You are on page 1of 44

‫‪ilmî ve akademik araştırma dergisi‬‬

‫‪37 [2016/1], s. 1-44‬‬

‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬


‫بكري عالء الدين*‬
‫ملخض البحث‬

‫فــي هــذه الدراســة تــم تحقيــق «كتــاب الخلــوة» البــن عربــي اعتمــادا علــى أربــع نســخ مخطوطــة موجــودة فــي‬
‫مكتبــات تركيــا ودراســته مــن جوانــب مختلفــة‪ ،‬وكتــاب الخلــوة الــذي قمنــا بتحقيقــه فــي هــذه المقالــة هــي‬
‫مؤلــف يركــز علــى «الخلــوة المطلقــة» أو الخلــوة بالمعنــى الروحــي العالمــي والتــي يمكــن أن يدخلهــا المســلم‬
‫وغيــر المســلم تمييــزاً لهــا عــن «الخلــوة المقيــدة» الســائدة فــي األوســاط الصوفيــة المعروفــة‪ .‬والكتــاب عبــارة‬
‫عــن جــواب علــى ســؤال صديــق البــن عربــي حــول هــذا الموضــوع الــذي يطــرق ألول مــرة‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‏‪ :‬ابن عربي‪،‬‏كتاب الخلوة‪،‬‏الخلوة‪ ،‬الخلوة المطلقة‪ ،‬الخلوة المقيدة‪.‬‬

‫‪İbn Arabî’nin Kitâbü’l-Halve Adlı Eseri‬‬


‫‪Özet‬‬
‫‪Bu araştırmada İbn Arabî’nin Kitâbü’l-Halve adlı eserinin Türkiye kütüphanele-‬‬
‫‪rinde bulunan dört yazma nüshasına dayanılarak tahkîki yapılmış ve eser deği-‬‬
‫‪şik yönlerden incelenmiştir. Bu makalede tahkîkini yaptığımız Kitâbü’l-Halve,‬‬
‫‪“mutlak halvet” veya sûfî çevrelerde bilinen “mukayyed halvet”ten farklı olarak‬‬
‫‪müslümanın da gayr-i müslimin de girmesi mümkün olan genel rûhî anlamda‬‬
‫‪halvet konusu üzerinde odaklanmıştır. Kitap, ilk defa gündeme gelen bu konu‬‬
‫‪hakkında İbn Arabî’nin bir arkadaşının sorusuna verilen cevaptan ibarettir.‬‬

‫‪Anahtar Kelimeler: İbn Arabî, Kitâbü'l-Halve, Halvet, Halvet-i mutlaka, Halvet-i‬‬


‫‪mukayyede.‬‬

‫مقدمة التحقيق‬

‫اعتمدنــا فــي تحقيــق هــذه الرســالة‪ :‬كتــاب الخلــوة‪ ،‬علــى عــدة مخطوطــات مــن مكتبتــي الســليمانية‬
‫وبيازيــد فــي مدينــة اســتنبول‪ ،‬وهــذه بعــض المعلومــات عــن هــذه المخطوطــات مســتقاة فــي أغلبهــا‬
‫مــن مراجعــة الفهــرس العــام لـــ تاريــخ مؤلفــات ابــن عربــي وتصنيفهــا لـــ عثمــان يحيــى‪ .‬وقــام بالمراجعــة‬
‫المذكــورة ســتيفان هرتشــتاين مــن مؤسســة محــي الديــن ابــن عربــي باكســفورد ‪.‬‬

‫‪ Institut français du Proche-Orient, Damas‬المعهد الفرنسي لدراسات الشرق األدنى – دمشق *‬


‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫وهي على الترتيب‪:‬‬

‫‪ -1‬ولي الدين ‪6( 1686‬أ ‪10 -‬ب) من مكتبة بيازيد‪ ،‬تاريخ النسخ ‪667‬ه قونيه‪.‬‬

‫‪ -2‬شهيد علي ‪ 203 ( 1341‬أ – ‪207‬ب) من المكتبة السليمانية ‪ ،‬عليه مقابلة‪.‬‬

‫‪ -3‬جار اهلل ‪ 119 ( 2080‬أ – ‪ 122‬أ) من المكتبة السليمانية تاريخ النسخ ‪791‬ه قونيه‪.‬‬

‫‪ -4‬بيازيد ‪ 337 ( 3750‬أ – ‪ 345‬أ) من مكتبة بيازيد تاريخ النسخ ‪ 14‬صفر ‪782‬ه حلب‪.‬‬

‫وقــد اخترنــا للتحقيــق النســخة األم وهــي مخطــوط ولــي الديــن ‪ 1686‬نظــر ًا لكونــه أقــدم‬
‫المخطوطــات المتاحــة وأقلهــا أخطــاء هــو ومخطــوط جــار اهلل مقارنــة بالمخطوطــات الباقيــة‪ ،‬فقــد تبيــن‬
‫لنــا بعــد فحــص المخطوطــات األربعــة بــأن مخطــوط شــهيد علــي كثيــر األخطــاء والتصــرف ببعــض‬
‫الكلمــات‪ .‬أمــا مخطــوط بيازيــد فيبــدو أن ناســخه ضليــع بالنحــو واللغــة العربيــة فقــد كان يصحــح مــا‬
‫يرتئيــه دون التقيــد بالمتــن األصلــي‪ .‬ولكــن أكثرهــا أخطــاء هــو الكتيــب المطبــوع فــي القاهــرة بعنــوان‬
‫«الخلــوة المطلقــة» فإنــه لــم يذكــر المخطــوط الــذي اتخــذه أصــاً فــي التحقيــق‪.‬‬

‫باإلضافــة إلــى هــذه المخطوطــات األربعــة المعتمــدة هنــا فــي الدراســة والتحقيــق ذكــر عثمــان يحيــى‬
‫فــي كتابــه (تاريــخ مؤلفــات ابــن عربــي وتصنيفهــا‪ ،‬الرقــم ‪ )255‬عــدداً كبيــراً مــن النســخ المخطوطــة فــي‬
‫فهــارس ومكتبــات العالــم‪ ،‬واخترنــا أقدمهــا مــن أجــل التحقيــق‪ .‬وعلــى األغلــب مــا يــزال عــدد آخــر منهــا‬
‫فــي المكتبــات الخاصــة والعامــة ســتظهر فــي يــوم مــن األيــام مــع تقــدم أدوات التوصــل االجتماعــي‪.‬‬

‫وممــا ال شــك فيــه أن كتــاب الخلــوة كتــاب أصيــل البــن عربــي حســب عشــرات المخطوطــات التــي‬
‫تؤكــد ذلــك‪ ،‬كمــا أن ابــن عربــي أشــار إليــه فــي رســالتين لــه همــا‪:‬‬

‫رســالة األنــوار (انظــر عثمــان يحيــى‪ ،‬رقــم ‪ .)33‬التــي تــم تأليفهــا فــي قونيــة ســنة ‪ 602‬ه‪ ،‬بنــاء علــى‬
‫طلــب تلميــذ لــه‪.‬‬

‫رســالة مقــام القربــة (عثمــان يحيــى‪ ،‬رقــم ‪ .)414‬والتــي تــم تأليفهــا بحســب أحــد الســماعات فــي‬
‫حلــب قبــل ســنة ‪ 617‬ه‪.‬‬

‫واهــم توثيــق لهــذا الكتــاب نجــده فــي الفتوحــات المكيــة البــن عربــي نفســه‪ ،‬حيــث يؤكــد أن أحــداً‬
‫قبلــه لــم يعالــج موضــوع «الخلــوة المطلقــة»‪ .‬وهــي تمثــل بالنســبة البــن عربــي إبداعـاً أصيــاً حيــث يشــيد‬
‫‪2‬‬
‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫بقيمــة الخلــوة ونتائجهــا علــى اإلنســان ســواء كان مؤمنـاً أم كافــراً‪ ،‬فــي حيــن أن كل مــا ُكتــب عــن الخلــوة‬
‫ســابقاً كان يخص الصوفي المســلم دون ســواه‪.‬‬

‫والســتكمال الفائــدة نســوق هنــا نــص ابــن عربــي المقتبــس مــن كتــاب ابــن عربــي الفتوحــات المكيــة‬
‫والــذي أورده أو أشــار إليــه فــي الهامــش اثنــان مــن المخطوطــات التــي اعتمدناهــا فــي التحقيــق‪ .‬ومــن‬
‫العجيــب أن الشــيخ محمــود غــراب يســرد النــص ذاتــه فــي نقــده لكتــاب الخلــوة نافيـاً تأليــف ابــن عربــي‬
‫لمثــل هــذا الكتــاب‪ ،‬وقــد حكــم عليــه بــدون تعمــق أنــه كتــاب «مفقــود» أو مــزور ومدســوس! يقــول‬
‫الشــيخ األكبــر ابــن عربــي فــي طبعــة بيــروت ذات األربعــة مجلــدات للفتوحــات المكيــة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪:391‬‬

‫« وقــد أفردنــا لهــذه الطريقــة «خلــوة مطلقــة» غيــر مقيــدة فــي جــزء‪ ،‬يعمــل عليهــا المؤمــن فيزيــد‬
‫إيمان ـ ًا ويعمــل بهــا وعليهــا غيــر المؤمــن مــن كافــر ومعطــل ومشــرك ومنافــق‪ .‬فــإذا و ّفــى العمــل عليهــا‬
‫وبهــا كمــا شــرطناه وقررنــاه فانــه يحصــل لــه العلــم بمــا هــو األمــر عليــه فــي نفســه‪ .‬ويكــون ذلــك‬
‫ســبب إيمانــه بوجــود اهلل ان كان معطــاً وبتوحيــد اهلل ان كان مشــركاً وبحصــول إيمانــه ان كان كافــراً‬
‫وبإخالصــه ان كان منافقـاً أو مرتابـاً‪ .‬فمــن دخــل تلــك الخلــوة وعمــل بتلــك الشــرائط كمــا قررنــا أثمــرت‬
‫لــه مــا ذكرنــا‪ .‬ومــا ســبقني اليهــا أحــد فــي علمــي إال ان كان ومــا وصــل إلــي‪ ،‬فــان اهلل ال تحجيــر عليــه‬
‫َّ‬
‫(يؤتــي الحكمــة مــن يشــاء)[البقرة‪ .]269 :‬فإنــي أعلــم ان أحــداً مــن أهــل الطريــق مــا يجهلهــا إن كان‬
‫صاحــب كشــف تــام‪ ،‬ولكــن مــا ذكرهــا‪ .‬وال رأيــت أحــداً منهــم نبــه عليهــا إال الخلــوات المقيــدة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ولــوال مــا ســألني فيهــا أخونــا وولينــا أبــو العبــاس أحمــد بــن علــى بــن ميمــون بــن آب التـ ْـو َزرِ ي ثــم‬
‫المصــري المعــروف بالقســطالني ‪ -‬المجــاور اآلن بمكــة ‪ -‬مــا خطــر لنــا اإلبانــة عنهــا‪ .‬فربمــا اتفــق لمــن‬
‫تقدمنــا مثــل هــذا فلــم ينبهــوا عليهــا لعــدم الســائل »‪ .1‬إن ابــن عربــي الــذي يجيــب علــى ســؤال صوفــي‬
‫زاهــد مثلــه مجــاور فــي مكــة المكرمــة عــن «الخلــوة المطلقــة» يخصــه برســالة أصيلــة يطلعــه فيهــا علــى‬
‫مــا وصــل إليــه مــن خبــر الخلــوة الخاصــة والمطلقــة‪ .‬وهــو علــى وعــي بأنــه لــم يســبقه أحــد فــي ابتــكاره‬
‫لفكــر جديــد وجــريء‪ ،‬كونهــا ال تختــص بديــن وال عقيــدة‪ ،‬ألنهــا متاحــة لــكل البشــر بســبب إطالقهــا‪،‬‬
‫علــى العكــس مــن الخلــوة الخاصــة بديــن معيــن‪.‬‬

‫كذلك عالج ابن عربي مفهوم «الخلوة» في أكثر من موضع من مؤلفاته ‪.‬‬

‫‪ 1‬جــرى ضبــط نــص المخطوطــة ‪ -‬مــا أمكــن ‪ -‬علــى الفتوحــات المكيــة بتحقيــق عثمــان يحيــى‪ ،‬انظــر‪ِ :‬‬
‫الســفر الســادس‪،‬‬
‫القاهــرة ‪ ،1994‬ص ‪.76 -75‬‬
‫‪3‬‬
‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫وموضــوع بحثنــا هنــا هــو كتــاب الخلــوة الــذي يركــز علــى هــذه «الخلــوة المطلقــة» أو الخلــوة‬
‫بالمعنــى الروحــي العالمــي والتــي يمكــن أن يدخلهــا المســلم وغيــر المســلم تمييــزاً لهــا عــن «الخلــوة‬
‫المقيــدة» الســائدة فــي األوســاط الصوفيــة المعروفــة‪ .‬والكتــاب عبــارة عــن جــواب علــى ســؤال صديــق‬
‫البــن عربــي حــول هــذا الموضــوع الــذي يطــرق ألول مــرة‪ .‬وكان هــذا الصديــق حســبما يفهــم مــن تقديــم‬
‫ابــن عربــي مجــاوراً بمكــة فــي بدايــة القــرن الســابع الهجــري الثالــث عشــر الميــادي ‪602‬هـــ ‪1206 /‬م‪.‬‬
‫وأورد اســمه فــي البــاب ‪ 69‬فــي «معرفــة أســرار الصــاة» مــن الفتوحــات المكيــة فــي نهايــة «فصــل فــي‬
‫وقــت صــاة الظهــر»‪ .‬إنــه أبــو العبــاس أحمــد المصــري المعــروف بالقســطالني (توفــي بمكــة المكرمــة‬
‫ســنة ‪636‬هـــ‪1238/‬م)‪.2‬‬

‫ومــع ذلــك فقــد أنكــر الشــيخ محمــود غــراب‪ ،‬المعــروف بخدمتــه الهامــة لمؤلفــات ابــن عربــي‪ ،‬نســبة‬
‫ـاء علــى «النقــد الداخلــي» للنــص واعتبــره «مفقــوداً»‪ .‬ولكــن هــذا النقــد‬
‫هــذا الكتــاب للشــيخ األكبــر بنـ ً‬
‫ال يثبــت أمــام مــا كتبــه ابــن عربــي وااقتبســه منــه بعــد ثمانيــة قــرون الباحــث الشــيخ محمــود غــراب‪ ،‬ال‬
‫‪3‬‬
‫ليؤكــد نســبته بــل ينفــي وجــوده أصــاً‪.‬‬

‫وتنــاول ابــن عربــي موضــوع «الخلــوة المقيــدة» فــي ســياق الحديــث عــن المقامــات الصوفيــة فــي‬
‫الفتوحــات المكيــة البــاب ‪ .78‬ونقــل مفهــوم الخلــوة مــن مجــال األحــوال والمقامــات الصوفيــة إلــى‬
‫مجــال الفلســفة والكونيــات‪ .‬فقــد ربطــه بفكــرة الخلــق أو «علــم النشــأة» ‪ ،Cosmogonie‬وبالعالقــة‬
‫بيــن اإلنســان والكــون ‪ .‬وميــز بيــن الخلــوة المقيــدة بالشــريعة اإلســامية والخلــوة المطلقــة التــي تصلــح‬
‫ّ‬
‫للجميــع مــن مؤمــن وكافــر‪ .‬والغــرض األساســي مــن الخلــوة عنــد ابــن عربــي هــو الوصــول إلــى صفــاء‬

