبهم ملهامهم‪ .‬تبرز لنا هذه املقدمة وبوسعنا‬
‫أن نفهم منها على نحو جلي‪:‬‬
‫‪1 .1‬أهمية النصوص التربوية في املنهاج الدرا�سي ملدارس املعلمين‪ ،‬ووعي الكاتب املتقدم‬
‫بأهمية تدريس الظواهر التربوية من خالل النصوص‪ .‬إن اختيار النصوص يعبر عن‬
‫تقليد أدبي وفني قديم ووفاء لتقاليد إبداعية تشمل ما يعرف باملختارات‪ .‬واختيار هذه‬
‫النصوص‪ ،‬وإن تم التصريح أن غاياتها تروم تيسير العملية التأطيرية على املعلم‪ ،‬فإن‬
‫اعتمادها ومنهجية اختيارها وطرائق مقاربتها تكشف عن وعي عميق لإلشكاالت العامة‬
‫واملنهاجية التي تطرحها هندسة التكوين في جانبها املرتبط باختيار املضامين واملناهج؛‬
‫‪2 .2‬الخلفية املوجهة للنصوص املختارة التي تعكس إلى جانب البعد التربوي اإلجرائي‬
‫املتمرس بآراء الفالسفة استحضار البعد التاريخي لتطور مفاهيم التربية عبر التاريخ‪،‬‬
‫واستحضار البعد االجتماعي الفلسفي املرجعي املؤطر للنظريات التربوية‪ ،‬وكذا ‪-‬وهذا‬
‫هو األهم‪ -‬استحضار البعد التطبيقي التجريبي العلمي لتطبيق وتنزيل تلكم النظريات‬
‫التربوية في سياقات غير سياقاتها؛‬
‫األستاذ عبد السالم ياسين رجل التربية والبيداغوجيا ‪115‬‬

‫‪3 .3‬على املستوى املنهجي يصرح األستاذ باختياره املنهجي الذي يعتمد اختيار النص املعبر‬
‫عن املذهب التربوي لصاحبه‪ ،‬ثم التعريف املوجز باملؤلف‪ ،‬فتسجيل مالحظات حول‬
‫النص مع التركيز على معيارين في املقارنة التحليلية‪ :‬معيار التطبيق العملي للمذهب‬
‫التربوي‪ ،‬ومعيار الربط السياقي للفكر التربوي بالحركة التربوية العامة السائدة وقت‬
‫كتابه النص؛‬
‫‪4 .4‬على املستوى التدري�سي التأطيري وباستهداف الغايات املرجوة من تدريسه النصوص‬
‫التربوية‪ ،‬يركز األستاذ عبد السالم ياسين على أهمية بناء الوعي النقدي لدى الطلبة‬
‫املعلمين في مستويات متدرجة تشمل القراءة الجيدة للنصوص‪ ،‬و اإلعداد القبلي للمتن‬
‫املدروس‪ ،‬والنفاد إلى عمق املعاني في النص‪ ،‬و القدرة على معالجة القضايا التربوية‪ ،‬و‬
‫التمرس بالكتابة التربوية‪ ،‬وإثراء الرصيد املعرفي والثقافي في الجانب التربوي‪ ،‬و القدرة‬
‫على ممارسة قدرات عقلية رفيعة كاملقارنة والنقد‪ ،‬و تطوير التكوين الذاتي‪ ،‬و القدرة‬
‫على التعبير السليم‪ ،‬و فك إسار املعلم من «سلطان التقليد»‪.‬‬
‫تركز الفاعلية التأطيرية عند األستاذ على التطبيق من خالل إنجاز تمارين تكون غايتها‬
‫تطوير آليات ومنهجية القراءة‪ ،‬والقدرة على بناء املوضوع املقروء وفق كليات ناظمة للجزئيات‬
‫املفرقة‪ .‬هذا إلى جانب استهداف القدرة على اكتشاف البناء الذاتي للفكرة النصية‪ ،‬مع مركزة‬
‫مبدأ القراءة التفاعلية اإليجابية بين الذات واملوضوع‪ ،‬من هنا كان تأكيد األستاذ على‬
‫تنويع التمارين واألنشطة التي تروم تنمية قدرات معرفية وثقافية وتطوير مهارات منهجية‬
‫وتواصلية متعددة تشمل‪:‬‬

‫ •القدرة على تصور البناء والترتيب العام للموضوع؛‬

‫ •القدرة على صياغة واستعراض األفكار املتضمنة وعلى إعادة صياغتها وتركيبها؛‬

‫ •القدرة على مناقشة النص وتقويمه ونقده وإبداء املوقف الشخ�صي بصدده خاصة في‬
‫مستواه التطبيقي وجدواه اآلنية‪.‬‬
‫ولعل املتتبع لنصوص الكتاب وملنهجية مقاربتها يكشف عن مكانة السؤال التربوي الذي‬
‫يحتل أهمية معتبرة عند األستاذ‪ ،‬من هنا تأكيده على أهمية االنطالق منه‪ ،‬وعلى تنويعه‪ ،‬وعلى‬
‫‪ 116‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫توليد األسئلة‪ ،‬واختيارها الدقيق لتالئم ولتقيس جيدا حقيقة القدرات املستهدفة للفهم‬
‫ولنوع الفهم‪ ،‬فيكون السؤال بذاك أداة تربوية للتقويم والتصحيح والتكميل‪.‬‬
‫(((‬
‫الكتاب الثاني‪ :‬مذكرات في التربية‬
‫تحدد هذه املذكرات الفئة املستهدفة من هذا املؤلف والتي هي مدرسة املعلمين واملعلمات‪،‬‬
‫كما تحدد الوضع االعتباري ملؤلفها اإلطار الذي هو مفتش التعليم االبتدائي واملهمة املمارسة‬
‫والتي هي مدير مدرسة املعلمين بمراكش‪ .‬وقد أبرز الناشر أهمية الكتاب في إسهامه مساهمة‬
‫فعالة إيجابية في توجيه املعلم املغربي توجيها موضوعيا سليما»‪ ،‬وكذا أهمية الكاتب باعتباره‬
‫مربيا مغربيا جامعا بين الخبرة املعايشة ملشكالت التعليم بالبالد وبين خوض «غمار الكتابة»‬
‫التربوية امليسرة واملبسطة ملبادئ التربية العامة بجعلها في «متناول طالب املدارس املعلمين»(((‪.‬‬
‫في مقدمة الكتاب يسجل الباحث الوعي الشديد لألستاذ عبد السالم ياسين بالحاجة إلى‬
‫تجاوز آثار التقليد التي طبعت املمارسة التربوية في املدارس املغربية الناجمة أساسا عن ما‬
‫سماه بالتقليد والتبعية «األعميين» اللذين جعالنا ننظر بأعين غيرنا إلى مشاكلنا الخاصة‪.‬‬
‫وتجاوز تلكم اآلثار إنما يتم عبر الجمع بين نظرة األصالة وبين أفق التجديد‪ ،‬مع استحضار‬
‫الطابع املحلي والصبغة الوطنية عن طريق تناول املواضيع التربوية املعروضة على ضوء‬
‫ما سماه األستاذ عبد السالم ياسين بواقعنا التعليمي‪ ،‬وعن طريق استحضار الطابع املحلي‬
‫والوطني من خالل استهداف املعلم املغربي والتلميذ املغربي واملستقبل املغربي‪ ،‬مع االستناد في‬
‫ما يقدمه من مادة تربوية إلى التجربة واملمارسة في مجال تكوين املعلمين‪ ،‬مستحضرا الجوانب‬
‫املنهجية التي تستهدف إعمال املكون ملنهج املقارنة وطرائق التفكير املختلفة في دراسة املادة‬
‫املعرفية التربوية‪.‬‬
‫ينقسم الكتاب في بنيته العامة إلى ستة فصول نعرض ملجمل مضامينها كما يلي‪:‬‬
‫عرض الكاتب في الفصل األول ملعنى التربية وغاياتها من خالل آراء بعض املفكرين املختلفين‬
‫قديما وحديثا‪ ،‬مع التركيز على معالجة قضية مهمة هي إمكان التربية وحدودها وقدرتها على‬
‫بناء شخصية املربي‪.‬‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــروالطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪.1963 ،‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫األستاذ عبد السالم ياسين رجل التربية والبيداغوجيا ‪117‬‬

‫ثم قدم األستاذ عبد السالم ياسين في الفصل الثاني وسائل التربية والتعليم من خالل‬
‫مقاربة وظيفة املدرسة ومبادئها‪ ،‬وعالقة املدرسة بالبيت‪ ،‬والنظام املادي للمدرسة‪ ،‬وعرض‬
‫قضايا النظام والثواب والعقاب في املدرسة‪ ،‬وتناول الوظيفة التربوية للبيت وأثر الواجبات‬
‫املدرسية واملكاتبات بين املدرسة والبيت ودور جمعيات اآلباء‪ .‬كما عرض لألنظمة املادية‬
‫للمدرسة من فضاء وتهوية وتنظيم للتالميذ وألعاب وللمجال الصحي املدر�سي‪ .‬كما تناول‬
‫مسائل تهم املعلم وضرورة االستعداد الفطري والصفات الجسمية والعقلية الواجب توفرها‬
‫فيه‪ ،‬والطباع املترسخة فيه والعاطفة والحس وسلطته العامة‪ .‬ووقف هنا وهو يعرض للنظام‬
‫داخل املدرسة أساسا عند أهمية تجاوز الفو�ضى‪ ،‬وعند معاني الثواب والعقاب ووسائلهما‬
‫وأنواعهما‪ ،‬وعند الحرية عند الطفل وضرورة تمكنه من الحكم الذاتي(((‪.‬‬
‫في الفصل الثالث من الكتاب تناول األستاذ عبد السالم ياسين بالعرض والتحليل قضايا‬
‫تصنف ضمن تربية الطفل مقدما لها بمبحث مهم عن التربية وعلم النفس قبل أن ينظر في‬
‫مختلف العالقات التفاعلية للطفل داخل األسرة‪ ،‬ومع املعلم ومع رفاق الفصل منبها إلى طابع‬
‫التعقيد والتنوع اللذين يسمان هذه العالقات التي تنشأ في هذه املجاالت‪.‬‬
‫بعد ذلك‪ ،‬فصل الكاتب في بيان عقلية الطفل من انتباه وإدراك ومخيلة وتقليد‪ ،‬ثم‬
‫تحدث عن سلوك الطفل وحركيته وحاجاته إلى الحرية والعطف وفضوله وعاداته وطبعه‪.‬‬
‫ليتناول الفروق الفردية بين األطفال على املستوى الجسمي والعقلي‪ ،‬ويختم كالمه بعرض‬
‫كيفية مالحظة املعلم لتالميذه ومراعاته للفوارق بينهم‪
.‬في الفصل الرابع تناول األستاذ‬
‫عبد السالم ياسين التربية الجسمية خالل عرض مكانتها في النظام التربوي متحدثا أوال عن‬
‫الصحة والتربية الجسمية ومبادئ الوقاية الصحية في املدرسة‪ ،‬ثم ثانيا عن العمل املدر�سي أو‬
‫األنشطة املدرسية والتربية البدنية ووظائفها في تنمية الجهاز الجسمي للمتعلم‪.‬‬
‫وقد بحث الكاتب في الفصل الخامس التربية الخلقية من خالل مباحث العقل والخلق‬
‫وغايات التربية الفردية والجماعية‪ ،‬وقدم أفكارا مختلفة عن الوظائف الخلقية للمدرسة‪،‬‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.75‬‬
‫‪ 118‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫وعالقة الحرية والعادة واملثال القدوة بالخلق‪ ،‬وتحدث عن دروس األخالق وتساندها مع‬
‫الدين مركزا على أهمية األخالق في بناء مسؤولية املتعلم عن نفسه وعن أفعاله‪.‬‬
‫أما الفصل السادس واألخير فقد تناول فيه الكاتب التربية العقلية عبر عرض كيفية‬
‫إصدار املتعلم الحكم وجعله قادرا على االستقالل به من التبعية والتقليد‪ ،‬وكذا عن أهمية‬
‫تربية الذاكرة واملخيلة والحدس الح�سي والخلقي‪ ،‬منهيا هذا الفصل بأهمية إثارة االهتمام‬
‫لدى املتعلم حسب نوع امللكات وتنوع األطفال‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬التنظير للبيداغوجية اإليمانية‬

‫يورد األستاذ في تصوره ملداخل التغيير في مجال التربية والتعليم من منظور تحريري‬
‫أن تغيير النموذج االستعماري التعليمي التربوي ال يمكن أن يتم إال ضمن التغيير الجذري‬
‫َ‬
‫وتعويضه‬ ‫َ‬
‫وطرده من أرضنا‪،‬‬ ‫ّ‬
‫التربوي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫التعليمي‬ ‫ّ‬
‫االستعماري‬ ‫العام بحيث «إن كسر النموذج‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجذري للعقيدة‪ ،‬والفكر‪ ،‬والعالقات االجتماعية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫يدخل في نطاق التغيير‬ ‫ّ‬
‫اإلسالمي‪،‬‬ ‫بالنموذج‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫وسط خمول املحيط االجتماعي‬ ‫إصالح املدرسة والجامعة واملعهد‬ ‫ونظام الحكم‪ .‬ال يمكن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫السيا�سي االقتصادي‪ .‬فالكل مرتبط‪ ،‬وال يمكن للشخصية اإلسالمية أن تنشأ وال أن ت ِص َّح‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وتق َوى في قارورة ُمغلقة‪ ،‬أو في الهواء امل َع َّقم‪ ،‬بعيدا عن تأثيرات ما يجري في األرض‪ ،‬خاصة ما‬
‫يجري في االقتصاد»(((‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فال يمكن تصور بناء منظومة تربوية تعليمية مغيرة إال في سياق ونسق التغيير‬
‫الشمولي العام‪ ،‬يقول في ذلك‪« :‬ولسنا نرجو تحسنا لجهاز التعليم وال رفعا إلنتاجيته بغير‬
‫التحويل الجذري الذي يقلع البالء من أصله‪ ،‬فليس التعليم دولة وحده مستقلة‪ ،‬وال يمكن أن‬
‫يختص التعليم بوظيفة التغير عن العوامل الشمولية‪ ،‬أعني عوامل العقيدة والتفقيه املنهاجي‬
‫والقيادة الجهادية»(((‪.‬‬
‫يؤكد األستاذ أن تغيير التعليم ونظامه ما هو بالعامل الكافي لتغيير طبيعة اإلنسان ال في‬
‫نفسه وال في عالقته بالناس والعالم‪ ،‬وسبيل ذلك وصل التعليم بينابيع الوحي بعدما استولت‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬إمامة األمة‪ ،‬بيروت‪ :‬دارلبنان‪ ،‬الطبعة ‪ ،2009 ،1‬ص ‪.180-181‬‬
‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬اإلسالم غدا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.725‬‬
‫األستاذ عبد السالم ياسين رجل التربية والبيداغوجيا ‪119‬‬

‫«طلبتنا‪ ،‬أمة اإلسالم‪ ،‬أن نؤسس تعليما يعطينا‬ ‫عليه ألزمنة كبرى ينابيع التغريب واإللحاد فـ ِ‬
‫العقالنية اإليمانية‪ ،‬أي طاقة العقل ودرايته الخادمتين للغاية اإليمانية ويساهم في تغبير أنفسنا‬
‫تغييرا كيفيا ليس كتغيير الشيوعية املردية»‪ ،‬وهو ما يعني الحاجة إلى «صياغة بيداغوجيتنا‬
‫في نطاق حضارة إيمانية غيبية بحيث ال يتعارض عندنا داعي اإليمان بالغيب وداعي العقالنية‬
‫والنقد العلمي والسيطرة على الطبيعة وموارد الرزق»(((‪.‬‬
‫يعارض األستاذ في سبيل بناء بيداغوجيا إيمانية جامعة ما يسميه «بفلسفة التعليم‬
‫الجاهلي» التي تق�صي الوحي من دائرة املعقول لتحوز العقالنية كما تتصورها لوحدها‪ ،‬دون‬
‫أن يعني هذا االعتراض عنده رفض نقل الحكمة اإلنسانية وتعلم املهارات التدريبية والتدبيرية‬
‫ما دامت ال تنقل تصوراتها الفلسفية وخلفياتها املذهبية‪.‬‬
‫نحن في حاجة إلى ابتكار نموذج تعليمي يقطع مع عملية النقل املترجم املمسوخ ملا عند‬
‫اآلخر املنتصر‪ ،‬كما يقطع مع عملية التلفيق التي تأخذ من هنا ومن هناك‪ .‬فيرجى آنئذ ابتكار‬
‫عمل تعليمي يستحضر «منهاج اإلسالم»‪ ،‬وتناسق حركة «التغيير اإلسالمي»‪ ،‬قصد التأسيس‬
‫لـ‪« ‬مذهب تعليمي يجسد صورة لنفسه ال مسخا لغيره»‪ ،‬ويؤدي وظيفة «التحرير» ال «التسخير»‪.‬‬
‫إن عمق معنى التغيير ال يتأسس عند األستاذ من عمليات االقتباس والترجمة من اآلخر‬
‫ومن بيداغوجياته املغيرة‪ ،‬إنما يأتي من «تغيير النفس وما بها»‪ ،‬وكل ما يحدث من تحوير في‬
‫اإلطار البشري أو املؤس�سي مع االحتفاظ بالنفسية والعقلية العتيقتين لن يكون إال اقتباسا‬
‫ماسخا ال عامال للتغيير»(((‪.‬‬
‫ما يريده األستاذ هو التعليم املغير ال «التعليم امللفق»‪ ،‬التعليم العملي التطبيقي ال‬
‫التعليم املكتبي‪ ،‬التعليم باليد‪ ،‬والتعليم بالقلم‪ ،‬التعليم الذي يصطاد «الكفايات املقبورة‬
‫والعبقريات ‪ ‬املهجورة»(((‪.‬‬
‫ما يقترحه األستاذ عبد السالم ياسين لبناء هذه البيداغوجيا اإليمانية يقت�ضي مداخل‬
‫أساسية هي‪:‬‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬اإلسالم غدا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.761‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.764‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.768 - 767‬‬
‫‪ 120‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫ •استقالل التعليم بتحريره من قبضة الحكم الذي استفرد بتدبير هذا املجال الحيوي‬
‫منذ كان‪ ،‬ليكون التعليم قضية الكل‪ ،‬وليعود إلى كنف الشعب؛‬
‫ •فك رهن التعليم باإلمالءات األجنبية للمؤسسات املانحة واألجندات الخاصة لتمتلك‬
‫األمة قرارها السيادي الذي يجعل تعليمها يستجيب لحاجياتها الحقيقية؛‬
‫ •تحقيق تنمية مجتمعية اقتصادية عادلة ومتكاملة؛ إذ ال نتصور تغييرا للتعليم من دون‬
‫تغيير مختلف مناحي الحياة املجتمعية حكما واقتصادا وثقافة؛‬
‫ •فتح حوار وطني مسؤول وحر بمشاركة الشعب وبإشراك الكل مشاركة وإشراكا‬
‫حقيقيين من دون إقصاء للتداول والتبادل حول التعليم من أجل بلورة تصور حول‬
‫معضلة التعليم والحلول الناجعة لها؛‬
‫ • وبعد هذه املداخل فإن هناك قضايا مستعجلة يمكن أن تكون بوابة أساسية للتقدم في‬
‫حل معضالت التعليم وذلك على أرضية عمل مشترك بين الكل‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ •بناء مشروع مجتمعي حول اإلنسان الذي نريد من التعليم أن يبنيه لهذا الوطن؛‬
‫ •التوافق حول مشروع مدرسة وطنية تستجيب لهوية األمة اإلسالمية ولحاجياتها‬
‫اآلنية واملستقبلية‪ ،‬يتم فيها إعادة ربط التربية بالتعليم‪ ،‬وربط التعليم بالتنمية؛‬
‫ •إعادة االعتبار للوظيفة الرسالية لرجل التعليم اختيارا وتكوينا وتدريبا ووضعا‬
‫اجتماعيا وماديا؛‬
‫ •إعادة الجدية وأخالق الجدية للعلم وللتعلم وللعالقة بين مختلف املتدخلين في العملية‬
‫التربوية؛‬
‫ •الحسم في لغة التدريس بتطوير وتقوية مكانة اللغة العربية وتأهيلها للنهوض باملهام‬
‫الجسيمة املنوطة بمنظومة التربية والتعليم‪ ،‬مع التمكن من لغات العلم والتقانة؛‬
‫ •تعميم التعليم عبر مدارس مجتمعية يتجند فيها الكل ملحو األمية بمعانيها العامة ال‬
‫بقصرها على األمية األبجدية؛‬
‫ •بناء بحث علمي جاد ورصين لتوطين التكنولوجيا وربح رهانات عالم اقتصاد‬
‫املعرفة ‪ ‬املتسارع؛‬
‫األستاذ عبد السالم ياسين رجل التربية والبيداغوجيا ‪121‬‬

‫ •بناء منظومة وطنية للتوجيه والتقويم‪.‬‬


‫وهي مداخل كبرى ملعالجة إشكاليات جمة تجاوزا لالرتجال في البرامج‪ ،‬والعتاقة والبطء في‬
‫املناهج‪ ،‬وتطويرا وتحديثا ألنظمتنا التربوية التعليمية توجها نحو التصنيع إذ إنه «مستقبل من‬
‫ال يريد أن يبقى مستهلكا مستوردا تأكل املديونية كيانه»(((‪ .‬ومالءمة ألهداف التنمية‪ ،‬واكتسابا‬
‫للتكنلوجيا وتقنياتها في تطوير نظام التعليم ومواده وتنبيه ملكات الناشئين‪.‬‬
‫إنه ال سبيل للتطوير والتحديث عند األستاذ إن لم نسترجع هذه الوسائل املادية العلمية‬
‫الصناعية املرهونة في يد أبناء الدنيا‪ ،‬و نعمل على « أسلمة» هذه العلوم و الخبرات باعتبارها‬
‫رأس املال لبناء وتحقيق أهداف عمراننا األخوي(((‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫تكشف مقاربة البعد التربوي في معناه البيداغوجي عند األستاذ عبد السالم ياسين عن‬
‫سعة اطالع موسوعي بمختلف النظريات التي أسست للفكر التربوي التعليمي في نسقيه الغربي‬
‫الفرن�سي واألنجلوسكسوني‪ ،‬وهو اطالع يضاف إلى ما اكتسبه من تراث تربوي في مرجعيته‬
‫العربية اإلسالمية‪.‬‬
‫وعلى أرضية ذلكم االطالع استطاع األستاذ عبد السالم ياسين أن يتمثل تلك املعارف‬
‫التربوية النظرية تمثال جيدا وأن يستوعبها وأن يوظفها أداء وممارسة‪ ،‬وأن يهتم فيها سؤالي‬
‫الكيف واملنهج‪ ،‬مما وفر املرجعية العلمية لبناء تصور تربوي ال يقف عند عتبات النقد للوضع‬
‫التعليمي املغربي بل يم�ضي قدما ليقترح مداخل عملية إلعادة تأسيس الهيكل التربوي التعليمي‬
‫على أسس تمتح من مرجعية األمة ومشروعها املجتمعي وتستجيب لحاجياتها املعرفية‬
‫والتطبيقية والسلوكية القيمية‪ .‬وهو التصور الذي يحتاج إلى مزيد من الدراسة والبحث‬
‫للكشف عن جوانبه التجديدية في بعدها املستقبلي‪.‬‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬حوارمع الفضالء الديموقراطيين‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬مطبوعات األفق‪ ،‬ط‪ ،1994 ،1‬ص ‪.182‬‬
‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬العدل‪ :‬اإلسالميون والحكم‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬مطبوعات األفق‪ ،‬ط‪ ،2000 ،1‬ص ‪.182‬‬
‫‪ 122‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫بيبليوغرافيا الدراسة‪:‬‬

‫• ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬تصحيح أمين محمد عبد الوهاب ومحمد الصادق‬
‫العبيدي‪ ،‬لبنان‪ :‬دارإحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي‪ ،‬ج ‪ ،15‬الطبعة ‪،1999 ،3‬‬
‫• الراغب األصفهاني‪ ،‬املفردات في غريب القرآن‪ ،‬مكتبة مصطفى الباز‪ ،‬ج ‪.1‬‬
‫• «املعجم العربي األسا�سي»‪ ،‬املنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‪ .‬مطابع امبريمتو‬
‫لبنان‪.1991  ،‬‬
‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬اإلسالم غدا‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬مطبعة النجاح‪ ،‬الطبعة ‪.1973 ،1‬‬
‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬املنهاج النبوي‪ ،‬الشركة العربية‪ ،‬الطبعة ‪.1994 ،3‬‬
‫• محمد الزاوي‪ ،‬األساس التربوي عند جماعة العدل واإلحسان أصول وقواعد‪ ،‬سال‪ :‬مطبعة‬
‫دعاية‪ ،‬الطبعة ‪.2013 ،1‬‬
‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬حواراملا�ضي واملستقبل‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬مطبوعات األفق‪ ،‬ط‪.1997 ،1‬‬
‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬إمامة األمة‪ ،‬بيروت‪ :‬دارلبنان‪ ،‬الطبعة ‪.2009 ،1‬‬
‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬مذكرات في التربية‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬دارالسلمي‪ ،‬الطبعة ‪.1963 ،1‬‬
‫• املغرب في سنة ‪ ،2012‬إصداراملركزاملغربي لألبحاث وتحليل السياسات‪.2013 ،‬‬
‫• املغرب في سنة ‪ ،2013‬إصداراملركزاملغربي لألبحاث وتحليل السياسات‪.2014 ،‬‬
‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬النصوص التربوية‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬طبع ونشردارالسلمي‪ ،‬الطبعة ‪.1963  ،1 ‬‬
‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬حوار مع الفضالء الديموقراطيين‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬مطبوعات األفق‪،‬‬
‫ط‪.1994  ،1‬‬
‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬العدل‪ :‬اإلسالميون والحكم‪ ،‬الدارالبيضاء‪ :‬مطبوعات األفق‪ ،‬ط‪.2000 ،1‬‬
‫‪123‬‬