‫‪ 2‬انظــر حــول القســطالني ‪ :‬كلــود عــداس‪ ،‬ابــن عربــي ســيرته وفكــره‪ ،‬ترجمــة‪ :‬د‪ .‬أحمــد الصادقــي‪ ،‬مراجعــة وتقديــم‪ :‬د‪ .‬ســعاد‬
‫الحكيــم‪ ،‬دار المــدار اإلســامي‪ ،‬بيــروت ‪ ،2014‬ط‪ ،1‬ص‪ ،239-238‬والحاشــية (‪)49‬؛ تحقيــق رســالة صفــي الديــن بــن أبــي‬
‫منصــور لـــ دومــي جريــل‪ ،‬منشــورات المعهــد العلمــي الفرمســي لآلثــار الشــرقية بالقاهــرة ‪ 1986‬ق‪ 56‬ب ومــا بعدهــا‪ .‬وقــد ورد‬
‫اســم القســطالني فــي كتــاب شــمس المعــارف الكبــرى ألبــي العبــاس البونــي‪ ،‬طبعــة المكتبــة الثقافيــة‪ ،‬بيــروت‪ ،‬ب‪.‬ت‪ .‬ص‪531‬‬
‫فــي ســند البونــي بعلــم الحــروف والوفــق‪ .‬وقــد طبــع كتــاب الخلــوة المطلقــة ضمــن مجموعــة رســائل ابــن عربــي‪ ،‬دار المحجــة‬
‫البيضــاء‪ ،‬بيــروت ‪ ،2000‬ص‪ .454-423‬وصــدر مــن قبــل فــي القاهــرة بطبعــة مليئــة باألخطــاء‪ ،‬راجعهــا وعلــق عليهــا عبــد‬
‫الرحمــن حســن محمــود‪ ،‬القاهــرة ‪ 1987‬فــي ‪ 32‬صفحــة مــن القطــع المتوســط‪.‬‬
‫‪ 3‬يقــول الشــيخ محمــود غــراب‪ « :‬يوجــد فــي المكتبــة الظاهريــة بدمشــق نســخة تحــت رقــم ‪ ،16‬تصــوف ليــس عليهــا تاريــخ‪،‬‬
‫وفــي مكتبــة برليــن نســخة تحــت رقــم ‪ 2916‬وليــس عليهــا تاريــخ‪ ،‬وهمــا نســختان متطابقتــان مــن كتــاب اســمه «الخلــوة»‬
‫ينســب إلــى الشــيخ األكبــر محــي الديــن ابــن العربــي‪ ،‬كمــا توجــد نســخة مطبوعــة‪ ،‬طبعــة دار الفكــر بالقاهــرة تحقيــق الشــيخ‬
‫عبــد الرحمــن حســن محمــود باســم «الخلــوة المطلقــة»‪ ،‬وهــي مطابقــة لنســخة «الخلــوة»‪ ،‬وأقــدم نســخة مخطوطــة فــي‬
‫مكتبــة ولــي الديــن عليهــا تاريــخ ‪667‬هـــ مــن مخطوطــات مكتبــة الصــدر القونــوي‪ ،‬وهــذا الكتــاب هــو مــن الكتــب المــزورة‬
‫ّ‬
‫المدسوســة علــى الشــيخ األكبــر‪ ،‬وال تصــح نســبة هــذا الكتــاب إلــى الشــيخ لمــا فيــه مــن التناقــض مــع آراء الشــيخ الثابتــة‬
‫عنــه فــي كتبــه األخــرى‪ ،‬ومــن تناقــض فــي نفــس الكتــاب‪ ،‬وقــد ذكــر الشــيخ فــي كتابــه الفتوحــات المكيــة ج‪1‬ص‪ 391‬أن‬
‫لــه كتابـاً اســمه «الخلــوة المطلقــة»‪ ،‬وهــو مــن الكتــب المفقــودة‪».‬‬
‫‪4‬‬
‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫النفــس وااللتحــاق بعالمهــا مــن التنــزه عــن الحكــم الطبيعــي‪ ،‬ألن عليهــا االلتحــاق بعالــم الروحانــي‬
‫خاصــة ‪ .‬وإذا مارســها المؤمــن فإنــه يزيــد إيمانــاً‪ .‬أمــا غيــر المؤمــن فإنــه يكتشــف نفســه‪Prise de‬‬
‫‪ conscience‬فــي أدنــى األحــوال ‪ .‬فــكل مــن دخــل تلــك الخلــوة وعمــل بتلــك الشــرائط أثمــرت لــه‬
‫نتائــج تناســب اســتعداده الشــخصي ‪.‬‬

‫ومــن المؤلفــات األخــرى التــي تنــاول فيهــا ابــن عربــي مفهــوم الخلــوة المقيــدة‪ :‬أحــد فصــول رســالة‬
‫حليــة األبــدال‪ .‬وفــي رســالة األنــوار التــي عــرض فيهــا التجليــات واألنــوار والكشــوف التــي تعــرض‬
‫للســالك المســلم‪ .‬وهــو يقــدم أهــم أفــكاره فــي الخلــوة بالمعنــى الصوفــي الســائد والمتــداول كمــا ورد‬
‫فــي قــوت القلــوب ألبــي طالــب المكــي أو الرســالة القشــيرية (فصــل فــي الخلــوة والعزلــة) واإلحيــاء‬
‫للغزالــي وعــوارف المعــارف للســهروردي‪.‬‬

‫الخلوة في رسالة حلية األبدال‪:‬‬

‫ففــي رســالة حليــة األبــدال البــن عربــي (ألفهــا فــي الطائــف ســنة ‪995‬ه) نجــد توجهــا جديــد ًا للعزلــة‬
‫والخلــوة ربطهمــا بفلســفته فــي اإلنســان الكامــل‪ ،‬يقــول ابــن عربــي‪:‬‬
‫« إن «اإلنســان الكامــل» ال يبقــى لــه فــي الحضــرة اإللهيــة اســم إال وهــو حامــل لــه‪ ،‬ومــن توقــف‬
‫مــن أصحابنــا فــي مثــل هــذه المســألة فلعــدم معرفتــه بمــا هــو االنســان عليــه فــي حقيقتــه ونشــأته‪ ،‬فلــو‬
‫عــرف نفســه مــا عســر عليــه مثــل هــذا‪ .‬فــإذا اعتــزل اإلنســان عــن الخلــق وعــن نفســه وصمــت عــن ذكــره‬
‫بذكــر ربــه إيــاه وأعــرض عــن الغــذاء الجســماني‪ ،‬وســهر عــن موافقــة نــوم النائميــن‪ ،‬واجتمعــت فيــه هــذه‬
‫ـت بشــريته َم َلــكاً وعبوديتــه ســيادة وعقلــه حســا وغيبــه شــهادة وباطنــه ظاهــراً‪،‬‬
‫الخصــال األربعــة‪ُ ،‬ب ّدلـ ْ‬
‫وإذا ترحــل عــن موضــع تــرك بدلــه فيــه حقيقــة روحانيــة يجتمــع إليهــا أرواح أهــل ذلــك الموطــن الــذي‬
‫رحــل عنــه هــذا الولــي‪ »4.‬وســوف نــرى كيــف مــزج ابــن عربــي بيــن التــراث الصوفــي فــي الخلــوة وبيــن‬
‫مذهبــه الفلســفي وبخاصــة فــي كتــاب الخلــوة الــذي يعتــرف فيــه بحــق كل إنســان فــي ممارســة الخلــوة‬
‫والوصــول إلــى مــا يريــد مــن معــارف روحيــة‪ .‬ولكــن قبــل عرضنــا لمــا جــاء فيهــا فيمكــن أن نلقــي نظــرة‬
‫علــى مــا كتبــه فــي رســالة األنــوار‬

‫‪ 4‬رســائل ابــن عربــي‪ ،‬ضبــط محمــد شــهاب الديــن العربــي‪( ،‬حليــة األبــدال)‪ ،‬بيــروت‪ ،‬دار صــادر ‪ ،1997‬ص ‪ .512‬انظــر كذلــك‬
‫تحقيــق هــذه الرســالة بعنايــة ســتيفان هيرتنشــتاين‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪5‬‬
‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫الخلوة في رسالة األنوار‪:‬‬

‫رســالة األنــوار التــي ألفهــا ابــن عربــي فــي قونيــة ســنة ‪ 206‬هــي جــواب ألحــد تالميــذه يتفــق مــع‬
‫المعلومــات الســائدة عــن الخلــوة فــي التصــوف عمومـاً‪ ،‬يقــول فيهــا‪ « :‬فاعلــم ‪ -‬وفقنــا اهلل وإيــاك – إذا‬
‫أردت الدخــول إلــى حضــرة الحــق واألخــذ منــه بتــرك الوســائط واألنــس بــه أنــه ال يصــح لــك ذلــك وفــي‬
‫قلبــك ربانيــة لغيــره‪ ،‬فإنــك لمــن حكــم عليــك ســلطانه هــذا ال شــك فيــه‪ ،‬فــا بــد لــك مــن العزلــة عــن‬
‫النــاس وإليثــار الخلــوة عــن المــأ‪ ،‬فإنــه علــى قــدر بعــدك مــن الخلــق يكــون قربــك مــن الحــق ظاهــراً‬
‫وباطن ـاً »‪.5‬‬
‫وهــذا ينســجم مــع تعريفــه للخلــوة حيــث يقــول‪ « :‬الخلــوة‪ :‬محادثــة الســر مــع الحــق‪ ،‬حيــث ال ملــك‬
‫وال أحــد ســواه‪ .‬وهنــاك يكــون «الصعــق»‪ »6.‬ويربــط ابــن عربــي فــي كتــاب األنــوار بيــن مفهــوم العزلــة‬
‫الــذي يعـ ّـد مقدمــة ال غنــى عنهــا لمــن يريــد دخــول الخلــوة وبيــن شــروط الســلوك علــى طريــق التصــوف‬
‫لمــن يتغلــب علــى وهمــه فيدخــل الخلــوة بمفــرده‪ ،‬ولمــن يخضــع لــه فيلزمــه شــيخ يســاعده فــي ســلوكه‪،‬‬
‫مراعيـ ًا بذلــك الفــروق الفرديــة واالســتعداد الشــخصي بيــن المريديــن فيقــول‪:‬‬

‫« فــأول مــا يجــب عليــك طلــب العلــم الــذي بــه تقيــم طهارتــك وصالتــك وصيامــك وتقــواك ومــا‬
‫يفــرض عليــك طلبــه خاصــة ال تزيــد علــى ذلــك وهــو أول بــاب الســلوك ثــم العمــل بــه ثــم الــورع ثــم‬
‫الزهــد ثــم التــوكل‪ ،‬وفــي حــال مــن أحــوال التــوكل يحصــل لــك أربــع كرامــات هــي عالمــة وأدلــة علــى‬
‫حصولــك فــي أول درجــة التــوكل‪ ،‬وهــي طــي األرض والمشــي علــى المــاء واختــراق الهــواء واألكل‬
‫مــن الكــون وهــو الحقيقــة فــي هــذا البــاب‪ ،‬ثــم لعــد ذلــك تتوالــى المقامــات واألحــوال والكرامــات‬
‫والتنــزالت إلــى المــوت‪ ،‬فــاهلل اهلل ال تدخــل خلوتــك حتــى تعــرف أيــن مقامــك وقوتــك مــن ســلطان‬
‫الوهــم‪ .‬فــإن كان وهمــك حاكم ـاً عليــك فــا ســبيل إلــى الخلــوة إال علــى يــدي شــيخ مميــز عــارف‪».7‬‬
‫ولمــا كان الغــرض مــن الخلــوة هــو التقــرب مــن الخالــق‪ ،‬فإنــه يتوجــب علــى الســالك ان يشــتغل بالذكــر‬
‫لتحقيــق غرضــه مــن الخلــوة‪ .‬فقــد كتــب ابــن عربــي‪:‬‬

‫« فأغلــق بابــك دون النــاس وكذلــك بــاب بيتــك بينــك وبيــن أهلــك واشــتغل بذكــر اهلل بــأي نــوع‬

‫‪ 5‬رسائل ابن عربي‪ ،‬ضبط محمد شهاب الدين العربي‪( ،‬رسالة األنوار)‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر ‪ ،1997‬ص ‪. 161‬‬
‫‪ 6‬الفتوحــات المكيــة‪ ،‬تحقيــق عثمــان يحيــى‪ ،‬القاهــرة ‪1410‬هـــ ‪1990 /‬م‪ ،‬الســفر ‪ ،13‬ص‪ ،186‬وانظــر كذلــك نفــس التعريــف فــي‬
‫‪ :‬كتــاب اصطــاح الصوفيــة البــن عربــي (ضمــن رســائل ابــن عربــي) ‪ .‬واصطالحــات الشــيح محــي الديــن ابــن عربــي‪ ،‬تحقيــق‬
‫بســام الجابــي‪ ،‬دار االمــام مســلم‪ ،‬بيــروت ‪ ،1990‬ص ‪.69‬‬
‫‪ 7‬رسائل ابن عربي‪ ،‬ضبط محمد شهاب الدين العربي‪( ،‬رسالة األنوار)‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر ‪ ،1997‬ص ‪.161‬‬
‫‪6‬‬
‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫شــئته مــن األذكار وأعالهــا االســم وهــو قولــك‪ :‬اهلل اهلل اهلل‪ ...‬ال تزيــد عليــه شــيئاً وتح ّفــظ مــن طــوارق‬
‫الخيــاالت الفاســدة أن تشــغلك عــن الذكــر‪.»8.‬‬

‫والتــازم بيــن الخلــوة والذكــر لــدى الصوفيــة أمــر مفــروغ منــه ألن الهــدف مــن الخلــوة هــو الذكــر‬
‫الموصــل إلــى أعلــى المقامــات وهــو الفنــاء والمشــاهدة‪.‬‬

‫« واشــتغل بالذكــر حتــى يتجلــى لــك مذكــورك فــإذا أفنــاك عــن الذكــر بــه فتلــك المشــاهدة أو‬
‫النومــة‪ ».9‬ومــن ثمــرات الذكــر فــي الخلــوة بوصفهــا أرفــع درجــات العزلــة التوصــل إلــى معرفــة «أســرار‬
‫األحديــة» والتنزيــه عــن أوصــاف البشــرية‪ .‬يقــول ابــن عربــي‪:‬‬

‫« فمــن الزم العزلــة وقــف علــى اســرار الوحدانيــة اإللهيــة‪ ،‬هــذا ينتــج لــه مــن المعــارف ومــن‬
‫األســرار أســرار األحديــة التــي هــي الصفــة‪ ،‬وحــال العزلــة التنزيــه عــن األوصــاف البشــرية ســالك ًا كان‬
‫المعتــزل أو محققـاً‪ ،‬وأرفــع أحــوال العزلــة الخلــوة‪ ،‬فــإن الخلــوة عزلــة فــي العزلــة‪ ،‬فنتيجتهــا أقــوى مــن‬
‫نتيجــة العزلــة العامــة‪.» 10.‬‬

‫ويعــدد ابــن عربــي فــي رســالة األنــوار هــذه عشــرين «كشــفاً»‪ ،‬ومــا يفتــح بــه للســالك مــن عوالــم‬
‫ومعــارف فــي ســلوكه حتــى يصــل إلــى مرتبــة الفنــاء والمحــق والجمــع‪ ،‬وأخيــراً رده إلــى عالــم الحــس‪.‬‬

‫الخلوة في الفتوحات المكية‪:‬‬

‫وتأتلــف الخلــوة فــي الفتوحــات المكيــة مــع مذهــب ابــن عربــي وتأخــذ بعــداً خاصـاً فــي فلســفته‪ ،‬دون‬
‫االبتعــاد عــن فهمــه الخــاص للقــرآن والحديــث النبــوي‪ .‬كتــب ابــن عربــي‪ « :‬إن الخلــوة أصلهــا فــي‬
‫الشــرع قولــه تعالــى فــي الحديــث القدســي‪(( :‬مــن ذكرنــي فــي نفســه ذكرتــه فــي نفســى ومــن ذكرنــي فــي‬
‫مــأ ذكرتــه فــي مــأ خيــر منهــم)) فهــذا حديــث إلهــي صحيــح يتضمــن الخلــوة والجلــوة‪ .‬وأصــل الخلــوة‬
‫ّ‬
‫مــن «الخــاء» الــذي وجــد فيــه العالــم‬
‫وقــال رســول اهلل ‪(( :r‬كان اهلل وال شــيء معــه))‪ .‬وســئل رســول اهلل ‪(( : r‬أيــن كان ربنــا قبــل أن‬

‫‪ 8‬رسائل ابن عربي‪ ،‬ضبط محمد شهاب الدين العربي‪( ،‬رسالة األنوار)‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر ‪ ،1997‬ص ‪.162‬‬
‫‪ 9‬رسائل ابن عربي‪ ،‬ضبط محمد شهاب الدين العربي‪( ،‬رسالة األنوار)‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر ‪ ،1997‬ص ‪.164-163‬‬
‫‪ 10‬رسائل ابن عربي‪ ،‬ضبط محمد شهاب الدين العربي‪( ،‬حلية األبدال)‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر ‪ ،1997‬ص ‪.511-510‬‬
‫‪7‬‬
‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫يخلــق خلقــه؟)) قــال‪(( :‬كان فــي عمــاء مــا فوقــه هــواء ومــا تحتــه هــواء)) ثــم خلــق الخلــق وقضــى‪» 11‬‬

‫األصل الكوني للخلوة‪:‬‬

‫ـأول شــيء مــأه «الهبــاء» وهــو جوهــر مظلــم‬


‫وأصــل الخلــوة فــي العالــم «الخــاء» الــذي مــأه العالــم‪ .‬فـ ّ‬
‫مــأ «الخــاء» بذاتــه‪ .‬ثــم تجلــى لــه الحــق باســمه «النــور»‪ ،‬فانصبــغ بــه ذلــك الجوهــر وزال عنــه حكــم‬
‫الظلمــة‪» 12‬‬
‫ومــن ثــم يميــز ابــن عربــي بيــن الخلــوة بالمعنــى الصوفــي والخلــوة التــي يمارســها المفكــرون والفالســفة‬
‫والتــي تشــبه كثيــراً مــا تحــدث عنــه ابــن عربــي فــي كتــاب «الخلــوة المطلقــة» دون أن يذكرهــا فــي الفتوحــات‬
‫المكيــة باالســم‪ ،‬إن لبعــض أصحــاب األفــكار خلواتهــم التــي ال يمكــن للصوفــي المســلم أن يســتخدمها‪،‬‬
‫كتــب ابــن عربــي قائــاً‪ « :‬ومنهــم مــن يأخــذ الخلــوة لصفــاء الفكــر ليكــون صحيــح النظــر فيمــا يطلبــه مــن‬
‫العلــم‪ .‬وهــذا ال يكــون إال للذيــن يأخــذون العلــم مــن أفكارهــم؛ فهــم يتخــذون الخلــوات لتصحيــح مــا‬
‫يطلبونــه إذا ظهــر لهــم بالموازيــن المنطقيــة‪ .‬وهــو ميــزان لطيــف أدنــى هــواء يحركــه فيخرجــه عــن االســتقامة‪.‬‬
‫فيتخــذون الخلــوات ويســدون مجــاري االهــواء‪ ،‬لئــا تؤثــر فــي «الميــزان» حركــة تفســد عليهــم صحــة‬
‫المطلــوب‪ .‬ومثــل هــذه الخلــوة ال يدخلهــا أهــل اهلل؛ وانمــا لهــم الخلــوة بالذكــر‪ ،‬ليــس للفكــر عليهــم ســلطان‬
‫وال لــه فيهــم أثــر‪ .‬وأي صاحــب خلــوة اســتنكحه الفكــر فــي خلوتــه فليخــرج! و(لــ) يعلــم أنــه ال يــراد لهــا‪ ،‬وانــه‬
‫ليــس مــن أهــل العلــم اإللهــي الصحيــح؛ اذ لــو أراده اهلل لعلــم الفيــض اإللهــي لحــال بينــه وبيــن الفكــر‪ .‬ومنهــم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مــن يأخــذ الخلــوة لمــا غلــب عليــه مــن وحشــة األنــس بالخلــق؛ فيجــد انقباضـاً فــي نفســه برؤيــة الخلــق حتــى‬
‫فيؤديــه ذلــك إلــى اتخــاذ الخلــوة‪ .‬ومنهــم مــن‬
‫أهــل بيتــه‪ :‬حتــى انــه ليجــد وحشــة الحركــة فيطلــب الســكون‪ّ ،‬‬
‫يتخــذ الخلــوة الســتحالء مــا يجــد فيهــا مــن االلتــذاذ‪ .‬وهــذه كلهــا أمــور معلولــة‪ ،‬ال تعطــى مقامـ ًا وال رتبــة‪» 13‬‬

‫الخلوة في كتاب الخلوة المطلقة‪:‬‬

‫لــم يكتــف ابــن عربــي فــي هــذا الكتــاب بعــرض أرائــه فــي الخلــوة المطلقــة بــل شــرح كثيــراً رأيــه فــي‬
‫الخلــوة المقيــدة وقــد قســم الكتــاب إلــى مقدمــة وثالثــة أبــواب‪ ،‬وختــم الكتــاب بعــرض ثالثــة أنــواع مــن‬

‫‪ 1 1‬ابــن عربــي‪ ،‬الفتوحــات المكيــة‪ ،‬تحقيــق عثمــان يحيــى‪ ،‬ســفر ‪ ،13‬القاهــرة ‪ ،1990/1410‬البــاب ‪ 78‬فــي الخلــوة‪ ،‬ص‪ .353‬وقــد‬
‫احتفظنــا باألقــواس والزيــادات التــي أضافهــا عثمــان يحيــى للمتــن األكبــري‬
‫‪ 12‬ابن عربي‪ ،‬الفتوحات المكية‪ ،‬تحقيق عثمان يحيى‪ ،‬سفر ‪ ،13‬القاهرة ‪ ،1990/1410‬الباب ‪ 78‬في الخلوة‪ ،‬ص‪.355-354‬‬
‫‪ 13‬ابن عربي‪ ،‬الفتوحات المكية‪ ،‬تحقيق عثمان يحيى‪ ،‬سفر ‪ ،13‬القاهرة ‪ ،1990/1410‬الباب ‪ 78‬في الخلوة‪ ،‬ص‪.366-365‬‬
‫‪8‬‬
‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫الخلــوة واألســماء التــي يمكــن الدعــاء بهــا‪.‬‬


‫ونــوه فــي هــذه المقدمــة بكــون الســائل مــن أصدقائــه العارفيــن بقولــه‪« :‬ســألت أيها الولــي العارف‪...‬‬
‫أن أقيــد لــك صــورة االســتعداد الجامــع الكلــي الــذي ال يتقيــد باســم معيــن وال بحضــرة مخصوصــة‬
‫وال بتجــل مخصــوص يوقــف عنــده‪ .» ...‬ويخاطبــه مخاطبــة صديــق خصــه بالمــودة واالحتــرام باعتبــاره‬
‫يســأل «ســؤال عــارف» ومطلــع علــى خفايــا التصــوف‪ ،‬قائــاً لــه‪ « :‬رأيــت أربــاب هــذه الطريقــة قــد أقامــا‬
‫علــى اســتعدادات مخصوصــة‪ ...‬وأنفــت همتــك الشــريفة عــن االقتصــار علــى مــا وقــف هــؤالء» فســألت‬
‫عــن الخلــوة المطلقــة‪.‬‬

‫ويركــز ابــن عربــي علــى اختــاف االســتعداد والبواعــث بيــن النــاس فــي كافــة المجــاالت وباألخــص‬
‫التصــوف واالنحيــاز إلــى الخلــوة الســتكمال ســلوك الســالك فيقــول‪ « :‬فــإن األمزجــة تختلــف‪ ،‬وفــراغ‬
‫قلــوب الخلــق مــن األكــوان ليــس علــى مرتبــة واحــدة‪ ،‬وإنمــا هــو علــى قــدر الباعــث والطبــع المســاعد‪.‬‬
‫فقــد يفتــح لواحــد فــي يوميــن عيــن مــا يفتــح آلخــر فــي شــهرين‪ ،‬وآلخــر فــي ســنتين‪ .‬وال يفتــح ألخــر‬
‫أبــداً»‪ .‬ثــم يؤكــد علــى أن فــراغ قلــوب العبــاد مــن الكــون ليــس علــى مرتبــة واحــدة وإنمــا هــو علــى قــدر‬
‫الباعــث والطبــع المســاعد‪ .‬كذلــك فــإن الجــوع واألغذيــة تابعــة للمــزاج‪ .‬وأن النفــوس غيــر متســاوية‬
‫فــي أصــل الخلــق فإنهــا تتأثــر بتركيــب البــدن ومــن هنــا نشــأ االختــاف بيــن النــاس باختــاف األغــراض‬
‫والشــرائع واختــاف األوقــات الختــاف األحــوال الختــاف الحــركات العلويــة‪.‬‬

‫وفــي البــاب األول يصــف ابــن عربــي خبرتــه فيمــا ينبغــي أن يكــون عليــه صاحــب الخلــوة وهــو كمــا‬
‫ســبق فــي مؤلفاتــه األخــرى كرســالة األنــوار وبــاب الصــاة فــي الفتوحــات المكيــة يركــز علــى التــدرب‬
‫علــى العزلــة قبــل الخلــوة ألن الخلــوة تحتــاج إلــى تدريــب مســبق‪.‬‬

‫وفــي البــاب الثانــي وهــو بــاب «الخلــوة المطلقــة» يحــدد ابــن عربــي الشــروط الالزمــة لنجاحهــا‪،‬‬
‫ومــن هــذه الشــروط التقيــد بمــكارم األخــاق واحتــرام البيئــة والحيــوان والحجــر ومعرفــة الذنــوب التــي‬
‫ارتكبهــا صاحــب الخلــوة قبــل خلوتــه ورد المظالــم‪ ،‬والتحفــظ مــن الفكــر فــي الخلــوة وذلــك بالذكــر‬
‫باالســم الجامــع اهلل‪ ،‬أو الذكــر ب « هــو هــو» حتــى يكــون القلــب كمــا يقــول ابــن عربــي‪ :‬هــو القائــل‪ .‬ثــم‬
‫يعــرض تفاصيــل الملبــس والمــأكل فــي الخلــوة‪ .‬ويختــم ابــن عربــي مقدمــة البــاب فــي الخلــوة المطلقــة‬
‫بالتأكيــد علــى الطهــارة وعلــى قلــة النــوم وعلــى الرياضــة والصمــت والتقليــل مــن الطعــام وشــرب المــاء‪.‬‬
‫ويقــول أخيــراً‪« :‬إذا أنســت النفــس بالوحــدة والعزلــة تدخــل الخلــوة»‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫والباب الثالث بعنوان‪ :‬ما جاء أن األنبياء دينهم واحد في هذا المقام وفي بعض األحكام‪:‬‬

‫يعيــد ابــن عربــي التركيــز علــى ضــرورة الصمــت فــي الخلــوة ويفصــل تنــاول الطعــام أثنــاء الخلــوة‬
‫فيقــول أن علــى صاحــب الخلــوة أن ال يجــوع الجــوع المشــغل وال يشــبع الشــبع المثقــل‪ ،‬وإذا جهــل‬
‫صاحــب الخلــوة مزاجــه فــي غذائــه فــإن عليــه أن يعــرض نفســه علــى األطبــاء الذيــن ينظــرون لــه فــي‬
‫الغــذاء المالئــم‪ .‬ويؤكــد ابــن عربــي بأنــه لــم يعيــن فــي كتابــه غــذاء مخصوصــا بســبب االختــاف‬
‫ـذاء ال يالئــم طبعــه فإنــه يتحمــل مســؤولية ذلــك وعليــه أن ينتظــر‬
‫باألمزجــة فمــن قــرأ كتابــه واســتعمل غـ ً‬
‫عقوبــة مــن اهلل‪.‬‬

‫ويــرى ابــن عربــي بــأن األمزجــة محــدودة ومحصــورة فــي األربعــة المعروفــة فــي نظريــة األمزجــة‬
‫فــي الطــب القديــم‪ .‬ويضيــف‪« :‬ولكــن فيهــا دقائــق وتفصيــل ال يعــرف إال بمشــاهدة الشــخص فــي‬
‫الوقــت ويحتــاج الغــذاء بعــد معرفــة الشــخص إلــى معرفــة الزمــان والمــكان‪ »...‬ويســتفيض ابــن عربــي‬
‫فــي «مطلــب» أو فقــرة خاصــة فــي بيــان طريقــة األكل والشــرب واالعتيــاد علــى العطــش ويؤكــد بــأن مــن‬
‫قــدم الرياضــة والعزلــة قبــل الخلــوة ثــم أقــدم عليهــا «يســرع إليــه الفتــح»‪.‬‬

‫ويتلــو ذلــك فصــل فــي صــورة بيــت الخلــوة وشــروطها مــن القعــود علــى الطهــارة واســتقبال القبلــة‬
‫وأن تكــون الخلــوة فــي بيــت مســكون شــرط أن ال يعــرف أحــد أنــه فــي خلــوة‪ .‬ويختــم حديثــه فــي البــاب‬
‫المخصــص للخلــوة المطلقــة بأنــه اضطــر إلــى الحديــث عــن الخلــوات العامــة والخاصــة فــي مؤلفاتــه‬
‫الســابقة ومنهــا رســالة األنــوار التــي تحدثنــا عنهــا ســابقاً‪.‬‬

‫وفــي مــا يشــبه الخاتمــة يعــرض ابــن عربــي خلــوات ثــاث تبيــن مــدى ثقافتــه ودرجــة اهتمامــه بهــذا‬
‫الموضــوع‪ .‬وهــي خلــوات تبــدو غريبــة ألول وهلــة مثــل «خلــوة الهدهــد» التــي يطالــب فيهــا بــأن يكــون‬
‫غــذاء صاحــب الخلــوة قلــوب هــذا الطيــر وذلــك بعــد أن أكــد علــى ضــرورة عــدم قتــل أو أكل الحيــوان‬
‫فــي الخلــوة‪ .‬وهــذا التناقــض الواضــح ال يعنــي أنــه ينصــح بهــذه الخلــوة بــل يعــرض مــا عليــه النــاس فــي‬
‫عصــره‪ .‬أمــا «الخلــوة الصمدانيــة» التــي تليهــا فهــي تركــز علــى عــدم النــوم لمــدة ثالثيــن يومـاً‪ ،‬وأن يقلــب‬
‫نظــام حياتــه الطبيعــي فيفطــر بالليــل وال يفطــر بالنهــار‪ ،‬وينصــح بــأن تمــارس فــي رمضــان‪.‬‬

‫أمــا «خلــوة القريــن» األخيــرة فيحــدد ابــن عربــي عالقتــه بهــا بالتنصــل منهــا فيقــول‪ «:‬ذكرهــا لــي‬
‫وصحتهــا‪ .‬وأمــا أنــا فمــا عملــت عليهــا مــن أجــل األســماء التــي فيهــا »‪ .‬وهــذه‬
‫جماعــة مــن إخوانــي ثقــات َ‬
‫األســماء كمــا بينــا فــي موضعــه معــروف بأنهــا بالنســبة ألبــي العبــاس البونــي «أســماء ســريانية» تســتخدم‬
‫‪10‬‬
‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫فــي العلــوم المكتومــة‪ .‬ثــم يذكــر خلــوة ســهل ابــن عبــد اهلل التســتري التــي أعطــاه اياهــا خالــه‪ .‬وخلــوة‬
‫بعــض الشــيوخ وهــو علــى األرجــح الشــيخ أبــي مديــن‪ .‬ويحدثنــا علــى «خلــوة عجيبــة» عرفهــا حيــن مــر‬
‫بالقــدس فــي المســجد األقصــى‪ .‬وهــي أذكار وأدعيــة لــم يكــن يعرفهــا ابــن عربــي ويذكــر باختصــار مــا‬
‫ســمعه مــن أذكار وأدعيــة‪.‬‬

‫ويختــم كتابــه منوهــا بقيمــة الذكــر أيـاً كان نوعــه طالمــا أنــه توجــه إلــى الخالــق‪ « :‬ومــا مــن ذكــر إال‬
‫ولــه نتيجــة تخصــه‪ .‬فــإذا فهمــت كيفيــة حــاالت الخلــوة و صورتهــا‪ ،‬فادخلهــا بــأي ذكــر‪ ،‬فإنــه يعطيــك‬
‫مــا فــي قوتــه‪ ،‬وال بــد‪.».‬‬

‫المراجع والمخطوطات‬

‫‪ .1‬رسائل ابن عربي ‪ ،‬ط القاهرة ‪ ،1998‬المنقولة عن طبعة حيدر أباد الدكن (‪1361‬هـ ‪1942 /‬م)‪.‬‬

‫‪ -1‬رسالة األنوار ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص(‪.)1-19‬‬

‫‪ -2‬كتاب الكتب‪.‬‬

‫‪ -3‬كتاب حلية األبدال‪.‬‬

‫‪ .2‬كلــود عــداس‪ ،‬ابــن عربــي ســيرته وفكــره‪ ،‬ترجمــة‪ :‬د‪ .‬أحمــد الصادقــي‪ ،‬مراجعــة وتقديــم‪ :‬د‪.‬‬
‫ســعاد الحكيــم‪ ،‬دار المــدار اإلســامي‪ ،‬بيــروت ‪.2014‬‬

‫‪ .3‬د‪ .‬ســعاد حكيــم‪ ،‬المعجــم الصوفــي (الحكمــة فــي حــدود الكلمــة)‪ ،‬دار دنــدرة‪ ،‬بيــروت‬
‫‪1401‬ه‪1981/‬م‪ ،‬ص‪ ،433-438‬مــادة « التخلــي» ‪.‬‬

‫‪ .4‬الخلوة المطلقة‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن حسن محمود‪ ،‬عالم الفكر‪ ،‬القاهرة ‪( 1987‬؟)‪.‬‬

‫‪ .5‬نقــد غــراب لرســالة الخلــوة‪ ،‬متــاح علــى الشــبكة اإللكترونيــة ( موقــع‪ :‬الطريقــة النقشــبندية‬
‫العليــة‪ ،‬الخلــوة المطلقــة )‪.‬‬

‫‪ .6‬الفتوحات المكية‪ ،‬الباب ‪78‬‬

‫‪ .7‬صور المخطوطات‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫‪12‬‬ ‫صور المخطوطات‬


‫‪ .1‬ولي الدين ‪6( 1686‬ب) من مكتبة بيازيد‪ ،‬تاريخ النسخ ‪667‬ه قونيه‪.‬‬
‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫‪ .2‬ولي الدين ‪7( 6861‬أ) من مكتبة بيازيد‪ ،‬تاريخ النسخ ‪766‬ه قونيه‪.‬‬ ‫‪13‬‬
‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫‪14‬‬ ‫‪ .3‬ولي الدين ‪10( 1686‬ب) من مكتبة بيازيد‪ ،‬تاريخ النسخ ‪667‬ه قونيه‪.‬‬
‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫‪ .4‬ولي الدين ‪11( 6861‬أ) من مكتبة بيازيد‪ ،‬تاريخ النسخ ‪766‬ه قونيه‪.‬‬ ‫‪15‬‬
‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫‪16‬‬ ‫‪ .5‬شهيد علي ‪202( 1341‬ب) من مكتبة السليمانية‪ ،‬عليه مقابلة‪.‬‬


‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫‪ .6‬شهيد علي ‪203( 1431‬أ) من مكتبة السليمانية‪ ،‬عليه مقابلة‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫‪18‬‬
‫‪ .7‬شهيد علي ‪207( 1341‬ب) من مكتبة السليمانية‪ ،‬عليه مقابلة‪.‬‬
‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫‪19‬‬
‫‪ .8‬شهيد علي ‪208( 1431‬أ) من مكتبة السليمانية‪ ،‬عليه مقابلة‪.‬‬
‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫‪20‬‬
‫‪ .9‬جار اهلل ‪118( 2080‬ب) من مكتبة السليمانية‪ ،‬تاريخ النسخ ‪791‬ه قونيه‪.‬‬
‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫‪21‬‬
‫‪ .10‬جار اهلل ‪119( 0802‬أ) من مكتبة السليمانية‪ ،‬تاريخ النسخ ‪197‬ه قونيه‪.‬‬
‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫‪22‬‬
‫‪ .11‬جار اهلل ‪121( 2080‬ب) من مكتبة السليمانية‪ ،‬تاريخ النسخ ‪791‬ه قونيه‪.‬‬
‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫‪23‬‬
‫‪ .12‬جار اهلل ‪122( 0802‬أ) من مكتبة السليمانية‪ ،‬تاريخ النسخ ‪197‬ه قونيه‪.‬‬
‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫‪24‬‬
‫‪ .13‬بيازيد ‪337( 3750‬ب) من مكتبة بيازيد باستانبول‪ ،‬تاريخ النسخ ‪ 14‬صفر ‪782‬ه حلب‪.‬‬
‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫‪25‬‬
‫‪ .14‬بيازيد ‪338( 3750‬أ) من مكتبة بيازيد باستانبول‪ ،‬تاريخ النسخ‪ 14‬صفر ‪782‬ه حلب‪.‬‬
‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫‪26‬‬
‫‪ .15‬بيازيد ‪344( 3750‬ب) من مكتبة بيازيد باستانبول‪ ،‬تاريخ النسخ ‪ 14‬صفر ‪782‬ه حلب‪.‬‬
‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫‪27‬‬
‫‪ .16‬بيازيد ‪345( 3750‬أ) من مكتبة بيازيد باستانبول‪ ،‬تاريخ النسخ‪ 14‬صفر ‪782‬ه حلب‪.‬‬
‫الشيخ محي الدين ابن عربي‬

‫كتاب الخلوة‬

‫[ق ‪ 6‬ب]‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫الحمــد هلل الــذي ألهــم الصفــوة مــن عبــاده اتخــاذ الخلــوات‪ ،‬ونـ ّـزه أســرارهم وخواطرهــم فيهــا عــن‬
‫الجــوالن فــي ملكــوت األرض والســماوات‪ ،‬ونصبهــا مثــاالً ألحديتــه مــن أكثــر الوجــوه والجهــات‪،‬‬
‫وقدســهم فيهــا عــن صفــات ِ‬
‫القــدم‬ ‫وجعــل نعتهــم فيهــا نعتــه فــي فردانيتــه مــن عــدم الحركــة وااللتفــات‪ّ ،‬‬
‫تقديســه فــي وحدانيتــه عــن صفــات المحدثــات‪ .‬فهــم فيهــا طالبــون وجودهــم فــي عينــه‪ ،‬طلبــه وجــوده‬

‫فــي عينهــم‪ ،‬إذ « كان وال شــيء‪ »...‬تقابــل ُسـ َـورٍ ب ُِسـ َـورٍ وآيــات بآيــات‪َ ،‬‬
‫ومنحهــم فيهــا أمــور ًا يقرعــون‬ ‫‪1‬‬

‫المنزهــة عــن حمــل الملقيــات‬‫ّ‬ ‫بهــا أبــواب هــذه التجليــات المفنيــات‪ .2‬ويفتحــون بهــا دروب التنــزالت‬
‫المرســات‪ .3‬خلــع عليهــم منهــا مــن الخلــع مــا يقتضيــه اســتعداداتهم فيمــا يطابقهــا مــن الحضــرات‪ .‬فــإن‬
‫األرواح المنشــآت بالنفــخ اإللهــي بيــن اآلبــاء العلويــات وأمهــات‪ 4‬الســفليات‪ ،‬خرجــت علــى صــورة‬
‫اســتعداد األمهــات‪ ،‬وبــه وقــع التفاضــل بيــن هــذه الــذوات‪ .‬فــا نجدهــا تتكــرر‪ 5‬علــى شــخصين لمــا‬
‫ذكرنــاه مــن اختــاف هــذه الهبــات‪ .‬فــا يزالــون فــي خلواتهــم بيــن تخليــص هــذه القلــوب مــن علــل‬
‫تجليــات «األلوهيــة الخياليــة»‪ ،‬وإماطــة مــا يأتــي بــه مــن الكشــوفات الوهميــات‪.‬‬

‫أدى بعــض المخذوليــن المعــدول بهــم عــن طريــق الحــق‪ 6‬أن‬ ‫وهــذا «التجلــي الوهمـ ّـي» هــو الــذي ّ‬
‫يقولــوا بنفــي الغيــر والســوى فــي توحيدهــم‪ ،‬ثــم يجعلــون لــه لســان ًا وكلمــات‪ .‬فتناقضــت دعائمهــم إذ‬

‫جــزء مــن حديــث‪(( :‬كان اهلل وال شــيء غيــره‪ ،‬وكان عرشــه علــى المــاء))‪ ،‬أخرجــه كثيــرون‪ ،‬أنظــر‪ :‬الحاكــم‪ ،‬المســتدرك‬ ‫‪ 1‬‬
‫علــى الصحيحيــن‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.475‬‬
‫«المغيبــات»‪ ،‬كمــا وردت فــي مخطــوط جــار‬ ‫(ق‪302‬أ)‪:‬‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـهيد‬
‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـوط‬
‫ـ‬ ‫ومخط‬ ‫ب)‬ ‫وردت فــي مخطــوط بيازيــد (ق‪337‬‬ ‫‪ 2‬‬
‫ُ ّ‬
‫اهلل (ق‪119‬أ)‪« :‬المنيعــات»‪.‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪ 337‬ب) وردة الجملة معكوسة‪« :‬المرسالت الملقيات «‪.‬‬ ‫ ‪3‬‬
‫في كل من المخطوطات بيازيد (ق‪ 337‬ب)‪ ،‬وجار اهلل (ق ‪119‬أ)‪ ،‬وشهد علي (ق ‪ 302‬أ) وردت‪« :‬األمهات»‪.‬‬ ‫‪ 4‬‬
‫«تجل يتكرر»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫في مخطوط بيازيد (ق‪ 337‬ب) وردت‪:‬‬ ‫‪ 5‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق ‪337‬ب) وردت‪« :‬إلى»‪.‬‬ ‫‪ 6‬‬
‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫كانــوا‪« :‬ال يــدرون وال يــدرون أنهــم ال يــدرون»‪ ،‬وهــذه أعظــم الجهــاالت‪ .‬ومــن هــذا الموطــن – بحكــم‬
‫زل إلــى أســفل الــدركات‪ ،‬ومنــه عــا مــن عــا إلــى أعلــى الدرجــات‪.‬‬
‫زل مــن ّ‬
‫هــذا «التجلــي الخيالــي» – ّ‬
‫وهــذه األلوهيــة الخياليــة هــي التــي رأى ابــن صيــاد عرشــها علــى البحــور الزاخــرات‪ ،‬مقابــاً للعــرش‬
‫الحقيقــي الكائــن [ق‪7‬أ] علــى المــاء كمــا ورد فــي االيــات البينــات‪ .‬فأخبــر النبــي ‪ r‬أن ذلــك عــرش‬
‫ّ‬
‫إبليــس‪ 7‬تقريــراً للعرشــين‪ ،‬وبيانـاً للفــرق بينهمــا عنــد أهــل الفطــر المســتقيمة واإلدراكات‪.‬‬

‫فســبحان مــن فطــر اإلنســان علــى العا َلــم وع َليــه‪ ،‬هــو العيـ َـن المقصــودة عنــده‪ ،‬فكانــت بــه الكائنــات‪،‬‬
‫فمــن ثبــت‪ 8‬قدمــه فــي عبوديتــه بعــد تحصيــل هــذه المعرفــة مــن طريــق الكشــف فهــو الخليفــة صاحــب‬
‫األســماء والنعــوت والصفــات‪ ،‬ومــن زلّــت قدمــه عــن عبوديتــه فــي هــذا المقــام ح ّلــت بــه المثــات‪.‬‬
‫فالحمــد هلل حمــداً بعــد حمــد لمــا أســداه مــن جزيــل المنــح وجســيم الهبــات‪ ،‬وصلــى اهلل علــى ســيدنا‬
‫محمــد الشــارح لهــذه‪ 9‬المقامــات العلويــات وســلم‪ 10‬كثيــراً‪.‬‬

‫إشــارة إلــى الحديــث النبــوي الخــاص بعــرش ابليــس‪ ،‬أخرجــه كثيــرون‪ ،‬ومســلم فــي صحيحــه‪ ،‬ج‪ ،14‬ص ‪ ،146‬وعنــد‬ ‫‪ 7‬‬
‫أحمــد ((عرشــ ًا علــى المــاء))‪ ،‬ج‪ ،30‬ص‪.182‬‬
‫في جار اهلل (ق‪119‬أ) وردت‪« :‬ثبتت»‪.‬‬ ‫ ‪8‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق ‪338‬أ) وردت‪« :‬هذه»‪.‬‬ ‫‪ 9‬‬
‫فــي مخطــوط بيازيــد (ق ‪338‬أ) وردت‪« :‬وســلم تســليماً كثيــراً»‪ .‬وفــي مخطــوط جــار اهلل ( ق‪119‬أ) وردت‪ :‬وســلم‬ ‫‪ 10‬‬
‫وشــرف وكــرم‪.‬‬
‫‪30‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫أمــا بعــد فإنــك ســألت أيهــا الولــي‪ 11‬العــارف عرفــك اهلل‪ 12‬مــاال نهايــة لــه مــن المعــارف أن اقيــد‬
‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬
‫لــك صــورة االســتعداد الجامــع الكلــي‪ ،‬الــذي ال َي َتقيــد باســم معيــن وال بحضــرة مخصوصــه‪ ،‬وال‬
‫ّ‬
‫بتجـ ٍـل يوقــف عنــده ‪ ،‬وال يتعــدى لتلقــي مــا يناســب هــذا االســتعداد الكلــي مــن األســماء المؤثّــرة وغيــر‬
‫والتنــزالت اإللهيــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫المؤثــرة‪ ،‬والحضــرات المقيــدة وغيــر المقيــدة‪ ،‬والتجليــات العامــة والخاصــة ‪،‬‬
‫واالســتنزاالت الروحانيــة‪ ،‬واالطّــاع علــى الكائنــات الكيفيــة‪ 13‬فــي الحــركات الدوريــة‪ ،‬وتوالــج العوالم‬
‫ومشــاهدة كل عالــم فــي مقامــه المعلــوم وشــخصيات تجلــي هــذه العوالــم فــي مراتبهــم‪ ،‬وصــور المعارج‬
‫‪15‬‬
‫والمــدارج‪ ،‬والنســب الرابطــة‪ 14‬بيــن العوالــم والتأثيــرات الســفلية مــن الحــركات العلويــة والبرزخيــة و‬
‫التأثيــرات العلويــة مــن الحــركات الســفلية‪ ،‬وخلــق المالئكــة والروحانيــة‪ 16‬العلــى مــن األنفــاس اآلدميــة‬
‫والحــركات البشــرية‪ ،‬وتولــد األرواح مــن األجســاد واألجســاد مــن األرواح‪ ،17‬ومشــاهدة العالــم المهيــم‬
‫َّ‬

‫‪ 11‬وردت حاشــية فــي مخطــوط المكتبــة الســليمانية باســتنبول‪ ،‬مجموعــة بايزيــد برقــم (ق‪338‬أ)‪ ،‬فــي القســم العلــوي مــن‬
‫الصفحــة)‪ :‬يخبرنــا فيهــا ابــن عربــي عــن اســم صديقــه الــذي كتــب لــه هــذه الرســالة بنــاء علــى طلبــه حيــن كانــا مجاوريــن‬
‫فــي مكــة المكرمــة مــا بيــن (‪ 598‬الــى ‪ 602‬هـــ) ‪:‬‬
‫« قــال الشــيخ رضــي اهلل عنــه فــي بــاب الصــاة مــن الفتوحــات المكيــة‪ :،‬فقــد بــان لــك يــا أخــي اعتبــار االوقــات مطلقــا واعتبــار‬
‫الوقــت المر ّغــب فيــه بعــد أن عرفنــاك بمذاهــب علمــاء الشــريعة فيــه للجمــع بيــن العبادتيــن الظاهــرة فــي حســك والباطنــة‬
‫فــي عقلــك فتكــون مــن أهــل الجمــع والوجــود‪ .‬فانــك إذا طلبــت الطريــق إلــى اهلل مــن حيــث مــا شــرعه اهلل‪ ،‬كان الحــق‬
‫المشــرع – غايتــك‪ .‬واذا طلبتــه مــن حيــث مــا تعطيــه نفســك مــن الصفــاء وااللتحــاق بعالمهــا مــن التنــزه عــن‬ ‫‪ -‬الــذي هــو ِ ّ‬
‫الحكــم الطبيعــى عليهــا كان غايتهــا االلتحــاق بالعالــم الروحانــي خاصــة‪ .‬ومــن هنــاك تنشــأ لهــا شــرائع االرواح تســلك‬
‫عليهــا وبهــا حتــى يكــون الحــق غايتهــا‪ .‬هــذا ان فســح اهلل لــه فــي األجــل وان مــات فلــن يــدرك ذلــك أبــدا‪ .‬وقــد أفردنــا‬
‫لهــذه الطريقــة خلــوة مطلقــة غيــر مقيــدة فــي جــزء يعمــل عليهــا المؤمــن فيزيــد ايمانــا ويعمــل بهــا وعليهــا غيــر المؤمــن مــن‬
‫كافــر ومعطــل ومشــرك ومنافــق‪ .‬فــإذا و ّفــى العمــل عليهــا وبهــا كمــا شــرطناه وقررنــاه فانــه يحصــل لــه العلــم بمــا هــو االمــر‬
‫عليــه فــي نفســه‪ .‬ويكــون ذلــك ســبب ايمانــه بوجــود اهلل ان كان معطــا وبتوحيــد اهلل ان كان مشــركا وبحصــول ايمانــه ان‬
‫كان كافــرا وباخالصــه ان كان منافقــا أو مرتابــا‪ .‬فمــن دخــل تلــك الخلــوة وعمــل بتلــك الشــرائط كمــا قررنــا أثمــرت لــه‬
‫مــا ذكرنــا‪ .‬ومــا ســبقني اليهــا أحــد فــي علمــى إال ان كان ومــا وصــل إلــي فــان اهلل ال تحجيــر عليــه (يؤتــى الحكمــة مــن‬
‫َّ‬
‫يشــاء)‪ .‬فإنــي أعلــم ان أحــدا مــن أهــل الطريــق مــا يجهلهــا ان كان صاحــب كشــف تــام ولكــن مــا ذكرهــا‪ .‬وال رأيــت أحــدا‬
‫منهــم نبــه عليهــا إال الخلــوات المقيــدة‪ .‬ولــوال مــا ســألني فيهــا اخونــا وولينــا أبــو العبــاس احمــد بــن علــى بــن ميمــون بــن‬
‫آب التـ ْـو َزرِ ى ثــم المصــرى المعــروف بالقســطالني ‪ -‬المجــاور اآلن بمكــة ‪ -‬مــا خطــر لنــا االبانــة عنهــا‪ .‬فربمــا اتفــق لمــن‬
‫تقدمنــا مثــل هــذا فلــم ينبهــوا عليهــا لعــدم الســائل»‪ .‬جــرى ضبــط نــص المخطوطــة ‪ -‬مــا أمكــن ‪ -‬علــى الفتوحــات المكيــة‬
‫الســفر الســادس‪ ،‬القاهــرة ‪ ،1994‬ص ص ‪.76 -75‬‬ ‫بتحقيــق عثمــان يحيــى‪ ،‬انظــر‪ِ :‬‬
‫وجــاء فــي مخطــوط المكتبــة الســليمانية باســتنبول‪ ،‬مجموعــة جــار اهلل ط (ق‪119‬أ ‪ ،‬فــي أســفل الصفحــة) ‪« :‬الســائل هــو أبــو‬
‫العبــاس احمــد بــن علــى بــن ميمــون بــن آب التـ ْـو َزرِ ى ثــم المصــرى المعــروف بالقســطالني ‪ -‬المجــاور اآلن بمكــة ‪ .‬كــذا‬
‫فــي آخــر وصــل فــي وقــت صــاة الظهــر مــن البــاب التاســع والســبعين مــن الفتوحــات‪ .‬وفــي هــذا الوصــل تفصيــل يتعلــق‬
‫بشــرف هــذه الرســالة‪ ،‬فلينظــر فيــه‪ ،‬تــم»‪.‬‬
‫‪ 12‬في جار اهلل (ق‪119‬أ) وردت‪« :‬تعالى»‬
‫‪ 13‬فــي مخطــوط بيازيــد (ق ‪338‬أ) وردت‪« :‬الغيبيــة»‪ .‬ومخطــوط جــار اهلل (ق‪119‬ب) كمــا أنهــا وردت فــي مخطــوط شــهيد‬
‫علــي (ق‪203‬ب)‪« :‬الكونيــة»‪.‬‬
‫‪ 14‬في مخطوط شهيد علي (ق‪203‬ب) وردت‪« :‬الروابط»‬
‫‪ 15‬ومخطوط جار اهلل (ق‪119‬ب) حرف ساقط‪« :‬و»‬
‫‪ 16‬في مخطوط بيازيد (ق ‪338‬أ) ومخطوط شهيد علي (ق‪203‬ب) وردت ‪« :‬والروحانيات»‬
‫‪ 17‬فــي مخطــوط بيازيــد (ق ‪338‬ب) ومخطــوط جــار اهلل (ق‪119‬ب) وردت الجملــة معكوســة‪« :‬وتولــد األجســاد مــن‬
‫‪31‬‬
‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫والمدبــر‪ ،‬والتحــول والتبــدل‪ 18‬اإللهــي فــي صــور المعــارف واالعتقــادات علــى اختالفهــا‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ـخر‬
‫والمسـ َّ‬
‫الصــور العرفانيــة الموقوفــة علــى الجحــد‬
‫ّ‬ ‫واالستكشــاف علــى‪ 19‬توســع الــذات اإللهيــة‪ ،‬لتنــوع هــذه‬
‫واإلقــرار‪ ،‬وتنــوع المشــارب‪ .‬ونســبة الحــق مــن العالــم والعالــم مــن الحــق ومــن أيــن تعلــق العلــم القديــم‬
‫االلهــي بالعالــم؟ والعالــم معــدوم! واسترســال العلــم الواحــد علــى مــاال يتناهــى مــن المعلومــات مــن غير‬
‫تصــور‪ ،20‬والعلــم التصــوري والمعلومــات المتصــورة والمعلومــات التــي ال تتصــور‪ 21‬والوقــوف علــى‬
‫مقــام إحالــة شــهود الفعــل‪ ،‬ومشــاهدة المرتبــة التــي تنفــي اإلمــكان‪ .‬والمحــال عــدم محــض‪ .‬فلــم يبــق‬
‫إال الوجــوب ومطالعــة الســريان اإللهــي الــذي يفنــي حكــم القــدر‪ ،22‬وهــو «توحيــد الوجــود»‪ 23‬ونفــي‬
‫االختــراع والخلــق والتدبيــر‪ ،‬وجحــود األســماء المؤثــرة [ق‪7‬ب] إلــى امثــال‪ 24‬هــذا الكشــف التــام‪،‬‬
‫واألمــر الــذي بــه كان النظــام‪ ،‬ممــا يــرى وال ينقــال‪ ،25‬وســألت فــي‪ 26‬ذلــك ســؤال عــارف بالمصــادر‬
‫ـت أنــه ليــس كل اســتعداد يعطــي األمــر الكلــي‪.‬‬
‫والمــوارد والمواقــف‪ ،‬لمــا علمـ َ‬