‫نظرات في ثنائية الثواب والعقاب في المدرسة‬


‫من خالل كتاب «مذكرات في التربية»‬
‫لألستاذ عبد السالم ياسين‬

‫(((‬
‫د ـ عبد اإلاله بالقاري‬

‫مقدمة‬

‫املشتهر لدى كثير من الناس أن األستاذ عبد السالم ياسين رحمه هللا تعالى أحد العلماء‬
‫األجالء واملفكرين الكبار؛ ق�ضى حياته في الدعوة إلى هللا تعالى والداللة عليه والجهاد في سبيله‪،‬‬
‫لكن ما ال يعرفه الكثير؛ أن الرجل من أبرز املؤلفين البيداغوجيين املغاربة في ستينيات القرن‬
‫مبرزا فيه‪ّ ،‬‬
‫ملما باملدارس التربوية‬ ‫العشرين‪ ،‬فقد كان خبيرا في املجال التربوي البيداغوجي ّ‬
‫وطرق التدريس‪ ،‬يشهد على ذلك تجربته الغنية في سلكي التدريس واإلدارة‪ ،‬ومكتوباته القيمة‬
‫في الحقل البيداغوجي‪ ،‬وبصماته العميقة في الجيل الذي نهل من خبرته التربوية على مدى‬
‫سنوات طويلة‪.‬‬
‫ويأتي هذا املقال لتسليط الضوء على قضية من القضايا التربوية التي بسطها في كتابه‬
‫«مذكرات في التربية ملدارس املعلمين واملعلمات»(((‪ ،‬هذه القضية متعلقة بثنائية الثواب‬
‫والعقاب في املدرسة‪ ،‬وال يخفى ما أحدثته هذه الثنائية من نقاش واختالف في تاريخ الفكر‬
‫التربوي القديم والحديث‪ ،‬وما خلفته من جهود مضنية من أهل التخصص في سبيل تقعيدها‬
‫أي سياق ذكر األستاذ هذه‬ ‫والتأسيس لها‪ ،‬فما املقصود بمفهومي الثواب والعقاب؟ وفي ّ‬
‫الثنائية؟ وماهي وسائل الثواب والعقاب؟ ثم ما هي مقاصد الثواب والعقاب في املدرسة؟‬

‫((( باحث في العلوم الشرعية‪.‬‬


‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ :‬دار الســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪.1963 ،‬‬
‫‪ 124‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫أوال‪ .‬لمحة عن كتاب «مذكرات في التربية»‪:‬‬

‫صدر كتاب «مذكرات في التربية» لألستاذ عبد السالم ياسين عام ‪1963‬م‪ ،‬جاء في مائة‬
‫وخمسين صفحة من الحجم املتوسط‪ ،‬مشتمال على ستة فصول‪ ،‬وهو عبارة عن دروس‬
‫تهم مدارس‬‫ألقاها على طلبته في مدرسة املعلمين خالل تدريسه بها‪ّ ،‬ألفه لغاية مخصوصة ّ‬
‫املعلمين واملعلمات‪ ،‬قال رحمه هللا موضحا مقاصده من تأليف الكتاب‪« :‬هذه مذكرات جمعت‬
‫فيها دروسا كنت ألقيتها على طلبتي في مدرسة املعلمين منذ عدة سنوات‪ ..‬رأيت أال يضيع ما‬
‫كنت بذلته من مجهود متواضع يستنير بتجربة غير قصيرة في ميدان تكوين املعلمين‪ .‬ورأيت أن‬
‫أعطي لطالب مدرسة املعلمين مادة تساعده في مطالعاته على مقارنة وجهات النظر‪ ،‬وعرض‬
‫طرق التفكير والكتابة بعضها على بعض»(((‪.‬‬
‫وقد أملع الناشر إلى أهمية الكتاب وقيمته العلمية املعتبرة في الحقل التربوي‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫«إذا كان األستاذ املؤلف قد دفعه التواضع إلى أن يسمي هذا الكتاب «مذكرات في التربية»؛‬
‫فإن من حقنا أن ننوه بقيمة هذا الكتاب‪ ،‬ونتنبأ بما سيكون له من مساهمة فعالة إيجابية في‬
‫توجيه املعلم املغربي‪ ،‬التوجيه املوضوعي السليم‪ ،‬لالستغناء عن التبعية البيداغوجية التي‬
‫عاشت في عقولنا وأذهاننا»(((‪.‬‬
‫وقد حرص األستاذ ياسين من خالل مؤلفه هذا على أمرين اثنين يشكالن في عمقهما‬
‫خصائص خطابه البيداغوجي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ اصطباغ الكتاب بصبغة الوطن الذي نعيش فيه‪ ،‬ولذلك قال‪« :‬ويكفي توصية بهذه‬
‫املذكرات ما حاولت أن أضعه فيها من صبغة وطنية‪ ،‬إذ عالجت كل موضوع على ضوء واقعنا‬
‫التعليمي‪ .‬وتحدثت عن املعلم باعتباره املعلم املغربي في وضعه الخاص‪ ،‬وبصفاته التي يحددها‬
‫تكوينه وعقليته‪ ،‬كما تحدثت عن التلميذ باعتباره التلميذ املغربي املتقلب في أسرة مغربية‪،‬‬
‫والنا�شئ ملستقبل مغربي»(((‪.‬‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.5‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.5‬‬
‫نظرات في ثنائية الثواب والعقاب في املدرسة من خالل كتاب «مذكرات في التربية» ‪125‬‬

‫‪ 2‬ـ الحرص على األصالة والتجديد‪ ،‬ونبذ التقليد والتبعية في الحقل التربوي البيداغوجي‪،‬‬
‫وفي هذا الصدد يقول في مقدمة (مذكرات في التربية)‪« :‬وأملي بعد‪ ،‬أن يقرأني الطالب في مدرسة‬
‫املعلمين‪ ،‬واملعلم املمارس ليجد فيما كتبته منبعثا إلى األصالة والتجديد اللذين نحن في أشد‬
‫الحاجة إليهما بعد أن جعلنا التقليد والتبعية األعميان ننظر بأعين غيرنا إلى مشالكنا ‪ ‬الخاصة»(((‪.‬‬
‫والكتاب في واقع األمر‪ ،‬يكشف لدى املطلع عليه املتخصص؛ مدى رسوخ قدم الرجل في‬
‫امليدان البيداغوجي‪ ،‬وذلك من خالل آرائه التربوية العميقة‪ ،‬ومالحظاته الدقيقة على أعرق‬
‫املدارس التربوية قديمها وحديثها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مفهوم الثواب والعقاب في المدرسة‬

‫يستخدم الثواب والعقاب في الحياة اليومية بشكل واسع‪ ،‬ملا ينتج عن هذه الثنائية من‬
‫آثار في السلوك‪ ،‬ولذلك نجد املرء في سلوكه اليومي يبتغي الحصول على ما يحقق له الثواب‬
‫ويجنبه العقاب‪ ،‬لعلمه أن السلوك الحسن يليه الثواب‪ ،‬في حين يتلو العقاب كل سلوك بغيض‬
‫غير مرغوب فيه‪ .‬وقد تناول األستاذ ياسين ثنائية ثواب وعقاب املتعلم في سياق حديثه عن‬
‫نظام املدرسة‪ ،‬إذ إن عملها كما هو معلوم ال يتحقق في الفو�ضى‪ ،‬ولذلك « كان البد أن تتمتع‬
‫املدرسة بسلطة تفرض بها النظام»(((‪ ،‬هذه السلطة املخولة للمدرسة ليست سلطة قمعية‪،‬‬
‫وتحد من إبداعه وتزرع فيه الخوف‪ ،‬لعلمها أن هذا املتعلم الطفل سيكون‬ ‫تكسر إرادة املتعلم ّ‬
‫رجل الغد‪ ،‬ولذلك يتعين عليها أن تجعل منه في قابل األيام عامل بناء ال معول هدم‪.‬‬
‫ولذلك نص األستاذ أن حقيقة سلطة املدرسة «كسلطة األسرة وسيلة لتحسين سلوك‬
‫الطفل وتجنيبه مواقع الخطر‪ .‬وليست تستعمل سلطتها لفرز الصالح وطرد الناقص‪ ،‬بل‬
‫تستعملها لتحمي الطفل من شر نفسه‪ ،‬ولتكمل الناقص»(((‪.‬‬
‫وقد اعتبر صاحب (مذكرات في التربية) ثواب املتعلم من محددات سلطة املدرسة‪ ،‬ألنه‬
‫يقنع املتعلم بأن هذه السلطة صديق له ال عدو‪ ،‬ولذلك نجده ّ‬
‫يعرف الثواب قائال‪« :‬ليس‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.5‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬والصفحة‪.‬‬
‫‪ 126‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫الثواب إال وسيلة لتحسين سلوك الطفل»(((‪ .‬وال يخفى ما لثواب املتعلم من أثر بالغ ووقع‬
‫عميق في نفسه‪ ،‬إذ إنه يحب من يهتم به‪ ،‬كما أنه يريد معرفة ردود الفعل على ما يقوم به من‬
‫أعمال‪ ،‬وكثير ممن انحرفوا بسبب فقدان هذا االهتمام واملحبة‪ ،‬فاملعلم يتعين عليه رصد‬
‫سلوك املتعلم ثم يتدخل ليوجه ويساعد ويثيب على السلوك والفعل الحسن‪ ،‬ألن الثواب‬
‫يشتمل على اعتراف ملموس بأن للمتعلم مزايا ومحاسن‪ ،‬فالثواب يرفع من قيمته‪ ،‬وفي مقابل‬
‫ذلك يحذر األستاذ ياسين من إثابة املتعلم في غير استحقاق‪ ،‬إذ يعتبر أن هذا الصنيع يجني على‬
‫املتعلم‪ ،‬قال رحمه هللا‪« :‬إذا كان الثواب بغير استحقاق‪ ،‬فإن الطفل يرفضه في قرارة نفسه‪،‬‬
‫ويشك في املدرسة ونواياها»(((‪ ،‬وعليه فينبغي أن يثاب املتعلم في مواطن االستحقاق؛ ألنه‬
‫سيعطي إلنجازاته حينها قيمة معتبرة‪.‬‬
‫وقد أكدت تجارب كثيرة فعالية الثواب في التعلم‪ ،‬إال أن هناك بعض التحفظ حول املبالغة‬
‫في استخدام الثواب‪ ،‬وخاصة عندما يكون الثواب على هيئة مكافأة خارجية مادية صريحة‪،‬‬
‫«إذ قد يصبح النشاط التعليمي له قيمة فقط بما يتلوه من مكافأة فيصيح التلميذ يسأل أثناء‬
‫تعلمه‪ ،‬ماذا سيعود ّ‬
‫علي من هذا التعلم؟ فهو يفكر فقط في املكافأة»(((‪.‬‬
‫وإذا كانت النفس البشرية قد فطرت على حب من أحسن إليها‪ ،‬وتحب الثناء والشكر‪ ،‬فقد‬
‫وضع األستاذ شرطين اثنين‪ ،‬كي يكون ثواب املعلم للمتعلم ناجعا يصل الغاية املرادة منه‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن يكون الثواب على قدر العمل‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن يسلك املعلم مسلك االقتصاد في الثواب‪ ،‬وخصوصا في كلمات الثناء‪ ،‬حتى ال يمتلىء‬
‫التلميذ غرورا ويظن نفسه أحسن مما هو في الحقيقة(((‪.‬‬
‫أما فيما يخص العقاب‪ ،‬فقد تقرر «أن التربية الحديثة تقوم على أساس رفضه بأنواعه‬
‫وصوره كافة‪ ،‬وتتخذ من اللين والتسامح أسلوبا سائدا في تربية الطفل‪ ،‬وإذا اضطر املعلم‬
‫إلى العقاب فينبغي أن يكون في أضيق الحدود‪ ،‬وبصورة ال تترك أثرا في شخصية الطفل‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.62‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬والصفحة‪.‬‬
‫((( فائدة صبري الجوهري‪ ،‬املدخل لعلم النفس التربوي‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬بدون سنة‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.64‬‬
‫نظرات في ثنائية الثواب والعقاب في املدرسة من خالل كتاب «مذكرات في التربية» ‪127‬‬

‫ونفسيته»(((‪ ،‬ويمكن تعريف العقاب إجرائيا بأنه «الحادث أو املثير الذي يؤدي إلى إضعاف‬
‫وعرفه األستاذ ياسين بكونه دعوة صريحة لرجوع‬ ‫أو‪ ‬كف بعض األنماط السلوكية»(((‪ّ ،‬‬
‫املتعلم إلى الصواب(((‪ ،‬ومن سماته أن يكون نافعا إنسانيا‪ ،‬كما أن تطبيقه يقت�ضي من املعلم‬
‫معرفة نفسية املتعلم‪ ،‬وال يكون العقاب في نظر األستاذ ياسين ناجعا محققا للجدوى منه إال‬
‫بشروط حددها فيما يلي‪:‬‬
‫‪1 .1‬أن يكون املعا ِقب ساكنا حال إنزال العقوبة‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن تكون املعاقبة من نوع الخطأ‪ ،‬فإذا أهمل الطفل واجبه ولم ينجزه‪ ،‬كان عقابه أن‬
‫ينجزه‪ ،‬وإذا لم يحفظ درسه‪ ،‬فعقابه أن يحفظه‪ ،‬وهكذا يتعلم الطفل أن العقاب‬
‫نتيجة حتمية لعمله‪ ،‬فيتحا�شى ما عوقب عليه‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن تكون العقوبات قليلة‪.‬‬
‫‪4 .4‬أن تكون املعاقبة إنسانية(((‪.‬‬

‫ثالثا‪ .‬وسائل الثواب والعقاب في المدرسة‬

‫تؤكد كثير من األبحاث أهمية الثواب وتفضله على العقاب ألنه يقوي السلوك الحسن‬
‫املثاب عليه‪ ،‬وإذا كانت وسائل الثواب والعقاب في املدرسة كثيرة ومتنوعة‪ ،‬فإن هذه الوسائل‬
‫َ‬
‫املتعلم أفاد تعزيزه‬ ‫في حاجة ماسة إلى املعلم الحكيم والخبير بنفسية املتعلم‪ ،‬فإذا أثاب‬
‫وجزاؤه‪ ،‬وإذا َ‬
‫عاقبه تحققت مقاصده املرجوة منه‪.‬‬

‫((( أحمــد علــي بديــوي‪ ،‬الثــواب والعقــاب وأثــره فــي تربيــة األوالد‪ ،‬بــدون رقــم الطبعــة‪ ،‬بــدون ســنة‪ ،‬سلســلة ســفير‬
‫التربويــة‪ ،‬القاهــرة‪ :‬شــركة ســفيرللطبــع والنشــر‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫((( عبــد املجيــد نشــواتي‪ ،‬علــم النفــس التربــوي‪ ،‬عمــان‪ :‬دار الفرقــان للنشــر والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة الرابعــة‪،2003 ،‬‬
‫ص‪.291‬‬
‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.64‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.66-65‬‬
‫‪ 128‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫أ ـ وسائل الثواب املدر�سي‪:‬‬


‫ينبه املؤلف رحمه هللا أثناء حديثه عن وسائل الثواب في املدرسة إلى قيمتها املعنوية‪،‬‬
‫بحيث ينص على أنها «ال تقدر بقيمتها املادية»(((‪ ،‬ألنها تدخل السرور على املتعلم وتقوي إرادته‬
‫لالجتهاد أكثر‪ ،‬وهذه الوسائل على نوعين‪:‬‬
‫‪ -‬وسائل مادية‪ :‬ويرى أنها خاصة بصغار األطفال‪ ،‬ألنهم ال يدركون تقدير الكلمة الطيبة‬
‫والتحفيز بالقول فقط‪ ،‬قال رحمه هللا‪« :‬فصغار األطفال يتعين الثواب ب�شيء محسوس‪.‬‬
‫كأوراق االستحسان املطبوعة‪ ،‬أو الرسوم امللونة‪ .‬ألن األطفال الصغار ال يقدرون على تقدير‬
‫الكلمة الطيبة والتشجيع باللفظ‪ ،‬بل يرغبون في شهادة مادية تدل على هذا التشجيع»(((‪.‬‬
‫‪ -‬وسائل معنوية‪ :‬وهي مناسبة للمتعلم الكبير‪ ،‬إذ إنه ّ‬
‫يقدرها ويدرك مغزاها‪ ،‬قال األستاذ‬
‫رحمه هللا‪« :‬أما الكبار فيدركون قيمة الثواب املعنوي‪ ،‬ويتسابقون لنيله»(((‪ ،‬ولذلك فكلمة‬
‫االستحسان إذا قالها املعلم للمتعلم كفيلة بأن تشحذ همته وتدفعه إلى االجتهاد واملثابرة‪.‬‬
‫ويذكر املؤلف مجموعة من وسائل الثواب للكبار كفيلة بتشجيعهم على مزيد من العطاء‬
‫وبذل الجهد‪ ،‬ومنها «إنشاء لوحة الشرف‪ ،‬وتسجيل مالحظة حسنة في دفتر الواجبات الشهرية‪.‬‬
‫والتالميذ يحبون جدا أن يروا اسمهم في لوحة الشرف‪ ،‬ويحبون جدا أن يطلع آباؤهم على‬
‫استحسان املعلم الذي يسجل في دفتر الواجبات الشهرية»(((‪.‬‬
‫ويولي األستاذ ياسين في سياق حديثه عن الثواب في املدرسة أهمية كبيرة للجوائز التي‬
‫ّ‬
‫توزع في آخر السنة الدراسية‪ ،‬ملا لها من أثر بالغ في نفسية املتعلم‪ ،‬ألنها تشكل جائزة موسم‬
‫درا�سي بأكمله‪ ،‬قال رحمه هللا‪« :‬ومن الثواب الجوائز التي توزع في آخر السنة الدراسية‪ ،‬هذه‬
‫الجوائز عبارة عن كتب حسنة الطبع مذهبة أغلفتها ومزينة بالصور‪ ،‬وفيها حكايات في مستوى‬
‫التالميذ‪ ،‬وهي مكافأة لعمل السنة كله‪ .‬ويزيد من قيمتها أنها توزع أمام آباء التالميذ وأمهاتهم‪،‬‬
‫وأمام رجال البلد أحيانا‪ ،‬فيفخر الطفل إن نال منها ولو كتابا صغيرا‪ .‬ويعتز بجائزته اعتزازا‪،‬‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ :‬دار الســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.62‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬والصفحة‪.‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫نظرات في ثنائية الثواب والعقاب في املدرسة من خالل كتاب «مذكرات في التربية» ‪129‬‬

‫فيكب عليه يقرأه ويقرأه ال يمل‪ .‬وهذا ما يدل على أنه يعلق عليه أهمية كبرى‪ ،‬فال ينبغي إذا أن‬
‫يحرم من هذه الجائزة تلميذ يستحقها»(((‪.‬‬
‫ب ـ وسائل العقاب املدر�سي‪:‬‬
‫تتنوع العقوبات التي تعمل بها املدرسة إلى نوعين اثنين‪ :‬العقاب النف�سي‪ ،‬والعقاب املادي‪،‬‬
‫َ‬
‫وينبه األستاذ ياسين إلى ضرورة مراعاة نوع العقوبة لنفسية وحالة املتعلم املعاقب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫«فيناسب أن يكون عقاب الصغار الذين ال يدركون‪ ،‬عقابا ماديا‪ ،‬ويكون عقاب الكبار نفسيا‬
‫قبل كل �شيء»(((‪ ،‬فعندما يعاقب املتعلم العقاب الناجع‪ ،‬يعقد في نفسه العزم على أال يرجع إلى‬
‫السلوك الذي من أجله نال العقاب‪.‬‬
‫‪ -‬العقاب املادي‪ :‬ذكر املؤلف مجموعة من الوسائل املادية للعقاب في املدرسة‪ ،‬ومنها‬
‫«الكتابة والحفظ في حدود معقولة‪ ،‬أو حجز التلميذ أثناء االستراحة‪ ،‬أو بعد الدرس‪ ،‬مع‬
‫حراسته طول الوقت‪ ،‬وإخبار األسرة بهذا العقاب إن تسبب في تأخر الطفل عن ميعاد رجوعه‬
‫إلى البيت‪ ،(((»..‬كما نص رحمه هللا تعالى بعدم قبول املدرسة للعقاب املادي التي يشتمل على‬
‫العنف والقسوة وإهانة املتعلم‪ ،‬ومن أمثلة ذلك «الضرب والشتم وتعريض الطفل بأي وسيلة‬
‫لتهكم زمالئه‪ ،‬كأن يشار إليه وينعت نعتا قبيحا‪ ،‬أو يوقف في زاوية من القسم»(((‪.‬‬
‫‪ -‬العقاب النف�سي‪ :‬إلى جانب العقاب املادي هناك نوع آخر من العقاب‪ ،‬وهو العقاب النف�سي‬
‫أو املعنوي‪ ،‬أي أن يعمد املعلم إلى لوم وتوبيخ املتعلم امل�سيء بلهجة هادئة‪ ،‬ووسائل هذا النوع‬
‫من العقاب واسعة‪ ،‬وتكون مناسبة إذا صدرت من معلم خبير بنفسية املتعلم‪ ،‬ولذلك يتعين‬
‫على املعلم أن يعرف تالميذه‪ ،‬بدراسة نفسياتهم وطباعهم‪ ،‬كما يدرس الطبيب مرضاه حتى‬
‫يقدم لكل متعلم الدواء الذي يناسبه‪ ،‬قال األستاذ ياسين‪« :‬فالعتاب ثم التوبيخ يؤثران على‬ ‫ّ‬
‫الطفل تأثيرا بليغا إذا عرف املعلم كيف يختار لكل طفل ما يناسبه‪ .‬وسواء كان التوبيخ أمام‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.63‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬والصفحة‪.‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬والصفحة‪.‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪ 130‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫كل التالميذ‪ ،‬أو كان في خلوة‪ ،‬فإن وقعه يكون كبيرا‪ .‬وهناك اإلنذار أو التهديد‪ ،‬إذا كان اإلنذار‬
‫والتهديد بلهجة هادئة‪ ،‬وكان التلميذ يعرف صدق املعلم في مقاله‪ ،‬وأنه سوف ينزل العقوبة‬
‫التي هدد بها ال محالة إذا وقعت املخالفة»(((‪.‬‬

‫رابعا‪ .‬مقاصد الثواب والعقاب في المدرسة‬

‫من املفاتيح املعينة على درك مقاصد الثواب والعقاب في املدرسة أن املؤلف رحمه هللا ذكر‬
‫فدل أن مقصود الثواب والعقاب بشكل عام هو‬ ‫كل ذلك في سياق حديثه عن نظام املدرسة‪ّ ،‬‬

‫تحقيق مصالح املتعلم ودفع املفاسد عنه‪ ،‬فنظام املدرسة يسعى «لتنمية كل طفل»(((‪ ،‬وإذا‬
‫كان املقصود من ثواب املتعلم هو التأثير في نفسه «فيسعى للعمل ويثابر عليه‪ ،‬نظرا ملا يشعر‬
‫به من ر�ضى عند نيله‪ ،‬فكذلك يؤثر العقاب في نفس الطفل ويزجره عن العمل القبيح»(((‪.‬‬
‫ومن مقاصد عقوبة املتعلم ّ‬
‫ال�س ّيء سلوكه أنها ال تروم احتقاره وإهانته‪ ،‬وحمله على‬
‫االمتثال‪ ،‬لكنها «تسعى ليفهم الطفل ضرورة النظام‪ ،‬وليقتنع بأنه عاجز عن إيجاده وحده‪ ،‬وال‬
‫تسعى املدرسة لتكسر إرادة الطفل وتجعله أداة‪ ،‬لذلك ال تتبع سبيل القوم األولين في فرض‬
‫سلطانها بالعصا‪ .‬ألن العقوبة البدنية ال تخلق رجاال‪ ،‬وإنما تخلق عبيدا محتالين ال يعرفون إال‬
‫سلطان القوة املادية»(((‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫وحاصل القول‪ ،‬فإن ثنائية الثواب والعقاب في املدرسة من القضايا التي تشغل بال كثير‬
‫من املربين واملدرسين والباحثين التربويين‪ ،‬فإنهم وإن اتفقوا على أهمية وفائدة الثواب الناجع‬
‫ومعرفة وسائله‪ ،‬فقد كثر اختالفهم حول العقاب وما يتركه من أثر‪ ،‬وحسبنا في هذا املقال‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص‪.67‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.62-61‬‬
‫نظرات في ثنائية الثواب والعقاب في املدرسة من خالل كتاب «مذكرات في التربية» ‪131‬‬

‫املختصر أن سلطنا الضوء على وجهة نظر عالجت القضية بشمولية ودقة‪ ،‬تكشف بكل‬
‫وضوح رسوخ ّ‬
‫وعلو كعب األستاذ ياسين رحمه هللا في الحقل التربوي البيداغوجي‪.‬‬

‫بيبليوغرافيا الدراسة‪:‬‬

‫• عبد السالم ياسين‪ ،‬مذكرات في التربية ملدارس املعلمين واملعلمات‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬دار‬
‫السلمي للتأليف والترجمة والنشروالطباعة والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪.1963 ،‬‬
‫فائدة صبري الجوهري‪ ،‬املدخل لعلم النفس التربوي‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬بدون سنة‪.‬‬ ‫• ‬
‫• أحمد علي بديوي‪ ،‬الثواب والعقاب وأثره في تربية األوالد‪ ،‬بدون رقم الطبعة‪ ،‬بدون‬
‫سنة‪ ،‬سلسلة سفيرالتربوية‪ ،‬القاهرة‪ :‬شركة سفيرللطبع والنشر‪.‬‬
‫• عبد املجيد نشواتي‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬عمان‪ :‬دار الفرقان للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‬
‫الرابعة‪.2003 ،‬‬
‫‪133‬‬