‫ـت أربــاب هــذه الطريقــة قــد قامــوا علــى اســتعدادات مخصوصــة انتجــت لهــم أمــوراً معينــة‬
‫ورأيـ َ‬
‫يشــار إليهــا‪ ،‬ويقتصــر عليهــا‪ .‬وأنفــت همتــك الشــريفة علــى االقتصــار علــى مــا وقــف عليــه هــؤالء‪ ،‬وإن‬
‫كانــوا ســادات وملــوكاً‪ ،‬ولكــن أميــر المؤمنيــن واحــد‪.‬‬

‫ـألت عنــه وزيــادة‪ ،‬لينتفــع بالزيــادة غيــرك إذا وقــف علــى هــذا الكتــاب‬
‫فاســمع يــا أخــي جــواب مــا سـ َ‬
‫ممــن ال يقــدر علــى اســتعمال مــا ســألت عنــه‪ ،‬وال تأخــذ علــي فــي ذلــك‪ ،‬فــإن رســول اهلل ‪ r27‬ســئل عــن‬
‫َّ‬
‫مســألة واحــدة‪ ،‬فأجــاب وزاد‪ .‬فقيــل لــه‪ :‬يــا رســول اهلل أنتوضــأ مــن مــاء البحــر؟ فقــال ‪(( : r‬هــو الطهــور‬
‫مــاؤه الحـ ُّـل ميتتــه))‪ 28‬فــزاد تحليــل الميتــه‪.‬‬

‫األرواح واألرواح مــن األجســاد»‪.‬‬


‫في مخطوط بيازيد (ق ‪338‬ب) وردت‪« :‬التبديل»‬ ‫‪1 8‬‬
‫في مخطوط جار اهلل (ق‪119‬ب) وردت‪« :‬عن»‪.‬‬ ‫‪ 19‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق ‪338‬ب) وردت العبارة‪« :‬التي ال يتصور»‪.‬‬ ‫‪ 20‬‬
‫فــي مخطــوط بيازيــد (ق ‪338‬ب) هــذه الجملــة‪« :‬والعلــم التصــوري والمعلومــات المتصــورة والمعلومــات التــي ال‬ ‫‪ 21‬‬
‫تتصــور» ســاقطة ‪.‬‬
‫في مخطوط جار اهلل (ق‪119‬ب) وردت‪« :‬الغير»‬ ‫‪2 2‬‬
‫فقط في مخطوط بيازيد (ق ‪338‬ب)‪« :‬توحد الوجود» ‪.‬‬ ‫‪ 23‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق ‪338‬ب)‪« :‬مثل»‪.‬‬ ‫‪ 24‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق ‪338‬ب) ‪ ،‬ومخطوط جار اهلل (ق‪119‬ب) وردت‪« :‬يقال»‬ ‫‪ 25‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق ‪338‬أ) وردت‪« :‬عن»‪ ،‬وفي مخطوط شهيد علي (ق‪203‬ب)‪ :‬كتبها «عن» وصححها «في»‬ ‫‪ 26‬‬
‫في مخطوط جار اهلل (ق‪119‬ب) وردت‪« :‬قد»‬ ‫‪ 27‬‬
‫حديــث‪« :‬هــو الطهــور مــاؤه»‪ ،‬جــزء مــن حديــث‪ .‬أخرجــه كثيــرون‪ ،‬والحاكــم فــي المســتدرك علــى الصحيحيــن‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‬ ‫‪ 28‬‬
‫‪.475‬‬
‫‪32‬‬
‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫ـألت عــن «الخلــوة المطلقــة» ولــم تســأل عــن الخلــوات المقيــدة‪ .‬وأنــا أجيبــك‬
‫بيــان وإيضــاح‪ :‬سـ َ‬
‫ّ‬
‫تيســر فإنهــا كثيــرة جــداً‪ .‬وال أجعــل للخلــوة حــدا‬
‫المقيــدة مــا ّ‬ ‫علــى مــا ســألت وأزيــد مــن الخلــوات‬
‫ّ‬
‫حددتهــا‬
‫ًزمانيـاً كمــا وقفــت عليهــا لبعضهــم إال «الخلــوة الصمدانيــة» خاصــة فــي هــذا الكتــاب‪ ،‬فإنــي ّ‬
‫‪29‬‬

‫بالزمــان لخاصيــة فيهــا‪ ،‬ومــا ُحـ ّـد مــن حــد‪ 30‬الخلــوات بالزمــان ّإال علــى حســب مــا وجــد‪ 31‬أخبــاره عــن‬
‫وجــود صحيــح‪ .‬وهــو مخطــئ فــي طــرد الحــد الزمانــي‪ .‬فــإن األمزجــة تختلــف‪ ،‬وفــراغ قلــوب الخلــق‬
‫مــن األكــوان ليــس علــى مرتبــة واحــدة‪ ،‬وإنمــا هــو علــى قــدر الباعــث والطبــع المســاعد‪ .‬فقــد يفتــح‬
‫لواحــد فــي يوميــن عيــن مــا يفتــح آلخــر فــي شــهرين‪ ،‬وآلخــر فــي ســنتين‪ .‬وال يفتــح ألخــر أبــداً‪ .‬وقــد‬
‫ـكل‬
‫يؤهــل واحــد لإللقــاء والتنزيــل‪ ،32‬وآخــر لكشــف الحقائــق‪ ،‬وآخــر مــا يتعــدى بــه الخيــال والمثــال‪ ،‬فـ ّ‬
‫لــه مقــام معلــوم وحــد مرســوم تقتضيــه جب ّلتــه‪ ،‬فالحـ ّـد الزمانــي فــي الخلــوة ال يتصــور‪ ،‬وكذلــك الجــوع‬
‫واألغذيــة تابعــة للمــزاج‪ .‬فــا يتعيــن تخصيص ـاّ‪ ،33‬ولكــن يقــال بأمــر كلــي‪ .‬وهــو أن يعطــى صاحــب‬
‫َّ‬
‫الخلــوة مــا يالئــم طبعــه‪ ،‬ويؤمــر بالتقليــل منــه حتــى يــرد الفتــح علــى االعتــدال وال ينحــرف المحــل إال‬
‫ُ‬
‫لســلطان الــوارد‪ .‬فــإن االنحــراف بغيــر الــوارد ســبب قاطــع لحصــول الخيــال واألوهــام‪ ،34‬وشــهود مــا‬
‫ليســت لــه حقيقــة‪ .‬وكذلــك‪ 35‬ال أذكــر مــا يكشــف لــه فــي الخلــوات‪ 36‬لوجهيــن‪:‬‬

‫الواحــد‪ :‬لتعلــق النفــس بمــا ســمعته‪ ،‬واســتعدادها لتحصيلــه‪ ،‬فقــد يســبق التجلــي الخيالــي قبــل‬
‫الحقيقــي‪ ، 37‬فيقــول‪ :‬قــد حصــل المطلــوب‪ ،‬ومــا‪ 38‬يحصــل علــى طائــل‪ .‬فــإن الخيــال ال حقيقــة لــه فــي‬
‫نفســه؛ ألنــه ليــس بعالــم مســتقل‪.‬‬

‫والوجــه اآلخــر‪ :‬أن النفــوس غيــر متســاوية فــي أصــل الشــيء؛ فإنهــا [ق‪8‬أ] بحســب تركيــب البــدن‪،‬‬
‫وقــل أن‬ ‫وقبولــه للفتــح‪ 39‬اإللهــي مــن الــروح األقــدس‪ .40‬فقــد تنقــص نفــس عــن ٍ‬
‫نفــس وقــد تزيــد‪َّ .‬‬ ‫ٌ‬

‫في مخطوط بيازيد (ق ‪339‬أ) و ومخطوط جار اهلل (ق‪119‬ب) أضيفت كلمة ‪»:‬معلوماً»‪.‬‬ ‫‪2 9‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق ‪339‬أ) كلمة‪« :‬حد» ساقطة‪.‬‬ ‫‪ 30‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق ‪339‬أ) وردت‪« :‬وجدنا»‬ ‫‪ 31‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق ‪339‬أ) وردت‪« :‬التنزل»‪.‬‬ ‫‪ 32‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق ‪339‬ب) وردت‪« :‬وال يتخصص»‪.‬‬ ‫‪ 33‬‬
‫في مخطوط جار اهلل (ق‪120‬أ) وردت الجملة معكوسة‪« :‬األوهام والخيال»‪.‬‬ ‫‪ 34‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق ‪339‬ب) وردت‪« :‬ولذلك ما»‪.‬‬ ‫‪ 35‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق ‪339‬ب) وردت‪« :‬الخلوة»‪.‬‬ ‫‪ 36‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق ‪339‬ب) وردت الجملة معكوسة‪« :‬التجلي الحقيقي قبل الخيالي «‪.‬‬ ‫‪ 37‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق ‪339‬ب) وردت‪« :‬فال يحصل»‬ ‫‪ 38‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق ‪339‬ب) وردت‪« :‬للنفخ»‬ ‫‪ 39‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق ‪339‬ب) وردت‪« :‬المقدس»‪.‬‬ ‫‪ 40‬‬
‫‪33‬‬
‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫يتســاوى‪ ،‬بــل هــو محــال‪ ،‬لكــن تقــرب‪ ...‬وإن كنــت فطن ـاً لمــا ذكرنــاه‪ ،‬فانظــر اختــاف األغــراض فــي‬
‫النــاس واختــاف الشــرائع باختــاف األوقــات الختــاف األشــخاص الختــاف األحــوال الختــاف‬
‫الحــركات العلويــة الختــاف التنــزالت الختــاف التجليــات‪ .‬وفــي الشــريعة الواحــدة مــن المشــرع‬
‫الواحــد تجــد ذلــك‪ ،‬فهــو‪ 41‬الــذي منعنــي مــن ذكــر نتائــج الخلــوات‪ ،42‬فإنــي ال‪ 43‬أصــف ســوى مــا‬
‫وجــدت ‪ ،‬مــا مــن نبــي إال واســتعد وخــا مــع ربــه «ولــكل جعــل‪ 44‬شــرعة ومنهاجــا» تقتضيــه الحضــرة‬
‫اإللهيــة‪ ،‬فتقتضيــه الصــورة التــي خلقــت عليهــا‪ .‬فالواجــب علينــا ذكــر الداعــي واالســتعداد للتحصيــل ال‬
‫ذكــر مــا يحصــل (إن شــاء اهلل تعالــى)‪.45‬‬

‫باب فيما ينبغي أن يكون عليه صاحب الخلوة‬

‫ينبغي أن يكون شجاعاً مقداماً‪ 46‬ال يكون جباناً‪ .47‬فإن كان حاكماً على وهمه غير مقهور تحت سلطان‬
‫تخيله زاهداً في كل ما سوى مطلوبه‪ ،‬عاشقاً لمن توجه إليه‪ ،‬عارفاً بقوته من‪ 48‬األمور القواطع التي‬
‫مصدق الخاطر‪ ،‬ثابت ًا عند زعقة عظيمة‪ ،‬ووقع‪ 49‬جدار‪ ،‬أو مفاجأة أمر هائل‪،‬‬
‫َ‬ ‫بين يديه‪ ،‬نافذ الهمة‪،‬‬
‫غير طائش‪ ،‬كثير السكون‪ ،‬دائم الفكر‪ ،‬غائباً عن أكثر الحاالت‪ ،‬ساهياً عن لذة المدح‪ ،‬وعن ألم الذم‪،‬‬
‫صاحب قوت طيب‪ .‬ومعنى قولي‪ :50‬طيب‪ 51‬ال يجد في نفسه عند أكله أثرا يريبه‪ 52‬من باب الورع‪.‬‬
‫ولهذا قال بعض أئمتنا‪« :‬ما رأيت أسهل‪ 53‬من الورع»‪ ،‬كلما حاك له‪ 54‬في نفسي شيء تركته‪ ،‬وهو‬

‫‪ 41‬في مخطوط بيازيد (ق ‪339‬ب) وردت‪« :‬الخلوة»‪.‬‬


‫‪ 42‬في مخطوط جار اهلل (ق‪119‬ب) وردت‬
‫‪ 43‬في مخطوط بيازيد (ق ‪339‬ب) وردت‪« :‬ما «‪.‬‬
‫‪ 44‬هكــذا فــي النســخ األربــع‪ ،‬ســوى أن مخطــوط ولــي الديــن يحمــل تصحيحـاً فــوق كلمــة جعــل اشــارة إلــى اآليــة القرآنيــة‬
‫اجا﴾[المائــدة‪]48/5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫جعلنــا ‪ِ :‬‬
‫ـك ّ ٍل َج َع ْل َنــا م ْن ُكـ ْـم شـ ْـر َع ًة َوم ْن َه ً‬
‫﴿ولـ ُ‬
‫‪ 45‬لم ترد في بقية النسخ‪.‬‬
‫‪ 46‬في مخطوط بيازيد (ق ‪339‬أ) كلمة‪« :‬مقداماً» ساقطة‪.‬‬
‫‪ 47‬في مخطوط بيازيد (ق ‪340‬أ) و جار اهلل (ق‪120‬أ) وردت كلمة‪« :‬خوارا»‪.‬‬
‫‪ 48‬في مخطوط بيازيد (ق‪340‬أ) كلمة‪« :‬قوة» ساقطة ‪.‬‬
‫‪ 49‬في مخطوط بيازيد (ق‪340‬أ) وردت‪« :‬أو وقوع»‪.‬‬
‫‪ 50‬في مخطوط بيازيد (ق‪340‬أ) وردت‪« :‬قولنا قوت»‪.‬‬
‫‪ 51‬في مخطوط بيازيد (ق‪340‬أ) ومخطوط جار اهلل (ق‪120‬ب) وردت كلمة‪« :‬اي» ‪.‬‬
‫‪ 52‬في مخطوط بيازيد (ق‪340‬أ) وردت ‪« :‬أثر ريبة»‪.‬‬
‫‪ 53‬في مخطوط بيازيد (ق‪340‬أ) وردت كلمة‪« :‬شيئا»‪ .‬في مخطوط شهيد علي (ق ‪204‬ب) وردت‪« :‬أيسر»‬
‫‪ 54‬في مخطوط بيازيد (ق‪340‬أ) كلمة‪« :‬له» ساقطة‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫قول رسول اهلل‪(( :r 55‬دع ما يريبك إلى ما ال يريبك))‪ ،56‬قائماً بما‪ 57‬يحتاج إليه من أسباب خلوته ال‬
‫ٍ‬
‫حينئذ له أن يدخل الخلوة‪.‬‬ ‫يتكلف له أحد ذلك‪.‬‬
‫وإن لــم يكــن علــى شــيء مــن هــذا فــا ســبيل لــه إلــى الخلــوة‪ ،‬لكنــه يســتعمل العزلــة‪ ،‬ويــدرب‬
‫نفســه ويهذبهــا ويروضهــا بمــا ذكرنــاه إلــى أن تعتــاد‪ .58‬فــإن الخيــر عــادة‪ .‬فــإذا‪ 59‬حصــل هــذا األمــر دخــل‬
‫الخلــوة ان شــاء اهلل اي خلــوة شــاء عامــة او خاصــة‪ ،60‬وليقــدم‪ 61‬صاحــب الخلــوة‪ 62‬بيــن يــدي خلوتــه‬
‫صدقــة إن كان لــه شــيء؛ ولــو لــم يكــن لــه ســوى ثوبيــن يتصــدق بأحدهمــا‪ ،‬أو ثــوب واحــد يمكــن أن‬
‫يبــاع بثوبيــن يســتبدله‪ 63‬بغيــره ويتصــدق بالفضــل‪.‬‬

‫باب ذكر الخلوة المطلقة‬

‫أيها السائل‪ 64‬هيأك اهلل الستعداد ما سألت عنه و‪ 65‬استعماله‪ ،‬لتعلم أنك لما سألت عن االستعداد‬
‫الكلي لم يتمكن لي أن أخص به صاحب شرع التنزيل من صاحب شرع الكون بل يمشي االستعداد‬
‫على حسب ما تعطيه النشأة االنسانية القابلة عند صفاتها وتخليصها لما ذكرناه [ق‪8‬ب] من هذا األمر‬
‫الكلي الذي يقع فيه التفصيل بالعوالم واألسماء على حسب ما تقيد به أيضاً من األمور المشروعة‬
‫المنزلة عن األمر أو المشيئة‪.‬‬
‫فأقــول‪ :‬إن لــم يكــن صاحــب شــريعة أمــر منــزل‪ ،‬و‪ 66‬كان صاحــب شــريعة [أمــر]‪ُ 67‬مشــأ‪ 68‬أو‬

‫في مخطوط بيازيد (ق‪340‬أ) وردت جملة ‪ :‬رسول اهلل‪.‬‬ ‫‪5 5‬‬
‫حديث‪ »:‬دع ما يريبك إلى ما ال يريبك» ‪ ،‬أخرجه كثيرون‪ ،‬والبخاري في صحيحه‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.203‬‬ ‫‪ 56‬‬
‫في مخطوط جار اهلل (ق‪120‬ب) وردت‪« :‬لما»‬ ‫‪ 57‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪340‬أ) ومخطوط جار اهلل وردت‪« :‬تعتاده»‪.‬‬ ‫‪ 58‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪340‬أ) وردت‪« :‬فإن»‪.‬‬ ‫‪ 59‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪340‬أ) جملة‪« :‬ان شاء اهلل اي خلوة شاء عامة او خاصة» ساقطة‪.‬‬ ‫‪ 60‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪340‬أ) وردت‪« :‬وقدم»‪.‬‬ ‫‪ 61‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪340‬أ) جملة‪« :‬صاحب الخلوة» ساقطة‪.‬‬ ‫‪ 62‬‬
‫فــي مخطــوط بيازيــد (ق‪340‬أ) وردت‪« :‬فيســتبدله»‪ ،‬بزيــادة الفــاء‪ ،‬واســتخدام الفــاء زائــدة أو بــدل الــواو كثيــر فــي مخطــوط‬ ‫‪ 63‬‬
‫بيازيــد‪ ،‬لــم نشــر إليــه حيــن ال يتغيــر المعنــى‪.‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪340‬ب) وردت كلمة‪ :‬سالك‪.‬‬ ‫‪6 4‬‬
‫في مخطوط شهيد علي (ق‪204‬ب)الواو ساقطة‪.‬‬ ‫‪ 65‬‬
‫في مخطوط بيازيد الواو ساقطة‪.‬‬ ‫‪ 66‬‬
‫امر‪ :‬ساقطة من األصل (ولي الدين (ق‪8‬ب) ومخطوط شهيد علي (ق‪204‬ب)‪.‬‬ ‫‪ 67‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪340‬ب) وردت ‪ « :‬مشيئة»‬ ‫‪ 68‬‬
‫‪35‬‬
‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫مطلــق‪ .‬فالبــد مــن‪ 69‬أن يلتــزم‪ 70‬موافقــة مــا تواطــأت عليــه النفــوس مــن مــكارم األخــاق‪ ،‬وتــرك ذميمهــا‬
‫وسفســافها‪ ،‬وبنفــس‪ 71‬مــا يفعــل هــذا مــن فعلــه‪ ،‬فقــد دخــل تحــت هــذا األمــر الشــرعي المنــزل‪ .‬فإنــه‬
‫ُبعــث لتتميــم مــكارم األخــاق‪ ،72‬والحكــم‪ 73‬عندنــا لألحــوال وحالــه مــا ذكرنــاه‪ .‬فــا بــد مــن الكشــف‬
‫بــا ريــب وال شــك؛ ألن األحــوال تطلبــه ال العقائــد واألقــوال‪ .74‬فتفطــن لمــا ذكرنــاه‪ .‬وال تقتصــر فــي‬
‫‪75‬‬
‫وجــود الحكمــة عنــد بعــض النــاس‪ ،‬وإن كان فاعــل هــذه الخلــوة قابــاً بالشــرع‪ ،‬معتقــداً لــه‪ ،‬قابــا بــه‬
‫فليعلــم أنــه منقســم بيــن افعــل وال تفعــل‪ ،‬وإن شــئت افعــل‪ ،‬وإن شــئت ال تفعــل‪ .‬فأمــا قســم ال يفعــل‬
‫فامتثلــه‪ ،‬مطلقـاً مــن غيــر توقــف‪ ،‬وال حديــث نفــس وال تــردد‪ .‬وأمــا قســم إن شــئت وهــو المبــاح‪ ،‬فانظــر‬
‫‪77‬‬
‫فــإن كان فعلــه يــؤدي‪ 76‬إلــى أن يكــون بــه صاحــب خلــق كريــم شــرع ًا فافعلــه‪ .‬وإن كان يــؤدي تركــه‬
‫إلــى ذلــك أيضـاً فاتركــه‪.‬‬

‫وأمــا قســم افعــل فامتثلــه امتثــال سـ ٍ‬


‫ـائس بنفســه‪ ،78‬خائـ ًـف مــن شــرودها‪ ،‬وذلــك بــأن تطمعهــا فــي‬
‫نتائــج ذلــك الفعــل بمــا يكــون لهــا مــن الشــفوف واالختصــاص بدرجــة الكمــال علــى جنســها‪ ،‬ثــم اعــرف‬
‫مــا يســتحق كل عا َلـ ٍـم مــن الحيــوان الناطــق وغيــر الناطــق‪ ،‬والنبــات‪ ،‬والجمــاد ممــا ينبغــي أن يعامــل بــه‬
‫مــن الخلــق الــذي يوافــق غرضــه إن كان ذا غــرض مــع حفــظ‪ 79‬الشــرع‪ ،‬وهــو كل‪ 80‬الحيــوان‪ ،81‬أو مــا‬
‫يوافــق الحكمــة فــي‪ 82‬عالــم ال غــرض لــه كالنبــات والجمــاد‪ ،‬وهــو تــرك العبــث بــه‪.‬‬

‫فــا تقلــع نبت ـاً وال تفســد نظامــه وترتيبــه عبث ـاً بغيــر فائــدة تعــود منــه علــى حيــوان يجلــب بذلــك‬
‫منفعــة لــه أو دفــع مضــرة عنــه‪ ،‬وكذلــك‪ 83‬ال يشــيل حجــراً عــن موضعــه عبثـاً‪ .‬والجامــع مــن هــذا كلــه أن‬

‫في مخطوط بيازيد (ق‪340‬ب) كلمة ‪ :‬من ساقطة‪.‬‬ ‫‪6 9‬‬


‫في مخطوط بيازيد (ق‪340‬ب) كلمة ‪ :‬يلزمه‬ ‫‪ 70‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪340‬ب) وردت بدال عنها ‪ :‬ومتى ‪.‬‬ ‫‪ 71‬‬
‫حديــث‪(( :‬إنمــا بعثــت ألتمــم مــكارم األخــاق)) وفــي روايــة ((صالــح األخــاق)) (جــزء مــن حديــث) أخرجــه كثيــرون‪،‬‬ ‫‪ 72‬‬
‫والبخــاري فــي األدب المفــرد‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.417‬‬
‫في مخطوط جار اهلل (ق‪120‬ب)‪ :‬الحكم ساقطة‬ ‫‪7 3‬‬
‫في مخطوط شهيد علي (ق‪205‬أ) وردت‪« :‬واألفعال»‬ ‫‪ 74‬‬
‫قابال به ساقطة في باقي النسخ‪.‬‬ ‫‪ 75‬‬
‫في مخطوط جار اهلل (ق‪120‬ب) وردت ‪« :‬يؤدي فعله» معكوسة‪.‬‬ ‫‪ 76‬‬
‫في مخطوط شهيد علي (ق‪205‬أ) وردت «تركه يؤدي» معكوسة‪.‬‬ ‫‪ 77‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪341‬ا) كلمة ‪« :‬لنفسه»‪.‬‬ ‫‪ 78‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪341‬ا) كلمة ‪« :‬حفظه»‪.‬‬ ‫‪ 79‬‬
‫في مخطوط شهيد (ق‪205‬أ) وردت‪« :‬أكل»‪.‬‬ ‫‪ 80‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪341‬ا) كلمة ‪« :‬حيوان»‪.‬‬ ‫‪ 81‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪341‬ا) وردت كلمة‪« :‬كل» ‪.‬‬ ‫‪ 82‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪341‬ا) وردت جملة ‪« :‬يجلب بذلك منفعة له او تدفع بذلك»‪.‬‬ ‫‪ 83‬‬
‫‪36‬‬
‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫ال ترســل شــيئاً مــن حواســك عبثـاً هــذا شــرط ال بـ ّـد منــه‪ ،‬فمهمــا زال انحـ ّـل النظــام‪ .‬ثــم معرفــة الذنــوب‬
‫ردهــا مــن‬
‫ورد المظالــم المقــدور علــى ّ‬
‫صغيرهــا وكبيرهــا‪ ،‬خفيهــا وجليهــا‪ ،‬وانســحاب التوبــة عليهــا‪ّ ،‬‬
‫عــرض ومــال ال مــن دم‪ ،‬وتطهيــر عالمــك الباطــن مــن كل مذمــوم شــرعاً وغرض ـاً‪ 84‬وطبع ـاً‪ ،‬وتقييــده‬
‫عــن الجــوالن فــي مراتــب الكــون وتفريغــه‪ 85‬عــن الفكــر‪ .‬فــإن الفكــر أضــر شــيء فــي هــذا االســتعداد‪،‬‬
‫ّ‬
‫وفــي جميــع الخلــوات ال يصــح بــه أبــدا‪ ، 86‬وال يظهــر لصاحبهــا ثمــرة صحيحــة إال بحكــم االتفــاق‪.‬‬

‫فــاهلل اهلل احفــظ نفســك منــه‪ ،‬وكذلــك حديــث النفــس وتصرفاتهــا‪ 87‬فــي مراتــب الكــون ال تســاعدها‬
‫علــى ذلــك‪ ،‬فإنــه تمزيــج وتخليــط‪ ،‬وليكــن ذكــرك االســم الجامــع الــذي هــو‪»:‬اهلل اهلل اهلل»‪[ ،...‬ق‪9‬أ] وإن‬
‫شــئت‪« :‬هــو هــو»‪ ،‬وال يتعــدى‪ 88‬هــذا الذكــر وتحفــظ أن يفــوه‪ 89‬بــه لســانك‪ ،‬وليكــن قلبــك هــو القائــل‪،‬‬
‫ولتكــن األذن مصغيــة لهــذا الذكــر حتــى يبعــث الناطــق مــن ســرك‪ .‬فــإذا أحسســت بظهــور الناطــق فيــك‬
‫ّ‬
‫بالذكــر‪ ،‬فــا تتــرك حالــك التــي كنــت عليهــا‪ ،‬فإنهــا قــوة عرضيــة‪ ،‬إن أخللــت بجمعيتــك لــم تلبــث أن‬
‫تــزول ســريعة‪.90‬‬

‫وأمــا قــدر مــا يلبــس مــن الثيــاب‪ ،‬فهــو مــا يكــون بــه بدنــك معتــدالً‪ ،‬وليكــن مــن وجــه ال يريبــك مثــل‬
‫االكل ســواء‪ .‬وليكــن عنــدك حفــاظ نقــي تباشــر بــه عورتــك‪ ،‬تغســله فــي أكثــر األوقــات‪ .‬وال ســبيل إلــى‬
‫أوال قبــل دخولــك إلــى الخلــوة االولــى‪ - 92‬أيــة‬
‫االضطجــاع‪ 91‬وال إلــى النــوم إال عــن غلبــة‪ .‬ولتقــدم ً‬
‫خلــوة كانــت‪ -‬مطلقــة أو مقيــدة رياضــة وعزلـ ًة عــن الخلــق‪ 93‬وصمتـاً وتقليـ ًـا مــن الطعــام‪ .‬وتــرك شــرب‬
‫المــاء جملــة‪ ،‬اجهــد فيــه‪ ،‬فإنــه يســير المؤنــة‪ .‬فــإذا أنســت النفــس بالوحــدة عنــد ذلــك تدخــل الخلــوة‪.‬‬

‫وممــا يختــص بهــذه الخلــوة وبعــض الخلــوات أال تقتــل حيوان ـ ًا أصــاً‪ ،‬ال قملــة وال غيرهــا‪ ،‬فــإذا‬
‫خفــت مــن الهــوام فــي رأســك فاحلقــه‪ .‬ولكــن عنــد دخولــك فــي الرياضــة‪ ،‬وقبــل أن يتكــون فيــه حيــوان‪،‬‬
‫ولتســتعد ثيابــاً لطهــرك‪ ،‬تســتبدلها فــي أكثــر األوقــات قبــل أن يتعلــق بهــا حيــوان فيشــغلك‪ ،‬وذلــك‬

‫في مخطوط يازيد (ق‪341‬أ) وردت‪« :‬عرفا»‪ .‬وفي مخطوط جار اهلل (ق‪121‬أ) وردت‪ :‬بدون نقط‪.‬‬ ‫‪ 84‬‬
‫في مخطوط جار اهلل (ق‪121‬أ) وردت‪« :‬تفرغه»‪.‬‬ ‫‪8 5‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪341‬أ) وردت كلمة‪« :‬احدا»‪.‬‬ ‫‪ 86‬‬
‫مخطوط بيازيد (ق‪341‬أ) وردت كلمة‪ « :‬وتصريفاتها»‪.‬‬ ‫‪ 87‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق ‪341‬ب) وردت «تتعدى»‪ .‬وفي مخطوط جار اهلل (‪121‬أ) وردت «تتعد»‪.‬‬ ‫‪ 88‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪341‬ب) وردت جملة ‪ :‬فال تتعدى هذا الذكر يحفظه ان تحرك‪.‬‬ ‫‪ 89‬‬
‫في بيازيد (‪341‬ب) وردت‪ :‬بسرعة‪.‬‬ ‫‪ 90‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪341‬ب) وردت الجملة معكوسة ‪ :‬وليس الى االضطجاع سبيل‪.‬‬ ‫‪ 91‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪341‬ب) كلمة ‪ :‬االولى ساقطة‪.‬‬ ‫‪ 92‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪341‬ب) كلمة‪ :‬عن الخلق ساقطة‬ ‫‪ 93‬‬
‫‪37‬‬
‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫مــا دمــت تحــس بنفســك‪ .‬فــإن شــغلت عــن هــذا كلــه فهــو المطلــوب‪ .‬وال تقعــد ســاعة دون طهــارة‪،‬‬
‫واألســاس‪ 94‬كلــه علــى التوجــه إلــى اهلل‪ 95‬بالتوحيــد المطلــق الــذي ال يشــوبه شــرك خفــي وال جلــي‪،‬‬
‫ُّ‬
‫ونفــي االســباب والوســائط كلهــا جملــة وتفصيــاً عقــداً وجزم ـاً‪ ،‬فإنــك إن حرمــت‬