‫إسهام األستاذ عبد السالم ياسين‬


‫(((‬
‫في بناء سياسة تعليمية وطنية‬

‫(((‬
‫د‪ .‬يونس محسين‬

‫تقديم‪:‬‬

‫إن الحديث عن بناء األنظمة التربوية واملناهج التعليمية ليس ترفا فكريا‪ ،‬أو تنظيرا‬
‫تربويا يقف عند عتبة املبادئ التربوية والبيداغوجية‪ ،‬أو ينحصر في دراسة األسس الفلسفية‬
‫والتربوية واالجتماعية ‪-‬والنفسية بوصفها ومرتكزات ضابطة لبناء املناهج‪ -‬بل ّ‬
‫يتعدى ذلك‬
‫ليقف عند تجارب وجهود التأسيس وما أثمرته من مخرجات‪ ،‬برؤية موضوعية تستحضر‬
‫ّ‬
‫سياق البناء‪ ،‬وجهود من كان لهم فضل التشييد‪ ،‬وما توفر لهم من إمكانات‪ ،‬وما اعترضهم‬
‫من إكراهات‪ ،‬فضال عن النظر في طبيعة الجهود املبذولة واملساعي املشكورة لبناء األنظمة‬
‫التربوية والتعليمية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫إنه نظر منهجي يزدوج فيه التنظير باإلعمال‪ ،‬يربط الفعل التربوي بالفاعل التربوي؛ وهو‬
‫نظر يجد مسوغه في أن بناء األنظمة التربوية وتأهيلها لتكون خادمة للرسالة التربوية ألي أمة‬‫ٌ‬
‫أو مجتمع هو ثمرة لجهود خبراء ومتخصصين‪ ،‬تتوفر فيهم الكفاءة العلمية التربوية‪ ،‬والرغبة‬
‫الصادقة في تشييد صرح سياسة تعليمية ناجعة في الفكر واملنهج والتحصيل‪.‬‬
‫ُ ّ‬
‫وقد أملع الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور‪ -‬وهو العالم العلم‪ -‬إلى أن سداد املناهج التربوية‬
‫في أداء األمانة وبناء األجيال مشروط بإسهام عقالء األمة وخبرائها في بناء األنظمة التربوية‪،‬‬
‫قال‪ «:‬إن التعليم هو مرتقى األمة‪ ،‬والذي به رسم مستقبلها‪ ،‬وإذا لم يكن كل واحد من األمة‬
‫يعلم الخطة التي يجب تحديدها‪ ،‬أو ما ع�سى أن تشتمل عليه تلك الخطة من املضار الخفية‪،‬‬

‫((( ألقيــت هــذه الورقــة فــي تقديــم نــدوة «عبــد الســام ياســين وجهــوده فــي بنــاء املنظومــة التربويــة املغربيــة» يــوم‬
‫الســبت ‪ 29‬أكتوبــر ‪ 2016‬بمدينــة ســا املغربيــة‪.‬‬
‫((( باحث في الفكراإلسالمي ومناهج التربية والتعليم‪.‬‬
‫‪ 134‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫فمن الواجب تكليف عقالء القوم وحكمائهم الذين يعتمدون في وضع أساليب التعليم‪ ،‬بترتيب‬
‫كل ما يبلغ بالعلم واملتعلمين إلى الغاية املطلوبة في أقرب وقت‪ ،‬وعلى محجة موصلة(((‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن النظر في بناء األنظمة التربوية والتعليمية وترسيمها‪ ،‬ال يستقيم دون استحضار‬
‫جهود الرجال الذين كانت لهم الكلمة األولى واليد الطولى في البناء التعليمي والتربوي‪.‬‬
‫وباالحتكام إلى هذا املبدأ في تقويم الدراسات التي عنيت بالبحث في تاريخ األنظمة التربوية‬
‫ُ‬
‫العربية إجماال‪ ،‬واملغربية بوجه خاص‪ ،‬نلحظ شبه ضمور للمبدأ في تحرير هذه القضايا؛ فال‬
‫تكاد تجد في أغلب البحوث واألدبيات التي اهتمت باملوضوع ذكرا للفاعلين التربويين الذين‬
‫ضربوا بسهم وافر في بناء النظام التعليم للمغرب بعد االستقالل‪.‬‬
‫فاملتأمل في الدراسات التربوية التي اهتمت بتوثيق تاريخ النظام التعليمي باملغرب‪ ،‬يلحظ‬
‫جنوح أهلها إلى االهتمام برصد كرونولوجيا اإلصالحات منذ ‪ ،1958‬مرورا بواقع النظام‬
‫التعليمي إبان فترة االستقالل مع شبه ضمور لذكر الشخصيات العلمية والتربوية التي أسهمت‬
‫في بناء املنظومة عقب اندحار االستعمار‪ ،‬الذين أتوا باملطلب العزيز في الوقت الوجيز‪ ،‬مع أن‬
‫الشاهد التاريخي يشهد بأثر جهودهم‪ ،‬وجالء بصمتهم الواضحة في التأثيث للمشهد التربوي‬
‫وتشييد اإلنجازات املشهودة؛ من هؤالء الرجال نجد األستاذ عبد السالم ياسين رحمه هللا تعالى‪.‬‬
‫فال أحد يماري في جهوده وإسهاماته في البناء التنظيم والهيكلي والبيداغوجي للمنظومة‬
‫التعليمية باملغرب؛ وقد أسعفه في ذلك رحمه هللا‪ ،‬مساره التعليمي املتميز واملتنوع‪ ،‬وما راكمه‬
‫من خبرة تربوية ومهنية متميزة‪ .‬فقد زاول األستاذ ياسين مهام اإلشراف التربوي بمختلف‬
‫األسالك التعليمية‪ ،‬وترأس إدارة مركز تكوين املعلين بمراكش‪ ،‬ومركز تكوين املفتشين‬
‫بالرباط‪ ،‬وشارك رحمه هللا في العديد من الدورات التدريبية في املجال التربوي والبيداغوجي‬
‫داخل املغرب وخارجه (فرنسا‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬لبنان ‪ ،‬تونس والجزائر‪،)...‬‬
‫وانفتح على تجارب الدول في املجال‪ ،‬فتحصل له من ذلك خبرة تربوية مميزة بشهادة من‬
‫عايشوا املرحلة وعاينوها من قريب أو بعيد‪ ،‬وأثمرت جهوده رحمه هللا ‪-‬إلى جانب إسهامات‬
‫عم خيرها الدول الحديثة‬‫جيل التأسيس‪ -‬لبنة أساس في بناء النظام التعليمي والتربوي باملغرب ّ‬
‫العهد باالستقالل‪.‬‬

‫((( محمــد الطاهــربــن عاشــور‪ ،‬أليــس الصبــح بقريــب‪ -‬التعليــم العربــي اإلســامي دراســة تاريخيــة وآراء إصالحيــة‪،‬‬
‫دارالســام ودارســحنون للنشــر‪ ،‬الطبعــة ‪ ،2010 ،2‬ص ‪.105‬‬
‫إسهام األستاذ عبد السالم ياسين في بناء سياسية تعليمية وطنية ‪135‬‬

‫وقد امتزجت الخبرة التربوية لألستاذ ياسين باإلدراك العميق لحجم التحديات الكبرى‬
‫التي تواجه األمة العربية واإلسالمية عموما‪ ،‬واملغربية بوجه خاص‪ ،‬املاثلة أساسا في مغربة‬
‫األطر التربوية والتأسيس لنظام تعليمي‪ ،‬وترسيم مناهج ومقررات تستجيب لطبيعة املرحلة‬
‫التأسيسية‪ ،‬وتتساوق مع مطلب البناء واإلصالح‪ ،‬لتثقيف الجسم التعليمي بعد ما أصابه من‬
‫الوهن نتيجة لالغتراب التربوي‪ ،‬وازدواجية األنظمة التعليمة والتربوية إبان االستعمار وبعده‪.‬‬
‫واملتتبع إلسهامات األستاذ ياسين رحمه هللا‪ ،‬يستوقفه البعد النسقي الشمولي للمجاالت‬
‫الرئيسة الناظمة للفعل التعليمي والتربوي‪ ،‬حيث جمعت جهوده بين التنظير واإلعمال‪ ،‬وبين‬
‫التدريس والتأليف والتنسيق‪ ،‬فضال عن التمثيل الدبلوما�سي وتأهيل الكوادر البشرية لحمل‬
‫رسالة التربية والتعليم‪.‬‬
‫وهكذا تعددت الواجهات التنظيمية والهيكلية والبيداغوجية التي أسهم فيها األستاذ رحمه‬
‫ً‬
‫هللا‪ ،‬تلبية للحاجات الوطنية املستعجلة في مجال التربية والتعليم بمختلف جوانبها وقضاياها‪،‬‬
‫وهو أمر جلي لكل مطلع على السيرة العلمية واملهنية لألستاذ عبد السالم ياسين‪.‬‬
‫وعلى الرغم من تعدد املجاالت التي حظيت بإسهامات األستاذ ياسين في املجال التربوي‬
‫ً ُ ّ‬
‫ومحك ًما في ترشيد الجهود وتوجيهها‪ ،‬من خالل‬ ‫والتعليمي‪ ،‬فإن مبدأ الوظيفية كان حاضرا‬
‫التركيز على املجاالت األكثر تأثيرا وإلحاحا‪ ،‬أبرزها‪ :‬بناء سياسية تعليمية وطنية مستجيبة‬
‫لحاجات املغرب‪ ،‬وإعداد املعلم املربي‪ ،‬واالنكباب على التآليف املدرسية‪ ،‬حيث حظيت هذه‬
‫املجاالت بموقع أثير ضمن اهتماماته رحمه هللا؛ ولعل االهتمام الوافر بهذه الثالثية نابع من‬
‫(((‬
‫قناعته بكونها أصل الداء وأس اإلصالح وأساسه‪.‬‬
‫إن من ثمرات االهتمام باملراحل التأسيسية لألنظمة التربوية ورجالها‪ ،‬أن نستخلص‬
‫الدروس والعبر‪ ،‬ونكشف الستار عن أسباب أفول الرسالة التربوية في واقعنا‪ ،‬وقصور املناهج‬
‫الحالية عن ترقية العقول واملدارك ألبنائنا‪ ،‬بعد أن شهدنا نخبة من الطاقات والكفاءات في‬
‫مختلف املجاالت كانت ‪-‬وال تزال‪ -‬مفخرة لهذا الوطن الحبيب‪ ،‬والتي هي في األصل مخرجات‬
‫لذلك النظام على يد هؤالء الرجال‪.‬‬

‫((( يقــول ابــن عاشــور‪« :‬فســاد التعليــم إمــا مــن فســاد املعلــم‪ ،‬أو مــن فســاد التآليــف‪ ،‬أو مــن جهــة النظــام العــام»‬
‫أليــس الصبــح بقريــب‪ ،‬مرجــع ســابق‪ ،‬ص ‪.105‬‬
‫‪ 136‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫فمن الواجب إذن‪ ،‬إعادة قراءة تاريخ النظام التعليمي باملغرب مع التحرز من تقييد الجهود‬
‫البحثية في هذا املجال باملقاربة التاريخية ‪-‬الكرونولوجية‪ -‬للمحطات الحاسمة واإلصالحات‬
‫املتعاقبة‪ ،‬وذلك باعتماد مقاربة خاصة‪ ،‬تجعل من الفاعل التربوي املؤسس بؤرة التحليل‬
‫والتقويم‪ ،‬أمال في استشراف غد أفضل ملستقبل التعليم؛ فال أهم من أن نتعلم من جيل‬
‫التأسيس منهج البناء‪ ،‬ونستمد منه خصيصة البذل والعطاء‪.‬‬
‫وحيث إن من شيم الفضالء‪ ،‬االعتراف بالفضل ألهله‪ ،‬خاصة من شارك منهم في تأسيس‬
‫لبنات الفعل التعليمي والتربوي باملغرب‪ ،‬نظم موقع اإلمام عبد السالم ياسين ندوة علمية‬
‫تربوية في موضوع‪« :‬جهود األستاذ عبد السالم ياسين في بناء املنظومة التربوية املغربية»‪،‬‬
‫شارك فيها نخبة من األساتذة الباحثين واملتخصصين في املجال‪ ،‬ملالمسة جوانب مضيئة من‬
‫إسهامات األستاذ ياسين في املجال‪ ،‬اعترافا بالجميل وشهادة هلل ثم للتاريخ‪.‬‬
‫فاهلل أسأل أن يتقبل جهود املنظمين واملشاركين والحاضرين‪ ،‬وأن يجعل هذه املبادرة‬
‫الطيبة شجرة طيبة توتي أكلها كل حين بإذن ربها وأن ال يجعلها مسقوفة بظرف زمان أو مكان‪.‬‬

‫بيبليوغرافيا الدراسة‪:‬‬

‫• محمد الطاهر بن عاشور‪ ،‬أليس الصبح بقريب‪ ،‬التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬دراسة‬
‫تاريخية وآراء إصالحية‪ ،‬تونس‪ :‬دارسحنون‪ ،‬دارالسالم‪ ،‬الطبعة ‪1436 ،4‬ه‪2015/‬م‪.‬‬
‫‪137‬‬

‫التأليف البيداغوجي المبكر بالمغرب‬


‫وسؤاال القيمة والوظيفة‬
‫«النصوص التربوية» مثاال‬

‫(((‬
‫ذ‪ .‬رشيد الوهابي‬
‫تقديم‪:‬‬

‫تتفق األدبيات التربوية واملنظومات التعليمية على أهمية التربية والتعليم‪ ،‬ودورهما الرائد‬
‫في تشكيل الوعي‪ ،‬وبناء الشخصية‪ ،‬وصناعة النموذج التنموي الناجح‪ .‬لهذه األهمية تعنى‬
‫الدول بمدخالت التربية والتعليم ومخرجاتهما من فلسفة تربوية مؤطرة للمنظومة التربوية‪،‬‬
‫ومناهج وبرامج دراسية‪ ،‬ومناهج تكوين املدرسين‪ ،‬ونظام التقويم واالمتحانات‪ ،‬والعالقة‬
‫باألسرة واملجتمع وسوق الشغل‪ ،...‬وال تتوانى‪ -‬إلى جانب االستثمار الرشيد في قطاع التعليم ‪-‬‬
‫في تقدير اإلبداع التربوي تأليفا وتدريسا‪ ،‬واالحتفاء بالكفاءات التربوية ذات الخبرة املعرفية‬
‫واملهنية اعتمادا على كتبهم البيداغوجية‪ ،‬ومدارسة لها‪ ،‬ونقال لتجربتهم املهنية لألجيال‬
‫املعاصرة والالحقة‪.‬‬
‫برز في املغرب بعد االستقالل مؤلفون بيداغوجيون أسهموا بإنتاجاتهم التربوية في تكوين‬
‫املدرسين وتطوير التدريس‪ ،‬في وقت كان السعي حثيثا ملغربة األطر والبرامج التكوينية‬
‫والتدريسية‪ ،‬بعد استفادته من األطر العربية واألجنبية‪ .‬ومن املؤلفين البيداغوجيين املغاربة‬
‫البارزين في ستينيات القرن العشرين األستاذ والخبير التربوي واملكون البيداغوجي عبد‬
‫السالم ياسين‪ ،‬فال يمكن أن تخطئ عين الباحث التربوي املنصف النظر إلى إسهامه التأليفي في‬
‫مجال تكوين املدرسين وتخريجهم‪ ،‬وتدريس املتعلمين وتأهيلهم‪.‬‬
‫من مؤلفات األستاذ عبد السالم ياسين البيداغوجية «النصوص التربوية»‪ ،‬فعنوان‬
‫ََ‬
‫وعلم على موضوعه‪ ،‬إذ جمع فيه بعد اطالع واسع على الفكر‬ ‫املؤلف دليل على ماهيته‪،‬‬

‫((( باحث في العلوم الشرعية بجامعة عبد املالك السعدي‪.‬‬


‫‪ 138‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫التربوي ومدارسه املختلفة بعين فاحصة مدققة فصوص النصوص التربوية لتكون مادة‬
‫تكوينية تدريبية في مدارس املعلمين واملعلمات‪ ،‬فهل لهذا الكتاب التأهيلي لهذه الفئة املهمة‬
‫داخل املجتمع قيمة؟ هل ما زال يحمل جدة في شكله ومضمونه‪ ،‬ويكسب راهنية التعريف به؟‬
‫هل تبعث ضرورة االحتفاء باإلنتاج البيداغوجي املغربي في مجال تكوين املدرسين على بحث‬
‫مضامين الكتاب‪ ،‬وكشف وظائفه ومطامحه؟ هذه األسئلة وغيرها تتم مقاربة اإلجابة عنها‬
‫منتظمة في املحورين اآلتيين‪:‬‬
‫‪ -‬كتاب «النصوص التربوية» وسؤال القيمة‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب «النصوص التربوية» وسؤال الوظيفة‪.‬‬
‫‪ -‬خالصات واستنتاجات‪.‬‬
‫‪ -‬توصيات‪.‬‬

‫‪ -1‬كتاب «النصوص التربوية» وسؤال القيمة‪:‬‬

‫يختلف نظر القراء في رصد قيمة كتاب ما‪ ،‬تبعا لخلفياتهم املعرفية‪ ،‬ومناهجهم القرائية‬
‫التي يستصحبونها في قراءتهم ويتكئون عليها‪ ،‬ورغم هذا االختالف الرصدي‪ ،‬والتنوع الكشفي‬
‫لقيمة الكتب‪ ،‬إال أنه قد تجمع بين القراء متفقات منهجية متعددة‪ ،‬لعل أهمها النظر إلى الكاتب‬
‫من حيث ماضيه الثقافي‪ ،‬وتكوينه املعرفي‪ ،‬وتوجهه الفكري‪ ،‬والنظر إلى الكتاب في شكله وبنائه‬
‫الهيكلي‪ ،‬وسياقه وباعثه التأليفي‪ ،‬وفي مصادره التي استقى منها مادته العلمية‪ ،‬أو استند عليها‬
‫في تحريرها‪ ،‬بما يمكن من استكناه مضامينه وحوامله املعرفية‪ ،‬واكتشاف وظائفه املفصحة‬
‫عن «الذات الكاتبة»‪.‬‬
‫‪ -1-1‬نبذة عن املؤلف‪/‬الكاتب‪:‬‬
‫إن أهم ما يستوقف القارئ ملسيرة األستاذ عبد السالم ياسين الدراسية ظهور عالمات‬
‫النجابة املبكرة عليه؛ دلت عليها قوة تحصيله العلمي‪ ،‬وترقيه في املستويات الدراسية‪،‬‬
‫وتطلعه للتجديد على مستوى طرق التدريس‪ ،‬إذ كان يملك حسا نقديا مبكرا ملناهج التلقين‬
‫املعتمدة في املدارس التي مر منها‪ ،‬وتطلعا مشروعا لتوسيع مداركه املعرفية‪ ،‬وذلك ما يفسر‬
‫نهمه القرائي الذي غذى عقله‪ ،‬وصقل فكره‪ ،‬وعصاميته الفريدة في تعلم اللغات بدءا باللغة‬
‫التأليف البيداغوجي املبكرباملغرب وسؤاال القيمة والوظيفة‪« ..‬النصوص التربوية» مثاال ‪139‬‬

‫َ‬
‫الفرنسية َبنفس املتعلم املعلم «الذي طرق أبواب التأليف املدر�سي مبكرا بدفتره ذي العشرين‬
‫صفحة»(((‪ .‬ولم تقتصر مالمح النجابة على مرحلة التحصيل العلمي‪ ،‬بل طالت ممارسته املهنية‬
‫معلما ومديرا‪ ،‬ومفتشا‪ ،‬ومكونا ومدربا ذا أهلية معززة بالشواهد من املعاهد املتخصصة في‬
‫أوربا وأمريكا‪ .‬ترق منهي وفر له تجربة مهنية غنية‪ ،‬وخبرة تربوية عالية‪.‬‬
‫كان للحصيلة املعرفية‪ ،‬والتجربة املهنية لألستاذ عبد السالم ياسين‪ ،‬ولقراءته املنظمة‬
‫والناقدة‪ ،‬ومالحظته الدقيقة لطرق التدريس أثر في تفتيق موهبته التأليفية‪ ،‬التي تخطت‬
‫البدايات املتواضعة إلى مرحلة الصنعة في الكتابة‪ ،‬موظفا فيها ما رضع عقله من فنون القول‪،‬‬
‫وعلوم اللسان‪ ،‬وأبكار األفكار من مطالعاته املتنوعة املستمرة‪ ،‬فخط لقلمه منهجا خاصا به في‬
‫الكتابة كما عبر تلميذه «محمد مومن» بقوله‪« :‬فهو له مدرسة خاصة به في الكتابة‪ .‬كانت تخطر‬
‫في قلبه الفكرة فيكتبها‪ .‬ويكتب بالسهل املمتنع‪ ،‬وربما جاءته فكرة رسالة أو كتاب فيقول لك‪:‬‬
‫«خذ قلما واكتب»‪ ،‬فيملي عليك الكتاب‪ .‬وهذه من خصوصياته‪ .‬ويقول العارفون بأنه كما‬
‫يكتب بالعربية يكتب بالفرنسية أو اإلنجليزية‪ ،‬وبالفرنسية أكثر‪ .‬كان قويا قوة فكرية جبارة»(((‪.‬‬
‫ال غرابة فيما صرح به تلميذه «مومن»‪ ،‬فقوة عارضته‪ ،‬وجودة تحصيله وفهمه‪ ،‬وجدة‬
‫أسلوبه وتعبيره جعلت كتابته منسابة كاملاء‪« ،‬فإن العلم كاملاء نباع‪ ،‬وبعضه للبعض تباع»(((‪،‬‬
‫يولد علما جديدا وفكرا متقدا‪:‬‬
‫جـديـد حـيـثـما يخط ــو‬ ‫وذو ال ـف ـه ـ ـ ـ ـ ــم لـه ع ـ ـ ـل ـ ـ ــم‬
‫عـلـوما دونها الضبط‬ ‫ف ـ ـف ـ ـك ـ ــر واع ـ ـت ـ ـب ـ ــر تـعـلــم‬
‫(((‬
‫ــف يوما خلد الخـط‬ ‫وتدرك غير ما في الصحـ‬
‫كانت سيتينيات وأوائل سبعينيات القرن العشرين مرحلة التأليف البيداغوجي واملدر�سي‬
‫لألستاذ عبد السالم ياسين‪ ،‬فقد ذكر املؤرخ لسيرته محمد العربي أبو حزم أن مرحلة تأليفه‬
‫ثالثيته التربوية ملدارس املعلمين واملعلمات‪« :‬مذكرات في التربية» و«النصوص التربوية»‬

‫((( محمد العربي أبو حزم‪ ،‬عبد السالم ياسين اإلمام املجدد‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الطبعة ‪.47/1 ،2017/1439 ،2‬‬
‫((( املرجع نفسه‪.145/1 ،‬‬
‫((( الحســن اليو�ســي‪ ،‬املحاض ـرات‪ ،‬إعــداد محمــد حجــي‪ ،‬الربــاط‪ :‬مطبوعــات دار املغــرب‪ ،‬سلســلة األدب (‪،)1‬‬
‫‪ ،1976-1396‬ص ‪.7‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫‪ 140‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫و«كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا؟» التي نشرتها دار السلمي سنة ‪1963‬م‪ ،‬كانت قصيرة‬
‫جدا (‪1962-1961‬م)‪ ،‬مقارنة باملقررات الدراسية التي ألفها لوحده أو باشتراك مع غيره‬
‫ك»املطالعة الجديدة» بأجزائها األربعة‪ ،‬و«الحساب الجديد» و«الجديد في دروس األشياء»‪،‬‬
‫فقد امتدت نحو عشر سنوات إلى حدود عام ‪1972‬م(((‪.‬‬
‫املؤلف‪/‬الكتاب‪:‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -2-1‬نبذة عن‬
‫يقع كتاب «النصوص التربوية» ذو الحجم املتوسط في ‪ 173‬صفحة‪ ،‬وصدر عن دار السلمي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫في طبعته األولى سنة ‪ ،1963‬وكتب عنوانه واملستهدف به وسط صفحة الغالف «النصوص‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وصفته «تأليف عبد السالم ياسين‪،‬‬ ‫التربوية ملدارس املعلمين واملعلمات»‪ ،‬وأعالها ذكر املؤلف‬
‫ُ‬
‫مفتش التعليم االبتدائي‪ ،‬ومدير مدرسة املعلمين بمراكش»‪ ،‬وأثبتت دار الطبع والنشر وسط‬
‫أسفل الصفحة‪ .‬فما الذي حمل الكاتب على تأليف الكتاب؟ وأية مقاصد رام تحقيقها؟‬
‫‪ -1-2-1‬سياق تأليف الكتاب والباعث عليه‪:‬‬
‫يعتبر إدراك السياق الزمني والفكري لتأليف الكتب البيداغوجية املغربية أمرا مهما ال‬
‫غنى عنه للوقوف على بواعث التأليف ومقاصده‪ ،‬وللتأريخ الصحيح للذاكرة التربوية املغربية‪.‬‬
‫وكتاب «النصوص التربوية» الذي اعتبره الناشر «أحمد السلمي» «مفخرة من مفاخر الخزانة‬
‫املغربية‪ ،‬بل مفخرة من مفاخر الخزانة العربية»(((‪ ،‬جاء في سياق زمني مهم من تاريخ املغرب‪،‬‬
‫وسياق فكري عالمي وعربي ومحلي؛ إذ مست الحاجة بعد االستقالل إلى مغربة األطر التربوية‬
‫للرفع من مستوى العرض التعليمي باملدن والبوادي املغربية‪ ،‬عبر تأهيلهم وتكوينهم في املجال‬
‫التربوي اطالعا على املدارس التربوية العاملية وروادها ومبادئها وسيرورتها التطورية والسياقات‬
‫التاريخية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية التي نبتت فيها وتغذت منها وحكمت بناءها‬
‫النظري وتطبيقها امليداني‪ ،‬دون تغييب للسياق املغربي بمجاالته املختلفة‪ ،‬وخصوصيات‬
‫البيئة املغربية واملعلم املغربي والطفل املغربي‪ ،‬فال يمكن مباشرة تكوين املدرسين املغاربة‬
‫بمعزل عن األفكار املؤطرة للفلسفة التربوية‪ ،‬والدراسات التربوية في علم النفس واالجتماع‪...‬‬

‫((( محمد العربي أبو حزم‪ ،‬عبد السالم ياسين اإلمام املجدد‪.145/1 ،‬‬
‫((( مــن كلمــة الناشــر حــول الكتــاب املؤرخــة بالبيضــاء فــي ‪ 12‬مــارس ‪ ،1963‬عبــد الســام ياســين‪ ،‬النصــوص‬
‫التربويــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬دار الســلمي‪ ،‬الطبعــة ‪ ،1963 ،1‬ص ‪.5‬‬
‫التأليف البيداغوجي املبكرباملغرب وسؤاال القيمة والوظيفة‪« ..‬النصوص التربوية» مثاال ‪141‬‬

‫ضمن املؤلف عبد السالم ياسين في مقدمة كتابه «النصوص التربوية» البواعث الحاملة‬ ‫ّ‬
‫على تأليفه‪ ،‬واملقاصد التي يتغياها‪ ،‬يمكن عرضها مجملة في النقاط اآلتية‪:‬‬
‫‪ -‬تيسير عمل األستاذ املكون للنجاح في مهمته التدريسية للنصوص التربوية‪ ،‬وكفايته عناء‬
‫البحث عنها‪ ،‬أو ترجمتها‪ ،‬واستنساخها للطلبة‪ ،‬يقول املؤلف بعد ذكره هذه الصعوبات‪« :‬فلذا‬
‫رأينا أن نجمع نصوصا مختارة ونطبعها تيسيرا لعمل األستاذ‪ .‬وتوخينا في اختيارها املوضوع‬
‫الذي تشرحه‪ .‬وأهمية اآلراء التي تتضمنها بالنسبة لسير التربية وتطورها»(((‪.‬‬
‫‪ -‬تعريف الطالب املتدرب بـ «نماذج من الكتابات التربوية»(((‪ ،‬وتربيته على كيفية معالجة‬
‫ُ‬
‫الكتاب ملواضيعهم وإنشائها‪ ،‬وتدريبه على التمرس باألفكار املختلفة‪ ،‬ومعارضة بعضها ببعض‬
‫«حتى تصبح األفكار التربوية جزءا من تكوينه‪ ،‬وحتى يستطيع التحدث عن املواضيع العامة‬
‫حديثا شخصيا»(((‪.‬‬
‫‪ -‬إنجاح العالقة التفاعلية بين األستاذ املدرب والطالب املتدرب في قراءة النصوص التربوية‬
‫ومدارستها ومناقشة القضايا واملبادئ التربوية املتضمنة فيها بوضعها في إطار انتمائها العلمي‪،‬‬
‫وسياق إنتاجها النظري والتطبيقي‪ ،‬وتكييفها الوظيفي مع البيئة التربوية املغربية‪.‬‬
‫‪ -2-2-1‬بناء الكتاب‪:‬‬
‫ُ‬
‫إذا كان من عادة الكتاب مصارحة القارئ بالبواعث واملقاصد التأليفية إنجاحا للعملية‬
‫التواصلية‪ ،‬فإن األمر يتأكد أكثر إن كان الكتاب بيداغوجيا يستهدف تكوين املدرسين‪،‬‬
‫أو‪ ‬مدرسيا يروم تأهيل املتعلمين‪ .‬ولقد أدرك املؤلف البيداغوجي عبد السالم ياسين هذا األمر‪،‬‬
‫فلم َيضن على األستاذ املكون والطالب املتدرب ببيان دواعي الكتابة وأهدافها‪ ،‬ومنهاج التنزيل‬
‫األمثل للكتاب‪ ،‬مؤسسا له على بناء هيكلي متسق داخليا‪ ،‬وترتيب للنصوص متدرج ومنسجم‪.‬‬
‫بعد املقدمة ساق املؤلف ثمان وعشرين نصا معنونا‪ ،‬ليتبعها بثالثة فصول راعى فيها التوازن‬
‫في التربية‪ ،‬فوسم الفصل األول بـ «التربية العقلية» مدرجا فيه عشرة نصوص‪ ،‬والفصل‬
‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬النصــوص التربويــة‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ :‬دار ُّ‬
‫الســلمي للتأليــف والترجمــة والنشــر والطباعــة‬
‫والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.7‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪ 142‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫الثاني بـ «التربية الخلقية» ضم تسعة نصوص‪ ،‬بينما عنون الفصل الثالث واألخير بـ «التربية‬
‫الجسمية» وجعل تحته ستة نصوص‪ ،‬ليكون مجموع النصوص التربوية للكتاب ثالثة وخمسين‬
‫نصا‪ .‬وبعد عرض النص معزوا ملؤلفه ومقدما نبذة موجزة عنه‪ ،‬يتبعه بمالحظات مركزة‬
‫وموجهة إلدراك صلب املوضوع املعالج في النص‪ ،‬وإبراز معانيه تيسيرا لحسن إدارة النقاش‬
‫حوله‪ ،‬وليتجاوز البعد القرائي والتأويلي للنص‪ ،‬يذيل املالحظات بتمارين متنوعة تدريبية‬
‫على مناقشة األفكار وإبداء اآلراء‪ ،‬واختبارية للمستوى الفهمي والتعبيري للطلبة املتدربين‪.‬‬

‫‪ -3-2-1‬مصادرالكتاب‪:‬‬
‫إن تجميع الكاتب لثالث وخمسين نصا تربويا‪ ،‬وتضمينها كتابه بشكل متدرج يراعي‬
‫الجانب املوضوعاتي من جهة‪ ،‬والبعد التكويني للطلبة املتدربين من جهة أخرى‪ ،‬ينم عن الجهد‬
‫االستقصائي املبذول في اإلحاطة بالنصوص‪ ،‬والجهد االنتقائي لها لتؤدي وظيفتها‪ ،‬وتحقق‬
‫الغرض التأليفي منها‪ .‬فمطالعاته لرواد التربية جعلته يحتك بمصادر تربوية متعددة‪ ،‬لعل‬
‫إيراد بعض املالحظات يسعف في إبراز قيمة الكتاب‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الكتاب لكتاب عرب وأجانب‪ ،‬فغلب النقل عن الكتاب الغربيين‪ ،‬وقل‬ ‫‪ -‬تنوع مصادر ِ‬
‫ُ‬
‫عن الكتاب العرب‪ ،‬ولعل ذلك ُيعزى ألسباب‪ ،‬منها تأثره بالثقافة الغربية‪ ،‬ومطالعته للفكر‬
‫التربوي الغربي بفعل توفر املصادر األجنبية‪ ،‬وتضلعه في اللغات خاصة الفرنسية‪ ،‬وندرة‬
‫الكتب العربية املهتمة بالفكر التربوي اإلسالمي املحيية له في فترة تأليف الكتاب‪ ،‬أو ضغط‬
‫الحاجة إلى تأليفه لم يسعف املؤلف في البحث عن املصادر العربية إال ما كان متوفرا من‬
‫الكتب املعروفة التي قاربت ‪ -‬ضمن مقارباتها‪ -‬التعليم وطرقه كإحياء علوم الدين‪ ،‬ومقدمة‬
‫ابن خلدون الذين نقل عنهما بعض النصوص‪ ،‬أو كتاب «مستقبل الثقافة في مصر» لطه‬
‫حسين‪ ،‬أو كتاب «التربية في رأي القاب�سي» للدكتور األهواني‪ ،‬الذي اختصر عليه جهد االطالع‬
‫على األفكار التربوية للفالسفة واملربين املسلمين‪ ،‬فاختار منه نصوصا عدة‪ ،‬فكان معتمده في‬
‫مقاربة عدد من القضايا التربوية كتعليم البنات‪ ،‬وطبيعة املعرفة‪ ،‬ومنظور ابن سينا للتربية‪،‬‬
‫املوجهة للتلميذ على أساس طبقي‪...‬‬
‫وابن مسكويه في تأديب األحداث‪ ،‬واملدارس الفارسية ِ‬
‫ُ‬
‫‪ -‬اختالف تخصصات الكتاب املنقول عنهم‪ ،‬ففيهم فالسفة وعلماء نفس واجتماع ومربين‬
‫ُ‬
‫ولغويين وكتاب مسهمين في الحقل التربوي‪ ،‬لكن القاسم املشترك بينهم هو مقاربة قضايا‬
‫التأليف البيداغوجي املبكرباملغرب وسؤاال القيمة والوظيفة‪« ..‬النصوص التربوية» مثاال ‪143‬‬

‫التربية والتعليم‪ ،‬وهذا التنوع في النقل ُي ِنم عن سعة اطالع الكاتب عبد السالم ياسين‪ ،‬وعدم‬
‫ُ‬
‫حساسيته من األفكار التربوية القديمة أو الحديثة‪ ،‬العربية واإلسالمية أو الغربية‪ ،‬فالكتاب‬
‫ينتمون لجنسيات مختلفة‪ ،‬وملدارس تربوية متعددة ومتباينة أحيانا‪ ،‬ولم ينحصر نقله في‬
‫ُ‬
‫سوق نصوص الكتاب الفرنسيين واألمريكيين‪.‬‬
‫‪ -‬املسح التاريخي ألهم وأبرز األفكار التربوية ومدارسها‪ ،‬إذ غطت حقبا تاريخية متعددة‬
‫شملت عصور اإلغريق واليونان والعرب‪ ،‬والعصر الوسيط والعصر الحديث‪ ،‬وقد ذكر‬
‫املؤلف تواريخ ميالد املنقول عنهم ووفياتهم‪-‬أغلبهم‪ ،-‬مع إسهامهم في التأليف التربوي عبر‬
‫الكتب والدراسات‪:‬‬
‫‪ -‬القرن الثاني ما قبل امليالد‪« :‬تيرانس» الشاعر الهزلي الروماني في كتابه «اإلخوان»‪،‬‬
‫والقرن السادس ما قبل امليالد‪« :‬كونفوشيوس» الصيني‪.‬‬
‫‪ -‬القرن الخامس امليالدي‪« :‬سقراط» الحكيم اليوناني (‪469-400‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬من القرن العاشر إلى الخامس عشر امليالدي‪« :‬ابن مسكويه» الطبيب والفيلسوف (‪-932‬‬
‫‪1030‬م) مؤلف كتاب «تهذيب األخالق وتطهير األعالق»‪ ،‬و«ابن سينا» الفيلسوف والطبيب‬
‫واألديب والريا�ضي (‪1037-980‬م)‪ .‬و«الغزالي» األصولي واملتكلم‪1111-1058( ،‬م)‪ ،‬و«ابن‬
‫خلدون» املؤرخ (‪1406-1332‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬من القرن الخامس عشر إلى العشرين‪« :‬أراسم» العالم والفيلسوف واألديب الهوالندي‬
‫(‪1556-1467‬م) مؤلف كتابين في التربية‪ ،‬واملربي واللغوي التشيكي «كومنيوس» (‪-1572‬‬
‫‪1670‬م) صاحب الكتب العديدة في التربية‪ ،‬والفيلسوف اإلنجليزي «جون لوك» (‪-1632‬‬
‫‪ )1704‬مؤلف «آراء في التربية»‪ ،‬والفيلسوف «جان جاك روسو» (‪ )1778-1712‬مؤلف كتاب‬
‫«إميل»‪ ،‬وصاحب املبادئ التربوية ذات الفضل على التربية الحديثة‪ ،‬واملربي السويسري‬
‫«بستالوتزي» (‪ )1827-1746‬مؤسس مدرسة لتربية األطفال املشردين‪ ،‬طبق فيها آراءه‬
‫التربوية‪ ،‬والفيلسوف األملاني «فروبل» مبدع «حديقة األطفال»‪ ،‬و«وليام جيمس» (‪-1840‬‬
‫‪ )1910‬الفيلسوف األمريكي املنظر للتربية ذات الغاية العملية‪ ،‬وعالم النفس الفرن�سي «بيني»‬
‫املتخصص في علم النفس التجريبي و«أبو مقاييس الذكاء»‪ ،‬والفيلسوف واملربي الفرن�سي‬
‫«جول بايو» املولود سنة ‪ 1859‬صاحب إسهام تأليفي في التربية املشارك في املجالت املختصة‪، ،‬‬
‫‪ 144‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫والفيلسوف واملربي األمريكي «جون ديوي» (‪ )1952-1859‬من «مفكري املدرسة البراكاتيكية»‬


‫التي تدعو إلى التربية عن طريق العمل»‪ ،‬والفيلسوف الفرن�سي «آالن» (‪ )1951-1868‬مؤلف‬
‫«مقاالت في التربية» الداعي إلى دراسة الطفل أثناء العمل‪ ،‬واملربية اإليطالية الدكتورة‬
‫منتسوري (‪ )1952-1869‬مخترعة نشاط األطفال الحر بأدوات تعليمية خاصة‪ ،‬وعالم النفس‬
‫البلجيكي «دكرولي» (‪ ،)1932-1871‬والكاتب الفرن�سي «مونتنى» صاحب كتاب «املحاوالت»‬
‫الذي يتلخص مذهبه في قوله‪« :‬إن عقال أحسن تكوينه‪ ،‬خير من عقل مليئ إلى غايته»‪ ،‬وعالم‬
‫النفس السويسري «كالبريد» (‪ )1873‬ذو الدراسات املتعددة حول نفسية الطفل‪ ،‬والكاتب‬
‫الفرن�سي «جورج دوهاميل» صاحب املقاالت العديدة عن الطفولة‪ ،‬وعالم النفس السويسري‬
‫«بياجي» ذو الدراسات واملؤلفات املسهبة حول نمو الطفل وذكائه وحياته االجتماعية وكالمه‬
‫خصوصا‪ ،‬واملصري الدكتور «أحمد فؤاد األهواني» (‪ )1970-1908‬مؤلف الكتب املتعددة في‬
‫التربية والفلسفة‪ ،‬والكاتب واألديب املصري «طه حسين» (‪.)1973-1889‬‬

‫‪ -2‬كتاب «النصوص التربوية» وسؤال الوظيفة‪:‬‬

‫كانت مقاربة مسيرة الكاتب التحصيلية واملهنية والتأليفية في املجال التربوي‪ ،‬وطبيعة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ومصادره‪ ،‬كفيلة‬ ‫ومقاصده‪ ،‬وبناؤه‬ ‫سياق التأليف‬ ‫كتاب «النصوص التربوية» من حيث‬
‫باإلجابة عن سؤال القيمة الذي يستتبع لزوما اإلجابة عن سؤال وظيفة الكتاب من خالل‬
‫كشف ُبعديه املعرفي واملنهجي‪.‬‬
‫‪ -1-2‬البنية املضمونية لكتاب «النصوص التربوية»‪:‬‬
‫تشكل النصوص التربوية للكتاب مادة معرفية خصبة ألهم اآلراء واالتجاهات التربوية‬
‫في الفكر التربوي العربي والغربي‪ ،‬وإن التصفح املسحي والتفحص التتبعي لهذه النصوص‬
‫يوقف الباحث على حوامل معرفية كانت قوام تكوين املعلمين واملعلمات‪ ،‬ويمكن تصفيفها‬
‫دون مراعاة ورودها الترتيبي في الكتاب ضمن عناوين كبرى‪.‬‬
‫‪ -1-1-2‬الحوامل املعرفية للكتاب‪:‬‬
‫‪ -‬علم النفس موضوعا وأهمية‪ :‬علم النفس «يضع اإلطار الذي يتحرك فيه فن التربية»‪،‬‬
‫وهو إلى جانب العلوم االستراتيجية «بمثابة القانون الذي يحدد املنهاج ويوضحه ويمنع‬
‫التأليف البيداغوجي املبكرباملغرب وسؤاال القيمة والوظيفة‪« ..‬النصوص التربوية» مثاال ‪145‬‬

‫من الوقوع في الزلل»‪ ،‬و«ال يغني عن خبرة املعلم الشخصية وقابليته لالستفادة من حدسه‬
‫وتطلعه العاطفي للطفولة»(((‪.‬‬
‫‪ -‬التربية غاية ووظيفة‪ :‬عنون الكاتب بعض النصوص بـ «علم النفس وفن التربية»‪،‬‬
‫«التربية والسلوك»‪« ،‬التربية في نظر عالم االجتماع»‪« ،‬نقد لبعض تعريفات التربية»‪ ،‬وقارب‬
‫من خاللها ماهية التربية وغايتها ووظيفتها‪ ،‬وخالصة ذلك كون غاية التربية حسب «روسو»‬
‫تكوين امللكات الجسمية والعقلية والخلقية وفق «قانون النمو التدريجي»‪ .‬وتستلزم التربية‬
‫تجنيب الطفل العادات الفاسدة في املجتمع‪ ،‬وتنظيم العادات املكتسبة وامليول إلى العمل‪ ،‬في‬
‫البيئة األسرية واملدرسية واالجتماعية‪ ،‬إذ «للبيئة واملدرسة نفس األهمية في تكوين الطفل»(((‪.‬‬
‫‪ -‬املعلم‪ :‬مواصفات ومسؤوليات‪ :‬أولى الكاتب عناية كبيرة للمعلم لكونه املخاطب الرئيس‬
‫بنصوص الكتاب‪ ،‬فيشترط فيه بوصفه مترشحا ملهنة التعليم الجمع بين املوهبة والدراسة‬
‫والتعلم‪ ،‬ضمن نظام تكوين في مدارس املعلمين يهدف إلى تربية شخصية مؤهلة وحرة‬
‫وكريمة‪ ،‬جاء في النص املوسوم ب»مدارس املعلمين» املقتطف من كتاب «مستقبل الثقافة‬
‫في مصر» لطه حسين‪« :‬فإنك تطلب إلى املعلم األولي أن يبث في نفس الطفل العزة والكرامة‬
‫وحب الحرية واالستقالل‪ ،(((»...‬وتساءل الكاتب في التمرين عقب إيراد النص «فكيف يمكن‬
‫أن يكون في مدرسة املعلمين نظام يعطي الطالب حريته ويوفر له كرامته؟»(((‪ُ .‬ي َمكن هذا البناء‬
‫للشخصية املعلم من االنفتاح على حاجة املجتمع إلى تكوين جيل قوي‪ ،‬تقر أعين األسر بتربيته‬
‫وتعليمه‪ ،‬وعلى حاجة االقتصاد «التي تحتم على املعلم أن يكون عمله مجديا منتجا»(((‪ ،‬ويسهم‬
‫في التوجيه املنهي للمتعلم(((‪ .‬وملزيد من اإليضاح يمكن تصنيف مواصفات املعلم ومسؤولياته‪:‬‬

‫الســلمي للتأليــف والترجمــة والنشــروالطباعــة‬ ‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬النصــوص التربويــة‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دار ُّ‬
‫والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.38‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫((( يعــرض النــص التربــوي «املــدارس فــي فــارس» للتوجيــه املنهــي لألطفــال علــى أســاس طبقــي‪ ،‬دون مراعــاة امليــل‬
‫واألهليــة‪ ،‬لكــون مبــدأ التعليــم يقــوم علــى «الفصــل بيــن الطبقــات»‪ ،‬وألهميــة التوجيــه فــي حيــاة املتعلــم ذيــل الكاتــب‬
‫النص بتمرين من سؤالين هما‪ :‬ما هي فائدة التوجيه املنهي في نظرك؟ وملاذا أصبح التوجيه املنهي واجبا في عصرنا‬
‫هــذا؟‪ ،‬املرجــع نفســه‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ 146‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫املواصفات الخلقية التربوية‪ :‬الرزانة والوقار((( وتقديم القدوة ليكون نموذجا قويا‪،‬‬
‫يقول الكاتب في خاتمة مالحظاته على النص التربوي «الطفل بين املجتمع املدر�سي واملعلم»‪:‬‬
‫«وللمعلم مكانة خاصة بين هذه العوامل ال تضاهيه مكانة رفقاء الطفل‪ ،‬وربما ال تضاهيه‬
‫أيضا حتى مكانة األبوين إذا كان املعلم نموذجا قويا»(((‪ ،‬هذه املكانة تفرض على املعلم حسب‬
‫الكاتب موقعا وسطا حين قال‪« :‬واملعلم وسط بين األب والصديق»(((‪.‬‬
‫* احترام شخصية التلميذ‪ ،‬واإلحساس بمكانة العادة في ترسيخ الخلق الطيب‪ ،‬وتعزيز‬
‫املنافسة الذاتية لديه لعدم كفاية املنافسة البينية في تغذية الحافز التعلمي‪ ،‬فقد تصير عامال‬
‫مولدا للحسد‪ ،‬وحسن استعمال نظام الثواب والعقاب‪.‬‬
‫* املحافظة على النظام مع «شعب األطفال» بالقوة املعنوية التي تقت�ضي مراجعة مع تقدم‬
‫الطفل في السن‪ ،‬وتحرر شخصيته واتجاهها نحو االستقاللية‪ ،‬وبذلك صرح الكاتب بقوله‪:‬‬
‫«لكنه ال يلبث أن يستيقظ للواقع‪ ،‬ويحس بشخصيته الحرة الناشئة وحينئذ يكون واجب‬
‫املربي أن يراجع األسس التي بنى عليها سلطته‪ ،‬وإال أخل بواجبه التربوي الذي يريد أن يكون‬
‫جيال من األفراد األحرار الذين يتصرفون بداعي الضمير‪ ،‬وعلى خطة الشعور باملسؤولية»(((‪،‬‬
‫«في احترام القوانين بعد إدراك مغزاها»(((‪ ،‬فاملحافظة على النظام في الوسط التربوي تقوم‬
‫على الحرية املسؤولة‪ ،‬وتعني االنتظام الطوعي التلقائي ال االنضباط القسري القهري‪ ،‬وإلى‬
‫هذا الفرق أشار «واصف البارودي» في كتابه «أجواء التربية والتدريس» بقوله‪« :‬ففي معاني‬

‫((( قــال املؤلــف فــي كتابــه «مذك ـرات فــي التربيــة» فــي معــرض حديثــه عــن طبــع املعلــم وعاطفتــه‪« :‬وكمــا نرغــب فــي‬
‫أن يكــون للمعلــم تحمــل وصبــر‪ ،‬ومعرفــة واســعة متينــة‪ ،‬فكذلــك نرغــب فــي أن يكــون لــه طبــع متيــن‪ ...‬طبــع ال يتــرك‬
‫الغضب يستولي على املعلم فيصيح أويلعن‪ ،‬ويحتنق وجهه وتكثرحركاته‪ .‬أويهدد تهديدا مستمرا‪ »...‬ويردف منبها‬
‫على صعوبة املهنة لكثرة املهام املنوطة باملعلم بقوله‪« :‬هذا وإن التمسك بالرزانة صعب في مهنة التعليم‪ ،‬فكثرة‬
‫أعمال املعلم وتنوعها‪ ،‬وحرصه على أن تنجزهذه األعمال كما يجب أن تنجز‪ ،‬تشجعه على التسلط املطلق على‬
‫التالميــذ‪ .‬فيريــد أن يفعلــوا إذا أمــر‪ ،‬وينتهــوا إذا أمــر‪ .‬وإذا اعتــاد ذلــك‪ ،‬وتــرك الحيطــة مــن هــذا االتجــاه‪ ،‬أوشــك أن‬
‫يغضــب للتافــه البســيط مــن األمــور»‪ ،‬عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذكـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدار‬
‫البيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف والترجمــة والنشــروالطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.55‬‬
‫الســلمي للتأليــف والترجمــة والنشــروالطباعــة‬ ‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬النصــوص التربويــة‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دار ُّ‬
‫والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.55‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.160‬‬
‫التأليف البيداغوجي املبكرباملغرب وسؤاال القيمة والوظيفة‪« ..‬النصوص التربوية» مثاال ‪147‬‬

‫االنتظام التألف‪ ،‬والتجمع‪ ،‬واالتساق‪ ،‬واالنسجام‪...‬وفي هذه املعاني كلها يبرز عنصر الجمال‪،‬‬
‫وال أحد ينكر صلة الجمال بالحرية والتحرر‪ ،‬علميا وخلقيا‪ ،‬السيما وفي االنضباط إكراه‪ ،‬أو‬
‫محاوالت إقناع‪...‬وفي االنتظام طاعة‪ ،‬في اقتناع‪.(((»...‬‬
‫املواصفات العلمية والتعليمية‪ :‬أخذت حيزا كبيرا في الكتاب‪ ،‬إذ مدار النصوص التربوية‬
‫على نجاح املعلم في مهمته التدريسية‪ ،‬وذلك رهين بامتالكه معارف ومواقف ومهارات يمكن‬
‫عرضها على الشكل اآلتي‪:‬‬
‫ •معرفة مراحل نمو الطفل‪ ،‬وحاجاته السيكولوجية لوضع األنشطة املالئمة لتمرير‬
‫املعرفة‪ ،‬فالفيلسوف «آالن» يرى ضرورة معرفة الطفل باملالحظة والتجربة بوضعه‬
‫في وضعيات تعليمية تعلمية‪« ،‬وإن رأي الفيلسوف الكبير أن البد من تعليم الطفل‬
‫إذا أردنا أن نعرفه ال العكس»(((‪ ،‬والفيلسوف «روسو» «يرى أن يعنى املربي بالطفل‬
‫واهتمامه‪ ،‬وطبيعة نموه‪ ،‬وأن يخضع املنهاج لحاجات الطفل الحيوية أو بعبارة أخرى‬
‫يريد الفيلسوف أن يكون الطفل نفسه‪ ،‬ال املنهاج»(((‪ ،‬وفي توجيه الكاتب لنص الدكتورة‬
‫«منتسورى» حول «انتباه الطفل ونموه السيكولوجي» نحو املنحى التطبيقي يقول‪« :‬وفي‬
‫والناحية التطبيقية التي تعنينا في كل هذا‪ ،‬هي الطريقة التي نتمكن بها من تسخير االندفاع‬
‫الباطني ألغراضنا التعليمية»(((‪.‬‬
‫ •دراسة التلميذ ومعرفة قدرته إلحسان اختيار طرق التدريس املالئمة‪ ،‬وفي مالحظة‬
‫املؤلف على نص الكاتب الفرن�سي «جورج دو هاميل» استلهام لدرس مفاده عدم التحمس‬