‫‪ 96‬هــذا التوحيــد‪ ،‬فــا بـ ّـد مــن الشــرك ‪ ،‬فقــد يتــأذى مــن الشــريك وهــو كــون‪ ،‬فــا يلــوح لــك امــر‬
‫ـظ مــن الشــك والشــرك والتعطيــل‪ ،‬فإنــه يناقــض المطلــوب ويكفيــك‬
‫كلــي أصــاً‪ ،‬وينحــل النظــام‪ .‬وتح ّفـ ْ‬
‫مــا ســامحتك بــه مــن شــرع الكــون‪ ،‬وإن كنــت عليــه‪ .‬فهــذا ســبب دخولــك فــي الشــرع المنــزل‪ .‬فإنــك‬
‫إذا كشــفت الحقائــق ال تقــدر علــى جهــل مــا علمــت‪ ،‬وانــكار مــا شــاهدت‪ .97‬فلهــذا ســامحتك بشــرع‬
‫الكــون لمعرفتــي برجوعــك إلــى الحــق‪ ،‬ووقوفــك عنــد األدب اإللهــي‪ ،‬فاشــترطت‪ 98‬التوحيــد وهــو‬
‫ـال‪« 99‬ال إلــه اال اهلل» ألهــل الشــرك والشــك‪.‬‬
‫البــاب األول اإليمانــي‪ ،‬فإنــه قـ َ‬

‫فإنــه مــن لــم‪ 100‬يثبــت غيــر اهلل‪ 101‬لــم تعــل لــه أنفــة‪ ،‬فابتنــي أســاس اســتعدادك علــى أول األبــواب‬
‫اإليمانيــة‪ ،‬وهــذا معنــى مــا ترجمــه البخــاري فــي بــاب مــا جــاء أن األنبيــاء‪ 102‬دينهــم واحــد فــي هــذا‬
‫المقــام‪ ،‬وفــي بعــض األحــكام فقــد حصلــت فــي الدائــرة والحمــد هلل‪.‬‬

‫والصمــت شــرط الزم ال بــد منــه‪ ،‬وأمــا األكل فخــذه مادمــت تدبــر نفســك أن ال تجــوع الجــوع‬
‫الم ِثقــل‪ ،‬وال تتــرك الطبيعــة تتغـ ّذى منــك‪ ،‬وال تتــرك عندهــا فضــاً‬ ‫ِ‬
‫المشــغل‪ ،‬وال تشــبع [ق‪9‬ب] الشــبع ُ‬
‫ُ‬
‫عــن الوقــت‪ 103‬حتــى يكــون آخــر خــاء المعــدة أول تحصيــل الغــذاء وهــو قولــه ‪(( :r‬بحســب ابــن‬

‫‪ 94‬في مخطوط بيازيد (ق‪341‬ب) وردت كلمة ‪ :‬واالس‪.‬‬


‫‪ 95‬في مخطوط بيازيد (ق‪341‬ب) وردت كلمة ‪ :‬تعالى ‪.‬‬
‫‪ 96‬في مخطوط شهيد علي (ق‪205‬ب) وردت‪« :‬جزت»‬
‫‪ 97‬في مخطوط بيازيد (ق‪342‬أ)»شهدت»‬
‫‪ 98‬جار اهلل (ق‪121‬أ) وردت‪« :‬فاشترط»‬
‫‪ 99‬في مخطوط بيازيد (ق‪341‬ب) وردت كلمة ‪ :‬قل‪.‬‬
‫‪ 100‬في مخطوط بيازيد (ق‪342‬أ) كلمة‪ :‬لم ساقطة‪.‬‬
‫‪ 101‬فــي مخطــوط جــار اهلل (‪121‬أ) وردت‪ :‬فإنــه مــن لــم يُثبــت غيــر ًا‪ .‬وفــي شــهيد علــي (ق‪205‬ب) وردت‪ :‬فإنــه لــم يُثبــت‬
‫غيــر اهلل‪.‬‬
‫‪ 102‬في مخطوط بيازيد ‪( 370‬ق‪342‬أ) وردت جملة ‪ :‬صلوات اهلل عليهم‪.‬‬
‫‪ 103‬في جار اهلل (ق‪121‬أ) وردت‪« :‬الفوت»‬
‫‪38‬‬
‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫آدم لقيمــات يقمــن صلبــه))‪ ،104‬ولكــن مــن وجــه ال يريبــك وال يتضــرر فيــه مخلــوق بكفلــة‪ .105‬و‬
‫تســخر لــك‪ 107‬فــي غذائــك ســواك‪ ،‬بــل تســتعد غــذاءك‬
‫ّ‬
‫‪106‬‬
‫ال ســبيل إلــى أكل حيــوان البتــة‪ ،‬وال أن‬
‫لخلوتــك وعزلتــك وال يتصــرف فــي تحصيلــه غيــرك البتــة‪ .108‬وإن جهلــت مزاجــك فاعــرض نفســك‬
‫علــى األطبــاء‪ ،‬فهــم ينظــرون لــك فــي الغــذاء الــذي يالئــم طبعــك ويصلــح لمزاجــك‪ ،109‬ولتقــل لهــم مــا‬
‫تريــد أن تفعلــه مــن التقليــل وعــدم الفضــول مــن أجــل التصــرف والحــركات‪ ،‬والثقــل المــؤدي إلــى النــوم‬
‫و الكســل ‪ ، 110‬فهــم‪ 111‬يركبــون لــك غــذاء تبقــى عليــه األيــام الكثيــرة‪ ،‬ال تحتــاج فيهــا لغــذاء وال لبــراز‬
‫‪ ، 112‬وإنمــا لــم نعيــن فــي هــذه األوراق غــذاء مخصوصـاً‪ 113‬لمــا ذكرنــاه مــن اختــاف األمزجــة‪ ،‬والذيــن‬
‫يقــرؤون هــذه األوراق كثيــرون‪ .‬فربمــا يســتعمل ذلــك الغــذاء مــن ال يالئــم طبعــه فيتضــرر فنعاقــب عنــد‬
‫اهلل‪ .114‬هــذا‪ 115‬وإن انحصــرت األمزجــة فــي أمهــات‪ ،‬ولكــن فيهــا دقائــق وتفصيــل‪ 116‬ال تعــرف إال‬
‫بمشــاهدة الشــخص فــي الوقــت‪ ،‬ويحتــاج فــي الغــذاء بعــد معرفــة الشــخص وســنه إلــى معرفــة الزمــان‬
‫والمــكان‪ ،‬فهــذا منعنــي مــن أن أعيــن غــذاء‪ ،‬لكــن الــذي لنــا تبيــن األمــر الكلــي‪ ،‬وهــو أن ال يســتعمل‬
‫الغــذاء إال الخفيــف المالئــم للطبــع البطــيء الهضــم‪ ،‬المشــبع الــذي ال يحتــاج معــه للتصــرف‪.117‬‬

‫وأمــا صــورة األكل فــي الرياضــة فــي أوان العزلــة وفــي الخلــوة فهــو أن تأخــذ اللقمــة وتســمي‬
‫عليهــا خالقهــا بذلــة وافتقــار وحضــور‪ 118‬وخضــوع‪ ، 119‬فــإذا ألقيتهــا‪ 120‬فــي فمــك فأكثــر مضغهــا جــداً‪،‬‬

‫حديــث‪(( :‬حســب ابــن آدم لقيمــات يقمــن صلبــه)) (جــزء مــن حديــث) أخرجــه العراقــي فــي تخريــج أحاديــث اإلحيــاء‪،‬‬ ‫‪ 104‬‬
‫عــن الترمــذي والنســائي‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.296‬‬
‫في مخطوط جار اهلل (ق ‪121‬أ) ومخطوط شهيد علي (ق‪206‬أ) وردت‪« :‬بكلفة»‬ ‫‪1 05‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪342‬أ) وردت جملة ‪ :‬وال سبيل‪.‬‬ ‫‪ 106‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪342‬أ) كلمة ‪ :‬لك ساقطة‪.‬‬ ‫‪ 107‬‬
‫في مخطوط جار اهلل (ق‪121‬أ) كلمة «البتة» ساقطة‪.‬‬ ‫‪ 108‬‬
‫في مخطوط جار اهلل(ق‪121‬أ) ومخطوط بيازيد (ق‪342‬ب)‪« :‬مزاجك»‬ ‫‪ 109‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪342‬ب) وفي مخطوط جار اهلل (ق‪121‬ب) وردت جملة ‪« :‬الكسل والنوم» معكوسة‪.‬‬ ‫‪ 110‬‬
‫في مخطوط جار اهلل (‪121‬ب) ‪« :‬فهم» ساقطة‪.‬‬ ‫‪ 111‬‬
‫في مخطوط جار اهلل (‪121‬ب) وردت‪« :‬فيه إلى غذاء وال إلى‪.»...‬‬ ‫‪ 112‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪342‬ب) وردت‪ :‬عند الخصوص‬ ‫‪ 113‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪342‬ب) وردت كلمة ‪ :‬غدا‪.‬‬ ‫‪ 114‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪342‬ب) كلمة ‪ :‬هذا ساقطة‪.‬‬ ‫‪ 115‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪342‬ب) وردت ‪« :‬تفاصيل»‪.‬‬ ‫‪ 116‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪342‬ب) وردت كلمة ‪ :‬الى التصرف‪.‬‬ ‫‪ 117‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪342‬ب) كلمة ‪ :‬حضور ساقطة‪.‬‬ ‫‪ 118‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪342‬ب) وردت كلمة ‪ :‬وخشوع‪.‬‬ ‫‪ 119‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪342‬ب) وردت كلمة ‪ :‬التقمتها‪.‬‬ ‫‪ 120‬‬
‫‪39‬‬
‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫فــإذا ابتلعتهــا فاحمــد اهلل الــذي ســوغكها حمــداً تامـاً فــي حضــور ومراقبــة وتربــص‪ ،121‬حتــى تعلــم أنهــا‬
‫قــد اســتقرت فــي فــم‪ 122‬المعــدة‪ ،‬ثــم بعــد ذلــك‪ 123‬تأخــذ‪ 124‬لقمــة أخــرى تفعــل بهــا مثــل األولــى هكــذا‬
‫حتــى تنتهــي إلــى القــدر الــذي فيــه غــذاؤك‪ .‬وكذلــك شــربك المــاء مصـاً‪ ،‬وتقطــع نفســك مــراراً‪ ،‬واعلــم‬
‫أن العطــش جربنــاه فوجدنــاه مــن الشــهوات الكاذبــة‪ ،‬وجربــه غيرنــا فوجــده كذلــك‪ ،‬فعـ ّـود نفســك أن‬
‫تمســكها عــن المــاء وان عطشــت‪ ،125‬فإنــك إن جاهدتهــا قليـ ًـا تنعمــت بهــا كثيــراً‪ ،‬وتقيــم واهلل الشــهور‬
‫الكثيــرة نعــم والســنين وأكثــر ال تشــرب فيهــا مــاء‪ ،‬وال تشــتهيه وال يؤثــر فــي مزاجــك‪ ،‬وال فــي بدنــك‬
‫فــي الغــذاء‪.‬‬ ‫وتقنــع الطبيعــة بمــا تســتمده مــن الرطوبــات التــي‬
‫‪126‬‬

‫ولهــذا يســتحب بــل يوجــب‪ 127‬المجاهــدة والرياضــة فــي العزلــة قبــل الخلــوة حتــى يصيــر ذلــك‬
‫طبع ـاً وعــادة وال ُتحــس النفــس بــه‪ ،‬كمــا ال تحــس بالعــادات‪ .‬فيدخــل الخلــوة عقيــب ذلــك [ق‪10‬أ]‬
‫مســتريحاً نشــيطاً طيــب النفــس فارغـاً مــن المجاهــدة خالــي المحــل مــن المكابــدة‪ ،‬مهيئـاً مفرغـاً للذكــر‬
‫المذكــور‪ ،‬والتجلــي المطلــوب‪ ،‬والــوارد اآلتــي عليــك‪ .‬فــإن المجاهــدة فــي الخلــوة تذهــب بجمعيــة‬
‫الخلــوة التــي هــي روحهــا؛ ألنهــا شــغل فــي الوقــت‪ .‬فتح ٍّفـ ْ‬
‫ـظ مــن ذلــك جهــدك‪ ،‬وقــدم العزلــة وال بـ ّـد‪،‬‬
‫واجعــل مجاهدتــك فيهــا حتــى تأنــس النفــس بذلــك‪ ،‬ولتــدرج منهــا إلــى الخلــوة المطلوبــة يســرع إليــك‬
‫الفتــح إن شــاء اهلل ‪ ،‬ومهمــا تكلفــت شــيئاً فــي خلوتــك مــن ســهر أو جــوع أو عطــش أو بــرد أو حديــث‬
‫نفــس أو وحشـ ٍـة‪ ،‬فاخــرج منهــا الــى‪ 128‬عزلتــك حتــى تســتحكم‪.‬‬

‫صور َة بيت الخلوة و حاله فيها و شروطها‬

‫نحده لك‪.‬‬
‫ثم ليكن بيت خلوتك على ما أذكره لك‪ ،‬ولتكن فيه أنت على حسب ما ّ‬
‫فأمــا صفــة البيــت المخصــوص بهــذه الخلــوة فينبغــي ان يكــون لــكل خلــوة‪ 129‬إن أمكــن ‪ ،‬وينبغــي‬
‫أن يكــون ارتفاعــه قــدر قامتــك‪ ،‬وطولــه قــدر ســجودك وعرضــه قــدر جلســتك‪ ،‬وال تكــون فيــه ثقــب وال‬

‫في مخطوط بيازيد (ق‪342‬ب) وردت‪ :‬تريض‬ ‫‪1 21‬‬


‫في مخطوط بيازيد (ق‪343‬أ) و مخطوط جار اهلل (ق‪121‬ب) كلمة ‪ :‬فم ساقطة‪.‬‬ ‫‪ 122‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪343‬أ) كلمة ‪ :‬بعد ذلك ساقطة‪.‬‬ ‫‪ 123‬‬
‫في مخطوط شهيد علي (ق‪206‬أ)وردت‪ « :‬ثم تاخذ بعد ذلك»‬ ‫‪ 124‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪343‬أ) جملة ‪ :‬وان عطشت ساقطة‪.‬‬ ‫‪ 125‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪343‬أ) وردت ‪« :‬هي»‬ ‫‪ 126‬‬
‫في مخطوط بيازيد ‪( 3750‬ق‪343‬أ) وردت بل يجب‬ ‫‪ 127‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪343‬أ) وردت كلمة ‪ :‬عن‪.‬‬ ‫‪ 128‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪343‬ب) جملة ‪« :‬مخصوص بهذه الخلوة فينبغي ان يكون لكل خلوة» ساقطة ‪.‬‬ ‫‪ 129‬‬
‫‪40‬‬
‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫كــوة أصــاً‪ .‬وال يدخــل عليــك ضــوء رأس ـاً ويكــون بعيــداً مــن أصــوات النــاس‪ ،‬ويكــون بابــه قصيــراً‪،‬‬
‫‪130‬‬
‫وثيقـاً فــي غلقــه‪ ،‬وليكــن فــي دار معمــورة فيهــا نــاس‪ ،‬وإن أمكــن أن يبيــت أحــد بقــرب بــاب الخلــوة‬
‫فهــو أحســن‪.‬‬

‫وأمــا صورتــك فيهــا ابتــداء فهــو‪ 131‬أن تغتســل لهــا وتنظــف ثيابــك‪ ،‬وال بــد مــن النيــة بالتقــرب الــى‬
‫المتوجــه إليــه‪ ﴿ :‬ال إلــه إال هــو العزيــز الحكيــم﴾[آل عمــران‪ .]3/6-18 :‬وال ســبيل لكثــرة الحركــة‬
‫فيهــا‪ ،‬وال تزيــد علــى الفرائــض والرواتــب‪ 132‬والركعتيــن عنــد كل طهــارة مــن الحــدث شــيئاً‪ ،‬والقعــود‬
‫علــى الطهــارة واســتقبال القبلــة دائمـاً‪ .‬وإذا أردت الحاجــة فليكــن موضــع خالئــك قريبـاً مــن خلوتــك‪.‬‬
‫ـظ عنــد خروجــك مــن الهــواء الغريــب‪ ،‬فإنــه يؤثــر فيــك تفريق ـ ًا زمان ـ ًا طويــاً‪ ،‬وليكــن مــاؤك ال‬
‫وتح ّفـ ْ‬
‫يتغيــر عليــك‪ .‬وإذا خرجــت لحاجتــك سـ ّـد عينيــك وأذنيــك‪ ،‬وليكــن غــذاؤك معــك فــي بيتــك معــداً أو‬
‫خلــف بــاب بيتــك محفوظـاً‪.‬‬

‫ومــن شــرط هــذه الخلــوة‪ ،‬بــل كل خلــوة‪ ،‬إن قــدرت أال يعــرف أحــد‪ 133‬أنــك فــي خلــوة أصـ ًـا‪ ،‬وإن‬
‫‪135‬‬
‫كان ال بــد أن يعــرف فــا يعــرف ذلــك منــك إال أقــرب النــاس إليــك فــي‪ 134‬خدمتــك ممــن يجهــل مــا‬
‫‪137‬‬
‫أنــت عليــه‪ ،‬وال يعــرف مــا تقصــده‪ ،‬وإنمــا تمنــع مــن ذلــك لتشــوف نفســه‪ 136‬الــى النفــوس المتشــوفة‬
‫لخروجــه بمــاذا يخــرج‪ ،‬وهــي علــة كبيــرة‪ .‬ونحــن نحــب تقريــب الفتــح علــى الشــخص‪ ،‬وهــذا يبعــده‪،‬‬
‫فإنــه ال ســبيل إلــى الفتــح وفــي النفــس أثــر‪.‬‬

‫فهــذه صــورة الخلــوة المطلقــة‪ ،‬وجــرى فيهــا أشــياء نبهنــا عليهــا ممــا يحتــاج إليهــا فــي الخلــوات‬
‫كلهــا‪ :‬العامــة والخاصــة‪ .‬فــا نحتــاج إلــى تكــرار ذلــك فــي خلــوة مقيــدة‪ ،‬واهلل المرشــد‪ .‬وقــد ذكرنــا‬
‫[ق‪10‬ب] صــورة ترتيــب الفتــح فــي رســالة األنــوار‪ 138‬فلينظــر إن شــاء اهلل تعالــى هنــاك ‪.139‬‬

‫في مخطوط بيازيد (ق‪343‬ب) وردت كلمة ‪« :‬الباب»‪.‬‬ ‫‪1 30‬‬


‫في مخطوط بيازيد (ق‪343‬ب) كلمة ‪« :‬فهو» ساقطة‪.‬‬ ‫‪ 131‬‬
‫في مخطوط شهيد علي (ق‪206‬ب) وردت‪ :‬النوافل‪.‬‬ ‫‪ 132‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪343‬ب) ومخطوط شهيد علي (ق‪206‬ب) وردت‪ :‬أحداً بك‬ ‫‪ 133‬‬
‫في مخطوط شهيد علي (ق‪206‬ب) ‪ :‬في ساقطة‬ ‫‪ 134‬‬
‫في مخطوط شهيد علي (ق‪206‬ب) وردت‪« :‬لما»‬ ‫‪ 135‬‬
‫في مخطوط جار اهلل(‪122‬أ)‪ :‬نفسك‬ ‫‪ 136‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪344‬أ) ‪ :‬لتشوق نفسك إلى النفوس المتشوقة‪.‬‬ ‫‪ 137‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪344‬أ) وردت كلمة ‪« :‬لنا»‪.‬‬ ‫‪ 138‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪344‬أ) جملة‪« :‬فلينظر إن شاء اهلل تعالى هناك» معكوسة ‪.‬‬ ‫‪ 139‬‬
‫‪41‬‬
‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫خلوة الهدهد‬

‫لــك‪ ،‬وتســتعمل فــي غذائــك قلــوب الهدهــد‬ ‫‪140‬‬


‫هــذه الخلــوة عجيبــة‪ :‬تأخــذ الخلــوة كمــا ُرســم‬
‫وتســفها ســفاً‪ ،‬فإنــك تــرى عجائــب‪ ...‬ويكــون ذكــرك‪﴿ :‬ال إلــه إال اهلل رب العــرش‬ ‫‪141‬‬
‫تســحقها‬
‫العظيم﴾[النمــل‪،142 ]62:‬‬

‫الخلوة الصمدانية‬

‫أيامهــا ثالثــون يومــاً ال نــوم فيهــا البتــة بليــل‪ ،‬وال فطــر فيهــا‪ 143‬بنهــار‪ .‬وإن اتفــق أن تكــون فــي‬
‫رمضــان فهــو أولــى‪ ،‬وإال ففــي المحــرم‪ ،‬وذكرهــا ســورة االخــاص‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫خلوة القرين‬

‫وصحتهــا‪ .‬وأمــا أنــا فمــا عملــت عليهــا مــن أجــل األســماء‬


‫ذكرهــا لــي جماعــة مــن إخوانــي ثقــات َ‬
‫التــي فيهــا‪ ،‬قــال القــوم الذيــن أخبرونــي بهــا‪ :‬أن يلبــس لهــا فــي كل يــوم ثوب ـ ًا جديــد ًا أربعــون يوم ـ ًا‪،‬‬
‫ويكــون الغــذاء مــرة خبــزاً بزيــت‪ ،‬ومــرة خبــزاً بزبيــب‪ .‬وال يــزال يذكــر هــذه األســماء عقيــب الصلــوات‬
‫ـون‪َ ،‬ب َه َكـ ٍـش‪َ ،‬ن َه َكـ ٍـش‪ُ ،‬يو ِفـ ٍـش‪ .145‬واعلــم‬ ‫و فــي أكثــر الحــاالت وهــي‪ :‬بهل ْطـ ٍـف‪ ،‬سـ َليطي ٍع‪ ،‬اَشــماطُ ٍ‬
‫ون‪ ،‬اَطُـ ٍ‬
‫ََ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬

‫«رسم» ‪.‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪344‬أ) وردت ‪« :‬ذكرت» بدال من ُ‬ ‫‪1 40‬‬
‫في مخطوط جار اهلل (ق‪122‬أ)‪« :‬تصحها»‬ ‫‪ 141‬‬
‫هــذه اآليــة مــن ســورة النمــل فيهــا تهديــد مــن ســليمان عليــه الســام بذبــح الهدهــد‪ ،‬ولســنا نــدري إن كان ثمــة عالقــة‬ ‫‪ 142‬‬
‫ـذاء للمعتكــف فــي الخلــوة‪ .‬وردت جملــة زائــدة هنــا فــي مخطــوط بيازيــد‬ ‫بيــن الذبــح وبيــن أن تكــون قلــوب الهدهــد غـ ً‬
‫‪( 3750‬ق‪344‬أ)‪« :‬وإن نــام فــي هــذه الخلــوة بالليــل وأفطــر بالنهــار اســتأنف الخلــوة مــن أولهــا وفائدتــه مذكــورة فــي‬
‫مواقــع النجــوم» البــن عربــي‪.‬‬
‫في مخطوط شهيد علي (ق‪207‬أ)‪ :‬فيها ساقطة‬ ‫‪1 43‬‬
‫فــي بعــض المخطوطــات ‪ ،‬عــدا األربعــة المســتخدمة هنــا‪ ،‬وردت العزيــز‪ ،‬لمــا يبــدو مــن عالقــة بيــن العنــوان ومــا جــاء‬ ‫‪ 144‬‬
‫فــي نهايتهــا مــن دعــاء‪ « :‬يــا مــذل األعــزاء‪ ،‬يــا قــدوس يــا أحــد‪ ،‬لــك العــز األفخــم‪.»...‬‬
‫يوجــد اختــاف فــي شــكل هــذه الكلمــات فــي المخطوطــات األخــرى‪ .‬وهــذه «الكلمــات الســريانية» يكثــر منهــا‬ ‫‪ 145‬‬
‫أبــو العبــاس البونــي فــي كتابــه‪ :‬شــمس المعــارف الكبــرى‪ ،‬ألن لهــا «خدامــا»‪ ،‬وهــي تســتخدم فــي أعمــال الســيمياء‬
‫والتصريــف باألســماء فــي مجــال «العلــوم المكتومــة»‪ .‬وال نــدري إن كان ابــن عربــي ينصــح فيهــا صديقــه الصوفــي‬
‫الزاهــد أبــو العبــاس القســطالني ‪ ،‬أم أنهــا الســتعراض معارفــه فــي مجــال الخلــوة المطلقــة ومــا هــو متــداول فــي عصــره‬
‫بالنســبة للخلــوات فــي غيــر مجــال التصــوف التقليــدي‪ .‬ويبــدو أن هــذه الكلمــات وأكل قلــوب الهدهــد كغــذاء فــي‬
‫الخلــوة تتناقــض مــع فكــر ابــن عربــي المعــروض فــي الفتوحــات المكيــة خاصــة وأن ابــن عربــي فــي كتــاب الخلــوة نفســه‬
‫نهــى عــن أكل الحيــوان أو حتــى ايذائــه‪ .‬ولكــن علينــا االنتبــاه إلــى نقطــة هامــة وهــي أن ابــن عربــي يتحــدث عــن خلــوة‬
‫مطلقــة‪ :‬ال تتقيــد بممارســات المســلمين وإنمــا تتعداهــا إلــى مــا هــو ســائد فــي العلــوم المكتومــة وعنــد أتبــاع الملــل‬
‫والنحــل المختلفــة ألنــه كمــا يقــول فــي الفتوحــات اجتمــع بأتبــاع كثيــرة مــن هــذه الملــل والنحــل وســمع منهــم مذاهبهــم‬
‫مشــافهة‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫كتاب الخلوة البن عربي ‪ :‬دراسة وتحقيق‬

‫أن صــورة الخلــوة ماذكرتــه لــك‪ .‬ثــم إنــه تختلــف الحــاالت فيهــا علــى اإلنســان بحســب أذكاره فــإن‬
‫الذكــر مــع االســتعداد هــو الداعــي إلــى الفتــح ولكــن بمــا يناســب الذكــر الــذي يكــون عليــه صاحــب‬
‫الخلــوة‪.‬‬

‫وقــد أدخلــت مريــد ًا لنــا بذكــر ســهل بــن عبــد اهلل‪ 146‬الــذي أعطــاه خالــه وهــو‪« :‬اهلل معــي‪ ،‬اهلل ناظــر‬
‫إلــي‪ ،‬اهلل شــاهد علــي»‪ ،‬ففتــح لــه بــه فــي أربعــة أيــام‪ .‬وأمــا أنــا ففتــح لــي بــه فــي ربــع ليلــة‪ .147‬وأدخلــت‬
‫شــخصاً بنيــة علــى‪« :‬ســبحان اهلل العظيــم وبحمــده»‪ ،‬فرفــع مــن ليلتــه‪ .‬ودخــل بعــض وهــو الشــيخ ابــو‬
‫مديــن رضــي اهلل عنــه‪« :148‬ال إلــه إال اهلل وحــده ال شــريك لــه‪ ،‬لــه الملــك‪ ،‬ولــه الحمــد‪ ،‬يحــي ويميــت‪،‬‬
‫وهــو حــي ال يمــوت بيــده الخيــر‪ ،‬وهــو علــى كل شــيء قديــر»‪ ،‬ولزمــه مــدة ففتــح لــه فــي التوحيــد‬
‫والتــوكل‪ ،‬فــكان واحــد عصــره فيهمــا‪.‬‬

‫ووقفــت علــى أســماء وأنــا بالمســجد األقصــى‪ ،‬فعرفتهــا خوطبــت بهــا ‪ ، 149‬وهــي فــي الخلــوة‬
‫عجيبــة‪« :‬عنــت وجــوه الروحانيــات العلــى للســبحات العظمــى‪ ،‬التــي فتــق بهــا الرتــوق‪ ،‬يــا علــي يــا قيــوم‬
‫الســبحات العظمــى‪ ،‬هــي المحرقــة للكائنــات‪ ،‬يــا مــن أوجــد اآلبــاء العلويــات متحركــة‪ ،‬واألمهــات‬
‫الســفليات ســاكنة بالصفــة التــي هــي عيــن الموصــوف‪ ،‬يــا مــن أدار القمريــن حــول مراكــز تداويرهمــا‪،‬‬
‫العلــى‪ ،‬يــا مــن‬
‫وأدار الــدورة الكبــرى للســكون والفصــل المبتغــى المنطــوق بــه علــى ألســنة الروحانيــات ُ‬
‫نظــر لمــن‪ 150‬نظــر إليــه‪ ،‬يــا مــذل األعــزاء‪ ،‬يــا قــدوس يــا أحــد‪ ،‬لــك العــز األفخــم‪ ،‬والملــك والملكــوت‬
‫األعظــم‪ ،‬أثــر جاللــك الهيبــة‪ 151‬فــي القلــوب‪ ،‬وأنــت المحســان تنقــل األطــوار واألدوار‪ ،‬وتعلــم مــا‬
‫ســكن فــي الليــل والنهــار‪ ،‬يــا عظيــم األعظــم‪ ،‬يــا كبيــر األكبــر‪ ،‬أنــت المقصــود بــكل همــه‪ ،‬والمســؤول‬
‫بــكل لســان»‪ .‬وكذلــك خلــوة‪« :‬يــا حــي يــا قيــوم»‪ ،‬عظيمــة‪ 152‬الفائــدة‪ .‬وكذلــك‪ « :‬ياعلــي‪ 153‬ياعظيــم‬

‫في مخطوط بيازيد (ق‪344‬ب) وردت كلمة‪« :‬رضي اهلل عنه»‪.‬‬ ‫‪1 46‬‬
‫يقول ابن عربي بحسب رواية ابن سودكين‪ « :‬لقد كان خلوتي من الفجر‪ ،‬وكان فتحي قبل طلوع الشمس‪ ...‬والزمت‬ ‫‪ 147‬‬
‫مكاني أربعة عشر شهراً‪ .‬وحصل لي بذلك االسرا الذي ألفته بعد الفتح‪ .‬وكان فتحي جذبة في تلك اللحظة‪ » .‬انظر‬
‫كتاب وسائل السائل‪ ،‬تحقيق ‪ M.Profitlich,Maiz 1973,p21‬والمعروف أن كتاب اإلسرا إلى المقام األسرى‬
‫ألفه ابن عربي في مدينة فاس سنة ‪594‬ه‪.‬‬
‫جملة ‪« :‬وهو الشيخ ابو مدين رضي اهلل عنه»‪ .‬ساقطة في باقي النسخ‪.‬‬ ‫‪1 48‬‬
‫في مخطوط جار اهلل (ق ‪122‬أ) ‪« :‬فعرفتها» و»بها» ساقطة‬ ‫‪ 149‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪345‬أ)‪« :‬إلى»‬ ‫‪ 150‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق ‪345‬أ) كلمة‪« :‬الهيبة» ساقطة‪.‬‬ ‫‪ 151‬‬
‫في بقية النسخ‪« :‬عظيم»‬ ‫‪ 152‬‬
‫في مخطوط بيازيد (ق‪345‬أ) كلمة‪« :‬يا علي» ساقطة‪.‬‬ ‫‪ 153‬‬
‫‪43‬‬
‫الدين‬
‫‬ ‫بكري عالء‬

‫ويــا عليــم و يــا حليــم»‪ .‬ومــا مــن ذكــر إال ولــه نتيجــة تخصــه‪ .‬فــإذا فهمــت كيفيــة حــاالت الخلــوة‪ 154‬و‬
‫صورتهــا‪ ،‬فادخلهــا بــأي ذكــر‪ ،155‬فإنــه يعطيــك مــا فــي قوتــه‪ ،‬وال بــد‪.156‬‬

‫‪ 154‬في مخطوط شهيد علي (ق ‪207‬ب) وردت‪« :‬خلوات»‬


‫‪ 155‬موجودة في بقة النسخ‪« :‬شئت» ‪.‬‬
‫‪ 156‬نهايــة مخطــوط بيازيــد (ق‪345‬أ)‪ « :‬وأن يكــون الذكــر فــي الخلــوات كلهــا بالقلــب – والعلــم فيــه‪ ،‬ومــن ال يخشــى مــن‬
‫التفرقــة فيذكــر بالقلــب‪ -‬واللســان ويصغــي باألذنيــن فــا ترتيــب فــي الخلــوات أصـ ًـا بــأي اســم شــئت ســواء كان ال الــه‬
‫اال اهلل أو أســماء الصفــات كالحــي والقيــوم‪ .‬ويكفــي هــذا القــدر مــن التنبيــه‪ ،‬والحمــد هلل رب العالميــن‪ ،‬وصلــى اهلل علــى‬
‫محمــد وآلــه وصحبــه وســلم‪ .‬تــم الكتــاب بعــون اهلل تعالــى علــى يــد العبــد الضعيــف عيســى بــن ابراهيــم بــن (أحمــد؟)‬
‫الســرميني بحلــب المحميــة‪ ،‬صبيحــة نهــار األحــد رابــع عشــر صفــر ســنة ‪ 782‬للهجــرة المطهــرة علــى صاحبهــا أفضــل‬
‫الصــاة والســام»‪ .‬وورد فــي أخــر ســطر كلمــة‪ « :‬بلــغ»‪ ،‬ممــا يــدل علــى أن هــذا المخطــوط فيــه مقابلــة‪.‬‬
‫نهايــة مخطــوط جــار اهلل (ق‪122‬أ)‪ «:‬ويكفــي هــذا القــدر مــن التنبيــه‪ .‬وبــه انتهــى الغــرض والحمــد هلل رب العالميــن‪ ،‬وصلواتــه‬
‫علــى نبيــه محمــد وآلــه الطاهريــن وســلم تســليما»‪.‬‬
‫نهايــة مخطــوط شــهيد علــي (ق‪207‬ب)‪ « :‬ويكفــي هــذا القــدر مــن التنبيــه‪ ،‬والحمــد هلل رب العالميــن‪ ،‬وصلــى اهلل علــى محمــد‬
‫وآلــه الطيبيــن الطاهريــن وصحبــه اجمعيــن‪ ».‬قوبلــت‬
‫‪44‬‬

You might also like