‫((( واصــف البــارودي‪ ،‬أجــواء التربيــة والتدريــس‪ ،‬سلســلة التربيــة ثــورة وتحــرر ‪ ،2‬بيــروت‪ :‬طبــع املطبعــة التجاريــة‪،‬‬
‫دارالنشــرللجامعييــن‪ ،‬بــدون تاريــخ‪ ،‬ومقدمــة الكتــاب خطهــا املؤلــف ببيــروت كانــون األول‪ ،1957 ،‬ص ‪ .266‬وقــد‬
‫عــرف االنتظــام قائــا‪« :‬هــو وضــع نف�ســي‪ ،‬يكتســبه الولــد‪ ،‬بفضــل وســائل تربويــة صالحــة‪ ،‬فيصبــح علــى اســتعداد‬
‫لطاعة األنظمة‪ ،‬اقتناعا‪ ،‬ال يشوشه إكراه‪ ،‬بالقسوة‪ ،‬وال يشوبه ر�شى‪ ،‬لإلقناع‪...‬فليس الهدف منه راحة املعلم‪،‬‬
‫بهــدوء مصطنــع‪ ،‬مؤقــت‪ ،‬فــي الزمــن الحاضــر‪ ،‬وإنمــا يســتهدف أنظمــة وأوضاعــا‪ ،‬تحقــق انســجاما طبيعيــا‪ ،‬مــع‬
‫النا�شــئ فــي فطرتــه‪ ،‬ومــع مــا تقتضيــه طبيعــة مجتمــع‪ ،‬ســيحيا فيــه‪ ،‬ويعيــش!‪ »...‬ص ‪.270‬‬
‫الســلمي للتأليــف والترجمــة والنشــر والطباعــة‬‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬النصــوص التربويــة‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ :‬دار ُّ‬
‫والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.75‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪ 148‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫للطرق والتسرع في استعمالها «بداعي جاذبية املوضات ألنها طبقت في هذا البلد أو ذاك»‬
‫ألن ذلك يف�ضي إلى «جمود الفكر»‪ ،‬ويختم مالحظاته بقوله‪« :‬ولعله (يقصد الكاتب)‬
‫يتفق لو قيل في هذه املناقشة بأن أول واجبات املربي أن يعرف الطفل أوال ثم يبحث‬
‫كيف يؤثر فيه األثر الطيب‪ ،‬ال باعتماد طريقة يتعصب لها‪ ،‬لكن باملحاوالت املتجددة‬
‫املتكيفة بالظروف والحاجات»(((‪.‬‬
‫ •التخطيط للتعليم بإحكام وإتقان‪« ،‬فمن الواجب أن يكون الدرس محل العناية وميزان‬
‫عقل املدرس»(((‪.‬‬
‫ •بعث اهتمام الطفل بالدرس‪ ،‬ومدار االهتمام حسب الفيلسوف واملربي األمريكي «جون‬
‫ديوي»يتركزعلىمايشكللهدافعاذاتيا‪،‬وميال«لبذلنشاطهالفائض‪،‬واستجابةلكلصعوبة‬
‫تعترضه وتتحداه»(((‪ ،‬وليس االهتمام املزيف بسبب العجز أو الخوف من سوء‪ ‬العاقبة‪.‬‬
‫ •التعليم بالحواس تنمية لإلدراك الح�سي عن طريق املالحظة‪ ،‬فللتشخيص باملحسوس‬
‫والحدس الح�سي أهمية في اكتساب املعرفة‪ ،‬خاصة في فترة االنتقال من املرحلة الحاسية‬
‫إلى املرحلة التعقلية‪ ،‬ويوظف املعلم في ذلك الوسائل التعليمية بعد التأمل في وظائفها‪،‬‬
‫والتفكير في أحسن الطرق الستعمالها(((‪ ،‬ويبدع في دروسه تبعا لطبيعة كل حاسة‪ ،‬كما‬
‫نبه املؤلف في قوله‪« :‬بل إن تنوع الحواس نفسها لتعطي املعلم فرصة اإلبداع في دروسه‬
‫وجعلها جذابة على غرار ما يشاهد في عمل الطبيعة»(((‪.‬‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬النصوص التربوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫((( محمــد الطاهــربــن عاشــور‪ ،‬أليــس الصبــح بقريــب‪ ،‬التعليــم العربــي اإلســامي‪ ،‬دراســة تاريخيــة وآراء إصالحيــة‪،‬‬
‫تونــس‪ :‬دارســحنون‪ ،‬دارالســام‪ ،‬الطبعــة ‪1436 ،4‬هــ‪2015/‬م‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫((( عبد الســام ياســين‪ ،‬النصوص التربوية‪ ،‬مرجع ســابق‪ ،‬ص ‪ ،121-120‬وقد ذكراملؤلف في مســتهل مالحظاته‬
‫على نص «جون ديوي» املوسوم بـ «االهتمام الطبيعي واملحرضات االصطناعية» أن الكاتب «من أشهرمن كتب‬
‫في العصرالحديث في موضوع االهتمام»‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫((( املرجــع نفســه‪ ،‬ص ‪ ،12‬وقــد جعــل املؤلــف نــص «أدوات التعليــم فــي املدرســة االبتدائيــة علــى عهــد اإلغريــق»‬
‫فاتحة نصوص الكتاب التربوية‪ ،‬مشيرا في مالحظاته على النص إلى أدوات التعليم في املدرسة اإلغريقية وإمكان‬
‫مقارنتها باألدوات املعهودة في الكتاتيب العتيقة‪ ،‬منبها إلى ضرورة تأمل األدوات املدرسية الحديثة وما تتيحه من‬
‫تســهيالت للطفل في أعماله‪.‬‬
‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬النصوص التربوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫التأليف البيداغوجي املبكرباملغرب وسؤاال القيمة والوظيفة‪« ..‬النصوص التربوية» مثاال ‪149‬‬

‫ •التربية العقلية للطفل باعتماد التعلم باالكتشاف الذاتي‪« ،‬فينبغي أن يكتفي املعلم‬
‫بإرشاده إلى طرق إنجازه (أي العمل املراد إنجازه من الطفل)‪ ،‬إما بوضع األسئلة‬
‫املناسبة أو بتيهيء وسائل البحث‪ ،‬وتوفيرها له‪ .‬وعليه بعد أن يفتح الطريق بأسئلته أن‬
‫يشجع الطفل كلما رأى منه بادرة ذكاء في حل املشكلة‪ ،‬حتى يحبب إليه العمل‪ ،‬ويشعره‬
‫الغبطة الكبرى التي يذوقها املرء عندما يتغلب على صعوبة جديدة»(((‪ .‬فاملعلم «في نظر‬
‫كونفوشيوس‪ ،‬وفي نظر املربين املحدثين‪ ،‬ينبغي أن يعود تلميذه االعتماد على نفسه في‬
‫بلوغ النتائج‪ ،‬لكي يتعلم التفكير بنفسه‪ ،‬فتنمو بذلك ملكاته العقلية‪ ،‬وهذا ال يتيسر‬
‫إذا كان املعلم يحل املشاكل وحده‪ ،‬وال يترك للتلميذ إال عناء تقليده والنقل عنه»(((‪،‬‬
‫وإلى هذا أشار مؤلفو كتاب «علم النفس وآداب املهنة» بقولهم‪« :‬واملعلم يهتم بالتربية‬
‫العقلية للتلميذ فيعلمه طريقة التفكير السليم‪ ،‬ويدربه على حل املشكالت»(((‪.‬‬
‫ •نهج الحوار وطرح السؤال مع فتح املبادرة للمتعلمين للتعبير عن أفكارهم بجمل كاملة‪،‬‬
‫واستنتاج األحكام بأنفسهم؛ فاالستماع للطفل وهو يتكلم أمر في غاية األهمية «لكي‬
‫نعرف مقدار فهمه لواقعه املدر�سي أو االجتماعي‪ ...‬ونتطلع إلى ما ينم عنه من نضج في‬
‫التفكير االجتماعي»(((‪ ،‬إلى جانب تمكين الطفل من إجراء تجارب صحيحة‪ ،‬وتعويده‬
‫على إصدار أحكام سديدة‪ ،‬بإعطاء العقل التفتح والدقة الالزمين للنفاذ إلى حقائق‬
‫األشياء‪ ،‬وتكوين رأي خاص به‪ ،‬ال يعتمد فيه إال على نتائج مالحظاته الشخصية‪ ،‬وقد‬
‫لخص املؤلف نظرة املربي الفرن�سي «جول بايو» لتربية الحكم بقوله‪« :‬وبين الكاتب‬
‫أن تربية الحكم تقت�ضي االكتفاء باملبادئ الجوهرية‪ ،‬ونقش الذكاء‪ ،‬وتوجيه االنتباه‪،‬‬
‫واالقتصاد في تحميل الذاكرة»(((‪.‬‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬النصوص التربوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.100-99‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫((( محمــد الســرغيني‪ ،‬محمــد علــي الهمشــري‪ ،‬محمــد عبــد الحميــد الدميــري‪ ،‬محمــد العالــم‪ ،‬علــم النفــس وآداب‬
‫املهنــة لطلبــة املعلميــن واملعلمــات وطــاب الكفــاءة‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬مطبعــة النجــاح‪ ،‬نشــروتوزيــع مكتبــة الرشــاد‪،‬‬
‫بــدون تاريــخ‪ ،‬وتقديــم الكتــاب مــؤرخ بفبرايــر ‪1963‬م‪ ،‬ص ‪.174‬‬
‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬النصوص التربوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.79‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.117‬‬
‫‪ 150‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫ •العمل بمبدأ التدرج في التعليم والتعلم وترتيب املعارف حسب أهميتها وتسلسلها‬
‫وتماسكها‪ ،‬لتفاوت قدرات املتعلمين في الفهم والذكاء والتحصيل‪ ،‬ولتحقيق تفريد‬
‫التعليم تطبيقا للبيداغوجيا الفارقية((( املبنية على مراعاة الفروق الفردية بينهم‪.‬‬
‫ •تثبيت الحقائق بالتكرار تحصيال للملكة باعتبارها «قوة الفكر في التصرف في العلم‬
‫املدروس واستعماله استعماال صالحا»(((‪ ،‬وهذا يعكس وظيفية التعلم‪ ،‬فال معنى لعلم‬
‫ال ينتقل إلى عمل‪ ،‬ومعرفة نظرية ال تتحول إلى تطبيق‪ ،‬فـ «كمال العلم في االتصاف‬
‫به»(((‪ ،‬وبذلك يمكن تسمية العلم الذي حصله املتعلم «العلم املستعمل» و«العلم‬
‫الباعث على العمل»(((‪ ،‬فاملعلم وظيفي في تدريسه‪ ،‬فإلى جانب تربية املتعلم على توظيف‬
‫تعلماته ومواقفه ومهاراته‪ ،‬فهو يسهم في تعديل سلوكه‪ ،‬قال مؤلفو كتاب «علم النفس‬
‫وآداب املهنة‪« :‬أما عن دور املعلم في التعليم فهو‪ :‬التعليم الجيد الذي يقوم على تعديل‬
‫سلوك التالميذ‪ .‬وليس مجرد حفظ واستظهار حقائق خامدة ميتة غير وظيفية‪ ،‬فال‬
‫عبرة بعلم ال يصحبه العمل‪ ،‬وال عبرة بدروس ال يطبقها التالميذ في الحياة»(((‪ .‬وهذا‬
‫الذي بات يعرف في الحقل التربوي بالكفايات وبنائها واستراتيجيات اكتسابها‪ ،‬فعالم‬
‫االجتماع الفرن�سي واملدرس املتخصص في علوم التربية «فيليب بيرنو» يرى بأن الكفاية‬
‫تعلم ُيبنى‪ ،‬وخبرة تتجمع تؤهل املتعلم لحسن التصرف‪ ،‬فهي «قدرة على التصرف‬
‫بفعالية في نمط محدد من الوضعيات‪ ،‬وهي قدرة تستند إلى املعارف‪ ،‬لكنها ال تختزل‬
‫فيها»(((‪ ،‬ويوضح األمر بقوله‪« :‬إن كفاية الخبير تتجاوز الذكاء العملي‪ ،‬وتتأسس على‬

‫((( ينظــر محمــد شــرقي‪« ،‬البيداغوجيــة الفارقيــة وإغ ـراءات التطبيــق داخــل املدرســة املغربيــة»‪ ،‬مجلــة علــوم‬
‫التربية‪ ،‬املجلد الثالث‪ ،‬العدد الخامس والعشرون (ملف خاص عن الكفايات)‪ ،‬أكتوبر ‪ ،2003‬ص ‪،135-131‬‬
‫وحيــاة شــتواني‪« ،‬البيداغوجيــا الفارقيــة أداة لتحســين جــودة التعلمــات»‪ ،‬مجلــة علــوم التربيــة‪ ،‬العــدد الثانــي‬
‫والخمســون‪ ،‬يونيــو ‪ ،2012‬ص ‪.112-103‬‬
‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬النصوص التربوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫((( ابن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬املكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪ :‬صيدا‪ ،‬طبعة ‪1425‬هـ‪2005 /‬م‪ ،‬ص ‪.460‬‬
‫((( أبــو إســحاق الشــاطبي‪ ،‬املوافقــات فــي أصــول الشــريعة‪ ،‬اعتنــى بــه عبــد هللا دراز‪ ،‬القاهــرة‪ :‬املكتبــة التجاريــة‬
‫الكبــرى‪ ،‬د‪.‬ت‪.69/1 ،‬‬
‫((( محمــد الســرغيني‪ ،‬محمــد علــي الهمشــري‪ ،‬محمــد عبــد الحميــد الدميــري‪ ،‬محمــد العالــم‪ ،‬علــم النفــس وآداب‬
‫املهنــة‪ ،‬مرجــع ســابق‪ ،‬ص ‪.174‬‬
‫‪(6) Philippe perrenoud:Construire des copetences des lecole , 2 ed , ESF editeur 1998, paris, P 7.‬‬
‫نقال عن لحسن بوتكالي‪« ،‬مفهوم الكفايات وبناؤها عند فيليب بيرنو»‪ ،‬مجلة علوم التربية‪ ،‬املجلد الثالث‪،‬‬
‫العدد الخامس والعشرون (ملف خاص عن الكفايات)‪ ،‬أكتوبر ‪ ،2003‬ص ‪.76‬‬
‫التأليف البيداغوجي املبكرباملغرب وسؤاال القيمة والوظيفة‪« ..‬النصوص التربوية» مثاال ‪151‬‬

‫خطاطات استكشافية وقياسية خاصة‪ ،‬وعلى طرق حدسية وإجراءات لتحديد نوع‬
‫املشكلة وحلها‪ ،‬وهذا ما يسرع تحريك املعارف املالئمة ونقلها‪ ،‬كما يسند البحث وبلورة‬
‫استراتيجية التصرف املناسبة»(((‪.‬‬
‫‪« -2-1-2‬النصوص التربوية» من التعريف إلى التوظيف‪:‬‬
‫لم يكتف املؤلف في مالحظاته على «النصوص التربوية» بتلخيص أفكار املنقول عنهم‪،‬‬
‫بل يوجهها توجيها يمكن من فهمها وفتح آفاق تطبيقها في السياق التربوي املغربي من املعلم‬
‫املغربي‪ ،‬ولم تمنعه قاماتهم الكبيرة من االستدراك على أفكارهم‪ ،‬وفي ذلك توجيه للطالب‬
‫املتدرب واملعلم املمارس إلى عدم التهيب من فهمها ومعارضة بعضها ببعض ونقدها وتكييف‬
‫تنزيلها الختالف البيئة التربوية‪ .‬واملقتطفات اآلتية كفيلة بأن توضح األمر‪:‬‬
‫ •التوفيق والجمع بين اآلراء‪« :‬ونظن أن الصواب بين الرأيين‪ ،‬وإن للبيئة واملدرسة نفس‬
‫األهمية في تكوين الطفل»(((‪.‬‬
‫ •الربط بين األفكار التربوية القديمة والحديثة بما يحقق التحيين والتكييف‪« :‬فإذا‬
‫ترجمنا النص إلى لغة التربية الحديثة‪ ،‬أمكننا أن نتحدث عن التشويق والتعليم الح�سي‪.‬‬
‫وأمكننا أن نفهم ما قاله الكاتب عن التنافس وبذل الجهد على ضوء ما وصل إليه علم‬
‫النفس الحديث من اكتشافات في هذا الباب»(((‪.‬‬
‫ •توسيع الرأي تطعيما له كما فعل مع العالم «كالبريد»‪« :‬وأظن أن من حقنا أن نوسع‬
‫الركن الضيق الذي تركه العالم الكبير‪ ،‬ونعتقد أن في اإلمكان اكتساب بعض هذه‬
‫الصفات باملران والدربة‪ ،‬إن لم يكن ممكنا اكتسابها جميعا»(((‪.‬‬
‫ •الربط بالواقع‪« :‬وشبيه بهذا اهتمام الباحثين اليوم بدراسة الفروق الفردية‪،‬‬
‫ومحاوالتهم العديدة لوضع الطرق العملية الكفيلة بتخصيص التعليم وجعله فرديا‬
‫ما أمكن‪ .‬واملسألة تستحق أن نتوجه إليها بكل عنايتنا‪ ،‬سيما والتالمذة في أقسامنا‬

‫«مفهوم الكفايات وبناؤها عند فيليب بيرنو»‪ ،‬مجلة علوم التربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.76‬‬ ‫(((‬
‫عبد السالم ياسين‪ ،‬النصوص التربوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.54‬‬ ‫(((‬
‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.105‬‬ ‫(((‬
‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.89‬‬ ‫(((‬
‫‪ 152‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫كثير‪ .‬فينبغي أن نعرض عن الطريق الهينة‪ ،‬طريق التعميم‪ ،‬ونجتهد في دراسة كل طفل‬
‫لنتعهد مواهبه ونصلح ضعفه»(((‪.‬‬
‫‪ -‬توجيه املعلم إلى التطبيق‪« :‬في كالم املربي درس مهم يتلقاه املعلم فيطبقه في تعليمه»(((‪.‬‬
‫‪ -2-2‬كتاب «النصوص التربوية» وبناء الكفايات املنهجية‪:‬‬
‫البعد املعرفي لكتاب «النصوص التربوية» باالعتبار‪ ،‬فإن ُ‬
‫البعد املنهجي كان له‬ ‫إن حظي ُ‬
‫حضور متميز‪ ،‬تحقيقا للغرض التأليفي للمؤلف‪ ،‬وانسجاما مع رؤيته لتأهيل الطلبة املرشحين‬
‫المتهان مهنة التربية والتعليم‪ ،‬التي انبنت على جانبين متداخلين‪ :‬تكويني وتدريبي‪ .‬فلقد تقصد‬
‫بناء مهارات وقدرات وكفايات منهجية متنوعة‪ ،‬وصرح بذلك في مقدمة الكتاب ليكون األستاذ‬
‫املكون املدرب والطالب املتدرب على بينة من األمر‪ ،‬فيسعيان معا إلنجاح العقد البيداغوجي‬
‫الحاكم لعالقتهما‪ .‬وفيما يلي عرض ألهم املهارات والكفايات املراد بناؤها في مدارس املعلمين‬
‫واملعلمات انطالقا من الكتاب‪:‬‬
‫‪ -‬تنمية املهارة القرائية‪ :‬كان لجمع الكاتب «النصوص التربوية» في كتاب فائدة على األستاذ‬
‫املكون والطالب معا‪ ،‬فيتيح امتالكهما لنسخة الكتاب إمكانية القراءة القبلية للنص‪ ،‬وتهييئه‬
‫إلنجاح املدارسة واملناقشة املسبوقة بالقراءة الجهرية الجيدة كما شدد على ذلك الكاتب في‬
‫خاتمة مقدمة كتابه بقوله‪« :‬ونشير في األخير إلى أهمية القراءة الجهرية الجيدة وإلى ضرورة‬
‫تيهئ الطلبة لكل متن قبل حضورهم إلى حجرة الدرس»(((‪ ،‬على أن هدفه يتخطى عتبة تحصيل‬
‫املهارة القرائية إلى تفعيل العالقة التواصلية بين األستاذ املكون والطالب املتدرب‪.‬‬
‫‪ -‬تعزيز الكفاية التواصلية‪ :‬تعد القراءة الجيدة للنصوص منطلقا لتواصل هادف وفاعل‪،‬‬
‫وحوار بناء ومثمر بين القارئ ‪-‬أستاذا أو طالبا‪ -‬والكاتب‪ ،‬وصداقة فكرية وعاطفية ال يفسدها‬
‫االختالف معه في وجهات النظر‪ ،‬فكل «من يقرأ كتابا‪ ،‬يصبح أخا صديقا ملؤلفه‪ ،‬إذا ما تذوق‬
‫روح الكتاب‪ ،‬سواء أوافق املؤلف على آرائه‪ ،‬أم لم يوافقه‪...‬واألهم في ذلك‪ ،‬أن يكون لفكرات‬
‫الكتاب قيمة‪ ،‬في أصالتها‪ ،‬لتصلح وسيلة إلثارة النفوس‪ ،‬فتتفاعل‪ ،‬وتتعارف‪ ،‬وتعقد‪ ،‬في‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬النصوص التربوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫التأليف البيداغوجي املبكرباملغرب وسؤاال القيمة والوظيفة‪« ..‬النصوص التربوية» مثاال ‪153‬‬

‫صميمها‪ ،‬أخوة الصداقات!»(((‪ .‬فرجاء الكاتب من تدريس النصوص التربوية «أن يبلغ األستاذ‬
‫جهده ليوقظ اهتمام الطلبة باملوضوع‪ ،‬ويصرف عقلهم الناقد إلى ما يقرأونه حتى يتبصروا‬
‫األمر‪ ،‬وينفذوا من وراء الكلمات إلى املعاني»(((‪ ،‬فدور األستاذ املكون أسا�سي في تعزيز الدافعية‬
‫التعلمية للطالب املتدرب‪ ،‬وبعث اهتمامه باملواضيع املناقشة‪ ،‬وتحريك عقله «الناقد»‬
‫لتحصيل امللكة الفهمية واالستيعابية انتقاال من املباني إلى املعاني‪ ،‬ومن العبارات إلى ‪ ‬الدالالت‪.‬‬
‫‪ -‬تطوير الكفاية املعرفية‪ :‬يصرح الكاتب في مقدمة كتابه بأن هدفه ليس «أن يقرأ‬
‫الطالب نثرا كثيرا‪ ،‬إنما الغاية أن نريه نماذج من الكتابات التربوية‪ ،‬ونريه كيف يعالج الكاتب‬
‫موضوعه»(((‪ ،‬فهو يؤمن بأن العقل املفكر خير من العقل الكسول‪ ،‬والعقل املنظم خير من‬
‫العقل املليء‪ ،‬لذلك يحبذ النمذجة على الحشد للمعارف التربوية‪ ،‬ودقة االنتقاء للنصوص‬
‫على كثرة اإليراد لها نشدانا المتالك الطالب املتدرب «القدرة على التفكير السليم والذكاء‬
‫والقدرة على التصرف واإلملام باملعلومات»(((‪ ،‬ذلك أن من»صفات املعلم العقلية االطالع‬
‫الواسع الذكي‪ .‬وال نقصد أن يكون املعلم خبيرا بكل �شيء‪ ،‬عاملا ال يحد علمه‪ .‬ولكن نريد أن‬
‫يعرف كل ما يتعلق بمهنته‪ ،‬أن يتقن مادته ويكملها باألفكار الجديدة»(((‪ ،‬فال نجاح للمعلم في‬
‫مهمته التدريسية والتربوية بدون تكوين نفسه تكوينا جيدا يضمن له الوعي الحاد بأهمية‬
‫املهنة‪ ،‬وشرف الرسالة‪ ،‬والفهم السليم للطفل‪ ،‬واإلتقان في تحضير الدروس‪ ،‬والتفاعل‬
‫اإليجابي في الفصل وفي الوسط املدر�سي‪ ،‬ومع األسرة واملجتمع‪.‬‬
‫وتوسل الكاتب في تحقيق الكفاية املعرفية لدى الطالب املتدرب إلى جانب «النصوص‬
‫التربوية» املختارة‪ ،‬باملالحظات التي قدم فيها خالصة أفكار النص موصولة باملذهب التربوي‬
‫لصاحبه‪ ،‬وبالواقع التربوي العالمي‪ ،‬والسياق التربوي والتعليمي املغربي‪ ،‬كما توسل بالتمارين‬
‫التي يمكن وسمها بالتنوع تبعا للمهارات والقدرات املستهدف اكتسابها وبناؤها وتحريكها‬

‫((( واصف البارودي‪ ،‬أجواء التربية والتدريس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.4-3‬‬
‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬النصوص التربوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬والصفحة‪.‬‬
‫((( محمــد الســرغيني‪ ،‬محمــد علــي الهمشــري‪ ،‬محمــد عبــد الحميــد الدميــري‪ ،‬محمــد العالــم‪ ،‬علــم النفــس وآداب‬
‫املهنــة‪ ،‬مرجــع ســابق‪ ،‬ص ‪.175‬‬
‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬مذكرات في التربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪ 154‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫واختبارها‪ ،‬ويكفي لبيان هذا التنوع التمثيل بنماذج من األسئلة تدليال على الكفاية املعرفية‬
‫وما سيأتي ذكره من كفايات منهجية‪.‬‬
‫ُ‬
‫تبنى الكفاية املعرفية للطالب املتدرب بالتمرس باألفكار التربوية‪ ،‬وإبداء اآلراء فيها‪،‬‬
‫واملوازنة بينها بعرض بعضها على بعض‪ ،‬لتصير «جزءا من تكوينه»‪:‬‬
‫‪ -‬الفهم لألفكار التربوية‪ :‬يمكن القول بأن جميع التمارين التي ذيل بها الكاتب النصوص‬
‫التربوية تختبر القدرة الفهمية للطالب املتدرب بوجه أو بآخر‪ ،‬لكن بعضها يبدو أصرح في‬
‫قياس الفهم(((‪.‬‬
‫‪ -‬إبداء الرأي حول األفكار التربوية‪ :‬طفح الكتاب بتمارين التدريب على إبداء الرأي لتنمية‬
‫ملكة تقدير األفكار واختيار املواقف املعبرة عن الذات القارئة للنصوص التربوية‪ ،‬القادرة‬
‫على استنطاقها وربطها باملحصول املعرفي والواقع التعليمي(((‪.‬‬
‫‪ -‬املقارنة واملوازنة بين اآلراء التربوية‪ :‬فيفتح املجال للطالب املتدرب ليقارن بين‬
‫النصوص العربية والنصوص الغربية إدراكا ألوجه االلتقاء واالفتراق بين كتابها‪ ،‬ولجدوى‬
‫األفكار التربوية العربية‪ ،‬وقدرتها على الصمود احتفاظا بقابليتها للتطبيق في هذا العصر‬

‫((( مــن التماريــن التــي تقيــس قــدرة الطالــب الفهميــة‪ :‬تمريــن‪ :‬مــاذا تفهــم مــن قولــه (بســبب ســلطة الجماعــة علــى‬
‫كل فــرد)‪ ،‬وتمريــن‪ :‬كيــف فهمــت مــا قالــه الكاتــب عــن علــم التنجيــم؟ أتتنافــى املالحظــة املتأنيــة مع التجربة العلمية؟‬
‫وتمريــن‪ :‬مــاذا تفهــم مــن قــول صاحبنــا أن الطفــل يفكــرويتكلــم لنفســه؟ وهــل لديــك أمثلــة واقعيــة تؤيــد بهــا أو تنفــي‬
‫بهــا مــا يؤكــده؟ وتمريــن‪ :‬كيــف فهمــت تشــبيه الطفــل حيــن ينتبــه‪ ،‬بانصـراف الرضيــع إلــى ثديــه؟ ينظــرعبــد الســام‬
‫الســلمي للتأليــف والترجمــة والنشــروالطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة‬ ‫ياســين‪ ،‬النصــوص التربويــة‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دار ُّ‬
‫األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪ 72‬و‪ 75‬و‪ 79‬و‪.83‬‬
‫((( يكفــي تمثيــا لذلــك ســوق نمــاذج مــن التماريــن‪ :‬مــا رأيــك فــي وســائل التعليــم الحديثــة‪ ،‬أتــرى أنهــا تســهل املعرفــة‬
‫على الطفل ألنها تشــخص له املعاني وتســاعده على اســتعمال حواســه إلدراك الحقائق‪ ،‬أم ترى أنها تعود الطفل‬
‫الكسل الفكري؟‪ ،‬ما رأيك في وصية الفيلسوف بأن يكون املعلم رزينا وقورا يتجنب االسترسال بحضرة الصبي؟‪،‬‬
‫مــا رأيــك فــي الفقــرة األخيــرة مــن هــذه املقالــة؟ أتــرى أن واجــب املعلــم أال يعلــم إال فنــا واحــدا فــي نفــس الوقــت؟ وهــل‬
‫يمكــن أن نفعــل مــا يو�صــي بــه الفيلســوف هنــا؟ وملــاذا فــي حالتــي النفــي واإلثبــات؟‪ ،‬هــل تظــن أن فلســفتنا التعليميــة‬
‫تهدف إلى غايات عملية؟ بين ما هي هذه الغايات؟ وما تفعله في قسمك لتربية أطفالك وإعطائهم سلوكا محددا‪،‬‬
‫ماذا يســتفيد املعلم من دراســة تلميذه؟ ما رأيك في ترك التلميذ يتكلم؟ أتظن أنك تســتفيد شــيئا من اســتماعك‬
‫للتالمــذة يتكلمــون؟ املرجــع نفســه‪ ،‬ص ‪ 12‬و‪ 22‬و‪ 30‬و‪ 41‬و‪.57‬‬
‫التأليف البيداغوجي املبكرباملغرب وسؤاال القيمة والوظيفة‪« ..‬النصوص التربوية» مثاال ‪155‬‬

‫رغم مرور حقب تربوية غير قليلة على زمن خطها‪ ،‬وقياسا ملستوى الفهم التربوي للفالسفة‬
‫واملفكرين واملربين املسلمين(((‪.‬‬
‫‪ -‬تربية كفاية النقد‪ :‬لم يكن املكون البيداغوجي عبد السالم ياسين «الثائر» منذ تحصيله‬
‫العلمي على التعليم «التقليدي» املبني على طرق التلقين والحشو دون إعمال العقل‪ ،‬وإطالق‬
‫الفكر للنقد‪ِ ،‬ل ُتحجب عنه ‪-‬بعد خوض تجربة تدريسية تكوينية‪ ،‬وتكوين خبرة ميدانية‬
‫تدريبية‪ -‬أهمية تربية املرشحين ملهنة التعليم على الحرية الفكرية‪ ،‬فذلك مما أكد عليه في‬
‫مقدمة كتابه حين قال‪« :‬غايتنا أن نطلق الطالب حرا من سلطان التقليد الذي يجيئه من‬
‫قناة اطالعه»(((‪ .‬والتقليد واجترار كلمات وعبارات املقروء دون تحكيم للعقل ومفاضلة بين‬
‫اآلراء من املآخذ التي أوخذ بها التعليم العربي اإلسالمي في بعض حقبه التاريخية‪ ،‬وهو ما دعا‬
‫املتحررين فكريا من أسر التقليد األعمى إلى التنبيه إلى خطورة ذلك على تحصيل الطالب‪،‬‬
‫وتدريسه إن صار ممتهنا التعليم‪ ،‬يقول الطاهر بن عاشور واصفا ناقدا حال الطالب‪« :‬ألنهم‬
‫اعتادوا من نشأتهم التسليم بما يقول املؤلفون‪ ،‬فال َهم لهم إال التقاط كلماتهم من غير تعود‬
‫بالفصل في ذلك بين صحيح ومرجوح»(((‪.‬‬
‫إن املدرس الذي لم ُيرب ولم يترب على حرية النقد ولم يستنشق هواء الحرية الفكرية‪،‬‬
‫كيف به يربي تالمذته على ذلك‪ ،‬فبدل أن يحررهم فكريا «يدجنهم» لـ «إعادة إنتاج» ‪-‬بتعبير‬
‫بورديو‪ -‬القهر لإلرادة الحرة‪ ،‬والهدر للطاقة الكامنة داخل املجتمع‪ ،‬ويورث «التربية‬
‫السلطوية» عبر األجيال‪ ،‬فيحول املدرس ‪ -‬ليس على وجه التعميم‪ -‬كما أكد الدكتور مصطفى‬

‫((( مــن أمثلــة املوازنــة بيــن نــص عربــي ونــص غربــي‪ :‬تمريــن‪ :‬ابحــث فــي هــذا الكتــاب عــن نــص غربــي يتعــرض لفضائــل‬
‫التعليم الجماعي واقرن ما تجده فيه من آراء بفكرة الرئيس ابن سينا‪ ،‬حاول أن تضيف إلى التعاريف التي ذكرها‬
‫الكاتــب تعريفــا يجمــع بيــن الغايــات املثاليــة والنفعيــة واالجتماعيــة‪ ،‬وتمريــن‪ :‬لنضــع جــدوال للوصايــا التــي يو�صــي بهــا‬
‫ابــن مســكويه فــي تربيــة األحــداث واضعيــن فــي عموديــن منفصليــن النصائــح التــي تتعلــق بحيــاة الطفــل اليوميــة‪ ،‬وفــي‬
‫العمود الثاني النصائح التربوية العامة‪ .‬ثم لنعرض كل فكرة من هذه الفكرعلى آراء املربين املحدثين التي نعرفها‬
‫لننقد ما يســتحق النقد ونقرما يســتحق اإلقرار‪ ،‬املرجع نفســه‪ ،‬ص ‪.141-49-22‬‬
‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬النصوص التربوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫((( محمد الطاهربن عاشور‪ ،‬أليس الصبح بقريب‪ ،‬ص ‪.204‬‬
‫‪ 156‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫حجازي «الدراسة إلى عملية تدجين‪...‬ال يسمح للتلميذ أن ُيعمل فكره‪ ،‬أن ينتقد‪ ،‬أن يحلل‪ ،‬أن‬
‫يتخذ موقفا شخصيا‪ ،‬أن يختار(((‪ ،‬ال يسمح له ببساطة أن يكون كائنا مستقال ذا إرادة حرة»(((‪.‬‬
‫‪ -‬صقل الكفاية التعبيرية الشفوية‪ :‬من غايات الكاتب التي تقصد تحقيقها في الطالب‬
‫املتدرب من خالل ِكتاب «النصوص التربوية» أن ُيظهر له «كيف يصرف اقتصاد إنشائه‬
‫ُ‬
‫(يقصد كتاب النصوص التربوية) ليتخذ ذلك مثاال يحتذيه‪...‬حتى يستطيع التحدث في املواضيع‬
‫العامة حديثا شخصيا‪ ...‬وأن نفتح له آفاقا واسعة يجد فيها مجاال لبسط أفكاره القليلة‪ ،‬ويجد‬
‫فيها غذاء لتشجيع هذه األفكار وتقويتها»(((‪ ،‬وهذا التدريب على التعبير من خالل مناقشة‬
‫النصوص مع األستاذ املكون مارسه املؤلف في تجربته التكوينية في مدرسة تكوين املعلمين‪،‬‬
‫التي وثق لها في كتابه «مذكرات في التربية»‪ ،‬قال حاكيا عن باعثه التأليفي له‪ ،‬وعن تجربته في‬
‫مقدمته‪« :‬لكنني رأيت أال يضيع ما كنت بذلته من مجهود متواضع يستنير بتجربة غير قصيرة‬
‫في ميدان تكوين املعلمين‪ .‬ورأيت أن أعطي لطالب مدرسة املعلمين مادة تساعده في مطالعاته‬
‫على مقارنة وجهات النظر‪ ،‬وعرض طرق التفكير والكتابة بعضها على بعض‪ .‬عندما ينظر في‬
‫هذه الورقات باإلضافة إلى كتب التربية التي بين يديه‪ .‬ولئن كان الدرس الشفوي الذي ألقيته‬
‫على طالبي يجد في املشافهة واألسئلة وردودها وسيلة للزيادة في الشرح والبيان‪ ،‬فإن ما يجده‬
‫القارئ في مذكراتي هذه من اإليجاز واالقتضاب لن يمنع طالب مدرسة املعلمين من اتخاذها‬
‫(((‬
‫دليال في دراسته‪ ،‬والعثور في طيها على تفسير كثير مما غمض عليه»‪.‬‬
‫‪ -‬تنمية الكفاية الكتابية‪ :‬لم يكن هم الكاتب أن يحمل الطالب املتدرب املقبل على‬
‫املمارسة املهنية للتربية والتعليم أفكارا تربوية يطور بها كفايته املعرفية‪ ،‬بل كان همه من‬
‫ذلك‪ ،‬ومن تربيته على ممارسة النقد البناء الهادف أن يطلق العنان للسانه وقلمه‪ ،‬ليفصح‬
‫عن مخزونه من األفكار‪ ،‬ومحصوله من اآلراء بشكل منظم مبدع يعكس قدرته التفكيرية‬

‫((( مــن املداخــل التــي بنــي عليهــا املنهــاج الدرا�ســي املغربــي فــي العقديــن األخيريــن إلــى جانــب مدخــل القيــم ومدخــل‬
‫الكفايــات العرضانيــة مدخــل التربيــة علــى االختيــار‪ ،‬ينظــرالحســن اللحيــة‪ ،‬دليــل املــدرس(ة) التكوينــي واملنهــي‪ ،‬دار‬
‫الحــرف‪ ،‬ط ‪ ،2008 ،1‬مــن ص ‪ 262‬إلــى ص ‪.273‬‬
‫((( مصطفــى حجــازي‪ ،‬التخلــف االجتماعــي مدخــل إلــى ســيكولوجية اإلنســان املقهــور‪ ،‬بيــروت‪ :‬املركــز الثقافــي‬
‫العربــي‪ ،‬الطبعــة ‪ ،2005 ،9‬ص ‪.84‬‬
‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬النصوص التربوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.8-7‬‬
‫((( من مقدمة كتاب مذكرات في التربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.5‬‬
‫التأليف البيداغوجي املبكرباملغرب وسؤاال القيمة والوظيفة‪« ..‬النصوص التربوية» مثاال ‪157‬‬

‫وملسته اإلبداعية‪ .‬لذلك اعتبر «أن أحسن التمارين في هذا الباب‪ ،‬هو أن يعرض على الطلبة‪،‬‬
‫بعد القراءة والشرح‪ ،‬وبعد قراءة املالحظات والتعليمات‪ ،‬إبداء آرائهم في الكالم‪ ،‬لكن يلخص‬
‫ويعترض وينقد‪ ،‬ولكي يعطي رأيه في صالحية املبادئ التي يتحدث عنها للتطبيق اليوم‪ ،‬أو عدم‬
‫صالحيتها»(((‪ .‬فمهارة الكتابة كانت حاضرة ضمن تمارين الكتاب تلخيصا أو شرحا أو عنونة‬
‫للفقرات بعد بيان أفكارها الرئيسة(((‪.‬‬
‫تظهر رغبة الكاتب في تكوين معلمين ومعلمات ذوي كفاية كتابية بشكل جلي في كتابه‬
‫«كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا؟»‪ ،‬الذي كتبه ملا الحظ من «النقص الواضح فيما يكتبه طلبة‬
‫مدارس املعلمين في االمتحان النهائي‪ ،‬وفيما يكتبه املعلمون املوقتون في امتحان الكفاءة؛ نقصا‬
‫في األداة اللغوية‪ ،‬ونقصا في األفكار‪ ،‬ونقصا في التنظيم الكتابي»(((‪ ،‬وقد انتقد في مقدمة كتابه‬
‫جمودهم على حفظ الصيغ و«القطع» املتناثرة من أفكار شرقية وغربية‪ ،‬لم تتناولها جذوة‬
‫الفكر فتصوغ منها جسما جديدا متكامال يحمل الطابع الشخ�صي للذي فكر وكتب»(((‪ ،‬متبعا‬
‫نقده ببيان مقصده التأليفي املتمثل في إسعاف من يجد صعوبة وعسرا في الكتابة‪ ،‬أو في فهم‬
‫أسئلة امتحان التخرج أو الكفاءة‪ ،‬ومفصحا عن أمله في تحبيب «العمل لهذا الطالب كلما شرع‬
‫في كتابة إنشاء تربوي بما بذلناه من جهد لتسهيل الكتابة وتوضيح قواعدها»(((‪.‬‬
‫إن الكفايات املراد اكتسابها من لدن الطالب املتدرب ال قيمة لها إن لم تسنح معها فرصة‬
‫توظيفها وتحريكها في الواقع التربوي الذي يحياه في مسيرته التكوينية بمراكز تكوين املعلمين‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬النصوص التربوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.9-8‬‬
‫((( مثــل‪ :‬تمريــن‪ :‬تأمــل النــص الــذي أمامــك‪ ،‬ثــم لخصــه محــاوال أن تبيــن الفكــرة الرئيســية فيــه‪ ،‬هــل لديــك أمثلــة‬
‫محــدودة لــكل واحــدة مــن املالحظــات التــي قيدهــا الكاتــب؟ لخــص الفقــرة األخيــرة كمــا فهمتهــا‪ ،‬وتمريــن‪ :‬الحظــت‬
‫كيــف يســتعمل آالن اســتعارات بديعــة فــي كالمــه‪ ،‬وكيــف يكتــب جمــا قصيــرة متقطعــة فــي ظاهــراألمــر‪ ،‬لكــن املليئــة‬
‫باملعانــي‪ ،‬فحــاول أن تشــرح قولــه (أمــا أنــا فأفضــل عقــا نحيفــا لكنــه ال يخطــئ طريدتــه)‪ ،‬وحــاول أن تشــرح الجملــة‬
‫األخيــرة وتدخلهــا فــي إطــاراملعنــى العــام الــذي تعرضــت لــه القطعــة‪ ،‬وتمريــن‪ :‬بيــن األفــكارالرئيســية فــي هــذه القطعــة‪،‬‬
‫وضــع عنوانــا لــكل فقــرة مســتقلة فــي موضوعهــا‪ .‬املرجــع نفســه‪ ،‬ص ‪ 62‬و‪ 69‬و‪ 124‬و‪.138‬‬
‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬كيــف أكتــب إنشــاء بيداغوجيــا‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالثقافــة‪ ،‬طبعــة جديــدة ومنقحــة‪،‬‬
‫‪ ،1963‬ص ‪.3‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.4-3‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪ 158‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫واملعلمات‪ ،‬أو مساره املنهي بعد التخرج‪ ،‬لذلك يجد املتأمل في التمارين التي ذيل بها الكاتب‬
‫النصوص التربوية حضور تمارين التمثيل إيرادا لألمثلة وربطا لألفكار التربوية بالواقع‬
‫التعليمي عن طريق املعاينة واملالحظة(((‪.‬‬

‫خالصات واستنتاجات‪:‬‬

‫بعد الحديث عن سياق تأليف الكتاب وبيان مقاصده‪ ،‬وبنائه ومصادره‪ ،‬وسؤال الوظيفة‬
‫كشفا ُلبعدي الكتاب املعرفي واملنهجي‪ ،‬يمكن الخروج بالخالصات واالستنتاجات اآلتية‪:‬‬
‫ •يمثل األستاذ والخبير البيداغوجي واملكون واملدرب التربوي عبد السالم ياسين قامة‬
‫من قامات التربية والتعليم باملغرب والوطن العربي في فترة ما بعد االستقالل‪ ،‬بصمت‬
‫الحقل التربوي بخبرتها ونموذجيتها وبتكوينها ألجيال سدت الخصاص‪ ،‬ووضعت اللبنات‪،‬‬
‫فعلمت وكونت ودربت وأدارت‪...‬‬
‫ •يشكل كتاب «النصوص التربوية» دليال مرجعيا ومسحا كرونولوجيا ألبرز األفكار‬
‫التربوية بمدارسها واتجاهاتها‪ ،‬ال غنى للمقبلين على مهنة التعليم أو املمارسين لها من‬
‫ُ‬
‫االستفادة منه واإلفادة به بقدر الحاجة‪ ،‬فتنوع مصادر الكتاب‪ ،‬وتعدد الكتاب املنقول‬
‫عنهم املنتمين ملختلف الحقب التاريخية‪ ،‬يجعل الكتاب مدخال لدراسة الفكر التربوي‬
‫العربي والغربي في تطورهما وتقابلهما أحيانا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ • َحكم تأليف كتاب «النصوص التربوية» سياق فكري ُروعي فيه املسايرة الواعية للفكر‬
‫التربوي العالمي شرقيه وغربيه‪ ،‬قديمه وحديثه‪ ،‬وسياق زمني لم يول ظهره للسياقات‬
‫التاريخية والثقافية للمجتمع املغربي‪ ،‬وللحاجات التربوية والتعليمية واالجتماعية‬
‫واالقتصادية املطلوب تلبيتها وتحقيقها فيه على وجه السرعة والدقة‪.‬‬
‫ • ُيستخلص من الكتاب ومنهج تصريفه األهمية القصوى التي ينبغي إيالؤها للمرشحين‬
‫المتهان التعليم وحمل رسالته تكوينا وتدريبا‪ ،‬فال إمكان لتكوين جيل متعلم بدون‬
‫تأهيلهم إقدارا على أداء املهمة النبيلة واملهنة الشريفة والوظيفة القطاعية التي تمد كل‬
‫((( ينظــر عبــد الســام ياســين‪ ،‬النصــوص التربويــة‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ :‬دار ُّ‬
‫الســلمي للتأليــف والترجمــة والنشــر‬
‫والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪ 15‬و‪ 18‬و‪ 34‬و‪ 38‬و‪ 46‬و‪ 52‬و‪ 55‬و‪ 66‬و‪ 69‬و‪ 89‬و‪ 91‬و‪112‬‬
‫و‪ 114‬و‪ 117‬و‪ 121‬و‪.162‬‬
‫التأليف البيداغوجي املبكرباملغرب وسؤاال القيمة والوظيفة‪« ..‬النصوص التربوية» مثاال ‪159‬‬

‫القطاعات بالكفاءات‪ ،‬وتغذي جميع املجاالت‪ ،‬وال يجدي نفعا إدماجهم في سلك التربية‬
‫والتعليم بدون تكوين‪ ،‬وال يسوغ عقال وتدبيرا إدماجهم بتكوين هزيل متقطع ُين�سي‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الحقه سابقه‪ ،‬يقول كاستون مياالري‪« :‬ليس من حقنا اليوم أن نضع رهن إشارة أساتذة‬
‫عديمي التجربة وبدون تكوين بيداغوجي أجياال من الشباب نريد أن نهيئهم في ظروف‬
‫حسنة قدر اإلمكان ملجابهة املشاكل من كل نوع‪ ،‬والتي يمكن أن يضعها مجتمع الغد»(((‪.‬‬
‫ •إرجاع املكانة االعتبارية للمدرس تأهيال وتقديرا‪ ،‬فلئن كان املنظور املتمركز حول‬
‫محورية املدرس املبوئ له منزلة سامقة‪ ،‬قد تم العدول عنه ملحورة الفعل التربوي‬
‫على املتعلم بناء للتعلمات واملواقف واملهارات‪ ،‬فإنه حسب الكاتب البد من تكوين‬
‫َ‬
‫املدرس النموذجي((( املتمكن علميا‪ ،‬املتخلق املربي على األخالق والقيم‪ ،‬واملقدر مدرسيا‬
‫ومجتمعيا‪ ،‬فاعتبارية املتعلم في املنظور الحديث للتربية ال يمكن أن تلغي اعتبارية املدرس‬
‫التي صارت ُمهدرة في الواقع‪ ،‬والعكس صحيح‪ .‬من هنا تفرض ضرورة انبناء الفعل‬
‫التربوي على عالقة سليمة بين املدرس واملتعلم‪ ،‬وبين املدرس واألسرة‪ ،‬إصالح نظرة‬
‫وتمثل األسرة واملجتمع للمدرس‪ ،‬وبالتبع تغيير تمثالت املتعلم نحوه‪ ،‬وباألصالة إصالح‬
‫حال املدرس ماديا ومعنويا‪ ،‬علميا وأخالقيا‪ ،‬ألن ذلك «ركن عظيم من إصالح التعليم»(((‪.‬‬
‫ •يقوم تدريس كتاب «النصوص التربوية» على ثالثية التحضير واإلحضار والحضور؛‬
‫فينيط الكاتب باملكون املدرب والطالب املتدرب مهمة تحضير النصوص قبليا‪ ،‬وإحضار‬
‫َ‬
‫الكتاب لقراءتها جهريا‪ ،‬ومدارستها ومطارحة آرائها املختلفة َبنفس املهيء املعمل عقله‬
‫بمفرده‪ ،‬وبمعية أستاذه املكون وزمالئه املتدربين‪.‬‬
‫ •راهن الكاتب لتصريف «النصوص التربوية» ضمن برامج تكوين املعلمين واملعلمات على‬
‫نجاح العالقة التواصلية والتفاعلية بين املكون والطالب املتدرب‪ ،‬فذلك بمثابة تدريب‬
‫عملي له لينجح ملا يصير معلما ذا أهلية علمية في إدارة العملية التعليمية التعلمية‪،‬‬

‫‪(1) Mialaret, G. La Formation des enseignants, Editions P.U.F. Collection que sais-je? Paris. 1970.‬‬
‫‪ .P 4‬نقال عن لحسن مادي‪ ،‬تكوين املدرسين‪ ،‬نحوبدائل لتطويرالكفايات‪ ،‬شركة ناداكم‪ ،‬ط ‪ ،2001 ،1‬ص ‪.49‬‬
‫((( يراجع مقال منذراملنور‪« ،‬أي نموذج ملدرس اليوم هل هو املربي «الفاضل» أم هو املعلم «املحترف»؟‪ ،‬مجلة‬
‫علوم التربية‪ ،‬العدد ‪ ،68‬ماي ‪ ،2017‬من ص ‪ 18‬إلى ‪ ،30‬وقد بسط الحديث فيه عن نماذج التدريس‪ ،‬وعن املدرس‬
‫النموذج في كل من التصورات التربوية القديمة والحديثة‪ ،‬إلى جانب الكفايات الالزم توفرها في املدرس الحديث‪.‬‬
‫((( محمد الطاهربن عاشور‪ ،‬أليس الصبح بقريب‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪ 160‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫والعالقة التربوية مع تالميذ ذوي قابلية تعلمية‪ ،‬ألن «التعلم ال يتم إال بوجود معلم عالم‬
‫وطالب لديه قابلية للتعلم من حيث االستعداد العقلي والنف�سي»(((‪.‬‬
‫ •تستهدف العالقة التفاعلية بين األستاذ املكون والطالب املتدرب بناء معرفة تربوية‪،‬‬
‫ومراسا باألفكار التربوية تساعد املتدرب على خوض تجربته املهنية عن علم يكون نواة‬
‫صلبة لتكوين خبرة تتجمع خالل السنين‪ ،‬عبر محك االختبار امليداني لصوابية األفكار‬
‫وصالحية تنزيلها في املمارسة املهنية‪ ،‬الذي يفتح آفاق تعميم العمل بها‪ ،‬أو تغذيتها‪،‬‬
‫أو االستدراك عليها؛ فال قيمة لبناء نظري ال يجد طريقه نحو االختبار ليثبت جدواه‬
‫واستمرار جدته‪.‬‬
‫ •ال تكفي املعرفة النظرية لآلراء التربوية في مسيرة تكوين الطالب املتدرب‪ ،‬بل البد أن‬
‫ُ‬
‫تشفع ببناء واكتساب كفايات((( متعددة‪ ،‬أهمها كفاية تحصيل املعرفة املنظمة‪ ،‬وكفاية‬
‫النقد الحر الهادف غير املتعالم وغير املتطاول بدون علم‪ ،‬تربية على «الحرية الفكرية»‪،‬‬
‫وكفاية التعبير الشفوي والكتابي الذين شدد الكاتب على اكتسابهما بتدرج يف�ضي إلى‬
‫إتقان صنعة الكتابة واملحادثة‪ ،‬فما أحوج التعليم املغربي إلى إعادة االعتبار لهاتين‬
‫الكفايتين‪ ،‬مع ترسيخ التربية القرائية في جميع املواد الدراسية‪ ،‬وإحياء وتفعيل دور‬
‫املكتبات املدرسية والخزانات البلدية واملكتبات العامة والخاصة املفتوحة في وجه عموم‬
‫القراء‪ ،‬وسائر ما يشجع على الفعل القرائي واإلبداع الكتابي والتواصلي‪.‬‬

‫توصيات‪:‬‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬املنهــاج النبــوي تربيــة وتنظيمــا وزحفــا‪ ،‬الشــركة العربيــة اإلفريقيــة‪ ،‬الطبعــة الثانيــة‪،‬‬
‫‪ ،1410-1989‬ص ‪.234‬‬
‫((( يراجــع مقــال محمــد مومــن‪« ،‬تكويــن املدرســين املبنــي علــى الكفايــة»‪ ،‬مجلــة علــوم التربيــة‪ ،‬املجلــد ‪ ،3‬العــدد‬
‫‪ ،25‬أكتوبــر ‪ ،2003‬مــن ص ‪ 86‬إلــى ص ‪ .94‬وقــد قــارب الكاتــب املوضــوع بتوضيــح ســياق تكويــن املدرســين املبنــي‬
‫علــى الكفايــة‪ ،‬وتعريــف الكفايــة وأســاليب تحديــد الكفايــات التكوينيــة للمدرســين مكتفيــا بعــرض قائمتيــن‪ :‬قائمــة‬
‫«وحــدة اليونســكو للخدمــات الخارجيــة» للكفايــات الضروريــة للتعليــم والتعلــم الفاعليــن علــى مســتوى املدرســة‬
‫االبتدائيــة‪ ،‬واملتضمنــة ألربعــة وخمســين كفايــة تعليمــة مندرجــة تحــت خمســة مجــاالت رئيســة‪ ،‬وقائمــة رونشــاين‬
‫‪ Rosenshine‬وفورســت ‪ Furst‬املتكونــة مــن إحــدى عشــركفايــة بنــاء علــى خمســين دراســة‪ .‬ص ‪.89-90‬‬
‫التأليف البيداغوجي املبكرباملغرب وسؤاال القيمة والوظيفة‪« ..‬النصوص التربوية» مثاال ‪161‬‬

‫ •تنظيم ندوات ومؤتمرات ومحاضرات وموائد مستديرة ملدارسة الكتاب‪ ،‬ومطارحة‬


‫قضاياه وأفكاره التربوية في ارتباط بالسياق الزمني والفكري للكتابة‪ ،‬والسياق التربوي‬
‫والتعليمي املستهدف بها‪ ،‬واإلمكان التوظيفي لهذه األفكار بعد مرور خمسة عقود ونيف‬
‫على زمن التأليف‪.‬‬
‫ •تدريس النصوص التربوية في مراكز مهن التربية والتكوين‪ ،‬مع تطعيمها بنصوص‬
‫لفالسفة التربية وعلماء النفس واالجتماع التربوي في مختلف الحقب التاريخية‪ ،‬وفي‬
‫العقود األخيرة‪ ،‬وتنمية الكفاية التعبيرية والكتابية والنقدية للطلبة املتدربين‪.‬‬
‫ •إعادة طبع ثالثية الكاتب البيداغوجية‪« :‬النصوص التربوية» و«مذكرات في التربية»‬
‫و«كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا» إلى جانب املؤلفات البيداغوجية األخرى املجايلة لها‬
‫أو املؤلفة عقبها‪.‬‬
‫ •تأسيس مرصد لدراسة الكتب البيداغوجية واملدرسية املؤلفة بعد االستقالل‪ ،‬من‬
‫حيث سياق التأليف ومقاصده‪ ،‬واملضامين واملناهج‪ ،‬واملدخالت واملخرجات‪ ،‬والسيرورة‬
‫ومدد التنزيل واالعتماد‪ ،‬ودواعي التجديد‬ ‫التأليفية‪ ،‬وتطور املنحى الفكري واملنهجي‪ُ ،‬‬
‫والتعديل‪ ،‬مع املقارنة بالتجارب العربية والغربية في التأليف البيداغوجي واملدر�سي‪.‬‬
‫ •ضرورة إحياء الذاكرة التربوية املغربية بكل الطرق والوسائل ‪-‬ما ذكر منها وما لم‬
‫يذكر‪ ،-‬بوصل السابق من أجيال الكتب البيداغوجية واملدرسية بالالحق منها‪ ،‬وتشجيع‬
‫املبادرات الجادة في تحقيق هذا اإلحياء‪ ،‬وترسيخ االحتفاء درسا ومدارسة‪ ،‬وكتابة‬
‫وتأليفا‪ ،‬ونشرا وتعريفا‪.‬‬
‫ •الحاجة إلى التنقيب عن ذوي الخبرة في التأليف البيداغوجي لهندسة تكوين متين‬
‫للمرشحين ملهنة التعليم‪ ،‬وفي التأليف املدر�سي لصياغة كتب مدرسية لتخريج أجيال‬
‫متعلمة حرة ومبدعة ومنتجة‪ ،‬وضرورة تكوين هؤالء الخبراء وتدريبهم بما يحقق‬
‫مأسسة التأليف البيداغوجي واملدر�سي‪ ،‬وتطويره كما وكيفا‪ ،‬بمعايير الخبرة والكفاءة‬
‫واإلبداع والتجديد‪.‬‬
‫‪ 162‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫بيبليوغرافيا الدراسة‪:‬‬

‫ •محمد العربي أبو حزم‪ ،‬عبد السالم ياسين اإلمام املجدد‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الطبعة ‪،1‬‬
‫‪.2017/1439‬‬
‫ •الحسن اليو�سي‪ ،‬املحاضرات‪ ،‬إعداد محمد حجي‪ ،‬الرباط‪ :‬مطبوعات دار املغرب‪ ،‬سلسلة‬
‫األدب (‪.1396-1976 ،)1‬‬
‫ •عبد السالم ياسين‪ ،‬النصوص التربوية ملدارس املعلمين واملعلمات‪ ،‬دار السلمي‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪.1963 ،‬‬
‫ •عبد السالم ياسين‪ ،‬مذكرات في التربية ملدارس املعلمين واملعلمات‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬دار‬
‫السلمي للتأليف والترجمة والنشروالطباعة والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪.1963 ،‬‬
‫ •عبد السالم ياسين‪ ،‬كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬دار الثقافة‪ ،‬طبعة‬
‫جديدة ومنقحة‪.1963 ،‬‬
‫ •عبد السالم ياسين‪ ،‬املنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا‪ ،‬الشركة العربية اإلفريقية‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪.1410-1989 ،‬‬
‫ •واصف البارودي‪ ،‬أجواء التربية والتدريس‪ ،‬سلسلة التربية ثورة وتحرر ‪ ،2‬بيروت‪ :‬طبع‬
‫املطبعة التجارية‪ ،‬دار النشر للجامعيين‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ومقدمة الكتاب خطها املؤلف‬
‫ببيروت كانون األول‪.1957 ،‬‬
‫ •محمد الطاهر بن عاشور‪ ،‬أليس الصبح بقريب‪ ،‬التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬دراسة تاريخية‬
‫وآراء إصالحية‪ ،‬تونس‪ :‬دارسحنون‪ ،‬دارالسالم‪ ،‬الطبعة ‪1436 ،4‬هـ‪2015/‬م‪.‬‬
‫ •محمد السرغيني‪ ،‬محمد علي الهمشري‪ ،‬محمد عبد الحميد الدميري‪ ،‬محمد العالم‪ ،‬علم‬
‫النفس وآداب املهنة لطلبة املعلمين واملعلمات وطالب الكفاءة‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬مطبعة‬
‫النجاح‪ ،‬نشروتوزيع مكتبة الرشاد‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬وتقديم الكتاب مؤرخ بفبراير ‪1963‬م‪.‬‬
‫ •محمد شرقي‪« ،‬البيداغوجية الفارقية وإغراءات التطبيق داخل املدرسة املغربية»‪ ،‬مجلة‬
‫علوم التربية‪ ،‬املجلد الثالث‪ ،‬العدد الخامس والعشرون (ملف خاص عن الكفايات)‪،‬‬
‫أكتوبر ‪.2003‬‬
‫التأليف البيداغوجي املبكرباملغرب وسؤاال القيمة والوظيفة‪« ..‬النصوص التربوية» مثاال ‪163‬‬

‫ •حياة شتواني‪« ،‬البيداغوجيا الفارقية أداة لتحسين جودة التعلمات»‪ ،‬مجلة علوم التربية‪،‬‬
‫العدد الثاني والخمسون‪ ،‬يونيو ‪.2012‬‬
‫ •ابن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬املكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪ :‬صيدا‪ ،‬طبعة ‪1425‬هـ‪2005 /‬م‪.‬‬
‫ •أبو إسحاق الشاطبي‪ ،‬املوافقات في أصول الشريعة‪ ،‬اعتنى به عبد هللا دراز‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫املكتبة التجارية الكبرى‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ج ‪.1‬‬
‫ •محمد الطاهر بن عاشور‪ ،‬أليس الصبح بقريب‪ -‬التعليم العربي اإلسالمي دراسة تاريخية‬
‫وآراء إصالحية‪ ،‬دارالسالم ودارسحنون للنشر‪ ،‬الطبعة ‪.2010 ،2‬‬
‫ •الحسن اللحية‪ ،‬دليل املدرس(ة) التكويني واملنهي‪ ،‬دارالحرف‪ ،‬ط ‪.2008 ،1‬‬
‫ •مصطفى حجازي‪ ،‬التخلف االجتماعي مدخل إلى سيكولوجية اإلنسان املقهور‪ ،‬بيروت‪:‬‬
‫املركزالثقافي العربي‪ ،‬الطبعة ‪.2005 ،9‬‬
‫ •مقال منذر املنور‪« ،‬أي نموذج ملدرس اليوم هل هو املربي «الفاضل» أم هو املعلم‬
‫«املحترف»؟‪ ،‬مجلة علوم التربية‪ ،‬العدد ‪ ،68‬ماي ‪.2017‬‬
‫ •مقال محمد مومن‪« ،‬تكوين املدرسين املبني على الكفاية»‪ ،‬مجلة علوم التربية‪ ،‬املجلد ‪،3‬‬
‫العدد ‪ ،25‬أكتوبر ‪.2003‬‬
‫‪ -‬لحسن مادي‪ ،‬تكوين املدرسين‪ ،‬نحو بدائل لتطويرالكفايات‪ ،‬شركة ناداكم‪ ،‬ط‪.2001 ،1‬‬
‫‪ -‬لحسن بوتكالي‪« ،‬مفهوم الكفايات وبناؤها عند فيليب بيرنو»‪ ،‬مجلة علوم التربية‪،‬‬
‫املجلد الثالث‪ ،‬العدد الخامس والعشرون (ملف خاص عن الكفايات)‪ ،‬أكتوبر ‪.2003‬‬
‫? ‪- Mialaret, G. La Formation des enseignants, Editions P.U.F. Collection que sais-je‬‬
‫‪Paris. 1970.‬‬
‫‪- Philippe Perrenoud : Construire les compétences de l’école, 2éd, ESF éditeur, Paris,‬‬
‫‪1998.‬‬
‫‪165‬‬

‫إصالح الواقع التربوي‬


‫على ضوء «مذكرات في التربية»‬

‫(((‬
‫د‪ .‬عبد الرحيم خطوف‬

‫مذكرات في التربية عبارة عن مجموعة محاضرات ألقاها األستاذ املربي عبد السالم ياسين‬
‫رحمه هللا في مركز مدرسة املعلمين في الستينيات من القرن العشرين‪ ،‬يقول عنها أنها «مذكرات‬
‫كنت ألقيتها على طلبتي في مدرسة املعلمين منذ عدة سنوات‪ ،‬ولست أزعم‬ ‫جمعت فيها دروسا ُ‬
‫ُ‬
‫أنني أضيف بهذه الصفحات بحثا علميا في املوضوع‪ ،‬لكنني رأيت أال يضيع ما ُ‬
‫كنت بذلته من‬
‫(((‬
‫مجهود متواضع يستنير بتجربة غير قصيرة في ميدان تكوين املعلمين‪».‬‬
‫ورغم أن هذه املذكرات كتبت منذ زمن بعيد إال أن صداها ال يزال يمس واقعنا التربوي‬
‫بإلحاح‪ ،‬ألنها اهتمت بمادة واحدة فقط دارت عليها كل فصولها إنها التربية‪ ،‬فالفصل األول‬
‫تركز القول فيه على ماهية التربية وغاياتها‪ ،‬والفصل الثاني انتقل إلى الكالم عن وسائل‬
‫التربية‪ ،‬وفي الفصل الثالث جاء الكالم فيه عن علم النفس ومدى ارتباطه بتربية الطفل‪ ،‬أما في‬
‫الفصول املتبقية الرابع والخامس والسادس تناول الكتاب أنواع التربية وهي بالتتابع التربية‬
‫الجسمية والخلقية والعقلية‪.‬‬
‫وتعد هذه الفصول الستة مادة تربوية غنية للباحثين في العمل التربوي وخاصة تربية‬
‫الطفل‪ ،‬ومذكرات هامة ملن يخوض تجربة تربوية في املؤسسات التعليمية التربوية من‬
‫املعلمين واملعلمات‪.‬‬

‫((( باحث في العلوم الشرعية والفكراإلسالمي‪.‬‬


‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.5‬‬
‫‪ 166‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫انتقد مؤلف املذكرات منهجين تربويين مختلفين‪ ،‬املنهج التربوي التقليدي الذي يدعو إلى‬
‫الجمود على التراث املوروث دون الرجوع إلى النظريات التربوية العصرية‪ ،‬ومنهج التبعية‬
‫التربوية املطلقة لإليديولوجيات املعاصرة دون االلتفات إلى األصول التربوية في املرجعية‬
‫اإلسالمية‪ ،‬لهذا قرر املؤلف أن يأخذ بمنهج يزاوج بين األصول التربوية والنظريات املعاصرة‪،‬‬
‫لذلك نجده يؤكد أن منهج الكتاب «فيما كتبته منبعث إلى األصالة والتجديد اللذين نحن في أشد‬
‫(((‬
‫الحاجة إليهما بعد أن جعلنا التقليد والتبعية األعميان ننظر بأعين غيرنا إلى مشاكلنا الخاصة‪».‬‬
‫َّ‬
‫كما غلب املؤلف البعد العملي الواقعي على البعد النظري التجريدي ألنه كتب للمدرسة‬
‫املغربية وللطفل املغربي وللمعلمات واملعلمين املغاربة‪ ،‬حرصا منه أن يكون الكتاب كتابا‬
‫وطنيا بامتياز‪ ،‬فاملؤلف حاول أن ُيخضع بعض النظريات التربوية الحديثة واملعاصرة إلى‬
‫الواقع الوطني املغربي ليعالج تحدياته وعقباته التربوية‪ ،‬يقول‪« :‬عالجت كل موضوع على‬
‫ضوء واقعنا التعليمي‪ ،‬وتحدثت عن املعلم باعتباره املعلم املغربي في وضعه الخاص وبصفاته‬
‫التي يحددها تكوينه وعقليته كما تحدثت عن التلميذ باعتباره التلميذ املغربي املتقلب في أسرة‬
‫مغربية‪ ،‬والنا�شئ ملستقبل مغربي»(((‪.‬‬

‫‪ .1‬ماهية التربية وغاياتها‪:‬‬

‫يظهر جليا تجاوز األستاذ ياسين للتصور التقليدي الضيق والتبسيطي ملفهوم التربية‪،‬‬
‫وانفتاحه على مستجدات عالم التربية في املدارس الغربية األنجلوساكسونية والفرنكفونية‪،‬‬
‫فتجده مثال يرى أن التربية كما يؤكد هربرت سبنسر (‪« )Herbert Spencer‬نتيجة كل التأثيرات‬
‫التي توجه حياة اإلنسان»(((‪ ،‬ومن خالل هذه التأثيرات تتشكل شخصية الطفل‪ ،‬فليست تربية‬
‫الطفل فقط تلك األعمال التربوية املقصودة واملوجهة‪ ،‬فربما ال تتحقق نتائجها املوجهة ألن‬
‫التأثيرات املشكلة لشخصية الطفل مختلفة الوسائل سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة‪،‬‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.5‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.5‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫إصالح الواقع التربوي على ضوء «مذكرات في التربية» ‪167‬‬

‫وربما تكون هذه األخيرة أكثر تأثيرا في الطفل من العمل التربوي املقصود‪ ،‬وهذا ماال ينتبه إليه‬
‫أكثر الناس لذا وجب تصحيح مفهوم التربية‪.‬‬
‫التربية في عصرنا أصبحت عملية معقدة تعقدا شديدا(((بعدما كانت عملية مبسطة يتكلف‬
‫بها األبوان والعشيرة‪ ،‬فتطورت في كل عصر حسب الحاجة االجتماعية والطابع الفكري‬
‫والصبغة الفلسفية‪ ،‬ومن خاللها تتحدد أهداف وغايات التربية لكل أمة وكل حضارة‪.‬‬
‫كانت التربية في مدينة أسبرطة تنحصر في تنشئة الرجل الشجاع‪ ،‬وعند اليونان في تنشئة‬
‫الرجل الكامل في جسمه وخلقه وعقله‪ ،‬وفي اإلسالم في تنشئة املسلم على الخاضع لتعاليم‬
‫الدين اإلسالمي‪ ،‬وفي حضارة أوربا العصور الوسطى انحصرت أغراض التربية في خالص‬
‫اإلنسان املسيحي‪ ،‬وفي النهضة األوربية في تحقيق النموذج االجتماعي للرجل واملرأة‪ ،‬أما في‬
‫العصور الحديثة فقد ظهرت مدارس تربوية مختلفة‪ ،‬فأمريكا أصبح غرضها من التربية‬
‫تنشئة اإلنسان الذي يجمع بين القوة والقيم النفعية والحرية‪ ،‬أما اليابان فغرضها من التربية‬
‫صناعة رجال ذوو كفاءات فنية لهم إحساس وطني قوي للتضحية في سبيله‪.‬‬
‫وما دامت كل هذه الحضارات لها أغراض محددة من التربية اعتمادا على الحاجة‬
‫االجتماعية واملرجعية الفلسفية والفكرية‪ ،‬فإن املذكرات تعرضت لعدد كبير من اآلراء‬
‫الفلسفية ألغراض التربية‪ ،‬ويمكن تقسيم هذه اآلراء إلى قسمين‪:‬‬
‫اآلراء القديمة‪:‬‬
‫ •أفالطون‪ :‬التربية تحقق مجتمعا فاضال عن طريق تنشئة اإلنسان الفاضل العارف للخير‬
‫وسلوك سبيله‪.‬‬
‫ •إراسم‪ :‬جعل التربية تحقق مجتمعا مثاليا عن طريق تنشئة سامية في الثقافة والعقلية‬
‫والسلوك األخالقي‪.‬‬
‫ •لوثر‪ :‬التربية تحقق الطهارة الروحية والتمسك باألخالق املسيحية عن طريق التأمل‬
‫والتدبر في النصوص الدينية وإهمال الثقافة العقلية‪.‬‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 168‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫ •مونتيني‪ :‬غاية التربية تكوين الرجل الكامل في خلقه عن طريق تربية الجسم تربية سليمة‪،‬‬
‫والتعلم من الحياة ال من الكتب‪.‬‬
‫ •كومنيوس‪ :‬غاية التربية القرب من هللا عن طريق تكوين الفرد تكوينا دينيا مسيحيا‪،‬‬
‫والدراسة العلمية الواسعة في املدارس والتي سماها مصانع انسانية‪.‬‬
‫ •لوك‪ :‬غاية التربية تكوين رجل قوي يتحكم في عواطفه املندفعة‪ ،‬ويتصرف وفق العقل‬
‫فيخضع ألحكامه إذا أهمل التربية العلمية‪.‬‬
‫ •روسو‪ :‬الغاية تكوين رجل ذي رأي سديد منفتح الذهن مكتمل املواهب عن طريق التعلم‬
‫من الطبيعة ال من الكتب واملعارف كما لوك‪.‬‬
‫ •بستالوري‪ :‬الغاية تنشئة رجال صالحين للقيام بشؤون أسرهم‪ ،‬عن طريق التعليم املنهي‪،‬‬
‫وحصولهم على مهنة تضمن لهم العيش الكريم‪.‬‬
‫ •هربرت‪ :‬الغاية تكوين الرجل الحر املنفتح الذهن عن طريق اكتساب معرفة جامعة‬
‫وتدريس العلوم بانتظام‪.‬‬
‫ •فروبل‪ :‬تأثر بآراء بستالوري وغايته من التربية القيام بشؤون األسرة عن طريق التعلم‬
‫باألشياء املحسوسة واللعب الذي جعل منه سيكولوجية‪.‬‬
‫ •سبنسر‪ :‬الغاية تنظيم سلوك الفرد وتهذيب أخالقه عن طريق التعلم باملحسوس ومن‬
‫السهل إلى الصعب‪.‬‬
‫ •وليم جيمس‪ :‬غاية التربية سعادة األمة عن طريق توجيه الفرد توجيها حسنا‪ ،‬وهذا‬
‫يتوقف على صالحية املربي‪.‬‬
‫ومن هذه اآلراء القديمة نستنتج أن غاية التربية تتجه إلى الفرد‪ ،‬وكانت تدور على نقاط‬
‫ثالث وهي‪:‬‬
‫أ‪ .‬غاية التربية فردية إنسانية بتربية الرجل وتأديبه‬
‫ب‪ .‬الغاية ثقافية ومعرفية بتربية اإلنسان وتحصيله املعارف املتعددة ليكون واسع املعرفة‬
‫ج‪ .‬الغاية علمية محضة بجعل العلم غاية لتهذيب الروح والجسد‪.‬‬
‫اآلراء الحديثة‪:‬‬
‫إصالح الواقع التربوي على ضوء «مذكرات في التربية» ‪169‬‬

‫ •آالن‪ :‬يرى أن التربية ال تكون عن طريق املحسوس بل عن طريق تنمية عقل الطفل‬
‫وقدرته على التفكير بالحفظ والقراءة والكتابة‪.‬‬
‫ •مونتيسوري‪ :‬ترى أن التربية الناجحة هي التي تعلم الطفل كيف يتحكم في نفسه‪،‬‬
‫ويسيطر على حركاته عن طريق ممارسة الرياضة‪.‬‬
‫ •ديوي‪ :‬يرى أن التربية تحقق املواطن الصالح واملجتمع الديمقراطي عن طريق التعلم‬
‫بالعمل الجماعي املشترك ال بالضغط الخارجي‪.‬‬
‫ •كرشنشتاينز‪ :‬يرى رأي ديوي في غاية التربية عن طريق عمل الطفل اإلرادي مع الجماعة‪،‬‬
‫وبالتجربة تحصل املعرفة‪.‬‬
‫ •ذكرولي‪ :‬التدرج من املحسوس إلى املعقول‪ ،‬ومن ال�شيء إلى معنى ال�شيء‪ ،‬ومن الكل إلى‬
‫أجزاء الكل‪.‬‬
‫وإذا تأملنا اآلراء الحديثة في التربية نجدها متطورة عن سابقتها القديمة‪ ،‬فهي تتجه إلى‬
‫الجماعة واملجتمع‪ ،‬أما الفرد فما هو إال عضو يعمل من أجلها‪ ،‬ويمكن حصر غاياتها في ثالث وهي‪:‬‬
‫أ‪ .‬شمول التربية للجسم والعقل والخلق‪.‬‬
‫ب‪ .‬تربية الفرد ليكون مواطنا صالحا وعضوا نافعا ملجتمعه‪.‬‬
‫ج‪ .‬إبراز مواهب الفرد وقدراته كلها وتطويرها‪.‬‬
‫نستنتج أن التربية قد تطورت غاياتها‪ ،‬فإذا استهدفت التربية القديمة الفرد علميا وخلقيا‪،‬‬
‫فإن التربية الحديثة ربطت الفرد باملحيط االجتماعي‪ ،‬فأصبحت غاية التربية «تنظيم كل‬
‫إمكانيات الفرد وتهيئه ليعيش في محيطه االجتماعي والطبيعي»(((‪.‬‬
‫وبعد عرض غايات التربية قديما وحديثا انتقلت املذكرات إلى طرح إشكالية تربوية في‬
‫غاية األهمية‪ ،‬وهي‪ :‬هل يمكن أن نربي الطفل؟ وإلى أي حد يمكن أن يكون العمل التربوي‬
‫ناجحا؟ وهل يمكن تغيير االتجاه الخلقي للطفل‪ ،‬خصوصا عند وجود شخصية طبيعية عنده‬
‫تستع�صي على عملنا التربوي وتحد من نتائجه؟‬

‫((( عبــد الســام ياســين‪ ،‬مذك ـرات فــي التربيــة ملــدارس املعلميــن واملعلمــات‪ ،‬الــدارالبيضــاء‪ :‬دارالســلمي للتأليــف‬
‫والترجمــة والنشــر والطباعــة والتوزيــع‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،1963 ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪ 170‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫ولإلجابة عن هذه األسئلة عرضت رأيين مختلفين‪:‬‬


‫الرأي األول‪ :‬رأي سقراط ومن تبعه حيث شبهوا الطفل بلوحة من شمع‪ ،‬أو صفحة بيضاء‬
‫بوسع املربي أن يكتب فيها ما يشاء ألنه مادة ميتة‪ ،‬وهذا ما عبر عنه إراسل من كون الطفل‬
‫يشبه الحقل الصالح للزراعة‪.‬‬
‫الرأي الثاني‪ :‬رأي لوك االنجليزي ومن تبعه‪ ،‬ولو أنه يتفق مع سقراط وإراسل من جهة‪،‬‬
‫إال أنه يؤكد أنه ال يمكن تغيير طبيعة الطفل تغييرا عميقا‪ ،‬وهو نفس الرأي الذي ذهب إليه‬
‫الفيلسوف األملاني شوبنهاور في كون طبع اإلنسان ال يتغير‪ ،‬فمهما كان عمل التربية فإن الطبع‬
‫الحقيقي يتغلب دائما‪ ،‬لكن ما فائدة التربية في هذه الحالة؟‬
‫يجيب األستاذ ياسين بأن الوسط التربوي واالجتماعي ال سبيل إلى إنكاره‪ ،‬إذ له تأثيره على‬
‫اإلنسان ألن الوسط تربية‪ ،‬ومن الوسط التربوي وأهميته تم التركيز على الوسط التربوي‬
‫األهم‪ ،‬وهي املدرسة ومكوناتها ونظامها‪ ،‬وهو الرأي الذي نقلناه عن كومنيوس التشيكي الذي‬
‫جعل املدارس مصانع إنسانية‪.‬‬

‫‪ .2‬وسط المدرسة ونظامها‪:‬‬

‫ظلت املدرسة في بداية ظهورها حكرا على طبقة املثقفين الحاكمين تضطلع بمهمة التربية‬
‫في املجتمعات الراقية‪ ،‬إلى أن انتشرت وأصبحت وسيلة ضرورية لكل الطبقات ولكل الناس‪،‬‬
‫واملدرسة عوضت املهمة التربوية التي كانت تطلع بها األسرة في املجتمعات البدائية‪ ،‬إما لعدم‬
‫قدرة األسرة على التربية والتعليم أو لوجود معلم متخصص‪ ،‬وجو مدر�سي جماعي يساعد على‬
‫التربية والتعليم‪ ،‬ومن مهامها‪:‬‬
‫ •فتح عين الطفل على محيطه الطبيعي واالجتماعي‬
‫ •تيسير فهم الحياة وأسبابها عند الطفل‬
‫ •تزويد الطفل بأدوات املعرفة‬
‫ •غرس األخالق الفاضلة‬
‫ •توجيه الطفل إلى العمل واكتساب مهنة‬
‫إصالح الواقع التربوي على ضوء «مذكرات في التربية» ‪171‬‬

‫ولتقوم املدرسة بهذه املهمات وجب عليها االهتمام بمكونات العملية التربوية التعليمية‪ :‬من‬
‫قبيل النظام الداخلي للمدرسة وجمعية اآلباء واملعلم والطفل وعلم النفس‪.‬‬
‫أ‪ .‬النظام الداخلي للمدرسة‪ :‬النظام ضروري لكل مدرسة وإال تحول عملها إلى فو�ضى‪،‬‬
‫نظام تفرضه بسلطتها على التالميذ ال بالجبر والقهر وإنما بتوعيتهم بمسؤوليتهم تجاه مدرستهم‪،‬‬
‫وهو إطار يتربى عليه التلميذ ليكون مواطنا صالحا متشبعا بقيم االحترام وعدم االعتداء‪ ،‬وإلى‬
‫جانب النظام الداخلي‪ ،‬هناك نظام املدرسة املادي‪ ،‬وعلى رأس ذلك األثاث الداخلي للمدرسة‬
‫من مقاعد‪ ،‬وإنارة مناسبة‪ ،‬وتهوية جيدة‪ ،‬وحرارة كافية‪ ،‬والجو الهادئ‪ ،‬وتنظيم التالميذ‬
‫داخل القسم تنظيما حسنا‪ ،‬واالهتمام بوضعيات جلوسهم ومتابعاتهم للدروس ومشاركاتهم‪،‬‬
‫والعناية براحتهم واستراحتهم ولعبهم‪ ،‬واالعتناء بصحتهم ونظافتهم والقيام بفحص طبي بين‬
‫الحين والحين‪ ،‬والحرص على وقايتهم من األمراض‪.‬‬
‫ب‪ .‬جمعية اآلباء‪ :‬إذا كانت املدرسة خلفت البيت واألسرة في مهمتها العلمية والخلقية إال‬
‫أن هذا ال يعني استقالل األسرة من مهمة التربية‪ ،‬إنما املدرسة تكمل عمل األسرة وتخلفها‬
‫فيما ال تقدر عليه من وجود معلم متخصص وفضاء جماعي ومادة علمية‪ ،‬لهذا وجب التعاون‬
‫بين املؤسستين على غرس القيم النبيلة واألخالق الحسنة‪ ،‬وإنجاز الواجبات املدرسية‬
‫بالبيت‪ ،‬واستمرار العالقة بين املعلمين وإدارة املدرسة واآلباء واألمهات عن طريق جمعية‬
‫اآلباء وتدعيمها‪ ،‬والحرص على عدم تناقض املؤسستين في توجيه الطفل‪.‬‬
‫ج‪ .‬املعلم‪/‬املدرس‪ :‬املعلم حجر الزاوية في العملية التربوية داخل املدرسة‪ ،‬فهو املربي‬
‫واملوجه والقدوة لتالمذته‪ ،‬واملعلم الناجح في مهمته له صفات منها‪:‬‬
‫ •االستعداد الفطري‪ :‬أن يكون املعلم مستعدا فطريا للقيام بهذه املهمة التربوية‪ ،‬وإال‬
‫فشل فشال ذريعا إن لم يكن له استعداد نف�سي وروحي وعاطفي‪.‬‬
‫ •الجسم السليم‪ :‬ألن العملية التعلمية التعليمية تحتاج من املعلم قوة بدنية ليضطلع‬
‫بمهمته على أفضل وجه‪.‬‬
‫ •املظهر األنيق‪ :‬في لباسة وكالمه وحركاته‪ ،‬وهو شرط في املعلم حتى ينال احترام تالمذته‬
‫ويكون قدوة لهم‪.‬‬
‫‪ 172‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫ •الذكاء العقلي‪ :‬فصفة النباهة العقلية والفطنة توفر للمعلم قدرة على اإلقناع والتأثير‬
‫في تالميذه‪.‬‬
‫ •العاطفة والطبع املرن‪ :‬إن القسوة على التالميذ تدعوهم للنفور‪ ،‬والرحمة بهم والصبر‬
‫عليهم يدعوهم لإلقبال على املدرسة وحب برامجها ومقرراتها الدراسية‪.‬‬
‫ •أخالق العدل‪ :‬من أخالل املعلم العدل مع وبين التالميذ‪ ،‬وذلك رأس أمر التربية‬
‫الجماعية‪ ،‬وبه تحصل الطمأنينة واألمن الدرا�سي‪.‬‬
‫ •الصرامة والسلطة التربوية‪ :‬يتأسس الضبط التربوي من أول اتصال للمعلم بالتالميذ‪،‬‬
‫فين�شئ احترامه وتوقيره بوصفه املربي والقدوة‪.‬‬
‫ •الجزاء املدر�سي‪ :‬الجزاء إما بالثواب أو العقاب‪ ،‬الثواب على كل عمل جيد أو تحصيل‬
‫نتائج جيدة‪ ،‬وتخصيص مكافآت مادية للتالميذ املتفوقين‪ ،‬وهذا يدفع التالميذ إلى مزيد‬
‫بذل واجتهاد‪ ،‬وتوسيع املنافسة بينهم‪ ،‬أما العقوبة فيحاول املعلم تجنب العقاب البدني‬
‫أو املعنوي‪ ،‬وإذا اضطرت املدرسة إلى عقاب التلميذ فيشترط أن يكون املعاقب تربويا‬
‫ساكنا حال إنزاله العقوبة التي تكون من نوع املخالفة‪ ،‬وتكون العقوبة قليلة وإنسانية ال‬
‫َ‬
‫تلحق األذى باملعاقب معنويا وال ماديا‪.‬‬

‫‪ .3‬تربية الطفل وعلم النفس‪:‬‬

‫وفي هذا الصدد حاولت املذكرات أن تلقي نظرة على عالقة التربية بعلم النفس‪ ،‬وهذا من‬
‫أهم ما ينبغي للمعلم االهتمام به‪ ،‬معرفة نفسية كل طفل‪ ،‬وتدبيرها تدبيرا تربويا يلبي رغباتها‪،‬‬
‫وتوافقها مع رغبات املعلم واملدرسة‪ ،‬والتعاون معهم على تجاوز بعض العقبات النفسية‬
‫املحمولة معهم‪.‬‬
‫وأول ما يراعيه املعلم نفسية الطفل وعقليته‪ ،‬وإدراكه للمادة التعليمية‪ ،‬وحاجاته للحرية‬
‫وللعطف‪ ،‬واالنتباه لسلوكه وذكائه‪ ،‬وعالقة الطفل باألسرة والبيت‪ ،‬وعالقته باملعلم نفسه‪،‬‬
‫وعالقته برفاقه في املدرسة‪ ،‬والفروق الفردية بينهم عقلية أو جسمية‪.‬‬
‫إصالح الواقع التربوي على ضوء «مذكرات في التربية» ‪173‬‬

‫وما دامت املذكرات اختارت مفهوم التربية باعتباره مجموعة تأثيرات توجه اإلنسان‪ ،‬فإن‬
‫هذه التأثيرات املطلوبة نظريا وواقعيا هي تأثيرات شاملة تتوجه إلى جسم الطفل وتوجه خلقه‬
‫وعقله‪ ،‬وعليه فأنواع التربية جسمية وخلقية وعقلية‪.‬‬
‫أ‪ .‬التربية الجسمية‪ :‬كانت أغراض التربية قديما تعطي للتربية الجسمية مكانا خاصا بها‪ ،‬أما‬
‫حديثا فقد انحصرت عند ظهور أغراض أخرى للتربية‪ ،‬ولكن يجب أن تبقى للتربية الجسمية‬
‫مكانتها إلى جانب األغراض العلمية أو الخلقية‪ ،‬وبما أن مدارسنا ال تعطي الوقت الكافي لهذا‬
‫النوع ألنها لم تستقر بعد في نظامنا التربوي‪ ،‬فإنها تحتاج إلى االهتمام والعناية‪ « ،‬وأن ينال‬
‫(((‬
‫جسم الطفل من العناية مثل ما يعطي لعقله‪».‬‬
‫وللتربية الجسمية عالقة بالصحة املدرسية‪ ،‬فالطفل التلميذ يكتسب املعرفة عن طريق‬
‫حواسه السليمة‪ ،‬وإال كان التحصيل ناقصا وربما منعدما‪ ،‬فوجب االعتناء بصحة التالميذ‬
‫عناية خاصة من طرف املدرسة وتوجيههم للمستشفيات قصد معالجتهم‪ ،‬وتبقى الوقاية خير‬
‫من العالج‪ ،‬فتخصص املدرسة وقتا للتوعية الصحية وطرق الوقاية من بعض األمراض‬
‫املنتشرة في البيئة واملحيط االجتماعي‪.‬‬
‫ويبقى درس التربية البدنية من الدروس البالغة األهمية في التربية الجسمية‪ ،‬فالطفل‪/‬‬
‫التلميذ يحتاج لترويض جسمه وتنشيطه‪ ،‬وهذا من مهمة املدرسة واإلشراف الفعلي على‬
‫توعية التالميذ بأهمية درس الرياضة الجسمية‪ ،‬وعدم النفور من حصصها واعتبارها حصص‬
‫زائدة وغير مرغوب فيها‪.‬‬
‫ب‪ .‬التربية الخلقية‪ :‬تهدف التربية الخلقية إلى غاية كبرى وهي صالح الفرد واملجتمع‪،‬‬
‫ويتحقق «إصالح املجتمع بإصالح الفرد»(((‪ ،‬ومن هنا تظهر األهمية القصوى للتربية الخلقية‬
‫فهي ليست كأنواع التربية األخرى وذلك ألنها تتعدى املستوى الفردي إلى املجتمع ومحيطه‪،‬‬
‫والعمل الخلقي هو «شعور بأن ما نفعله واجب مقدس ال ينبغي أن نروغ عنه‪ ،‬فرضه الضمير‬
‫(((‬
‫أو فرضه االقتناع العميق‪».‬‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬مذكرات في التربية ملدارس املعلمين واملعلمات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.125‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.126‬‬
‫‪ 174‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫من هنا يأتي دور املدرسة في تهذيب أخالق الطفل وتربيته على الشعور بالواجب الخلقي‬
‫دائما ليكون سلوكه أخالقيا كامال‪ ،‬والتربية الخلقية تتنوع أساليبها حسب الحاجة واملربى‪،‬‬
‫تربية بالحرية‪ ،‬وليست الحرية املطلقة وإنما حرية االختيار والتعبير والقرار واملشاركة‪،‬‬
‫وهذا ال يتأتى إال إذا أصبح السلوك الخلقي عند الطفل نابعا من وعي خلقي وليس عادة اكتسبها‬
‫الطفل من والديه أو من مجتمعه‪ ،‬وال تعطى مهمة التربية الخلقية ملعلم �سيء الخلق ألنه قدوة‬
‫ملن يربيهم‪ ،‬فعليه أن يكون نموذجا صالحا في األخالق ومثاال يحتذى به في األقوال واألفعال‪.‬‬
‫ومن هذا الدور الخلقي العظيم تعين على املدرسة أن تدرج مادة األخالق في مقرراتها‪،‬‬
‫فتصبح دروس األخالق لها مكانتها عند جميع األطفال‪/‬التالميذ ويخضعون إلى تمثلها في‬
‫سلوكهم اليومي‪ ،‬واألخالق املقصودة هنا هي األخالق الدينية اإلسالمية‪ ،‬وبهذه األعمال يتمثل‬
‫الدين في واقعنا‪ ،‬ألن الدين هو ما ظهر في صالح أعمالنا وسلوكنا‪« ،‬وإن أقرب ما نتقرب به إلى‬
‫(((‬
‫هللا طهارة قلوبنا وإخالص نياتنا كلما قمنا بعمل ديني‪».‬‬
‫ج‪ .‬التربية العقلية‪ :‬إن العقل هو األداة الكبرى التي يتكسب بها املتعلم املعرفة بكل أنواعها‪،‬‬
‫لذا وجبت العناية بنمو عقل الطفل وتربيته على االستقالل برأيه وحكمه على األشياء دون‬
‫أن يتأثر بعواطف اآلخرين‪ ،‬وأن يستعمل حواسه أحسن استعمال‪ ،‬كما على املدرسة أن تهتم‬
‫بذاكرة تالمذتها واستحضار الفوارق بينهم ألنهم يختلفون في االستيعاب والتذكر‪ ،‬كل هذا‬
‫االهتمام يدفع التالميذ للعمل اإليجابي وعدم السقوط في سلبية التفكير‪.‬‬

‫بيبليوغرافيا الدراسة‪:‬‬

‫ •عبد السالم ياسين‪ ،‬مذكرات في التربية ملدارس املعلمين واملعلمات‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬دار‬
‫السلمي للتأليف والترجمة والنشروالطباعة والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪.1963 ،‬‬

‫((( عبد السالم ياسين‪ ،‬مذكرات في التربية ملدارس املعلمين واملعلمات‪ ،‬ص ‪.133‬‬
175

Abdessalam YASSINE, le pédagogue

Jaouad MUFTISADA(1)

L’un des aspects occultés de la personnalité de Abdessalam YASSINE est celui du


pédagogue. Son parcours militant, spirituel et politique fait oublier aux chercheurs
celui d’éducateur éminent qu’il fut dans ce Maroc de l’après-indépendance.
Non seulement il fut pendant près de deux décennies un acteur très influent dans
ce champ stratégique pour le pays, de par son ardeur à former toute une génération
d’enseignants et d’inspecteurs à valeur sûre sur le terrain. Il a lui-même auparavant
exercé ce métier, mais il fut aussi et surtout l’un des rares théoriciens marocains en édu-
cation. Il figure à ce stade parmi les premiers initiateurs au Maroc d’un projet pédago-
gique dont les caractéristiques n’ont cessé de s’affirmer tout au long de son parcours.

Ouverture d’esprit
Ne se contentant pas de l’expérience acquise par de longues années d’exercice,
Abdessalam YASSINE allie la recherche académique et l’érudition scientifique à la
pratique pédagogique. Il lit, analyse, synthétise, commente et critique les textes fon-
dateurs en éducation. Son autodidactisme, son érudition et sa maîtrise des langues
lui permirent de puiser des sources et d’être au fait des théories et pratiques les plus
récentes en la matière.
Cette ouverture d’esprit est manifeste au niveau de la pratique pédagogique, en
témoignent ses élèves. Sa carrière atteste de la justesse de ses options et de la richesse
de ses écrits en la matière. Dans son livre, « Les textes pédagogiques pour les Ecoles
des Instituteurs et des Institutrices » (1963), Abdessalam YASSINE passe en revue

(1) Traducteur, enseignant et chercheur à l’Ecole Normale Supérieure - Casablanca.


‫ عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬176

les points de vue des éducateurs à travers les âges et dans les diverses civilisations
humaines (chinoise, grecque, arabe, perse, occidentale moderne, etc). Ceci avec une
prédominance affichée des grands penseurs modernes à partir du XVIIIème siècle. Il
expose les principes philosophiques et sociaux qu’ils prônent et fait la synthèse des
méthodes qu’ils adoptent. Et les textes qu’il offre aux élèves -instituteurs sont révé-
lateurs de la doctrine pédagogique que leurs auteurs adoptent.
Ceci dit, cette prédominance ne lui fait pas négliger certaines contributions,
très rares d’ailleurs, d’auteurs arabes qui, tout en suscitant la polémiques, ont trai-
té certaines problématiques majeures de l’action et de la réflexion pédagogique
dans le monde arabe. A titre d’exemple Taha Hussein dans « L’avenir de la culture
en  Egypte ».
Son deuxième ouvrage « Comment rédiger une dissertation pédagogique ? »
(1962), se démarque par sa référence aux théoriciens modernes de l’éducation tels
Montessori et Piaget et présente leurs travaux et expériences en la matière. Il insiste
par la même occasion sur la nécessité pour l’instituteur, s’il veut accomplir sa mission
comme il se faut, de maintenir une veille scientifique et de mettre à jour sans cesse ses
connaissances en suivant les progrès accomplis de ce domaine à travers le monde.
Dans son livre « les Essais pédagogiques » (1963), Abdessalam Yassine traite de
l’éducation selon les diverses approches prédominantes aux XIX et XXème siècle
sans exclusion ni partialité. De ce fait, il manifeste sa prise de conscience des pro-
grès enregistrés dans ce champ et de l’évolution aussi bien de la réflexion comme
des pratiques pédagogiques.

Non-conformisme
Un autre trait de caractère est celui du non-conformisme vis-à-vis non seulement
des approches héritées par le système d’enseignement classique au Maroc mais aus-
si de celles appliquées par l’occupant français pendant les décennies du Protectorat.
Un non-conformisme dans le choix des textes pédagogiques précités et destinés
aux Instituteurs et institutrices stagiaires dicté plus par l’adéquation des approches
177 Abdessalam YASSINE, le pédagogue

prônées par leurs auteurs respectifs que par le souci de reproduire une quelconque
tradition consacrée dans le champ de l’éducation par les ancêtres comme par les
contemporains.
Aussi, Abdessalam YASSINE n’a-t-il jamais cessé de prêcher par le discours que
dans la pratique la consultation des penseurs et pédagogues anciens ou modernes,
sans pour autant céder à une tendance au mimétisme littéraliste. Pour lui, il s’agit
de prendre connaissance, d’analyser et de commenter le corpus emprunté avant
d’adapter sa substance à la réalité marocaine de l’après-indépendance. Un objectif
qu’il visait notamment par les exercices proposés dans ses « Textes pédagogiques ».
Un non-conformisme dans sa manière de traiter les problématiques soulevés et
examinés dans ce même ouvrage, celle par exemple de l’enseignement des filles.
Loin de s’aligner, malgré sa formation arabo-islamique de base, sur les positions
traditionnalistes qui limitaient l’accès des femmes à l’école, il adopta une position
avant-gardiste en la matière.
La même qualité se fait exprimer dans « Comment rédiger une dissertation pé-
dagogique ? » où Abdessalam Yassine fait le constat d’une lamentable pauvreté des
stagiaires aussi bien au niveau linguistique qu’au niveau de la pensée. En effet, bien
que le système d’enseignement marocain de l’après-indépendance devait faire face
à de nouveaux défis, il restait confiné dans une logique de mémorisation de conte-
nus, assez pauvres d’ailleurs, et imposés par les enseignants. Ce système demeurait
de ce fait prisonnier des canevas pédagogiques classiques. Aussi en appelait-il à bri-
ser ce schéma ancestral soutenant, preuves à l’appui, que la culture professionnelle
dans ce champ stratégique est aux antipodes de l’immobilisme. L’instituteur se doit
de faire preuve de créativité, loin de la pratique routinière paralysante.
Dans les « Essais pédagogiques », il fait preuve d’une autonomie de réflexion ;
Tout en passant en revue les expériences civilisationnels et sociaux de l’histoire hu-
maine, il ne manifeste aucune préférence pour une civilisation aux dépens d’une
autre. Idem pour les théories pédagogiques qu’il expose, il n’en défend point les
principes fondateurs mais plutôt les notions qu’elles mettent en avant. Ses choix ne
portent guère sur un courant, une approche ou un auteur particulier.
‫ عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬178

Perspectivisme
A maintes reprises dans ses trois ouvrages pédagogiques, Abdessalam YASSINE
ne manque pas d’insister sur la nécessité pour les praticiens de maintenir une veille
scientifique vis-à-vis des nouveautés dans le domaine partout dans le monde. Dans
les « Textes choisis pour les Instituteurs et Institutrices », il rappelle que l’éducation
ne cesse d’évoluer en théorie comme en pratique et que les praticiens se doivent
d’accompagner le mouvement de cette évolution.
Concernant la question de l’enseignement des filles au Maroc, il expose dans ces
mêmes ouvrages sa position de principe, et propose de déclencher en amont une
dynamique de modernisation de la société marocaine avant d’entamer le processus
de leur scolarisation.
La question de la mixité par exemple, toujours objet de débat dans les cercles
des experts, notamment son impact sur le rendement scolaire, y est soulevée sans
aucune prétention de sa part à y apporter le dernier mot. Idem dans les « Essais
pédagogiques » au chapitre consacré à l’éducation corporelle, il invoque les diffé-
rences accusées par les filles à ce niveau. Il recommande à ce propos à l’instituteur
de prendre en considération les spécificités corporelles des filles tout en veillant au
respect du principe d’égalité entre les deux sexes (Essais pédagogiques ,101).
Il y soulève aussi une autre problématique qui reste prédominante dans le Maroc
actuel, notamment dans le monde rural, celle de l’état des locaux affectés à l’ensei-
gnement. Il ne manque pas à ce propos de souligner la nécessité d’avoir des locaux
aptes à accompagner l’évolution du champ pédagogique et à remplacer ceux dont
l’état s’avère déplorable (Essais pédagogiques ,42).
Ceci dit, il reste que le projet pédagogique de Abdessalam YASSINE se fait remar-
quer par d’autres spécificités qui, une fois dévoilées, nous permettraient de le classer
parmi les projets précurseurs en la matière dans le monde arabo-musulman. Ses
propositions novatrices et avant-gardistes pour ce Maroc des années soixante frai-
chement indépendant auraient aidé, une fois mises en pratique et développées, non
179 Abdessalam YASSINE, le pédagogue

seulement à éviter le marasme éducatif régnant dans notre pays mais à faire élever
les écoles marocaines aux premiers rangs dans ce secteur.

Bibliographie:
• YASSINE Abdessalam, Textes pédagogiques pour les Ecoles des Instituteurs et
des Institutrices, 1963 Editions Dar Soulami, Casablanca.
• YASSINE Abdessalam, Comment rédiger une dissertation pédagogique ? 1962.
Editions Dar Ettaqafa, Casablanca.
• YASSINE Abdessalam, Essais pédagogiques, 1963 Editions Dar Soulami,
Casablanca.
‫‪181‬‬

‫ملحق الصور‬
‫ملحق الصور ‪183‬‬

‫[ األستاذ عبد السالم ياسين مدرسا بمدرسة القصبة بمدينة مراكش سنة ‪] 1949‬‬

‫[ األستاذ عبد السالم ياسين أستاذا للغة العربية والترجمة بثانوية محمد الخامس بمراكش ‪] 1952‬‬

‫[ األستاذ عبد السالم ياسين مديرا لقسم املعلمين بالدارالبيضاء ‪] 1957‬‬


‫‪ 184‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫[ األستاذ عبد السالم ياسين في تدريب تربوي باملعهد البيداغوجي الدولي بفرنسا مدته ‪ 45‬يوما سنة ‪] 1959‬‬

‫[ األستاذ عبد السالم ياسين مديرا ملركزتكوين املعلمين بمراكش ‪] 1959‬‬

‫[ األستاذ عبد السالم ياسين في تدريب بمعهد الطفولة ببولوني بضاحية باريس مدته ‪ 45‬يوما‪ .‬يناير ‪] 1961‬‬
‫ملحق الصور ‪185‬‬

‫ٔ‬
‫[ االستاذ عبد السالم ياسين‬
‫ممثال للمغرب في زيارة مهنية‬
‫للقاهرة سنة ‪] 1961‬‬

‫[ األستاذ عبد السالم ياسين في بعثة ملركزجهوي للتخطيط التربوي ببيروت تابع ملنظمة اليونسكو‪،‬‬
‫مارس ‪] 1962‬‬
‫‪ 186‬عبد السالم ياسين وجهوده في بناء املنظومة التربوية املغربية‬

‫المحتويات‬

‫تقديم ‪ /‬ذ محمد حمداوي ‪03 ....................................................................................................................‬‬

‫هندسة التكوين باملنظومة التربوية املغربية ‪ /‬د‪ .‬طارق الفاطمي ‪07 .....................................................‬‬

‫الجهود البيداغوجية لألستاذ عبد السالم ياسين ‪ /‬ذ‪ .‬محمد الريمي ‪15 .............................................‬‬

‫إسهامات األستاذ عبد السالم ياسين في بناء املنظومة التربوية املغربية ‪ /‬ذ‪ .‬خالد البورقادي ‪29 .......‬‬

‫ياسين الشاب‪ :‬عبد السالم ياسين التربوي البيداغوجي األنواري ‪ /‬د‪ .‬لحسن اللحية ‪49 .....................‬‬
‫ّ‬
‫املؤسسة ‪ /‬د‪ .‬أحمد الفراك ‪59 ...........................‬‬
‫فلسفة التربية في الكتابات البيداغوجية املغربية ِ‬
‫عبد السالم ياسين ‪ -‬املفكر التربوي ‪ /‬ذ‪ .‬محمد العربي أبو حزم ‪69 ......................................................‬‬

‫صفات املعلم ورسالته من خالل كتابات عبد السالم ياسين البيداغوجية ‪ /‬د‪ .‬عادل ضباغ ‪93 ........‬‬

‫األستاذ عبد السالم ياسين رجل التربية والبيداغوجيا ‪ /‬د‪ .‬مصطفى شـﯖري ‪105 ............................‬‬

‫نظرات في ثنائية الثواب والعقاب في املدرسة ‪ /‬د‪ .‬عبد االاله بالقاري ‪121 ............................................‬‬

‫إسهام األستاذ عبد السالم ياسين في بناء سياسية تعليمية وطنية ‪ /‬د‪ .‬يونس محسين ‪129 ...............‬‬

‫التأليف البيداغوجي املبكر باملغرب وسؤاال القيمة والوظيفة ‪ /‬ذ‪ .‬رشيد الوهابي ‪133 ...................‬‬

‫إصالح الواقع التربوي على ضوء مذكرات في التربية ‪ /‬د‪ .‬عبد الرحيم خطوف ‪159 ..........................‬‬

‫‪175 ............................................ Abdessalam YASSINE, le pédagogue/ Jaouad MUFTISADA‬‬

‫ملحق الصور ‪181 ......................................................................................................................................‬‬


www.yassine.net

You might also like